مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الخميس، 9 سبتمبر 2010

متناثرات .. من كراسة مدفونه في درج سري (الجزء الاول )





تنويه

هذه الحدوته للاسف خيالية تماما
ولم تحدث ابدا
وكنت اتمناها تحدث




الجزء الاول




( 1 ) بداية ... ونهاية !!!!


الوداع ياجمال ... ياحبيب الملايين !!!
مات جمال عبد الناصر ....
في سبتمبر 1970 مات جمال عبد الناصر !!!
بعدها بثلاثين سنه في سبتمبر 2000 .... مات يوسف ..
بعد موته بشهرين ... عثرت ابنته علي كراسه مدفونه في درج سري لمكتبه!!!!
قبلما تعثر عليها كانت تظن نفسها تعرف ابيها الذي كانت تحبه وتعشقه !!!
فتحت صفحتها الاولي فعثرت علي خط ابيها المنمق الجميل الذي تعرفه ، سمعت صوته وكانه يحكي لها ما كتبه!!!
حين وصلت للصفحه الاخيره انهمرت دموعها حبا لابيها وفخرا بالعيلة التي انتمي لها الاب !!!
اغلقت الكراسه وطوتها وهمست ، الله يرحمك يابابا وتمنت لو كان حيا لعانقته وانهمرت عليه بقبلاتها!!!
اعادت الكراسه للدرج السري واحست بالفخر لان ذلك الرجل هو ابيها !!!!!!!!!
وقررت مع نفسها ودون يطلب منها احد ، ان تنتمي للعيلة !!!
وفهمت كثيرا مما كان غامضا عليها طيله حياتها وفهمت اكثر مالذي حدث يوم جنازته !!!
من هو يوسف ومالذي حدث يوم جنازته ؟؟؟؟؟
هامش .......... 1
مدخل عبيط قوي للحكايه ... وحكايه ان بنته لقت الكراسة دي حاجه قديمه ومتكررة ، طلعت في افلام كتير !!!
هل نخليه يحكي ليها قبل مايموت ، هل حد يتصل بيها ، طيب وحيتصل بيها ليه ، هل تقابل حد من اصحابه وهو يقول لها عن ابوها اللي ماتعرفوش ............ كل الانماط وصدف المعرفه مكررة ، وده في حد ذاته مافيهوش مشكله علشان الحدوته تتقدم ، ياما انماط سلوك بتتكرر وصدف معرفه بتتكرر في قصص وحودايت وافلام كتيرة ، لكن مش مهم .... المهم نوصل لنقطه المعرفه علشان نعرف نكمل الحدوته .... ومين عارف ماجايز بنته قالت انها لقت كراسه وهي مالقتهاش ، وانها عرفت منه شخصيا قبل مايموت الحدوته ، وعلشان تعفيه من اي مسئوليه حتي وهو ميت ، اخترعت حكايه الكراسه دي !!! وجايز هو اللي حكي للمؤلف شخصيا واستحلفه لاينشر الا بعد موته واكد عليه بضروره اختراع اي شيء يبرر معرفته بالقصه ، فاتفق معاه المؤلف علي حكايه الكراسه !! كل ده مش مهم خالص !!!
الهامش ده في حد ذاته ، عايز يتلغي ... ممكن لما الحدوته تخلص ابقي الغيه !!! مافيش مشاكل !!!!


( 2 )
يوسف
1999

كمثل كل ليلة وقت غروب الشمس ... في الشرفه البحرية التي تطل علي ميدان واسع ..

