فات الميعاد !!! قالت له فات الميعاد وهي تودعه !! كان امامها يتلعثم في كلماته يبحث عن ارقها ليذبحها به !! كانت تري انصال حروفه مشحوذه تبحث عن وريدها ، تري قسوه دفينه في عينيه تغلفها ابتسامه مزيفه لم تطمئنها ابدا !!! تعرف كل كلماته ، تعرف ايهما ستتعثر في فاه ، ايهما ستخرج مسرعه كطلقه الرصاص من فوهه المسدس ، قاطعت حديثه ، ودعته ، تعجب ، غضبت ، ليس له حق يتعجب ، هو يعلم انه يودعها وهي فهمت كلماته ، غضبت لانه لايحترم ذكاءها واحاسيسها ونسي قدرتها السريعه علي فهمه ، ابتسامتها اربكته ، ضيعت نصف الكلام الذي جهزه لتلك المناسبه الموجعه ، تعثر في جفاف لعابه يبحث عن كلمات تناسب ابتسامه الوداع لكنه لم يجد ، كان يعرف دموع الوداع وكيف سيجففها ويرضي عن نفسه لانه كان حنونا حتي اللحظه الاخيره ، لكن ابتسامتها اربكته ، كانها سعيده لفراقه ، كانها كانت تتنظر وداعه وتتمناه ، ارتبك وقفزت بعض قطرات العرق فوق جبهته ، كانها هي التي تودعه وهو الذي يلتقي الصدمه ، ابتسمت وهمست فات الميعاد !!!!
ودعته مبتسمه ، كانت ترغب في البكاء ، لكنها ابتسمت ، نعم ابتسمت ، فكل مايحدث هزلي عبثي ، هو يهجرها واهما انه وجد ضاله طمأنينته وامانه لكنه يقذف بروحه في الفضاء الموحش ، لايدرك كم سيفتقدها كم سيخسرها ، لايدرك وهي لن تنبهه ، فاعظم التجارب التي تعلم البشر لايدركوا حكمتها الا اذا مزقتهم سياط الضياع ، ودعته وهي تبتسم ، لن تهنأه بدموعها ، لن تحسسه بحجم فقدها وخسارتها ، هو يعرف ويتصور لكنه لايحس بوطأه اللحظه عليها ،لذا لو شرحت له لن يجدي ،فهو اعمي اللحظه والقرار ، سيخوض في لج الهم طائعا مختارا ، فرحا منتشيا كانه عثر علي الكنز ضالته ، وهي تراه يغرق وتراه يضيع ، هو يبتسم لابتسامتها ، يتصور ان كل مقدماته الفاشله هونت عليها ، يتصور ان كلماته الجوفاء تركت اثر في روحها وهونت احزانها ، لن تحرمه فرصه الوهم الاخير ، لن تمنحه دموعها فيحزن علي حزنها ويستجلب من نفسه حنانا اوشك علي النفاذ ليربت علي كتفها كانها يدرك وجيعتها !!!
ودعته وهي تؤكد عليه ، فات الميعاد !!! لم يفهم بالطبع ، اي ميعاد فات ، هو يغادرها ولن يعود ، وهي لن تنتظره ، والمواعيد بينهما انتهت ومعها الرقه والحنان ، تصورها تهذي ، وجم اشفاقا عليها ، لم يستقبل رسالتها ، لم يفهم معناها ، الوهم العذب الذي يتصور نفسه سيذهب اليه عطل مراكز احساسه وفقأ بصيرته ، ودعها مرتاحا ، لم تصعب عليه المأموريه ، ودعته ساخره من عذاباته التي تعرفها وهو لايعرفها ، ودعها راضيا عن نفسه ، ودعته حزينه عليه ، اخر كلمه سمعها من فمها المغلق ، فات الميعاد ، هز راسه واعطاها ظهره وسار في طريقه!!!
