مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الاثنين، 14 نوفمبر 2011

حلم ام منال





بكرة العيد وحنعيد 
وندبحك ياشيخ سيد 
بكره العيد وحنعيد 
وندبحك ياشيخ سيد 

" فلكلور شعبي"


لا يفارق المشهد خيالها ابدا ...
توقظها امها قبل الفجر ، لاتكترث برغبتها في النوم ولا بكاءها الذي ان اطالت فيه تضربها وتصرخ فيها وتسمعها كلاما قاسيا موجعا حفظته من كثره ماكررته في السنوات السابقة ، تجذبها بعنف من فوق الكنبه الصغيره التي تنام عليها ، تسحبها للحمام وتفتح الماء البارد فوق رأسها ، تفيق وتبكي، تنهرها امها وتشتمها ، يابت فوقي ده موسم ، من السنه للسنه بنستناه ، فوقي ياللي تنضربي في قلبك ، فوقي يابنت الفقري العويل ، فوقي ، تفيق وتبكي ، تلطمها امها علي وجهها وتمسح دموعها باكف قاسيه ، تشد شعرها في ضفائر رفيعة وتربطها بشرائط مزقتها من اي خرقة قماش قديمة عثرت عليها ربما في صفيحه الزباله ، تلبسها فستانها القديم وحذائها الكالح وتجرها في يدها ...
وتبدأ رحلة الاهانة !!!
لايفارق المشهد خيالها ابدا !!!!
تجذبها امها خلفها بخطوات سريعه خارج الحي الفقير العشوائي الذي يعيشا فيه بجوار احياء راقيه كثيره ، تسحبها من ذراعها وتكاد تجري بها علي الشوارع الواسعه ، ترصد بعيون يقظه مايحدث في البيوت البعيده ، تنصت لجلبه الاصوات التي تعرفها ، تتحرك كالصياد صوب الفريسه ، تشم الرائحه التي تحبها ، رائحه الدم ، تسمع خوار الخروف وهو " يفرفر " تبتسم وترن الجرس ، تبتسم باصطناع وحزن و" مسكنة "  وتصدر صغيرتها امام الباب ، كل سنه وانتم طيبين ، ويعوده عليكم بالخير و................... كلام كثيره تحفظه من كثره ماقالته امها ، ترمق باسي نظرات التعالي والشفقه التي تقفز من عيون النساء صاحبات البيوت وسيدات نعمتها ، تتواري خلف امها وتتمني تموت ، تعرف مالذي سيحدث ، ستلقي السيده للام بورقه جرنان قديمه او كيس صغير تسيل منه قطرات الدماء ، ستمنحها قرش صاغ وتغلق الباب بسرعه في وجههم ، ولما لاتفعل وقد تصدقت عليها من ضحيه العيد !!!
ياامه ليه كده ، سؤال تتمني تساله لامها طيله سنوات طفولتها ، ليه ياامي كده ؟؟؟
لكنها لم تجرؤء ابدا علي سؤاله ، علشان ايه ياامه ، حتتين الشغت وحتتين الدهن اللي بيرموهم ليكي ، علشان ايه ، علشان تسقي عيش في مرقه الدهن وتقولي عيدينا ، ليه كده ياامه ، تهيني نفسك وتهيني وتبهدلينا ، وتتقفل في وشنا بيبان ومره تكشيره ومره ابتسامه زي السم ، ومره حته لحمه بتشر دمها تفضحنا قدام الناس واحنا ماشين وهي عماله تشلب دم ، ومره حتتين دهن يقرف الدبان يقف عليهم ، ليه كده ياامه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
سؤال ظل بلا اجابه لانه ظل حبيس قهرها وصمتها ...
عزفت عن اكل اللحم وكرهته وكرهت العيد وايامه ....
كرهت امها ، نعم تقولها بلا خجل ، كرهت امها ومافعلته فيها ، ماكدسته من صور كريهه في ذاكرتها ، القهر الذي راكمته في نفسها ، الذي الذي وشمت به روحها .......... ليه كده ياامه ؟؟؟
