مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



السبت، 26 أبريل 2008

حلم ريم !!!!


( 1 )

تلفتت ريم حولها ، ابتسمت ابتسامه واسعه وهي لاترغب في الابتسام ، وجدت نفسها فجأ في شقه انيقه جديده ، جدرانها تلمع بيضاء نظيفه تتوهج تحت الاضاءة الساطعه للثريات الكريستال البراقة ، اما الارض فرخام اسود يشوبه عروق ذهبية توحي بالعراقة والجمال و الثمن الباهظ ، تلتفت ريم تتأمل المفروشات ، الوانها هادئه نقوشاتها بسيطه ، تتناسب و الجدران الناصعه ، تري علي الارض سجاده عتيقة تفصح عن عمرها المديد الذي طال بسبب مهاره صانع في بلد بعيد احب عمله واتقنه !! تخاف ريم ان تسير عليها ، لكن قدماها تسحبها فوق السجاده فتحس نفسها فوق السحاب ، تسير علي حرير ناعم ثابت ، ترتبك ريم ، وهي التي اعتادت خطي الحصر المصنوعه من الخوص الرديء ، رفعت ريم بصرها للسقف تتأمل الثريات الكريستال ، اغلقت عيناها من وهج المصابيح التي ترمي ضوءها علي السقف الابيض الناصع فيتضاعف النور الاف المرات..

ارتبكت ريم وهي مبتسمه ، تحس ضياعا محببا ، من اتي بها الي هنا ، الي تلك الشقة التي كانت تحلم بها ؟؟، من اصحابها؟؟ ، كيف تفسر وجودها متسلله الي هنا دون اذن او تصريح ، تلفتت برأسها حولها تبحث عن قبس يهديها الي تفسير مفهوم ، كيف اتت الي هنا ؟؟ ،لا تجد اجابه ولا تجد تفسير ورغم هذا لاتحس رعبها المتعاد وقت الغربه والضياع و الخوف من المجهول ، علي العكس ، تحس ارتياحا وطمأنينة كأنها خلقت هنا وكأن تلك الشقة الرائعه وجدت فقط لها ..

تلتفت ريم حول نفسها ، لاتعرف الوقت ، متي اشرقت الشمس ومتي غابت ، هل غابت ، كأنها بينها وبين الدنيا المألوفه حاجز زجاجي سميك ، لايمنعها من الرؤيه بل يمنعها من التفاعل المعتاد ، لفت ذراعها تنظر في معصمها عن ساعتها الرخيصه لم تجدها ، وجدت مكانها ساعه انيقه باهظة الثمن كثيرة الاحجار الكريمه ، يلمع عقربيها علي المينا الصدف ، تحسسها باصابعها مذعورة ، كأنها ليست لها ، بل هي ليست لها ، لكنها تتناسب والفستان الانيق الذي ترتديه و الحذاء اللامع الذي يزين قدميها ، احست ريم بالاغتراب كأنها ليست هي ، لا الشقة شقتها ولا الفستان لها ولا الساعه ساعتها ، ابتسمت ريم ، كـأن روحها انسلت داخل ريم اخري ، اكثر ثراء وصحه و اوفر حظا ، اتسعت ابتسامه ريم ، لكنها هي هذه الريم ، هي التي اكثر ثراء وصحه والاوفر حظا ، فهي التي ترتدي ما ترتديه و تتحرك في الشقة التي لاتعرفها لكنها تنتمي اليها!!