تعتب علي ليه ، انا بايديا ايه .... في سيارته بعد خمسه سنوات يسمع الاغنيه التي ودعته بها ، كان تعيسا ضائعا ، عاد لبيت شقيقته التي ربته بعد موت ابيه وامه ، زوجته هجرت البيت ومعها الاطفال ، بقي حبيسا اسير الجدران الخاليه ، ارهق من الوحشه ، سيعود لحضن شقيقته وينام ، اغلق باب شقته فجرا ونزل السلم متسللا ، لايريد يوقظ الجيران ، لايريد سماع صوت خطواته الاخيره علي السلم الذي كاد يوقف قلبه سنوات وسنوات وهو يصعده غاضبا وينزل عليه محروق الدم حزين ، نعم سنوات وشهور ، بذل كل جهده للحفاظ علي ذلك البيت ، الصوره الاجتماعيه الجميله ، اسره سعيد تساوي حياه افضل ، زوجه وطفلين وتلفزيون كبير ومائده افطار ودولاب ملابس كبير ، انها الصوره الاجتماعيه الجميله التي تاخر كثيرا حتي وضعها في اطاره ، قبلها كان طريدا ، لايحظي بالقبول العائلي ، يجلس وسط اصدقائه وفاضه خالي من نوادر الاطفال ومشاجرات الزوجه وقسط الجمعيه ، طريدا لايشاركهم سعادتهم ولاحزنهم ، حاصروه خارج حظائر رضائهم ، يعيش صعلوك بلا مسئوليات وحياته بلاهدف ، اخته تدبر له اموره وافسدته حتي الثماله ، تمرد علي حياته التي يحبها وقرر يلتحق بركبهم ، نعم سيكون اسرة وينجب اطفال ويصرف راتبه قبل نصف الشهر ويشتم زوجته ويقلد صغاره وهم ينطقون كلماتهم الاولي ، قرر يلتحق بركبهم ، ولتذهب قراراته المتمرده علي عالمهم الممل للجحيم ، سيشاركهم همومهم ، هذا هو المواطن الصالح الذي سيرضي عنه الجميع ، اما حياته وحريته واختياراته ، فجميعها في ستين سلامه !!!
ودخل عش الدبابير برجليه ، كون اسره وانجب اطفال واستدان ليسدد قسط الجمعيه واكتأب وصار مثلهم جميعا يفر من الاسر مخنوقا ، يجلس وسطهم مثلهم جميعا همومه كمثل همومهم وضيقه مثل ضيقهم واسرته الصغيره مثل اسرهم جميعا !!! ومرت السنوات وازدات خنقته اكثر واكثر ، زوجته الطيبه حاولت معه بكل الطرق تعيده لرشده وتبقيه زوجا صالحا وابا مضحيا ، لكنها فشلت لم تكن تعرفه ولا حقيقه تمرده ، تصورته رجلا مناسبا لمشروع زواجها ، تزوجت الوظيفه المرموقه والراتب الكبير والكرافتات الشيك التي انفق عليها معظم دخله ، لاتعرف تمرده وحقيقه نفسيته ، وعندما اقتربت منه عرفت الهوه التي اختارتها لتسكن فيها ، هوه سحيقه ، تحس نفسها كل يوم ستسقط فيها ، تتراجع امامه فلا يرضي ، تتشاجر فيتوحش ، تصمت فيصمت ، تتكلم فلا يرد عليها ، ينظر لصوره زفافهما ويبتسم ، هذه هي بطاقه الرضاء الاجتماعي عن حياته ، اما حياته شخصيا فتذهب للجحيم ، زوجته سيده طيبه مثل ملايين النساء ، لكنه ليس كمثل ملايين الرجال ، العيب فيه وهي لاتعرف وهو ايضا لم يكن يعرف !!!!
وذات يوم ، ضاقت زوجته باحساسها بالوقوف مرتاعه علي حافه الهاويه فقررت تنزلق اليها بارادتها وحريتها ، تشاجرت معه اعربت عن ضيقها من صمته انزواءه حزنه الذي لاتعرف له سبب ، انت لاتحبني ، تشاجرت معه كانها تتمناه يدافع عن وجودها معه فتبقي للابد معه وبجواره زوجه صالحه ، لكنه صمت وصمت ، انت لاتحبني ، صمت وابتسم ونظر لصوره زفافهما ، نعم انه لايحبها لكنه تزوجها ليكون اسره سعيده، سمعت صوته الداخلي ، وقعت في الهوه التي طالما خافت منها ، فاخذت اطفالها ورحلت ، مزقت الصوره والاطار ورحلت ، تنفس الصعداء وبكي ، كانه كان في السجن وافرج عنه قبل الميعاد وبغير توقع ، بكي ونام يومين ووقت استيقظ لملم ثيابه واغلق باب الشقه ورحل!!!
