مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 16 ديسمبر 2011

وقتما غربت الشمس قبل الشروق ( الجزءالاول )

اهداء 
لصديق يعرف نفسه كما اعرفه انا ايضا ..
اليه اهدي هذه الحكايه ...



الجزء الاول


( 1 )
كرماتك ياشيخ العرب زيح عن قلبي الهم

لو انه عاش وتزوج  وخلف ومات ...ماكانت هذه الحدوته !!!ا
هو .........لانه لم يفعل اي شيء من كل هذا ، اصبح بطل للحدوته !!!ا 
بعدما شارك في الغضب وبعدما مات الاصدقاء امام اعينه برصاص القناصه وبعدما شربت ملابسه دماء الاحباء تكتب بقطراتها قصائد في عشق الوطن وبعدما انتظر يجني ثمار موقفه الشجاع ، انتظر تمطر السماء عداله فاذا بها تمطره بطير ابابيل وحجاره من سجيل تحرق وطنه وقلبه ، وبعدما انتظر يطرح الوطن في اشجاره المتيبسه افراحا بعدما روت دماء الشهداء جذروها العجوز لكنها لم تطرح الا شوكا وحنظل وصبر مستحيل ، وبعدما حكم الوطن من لم يكن يتمني يعش ايام حكمهم القاسية ، وبعدما تكممت كل الافواه وفر المناضلين من رجال العسس والمخابرات وطاردت الاحكام العسكريه بقيتهم بالحبس والنفي والتشريد ... 
بعدما بكي واكتئب ، وفشلت العقاقير والادويه والخمور المهربه وسجائر الحشيش في مصالحته علي نفسه ، قرر يهرب بنفسه من المركب الغارق وينجو ....... سال نفسه لوبقيت هنا ساموت ولن يذكرني احد ، فكل ماقدمته محته الاقدام الغليظه من كتب التاريخ وسطرت تاريخا كاذبا مزيفا يزين صوره وجوه الغرباء ، لو بقيت هنا ساموت كمدا ، ساهرب ربما تمنحي البلاد الغريبه حياه عجزت بلادي وتضحياتي عن منحها لي ولكل جيلي من التعساء ممن صدقوا ان الاحلام قريبه فاكتشفوا انهم زرعوا اللوتس وجنوا الحنظل وتسممت حياتهم ومستقبلهم بمرارة سمه !!!!! 
سارحل من هنا ..... هكذا قال لوطنه وهو يودعه علي سلم طائرة الرحيل !!! 
كان يظن انه سيرحل ولن يعود ، لكنه رحل وعاد وعاد ورحل وتبعثرت سنوات العمر في رحله الفرار من الهزيمه التي تصورها نصرا فكسرت قلبه وظهره واقعدته كسيحا وهو يجري علي قدميه !!!!ا 
همس لنفسه بلغه عربيه فصيحه وهو يربط حزام مقعد الطائره حول وسطه ، لم يعد ممكن ان ابقي هنا ، فهنا يبكي علي بعضي بعضي ، وجفف دموعه التي تصورها الاخيره فاذ بها اول السيل الذي انهمر فوق حياته وحتي مرت كل سنواتها ...