علي نفس المقعد المريح ... يجلس يوسف وبجواره الراديو وعلبه السجائر ..
تساله حبيبة عايز حاجه يابابا ، يبتسم ويصمت ، تتركه حتي تنهي ام كلثوم اغنيتها ثم تعيده لفراشه !!!
اكاد اشك في نفسي ، لاني اكاد اشك فيك وانت مني !!!
يتأمل يوسف احواله .... يقترب من الخامسه والستين لكنه يبدو هرما وكانه علي اعتاب التسعين !!
منذ قابل نبيل مرت حوالي اربعين سنه ...
هل احسستهم يايوسف اربعين سنه ام اكثر !!!
ياتري اين نبيل الان ومالذي يفعله في حياته !!
كيف يشعر الناس بغيابي ... انا الغائب الحي الذي كنت حاضر وصرت غائب !!!
سال يوسف نفسه اسئلة كثيرة كثيرة .... الا سؤال واحد لم يساله لنفسه ابدا .... كيف عاش كل هذه السنوات اثنين !!!
نعم عاش اثنين .... لكل منهما عالمه وحياته واصدقاءه وخبراته واوجاعه واحزانه وافراحه ... كل منهما هو ، وهما الاثنين هو ، هو بالضبط ، ليس جزء منه ، ليس بعضه ، كل منهما هو ... وهو هما الاثنين .... !!!
سأل نفسه اسئلة كثيرة كثيرة .... الا هذا السؤال ... والحقيقه ان السؤال المنطقي الوحيد الذي كان يتعين عليه يساله لنفسه ، ربما خاف يسأله لنفسه ، ربما خاف من الاجابه ، ربما خاف لو اجاب بصراحه لضاع الاثنين منه وفرا وتركاه ، ربما خاف لو عرف السر لاندمجا الاثنين فيه ورفضا يعيش انقسامهما فيضيع هو !!!
لكنه الان ........... والعمر كله خلفه .... كل العمر خلفه وعقله يتحلل ... عقله وموضع اسراره ومكمن كنزه وخبراته يتلاشي ، يتفكك ، يذوب في مرض موجع ، يعلم هو انه مريض به ، لكنه لايقوي علي مقاومته ويعلم انه يستحيل علاجه وواثق انه الجب الاخير الذي سيسقط فيه هو والاثنين معا ......... سيتوحدا اخيرا وقت يموت ، الان فقط يسال نفسه السؤال الاصعب ولايخشي اجابته كيفا ستكون !!!
انتبه يوسف لحاله ، علي اعتاب الخمسه وستين لكن شيخوخه احتلت جسده ومرض موجع قاسي يذيب عقله في غياهب النسيان ، هل كنت تتمني يايوسف تعيش اكثر ، هل كنت تتمني يطول بك العمر وتمنحك الحياه سنوات اكثر !!! هز راسه نفيا ، لقد ارهقته الحياه فاستكفي منها ويعلم ، نعم يعلم علم اليقين ، ان ملاك الموت يحوم فوق راسه يتحين الفرصه والميعاد المكتوب ليحرر روحه من جسده الواهن ومن عقله المتلاشي !!!
اه يايوسف ، حان وقت الرحيل ... حين يموت ، سيحزن عليه الكثيرين ، من العالمين الذي عاش فيهما ، كل احباءه في العالمين سيحزنا عليه ، هو فقط الذي لن يشعر وقتها باي شيء لانه سيكون مات وانتقل لدار الحق التي يتعين عليه فيه يتوحد مع الاثنين الذي انقسم بينهما طيله الحياة ، سيتوحد معهما ليتحاسب علي سيئاته وسيئاتهما ويكافيء علي حسناته وحسناتهما !!!
كان يعرف منذ زمن بعيد ........ ان الاثنين الذي منح كل منهما روحه بالكامل سيتوحدا فيه لحظه موته ، كان يعرف ولم ينزعج من ذلك الامر ، فهو لم يعش اي ثانيه في حياته نصف بلا نصف ، بل عاش حياته في كل ثانيه منها انسان كامل يعيش بداخله وتحت جلده انسان كامل اخر ويعيش حياه الاثنين في كل لحظه ولايعيشها ابدا ......... انها معادله الغرابه التي ولد مكتوبه علي جبينه والرساله التي يتمني يكون اداها كما كان مفروض عليه !!!
الان ............ بين لحظات الافاقه التي تنتابه فيلمع ذهنه ويتقد ويتذكر ادق التفاصيل وبين لحظات الغيبه التي يري فيها الحياه من خلف سدل الضباب ، الان فقط يسال نفسه السؤال الاصعب ويحاول البحث عن اجابته ، كيف عاش كل تلك السنوات اثنين معا ، يبتسم يوسف وصوت ام كلثوم يلف بقايا يقظته واعاصير غيبوبته ، كل ما يطمئنه انه مهما قال للاخرين لن يصدقوه ، سيتصوره يهذي هذيان ماقبل الموت ، الان فقط سيقول مايتمني قوله ولن يعاتبه احد او يحاسبه او يصوب زناد مسدسه لرأسه يهدده ليخرس ، الان الجميع اطمأن ان عقله تحلل وذهنه انطفأ وكل الذكريات والاسرار تلاشت وتتلاشي ومصيرها لمقبرته تقبع داخل جسده الذي يسير صوب الموت بخطي منتظمه !!!
كل مايطمئنه ان احدا لن يصدقه مهما قال ، اي حقائق سيقولها مشوبه بهذيانه ، اي اسرار سيفشيها ممهوره باعراض مرضه ، كل مايقوله لا قيمه له وهذه اللحظه الجميله التي تحرر فيها من كل الاثقال والقيود التي عاش حياته الواعيه كلها يرزح تحت اثقالها .... سخر يوسف من هلاوسه ، لااسرار عنده ، حياته كلها كانت بلا اسرار ، نعم كان يملك اسراره العاديه مثل كل البشر ، احب هذه اعجب بهذه كره هذا تمني لو فر من ، لكنه لم يملك اسرار تخص العيلة ، العيلة لم تمنحه اي من اسرارها !!! اذن هي هلاوس مرضه العقلي المستحكم التي تسرق وعيه وتذيب عقله وتسحبه لعالم الرحيل الذي يقف علي بوابته يطرقها لتفتح !!!


( 3 )
رساله غامضة !!
1960

رساله مبهمه تلقاها ، وريقه منحها له اعز اصدقاءه ، احدهم ولاتسالني من ، احدهم يتمني يقابلك ، ليه ، ليه هو اللي حيقول لك ، طيب يعني هو مين ، هو الراجل اللي عايز يقابلك .......... كاد يقول لاعز اصدقاءه ايه الكلام الفاضي ، لكن اجواء الاسرار والمغامرات والغموض تستهويه ، سيذهب ليقابله وحيحصل ايه في الدنيا يعني ....
تخرج من كليه الهندسه بتقدير عالي ، يعد اوراقه للبحث عن عمل ، شاب في مقتبل العمر مرح فرح متمرد قوي البنيه والنفسية ، هذا هو يوسف .... صلاح ، سلمه الوريقه بلا اي علامه مميزه ، لو حتروح قولي ، واقولك ليه ؟؟ علشان اديك العنوان يابني ادم !!!
اخذ يوسف العنوان من صلاح وهو يتوعده لو اكتشف ان الامر مجرد " مقلب !!!" ...
بنايه قديمه في وسط البلد ، تبدو ستسقط ... وقف يوسف امام باب الشقة القابعه في الدور الاخير وضرب الجرس ، فتح له وجها مألوف كانه راه مليون مره ، اتفضل الاستاذ مستنيك .... مازال الغموض يلف المشهد ، ابتسم يوسف ، هل هذه البنايه تتبع احد التنظيمات السريه التي يقال ان الثورة او الدوله او الحكومه او الحزب الواحد او كلهم مع بعض ، اسسوه لاستقطاب الشباب لصالح افكارهم وثورتهم وحماسهم .... لم يذهب خياله ابعد من هذا ، وكيف يذهب لما يستحيل عليه يفكر فيه !!!
دخل غرقه واسعه ، الاسقف العاليه لمباني وسط البلد تستهويه ، شباك كبير بستائر شفافه يسرق الحائط الرابع من الغرفه ، يسير خطوات كثيره حتي يصل للرجل الجالس علي المكتب تحت الشباك ...
اتفضل يايوسف ... اتفضلت ، هكذا قال لنفسه !!!
احنا ..... قبل ما يقول الرجل اي كلمه ، قاطعه يوسف ، انتم مين !!!
ابتسم الرجل .... احنا اللي بنحب البلد دي !!!
ضحك يوسف .... اشمعني يعني ، هو انتم بس اللي بتحبوها ...
نظر له الرجل نظره عميقه وهمس ، لا كل الناس بتحبها ، متهيالي كده ، لكن احنا اللي وظيفتنا ان الناس تفضل تحبها !!!
انتبه يوسف للطريقه التي يكلمه بها الرجل ...
ااقعد يايوسف ، اكتشف يوسف انه لم يجلس بعد !!!
جلس واصغي للرجل بكل جوارحه وانتباهه !!!