استرد حريته وعادت به سنوات العمر للوراء ، يفتقد اطفاله لكنه يفتقد نفسه اكثر ، استراح من النظر للصوره فر من الاطار ، دافع عنه نفسه هي التي رحلت ، لم يقل لاحد انه سعد برحيلها ، اشتري ملابس جديده وشريط لعبد الحليم ، في احضان الحبايب شوك ، يغنيها بالم كانه حزينا لرحيل زوجته ، كانه كانها يحبها ولم تمنحه الا الشوك ، يغنيها بالم لايري دموعها وهو لم يمنحها الا الشوك ، سياخذ اجازه من عمله ، سيستمتع بحريته ، سيوسط اخرين ليسالوها عن طلبات الطلاق ، لن يفتح باب الصلح والرجوع ، هي صاحبه كرامه عاليه ، لن تقبل الرجوع اليه الا ان تمرمغ في الارض يزأر بحبها ، وهو لايحبها ولن يكذب ثانيه ، سيطلقها بطريقه متحضره و" ربنا يسهل لها " ، خاصمته اخته لم يكتر ، يلومها في قراره نفسه ، كفاكي افسدت حياتي الاولي ، لن اسمح لك ثانيه بافساد ما تبقي ... استرد حريته ووحدته وخرج الي الابد من جنه الرضاء الاجتماعي ، لم يعد صايع فقط ، بل صار صايع ونذل ، لم يحافظ علي اسرته واطفاله والست الاصليه التي تزوجته وتحملت جنونه وشروده وصمته !!!!
جلس علي فراشه في غرفه اخته ، يبحلق في السقف ، ماذا سيفعل في وقته الكثير ، هل احس بالملل ، ربما ، تذكرها ، تصور انه يشتاق لها ، نعم كان يحبها ، نعم ضيعها من يديه ، نعم تخلي عن حبها لصالح المشروع الاجتماعي الذي اثبت فشله في النهايه ، سيتصل بها ، سيبكي علي بابها ، ستفتح لها حضنها كعادتها ، لن تصده ، هذه عادتها ، سترحب به وسيعود لها !!!!!!
طلبها في تليفونها المحمول ، جرس ولا ترد ، ربما لم تسمع الجرس !!! طلبها مره ثانيه وعاشره ، لم ترد !!! قادته قدميه تحت منزلها ، رفع راسه للشرفه التي طالما جلس فيها معها يرسم احلامهما ، يتمناها تنظر صدفه فتراه محبا هائما تحت شرفتها لكنها لم تطل ، يتمناها تخرج من باب المنزل ، تصطدم به لكنها لم تخرج ، يطلبها مرتين ثلاثه ، لاترد عليه !!!
تذكر ابتسامتها في لقائهما الاخير ، سمع همسها " فات الميعاد " سيسالها وقت يراها لماذا قالت له ماقالته ، لكنها لاترد علي تليفونه ، لاتسمح له يراها ، انتبه فجأ لرسالتها الاخيره وقت الوداع " فات الميعاد " احس الما في صدره ومعدته ، فهم الرساله ومعناها ، كانت تودعه للابد ، تغلق الباب في وجهه بغير رجعه ، فهم رسالتها وقت استطاع يفهمها ، لكنه لايصدق ، كانت تحبه بقوه ، كانت تعتبره حياتها ، نعم هي مطلقه شابه بابن كصغير يناديه " بابا " لكن طلاقها يقف حائلا في طريق حبهما ، شقيقته لم ترضي عن زواجه بها ، بكت وخاصمته وذكرته بامه وحلفته برحمتها الا يفعل في نفسه مايتمناه ، لاتتزوج مطلقه وانت زينه الرجاله ، خاصمته حتي وافقها ، ذهب اليها وهي تنتظر تحديد لميعاد زواجهما ليخبرها باستحاله زواجهما ،شقيقته التي هي مثل امه واكثر ترفض ، وهو لايقوي علي اغضابها ، مريضه هي ولو غضبت منه ستموت ولن يسامح نفسه ، اخبرها وانتظر ثورتها لكن رفض شقيقته لوجودها في حياته لم يزعجها ،هكذا يتصور ، مازال يتذكر يوم اخطرها برفض شقيقته واضراره للانصياع اليها ، يتذكر التعبير الغريب الذي ارتسم علي وجهها ، لم تغضب منه ولم تلومه ولم تتهمه بالتخلي عنها ، تفهمت رفض شقيقته وانصياعه ، يومها اكد عليها حبه ، هزت راسها ووافقته ، تقدر حبه وتقدر خضوعه لشقيقته التي ربته ومنحته كل حبها وحياتها ولايقوي علي اغضابها ، تفهمت كل هذا واكثر ، وبقي يحبها ولايتزوجها ، وهي تحبه ولا تطالبه بالزواج وشقيقته تقف بينهما بالمرصاد ، تتمني له ابنه الحلال التي ستسعده ، ووقت عثر عليها ودخلت الامور في وقت الحسم ، ذهب اليها وودعها ، ودعته وهمست فات الميعاد ، لم يفهم وقتها ، لكنه الان فهم ، كانت تغلق الابواب بينهما للابد ، لكنه لايصدقها ، وقت يقرر يذهب اليه ستفتح احضانها وتحتويه ، ستفرج برجوعه ، سترحب به وتنسي كل الهجر بينهما ، كان فراقهما لم يحدث ،هي مازالت تنتظره ، يتابع اخبارها ، مازالت تنتظره ، سيثبت لها بطريقه عمليه انه يحبها ، سيعرض عليها الزواج ، سيعوضها كل الم الغياب ووجع الفقد وهجر الايام ، يتمناها فقط ترد عليه لكنها لاترد !!!