تسير ريم خطوه اثنين ، تصدر من حنجرتها اصوات استكشاف ، كأنها تنتظر ان يظهر لها ، في لحظة ما ، شخصا ما ، قوي قاسي واثق من خطواته ، يفتح باب الشقة ويقذفها علي السلم ، وقتها فقط ستشعر بالرعب ، لكنه رعب اليقين من حقيقتها وحقيقه حياتها ، تلك التي تكرها من اعماق قلبها ، لكنها تعرفها و لاتخاف منها !! لكن الشقه الخاوية لاترد علي ريم ، فلا تجد بدا من البحث بنفسها عن الحقيقه ، تتحرك بخطوات صغيره بطيئه ، تبحث عن شيئا ما يفسر لها حقيقه ما يجري ، لكن حيرتها تزداد و ارتباكها يتعمق ، فجأ يظهر لها علي احد الجدران ، اطار كبير انيق يضم صورتها ، اطار كبير يلمع لمعه وقورة اثريه ، بداخله صورتها ، صورتها هي ؟؟ لتزداد حيرتها اكثر ، فقد افاقت لتجد نفسها تجوب تلك الشقة غريبة غربه حميمة ، تجوب الشقة و تلج في غرفها ، لايعترض طريقها معترض ، ترتبك ريم ، انها تعيش لحظة غير حقيقيه ، وهم ، حلم ، تهز رأسها كأنها ستفيق ، لكنها لاتفيق ، بل هي فائقه بكامل وعيها ، تقترب من الاطار المعلق علي الحائط ، تتأمل صورتها ، صوره جميله ، بل صوره اجمل مما تري نفسها عاده ، فالوجه المحتجز داخل الاطار حر طليق ، يرتسم عليه ملامح الارتياح والراحه و الهدوء ، وجه يظهر عليه اثار مواد التجميل الباهظة الثمن التي لم تقوي يوما علي شراءها ، تبتسم ريم ارتباكا ، تتأمل الصورة بدقه اكثر ، هل صاحبه هذه الصورة هي انا ، ريم ، تهز رأسها نفيا ، لست انا ، تتأمل الصورة ، خاليه من أي اثر للهالات السوداء تحت جفنيها ، من اثر للتجاعيد الصغيره فوق شفتها العليا ، في تلك اللحظة تتحسس ريم شفتها العليا ، فلا تجد فوقها اثر للتجاعيد اللعينه التي كرهتها من كل قلبها ، بل فوق شفتها العليا نسيج ناعم رقيق ، خالي من التجاعيد بل وخالي من الشعيرات الصغيرة التي يؤلمها نزعها والتي تبقيها دائما فتزيد كأبه وجهها كأبة.. هزت ريم رأسها لاتصدق ، فالصورة صورتها ، بل وجهها ، وجهها الذي تعرف كل تضاريسه وتحفظها عن ظهر قلب ، وجهها تحول وتغير ، اصبح هو والصورة الجميله صنوان ، متماثلان ، تتسع ابتسامتها اكثر ، اذا كان هذا الوجه الجميل وجهها ، وكانت هذه الصورة الرائعه صورتها ، فلابد ان هذه الشقة ، شقتها !! ولابد ان تلك الساعه ، الساعه الماسية ساعتها ، ارتفع صوت ضحكات ريم عاليا في الشقة الخاوية ، يتردد صداه ، بين جدرانها صاخبا ، مجدولا بكلمات ريم ، كأن عقلي قد ذهب ، من اين لي هذه الشقه الثمينه المحتويات ، تحسست وجهها ، بل من أي لي هذا الوجه الناعم الصبي ، انا ريم ، موظفه الارشيف في وزاره الصحه ، ريم التي عاشت اكثر من نصف حياتها بين الملفات العتيقه القذرة تحمل من ذرات التراب وبقايا الحشرات المتحلله اكثر مما تحمله من المعلومات والاوراق ، ريم التي عاشت اكثر من نصف حياتها في تلك الشقة الصغيره المدفونه في حارة ضيقة متفرعه من شارع متعرج في تلك المنطقه المتكدسه بالبشر والمباني والدواب الخاليه من الجمال والاشجار والاوكسجين ، شقه صغيره بلا منافذ ، لا تدخل اليها شمسا ولا تشم فيها هواءا ولا تري من نوافذها قمرا ، تهز ريم رأسها تستنجد ببقايا وعيها ، تبحث عن فهم مستعصي عليها في تلك اللحظة التي تأخذها كلية وتسرب الي نفسها سعاده لا تعرف وصفها ، فهي التائهه الغريبة سعيده ومتوائمه مع هذا المكان الوهمي اكثر الاف المرات من سعادتها مع المكان الحقيقي الذي اعتادت عليه و اعتاد عليها .. تسير ريم بخفه ، تحرك ذراعيها بفرح ، تبتسم بثقه اكثر ، ويرتفع صوتها اكثر ، هل عقلي ذهب ؟؟ وفجأ تغضب من نفسها ، لما لايكون قد عاد ؟؟ لما لااكون قد فقت من كابوس طال ، اضج مضجعي ، كابوس حرمني من كل الجمال الذي املكه ، وجها ونفسا ودارا .. لما لااكون قد فقت من هذا الكابوس وتركت القبح والفقر و المعاناه في اعمق اعماقه غير اسفه علي ذلك لاجد نفسي في الجنه التي حلمت بارتيادها طوال ساعات الكابوس الطويل .. ضحكت ريم واستراحت للتفسير الاخير ، والقت بجسدها علي اقرب مقعد وثير ، وتعجبت ان ظهرها لايؤلمها وان مفاصلها لاتئن بصوت الالم المعتاد ، جلست علي المقعد ومدت امامها ساقيها اللامعتين ،خلعت حذائها الانيق ونظرته علي الارض النظيفه البراقة ، تأملت اصابع قدميها لامعه براقة ملونه ، وكفيها ناعمتين خاليتين من الشقوق السوداء والجلد الميت ، هزت ريم رأسها ، كأنها تعرف نفسها في هذه الصورة الباهية ، كأن الاخري تلك المتعبه المرهقه المعذبه ليست الا بطله الكابوس الذي انزاح مفسحا للحقيقه الرائعه مكنه التجلي !! وهكذا استراحت ريم علي المقعد الوثير و ارتخت عضلاتها ، و رنت في اذنيها موسيقي داخليه محببه ، وهامت مع افكارها وغابت وغابت وغابت يرتسم علي وجهها تعبيرا غريب مليء بالامتنان لان الكابوس قد انتهي بكل معاناته اللعينه وبقي لها الواقع الجميل ..