( 4 )
العجوز الهرم !!!
1999

هذه قصه الكهل العجوز الخرف يوسف باعوامه الخمسه وستين التي حولتها الايام التي عاشها لدهورا طويله وكأنه عاش الف عام ......... هذه قصة يوسف الذي نسي الاسماء والافعال والاحداث ، فينادي زوجته باسم ابنته وينادي ابنته باسم امه ويطلب من ابنه يشرب وحين يمنحه كوب الماء يلقيها في وجهه فهو لا يرغب يشرب لكنه يتمني سيجاره نسي اسمها فقال لابنه الاسم الذي وجده مازال صالحا لقوله في دهاليز عقله المتحلل بالمرض ............
هذه قصه الكهل العجوز الخرف ........ الذي في ايامه الاخيره وقبل الغيبوبه الاخيرة التي لم يفيق منها منعوه يخرج للشرفه خائفين عليه ينساها فيلقي بنفسه ليطير كانه عصفور ، وقبلها منعوه يدخل المطبخ لانه لم يعد يعرف الماء البارد من المغلي واحرق يديه مرتين وقت وضعها علي عيون البوتجاز الملتهبه ، واختاروا له اكله والمشروبات التي يشربها والبسوه كما يريدوا وفرضوا عليه الطبيب يكشف عليه مره كل اسبوع ، هذه قصه الكهل العجوز الخرف الذي فقد الاهليه وحجرت عليه الاسره بشكل واقعي فحرموه من الولاعه ومفتاح البيت وقياده السيارة والجلوس علي المقهي ، حرموه من كل شيء وهو لايلومهم لانه مريض مرض خطر يعرض فيه الانسان نفسه للخطر ....
لا يلومهم لكنه يسخر منهم ، لان اخطر ما يملكه لم يقوو علي مصادرته او كشفه ، ذاكرته ، التي تختلط فيها الاحداث بالصور بالاسماء ... وهي ليست ذاكرته وحده ، بل ذاكره الاثنين الذي عاشهما معا .... تلك الذاكره ، نجح لانه مدرب بحق ، نجح علي اخفاءها في ابعد جزء من عقله المتحلل فبدا كانه فقدها ولم يفلح احد في استفزازه ليفضح نفسه ويقول انه مازال يقبض علي ذاكرة الاثنين الذي عاشهما !!!!
اشعل الكهل العجوز سيجارة وتنهد بحرقة ....حبيبة فقط لاتغيب من ذاكرته ابدا حتي في اشد لحظات توهته وغيابه ..... هي فقط التي حزن من اجلها حزنا رهيبا واحس بوجودها في حياته بالعجز ، هي فقط ، حبيبة ، التي تمني لو من اجلها يقتل الاثنين معا ويعيش معها ثالث يعرف شكل حياته ، هي فقط التي حاصرته فكان لابد من قتلها ، حاصرته بذكائها باسئلتها وملحوظاتها الدقيقه وقراءتها البصيره لروحه وحين حاصرته ادرك انه لن يبقي معها ، هي خطر عليه وخطر علي نفسها ، لابد من طردها من جنته و............ وكان له ماكان ، بمنتهي القوه والفجأجه والعنف والقسوه طردها من حياته ، لكنه حزن من اجلها ، لا الحقيقه انه حزن من اجل نفسه ، هي فقط التي تمني ينام بحق في حضنها ، تمني يغرق فيها ولا يبقي نصف نائم نصف متوتر ، هي فقط التي اشعرته بالامان لحد خاف منها علي نفسه وعليها ، فمن مثله لايجب ابدا يشعر بالامان ، الاحساس بالامان ضعف يهدد امانه ، هي فقط نجحت تسرق يقظته وتسكره بنظراته وتحرقه بانفاسها فادرك انه وقع في شرك غرامها ومن مثله لاقلب له ولايجب يكون ، هي نفخت في قلبه الحجري من روحها فنبض ، فكان لابد من قتلها وقتل النبضات واعاده الحجر البارد لطبيعته .......... حزن من اجلها !!! لكن الحزن بقي مجرد حزن ، كمثل السكين المنغرز في قلبه ، يعيش به ولاينزف ، سكين في قلبه يوجعه لكن لايميته !!!!
حبيبة ، هي السيدة التي حذرته العيلة منها !!! وخضع لتحذيراتهم وطردها من حياته ، لم يحذروه منها شخصيا ، لكنهم قالوا له حين تقابل انثي تملكك فر منها ، فانت لن تنتمي الا لنا ، وهي ستضيق بنا وبك ، اطاعهم وسمع الكلام ولم ينتمي لها وبقي ينتمي لها .... لكن .... واه من لكن ، تمني حبيبة ، يمنحها اسمه وينجب منها اطفاله وينام في حضنها ويمنحها روحه فتمنحه روحها فيعيشا !!! لكن حبيبة .... كان الحبيبه التي بقت تحتل قلبه بعدما طردها من حياته ... وحين انجب ابنته اسماها حبيبة حتي لايغيب الاسم مثل صاحبته من حياته !!!!
هذه قصته .... وقصه الاثنين الذي عاشهما وقصه حبيبة التي لم يعيشها !!!!