مازال فوق السرير في منزل شقيقته يبحلق في السقف ، يكاد يحطم تليفونه المحمول ، طلبها مليون مره وهي لاترد عليه ، متكبره ، تتركه يرن ولا ترد ، لو ان تليفونها مغلق لاستراح ، نعم سيطاردها ويطلبها مليون مره لكنه لن يتالم لانها لاترد عليه ، لكنها ترغب في ايلامه ، تتركه يرن ولا ترد ، معدته تتمزق من الالم ، سيذهب منزلها يقتحم بابه سيتشاجر معها سيؤكد عليها حبه لن يعتذر لها عن الوداع لانها كان مضطرا لكنه عاد وعليها فهم غيابه وعودته والترحيب بوجوده ، نعم سيذهب اليها ويستعيدها !! احس شوقه لاطفاله ، سيكلمهم غدا ويرسل لهم نقودا مع شقيقته ولن يصالح زوجته !!!
جلس امامها ، يحدق في وجهها لايعرفها ، في عينيها نظرات زجاجيه لم يراها من قبل ، ابتسم كانه سيفتح الحوارالذي اعده ليعيد الوصال بينهما ، اجلسته في الصالون الذي طالما كرهه ، الصالون للغرباء وهو لم يكن ابدا غريب ، لكنها تعامله الان معامله الغرباء ، ادخلته الصالون وقدمت له القهوه في فنجان وهي تعرف انه يحبها في كوبايه ، دخل ابنها يودعها ، رجلا كبيرا ، سلم عليه بحذر وسالها " عايزه حاجه ياماما " ابتسمت ماما في وجهه بسعاده وودعته ، التفت له وسالته " افندم " تلعثم في الكلمات ، لايجد القصائد التي اعدها ، لايجد الاعذار التي ستسامحه من اجلها ، انه غريب في منزلها ، هي غريبه تجلس امامه بعيون زجاجيه ، تمناها تتشاجر معه ، كان سيصالحها ، سيفهم غضبها منه حبا دفينا واثق هو من قدرته علي احياءه ، لكنها لم تتشاجر ولم تبتسم ، بقيت رخاميه الجسد زجاجيه النظره صوتها غريب لاياتي من قلبها مثلما اعتاد عليه ، كره اللقاء وتمناه ينتهي وبسرعه ، قال كلام لايذكره ، قالت كلام لايذكره ، فقط احس برغبه في الرحيل واحسها تتمناه يرحل ، ودعها مرتبكا ودعته بثقه وخرج من منزلها حزينا صامت مهزوم !!!
عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يازمان ، هذه رسالتها الاخيره التي ودعته بها من خمسه سنوات ، كانت تعرف مالذي سيحدث له ، كانت تعرف انه سيعود لها يوما مهزوما منكسرا ، كانت تعرف كل ماسيجري له ، ولم تحذره ، تركته يغرق في بحار اوهامه ، تركته يرحل كانه لاقيمه له عندها ، وقتها اوضحت لها بحسم وقوه ان الميعاد فات ، ميعاد رجوعه لها ، ميعاد وجوده في حياتها ، قالت له ان الميعاد فات و......... قول للزمان ارجع يازمان !!! الان فقط فهم رساله وداعها فهم سر ابتسامتها الاخيره ، رفع راسه للشرفه يتمناها تراقب لحظه رحيله ، لكنها لم تمنحه تلك الدرجه التافهه من الاهتمام ، كانت تعذبت بغيابه وتوجعت بهجره وتالمت من فقدان حبه ، لكنها كانت تعرف قلبها ، سيلفظه للابد ، سيتالم حتي الثماله ويتوجع حتي الموت لكنه لن يطمئن له مره ثانيه ابدا ، وعاشت ماتصورته ، تتوجع تتعذب تتالم و......... خرج من قلبها للابد !! كانت واثقه من عودته واثقه من هزيمه مشروعه الاجتماعي واثقه من ضياعه لكنها كانت واثقه اكثر انها ابدا لن تعود اليه و" فات الميعاد وبقينا بعاد "، " وعايزينا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يازمان "!!!!!!!!!