( 2 )

مدت فاتن اصابعها برشاقه وهزت ذراع ريم ، التي ارتجت مكانها مغلقه عيناها باصرار لاتريد فتحهمها ، لكن الحاح فاتن فاق قدرتها علي التجاهل ، ففتحت عيناها بحذر وبطء ، ليتسلل الضوء الخافت في قبو الارشيف محملا بذرات التراب الي عينها ، اغمضت عيناها بسرعه ، كأنها ترفض ما تراه ، لاتحبه ، لاتريد العوده اليه ، لكن ضحكات فاتن الساخرة ، اقتحمت اذنيها "قومي ياعسل ، نوم العوافي " حركت ريم جسدها الرخو من علي الكرسي الخشبي العتيق ، صدر عن الكرسي صرير مألوف لها ، تسلل الوعي الي عقلها الغائب بسرعه ، فهاهي تستيقظ ، فتحت عيناها ذعره ، واغلقتهما بذعر اكثر ، بحثت بكفيها عن حذائها ، ليصطدما ببعضهما البعض ، تسمع صوت الجلد الخشن المبطن لكعبيها ، وفي تلك الحركه العشوائيه تقذف بحذائها القديم بعيدا عن منالها " قومي ياعسل ، ده انا سيباكي من الصبح واخده راحتك " هكذا الحت عليها فاتن ، تستجلب لها اليقظه الكريهه ، فتحت ريم عيناها ، جفناها ثقيلان كأن صمغ لعين لصقهما ورموشها ، لكنها جاهدت ، ثم انتبهت ، ثم ادركت مكانها ، في قبو وزاره الصحه في قسم الارشيف ، وهذا الصوت المزعج الذي يطاردها ، هو صوت فاتن زميلتها في القسم ، ابتسمت ريم ابتسامه واسعه ، متجاهله نظرات فاتن الفضولية " من الصبح سيباكي نايمه ، شكلك خلصان ، صعوبتي عليا " تمطعت ريم وفردت ذراعيها ، لتلمح بطرف عيناها المتعبة ساعتها الرخيصه ، باهته الملامح ، ترقد علي معصمها في مكانها المألوف ، ازدادت ابتسامه ريم اتساعا " اما حتت حلم " تسترجع لحظات الفرح الظاغي التي عاشتها ، تسترجع قسمات وجهها الجميل في الاطار البراق الانيق " منك لله يافاتن ، ماكنتي سيبتيني نايمه " نظرت لها فاتن بلوم " اكتر من كده " دست ريم كعبيها في الحذاء تسمع صوت احتكاك الجلد الخشن بباطن الحذاء الاكثر خشونه ، وقامت من مقعدها تحرك قدميها المتيبستين ، دارت ببصرها حولها ، تري الرفوف اللعينه مكدسه بالملفات المكتظة المربوطه بالحبال ، تري مكتبها ومكتب فاتن ، تلمح الكرسي المكسور امام مكتب فاتن يرتكن عليه ، تتذكر ، شقتها ، تلك الجميله الانيقة ومقعدها الوثير الذي اغفت عليه فعادت من الحلم للكابوس وازدادت ابتسامتها " النبي باينك هبلة " بادرتها فاتن وهي تلم حقيبها وتستعد للرحيل " صاحبه من النوم هطله كده ليه ، من ساعه ما قومتي وانا ما بطلتيش ضحك عمال علي بطال " نظرت لها ريم بشفقة ، فهي لاتعرف ، لم ترد عليها وحملت حقيبتها الرخيصه تحت ابطها فواح الرائحه و تحركت بخطوات بطيئة كأنها لاتصدق انها عائده الي الكابوس الذي ظنت نفسها فرت منه ، وسارت في طريقها لباب الخروج من الحجره ، لكن فاتن امسكت بذراعها " فوقي ياريم وصححي ، كتره الاحلام تهبل ، تضيع العقل ، والحلم في الاول والاخر حلم لايحل مشاكل ولا يعمر بيوت " ازدات شفقه ريم وارتسمت علي وجهها المتعب تعبيرات واضحه " البركه فيكي ، مش انتي فايقة ، وريني بقي حتحلي المشاكل ازاي ، اوعي بلاغلب " وافلتت من قبضتها غاضبه وسارت تهز ذراعيها بقوة ولم تنتظرها " يام كتره الاحلام تهبل ، طب والعيشة السودا تعمل ايه ، بلاغلب !! " واكملت سيرها ، تسمع موسيقي نشاز تصم اذنيها ، صوت احتكاك حذائها البالي علي الارض الاسمنتيه المشققة ، وقتها تدرك عودتها الي كابوس حياتها الواقعي ، فهاهي ريم موظفة الارشيف بوزاره الصحه ، تخرج من باب الوزاره الي الشارع المزدحم المليء بالغازات والرطوبة والتراب ، تنتظر علي الرصيف المكسر الاتوبيس المزدحم الذي تركبه كل يوم .. ابتسمت ريم وهي واقفه علي الرصيف بين كل الناس العابسة ، غريبة بين تعساء لايجدون في حياتهم أي مبرر للابتسام ، ابتسمت تستعيد كل تفاصيل الحلم الذهبي الذي انتشلها من واقعها المرير فهون عليها ساعات العمل المملة وتمنت لو تظل نائمه الي الابد ؟........