( 5 )
نبيل !!!!
1960

حضرتك انا مش فاهم ، حضرتك يعني عايز مني ايه ، وبعدين حضرتك مين يعني !!!
تجاهل نبيل سؤاله الاخير ، وشرح له مايتعين عليه فهمه ...
كل اللي مطلوب منك انك تبقي عايش عادي جدا ، انسان لطيف مرح ، الناس كلها تحبك ، تعرف تخليها تحبك ، وبس !!!
طبعا ومش بس ، لازم الناس تحترمك جدا ، تحبك وتحترمك !!!
لم يفهم بدقه كلامه فطلب منه بمنتهي الادب يعيد كلامه !!
لم يغضب منه وكرر عليه نفس الكلام بنفس الالفاظ !!!
وبعدين ؟؟؟
ولا قبلين ...........
طيب حضرتك مين يعني ، بوليس !!!
انفجر نبيل في الضحك ساخرا من يوسف قاصدا يضايقه !!!
انا ممثل العيلة اللي عايزاك تبقي ابن من ولادها !!!
اجابه لم تعجب يوسف ، لكن نبيل لايملك الان غيرها !!!
ايوه يعني حضرتك تبع ايه يعني ، التنظيم السياسي الجديد اللي بيقولوا انهم بيعملوه في السر ؟؟
ازداد ضحك نبيل وصخبه ، في السر ؟؟؟ وضحك اكثر واكثر قاصدا يربك يوسف ويضايقه !!!
لكن يوسف لم يتضايق ولم يرتبك ، مازال منتظرا الاجابه بكل تصميم !!!
ابتسم نبيل بداخله ابتسامه لم يراها يوسف ولم يشعر به ، الولد صحيح زي ماقالوا ماسك راسه ومركز !!!
بص يايوسف ، اعتبرني زي ما تعتبرني ، مش مهم اليافطه لان مافيش يافطه ، مش مهم تبع مين لان عمر ماحد حيقولك انت تبعنا ، اسمعني كويس ولما اخلص كلامي ابقي خد قرارك براحتك !!!
صمت يوسف ليفهم واكمل نبيل كلامه من ذات النقطه التي وقت عندها !!!
هو ياخذ يوسف من يديه ويصعد به السلم خطوه خطوه صوب العالم الجديد الذي يتمني لو ينتمي له يوسف !!!!
يايوسف ، انت فاهم الموضوع غلط ، افلام السينما بوظت دماغكم ، لا حتخش المافيا ولا حنبعتك اسرائيل ولا حنطلب منك مأموريات سرية خطيره!! ولا انا بوليس ولا تنظيم سري !!!
احنا عيلة كبيرة .... بتحب البلد ووظيفتها تخلي الناس تفضل تحبها !!!
انا بطلب منك حاجه بسيطه قوي ، لاحتبقي بطل ولا نجم ، ولا حتشاور الناس عليك
يمكن تعيش وتموت محدش يعرفك ولا يعرف انت عملت ايه ..
لان اللي حتعمله حاجه بسيطه وعاديه لكن انت حتعملها بتركيز وانتباه ومنتهي الحب !!!
يراقب نبيل بدقه وقع كلماته علي روح يوسف ...
الاخطبوط له ميت ايد ..... كل ايد بتحس وكل ايد بتشيله تحميه من الغرق ....
احنا الاخطبوط وانت واحد من ايدينا !!!
اكرر كلامي ، احنا الاخطبوط وانت لو وافقت حتكون واحد من ايدينا الكتيرة !!!
نسي يوسف اسئلته والاجابات التي ينتظرها ، واحس يوسف غصه في قلبه .... هو حر ويحب يعيش حر ، لايتبع احد ولا يلتزم اي اوامر او تعليمات!!!
ادرك نبيل مايحسه يوسف .......... مش بقولك السينما بوظت دماغكم .... انت واحد من ايدين الاخطبوط لكنك حر تماما تماما!!!
هو انت لما بتدافع عن مصالح عيلتك وابوك وامك وعيالك .... انا مش متجوز !!! همس يوسف!!!
ضحك نبيل ضحك صاخب ..... ماانا عارف طبعا ، انت ناسي اني عارف عنك كل حاجه من قبل ما تتولد ، انا بقول مثلا يعني !!!
احس يوسف بالخجل وصمت ...
انت لما بتدافع عن مصالح عيلتك وابوك وامك وعيالك ، اكمل كلماته كانها تصدر من شريط تسجيل ، محتاج حد يقولك تعمل ايه ؟؟
انت بتنتمي ليهم وجزء منهم ، عارف ايه اللي ينفعهم وايه اللي يضرهم ، مش محتاج تعليمات ولاحد يفرض عليك حاجه!!
انت معاهم بتتصرف بالغريزة وبتمشي وراها !!!
هز راسه يوافقه ...
معانا حتبقي كده برضه ... انت واحد منا وبتنتمي لينا واحنا جزء من البلد وبننتمي ليها ... قال جملته الاخيره وحدق في وجهه يبحث عن وقع كلماته علي روحه وقناعاته ، اطمئن له من نظره عينيه المتقده بالذكاء والانضباط ، احنا كلنا عايزين مصلحه البلد وانت معانا ، كلنا ايدين للاخطبوط ، كلنا نحس ايه اللي بيحصل وكلنا وقت الجد نشيلها لتغرق !!!
ومازال يوسف يصغي باهتمام ومنتهي الانتباه ....


( 6 )
حبيبة !!!
1965

عندما قابل يوسف حبيبة ، كانت تعد اوراقها للسفر لانجلترا للحصول علي الدكتوراه في الادب الانجليزي !!!

حبيبة ، ابنه عائله اقطاعية كبيره ، فرضت الحراسه علي املاك ابيها بعدما ضاعت منه نصف الارض التي ورثها عن اجداده بقوانين الاصلاح الزراعي ...
حبيبه جميله ومليئه بالحيويه ، لكنها تكره الثوره التي صادرت ارض اسرتها والتي فرضت الحراسه علي بقيه ممتلكات ابيها وفرضت عليها فقرا لصالح الشعب الذي لاتجد حبيبه اي مبرر ليعيش علي " قفاها وقفا اسرتها " لكن حبيبة لاتكره الثورة فقط ، بل تكره الثورة ورجالها والشعب الذي ايدها والوطن الذي خضع لها ، تكرهم جميعا ولاتشعر باي انتماء لهم وتتمني تفر بعيدا عنهم وتنساهم تماما ...
هي خريجه مدرسة الكليه الامريكيه ، ومن بعدها كليه الاداب جامعه القاهرة ، تربت وكبرت وسم كراهيه الثوره والوطن يبث في دمها واعصابها ، عندما دخلت الجامعه ، عزلت نفسها عن زملائها ، ان تحدثت معهم وهم متحمسون للثوره وعدم الانحياز ومؤتمر باندونج وقوانين الاصلاح الزراعي والقوانين الاشتراكيه والتأميم ، لو تحدثت معهم لاعتبروها عدوتهم ، هي تكره كل ما يحبوا ، عزلت نفسها عن زملائها وعاشت سنوات الجامعه وكانها في مصحه ستخرج منها وقتما تشفي ، و بعدما تتخرج من الجامعه ، ستستخدم كل نفوذ اسرتها وعلاقتهم القديمه لتحصل علي اذن سفر تفر به من سياج الثوره التي حطمت اسرتها ....
وفعلا ... نجح والدها يحصل لها علي اذن سفر وتنفست حبيبه بقوه ونامت منذ سنوات بعيده نوما عميقا ، كلها شهرين وستسافر خارج ذلك السجن ... لن يلحق بها ابيها ولا امها ، هما الماضي وهي المستقبل ، سيبقوا هما هنا حتي لا يعرقلا سفرها وعليها تسافر هي وتنسي تلك البلد وكل مايحدث فيها ...
حين شاهدها يوسف تموج بالحيويه والصخب والغضب ، ضربت السكينه قلبه وتمني لو لم يقابلها ابدا !!!!
يتذكر حبيبة ونبيل .... يانبيل لقد انتميت اليها رغم عن انفي ، لكني فررت منها خضوعا للعيلة لكنها لم تغادرني ولااملك في امري ولا امرها شيئا ...
اااااااه ياحبيبة !!!!