( 2 )
ربما تصاحبني لعنة ما ؟؟؟؟؟

كهل سبعيني يجلس علي قهوة حقيرة في شارع البحر ، يحدق في الشارع الذي تغير والحياة التي تغيرت ، يلمح وجهه في مرآة الباب فلايعرف نفسه ، ينفث دخان الشيشه ويبتسم !!! اولها في شارع البحر واخرها في شارع البحر وبينهما رحله كل محطاتها سفر ، مابين الوداع والرحيل والنساء اللاتي عجزن يصالحوه علي الدنيا ، مابين هذا وذاك ، عاش اسامة ، نعم ، هذا الكهل السبعيني المبتسم بلامبالاة وكأنه لايكترث ، هو اسامة !!!!ا
هل هذه هي المحطه الاخيرة ؟؟؟ بعد كل السفر والرحيل والوداع واللقاء والعوده والغياب ...هل هذه المحطه الاخيرة ؟؟
كم خفت اموت في البلاد الغريبه ، غريب مات في بلاد غريبه لايستحق دمعه وداع ولا كلمه رثاء ولا حتي ترحم علي روحه !!! في البلاد الغريبه خفت اموت غريبا وفي وطني خفت اموت وحيدا ، خفت اموت في شقة مغلقه النوافذ والشرفات ، اموت وحيدا لااجد من يمسك يدي ويطمئني ان مابعد الموت راحه لم تعشها وانت حي ، من يمسح قطرات العرق البارد وروحي تنسلخ من جسدي وترحل ، من يغلق عيناي ويبكي وقتما لايبقي الا الجسد المتيبس بعد رحيل الروح للبراح .... ااااااااه يابراح عمال بيضيق ...  في البلاد الغريبه الغربة مرة وفي وطني الوحدة قاسيه وبين الخوف من الغربه والخوف من الوحده والخوف من الموت ، عشت سنوات سبعين واظني ساعيش اكثر منها ، لكني دائما كنت خائف !!! ا
الان بعد كل تلك السنوات السبعين ، استطيع القول ببساطه اني خفت اموت في كل الاوقات حتي عجزت عن العيش !!!!ا
لم اكن اخاف الموت حتي مات اعز الاصدقاء في حضني !!!ا وقتها خفت الموت ومازلت اخافه !!!ا
لااعرف لماذا اكذب احيانا ، اخاف الموت منذ اللحظه التي ادركت فيها اني حي ، وقتما ادركت اني اعيش حياه مهما طالت ستنتهي ، منذ تلك اللحظه وانا خائف من الموت ، نعم موت صديقي زاد مخاوفي ، لكني كنت ومازلت ودائما خائف !!! ا
ربما لو نسيت صديقي وكيف مات ونسيت كل تلك الايام وعشت مثلما تعش الناس تاكل وتشرب وتتزوج وتنجب ، لمت مثلهم جميعا بلا خوف ، لكني لم انسي ، بالعكس كل يوم باعد بيني وبين تلك الايام الجميلة التي عشتها وصديقي والالاف غيره نهتف باسم الوطن ونرفع اعلامه في السماء ، ثم مات صديقي وسقط العلم من يدي ، كل يوم باعد بيني وبين تلك الايام الجميله ، ذكرني اكثر بها وبكل ماحدث فيها ، كل يوم احبطني بما يعيشه الوطن ذكرني بالحلم الجميل الذي سرقته منا الايام ، كل يوم باعد بيني وبين الشاب الذي تظاهر ليحقق حلمه ذكرني بكل الاخفاقات التي عشتها وقتما قررت اقتله بداخلي واعش مثلما يعش كل الناس ، فعشت خائف من كل شيء وخائف من الحياه ومن الموت فعشت ميت ومت حيا ولم اعش علي الاطلاق!!!ا
لو اني " ضربت الدنيا صرمة " وعشت زي مالناس عايشة ولم اعتقل روحي في الموت بالخوف منه لعشت !!!! 
لكني حملت زنازنتي في صدري واعتقلت روحي فيها خوفا من الموت فمت الف مليون مرة وانا احيا ولا احيا !!! 
سافرت وعدت حتي نسيت عدد المرات ، هربت بحملي وعدت باحمال اكثر حزينا مقهورا وكل ماكنت اتمناه اعيش سعيدا !! وكأن السعاده مستحيلة ، فلم اعرفها ، ربما عشتها لكني لم اعرفها وطاردتها ولم اقبض عليها وحين مرت سنوات العمر تمنيت لو عادت لاعيش!!! 
مازال الكهل السبعيني يجلس علي القهوه لايرغب في العودة للمنزل الخالي !!! هناك الوحده قاتله والموت ينتظرني وهنا البشر تروح وتجيء وتبتسم وتضحك وتتشاجر وتركض وتعيش!!!! 
لماذا لم اعش مثلهم جميعا ؟؟؟ سؤال حيرني ومازال يحيرني!!! 
هل مازال في العمر سنوات للبحث عن اجابه ذلك السؤال ؟؟؟؟
ربما تصاحبني لعنة ما .... من كتب هذه العبارة يااسامة !!! انت الذي كتبتها في يوم حار قائظ ، كنت تجلس عاري في حجرة ضيقة في مانيلا ، تلك المدينه البعيده في البلد الاستوائية التي تمطر رطوبه وتخنق سكانها بالزحام والفقر ، تجلس عاري في حجره ضيقه تستعد للعوده لطنطا ، قررت تترك البلد الاستوائية وتعود لشارع البحر ، تدخن الشيشه وتسترد بعض نفسك التي بعثرتها الايام بين المدن الغريبه والنساء القاسية ، وقتها والعرق المالح يسيل فوق جبهتك وتتساقط قطراته تكوي عينك وقلبك ، وقتها امسكت ورقه وقلم وكتبت ، ربما تصاحبني لعنة ما ، كنت تقرر حالك ام تتسائل عنه ؟؟؟ 
لماذا سافرت مانيلا اساسا ؟ نظرت في الخريطه ساذهب هناك لتلك البلاد الغريبه ، التي يعمل اصحابها حتي الموت ويتمنوا لو امتد العمر بهم اكثر ليعملوا اكثر ، مانيلا ، مدينه في بلد مكون من سبعه الاف جزيره واكثر ، بلد بعثرتها الجغرافيا وجمع شعبها السعي الدؤوب للعيش واكل العيش ، سافرت مانيلا لابحث عن شيء استورده لطنطا ، طلقت زوجتك وسافرت لمانيلا تفكر في طنطا ، نعم تفكر في طنطا ، فكرت بعقليه بنات السيد البدوي ، صبايا طنطا وجميلاتها ، ساذهب لمانيلا لاستورد ماينقصهن وماسيحبوه ، ربما استورد ملابس داخليه خليعه تظهر مفاتهن اللاتي يتبارين في مدارتها عن العيون المتلصصه ، ربما استورد عطورا وبخور تمنح اجسادهن اللدنه الناعمه سحر وغموض ، ربما استورد اقمشه منقوشه بصبر الفلبينيات المتعبات بالحلم ، اقمشه منقوشه بالسيرما الفضيه والذهبيه تفصلها بنات السيد البدوي فساتين سهرة وعبايات تضفي لجمالهن الفطري انوثة وشقاوة !!!ا