" كتابه عثرت عليها مصادفه في احد ملفات الكومبيوتر القديم - يبدو انها مشروع فكره لروايه او قصه كتبتها منذ زمن بعيد ونسيتها فلم تكتمل ....... !!!!! "

عنقود العنب


هرول ورائها ، صرخت فضحك ..

إزداد صراخها فزعا ، إزداد ضحكه هستيرية .. أنقض عليها محاولا الامساك بها ، صغيره عارية الا من لباس أبيض صغير لايغطي الا عورتها الصغيرة ، يتناسب وطفولتها ودرجة الحرارة المرتفعة .. تفر منه تتصورها لعبة وستنتهي!!

يقترب منها بساقيه الطويلتين ، يعدو خلفها بجدية كأنه يهرب من مطاردة شرسه او يمسك حرامي ، لا تفهم لعبته ، تتوقف برهة بفزع ، تنظر خلفها ، لجسده الضخم المحيط بها وبظلالها الملقاة علي الحائط ....

ينقض عليها ثانية وفي هذه المرة يخطف من يدها الصغيرة عنقود العنب ، تحاول التمسك به ، يعتصر كل أصابعها الرفيعة بأصبعه الغليظ ، تسيل علي كف يدها الهشة بعض قطرات العصير ، تختلط علي وجهها بدموعها الحانقة .. يسبقها ، لا تلحق به ، تصرخ وتصرخ ، يضحك ويضحك ، تتلاهث انفاسها ، ينظر لها من بعيد بعيد بتحدي ، تحاول الاقتراب منه ، يلوح لها بالعنقود ، ينتقي اكبر حباته وانضجها ويسقطها في فمه ، يمضغها بتلذذ ، مستعرضا قوته وجبروته .. تفهم انها ليست لعبة !!