مازال وحيدا ينصت لام كلثوم ويبكي ، زوجته رفضت الصلح واصرت علي الطلاق ، شقيقته خاصمته ولم تصالحه حتي ماتت ، اطفاله كبروا بعيدا عن حضنه ، وهي ... هي ... نسيته " وهات لي قلب لاداب ولا حب ولاانجرح ولا شاف حرمان " !!!!
ودعته مبتسمه ، كانت ترغب في البكاء ، لكنها ابتسمت ، نعم ابتسمت ، فكل مايحدث هزلي عبثي ، هو يهجرها واهما انه وجد ضاله طمأنينته وامانه لكنه يقذف بروحه في الفضاء الموحش ، لايدرك كم سيفتقدها كم سيخسرها ، لايدرك وهي لن تنبهه ، فاعظم التجارب التي تعلم البشر لايدركوا حكمتها الا اذا مزقتهم سياط الضياع ، ودعته وهي تبتسم ، لن تهنأه بدموعها ، لن تحسسه بحجم فقدها وخسارتها ، هو يعرف ويتصور لكنه لايحس بوطأه اللحظه عليها ،لذا لو شرحت له لن يجدي ،فهو اعمي اللحظه والقرار ، سيخوض في لج الهم طائعا مختارا ، فرحا منتشيا كانه عثر علي الكنز ضالته ، وهي تراه يغرق وتراه يضيع ، هو يبتسم لابتسامتها ، يتصور ان كل مقدماته الفاشله هونت عليها ، يتصور ان كلماته الجوفاء تركت اثر في روحها وهونت احزانها ، لن تحرمه فرصه الوهم الاخير ، لن تمنحه دموعها فيحزن علي حزنها ويستجلب من نفسه حنانا اوشك علي النفاذ ليربت علي كتفها كانها يدرك وجيعتها !!!
ودعته وهي تؤكد عليه ، فات الميعاد !!! لم يفهم بالطبع ، اي ميعاد فات ، هو يغادرها ولن يعود ، وهي لن تنتظره ، والمواعيد بينهما انتهت ومعها الرقه والحنان ، تصورها تهذي ، وجم اشفاقا عليها ، لم يستقبل رسالتها ، لم يفهم معناها ، الوهم العذب الذي يتصور نفسه سيذهب اليه عطل مراكز احساسه وفقأ بصيرته ، ودعها مرتاحا ، لم تصعب عليه المأموريه ، ودعته ساخره من عذاباته التي تعرفها وهو لايعرفها ، ودعها راضيا عن نفسه ، ودعته حزينه عليه ، اخر كلمه سمعها من فمها المغلق ، فات الميعاد ، هز راسه واعطاها ظهره وسار في طريقه!!!
تعتب علي ليه ، انا بايديا ايه .... في سيارته بعد خمسه سنوات يسمع الاغنيه التي ودعته بها ، كان تعيسا ضائعا ، عاد لبيت شقيقته التي ربته بعد موت ابيه وامه ، زوجته هجرت البيت ومعها الاطفال ، بقي حبيسا اسير الجدران الخاليه ، ارهق من الوحشه ، سيعود لحضن شقيقته وينام ، اغلق باب شقته فجرا ونزل السلم متسللا ، لايريد يوقظ الجيران ، لايريد سماع صوت خطواته الاخيره علي السلم الذي كاد يوقف قلبه سنوات وسنوات وهو يصعده غاضبا وينزل عليه محروق الدم حزين ، نعم سنوات وشهور ، بذل كل جهده للحفاظ علي ذلك البيت ، الصوره الاجتماعيه الجميله ، اسره سعيد تساوي حياه افضل ، زوجه وطفلين وتلفزيون كبير ومائده افطار ودولاب ملابس كبير ، انها الصوره الاجتماعيه الجميله التي تاخر كثيرا حتي وضعها في اطاره ، قبلها كان طريدا ، لايحظي بالقبول العائلي ، يجلس وسط اصدقائه وفاضه خالي من نوادر الاطفال ومشاجرات الزوجه وقسط الجمعيه ، طريدا لايشاركهم سعادتهم ولاحزنهم ، حاصروه خارج حظائر رضائهم ، يعيش صعلوك بلا مسئوليات وحياته بلاهدف ، اخته تدبر له اموره وافسدته حتي الثماله ، تمرد علي حياته التي يحبها وقرر يلتحق بركبهم ، نعم سيكون اسرة وينجب اطفال ويصرف راتبه قبل نصف الشهر ويشتم زوجته ويقلد صغاره وهم ينطقون كلماتهم الاولي ، قرر يلتحق بركبهم ، ولتذهب قراراته المتمرده علي عالمهم الممل للجحيم ، سيشاركهم همومهم ، هذا هو المواطن الصالح الذي سيرضي عنه الجميع ، اما حياته وحريته واختياراته ، فجميعها في ستين سلامه !!!