لكن مانيلا لم تفتح احضانها لك ولم تمنحك اسرار تجارتها ، كل البشر يشبهوا بعضهم وجميعهم يشبهوا الخادمه التي كانت تمسح السلم في البنايه الكبيرة التي عشت فيها في دبي ، كل الملامح متماثله وكل الاجساد صغيرة وكل النظرات مهمومه وكل البشر يقفون في طوابير السفارات ينتظروا تأشيرة خروج !!!ا مانيلا لم تفتح لك احضانها وتركتك تسير علي قدميك حتي بلي حذائك تبحث عن بضاعه تصدرها ، لكن من انت لنمنحك ثقتنا وبضاعتنا ، من انت الذي لانعرف اسم وطنك علي الخريطه ، مصر الفراعنه والجمال نعرفها طبعا لكنا لانعرف ان بها محلات ومراكز تجاريه وبنات يميزن جمال منسوجاتنا الوطنيه !!!ا 
في كل مكان تذهب اليه ، تبذل مجهود لايثمر كمن يحرث في البحر ويشرب مائه المالح ويبقي علي حاله ظمأن ، ارحل يااسامه عن مانيلا ، تلك المدينه التي تاكل لحم الكلاب وربما تأكل لحمك لو ازعجت اهلها المتشابهين ، ارحل عنها قبلما تصيبك رصاصه من تلك التي تشق الليل تقتل شقي او سياسي فار من مراقبه المخابرات او معارض لحكم الرئيسه زوجه الرئيس ذات الالف حذاء ، ارحل ياااسامه وكفي بنات السيد البدوي البضاعه التي تتكدس في محلات مدينتهم الصغيره ، كفاهم مالديهم وانجو بنفسك من المدينه التي تنام فوق جزيره تنتظر الطوفان يغرقها وكل الجزر القريبه منها ، ارحل وانجو بجلدك!!!!!!ا
ولملم اهم اوراقه وكتاباته المجنونه وقصائد الرثاء التي كتبها للاصدقاء الذين سقطوا شهداء في الميدان وقذف الجريده التي تنشر اخبار وطنه بعيدا غاضبا حانقا لان هذا الوطن الذي صار لم يكن الوطن الذي حلم به وقتما رفع العلم وخرج يهتف في الميدان ، ليس هذا هو الوطن الذي حلم به ، قذف الجريده بعيدا ولملم اهم اوراقه والقي كعادته ملابسه القديمه من النافذه ، انها الملابس التي ارتداها في الغربه تحمل بين طيات نسيجها وجع الغربه ودموعها ، واليوم عائد لوطني فلااحتاج لملابس الغربه ولا اوجاعها ، عائد لوطني ، نعم هو لايشبه وطني الذي احبه لكنه وطني باناسه الطيبين الذين مهما جاعوا لايأكلوا لحم الكلاب ، وطني الذي لا يضرب رصاص طائش وسط الليل فيخيف اللصوص ويقتل قصائد العشق في فراش الاحباء ، نعم هو فقط اطلق الرصاص علي قلوبنا وقت تظاهرنا وتمردنا وحلمنا بالاجمل لكنه كف رصاصه عن اجسادنا وقت خلعنا جلد الثورة وارتدينا جلود النعاج وفتح لنا ابواب الهجره لمن يرغب وابتسم ابتسامه افلام الرعب وقال بلزوجه بلسان حكامه الجدد ، اللي مش عاجبه يمشي !!! وانا مشيت لانه مش عاجبني وراجع برضه رغم انه لسه مش عاجبني !!!ا
ربما تصاحبني لعنة ما ، هذا ماكتبته في مانيلا وانا الملم بعضي لاعود لوطني واليوم ، وبعد كل تلك السنوات الكثيره ..... مازلت تتسائل ايها الكهل السبعيني نفس التساؤل الاستنكاري وانت تراقب الرجل الذي يحتسي شايه علي منضده خارج القهوة ، ترتسم علي وجهه الابتسامه بلا سبب ، كنت تتمني تلك الابتسامه تزين وجهك وقلبك بلا سبب ، لكن الحياة لم تمنحها لك ، بل منحتك اسبابا كثيرة للسعاده ولم تمنحك تلك الابتسامه ، في كل رحله وانت في المطار تجري صوب الرحيل بلا حقائب وفي كل مرة تهجر حبيبه او تهجرك امرأه ، كنت تبتسم بصعوبه ابتسامه الطير المذبوح الما وتسال نفسك ، ربما تصاحبني لعنة ما ؟؟؟ ولاتجد وقت تعثر علي اجابه لتساؤلك وتجري وتجري !!!! 
الكهل السبعيني يبتسم فيهمس النادل لصاحب القهوه ، عادته كده ، يغيب يغيب وفجأ يبتسم ، شرح له صاحب القهوه ، الملايكه بتهون عليه ، ماهم الكبار زي الصغار ربك لما يرأف بحالهم يبعت الملايكه تهون عليهم فيبتسموا ، لم يفهم النادل كلمه واحده من التي قالها صاحب القهوه لكنه ابتسم بلا داعي !!!! 
لما كل السنين دي تمر وانت لسه محتار ، يبقي التوهه مكتوبه عليك ، عشت كل السنين وماعشتهاش ، عشتها خايف ومحبوس ولما مرت كل السنين لقيت ان مافيش حاجه تخوف فاحترت اكتر ليه انت بالذات عشت محتار وخايف !!!! 
ربما تصاحبني لعنة ما ..... في مانيلا ، كتب تلك العبارة علي ورقه بيضاء ووقع اسمه وترك الحجرة الضيقة والمدينه الخانقه والبلد الاستوائية ورحل .... عثرت علي تلك الورقه الفتاه التي احبته ولم يشعر بها ، كانت تنظف الحجرة وترمي اعقاب سجائره واوراقه الممزقه وترفع بصمات شفاه الغانيات من فوق فراشه وتبكي ، كانت تحبه لكنه لم يشعر بها ، عثرت علي الورقة واحتفظت بها ، تصورتها رساله تركها لها بالعربية وهي لا تقرأها ، بحثت عن مترجم يقرأ لها اخر جمله قالها الرجل المصري الذي احبته ولم يراها ، شرح لها المترجم المعني المكتوب ، هزت رأسها حزنا ، ترك لها لغزا كبيرا ورحل !!!! 
ربما تصاحبني لعنة ما ..... احست الجمله تخصها واجابه السؤال عندها ، نعم تصاحبك لعنة ، لا تري من يحبك وتظل حائر تبحث عن من يحبك ، تصاحبك لعنه انك لاتري الحب في عيون الاحبة وتعيش عطش للحب وكأن كل ماء الدنيا مالح لن يروي عطشك!!!! 
و............... مالذي تعنيه لك تلك السنوات السبعين ؟؟؟ 
سأل الكهل السبعيني نفسه وهو جالس علي القهوة ....سافرت ورحت وجيت وحبيت واتحبيت وهجرت واتهجرت واشتغلت ونجحت وفشلت وعملت فلوس وصرفتها ومن شارع البحر خرجت هربان لشارع البحر رجعت تعبان و................ ومازلت تحلم بالدفء في فراش امرأة تمنحك الحياة كلها !!!! 
وقام يسير خطوات بطيئة بطئيه صوب منزله ولعابه يسيل علي مذاق المشبك الذي طالما افتقده في البلاد الغريبة !!! 
ضحك ضحكات عالية ، ايوه ، عايز حبيبة بطعم المشبك ، تمحي طعم المر من روحي !!! 
و.......... عايز وطن بطعم المشبك وبصنعه بيتي وسكره المكرر يمحي مراره كل الهزائم والوجع !!! 
ابتسم ساخرا من نفسه ، هل مازال الوطن يؤرقك يااسامه !!! 
رغم كل الرحيل والفرار والغربه ، هل مازلت تحلم بالوطن ؟؟؟
واكمل سيره في الشارع الطويل ، شارع البحر ، حائرا تائها مثلما كان من خمسين عاما وربما اكثر !!!!ا 