تصر علي انتزاع حقها من يده ، تجري نحوه بسرعه ، تضرب ساقه بقبضتها الصغيرة ، ضربة تضع فيها كل قوتها وغضبها ، تتسلقه ، تحاول الوصول الي ذراعيه الطويله المعلقة قرب السماء تحمل عنقود العنب يتأرجح كثريا عالية ، تصرخ في وجهـه المبتسم ، تناشده ، يقترب بالعنقود من رأسها ، من فمها ، يلوح به امام عينيها الباكيتين ....
يسألها بسخرية " عايزاه ؟؟ " تتردد في الاجابة ، لا تثق فيه ، تتأمله ، عملاق بأذرع طويلة عالية تحمل في قمتها عنقود الكهرمان البعيد " عايزاه ؟؟ " سؤال لا تعرف كيفية الاجابة عليه ، لا ترد يطريقة مباشرة ، لكنها تمسك في الذراع بجسدها الصغير الرفيع ، تجلس علي احدي ساقيه الطويلتين ، لتري ظلالها بجوار ظلاله في الحائط القريب ، حجمها اصغر من حجم العنقود المعلق ..

يهبط بذراعيه تدريجيا يقترب من فمها المرتعش ، تهدأ حركتها ، تنتظر فرجا وعطاء ، تتصور اللعبة انتهت .. وقبل ان تصدق نظرها ، تري فمه الكبير يلتهم كل العنقود دفعة واحدة و يلتهمها ، تتناثر من بين اسنانه المصقوله الحاده جزئيات مسكره ممتزجه بلعابه الكثيف .. يٌخرج لها من فمه فرعا عاريا ممضوغا ويلقيه عليها وهو يكاد يموت من الضحك !!! اليست لعبة ؟؟!!

لا تصدق ، لا تبكي ، لا تحس مزيدا من القهر ، تشعر خوفا علي اصباعها الصغيرة ، علي جســدها المرتعش وتفر هاربة ، تلقي في وجه الفرع الفارغ من ثماره ، تنظر له نظرة رعب ، وتبحث عن جحر صغير تدفن فيه نفسها ومخاوفها ..

تجري بعيدا يطاردها صوت ضحكاته العالية المنتشية ، يشعر انتصارا مزيفا ، انتصار عملاق كبير علي عقلة الصباع الصغيرة .. تنام تعبا ورعبا ، مرسوم علي وجهها اخدود دموع ، وعلي شفتيها يترسب طعمها المالح .. ينام ارهاقا من كثره الضحك والتخمة ومن كثرة اللعب !! في الحلم يأتي لهــا رجل طيب يحتضنها ويواسيها ، يقول لها " اخوك الكبير ، ماتزعليش منه " .. تبتسم وتقرر انها لن تزعل منه !!

اما هو فلا يأتيه احد في الحلم يقول له " اختك الصغيرة ، خد بالك منها ومتضايقهاش "" لذا يصر بين اضغاث نومه علي اللعب معها ، يصر علي اختطاف كل ما يجده في يدها ليلتهمه وينام سعيدا فرحا بلعبته المرحة !!!

الأحد، 20 أبريل 2008

الزبال .... حامل الاحلام !!!!



( ١ )

وقفت العروس في صالة المنزل المزدحمة بورود ليله العرس و اوراق الشيكولاته الفارغه الا من فتات صغيره ملقاة في جنبات الصالة ، تلف حول نفسها ، مرتبكة ، لاتعرف مشاعرها ،تشعر فرحا بأن ليله الفرح مرت ، ام غضبا ان الرومانسية التي حلمت بها تبخرت بسبب تجاهل زوجها الحبيب لتصوراتها الفارغه عن الحب وليلته الاولي ، وقتها جمعت باقات الورد الذابله ، و اوراق الشيكولاته المجعده ، و كبستهم جميعا في كيس اسود للقمامه ، ومعهم ليلتها الاولي ،وفتحت باب الشقة وتركت بجوار العتبه للقطط الشارده والزبال ، ودخلت لتواجه بقيه حياتها مع الرجل الذي اختارته فاختارها ..

( ٢ )

خرجت السيدة من غرفه نومها ، تلملم اوراق الكيلينكس في قبضه يدها ، تلك الاوراق الرطبه المكرمشة ، وبحثت عن كيس الزباله ، تدفنها فيه ، ومعها احباطات الليله العاشرة للزواج السعيد ، فقد تحول الزواج السعيد الي عاده ، تقضي سريعا ، وتترك اثارها علي فخذيها سائل رجولي ، يعبر عن انتصارات الزوج و نشوته ، يحرقها ، فترفعه من فخذيها و من علي الملاءة بمناديل ناعمه لاتترك اثارا ، مناديل تتكوم ، وتدفن في كيس الزباله ، الذي ينتظره الزبال بشوق ليعرف حال السيدة التي لايعرفها ، ولكنه يعرف من كيس قمامتها حالتها النفسية و تطور زواجها السعيد ..