لايفارق المشهد خيالها ابدا !!!!
من باب لباب ومن بيت لبيت ، وهي تجري بجوار امها التي تحارب للحصول علي اكبر عدد من الاكياس التي توزعها بيوت الاحياء الراقية ، تحارب امها حتي لاتصل بعدما تنفذ لحمه الصدقه فلاتجد في وجهها الا ابتسامه بارده واعتذار ونقود قديمه تلقي بكراهيه في كف يد امها ، ليس هذا وقت النقود ، مهما اعطت السيدة الثريه امها لاترضي ، كل مايمنح لها لا يشتري شغت تأكله الكلاب ، نفسي في حته لحمه علشان البت العيله دي ربنا يخلي لك عيالك ، محاوله اخيره للاستعطاف والتذلل ، كثيرا ماتفشل ونادرا ماتنجح ، فتمنح الام قطعه دهن او عظمه او حتتين كرشه برائحتهن العطنه المقززة ، تحارب امها كي لاتسبقها بقيه النسوة الفقيرات ولا يصلن قبلها ويخطفن " حته اللحمه " من فمها وفم ابنتها .............. وعندما تسطع الشمس وسط السماء ، تجمع الام حصيلتها وقروش ابنتها وتسحبها للمنزل وهي تمني الصغيره باكله هنيه و" حاعمل لك فته واحمر لك اللحمه واشيل لبكره وبعده وكل سنه وانت طيبه يامنال " لكن منال لم تشعر ابدا انها طيبه في ذلك اليوم ، ليست طيبه ولن تكون !!
المشهد لايفارق خيالها !!!
تصدرها امها امام الباب ، تاخذ من صاحبه البيت او خادمتها المتعجرفه المقسوم والنصيب ، تسحبها وتجري وهي تتمتم بادعيه لايسمعها احد ، وكأنها تشكرهم علي كرمهم ، تلهث لباب اخر ، حين تمنح صغيرتها قرش او تعريفه تاخذها من يدها بسرعه حتي لاتضيعها ، تدسها في صدرها وهي تجري ، حين يمنحوا الابنه الباكيه نظره شفقه وابتسامه مصطنعه وقطعه شكولاته ، تحثها الام علي التهامها ، يابت كليها يابت ماتبقيش هبله ، لكن الابنه لا تأكلها وتقبض عليها بين اصابعها الغاضبه وكفها الذي يسيل منه العرق خجلا وغضبا حتي تسيح وترميها او تمنحها لامها بقرف وغضب ، كليها انت !!!
وسرعان ماتنتهي الحفله النهاريه للتسول ، حتي تبدأ الحفله المسائيه للغضب والحزن !!!
هذا المشهد ايضا لايفارق خيالها ابدا ..
اه منها تلك الحفله المسائية التي توجعها اكثر واكثر من حفله التسول النهارية !!!
تدخل الام تعبه لغرفتها الضيقه في البنايه المتهالكة !!!
تلقي حصيلتها علي المنضده الخشبيه المتراقصه الصغيره !!!
تخلع شبشبها وطرحتها وتغسل وجهها بماء بارد وتبدأ في فحص الحصيله التي اضاعت النهار كله للحصول عليها ..
تمني نفسها بحته لحمه حمراء زي اللي بياكلوها ، هكذا تهمس لنفسها بصوت تتصور ان منال لن تسمعه ، لكن منال تسمعه وتكاد ترد عليها ، مش حيحصل ياامه ، انت عارفه اللي فيها ، نعم امها عارفه اللي فيها ...
هذا الكيس به كثير من الدهن وحتتين فشه وعضمه ملحوسه بفتافيت لحمه !!!
هذا الجرنان ملتصق باحرفه السوداء قليل من الشغت وحته لية  وحته كرشه زفرت الكوم كلها
هذا الكيس به عضم عاري من لحمه وكتلين من اللحم الممزوج بالدهن وشويه حبال رفيعه لاتصلح ممبار ولا فائده منها .........