( 3 )
وكيف ابكي ودمع عيني
يريد حضنا يزيله عني

في الشارع المظلم القريب من بيته ، بعدما دفن ابيه يسير وحيدا يتمني يبكي !!!! 
اقتربت منه نسمة ، سمع صوت خطواتها ولم يصدق نفسه ، كيف غادرت بيت ابيها ونزلت للشارع الذي ضربت مائه مره لانها نزلته ، شم رائحتها ، همست ، البقيه في حياتك ، هز رأسه ولم ينطق !!! 
همست،انا عارفه ان مش وقته خالص ، بس لازم تعرف مني  !!!
يسير بخطوات بطيئه والدموع الحارقه مخنوقه في قلبه !!!! 
انا حالبس الدبل بكره ، بابا صمم اتجوز والعريس مايتعيبش وانت مش جاهز ولا راضي تديني عقاد نافع ، ماعرفتش ااقاوح مع بابا اكتر من كده و.................. انهمرت دموعه فيضانا وشكرها لانها ساعدته يبكي ابيه وتصور ان كلماتها لم توجعه واسرع بخطواته وترك ظلاله تخيفها في الشارع الخالي المظلم و...................... اختفت نسمه من حياته لكنها بقيت تحتل وجدانه وذاكرته ، منحته هدفا في الحياه ، سانجح حتي انتقم منك ومن ابيكي ومن زوجك الرجل التافه الذي تركتيني وتزوجتيه !!!! 
واسرع في خطواته صوب البيت الذي يجلله السواد ، يبكي بحرقه ، فيقابله المعزين ويحتضنوه ويواسوه لان ابيه مات فجأ وترك في رقبته الام الارمله وثلاث اخوات !!!! وبقيت راجل البيت يااسامه و............ يبكي ويبكي ويرتفع صوت نحيبه !!!! ويبتسم وسط دموعه وهو يشكر نسمه ، غوري في داهيه واتجوزي وخلي ابوكي يبيعك لواحد ماتعرفيهوش ، وانسيني زي ماانا نسيتك ، بس الحق انت بت جدعه ، فكيتي حسره قلبي علي ابويا وخليتني اعيط ، جدعه يانسمه براوه عليكي يابت !!!!! 
ويبكي وبداخله يتردد صدي ضحكات عاليه و..................... انت مجنون علي فكره يااسامه ، اه ليه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وبالامس مات ابيه واليوم رحلت نسمه وغدا ............. مالذي يخبئه لي الغد !!!! 
لن انتظره ، لن انتظر الغد ، سارحل حتي لايأتي ويباغتني بمصيبه اخري فوق مصائبي التي حطمت احلامي الورديه !!!! 
هنا ، لم يقوي علي كبت ضحكاته وارتفع صوتها ، احلام ورديه ايه ياعم ، ماتنشف كده وتتجدعن ، مافيش رجاله بتحلم باحلام ورديه ، انشف وافرد ضهرك وربي شنبك وانسي الاحلام الورديه والحبيبه التي كسرت قلبك وواجه الدنيا زي الاسود ما بتعمل لما يكون في عرينها حريم ، بتكسر الدنيا بصوتها وتحمي الحريم وتدافع عن وجودها و........... انت ملك الغابه !!!! 
وشهور مرت طويله وكلمات نسمه الموجعه تطن في رأسه !!! 
مالعلاقه بين القبر الذي كان مفتوحا ، دخل فيه يحمل جثمان ابيه وخرج منه يحمل الهم وبين نسمه التي منحته الامل وقبلما يصدقه صدمته ، مالعلاقه بين الموت والقلب الكسير !!! مالعلاقه بين الجثمان الذي سيتحلل ويتلاشي وبين الحب الذي انتهي وتبدد !!!!ا
و............ اشتري مشبك من محل صغير بجوار مقام السيد البدوي واخذ يقضم فيه بنهم وكأن ابيه لم يمت وكان حبيبته لم ترحل!!!
وتسلل السكر لعروقه فانتشي وتمني لو ركب القطار ورحل عن المدينه الصغيره التي لم تحمل له الا الاحزان !!!!!!!!!!! 
ومازال المشبك يذوب بين شفتيه وعيناه تحمران اكثر واكثر من كثره الضحك وكثره البكاء و................. لابد من الرحيل يامدينه الاحزان والمشبك !!!! لابد من الرحيل !!! 
الي القاهره ، ساعيش هناك وانسي طنطا والمشبك ونسمة!!!ا وركب القطار ورحل للقاهره !!!ا


( 4 )
هكذا يصبح موتي مدهشا !!!!


هو كابوس واحد فقط يراه لمده خمسين عاما ، منذ الليله التي ترك فيها الميدان ونام علي فراشه بعد حمام ساخن وحتي الان وربما حتي سيموت ، كل ليله يأتيه الكابوس وكل ليله يعش الحدث الذي عاشه وقت شبابه وكأنه يحدث مره ثانيه وعاشره والف ، كابوس واحد يري فيه جسد عفي تسقطه رصاصه لانعرف مصوبها ، جسد عفي يسقط فوق كتفي ويشهق بانفاسه الاخيره في اذني ويتحول الصديق لجثه في لمح البصر !!! هل الحياه تافهه لهذا الحد قصيره لهذا الحد ، هل الحياه سهل انهاءها لهذه الدرجه ، كان يكلمني يخرج دخان نفس سيجارته الاخير من انفه يسب ويلعن في الطغاه الذين يضربونا بايدي رجالنا الطيبين والاسلحه المشتراه من نقود ضرائبنا ، كان يشرح لي انه لاسبيل للحياه الا بالمقاومه وقبلما ينهي جملته الاخيره انتهت حياته فوق كتفي وفي حضني ، رائحه دمه السخنه لم تغادر انفي ، مات بطريقه بسيطه وبسرعه ، لم اجد صوتي لاصرخ ولم اجد دموعي لابكيه ولم اجد قوه في ذراعي لاحمله بعيدا عن الارجل المرتاعه تجري بعيدا عن وابل الرصاص المجهول الذي لاحقنا فمات هو وبقيت انا احلم بموته كل ليلة .... لن اموت مثله بسهوله وببساطه ، لن اموت مثله وانا علي اطراف الحياه لم اعشها ، لن اموت مثله بلا زوجه بلا ولد يحمل اسمي بلا كتاب يذكر قاريء لااعرفه بوجودي ، لن اموت مثله ببساطه ، ساموت بطريقه مختلفه ، ربما ساقفز من فوق الهرم ، ربما ساعتلي البرج واقذف جسدي من فوق سوره العالي ، ربما ساعيش واعمل واصبح ثريا واشتري طائره خاصه اقودها بنفسي فوق الجزيره التي املكها فتعطل فجأ وتنفجر بجسدي الذي تتناثر شظاياه زهورا في جزيرتي التي ستخلدني وتحمل اسمي وتسمد ارضها الخصبه بنثرات جسدي المتبعثر من الطائره ، ساموت بهذه الطريقه اوتلك ، وهكذا يصبح موتي مدهشا ، وبعد موتي وكلما تذكرني احدهم لااعرفه وتذكر موتي اندهش لاني لم امت بالرصاصات الطائشه من القناصه وسط المظاهرات ومت بتلك الطريقه الغريبه التي مت بها سابتسم حيثما ساكون واهمس ، هكذا يصبح موتي مدهشا !!!! واستيقظ من النوم مرتاعا وكأن صديقي الذي كان وصار جثه مازال يجثم بجسده البارد فوق انفاسي ، وكان رائحه دمه الساخن تردم انفي ومسام جلدي ، وكأن دوي طلقات الرصاص يصم اذني والارجل المرتاعه وملامح الرعب المرسومه علي كل الوجوه مازالت تحاصرني !!! استيقظ لاجد نفسي تاره في بيت ابي بطنطا وتاره في الحجره الضيقه في مانيلا وتاره في حضن الفت وتاره في حضن سابا وتاره في حضن فاتيما وتاره ابكي لرحيل نسمه وتاره ابكي لموت ابي ، استيقظ هنا او هناك ، لاجدني لااحلم الا بصديقي الذي قتله رصاص القناصه ففرض موته علي عقلي اكبر سؤال لم اعثر له علي اجابه بعد ، كيف اجعل موتي مدهشا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ 