( 7 )
يوسف
1960

يافندم .... قاطعه بحدة ...
عارف ، عارف انك ماكانش نفسك اللقاء ده يحصل اساسا ولا تسمع الكلام ده !!
عارف انك قلقان ، بس صدقني قلقك سببه افلام السينما ... النظره الساذجه للموضوع ، دول مؤلفين خايبين مش عارفين بيكتبوا عن ايه ، بيكتبوا ايه حاجه وخلاص ولان محدش عارف حاجه الناس بتتصور دي الحقيقه ، كلامهم فاضي وتصوراتهم عبيطه وساذجه !!!
انت فاهم اني عايزك تبقي مخبر !!!
انفجر في الضحك .......... تبقي عبيط قوي !!! المخبرين كتير ، لاحد بيحبهم ولا حد بيحترمهم !!
المخبرين ، دي وظيفه حقيرة !!!
رفع حاجبيه دهشه ، طبعا وظيفه حقيره امال انت فاهم انها ايه !!!
انا مابعرضش عليك وظيفه .... انا باعرض عليك رساله !!! دعوة !!!
لم يفهم فشرح له اكثر ...
المخبرين دول في اقسام البوليس وقضايا المخدرات ........ انا عايزك فرد من عيله كبيرة محترمه ، عيله بتنقي ولادها وتشرط عليهم بالدم عمرهم ما يفارقوها ولا يخرجوا منها ، اللي يقبل يتكتب اسمه في شجره العيله وعمره مايخرج الا لما فرعه يتقطع وبالفاس ، واللي يرفض براحته مالناش عنده حاجه ولا هو ليه عندنا حاجه !!!
انا باعرض عليك شجره العيلة ، يتكتب اسمك فيها ، تبقي ابن العيله ومنتمي ليها ، عايزك تحب البلد ، مش مهم مين اللي بيحكمها وبيحكمها ازاي ، مش مهم سياسته ايه وراحه فين ، انت تحب البلد في كل احوالها واوقاتها ، يمين تحبها شمال تحبها ، قفلت علي نفسها تحبها فتحت علي روحها علي البحري تحبها ، اللي باعرضه عليك عيله عريقه يتكتب اسمك في شجرتها ، وظيفتها وهمها من ايام ابوها ادم ، اول جذر للشجره ولغايه مالدنيا تخلص ، وظيفتها تحب البلد وتحبب الناس فيها !!!
ارتبك .... مهما تصور ، لم يتصور ان هذا ما سيطلب منه !!
سيرفض الانضمام للعائله ولن يكتب اسمه في شجرتها وسيفر بحياته مع نفسه لنفسه وبلاش دوشه !!!
وحين يقابل صلاح ، سيقتله لانه اورطه في تلك الورطه الغريبه !!!
مازال يسال نفسه ، ايوه بس يعني حضرتك مين ؟؟؟


( 8 )
العجوز الهرم
1999

افاق الرجل العجوز من توهان عقله ....
ام كلثوم معه تشدو ..... وافقنا ليت ان لا نفيق !!!
لن يحكي شيئا .......... لن يقول مالذي مر فيه وكان يظنه سهلا ..
سيحكي مافات فيه هو شخصيا ... لن يتحدث عن الرساله التي طوقت العيله رقبته بها العمر كله ...
لن يتحدث عن الصعوبات التي واجهها ... نبيل قال له المطلوب منه حاجه بسيطه وهو صدقه ، لكنها لم تكن بسيطه يانبيل ، لم تكن بسيطه!!
لن يتحدث عن الصعوبات التي واجهها وعاشها ..
لكنه سيتحدث عن نفسه .
كيف تحول من شاب يفكر في نفسه واحلامه ومستقبله مثل ملايين من الشباب من جيله !!!
لاخر يحمل هم الوطن الذي لايسعي الا الي حمايته من السوس ...
في نفس الوقت لم يفقد نفسه ، احتفظ بافكاره وسلوكياته وعاش بها قدر ماعاش ، لكنه في نفس الوقت تحول ابن للعيله ويد الاخطبوط وكرس حياته ليحمي الوطن من السوس !!!
لماذا افيق ، سال الرجل العجوز نفسه !!!
تصور ان مرضه العقلي سيذهب بكل عقله الي الابد
تصور ان سيعيش ما تبقي له من ايام بلا عقل بلا ذاكره ...
فينسي كل ما مر فيه ...
لكنه ينسي كثيرا وتسطع ذاكرته ببعض احداثها في بعض الاحيان !!!
يتمني يقابل نبيل ويساله ، حضرتك هل انا شرفت العيلة ؟؟؟!!!
يبتسم يوسف ... لايظن ان نبيل كان سيمنحه الاجابه التي يتمناها الان والعمر كله خلفه !!!
يظن ان نبيل كان سيبخل عليه باي فخر ، فمن قال ان حب الوطن يحتاج لمكأفاة او نشيان !!!
لم يكن يعرف يوسف وقتها ... ان العيله التي انتمي اليها اتسعت وكبرت ودخل في شجرتها مئات بل الوف الاولاد والاحفاد !!
وان احد هؤلاء الاحفاد لم يتمني شيئا الا يري يوسف ويصافحه ويشد علي يده ويحيه !!!
لم يكن يوسف يعرف ان احد هؤلاء الاحفاد كان يقاتل في موقعه ينتظر اذنا ليزور يوسف ويمنحه ماكان يتمني يحصل عليه قبل ضياع كل الذاكره وفقدان كل العقل والاسر في متاهات الغياب !!!
هل سيفلح الحفيد يمنح يوسف الامتنان الذي استحقه ؟؟؟ ام ستستبقه الاحداث !!!!!!