( ٣)

خرجت السيدة من المطبخ ، تخلع مريلته ، و تفرك كفيها لتزيل اثار السواد الذي كسي اصابعها ، وهي تطهو لزوجها طبق لايحبه ولن يحبه ، تدخل الحمام تنظر في المرأة فتري سوادا كسي وجهها ، ليس من اثار الطهو ، انما من اثار حرقه الدم التي اصابتها ، بسبب لزوعه كلامات زوجها الحبيب ولزوجتها ، فهاهي بعد الزواج السعيد مازالت لا تشبعه مثل امه ، ويبقي طعامها ملقي باهمال مثلها علي الرخامه ، حتي تمل منه فتفرغه في كيس القمامه الاسود ، وتلقي به علي عتبه الباب يسيل لعاب القطط الشارده جوعا وهي تتابع كيس القمامه الاسود المغلق باحكام ، ذلك الكيس الذي ينتظره الزبال بترقب ، متحسرا علي حاله وحال الزوجه التي لايأكل زوجها طعامها اللذيذ ..

( ٤ )

تدخل السيده المطبخ ، تفرغ الطفايات الكريستال من قشر اللب ، ذلك الصديق الذي امضي معه زوجها امسيته ، و عكر رائحه فمه بمذاقه اللاذع ، وتركها تتابعه بملل حتي تثائبت فلم يتحرك ، وحتي غفت سريعا فلم يتحرك ، واذ افاقت وجدت الطفايات قد امتلئت مثلها ، فأفرغتها ولم تفرغ غضبها ، و تركت زوجها الحبيب و اللب ، يتقاسمان الامسية البارده ونامت بعد ان بلعت قرص مهدي ، القت بشريطه الفارغ في جردل القمامه الفضي المجاور لسريريها ، ليجده الزبال صباحا في قاع الكيس الاسود ، فيمصص شفتيه حزنا علي مصير العروس التي لم يراها بعد ، لكنه يحفظ كل امسياتها و يدعو لها بالفرحه التي لن تأتي ..

(٥)

جمعت السيدة علب البيرة الصفيح الفارغه في حضنها الفارغ ، و سارت بها لتلقيها في كيس القمامه الاسود ، احست من حضن الصفيح البارد دفئا لاتجده ، وقفت ثانيه امام الكيس الاسود ، تنظر في قاعه كأنها تنظر في اعماق نفسها ، فارغه مليئه بالتفاهات التي لامعني لها ، فارغه مليئه بكل الاشياء التي لا يحتاج اليها احد ،احست توحدا مع الكيس كأنها ستقفز فيه ، ترقد في قاعه ، لكنها افرغت حضنها من الصفيح البارد وعادت ، لتجد زوجها الحبيب ضخم الكرش من اثر السوائل الكثيرة يهرول في طريقه لدوره المياة يفرغ مشاريبه وطاقته ، يترنح من اثر السكر المهدر علي تنظيف الكلي بدلا من ترقيه المزاج ، وفي الصباح حمل الزبال كيس القمامه الضخم الخفيف ، و ابتسم ساخرا متسائلا عن اثر البيرة علي مزاج العروس ، لكن شريط المهديء الفارغ جرح اصبعه بنصله الحاد ، فافاق من تساؤلاته ، وادرك ان كليه الزوج قد غسلت واعصاب الزوجه قد ازداد التهابها ، فدعا لها بالراحه ، وحمل كيس القمامه و اكمل مهمته الكريهه ..

( ٦ )

فتح الزبال كيس القمامه علي عتبه الشقه ، هش بكل قوته القطط الشارده متوحشه ،تنازعه علي محتويات الكيس ، بعثر قشر اللب و علب البيرة الفارغه و شرائط المهديء ، فحص اوراق الكلينكس ، هي نظيفه الا من مخاط الانف دون اي سوائل اخري ، احس بالحسره علي العروس ، فضرب الجرس ، وحين فتحت له الباب بعيونهاالمرهقه ونظراتهاالجائعه و جسدها الممشوق ، مد كفه بحذر وترقب ، راقبته ، مده اكثر ، اندهشت ، مده اكثر ، ثم تشجع وطبطب عليها يواسيها ، واعطاها ظهره مسرعا وحمل كيس القمامه وهرول ، فلم يري علي وجهها نظرات الامتنان ، فحنان كفيه ، اعطاها امل ان احلامها تلك التي رمتها في كيس القمامه ، عثرت علي من يستحقها ، ولو كان زبال ..