( 5 )
مالذي يجعلك تنتظر معجزة وانت لست نبيا ؟؟؟

في القاهره ، خَبر الصياعه كما سمع عنها من اصدقاءه وكما قرأ عنها في الصحف والمجلات وكما تمناها طيله حياته ...لن ابقي حبيس طنطا ومقام السيد البدوي ، لابد من الرحيل ، وركب القطار ونزل في محطه مصر مندهشا كأنه يولد من جديد علي رصيف المحطه ، جلس في بوفيه المحطه يشرب شاي ويتأمل الوجوه ولحظات الرحيل والهروله وينصت لصوت ميكرفون المحطه وهو ينادي علي تحرك القطارات ، احس بالحريه ، سيتوه اخيرا ، نعم في طنطا لم يتوه ولن يتوه ، هنا في تلك المدينه الكبيره سيتوه اخير ، سيمشي في شوارع لايعرفها ويري اناس لا يعرفهم ، سيجرب معني ومذاق التجربة الاولي واللحظه الاولي والاندهاشه الاولي و............ شالله ياشيخ العرب ، ابتسم وهو مازال في بوفيه المحطه ، طنطا تحتلك يااسامه حتي لو كنت لاتعلم ، وقام ودفع الحساب وتحرك صوب باب المحطه ، هذه خطواتك الاولي في عالم الحريه ، اهلا بك في القاهره ....
ليس مهم اين عاش ولا كيف عاش ، ليس مهم اول من صادقه ولا اول من تعرف عليه ، المهم ، بعد شهرين التحق بوظيفه  تافهه نصف وقت بنصف مرتب ، مش مهم الوظيفه ولا مهم بيعمل ايه ، المهم نصف المرتب  ، وظيفه تسمح له الا يمد يده لامه التي مازالت تبكي بعد موت ابيه ، لن يمد يده لامه ولن يطلب منها نقود حتي لو كانت نصيبه من الميراث ... 
وظيفه تافهه تسمح له بزجاجتين بيره سخنه في الجريون ، تسمح له بشاي اصطتباحه علي قهوه البورصة وقهوه مانو في اوديون وهو فاضي واصحابه لسه نايمين ، نصف راتب يسمح له يخش السينما " ميد نايت " وسندوتشين شاورمه وقهوه تفاحه 
في القاهره ، خَبر الصياعه ولف ودار ، في الاول تاه وراسه لفت وطنطا وحشته وتمني يرجع ، لكن نسمه اتجوزت وابوه مات وامه بتعيط والحياه تغم ، يرجع طنطا يعمل ايه ، رب هنا رب هناك ، هناك يصلي في مقام شيخ العرب وهنا يصلي في مقام سيد الشهداء و..... عمار يامصر ياام الدنيا !!!!
تاه ولف وراح وجه و...... مابقاش شكله غريب وسط الناس ، شافهم بيلبسوا ايه وعمل زيهم ، شافهم بيقولوا ايه وقال زيهم ، قعد علي القهوه معاهم وركب الاتوبيس الزحمه معاهم و......... كأنه بقي قاهري زيهم بالضبط !!! 
في القاهره ، خَبر الصياعه وعاش احلي ايامها ، تعرف علي الادباء والفنانين والمبدعين والمدونين والغاضبين والثائرين والفوضوينين والملتزمين ، في القاهره عرف ساقيه الصاوي وحفلاتها  والغرزه اللي عند الماريوت تحت المرسي والاتيلية وندوات الشعر وعرف البيرة في االجريون ، يشربها ويسمع كل مايدور حوله من احاديث سياسيه بمنتهي الانتباه والتركيز ، في القاهره تعرف علي الفتاه التي تمنحه جسدها ليشحن لها كارت تليفونها المحمول ، وتعرف علي الرفيقه التي ترفع صوتها بالشتائم وسط الرجال وتحلق شعرها بالموس وتعرف علي الفتاه الريفيه التي تعيش في المدينه الجامعيه علي الاعانه الصغيره التي يرسلها لها اخيها من البلده الريفيه التي لاتعرفها الخرائط ، نام مع الفتاه وشحن لها الموبيل وفي المره التانيه تهرب منها ، ضرب الرفيقه بالبوكس في صدرها عندما تحرشت به ومنح الفتاه الريفيه حضن بريء وقرر الا يخدش عذريتها حتي لايقتلها اخيها او تفر منه فتتحول لغانيه تبحث عن من يشحن لها كارت الموبيل !!! 
في القاهره ، شرب البوظه والسبرتو الاحمر والاربعه وتمانين والاكسبرسو وسمع قصائد الشعر وعرف نجيب سرور وبيت السحيمي ومدرج الدرجه التالته في مباريات الاهلي وزيزو نتانه والبرنس ، في القاهره ، صادق فتيات يعدن منازلهن الواحده صباحا بعد نزهات بريئه مع الاصدقاء والصديقات ولا تكسر لواحده منهن ضلع ولا تاتيه في اليوم التالي زرقاء الوجه ولا مكسوره الذراع !!! في القاهره ذاق اجساد الفتيات بعدما عاش في طنطا " خائف من الزنا " وقبل صديقته في السينما بعدما سالته بمنتهي الجراءه " هو انا مش عاجباك " وقرأ المنشورات السريه التي يوزعها من يرغبوا في قلب نظام الحكم ، قرأها وحرقها بسرعه خوفا تضبط معه فيعترف علي اصدقاءه مع اول " قلم " لانه لايضمن نفسه كيف ستكون احواله وقتما تكهربه امن الدوله وتنهال علي وجه وكرامته تمزيقا وسحقا !!! في القاهره فضت بكارته النفسيه والجنسيه والاجتماعيه ، لم يعد يخجل من ملابسه الرقيقه التي اتي بها من طنطا ، ولماذا يخجل اذا كان اولاد الاثرياء ممن يجلسوا معه علي مقهي البورصه لا يزيدوا عنه شيئا ويرتدوا ملابس وكأن اهلهم الاثرياء اشتروها من وكاله البلح ، اولاد الاثرياء يرتدوا ذات الملابس ويبعثروا شعورهم ويشتموا ويضحكوا ويقبضوا علي اجساد الفتيات البضه وكأنهم لايقصدوا شيئا .. فلماذا يشعر بالخجل من اي شيء ؟؟؟
في القاهره عرف اليوناني وشرب البيرة واكل الترمس ورقص مخمورا مع فتاه لايعرفها ساعتين كاملتين ، في القاهره عرف فندق الانتركوتيننتال وقتما دعته احدي صديقاته للغذا هناك ، دخل المكان وجلا متصورا انهم سيسألوه عن عدد النقود التي في حافظته ، دخل المكان وجلا لكن صخب صديقته وعدم انتباه احد لها طمئنه ، هنا لااحد ينتبه للغير الغريب ، هنا ، كل شخص منشغل بنفسه وفقط ، في القاهره ، عرف الشوارع المظلمه التي يقبل فيها الشباب الفتيات ، وعرف الكازينو العوامه الذي اخذته اليه الفتاه التي ترغب في شحن الكارت ، اخذته هناك وقضت وقتها كل تشاور له علي مايفعله الرجال ، هذا يمد اصابعه من تحت فستان الفتاه التي تجالسه ، وهذا يمزق شفتي فتاته بعدما اطفي ءالشمعه الضعيفه التي كانت تنير منضدته ، وهذا احتضن كتف صديقته وترك اصابعه تلهو براحتها علي ثديها ، اخذته الفتاه لهناك وكأنها تشرح له مالذي يستطيع يفعله معها ،كانها تقول لها هنا غير طنطا والعوامه غير مقام السيد البدوي ، وانا كبيره وانت حر واشحن لي كارت الموبيل ولك ماتريد !!!! 
في القاهره ، صلي الجمعه في مقام الحسين وبكي شوقا لطنطا واحسن انه يقف امام ضريح شيخ العرب فقرأ له الفاتحه وصلي ركعتين للحسين سيد الشهداء ، وفي القاهره جلس في بار احد الفنادق الكبيره وشاهد العاهرات ممن لايقفن علي الارصفه وهن يتفاوضن مع زبون يرغب في ليله حمرا ، زبون اوصلته لهن كبيرة الجارسونات ، كان يتابع المكان وحركه العاهرات وتفاوضهن مع الرجل والنقود التي اخذوها منه ودسوها في صدورهن ، شاهدن كيف يتمايعين عليه بعدما دفع ثمن الدلال ، شاف كيف خرج من البار وكأنه هارون الرشيد يحتضن انثي تحت ابطه اليمين والاخري تحت ابطه الشمال ، في القاهره تغير عما كان في طنطا ، لم يعد غضا لم يعد بكرا لم يعد ساذجا ، عن القاهرة حكي لامه ، القاهره جميله قوي لكن وشها مكشوف ، وهز رأسه مطيعا لنصيحه امه التي بادرته و" مالناش دعوه احنا " هز رأسه مطيعا وكأنه لم يجني ثمار ذلك الوش المكشوف فتيات ارتمين في حضنه لاسباب مختلفه كثيرة عدا الحب !!!!ا
في القاهره ................ حمل علم ونزل للميدان وتمرد وغضب وصرخ وثار...
في القاهره ................. تذكر طنطا وشوارعها الضيقه وتلال القمامه علي جانبيها تسد عين الشمس والمياه المقطوعه طيله النهار والبطاله التي يشكو منها اصحابه وعجز امه عن ستر اخوته البنات ، كل هذا تذكره وهو يصرخ ويتمرد ويغضب ، من حقنا نعيش زي ماكل الناس المحترمه عايشه ، هذا ماكان يصرخ به ، ليس مهما الالفاظ ، لكن هذا كان الحلم ، عايزين نعيش بكرامه محدش يوفقنا تحري ولا ياخد البطاقه ويضربنا قلمين ولا يرمينا في الحجز لغايه مايبان لينا صحاب ، هذا ماكان في قلبه وقتما وقف يلوح بالعلم في وجه الظلم والقهر والحكومه التي انحازت لاهل مارينا ونسيت اهل طنطا وضربت اهل العشوائيات بالجزمه ، عايزين نعيش زي كل الناس بكرامه واحترام ، لقمه نضيفه وهدمه نضيفه وبيت وميه حلوه وشوارع من غير زباله ومدرسين من غير ضرب وانتخابات من غير تزوير وبنات تحب وتتجوز مش تسرح وتبيع روحها علشان كارت الموبيل ، هذا ماكان في قلبه وقتما خرج للميدان وقضي فيه اياما طويله وليالي ، صرخ مع كل من صرخ وهتف مع كل من هتف وتمرد مع كل من تمرد ، هذا ماكان في قلبه وقتما لوح بالعلم وهتف باسم مصر ............. و.....................حين مات صاحبه فوق كتفه برصاص القناصه تغيرت حياته للابد !!! فماكان يخاف منه اتي بنفسه لحضنه وسكن واستكان !!!! الموت !!!!ا
ربما لو بقي في طنطا وماجاء للقاهره لتغيرت حياته !!! 
ربما عاش مثل كل الناس ولم يحمل للدنيا هم وللحبيبه دموع وللوطن وجع !!! 
ربما لو بقي في طنطا لتغيرت حياته !!! 
لكن حياته فعلا تغيرت وقتما حضر للقاهره ، تغيرت حياته وعاش طيله الوقت في القاهره يحس نفسه محبوسا في الضيق صغيرا تائها ، عاش في القاهره ينتظر معجزه ، تنقله وتنقل حياته من الضيق الذي يخنق انفاسه لبراح انساني يمنحه امكانيه العيش براحة وكرامه واحترام ، يمنحه الوجه الطيب للحياة ويبعده عن كل الانحرافات التي عاشها في القاهره وتجرع كأـسها حتي الثماله ..... وفي اليوناني وعلي منضده خشبيه تتأرجح وهو " سكران " طينه ويبكي ضائعا ويحلم بحياه اخري ، سمع صوت رأسه يهمس غاضبا ومالذي يجعلك تنتظر معجزة وانت لست نبيا ؟؟؟؟ بكلمات متلعثمه رد علي الصوت وقال ، الامل في رحمه ربنا دايما موجود ، يمنح من يشاء بغير حساب ، ضحك الصوت ساخرا من كلماته ، مش لما تفوق الاول تبقي تستني رحمه ربنا !!!!!ا فارتفع نحيبه وصوت بكاءه واحس بالشوق لامه ولنسمه ولطنطا !!!!  
ساعود لهناك اودعهم وارحل ، لم تعد هذه المدينه تتحملني ولم اعد اتحمل هذا الوطن ، سارحل !!!! 
ذهب للميدان ، لوح بالعلم للمرة الاخيره وتمني يصرخ لكن صوته احتبس في احباله الصوتيه ولم يخرج ، كتب علي العلم اسمه بالدم ، نعم جرح اصبعه وكتب اسمه علي العلم ، سخر منه الشهداء ، كانت دمائنا تسيل ولاتجد من يكتب بها حرفا نافعا واحد لهذا الوطن ، تجاهل السخريه وتجاهلهم ، ترك العلم وسط الصينيه وسط الميدان ، وانتظر طفلا صغيرا يأتي ذات يوم ويلوح بعلمه في وجه الطغيان ، لقد بدأت ولتكمل انت .......... هكذا ترك كلمته للطفل الذي سيأتي ورحل من القاهره وعاد طنطا !!!! وبدأت رحله الرحيل التي لم تنته بعد !!!! 
واخرتها يااسامه ، من محطه لمحطه والقطر لسه ماشي ؟؟؟ وبعدين ، ولا قبلين !!!! 
هز كتفيه بعد اكتراث وناااااام ....