( 9 )
نبيل
1960

كأنه يقرأ افكار يوسف ..... حاسيبك لبكره تفكر ، بس بكره بس ، وبكره لما ترد علي يبقي خلاص حسمت امرك !!!
يافندم ... كاد يساله بضعه اسئله تحيره !!!
صدقني ........ علشان وانت بتفكر تبقي فاهم بتفكر في ايه .... انا عمري ماحاعمل لك خدمه ولا حاساعدك ولا حانقذك!!!انا عمري ماحاطلعك من نصيبه ولا حاداري عليك .... بعد ما تقرر بشكل نهائي وتقولي علي قراراك ، حنقعد سوا قعده واحده اقولك علي كل حاجه وبعدها علاقتنا حتنقطع تماما والي الابد !!!
لم يفهم ... كانت يتصوره سيقول له علاقتنا ستبدأ !!!
ضحك ......... علاقتنا حتنقطع تماما وعمري ماحاشوفك لاانا ولا غيري !!
لاحنطلب منك خدمه ولا ماموريه ، لا حنسالك سؤال ولا حنقولك عايزين معلومه !!
علاقتنا حتنقطع بيك تماما .... لاننا حنبقي واثقين انك عارف ايه المطلوب منك وحتعمله بمنتهي الكفاءه والدقه والاخلاص!!!
اصلك لو قبلت حتقبل بجد وحتعمل اللي مطلوب منك وزياده ولو رفضت خلاص يادار مادخلك شر ...
ارتبك ... فمهما تصور انه يفهم ما يقوله لايفهمه بدقه !!
ابتسم ...... اشرح لك اكتر !!!
احنا بنبي عيله تحب البلد وتدافع عنها !!!
بنختار ولادها من الاميز والاكفء والاشطر والاذكي ...
بنختارهم بيحبوا البلد فعلا حتي لو مش واخدين بالهم ، احنا بنخليهم ياخدوا بالهم ،علشان وهما بيحبوها يحموها !!
يحموها يعني ايه ، يحموها من السوس اللي ممكن يهدها من جوه !!!
الجيش والحرب والاعداء والقنابل واسرائيل والاسلحه ، دي مش مأموريتنا ولا شغلنا ، دي ليها ناس تانيه غيرنا خالص!!!
الحراميه والمجرمين .. مش مأموريتنا ولا شغلنا وليهم ناس تانيه برضه غيرنا خالص !!!
العضم بيسوس ، والخشب بيسوس والارض ساعات يضرب فيها السوس !!!
السوس عدو ندل خاين، لانه بيضرب في الحاجه ومحدش شايفه ، مانشفوش الا لما تبقي المصيبه وقعت !!!
احنا بنعمل عيله تحب البلد وتحميها من السوس !!!
كل واحد في مكانه الطبيعي لما يقابل السوس يقاومه يحاربه يهزمه - بالضروره - ويدافع عن البلد بالحب والانتماء !!!
هز راسه يفهم .... لكنه لا يفهم بدقه !!!
طيب ممكن حضرتك تشرح لي اكتر !!
انفجر ضاحكا ................. لا لغايه ماتقرر الي قولته لك كفايه !!!
واكمل حديثه بمنتهي الجديه ، فكر لبكره .... واعرف اني باعرض علي شرف كبير بلا اي مقابل ، لن اعطيك مقابل لاني لااشتري الحب للبلد بالفلوس ، لان اللي يحبها بالفلوس يبيعها بالفلوس ، لن اعطيك مقابل لاوظيفه ولا ميزه ولا نفوذ ولا سطوه ولا هيبه !!! لن اعطيك تعليمات ولامأموريات ، لن اقابلك ابدا بعدما نتفق اما بالقبول او بالرفض ، ولو قابلتك مصادفه فانا لااعرفك ولم اقابلك ابدا !!!
كل مااعرضه عليك هو الانتماء للبلد وحبها والدفاع عنها بطريقتك انت !!!
لمح الاندهاش علي وجهه ، ايوه بطريقتك انت !! واحنا حنبقي واثقين في طريقتك !!!
احنا مختارينك وعارفين عنك كل حاجه ، عارفين طريقه تفكيرك وتصرفاتك وسلوكك ، وبالتالي عارفين تقدر تحب البلد ازاي بطريقتك !!
نظر في ساعته كانه يقول له حان وقت الرحيل ...
فهم يوسف رسالته وقام مكانه ، شد جسده الممشوق وسلم عليه بقوة ....
حاستناك بكره ............ لو ماجيتش حارفد الراجل اللي قال لنا عليك ، لانه يبقي ماعرفكش كويس وفي شغلنا مافيش هزار ، الغلطه بفورة ، حارفده لانه رشح حد ماينفعش يترشح ، يبقي هو كمان ماينفعش يفضل علي كرسيه !!! لكن لو جيت وقلت لا ، عادي ، عادي جدا ، حننساك فورا وحنشطب علي اسمك !!!
ارتبك يوسف للحظه ثم سيطر علي مشاعره ، لكن نبيل فهم راسه وتداعيات افكاره وانفجر ضاحكا ، ايه حتخاف نضطهدك ، هز راسه نفيا ، احنا مش عصابه الخط في الصعيد حنضطهدك ، حنشطب علي اسمك يعني ننساك وانت كمان تنسانا وبس!!!الي اللقاء ...
ودفن راسه في اوراق امامه قائلا بطريقه واضحه ، المقابله انتهت !!!
فتح الباب وخرج لم ينظر خلفه ، وكان متأكد انه مش حيبص وراه ، لما مشي تنفس نبيل الصعداء ، كل التوقعات التي توقعناها منه في محلها بالضبط !!!! ابتسم وهمس ، حيرجع بكره يقول موافق ............. وعاد لاوراقه !!!!