ودخل عش الدبابير برجليه ، كون اسره وانجب اطفال واستدان ليسدد قسط الجمعيه واكتأب وصار مثلهم جميعا يفر من الاسر مخنوقا ، يجلس وسطهم مثلهم جميعا همومه كمثل همومهم وضيقه مثل ضيقهم واسرته الصغيره مثل اسرهم جميعا !!! ومرت السنوات وازدات خنقته اكثر واكثر ، زوجته الطيبه حاولت معه بكل الطرق تعيده لرشده وتبقيه زوجا صالحا وابا مضحيا ، لكنها فشلت لم تكن تعرفه ولا حقيقه تمرده ، تصورته رجلا مناسبا لمشروع زواجها ، تزوجت الوظيفه المرموقه والراتب الكبير والكرافتات الشيك التي انفق عليها معظم دخله ، لاتعرف تمرده وحقيقه نفسيته ، وعندما اقتربت منه عرفت الهوه التي اختارتها لتسكن فيها ، هوه سحيقه ، تحس نفسها كل يوم ستسقط فيها ، تتراجع امامه فلا يرضي ، تتشاجر فيتوحش ، تصمت فيصمت ، تتكلم فلا يرد عليها ، ينظر لصوره زفافهما ويبتسم ، هذه هي بطاقه الرضاء الاجتماعي عن حياته ، اما حياته شخصيا فتذهب للجحيم ، زوجته سيده طيبه مثل ملايين النساء ، لكنه ليس كمثل ملايين الرجال ، العيب فيه وهي لاتعرف وهو ايضا لم يكن يعرف !!!!
وذات يوم ، ضاقت زوجته باحساسها بالوقوف مرتاعه علي حافه الهاويه فقررت تنزلق اليها بارادتها وحريتها ، تشاجرت معه اعربت عن ضيقها من صمته انزواءه حزنه الذي لاتعرف له سبب ، انت لاتحبني ، تشاجرت معه كانها تتمناه يدافع عن وجودها معه فتبقي للابد معه وبجواره زوجه صالحه ، لكنه صمت وصمت ، انت لاتحبني ، صمت وابتسم ونظر لصوره زفافهما ، نعم انه لايحبها لكنه تزوجها ليكون اسره سعيده، سمعت صوته الداخلي ، وقعت في الهوه التي طالما خافت منها ، فاخذت اطفالها ورحلت ، مزقت الصوره والاطار ورحلت ، تنفس الصعداء وبكي ، كانه كان في السجن وافرج عنه قبل الميعاد وبغير توقع ، بكي ونام يومين ووقت استيقظ لملم ثيابه واغلق باب الشقه ورحل!!!
استرد حريته وعادت به سنوات العمر للوراء ، يفتقد اطفاله لكنه يفتقد نفسه اكثر ، استراح من النظر للصوره فر من الاطار ، دافع عنه نفسه هي التي رحلت ، لم يقل لاحد انه سعد برحيلها ، اشتري ملابس جديده وشريط لعبد الحليم ، في احضان الحبايب شوك ، يغنيها بالم كانه حزينا لرحيل زوجته ، كانه كانها يحبها ولم تمنحه الا الشوك ، يغنيها بالم لايري دموعها وهو لم يمنحها الا الشوك ، سياخذ اجازه من عمله ، سيستمتع بحريته ، سيوسط اخرين ليسالوها عن طلبات الطلاق ، لن يفتح باب الصلح والرجوع ، هي صاحبه كرامه عاليه ، لن تقبل الرجوع اليه الا ان تمرمغ في الارض يزأر بحبها ، وهو لايحبها ولن يكذب ثانيه ، سيطلقها بطريقه متحضره و" ربنا يسهل لها " ، خاصمته اخته لم يكتر ، يلومها في قراره نفسه ، كفاكي افسدت حياتي الاولي ، لن اسمح لك ثانيه بافساد ما تبقي ... استرد حريته ووحدته وخرج الي الابد من جنه الرضاء الاجتماعي ، لم يعد صايع فقط ، بل صار صايع ونذل ، لم يحافظ علي اسرته واطفاله والست الاصليه التي تزوجته وتحملت جنونه وشروده وصمته !!!!