( 6 )
متي ستمنحنا المدينة الهدوء ؟؟

جلس امام الطبيب النفسي مرتبكا  ، قص عليه الكابوس الذي يراه كل ليله منذ سنوات طويله ، باشوف نفس الكابوس هو هو ، من عشر سنين يمكن من عشرين يمكن اكتر يمكن ااقل ، قاله عادي انا خلاص اتعودت عليه ، لو صحيت ليله ولقيتني لسه ماشفتش الكابوس ده ارجع انام تاني علشان اشوفه ووقت النوم يخلص واصحي !!!اضحك ، مش مهم الكابوس مش ده اللي جاي لك علشان ، ينتظره الطبيب ليكمل كلامه ،   ، بادره اسامه وبسرعه انا مش مبسوط وعايز دوا علشان انبسط ، هي دي مشكلتي الحقيقيه !!! 
ضحك الطبيب وساله ، مش مبسوط ازاي ؟؟ كده ، مش مبسوط وكده ، عايز دوا علشان انبسط ... و............. انهي الطبيب المقابله ورد له قيمه الكشف ، وقال له ، لما تحب تتعالج تعالي ، لكن انت دلوقتي بتهرج !!! 
وخرج اسامه حانقا علي الطبيب ، ايه حتنيمني علي شازلونج واحكي لك تاريخ حياتي وابويا وامي واخرتها تديني دوا ، ماكنت جبته وخدناها من قصيرها وخلاص !!!!!!! 
وفعلا اسامه لايرغب في العلاج ، يرغب في الانبساط واخطأ العنوان ، الطبيب النفسي لايمنح المرضي سعاده لكن يعالجهم من امراضهم التي درس اعراضها في كليه الطب ....
مرض قله الانبساط !!! مرض لم يعرفوا علاجاته بعد !!! 
نزل اسامه من علي السلم العالي يأرجح ذراعيه وهو حانق علي الطبيب وتمني اي واحده من حريم حياته ، تلك النسوة التي مرت عليه طيله سنوات طويله ، تمني واحده منهن فقط تأتيه الان والان بالذات ، سيعتذر لها لانه اوجعها ، نعم هو اوجعهن جميعا فردوا له الصاع عشر والقلم مائه ومزقوه وتركوه وحيدا حتي توسل للطبيب ليمنحه دواء يسعده !!!!!!! 
السعاده يابني مش عند الحكما ، السعاده في حته تانيه و................... كاد يسال الصوت الذي يأتيه من تلافيف راسه ، فين الحته التانيه دي ، لكن صمت ، عليه يكتشف بنفسه ، اين الحته التي تقطن فيها السعاده ، عليه يكتشف بنفسه !!! 
ومازال الطريق طويلا  !!!
سار اسامه في المدينه الصاخبه التي اصبح لايعرفها ، مدينه صاخبة كل شيء فيها يصرخ ويتشاجر ، البشر والشوارع والسيارات ، مدينه تصرخ فيها ارواح الشهداء لانها نسيتهم ، تصرخ تعاتب البشر التعساء مثل اسامة ، سكتم ليه ونسيتونا ليه؟؟ مدينه تصرخ فيها الاحلام المحبطه وتلوم الصامتين ، لامتي حنفضل كده ، مدينه تتشاجر مع بعضها ، اناسها وتاريخها وحاضرها وماضيها ، كل شيء يصرخ ويتشاجر ولا احد يشعر بالسكينه ولا بالطمأنينه ولا بالسعاده ، ضحك اسامه ، حق الدكتور يديني دوا يبسطني ويدي المدينه الغلبانه دوا يعالج صراخها وجنونها وحمقها ، ضحك اسامه اكثر واكثر ، يتأمل الوجوه المتعبه والملامح المتوتره ويشم رائحه الادرنالين تخرق انفه وتخنق انفاسه ، ومش كفايه انت تعبان ومش مبسوط كمان حتتفلسف ، ماتفوق كده علشان تنفع نفسك وسيب المدينه ليها رب يحميها وخليك في روحك ...... سحقا للفلسفه والتفلسف همس وهو يضحك  معجبا بجنونه ، عندما تقهره الايام ويتملك الحزن روحه وتخنقه الغربة يتكلم بالعربيه الفصحي ، سحقا للفلسفه والتفلسف ، كل اللي عايزه شويه انبساط !!! ماتجيب يادكتور الدوا يبسطني ويبسطها وحرام عليك اللي احنا فيه و............متي ستمنحنا المدينة الهدوء ومتي سنمنحها الطمأنينة والحب ؟؟؟ ماتجيب الادويه يادكتور علشان نعرف ننبسط ونعرف نجاوب !!!!!!!!ا


( 7 )
كأس التكيلا

شرح لامه ، حامشي ياماما ، حاروح فين ازاي ، بلاد الله لخلق الله ، حامشي ، ااقعد جنبك اعمل ايه ، ايه حاتجوز واقعد في البيت ، حاقعد جنبك حاعمل ايه ، هنا لافيه شغل ولا فيه مستقبل ، يتذكرهتافاته في الميدان وقتما حلم بحياه افضل ، كانت هتافات ولم تصبح الحياه افضل ،لذا وجب الرحيل ، حامشي ياماما ، حاقعد هنا اعمل ايه ، اشتغل محاسب في كوبانيه الكهرباء ، اشتغل في ارشيف وزاره الاوقاف ، اشتغل في بقاله ااقعد علي كيس وابيع بجنيه جبنه وجنيه زتون وتقولي ارضي بنصيبك ، اتجوز بنت اخوكي الوحشه وتقولي المهم تعمر البيت ، مش حاعمل كده ياماما ، حامشي !!!!ا 
حوار دار في راسه بينه وبين امه ، جهز حقيبه ملابسه وترجم شهاداته وختمها من وزاره الخارجيه وراسل صديق عمره الذي يعمل في اسبانيا ، استضفني وبعدين حازوغ وانت مالكش دعوه ، ازاي اقنعه يبعت له دعوه ؟؟ ازاي اقنعه انه مش حيتسبب له في اي متاعب ، اسامه نفسه مش عارف ، ولا حمدي صاحبه عارف !!!ا
ذهب للميدان ، سار علي اطراف اصابعه يخاف يدهس ارواح الشهداء الباقيه علي الارصفه حول الميدان تقرأ كتب الثوره لتفهم لماذا ماتت هي وماتت الثورة وطمس التاريخ اسمائهم وتاريخ شهادتهم من صفحاته الصفراء ، قرأ الفاتحه لصديقه الذي مات في حضنه ، تلتفت حوله يبحث عن قناص يعتلي احد البنايات العالية ويكتب اسمه علي رصاصته التي بقيت في ماسورة بندقيته تنتظره لتزغرد في الهواء وتقتله ، بحث عن العلم الذي تركه منذ شهور في وسط الصينيه لم يجده ، ربما اخذه طفل وادخره ليوم اخر وقتما يجب الهتاف والتمرد ، للمرة الثانية ترك علمه يحمل اسمه علي الرصيف وتمني يأتي في يوم من الايام طفل شجاع يلوح بالعلم الذي يحمل اسمه في وجه الطغيان ، وهمس ، انا ماشي يامصر !!!ا
 سافر اسامه لاسبانيا ، مقررا نسيان كل ماحدث وكل ماسيحدث ، لااكترث باي شيء سيحدث في تلك الخريطه التي لفظتني ، سانسي واعيش مثل كل الناس ، اسبانيا ، اول محطه في رحله الرحيل ، هناك الحريم حلوه ، نسوان بشعر اسود وعيون غجريه قارحه واجسام تدخل جهنم حدف ، هناك قعد مع حمدي يومين تلاته وشال شنطته وسابه ومشي ، لم يحكي لحمدي اي شيء مما حدث ، قاله جاي طفشان وعايز اعيش ، خلاص تعبت من مصر ، لم يرد عليه حمدي لكنه غضب منه ، انت كنت في وسط الناس وشفت اللي حصل ، واللي يشوف غير اللي يقرا احكي لي ، لكن اسامه لم يحكي ، ، مسح الذاكره القريبه من رأسه وترك ذكرياته مع ابيه ونسمه وطنطا وفقط ، عرف ان حمدي قد غضب منه لكنه لايملك ذكريات ليصالحه بها ، خرج من منزله وهو نائم فجرا وترك له رساله شكر علي استضافته واختفي ولم يعرف له حمدي طريقا بعد ذلك اليوم !!!!ا
، عملت ايه بقي ، اديك سافرت ورحت وجيت ، حصل ايه يعني ، وقتها ماكانش عارف اخر رحلته اللي بدأها ، النهارده انا اللي عارف ، انا الراجل العجوز اللي لف ودار وسافر ورجع ، لكن اسامه وقتها ماكانش عارف حاجه ، يمكن كان جواه امل يلاقي شغل بسهوله شهرين صياعه وبعدين وظيفه وبعدين اقامه رسمي ويعيش زي كل الناس ماعايشه ، يمكن سرح انه يتجوز ست حلوه الدم العربي القديم بيجري في عروقها ، يمكن يكون اسمها فاتيما علي اسم جدة جدة ابوها اللي كان اسمها فاطمه قبل ماالملك فرنادو يخش غرناطه ويمحي حكم العرب واسم الاندلس من علي الخريطه !!!!ا 
اسامه كان بقلب اخضر شقته نسمة نصفين  ، نصف دبحه سم الهجر وهم الهم ونصف تاني لسه بيقاوح ونفسه العيشه تتحسن ، قلب اخضر كان نفسه يزرعه في الميدان يطرح امان وايام حلوه لكن ارض الميدان اتعزقت مره واتنين واتغيرت المعالم واتمحت الاسامي ولسه علمه مرمي علي الرصيف ولسه ماجاش الطفل الشجاع اللي حيلوح به في وجه الطغاه ولسه الطغاه لابسين اقنعه الطيبين المحبين اللي عاملين ان قلبهم علي البلد اللي بيعزقوا ميدانها ويغيروا ملامحه ويزوروا تاريخه ويمحوا كل الذكريات ...ا
اسامه قرر ينسي ويعيش زي كل الناس ماعايشه ، حلم في اسبانيا زي كل الناس مابتحلم ، حلم احلام بسيطه شاي ساده الصبح وبسكوتين وبوسه من زوجه حلوه ودعوة تحميه من شر ولاد الحرام ، يمكن كان نفسه يعيش في اسبانيا بعد مالوطن اللي حبه ماقفل في وشه ابواب الرحمه وابواب الحلم ، ليه اسبانيا ، يمكن كان بيدور علي جذور غرسها اجداده في الاراضي الغريبه تنتظر الابناء لتطرح اشجارا وحضارة ، ربما تصور نفسه رسول العرب الجديد في بلاد الاندلس ، ربما تصور نفسه سيمد جذوره في الارض الجديده بعدما لفظه الوطن واقتلع جذوره من ارضه ، البحر من امامكم والعدو من خلفكم ، صرخه طارق بن زياد تتردد في اذنه ، البحر من امامكم والعدو من خلفكم ، و.....لامفر من القتال ، فالموت في ساحه المعركه اشرف من الموت غرقا وكمدا !!!ا
في اسبانيا قرر يزور الاندلس ارض الجدود وغرناطه المدينه الحمراء يبحث عن شقيق او ابن عم تجري في عروقه الدماء العربيه يؤنس وحدته القاسيه ، في اسبانيا قرر يرمي جتته التعبانه علي شط البحرو   كأس من التكيلا علي احد شواطيء اسبانيا وصوت فرانك سيناترا يشدو خافتا " يمكن كان بيحلم بكده ، يسمع صوت سيناترا وهو بيغني اغنيته الجميلة ، لااستطيع ابعد عيني عنك ، احبك طفلتي I love you baby, if it's quite alright ....I need you baby to warm the lonely night ....... I love you baby, trust in me when i say okay....Oh pretty baby, don't let me down, i pray.....Oh pretty baby, now that i've found you, stay.....And let me love you, oh baby, let me love you, oh baby... احبك طفلتي احبك طفلتي يسمع النغمات يتردد صداها الشجي في قلبه ، يمكن وقتها اسامه كان بيحلم احلام بسيطه ، لكن مين قالك يااسامه ان الاحلام حتي البسيط منها بيتحقق !!!! رحت اسبانيا ومشيت وسبت امك واخواتك وقعدت عند حمدي يومين ومشيت ، لا لقيت شغلانه ولا جميله بشعر اسود خدتك في حضنها ولا البوليس المجرم سابك في حاله ولما اسودت الليالي وطولت ، فرجها ربك ، حتبيع جرايد وتتعلم اسباني وتستني لما الحظ يديك وشه ويرحمك من قفاه !!! وفي مدرسه الاسباني شفتها ، قمرايه تشق اظلم ليل وتنور ، شعر اسود يقول ان جدودها جدودك ودمها الدافي دمك وطابع الحسن في دقنها يشبه اللي في دقن مامتك ، يمكن جدتها من طنطا ، شالله ياشيخ العرب ، بركاتك لابنك تشد ضهره وتنصفه في بلاد كانت بتاعتنا واتسرقت...
هي  ألفت  ، كرديه جايه هربانه من ظلم تركيا لامتها ، ومصري جاي هربان من قله الحظ في بلاده اللي كان بيحبها وغيرت جلدها ووشها وكرهته ، الفت ، كرديه هربانه من بلادها اللي مش عارفه تلم خريطتها ، وهو هربان من وطنه اللي عزق الميدان ونزع الاشجار واسماء الشهداء وزينه بالرخام البارد والكذب ، التقيا ، الفت واسامه في الفصل ، الحصه اسباني والشعر اسود والمشاعر دافيه و.........هاي ممكن نتعرف ؟ سؤال همس به بانجليزيه مكسره واجابه جائته علي الفور بهزه رأس وابتسامه و.......تصور ان الايام تغيرت والحظ معها ...... فتحت الفت لاسامه حضنها وبيتها ومجتمعها الكردي و......... وصوت سيناترا لسه بيدفي قلبه "احبك طفلتي احبك طفلتي " وتعالي ياالفت نروح البحر وهناك نشرب تكيلا ونسمع سيناترا وننسي الظلم بكل انواعه ونعيش !!! 
ياسلام يااسامه ، افتكرت خلاص ان الحياه اتبسمت لك ، مين قال كده ، شرحت له الفت وهي في حضنه بعد ليله عشق بكيا فيها من شدة الوجد ، قالت له انها مناضله وصاحبه قضيه وعمرها مافكرت في نفسها وبس وان امتها مستنياها وحكم الاعدام كمان وانها هنا في مهمه سياسيه ، حزبها كلفها بالنضال ورفع علم وطنها المتشرذم ارضه وشعبه عاليا امام كل السفارات الطاغيه ، هي هنا في مهمه سياسيه لها دور مهم لوطنها الذي سيكون وانها قد ترحل الان او ترحل غدا ، لاتملك من امر نفسها شيئا ، لست الا ترس في ماكينه الحريه التي تصنع لبلاد الاكراد وطنا واحد تنقذه من براثن اتفاقيه سايكس بيكو التي قسمت امتها بين بلاد ثلاث فصارت الغربه واقعا وجغرافيا ، شرحت له ان الحب اللي بينهم صدفه وهي حياتها منظمه مافيهاش مكان للصدف واحبك ولن اتزوجك ولن ارحل معك ولن ابقي معك اذا طلب مني الرحيل ولااملك طمأنينه امنحها لك وحكم الاعدام الغيابي يطاردني وقد تلف راسي في ليله ما ربما وانا في حضنك ، تلف راسي الانشوطه القويه وتكسرعنقي وروحي فلايبقي لك مني الا ذكري مريرة ياحبيبي ، وفهم اسامه رسالتها وانهي العلاقه وانكر الحب الذي كان بينهما وكأنه لايوجعه ، واشتاق لطنطا وامه ومقام شيخ العرب ، انكر الحب الذي كان بينهما وقرر الرحيل والعوده للوطن ، فالوطن القاسي مهما كانت قسوته احن علي قلبه من البلاد الغريبه ، لم يجد ارضا يغرس فيها جذوره ، وكره اسبانيا ، اسبانيا بالذات لاتصلح لغرس جذوره وهي المتوحشه التي اقتلعت جذور اجداده من ارضها وحرمتهم من اللغه العربيه وفرضت عليهم التنصير والاسماء الاعجميه وطردتهم في البحار والصحاري وطاردتهم بجنود الملك فرنادو وقت التحرير ، كما يقولوا ويصفوا مجزرتهم المتوحشه ، اشتاق لطنطا وكره اسبانيا ، لكنه وقبل لحظه الوداع الاخير ، قرر يحقق حلمه الذي طالما راوده والفت في حضنه ، سيذهب للبحر ويسمع سيناترا ولتذهب اسبانيا للجحيم ،  جلس علي البحر يبكي وحيدا و يسمع سيناترا ( ستنرانجرز ان ذي نايت ) ..
Strangers in the night, two lonely people... We were strangers in the night....Up to the moment....When we said our first hello.... Little did we know....Love was just a glance away...A warm embracing dance away ...
ويبكي ويبكي !!!! وكره اسبانيا اكثر واكثر وقرر العوده ، لم يتعلم اسباني ولن يتعلم ، سيعود لطنطا وكعادته الغريبه القي ملابسه من النافذه وعاد لوطنه بلا اثقال ولا ذكريات ولا حقائب !!! لم تفهم امه سبب عودته مثلما لم تفهم سبب رحيله ، لم يحك لها ماعاد به مهزوم القلب لبلدته الصغيره يلتمس حنان يطيب اوجاع روحه و........نام في فراشه مراهقته يحلم بنسمه ويحلم بألفت ويحلم بالبحر ولكن فقط جثه صديقه التي لفظت انفاسها في حضنه هي التي زارته وتركت رائحه دمها الساخن في انفه ............. وفي مقام السيد البدوي صلي ركعتي الفجر وبكي لان نسمة قسمت قلبه نصفين والفت مزقت البقيه منه ولان وطنه رحل ولم يعود ولان علمه مازال ملقيا علي الرصيف في الميدان ينتظر طفلا شجاعا يلوح به في وجه الطغيان ، في مقام السيد البدوي صلي ركعتي الفجر وبكي لانه وقتما قرر يعش مثل كل الناس فشل مره اخري ، فشل يعيش بطلا وفشل يعيش انسانا عاديا ومازال يخاف من الموت ومن الغربه !!!!
ومازال يحلم باسبانيا وكأس التكيلا و.............صوت فرانك سيناترا يشدو دافئا !!!!ا


( 8 )
انا هو ياعزيزتي انا الرجل النصفين

شرح لزوجته ،  نعم زوجته ، فهو لم يقض ايامه وحيدا ، تزوج ذات مره زيجه لم تستمر ، عندما عاد من دبي بعد عده سنوات من الغربه والوجع وبعض النقود التي تتصورها امه ثروة تقيه شر العوز وقسوه الايام ، اصرت امه يتزوج ، تمني لو يتزوج صديقته الجزائرية التي تعرف عليها في دبي ، تمني لو تركت دبي وجاءت لطنطا لتعش معه بجوار مقام شيخ العرب ، لكن الجزائرية سخرت من احلامه ، لاتوجد في طنطا " مولز " تشبع غريزتها الشرائيه ولن يجد عملا يمنحها راتبه الرفاهية التي تعيشها في دبي ولن تجد هي عملا في ذلك الوطن الذي يحارب النساء والاحلام ، ترجته يبقي معها لانها تحبه لكنه قرر يترك تلك البلاد البلاستيكيه ويعود لوطنه ، همس يشرح لها مشاعره كرهت الصحرا والحر والحياه البلاستيك ، هنا حياه تشبه الحياه لكنها مش حياه ، نشتغل ونحوش فلوس ونصرف في المولات ونقتل الوقت لغايه مايقلتنا ، كرهت كل ده وعايز ارجع لطنطا عايز ارجع لبلدي اللي بحبها ، لم تفهم معني كلماته وسالته ساخره بعدما قهرها برفضه البقاء معها ، سالته وهو اللي بيحصل هناك النهارده وامبارح يقول ان ده وطنك اللي بتحبه ، ، اوجعته لكنه لم يستسلم لقسوتها ، ربما هو اليوم ليس الوطن الذي احبه لكنه غدا سيكون ، سخرت من تفائله ، نظرت له وتعجبت ، لااصدقك ، تتكلم عن وطنك وكأنك تكرهه وتعود تتكلم عنه وكأنك تحبه ، هل تكره هذا الوطن ام تحبه ، ابتسم ساخرا من غباءها وهمس ، انا هو ياعزيزتي انا الرجل النصفين ، انا الذي احب الوطن واكرهه ، احبه لانه وطني واكرهه لانه صار مثلما لااحب ، اكرهه لانه اغلق باب رحمته في وجهي واحبه لاني التمس له الف عذر ، انا هو ياعزيزتي انا الرجل النصفين ، نصفي يحبه ونصفي يكرهه ، نصفي يحبك ونصفي يكرهك ، نصفي يحب طنطا ونصفي يكرهه ، انا هذا الرجل النصفين وانت تبحثي عن رجل واحد لا يشبه نصفيي معا و......لم تفهم اي حرف مما قاله ....... كره قسوتها غباءها و رحل عنها وعن دبي وقرر انه سيعود لوطنه ويتزوج العروس التي تختاره امه ويعيش مثل كل الناس !!!ا وفعلا اختارتامه له عروسه طيبه وبنت ناس طيبين ، لم يكترث بالعروس وكيف سيعيش معها ، هي زوجه مثل كل الزوجات وهو سيكون زوج مثل كل الازواج ويعيش مثل كل المصريين حتي يتغير الوطن فيعود مثلما يحبه ، استسلم للزواج مثلما استسلم للوطن الذي لايعرفه مثلما استسلم للغربه التي يحبها ، وافق امه وتزوجها  وعاش سنوات مريرة في حضنها ، ليست هي المرأه التي حلم بها وتمناها ، يعيش مع امرأه لايحبها في وطن لايعرفه ، غريبا مع امرأة غريبه في وطن غريب يطارده كابوس لايفارق لياليه ، واحس اسامه بروحه توجعه ، نعم  انها غربة الروح ، التي لاتعرف مرفأ ترسو اليه وتسكن !!! الي اين ستاخذني الايام ، سؤال ينتظر اجابته من الايام ، وقتما تحمله حسبما تريد ريحها سيعرف الاجابه التي طال انتظارها !!!ا
شرح لزوجته في امسية لطيفه وهما يحتسيان الشاي في الشرفه البحريه ، شرح لها لانه يرغب في الكلام عن نفسه ولايجد من يسمعه ولا من يفهمه ، شرح لها .... لم اكن طفل عادي ، رغم اني لم اعرف وقتها شكل الطفل العادي لكني لم اكن طفل عادي ، كنت اسمع من ابي الذي مات وانا في الجامعه ، اني لم اكن طفل عادي ، ربما كنت طفل عبقري او مجنون ، ربما كنت متمرد او احمق ، الامر المؤكد اني لم اكن طفل عادي !!!! 
كنت اناقشه كثيرا ، في عقلي طبعا ، كنت ابدو صامت لكني لم اكف عن الكلام ، اكلمه في عقلي واتمرد عليه واغضب منه ويصالحني فاتمرد ولااقبل صلحه ، كل هذا في عقلي ، امي كانت تصفني لجاراتها وهن يجلسن علي سطوح المنزل وسط الفراخ التي تجري خارج العشه الصغيره ، كانت تصفني بأن مثل الكتكوت الشركسي ، كن يضحكن وكنت اخجل ونظراتهن تلاحقني ، لااعرف شكل الكتكوت الشركسي لكنه يبدو هو الاخر كتكوت غير عادي .... 
كانت امي تضربني بلكمه يدها في قلبي وهي غاضبه لاني لااسمع الكلام ، هي محقه اني لااسمع كلامها ، فعلا لااسمعه ، اراها تفتح فاها وتغلقه لكني لااسمع الاصوات الغريبه التي لاتخرج من شفتيها ، كدت اسالها ( بتلعبي شفايفك وانت ساكته ليه ) لكني لم اسالها لان شقيقاتي كن يتحدثن معها ، يسمعوها وتسمعهن ، اما انا لااسمعها ولا ارد عليها ، ربما تصورته تعالي ، لكنه صمم من ناحيتها فقط ، كلامهالايدخل لاقلبي ولااذني ولاارد عليه بالطبع !!!!
كنت اهرب من لكماتها وابكي لانها تظلمني ، اتمني اسمعها لارد عليها واطيعها ، شرحت لابي اني لااسمعها ، ضحك وقال اصل كلامها كله فاضي ، ربما لااسمع الكلام الفاضي ، لاني اسمع مدرس العربي حين يقرأ الشعر واسمع معزوفات الموسيقي التي تعزفها المدرسه الجميله في حجره الموسيقي واسمع نشيد الصباح واسمع القرأن المنبعث من راديو القهوه تحت منزلنا واسمع ادعيه ابي لابنه بالصلاح والفلاح ، فقط امي لااسمعها ...هي وكلامها الفاضي 
هل لهذا السبب وصفني ابي باني طفل غير عادي !!! وهل يسمع الطفل العادي صوت امه وكلامها ؟؟؟
لم اكن طفل عادي .... كنت اخاطب الاشباح في الغرفه المظلمه واخاف من نار جهنم وقت تهدد امي الخادمه الفقيره بان ربنا حيحرقها فيها لانها كدابه واخاف من سوط جدي الذي يعلقه ابي فوق مكتبه في بيتنا القديم في طنطا ، كنت اكره لعب الكورة ولعب البلي ، احب السبع طوبات وانشن فاصيب واحب صيد العصافير وتمنيت لو سرقت بندقيه ابي ونزلت في الفجر اصطاد العصافير ، اصطادها لاسالها كيف تطير ، ولماذا خلق الله لها اجنحه ولم يخلق لي ، كنت اتمني يخلقني ربي طفلا باجنحه ، اخرج من منزلنا فجرا واحلق فوق الحقول الخضراء التي تخنقها البيوت القبيحه بطوبها الاحمر ، احلق فوق اشجار التوت والصفصاف والجميز والكافور ، احلق فوق مقام السيد البدوي احمل له في مكانه البعيد في السماء امنيات الداعين بالرجاء علي باب مقامه ، احلق فوق فصول المدرسه وقتما يضرب الافندي بتاع الالعاب زملائي التلاميذ لانهم فقراء لايرتدوا ملابس الالعاب ولا يدفعوا التبرعات لمعونه الشتاء ، لم الله لم يخلق لي اجنحه فبقيت قعيدا احلق في خيالي بعيدا وانا صامت كشيكاره الرمل لاانطق ولااتحرك !!! 
هل لهذا وصفني ابي بأني طفل غير عادي !!!! 
مات ابي ولم يجاوب علي سؤالي ، يعني ايه طفل مش عادي!!!! ربما لو امتد به العمر لوصفني بأني شاب غير عادي ورجل غير عادي وكهل غير عادي ، ربما شرح لي السر الغامض ، لماذا انا انسان غير عادي !!!!!!!!!! 
مات ولم يشرح لي شيئا وبقيت ابحث عن اجابات كل الاسئله وانا تائه في الحياه حائر !!!! 
صمت والتقط انفاسه ... ابتسمت ، كل ماقاله لم يضف لها جديدا !!
انت ياحبيبي مش عادي ، طبعا مش عادي !!! 
احس تقلصا في معدته ، اللعنه علي تلك السيدة الغبيه التي حكمت عليه امه لتقاسمه حياته ، مهما اقول لها لاتفهم !!!
تسطح كل المشاعر ولاتفهم دلالاتها الحقيقيه !!!! 
الا يكفيني مااعانيه ياامرأه حتي تزيدي غربتي وهمي ؟؟؟
نظر لها فرأها بعيون حمراء تقذف لهبا وانيابا ذئبيه تبرز  من فمها الكبير وتهز ذيلها الطويل غضبا  !!!!!! 
ابتسمت فارتعد ، غضبت فضحك ، صرخت بتبص لي كده ليه ؟؟؟
ضحك اكثر وصمت .......... ماتاخديش في بالك و............. ارتدي ملابس الخروج وخرج من المنزل حانقا علي نفسه 
انت اللي عملت في روحك كده يااسامه ، انت اللي ورطت نفسك وقررت تتنيل علي عينك وتتجوز وتخلف وتعيش زي كل الناس ، حمار مابتسمعش الكلام ، ابوك قال انك طفل مش عادي وطبعا لما تكبر تبقي راجل مش عادي ، اوحش احسن ، كل ده مش مهم ، المهم انك مش عادي ، تتجوز وتخلف زي الناس العاديين ازاي ، اديك جبت لنفسك واحده مش فاهماك ولاعمرها حتفهمك ، بعد كل العمر ده وكل السنين دي وكل الخبره دي وكل اللف ده ، ترجع تقلع راسك وتعيش حمار ، اشرب بقي يازوج الست المصونه والجوهره المكنونه حرم سعادتك وام العيال باعتبار ماسيكون لو صبرت واكملت ايامك السوده معها ، عيش بقي معاها تتكلم ماتفهمكش وتطبخ مايعجبكش اكلها وتضحك فجسمك يقشعر وتصرخ فيك فقلبك يطب في رجليك وتتمايص عليك فتتيبس ولاتقوي علي مبادلتها الغرام ، انت حر ياعم للي مش عادي ، دبست نفسك وبوظت اللي كان فاضل من الايام !!!!!!!!! 
ضحك واخذ يكلم في نفسه وهو يسير في الشارع الصغير المظلم لايصدق مافعله في نفسه !!!! 
سمع خطوات خلفه فتصورها نسمه عادت لتبكيه !!! 
امنحيني حبا امنحك دموعا ... همس لنسمه لكنها لم تسمعه ، كانت بعيده مثل كل ماتمناه !!!ا 
تصدقي يانسمه نفسي قوي اعيط لكن العيون حجر والقلب داب والعياط للي لسه بيحسوا وانا بطلت احس !!! 
سمع صوتها وكانها تهمس ، انت اللي حابس روحك جوه روحك ، لو خرجت من السجن حتعرف تعيط !!!! 
تلفت خلفه لم يجد احد الا ظله ، الشارع مظلم وظله يلاحقه !!! 
ضحك ، لو بطلت تجري ورايا حنفلح انا وانت !!!! 
صدي ضحكاته تدوي في الشارع المظلم الساكن بنوم رواده !!! 
غالبا كان قصد ابويا ان مجنون !!!!!!!! طفل مش عادي يعني مجنون !!!!!!!!!!!! 
وضحك اكثر واكثر ، اخيرا فهم ابيه وقصده ، انا فعلا راجل مجنون !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! 
 وقرر بحسم وسخافه وقسوة يطلق زوجته ، ماهو جنان بجنان بقي يبقي اريح قلبي ، اطلقها واسيب لها الشقة والدنيا واطفش ، عمري مابكيت علي حاجه ورايا حابكي علي الشقة؟؟؟ حاسيب لها الشقه وامشي ، اسافر اهاجر ، اهج اطق اموت ، المهم ابعد عن وشها و...............لم يصدق نفسه عندما عاد للبيت ، دخل غرفه النوم ايقظها ، استيقظت غاضبه منه ، فيه ايه وبتصحيني ليه حرام عليك ، هز راسه ، انت طالق يافاتن ، طالق طالق طالق ، حدقت في وجهه وانفجرت في الضحك !!! ولم تصدقه ولم تصدق كلماته ونامت و..........بعدها بيومين اختفي من البيت وبعدها باسبوع وصلتها ورقه طلاقها واخبرها المحامي ان اسامه تنازل لها عن الشقه قبل سفره ، سالته لاتصدق ماتسمعه ، هو سافر؟؟؟ هز رأسه ، حدقت في ورقه التنازل عن الشقه وفي ورقه الطلاق والشيك الذي تركه لها تعويضا عن عشرته الصعبه كما قال للمحامي وابتسمت ، انا كنت عارفه انه مجنون لكن ماكنتش عارفه انه مجنون قوي كده ، ابتسم المحامي لا قوي كده واكتر من كده !!! وخرجت فاتن من حياة اسامه ومحت الذاكره المتعبه كل ايامها من عمره وكأنه لم يراها قط!!!!!!ا وظلت هي سنوات تحكي لطوب الارض عن جنونه الذي فاق كل تصوراتها فيبتسم حيث هو في اي مكان بعيد عنها الاف الكيلومترات ، يبتسم لانه شرح لها انه لم يكن طفلا عاديا وبالطبع كبر رجلا غير عادي لكنها لانها غبيه القلب لم تفهم كلماته و..........اديها فهمت اخيرا !!!!ا 

نهاية الجزء الاول ويتبع بالجزء الثاني