( 10 )
حبيبة
1965

كيف حصلت حبيبة علي تأشيره دخول لانجلترا ، هذا في ذاته لغز كبير ، فبعد حرب السويس والعداء الصريح بين الثوره وانجلترا ، كان سفر اي مصري لانجلترا ضرب من الخيال ، كيف حصلت حبيبة علي تأشيرة دخول انجلترا ؟؟؟ لغز لم تعرف هي ابدا سره ، ربما ابيها وعلاقاته القويه برجال الملك ، ربما كان لابيها علاقه بالسفاره الانجليزيه قبل الثوره ، فاستثمر تلك العلاقه لينتشل ابنته من الثوره وانيابها وقبضتها القوية ...
هذا كله ليس مهما ....... المهم ان حبيبه كانت تعد اوراقها للسفر لانجلترا وقت قابلت يوسف في منزل عمته !!
حبيبه صديقة ابنة عمته التي تخرجت مثلها من كليه الاداب لكنها كلفت للعمل في احد المدارس الثانويه في المنصورة ، كانت ابنه عمته تستعد للسفر للمنصوره بمنتهي الحماس ، ستستقل عن بيت ابيها وسطوة عمته وتعيش مع زميلاتها في السكن التابع للمدرسه ، ستدرس في مدرسه ثانوية وتساهم في بناء الجيل الجديد وتعليمه !!!
اقامت عمته حفلة لتوديع ابنتها التي " حتتغرب " في المنصورة !!!
يوسف ذهب لتلك الحفله مجبرا ، امه اصرت يرافقها ، تضمر في نفسها امنيه ربما تتحقق حين يقابل يوسف فتيات كثيره في تلك الحفله فينتقي احدهن للزواج وهو الذي يرفض الزواج دونما اسباب مفهومه ... لم تقل له الام بالطبع دفين هدفها لكنها صممت يذهب معها ليوصلها ويعود بها ، يوسف يفهم امه وما يدور في راسه ، وافقها شراء لرأسه من زنها الذي لاينتهي ...
وياليته لم يوافق امه وليته لم يقابلها ... حبيبة !!!
دخل بيت عمته ، بنات كثيرات ، متجملات انيقات ، يرتدين حسب موضه تلك الفتره ، فساتين مزركشه ، تسطع عيونهن بالحيويه والكحل الاسود ، يلوج الروج الوردي الفاتح شفايفهن ، جميعهن منشغلات بحوار صاخب ، حبيبة في جانب وبقيه الفتيات في جانب اخر ، وابنة عمته مشفقه علي صديقتها من الهجوم الكاسح الذي ينصب علي راسها من بقيه الفتيات !!!
يومها لم ينطق يوسف بكلمه ، لم يكن ابن العيله كما يتوقع منه ، لم يدافع عن الثوره والوطن والتنميه والاشتراكيه العربية ، لم يهاجم الاقطاع وفساد الملك ، لم يبرر حتي اعتقالات الاخوان المسلمون بمحاوله اغتيالهم لجمال عبد الناصر ، صمت تماما ، حينما سمع صوت حبيبة ، صوت مرتعش بالحماس والعزله ، هي تصرخ بما تؤمن به لكنه معزوله تماما عن المجتمع الذي تعيشه ، لااحد يفهم مالذي تقوله ، كلهن بنات الثوره المتحمسات لها ولجمال عبد الناصر ، هي فقط تتحدث عن اسرتها ومالحقها ومثلها اسر كثيره ، صودرت املاكها علي يد الثوره لصالح " فرقه رضا واغنيه فدانين خمس "...
يومها فهم يوسف معني ان يكون اثنين ، يوسف ابن العيله كان يتعين عليه يتصدي لحبيبة ، يخالفها الرأي ، يدعم الفتيات في ارائهن المتحمسه للوطن الفياضه بحبه ، كان يتعين عليه يهاجم حبيبة بقوه ، يعايرها باسرتها الاقطاعيه ، يحول مناقشتها لمرارات شخصيه تقتص من الثوره بسببها ، يسرق اي بساط من تحت قدميها وكانت ستسقط بمنتهي السهوله ، فهي معزوله وضعيفه وتتحدث بلغه لاتفهم بنات الثوره مفرداتها ... لماذا قرر يوسف المشفق علي حبيبة المعجب بها ان يخرس يوسف ابن العيلة ويمنعه من الكلام ، لكن مدام ابن العيله لن ينطق ، فهو ايضا لن ينطق ، لو نطق وساندها سيخون العيلة التي كتبت اسمه في شجرتها بالدم ، سيهدر الرساله التي قضي خمسه سنوات منذ لحظه خرج من مكتب نبيل موافقا علي الانضمام للعائله وهو يدعم فيها ...
صمت يوسف تماما ، راقبته امه ولم تفهم سر صمته ، ففي وسط البنات وبالذات بنات الثوره المتحمسات لها ، يبادلهن النكات والحماس ويزيد حماستهن للوطن الذي يستحقه نحبه ، اليوم صمت تماما ، لمحت امه بذكاء وفطريه الامهات النظرات التي كان يختلسها يوسف لحبيبة ، سعدت الام ، الفتاه الجميله سليله العائله العريقه اعجبت ابنها زينه الشباب وسيد الرجال والباقي كله سهل !!! هكذا تصورت الام!!!!
بعد العشاء ، خرج يوسف الشرفه فوجد حبيبه تبكي ولااحد يشعر بها ، ارتبك ، هل تبعثرت دقات قلبه وقتها ، منحها كوب ماء وينبوع اهتمام وحنان ، اقترب منها هامسا انه لا يوافقها علي كل افكارها ، هزت راسها توافقه ، مش انت لوحدك كل الناس مش بتوافقني علي افكاري ، علشان كده لازم امشي ، يكاد يوسف يسالها عن قصتها ، لكنه لايسالها ، تحكي هي مأساتها دون سؤال ، انا خلاص مش قادره اعيش هنا ، باكلم نفسي ، محدش عايز يفهم اي حاجه بقولها ، ايه فيه ايه ، هي الناس معمول لها غسيل مخ للدرجه دي ، توتر يوسف ، يتمني يناقشها ، لكن يوسف ابن العيله قرر وبسرعه انها لاتصلح للمناقشه وانها لن تغير رايها قيد انمله وانها هدف عظيم يمكن مبارزته ليكسب قلوب وعقول وولاء وحب بنات الثوره للوطن اكثر واكثر ، لكنه يوسف قرر يخرس يوسف ابن العيلة ، يخرسه ، رجاه يشفق عليها ، اخرجه من الشرفه وبقي معها وحده ، البنات منشغلات بالرقص وعمته مشغوله بدموعها علي فراق ابنتها وامه سعيده بانفراد يوسف بحبيبة تنتظر يعودا للمنزل حتي تفاتحه في رغبتها في اتخاذ خطوات جديه مع الفتاه !!!
يوسف مازال اخرس ، لكن عينيه يقولا لحبيبة كلام كثير ، يقول لها انه مهتم بها ومشفق عليها من وحدتها وكان يتمني يكون حرا حتي يواسيها ويحاول تهوين الامر عليها ولو حتي بسب الثوره القاسيه التي دفعت ضحايا ابرياء كثيرين ثمن جراءتها وقراراتها الثوريه ، لكني لست حر ياحبيبة ، واكثر عزله منك !!!!!!!!!
نظرت له حبيبة نظرة استكشاف وكادت تساله انت مين ، لكنها صمتت ، سؤالها وصله وحمد ربه انه لم تجهر به !!!




نهايه الجزء الاول
ويتبع بالجزء الثاني

هناك تعليقان (2):

أسامة جاد يقول...

توقفت كثيرا عند المدخل .. أعجبني "كسر النمط" في تدخل الراوي العليم وسخريته المقصودة من فكرة العثور على كراسة المذكرات كحل سردي يلجأ له المؤلف أحيانا ليصل إلى الحبكة التي ينسجها في ذهنه .. ويريد الوصول إليها من أقرب طريق .. هذه السخرية ذاتها التي كانت مدخلا .. على منطقيته في التأكيد على مسألة "اللعبة": فنحن لا نتحدث عن واقع، ولكننا "نحكي حكايات" كان ينبغي، لو لم تكوني بهذه البراعة السردية، أن تفصلني كقارئ عن حالة "التوحد مع البطل، أو هي تقمصه، مع تتابع الحدث، غير أن براعتك السردية ذاتها جعلتني أفاجئ نفسي وأنا أحارب "السوس" معه .. وأردد مع نفيس ونبيل "كل واحد في مكانه الطبيعي لما يقابل السوس يقاومه يحاربه يهزمه - بالضروره - ويدافع عن البلد بالحب والانتماء" .. الفكرة في ذاتها عبقرية في بساطتها على الرغم من أنني قرأت الحدوتة مرتين، الأولى في تتبع مسار التشويق الناجم عن ضبابية كيان "العيلة" وماهيته: هل هو جهاز، هيئة، مؤسسة .. والمرة الثانية لأستمتع مجددا بالنص الفارق والصدق المبهر والعاطفة الحقيقية التي جعلتني أتوحد بحكايتك .. كان وجود حبيبة في الحدث براعة مدهشة منك في إيجاد خط درامي مواز .. وفي ضبط الصراع بين حب وحب .. أحببت حكايتك كثيرا .. كثيرا

غير معرف يقول...

بداية هاتكلم عن الفكرة :
منظمة او عيلة كل وظيفتها محاربة الافكار الهدامة اللى من الممكن ان تكون اخطر من القنابل . ايا كانت الافكار . اغنية - فيلم - نكتة - شعر ..... الخ .
كل المطلوب من افرادها انهم يخلوا الناس -كل الناس- تحبهم و تحترمهم و يحببوهم فى الوطن .
مش تجنيد .. مش وظيفة .. مافيش قيود عليا ملتزمين بيها .. مش هانسألك سؤال و لا عايزين منك معلومة .. انت الوحيد ببصيرتك و ميزانك الحساس اللى هاتميز و تاخد قرارك تعمل ايه .. انت مش مع الحزب . مش مع رئيس . مش مدافع عن ثورة او حكومة . لو مصلحة الوطن انك تشتم كذا اشتم لو مصلحتة انك تمتدح نفس الكذا امدح ... المهم الوطن .
يااااا ربى
صدقينى كتير و انا باقرا الرواية طلعت لفوق عشان اتأكد من التاريخ .
يمكن لو كنت قريت الرواية دى وقت ما كتبتيها ما كنتش هانفعل كدة .. فاكرة لما قلتلك انا بدأت اخاف منك ؟؟ ماهو حاجة من اتنين يا مخاوية يا راكنة الة زمن تحت البيت ههههههههه.
لأ طبعا هية حاجة تالتة : بصيرة و رؤية لا استطيع التعبير عنها بكلمات .. و الله و الله و الله مصر هذه الايام فى امس الحاجة لتطبيق هذه الفكرة . مش فى امس الحاجة و بس دى حياة او موت .

نيجى للتفاصيل :

- انا باحب جدا اسلوب القفز عبر الازمان و الاماكن اماما و خلفا لانى باحس انه بيشرك القارئ و يحفزه ان ذهنه يكون متقد تماما و فى كامل تركيزه من اول حرف لاخر حرف .. و حضرتك عاملاه كاروع ما يكون و فى مكانه . المرة الوحيدة اللى ما حصلش قفز فيها كانت بين الفصلين 24 و 25 و كانت فى محلها جدا .. كنت هاتغاظ قوى لو حصل قطع فيها و كأنك قريتى افكارى .

- الحالة المزرية التى وصل اليها بطل الرواية و هو فى الستين من عمره (و ده مش سن كبير) و اصبح و كأنه فى التسعين اراه منطقيا تماما و له دلالته .
قد تبدو المهمة سهلة -خلى الناس تحبك و يحبوا البلد- . لما فكرت فيها لقيتها مهمة شبه مستحيلة . مهمة اكتر من انتحارية . مهمة اخطر على صاحبها من انه يجند حتى داخل بلد عدو . انسان تحت ضغط عصبى و نفسى حارق بالشكل ده عمره يكون اشبه بشمعة تحترق من الجهتين و ليس جهة واحدة كالاشخاص العاديين و خصوصا اذا تمكنت منه الفكرة كبطلنا .

- ملمح مهم جدا اشارتى اليه فى شخصية حبيبة . عدم التمييز بين كراهية الحكام و الوطن . تكره الحكومة و الحاكم فتكره الوطن بالمرة ... دى كارثة حقيقية و بنعيشها دلوقتى كأوضح ما يكون .

- مشهد الكنيسة سحرنى .. شفت مصر كلها فى المشهد ده .. شفت مصر المتفردة العظيمة اللى الاجلاف عايزين يسلبوها التفرد ده و يلونوها بلونهم الصحراوى البدوى المتخلف .

- مشهد النهاية و الجنازة بجد رائع و مؤثر جدا .

- وصف العيلة (تدور السواقي وتزرع الرياحين وتدفع بعواصف الحب في قلوب ابناء الوطن) .. و وصف افرادها (كل واحد من العيله في مكانه كان قلب بينبض بحب البلد ونموذج وقدوة لنشر حبها في كل القلوب) .. وقفت كتير عند الجملتين دول . دفء غير طبيعى مفتقد .

- نقطة الضعف الوحيدة هو تبرير ايجاد الكراسة و انها بداية متكررة و نمطية و و و . فالرواية هى عقد غير مكتوب بين الكاتب و القارئ مفاده (دعنى اخدعك - دعنى انخدع) -طبعا الخداع بمعناه المحمود- فما كانش فيه داعى للتسفيه منها.

فى النهاية

*** عملتى عالم ساحر جميل يفيض بالصدق ... شكرا بجد استمتعت بيه جدا جدا و كالعادة لا يمكن اخرج منه زى ما دخلت ***