جلس علي فراشه في غرفه اخته ، يبحلق في السقف ، ماذا سيفعل في وقته الكثير ، هل احس بالملل ، ربما ، تذكرها ، تصور انه يشتاق لها ، نعم كان يحبها ، نعم ضيعها من يديه ، نعم تخلي عن حبها لصالح المشروع الاجتماعي الذي اثبت فشله في النهايه ، سيتصل بها ، سيبكي علي بابها ، ستفتح لها حضنها كعادتها ، لن تصده ، هذه عادتها ، سترحب به وسيعود لها !!!!!!
طلبها في تليفونها المحمول ، جرس ولا ترد ، ربما لم تسمع الجرس !!! طلبها مره ثانيه وعاشره ، لم ترد !!! قادته قدميه تحت منزلها ، رفع راسه للشرفه التي طالما جلس فيها معها يرسم احلامهما ، يتمناها تنظر صدفه فتراه محبا هائما تحت شرفتها لكنها لم تطل ، يتمناها تخرج من باب المنزل ، تصطدم به لكنها لم تخرج ، يطلبها مرتين ثلاثه ، لاترد عليه !!!
تذكر ابتسامتها في لقائهما الاخير ، سمع همسها " فات الميعاد " سيسالها وقت يراها لماذا قالت له ماقالته ، لكنها لاترد علي تليفونه ، لاتسمح له يراها ، انتبه فجأ لرسالتها الاخيره وقت الوداع " فات الميعاد " احس الما في صدره ومعدته ، فهم الرساله ومعناها ، كانت تودعه للابد ، تغلق الباب في وجهه بغير رجعه ، فهم رسالتها وقت استطاع يفهمها ، لكنه لايصدق ، كانت تحبه بقوه ، كانت تعتبره حياتها ، نعم هي مطلقه شابه بابن كصغير يناديه " بابا " لكن طلاقها يقف حائلا في طريق حبهما ، شقيقته لم ترضي عن زواجه بها ، بكت وخاصمته وذكرته بامه وحلفته برحمتها الا يفعل في نفسه مايتمناه ، لاتتزوج مطلقه وانت زينه الرجاله ، خاصمته حتي وافقها ، ذهب اليها وهي تنتظر تحديد لميعاد زواجهما ليخبرها باستحاله زواجهما ،شقيقته التي هي مثل امه واكثر ترفض ، وهو لايقوي علي اغضابها ، مريضه هي ولو غضبت منه ستموت ولن يسامح نفسه ، اخبرها وانتظر ثورتها لكن رفض شقيقته لوجودها في حياته لم يزعجها ،هكذا يتصور ، مازال يتذكر يوم اخطرها برفض شقيقته واضراره للانصياع اليها ، يتذكر التعبير الغريب الذي ارتسم علي وجهها ، لم تغضب منه ولم تلومه ولم تتهمه بالتخلي عنها ، تفهمت رفض شقيقته وانصياعه ، يومها اكد عليها حبه ، هزت راسها ووافقته ، تقدر حبه وتقدر خضوعه لشقيقته التي ربته ومنحته كل حبها وحياتها ولايقوي علي اغضابها ، تفهمت كل هذا واكثر ، وبقي يحبها ولايتزوجها ، وهي تحبه ولا تطالبه بالزواج وشقيقته تقف بينهما بالمرصاد ، تتمني له ابنه الحلال التي ستسعده ، ووقت عثر عليها ودخلت الامور في وقت الحسم ، ذهب اليها وودعها ، ودعته وهمست فات الميعاد ، لم يفهم وقتها ، لكنه الان فهم ، كانت تغلق الابواب بينهما للابد ، لكنه لايصدقها ، وقت يقرر يذهب اليه ستفتح احضانها وتحتويه ، ستفرج برجوعه ، سترحب به وتنسي كل الهجر بينهما ، كان فراقهما لم يحدث ،هي مازالت تنتظره ، يتابع اخبارها ، مازالت تنتظره ، سيثبت لها بطريقه عمليه انه يحبها ، سيعرض عليها الزواج ، سيعوضها كل الم الغياب ووجع الفقد وهجر الايام ، يتمناها فقط ترد عليه لكنها لاترد !!!