تراقب منال تعبيرات وجه امها وخيبه املها وهي تفحص الصدقات التي خرجت من الفجر وقبله لتحصل عليها ، تتمني امها لحم احمر تسلقه لابنتها وتحمره بالسمنه وتصنع لها الفته وتمنحها بهجه العيد !!!
لكن الايد قصيره ولحمه الصدقات لاتمنح بهجه العيد بل تزيد الهم هما !!!
فنسوة البيوت الثريه في الاحياء الراقيه المجاوره لايعرفن حلم ام منال ولا يكترثن به ، هن يتركن تقطيع اللحم وتقسيمه علي الاكياس للخادمات اللاتي يكرهن النسوة الفقيرات اللاتي يضربن الجرس فيذكروهن بحالهن الذي فررن من بؤسه بالخدمه في البيت والانتماء الكاذب لتلك البيوت التي ينظفن قذارتها ... يتركن تقطيع اللحم للخادمات اللاتي يحتقرن الفقيرات فيمزقن اللحم تمزيقا يفقده ملامحه ومذاقه وتتحول الذبيحه التي يأكل منها البهوات لاكوام من اللحم والدهن والسقط والعضم تهين الفقيرات برساله احتقار باعتبارهن لايستحقن اي اهتمام ولا رعايه ولا رحمه ولا حته لحمه حمرا وايضا لايستحقن بهجه العيد !!!
من قال ان لحمه التفريق تمنح الفقراء بهجه العيد ، ربما تمنحهم قليل من المرق الساخن !!ربما قطعتين لحم بين ركام الدهن ، ربما عضمه تمص فتذكر الفقراء بالمذاق الذي نسوه ، تذكرهن بالمذاق الذي يتمنوه يدمنوه لكنه لايمنحهن حلاوته ولا دسامته ، دهن عضم شغت مصارين كرشه زفره ودم وقله قيمه واهانه ، هذا ماتحصل عليه ام منال في جولتها النهاريه ،  الامر المؤكد انها جولة النهار المبكر لاتمنحها ابدا بهجه العيد !!!
لحمه التفريق ، كلمه سمعتها منال من سيدة انيقه فتحت الباب لامها وحين شاهدتها امتعضت وسرعان مارسمت علي وجهها ابتسامه كاذبه ونادت خادمتها واوصتها ، اديها من لحمه التفريق !!! وظنت منال ان اللحم نوعين ، لحمه التفريق واللحم الذي تأكل منه نسوة البيوت الثريه واطفالهن !! لحمه التفريق ، تصورتها منال نثرات من اللحم الممزق وسط الدهون والشغت والسقط والعظام ، تصورتها نوع من اللحم لاياكله الا الفقراء علي شاكله امها وشاكلتها ....
وظلت تري الامر بتلك الطريقة فكرهت لحم التفريق الذي يهينهم وكرهت العيد الذي يمنحهن لحمه التفريق بغير كرامه ولا مذاق شهي وكرهت امها وظروفها القاسيه وكرهت حياتها كلها !!!
وبقي المشهد لايفارق خيالها ابدا !!!

الأحد، 13 نوفمبر 2011

شتان الفارق







حكم علي كل منهما بعشره سنوات سجن !!! 
قضي الاول السنوات الاولي يفكر في حياته بعدما يخرج من السجن والسنوات الاخيره يفكر كيف سيعود لحياته التي غاب عنها ، فمرت السنوات العشر والامل يكسر جبال اليأس ويقهر القضبان والحبس وحين انتهت مدة عقوبته عاد للحياه بكل عنفوان شوقه للحرية ...
وقضي الثاني السنوات العشر حزينا مقهورا لانه حبيس فقد حريته فمرت السنوات العشر وكأنها مليون سنه وحين انتهت خرج من خلف القضبان مهزوما ولم يتعافي ابدا !!!! 
العقوبه كانت واحده للاثنين ، لكن احدهما قرر يعيش الحياه والاخر استسلم للموت 
وشتان الفارق ..........