مازال فوق السرير في منزل شقيقته يبحلق في السقف ، يكاد يحطم تليفونه المحمول ، طلبها مليون مره وهي لاترد عليه ، متكبره ، تتركه يرن ولا ترد ، لو ان تليفونها مغلق لاستراح ، نعم سيطاردها ويطلبها مليون مره لكنه لن يتالم لانها لاترد عليه ، لكنها ترغب في ايلامه ، تتركه يرن ولا ترد ، معدته تتمزق من الالم ، سيذهب منزلها يقتحم بابه سيتشاجر معها سيؤكد عليها حبه لن يعتذر لها عن الوداع لانها كان مضطرا لكنه عاد وعليها فهم غيابه وعودته والترحيب بوجوده ، نعم سيذهب اليها ويستعيدها !! احس شوقه لاطفاله ، سيكلمهم غدا ويرسل لهم نقودا مع شقيقته ولن يصالح زوجته !!!
جلس امامها ، يحدق في وجهها لايعرفها ، في عينيها نظرات زجاجيه لم يراها من قبل ، ابتسم كانه سيفتح الحوارالذي اعده ليعيد الوصال بينهما ، اجلسته في الصالون الذي طالما كرهه ، الصالون للغرباء وهو لم يكن ابدا غريب ، لكنها تعامله الان معامله الغرباء ، ادخلته الصالون وقدمت له القهوه في فنجان وهي تعرف انه يحبها في كوبايه ، دخل ابنها يودعها ، رجلا كبيرا ، سلم عليه بحذر وسالها " عايزه حاجه ياماما " ابتسمت ماما في وجهه بسعاده وودعته ، التفت له وسالته " افندم " تلعثم في الكلمات ، لايجد القصائد التي اعدها ، لايجد الاعذار التي ستسامحه من اجلها ، انه غريب في منزلها ، هي غريبه تجلس امامه بعيون زجاجيه ، تمناها تتشاجر معه ، كان سيصالحها ، سيفهم غضبها منه حبا دفينا واثق هو من قدرته علي احياءه ، لكنها لم تتشاجر ولم تبتسم ، بقيت رخاميه الجسد زجاجيه النظره صوتها غريب لاياتي من قلبها مثلما اعتاد عليه ، كره اللقاء وتمناه ينتهي وبسرعه ، قال كلام لايذكره ، قالت كلام لايذكره ، فقط احس برغبه في الرحيل واحسها تتمناه يرحل ، ودعها مرتبكا ودعته بثقه وخرج من منزلها حزينا صامت مهزوم !!!
عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يازمان ، هذه رسالتها الاخيره التي ودعته بها من خمسه سنوات ، كانت تعرف مالذي سيحدث له ، كانت تعرف انه سيعود لها يوما مهزوما منكسرا ، كانت تعرف كل ماسيجري له ، ولم تحذره ، تركته يغرق في بحار اوهامه ، تركته يرحل كانه لاقيمه له عندها ، وقتها اوضحت لها بحسم وقوه ان الميعاد فات ، ميعاد رجوعه لها ، ميعاد وجوده في حياتها ، قالت له ان الميعاد فات و......... قول للزمان ارجع يازمان !!! الان فقط فهم رساله وداعها فهم سر ابتسامتها الاخيره ، رفع راسه للشرفه يتمناها تراقب لحظه رحيله ، لكنها لم تمنحه تلك الدرجه التافهه من الاهتمام ، كانت تعذبت بغيابه وتوجعت بهجره وتالمت من فقدان حبه ، لكنها كانت تعرف قلبها ، سيلفظه للابد ، سيتالم حتي الثماله ويتوجع حتي الموت لكنه لن يطمئن له مره ثانيه ابدا ، وعاشت ماتصورته ، تتوجع تتعذب تتالم و......... خرج من قلبها للابد !! كانت واثقه من عودته واثقه من هزيمه مشروعه الاجتماعي واثقه من ضياعه لكنها كانت واثقه اكثر انها ابدا لن تعود اليه و" فات الميعاد وبقينا بعاد "، " وعايزينا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يازمان "!!!!!!!!!
مازال وحيدا ينصت لام كلثوم ويبكي ، زوجته رفضت الصلح واصرت علي الطلاق ، شقيقته خاصمته ولم تصالحه حتي ماتت ، اطفاله كبروا بعيدا عن حضنه ، وهي ... هي ... نسيته " وهات لي قلب لاداب ولا حب ولاانجرح ولا شاف حرمان " !!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق