مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الأحد، 26 ديسمبر 2010

اسراب الحمام وبوابة الليمان !!!! الجزء الاول





ماقبل البداية

اشكو لك لك لك ...ياصاحب الملك

صوت الكروان يشق الليل ويبكيها ..... الملك لك لك ياصاحب الملك ...استيقظت تبكي ، فراشها بارد وحضنها خالي ومشاعرها موحشة .... صوت الكروان اوجعها ... الملك لك لك ياصاحب الملك... فتحت عينيها ، الظلام الدامس يلفها والهواء ثقيل ، بضعه اضواء قليلة شاحبة تتسلل من بين ضلف الشيش ، الفجر لم يأتي والليل مازال طويل .... الملك لك لك ياصاحب الملك .... اشكو لك لك ياصاحب الملك ....


حظك كده ... حظك كده 
مكتوب عليكي تحبي واحد قلبه صدى
لا الفرحة تقدر تنعشه ولا حزن يقدر يرعشه
ولا نكتة حتى تفرفشه ولا حتى خضه
مع إن قلبك من دهب
مكتوب عليكي تحبي واحد قلبه فضه
حظك كده*

( 1 )
الشمس تكاد تغيب ، السماء برتقالية واشعه الشمس تتواري في عباءة الليل القادم بعنفوان وبأس ، افرخ الحمام الابيض والبني ترسم في السماء دوائر واسعه ، خرجت الحملة من ابراج كثيرة تلهو بصخب وفرحة قبلما تعود في ميعاد رحيلها الليلي القريب ، يحلق الحمام عاليا يشق السحاب الخريفي ، يرسم دوائر واسعه ويلهو ، باجنحته القوية يرسم بريشته اطياف من الالوان والبهجة مابين نتف السحب الفضيه واشعه الشمس البرتقالية وبقايا السماء الزرقاء ، يرسم لوحات سيريالية تتسلل كالدفء لقلوب الحياري ....
تقف مهجة في الشباك تحدق في اسراب الحمام ، تتمني تطير تفك قيودها وتحلق في السماء ، لكنها حبيسة الحياة واختياراتها ، وحيدة دون ذنب ، اسيرة بلا قضبان ، وامتي يارب تفك اسري وتعتقني ؟؟؟ سؤال لاتعرف اجابته .... تساله لنفسها منذ طفولتها ، منذ شحب ابيها واصفرت عيناه ونحلت ساقاه وسحبوه للمستشفي الاميري وتركوه يتأوه وبطنه تنتفخ وتكبر حتي مات !!! كانت حبيبة ابيها وبكريته لكن ابيها رحل مسرعا عن حياتها ومنحها يتما مبكرا وتركها جوعي للحنان ، تشرب ماء مالح طيله حياتها لايرويها و.......... هاهو فارس اكمل عليها وعذبها ، هل قدرها العذاب ..... امتي يارب تهون علي ؟؟؟ سؤال يتعثر ممضوغا بين شفتيها وهي تغلق الشباك والليل يحط بقوة وقسوة علي قلبها المرتعش بالوجل والوحدة ، ياليتني فرخ حمام حر ، ياليتني كروان طليق ......اشكو لك لك ياصاحب الملك ......... وتنهدت وصمتت ...

( 2 )
الفجر مازال بعيدا ، اعدت الملابس والاطعمه والادوية وتأكدت من وجود اذن الزياره مطويا في قاع حقيبه يدها ، ستنام ، لكن الليل طويل ولا تمر ساعاته بسرعة ، الارق يمد زمن الساعات ساعات فوق الساعات وينسج من الوحشة وانصال الوقت خيم مخيفة تعتقلها تحت اسقفها المنخفضة .. لن تبقي حبيسة الليل تستدعي كل الذكريات التي تجرعت كئوس مراراتها قطرة قطرة ، اغلقت التلفزيون الممل والقت جلبابها تحت قدميها وحلت شعرها طويلا خلف ظهرها وقررت تتحمم ، الماء الدافء سيفك توتر جسدها المتشنج ويهديء روعها و.............اغلقت مهجة باب الحمام عليها بالمفتاح ، وحيده هي بالشقة لكنها اعتادت منذ كانت عند عمتها اغلاق باب الحمام بالمفتاح ، تخاف علي نفسها من الغرباء ، وحتي بعدما تركت بيت العمة وعاشت في بيتها ، مازال الغرباء يخيفوها ، فتحت الصنبور وتركت بخار الماء الساخن يتصاعد في الحمام الضيق ، خلعت ملابسها شارده الذهن ...
منذ متي لم تعد تكترث بجسدها .... منذ متي كرهت الملابس التي تخنقها .... وقفت امام المرأة التي رسم البخار سحبه علي سطحها ، كتبت اسمها ورسمت قلب وضحكت بصوت عالي ، مازال القلب خالي مثلما كان طيله حياتها ، فارس غاب وتركها ، وبقي القلب بلا حبيب يحتل تلافيفه ، غضبت من نفسها ، هي تحبه وهو سيد حياتها وقلبها ، كتبت اسمه وسط القلب الخالي واعطت المرأة ظهرها ....
مازال البخار يتصاعد والحمام يضيق عليها ، تعود للمرأة تمسح سطحها ليسطع ، تحدق فيها تتأمل جسدها ، جسد متوتر انهكه الانتظار ، جسد متيبس كانه جسد ميت ، كأن الدماء لاتجري في عروقها ، كأن جلدها انبت قشرة خشنه فوق ملمسه الحريري يخبئ نعومته عنها وعن الجميع .... كأن صدرها ترهل وبطنها تهدل ووسطها تراكمت عليه الدهون فصار كجذع شجره الجميز ... هذه الشعيرات الداكنه تتاثر علي ساقيها وذراعيها ، كانها ساق فارس وقت يعود من مباراة كورة .... نعم ... هي لم تعد انثي ، انوثتها معطله منذ تلك اللحظه التي دق فيها باب منزلها قبل الفجر ، وحين فتحت الباب هرعة مرتاعه اخذوا فارس في البوكس وتركوها زمن طال ولم ينتهي كالارض البور بلا امطار ترويها !!
نعم هي لم تعد انثي ، فالانثي تحتاج لحبيب يذكرها بكينونتها ، وهي حبيبها في السجن منذ سنوات طويله ولاامل في خروجه قريبا ، وقفت تحت الدش والبخار الكثيف يلف جسدها ويخدر راسها ، تتذكر حمام عرسها وجسد فارس القوي يحتضن جسدها الخجل ، تضحك ، مازالت تحب ذكريات تلك الليلة ، حين صمم فارس يقتحم الحمام ويشاركها قطرات ماءه ، اخذها بذراعيه القويتين في حضنه و.... تشعر بتوتر يخرسها ويمحو الذكريات السعيده من رأسها ، لاتعرف مالذي يوجعها اكثر ، الذكريات الكئيبه بألمها ام الذكريات السعيده بحرمانها منه ....
راسها خدره من كثره البخار ، ستتحمم وتصمت ، لن تفكر في شيء ولن تتذكر شيء و.... تسقط فوق راسها قطرات ماءه الدافء لاتنعشها ، القطرات تنزلق فوق جسدها المتيبس بالحرمان بسرعة وتسقط علي الارض مثل احلامها التي تهاوت وامانها الذي تحطم وحبها الذي افسد حياتها بحرمانها منه ....تمنت لو حبيبها عاد من سجنه واحتضنها لكن سور السجن عالي وبواباته مغلقه حتي امام الاحلام ، الامنيات حبيسه خلف الاسوار مثل الرجال والمزاليج تحتجز الغرام خلفها مثلما تحول بين المتهمين والحرية في الدنيا الواسعة ... اغلقت صنبور المياة ووقفت علي البلاط الخشن بجسدها المبلل وشعرها الاشعث وشوقها يرتعشوا من البرد وتمنت لو تنزلق في حضن الحبيب يدفئها لكن الحبيب خلف الاسوار حبيس اختياراته و.............. لم تميز قطرات دموعها من قطرات الماء البارد المنزلقه من شعرها لكتفها لساقها للارض .... حتي الدموع فقدت دفئها ولم تعد تريحها مثلها مثل اي شيء في الدنيا !!!
وقررت تنام حتي ينتهي اليوم الذي تعيشه مثلما انتهت قبله ايام كثيرة لم تشعر لها باي معني و..... لاتهرب مني ايها النوم كفاني ماهرب مني وكفاني ارقا ، ودفنت جسدها في الفراش تنتظر الغد ، يوم الزيارة .............
( 3 )
امسك فارس يدها بقوة ، ارتجفت كفرخ الحمام الصغير ، همست ، انا خايفة ، اكد عليها بثقه ، مافيش حاجه تخوف!!!في حقيبه يدها اوراق لم تقرأها لاتعرف معناها ، دسها في حقيبتها وقت قابلها ، كانت تتصوره سيدعوها "للسيما" ، فاخذها وسار في شوارع ضيقه مظلمه ، تصورته سيقبلها ، والتصقت فيه ، شرح لها انه "مراقب" وان الاوراق التي في حقيبتها خطيرة ومهمه للغايه ، عليها يهرب من المراقبه وهي معه ، حين يتأكد انه " نظيف " سياخذ الاوراق ويتركها في امان ..
امان ؟؟ لاتعرف معني تلك الكلمه ، حياتها لم تمنحها امان ، كنت اتصورك انت الامان يافارس لكنك ترعبني اكثر من اي شيء اخر ارعبني في حياتي ، كلماته اوقعت قلبها ، لاتفهم سر خطوره تلك الاوراق ولماذا لم يلقيها في الرياح ويتخلص من خطرها ، تسير بجواره بخطوات متعثرة ، مخاوفها تملكتها فمادت الدنيا تحت قدميها ، تمد خطواتها لتلحق بخطواته ، يقبض علي ذراعها ويسحبها خلفه ، موديني علي فين يافارس ؟؟؟ سؤال لم يجب عليه ابدا !!!
مازالت تسير بجواره ترتعش خوفا من الاوراق الخطيرة وعليه ، شهورا مرت علي علاقتهما هي تحبه وهو لم يعدها بشيء ، تعمل في محل قريب من منزله ، يستهويها في ذهابه للجامعه وايابه منها ، ابتسم لها فابتسمت ، سالها عن اسمها فاعطته رقم تليفونها ، احبته فواعدها يخرجا معا ، عزمها علي ايس كريم في احد الكازينوهات القريبه فتركته له كفها وداعبت اصابعه باصبعها الصغير ، احبته اكثر لكنه لم يعدها بشيء ، لاتعرف سبب يعرضه نفسه للخطر من اجله ، سالته ، فيها ايه الاوراق ، ابتسم ولم يرد ، لو شرح لها لماتت من الخوف ، لو قال لها ان تلك الاوراق تخص تنظيما سريا يشترك فيه يسعي لتغيير الدنيا لفقدت الوعي ، لكنه لم يقل لها شيئا ...
سالته ، ارميها طيب انا ، نهرها بصوت هامس لكن مخيف ، طبعا لا ، واكمل سيره في الشوارع المظلمه ينظر خلفه بعيون ظهره ، لايتلفت حوله وكانه لايحمل شيئا ، ترتعش هي وتلتصق به اكثر واكثر ، تسمع صوت خطوات تهرول خلفهما في الشارع المظلم ، ترتعش اكثر ، تساله بصوت مختنق ، خطيره ليه ، ينهرها ثانية ، وطي صوتك ، تخرس تماما لكن الرعب يدب في قلبها وتشعر دوارا يميد الارض تحت قدميها ، ويسيرا ، من شارع مظلم لاخر اكثر اظلاما ومن حاره ضيقه لحاره مزدحمه ، وصوت الخطوات يدوي في اذنيها ، تساله مرتبكه ، متراقب ليه ، يبتسم ، حظي ، لاتعجبها اجابته ، تتمني تلقي الاوراق التي تكبس علي صدرها من الحقيبه وتترك ذراعه وتجري ، يسيرا في شارع مزدحم كبير ، رائحه العرق النفاذ تفوح من كل الاجساد المتلاصقة ، تقترب منه ، يشد علي ذراعها كي لا تفلت منه ، تهمس ، انا خايفه ، يؤكد عليها بثقة ، مافيش حاجه تخوف، تتمني تصدقه !!!!
( 4 )
وقفت مهجة علي باب الليمان ، الباب يطل علي بحر مشتول ، ترمي بصرها للشط الاخر ، الناس رايحه جاي، اتنين بيحبوا بعض بيضحكوا ، عربيه كارو عليها قصب والعربجي بيضحك مع صاحبه ، هي واقفه قدام الباب تحيط بها الشنط والاثقال والهم ، يحيط بها البشر البؤساء ممن اختطف احبائهم خلف تلك الاسوار ، تتمني تعبر الترعه وتجلس عند ام حنان تاكل سندوتشات وتشرب شاي بالنعناع مثلما كانت تفعل في الايام الخوالي هي وفارس ، وقتما يزوغ من كليته وتنتظره هي علي الكرسي الصغير وامامها طبق الفول الساخن بالسمنه البلدي عند ام حنان ، تلك السيده المكافحه التي تربي ايتامها من الابتسامه وطبق الفول ، مازالت مهجه تحدق في الشط الثاني ، كل الناس سعداء واحرار الا هي ، حبيبها خلف الاسوار وهي معتقله بجواره ، من هو المحبوس ، فارس في عنبر السجن ام هي في الدنيا ... تطيل النظر للشط الثاني ولام حنان ، تراها تتحرك بهمه ونشاط ، تكاد تلمح ابتسامتها الصافيه ، تكاد تري قطرات العرق تلمع علي جبينها ، لماذا تذكرها بابيها المكافح ، الذي قتله المرض ولم يكمل كفاحه وتربيتها !!!
البوابه الصغيره تفتح وتغلق ودورها لم يأتي ، وجوها تدخل بالامل وتخرج بالالم والاحباء محتجزين خلف الاسوار ، الصول ينادي وينادي لكن اسمها واسم الحبيب الغالي لم يقال بعد ..... تتحرك مللا ، الشمس تكاد تأكلها ، والصداع يحاصرها والنوم الهارب من ليلها يكسر راسها ، تنعي حظها التعيس الذي القي قلبها في طريق ذلك الرجل ، كأن كل ماعاشته في حياتها لا يكفي ، هم اخر فوق كل الهموم ، حزن اكبر من كل الاحزان ، تكره هذا اليوم ، تكره يوم الزياره ، تاتي لزياره الحبيب لكنها لاتجده ، نعم الرجل الذي يقابلها داخل الليمان ، ليس هو فارس ، ليس هو الرجل الذي تحبه ، هزيل نحيل زائع العينين يشبه ابيها حينما مات ، ليس هو البطل الذي فر من الشرطه و"دوخها " واختبيء في بيت عمتها في " في البلد " وطلب يتزوجها هناك ، رحبت عمتها ووافق زوجها بسرعه يتخلص من عبئها ، عبء مهجة ، تلك الفتاه اليتيمه التي وقعت في " ارابيزه " بعدما مات ابيها وتزوجت امها ...
نعم هي تلك الفتاه اليتيمة التي اخذتها عمتها لتربيها بعدما مات ابيها في المستشفي الاميري فوق فراش صديء قذر ، واين سيموت ذلك القهوجي الذي لايملك في حياته الا عافيته لياكل منها ، فتتركه عافيته وقتما احتل بدنه الذي كان عفي المرض العضال ، البلهارسيا التي تسللت لدمه وقت كان يلعب بماء الترعه صغيرا ، استوطنت كبده وحين تصور ان الدنيا ستسعده بالزوجه الجميله والابنة الاجمل ، شد المرض حيله والتهم العافيه والقوه والصبر والرجولة وتركه ملقي كخرقه بالية اصفر الجسد عالي البطن شاحب الوجه زائغ العينين في المستشفي الاميري ، وقفت تراقبه يموت امامها لحظه بلحظه ، كبده تليف وكتب شهادة وفاته مبكرا باحرف من دماء انفجرت من فمه وتناثرت علي ايامهم جميعا ، دماء حمراء قانيه اندفعت كالاعاصير من فمه تفصح عن عطب الكبد واقتراب الموت ، وبسرعه مات الاب قبلما تفهم الصغيرة قرة عينه التي انجبها من زوجته الحبيبه مالذي يحدث له ، زوجته الحبيبة او بمعني اصح ارملته ، خلعت الاسود بسرعه وتركت الصغيره مهجة وملابسها امام بيت العمة وتزوجت اول رجل وعدها بحضن وسترة بعدما حرمت من الرجال طويلا مع الزوج العليل الذي التهم المرض عافيته وصحته ورجولته وكسره امامها وامام الدنيا كلها ، تركتها صغيره خائفه لاتجد من يرعاها ولا يحن عليها ولا يمنحها نقودا تحافظ علي كرامتها في الحياة ، فالقهوجي وقتما مات مفلسا تركها كالقشه في مهب الريح ومنذ متي تورث العافية التي زالت الابناء اي كرامة ؟؟؟ سؤال اوجعها طيله الحياه وهي تترحم علي ابيها الرجل العفي الذي اكل المرض صحته وكبده وهزمه وهزمها معه!!!!
مازالت تتذكر يومها الاول في بيت عمتها ، صغيره بحقيبه ملابس باليه وعروسه قطنيه بشعر اشعث ، خائفه ، ابيها مات وامها تركتها ورحلت ، احتضنتها عمتها وطمئنتها ، انا امك وابوكي يابت ، ماتخافيش مني ، وصدقت عمتها ولم تخاف منها ، لكنها تخاف من زوجها ، الذي لايكف عن الصراخ طيله اليوم في عمتها واولادها وفيها هي الاخري ، كلما شاهدها وسط اولاده شتم عمتها بسبب " النصيبة " اللي جابتها لهم ...
تحب عمتها التي حاربت من اجلها ، ابقتها في منزلها رغم انف زوجها السائق الذي يغيب عن المنزل كثيرا وحين يعود تعود معه الاعاصير والصراخ والغضب وبالذات علي راسها هي ، عمتها حاربت من اجلها وتحملت غضب الزوج ومزاجه العكر واهاناته لها ولابنة اخيها اليتيمة ، عمتها حاربت من اجلها وربتها وسط صغارها وارسلتها للمدرسه مثلهم ، وحين اخذت شهاده "الدبلون" وزعت العمه صندوقين " حاجه ساقعه " علي الضيوف والمهنئين وشغلتها في الزقازيق بمحل ملابس رخيصه بمرتب ضئيل منح زوجها السائق العصبي علبه دخان وسيجارتين حشيش كل اسبوع فسددت مهجة وبسرعه ديونها لزوج عمتها واخرسته ....
ومازالت تقف علي باب الليمان والشمس تخرق راسها والعرق يتناثر قطرات لزجه تجذب الذباب ليقف علي وجهها ولا يغادرها رغم عصبيتها الشديده وهي "تهشه " بعنف وغل وكأنه كل الايام السوداء التي عاشتها ومازالت تعيشها!!
( 5 )
وقفت مهجة امام باب المحل مبتسمه ، الوقت ظهيرة والزبائن نائمة وصاحب المحل تركها مع البضاعة واخذ سيارته ونزل للقاهره ، اوصاها تنتبه للبضاعه ورحل مسرعا ، مشوار سريع للقاهره اجيب بضاعه وارجع علي طول ، ابتسمت ولم تعلق، هي تعرف مشاويره ، زوجته تتصل به فتخبرها بصوت بريء انه سافر لاحضار بضاعه ، لاتصدقها الزوجه لكنها لاتملك الا الصمت ، هو يذهب للقاهره يقابل نساءه الجميلات صاحبات الصوت الناعم الرقيق اللاتي يمطرنه بالتليفونات طيله النهار يستعجلوه حتي يسافر لمصر " لاحضار البضاعة"!!!!!.
وقفت امام باب المحل مبتسمه ، تعرف انه سيمر عليها الان عائدا من الجامعه ، هي تعرف مواعيده ، يعود بعد الرابعه بقليلا ، كل يوم تخرج تنتظره ، تلمحه ، تبتسم ، لم يراها في البدايه ولم ينتبه لوجودها ، هي بائعه في محل من المحلات الكثيرة التي يمر عليها في طريقه عودته للمنزل ، لكنها ليست ككل البائعات ، هي اجملهن ، وهي تراقبه ومعجبه به ، ابتسمت ساخره من سذاجتها ، فلتعجب به براحتها لكن من هي لينتبه هو لها ، هي حيالله بائعه في محل ملابس رخيصة وهو سيكون طبيب ، تراه يحمل البالطو الابيض ملقي باهمال جميل علي كتفه وهو عائد من الكلية ، سيكون طبيب وغدا يركب سياره ويترك شقه الاسرة ويسكن في الحي الراقي علي اطراف المدينه ، وهي ستبقي مثلما هي مجرد بائعه ، فتاه جميله تحمل شهاده "الدبلون" ، يتيمه بلا اب يشتري لها بامواله زوجا وسترا واسرة واطفال ...
صرفت الافكار السخيفه والاحزان من راسها وبقيت مبتسمه امام باب المحل تنتظر عودته من الكلية .... وهاهو خياله يدخل الشارع قبله ، نعم هذا هو خياله ، وهذه هي صوت خطواته ، يحف في الارض بخطوات ثقيله ، كانه مرهق تعب ، نعم لابد انه مرهق وتعب ، يومه طويل في الجامعه ، خطوات بطيئه مرهقه تقترب منها ، تلمحه اجمل الرجال في عينها ، فارس ، دكتور فارس ، تسمع الاسم واللقب جميلين في اذنها ، يقترب اكثر ، تتمني لو نظر في عينيها ، لو فعل ، ستخطفه مهما حاول يتملص منها ، ستخطفه ، سيري في عينيها النظره التي يبحث عنها الرجل الحق من الانثي الشهية ، لو نظر لها ستسبيه ولن يتركها ابدا ........... ونظر لها واتسعت ابتسامتها وهمست ، مساء الخير يادكتور ، رد السلام وكاد يقف امامها وجهه قريب من وجهها ، لو فعل ما تحرك ابدا ، لكنه رد السلام وترك ابتسامته في حضنها واكمل سيره و.... بدأت القصة !!!!


إزاي بتتغير دنيايا جوايا أول ما اكون جنبك
وإزاي يجيلك صبر تنشفي بكايا
والذنب مش ذنبك

( 6 )
وقت طويل ثقيل مر وهي تنتظر امام باب الليمان ، ريقها جاف وقطرات العرق اللزجه بذبابها الازرق تلتصق بوجهها تنهشه ، فُتحت البوابه الصغيرة ، سمعت صوت الصول ونبراته التي تكرهها ، يناديها ، تلك الكلمات الكريهه التي ينطقها هي اسم زوجها يبصقه من بين شفتيه الغليظتين بقرف ، كرهت الصول الذي يهين زوجها الحبيب كل مره ينطق اسمه ، حملت حقائبها واثقالها وعبرت البوابه الخشبيه الصغيرة ، رفعت قدميها بحرص فوق العتبه الخشبيه الصغيرة البالية ، ارتجفت مثلما ترتجف كل مرة ، رائحه الليمان تقلب معدتها ، تخاف فتتوتر معدتها وتنقبض ، شهورا طويله وهي تعيش ذلك الاحساس البغيض ، دخلت الليمان برجليها ، ماذا لو اغلقوا البوابه عليها ونسوها ولم يسمحوا لها بالخروج ، ياخذوا بطاقتها ويسجلوا اسمها في دفتر ، ماذا لو اغلقوا البوابه واخفوا الدفتر ومزقوا البطاقه وتركوها حبيسه جدرانهم ، ترتجف ، كان مستخبي لينا فين ده ؟؟؟؟
سؤال تعرف اجابته لكنها تنكرها ، كل مايحدث كانت تعرف انه سيحدث ، منذ تلك الليله اللعينه التي صارحها فارس بانه سيترك الطب ويتفرغ للنضال السياسي ، يومها لطمت علي وجهها وشقت جلبابها ، يومها خافت وارتعدت ، لاتعرف بالضبط مالذي يعنيه ، لكنها تزوجته طالبا في كليه الطب وتحلم بالعياده والبالطو الابيض ولقب حرم الطبيب ، هي اليتيمه بشهاده "الدبلون" ستكون حرم الطبيب الكبير ، صحيح تزوجت فارس وهو هارب من الشرطه لكنها تزوجته بطل ، بطل وسيكون طبيب ، لكنه حطم احلامها يوم اخبرها باعتزاله مهنه الطب وتفرغه للعمل السياسي ، حطم احلامها وقلبها ، ياسوادي ياامه ، ياقله بختي ياامه ، يومها رمقها بنظرات غريبه لم تفهم معناها ، كانه يكرهها ، كانه يراها لاول مره سيده وضيعه امامه الطبيب ابن الحسب والنسب ، يومها صرخ فيها ، تبطل كلام زباله ...
عندما رفعت صوتها اكثر مرتاعه لاتصدق ما يقوله لها ، رفع ذراعه بمنتهي التلقائيه ومنتهي القوة وضربها علي وجهها قلم اطار "حشو" ضرسها وترك علامات زرقاء داكنة علي وجهها اياما طويله ، قضاها يعتذر لها لانه ضربها ، كنت عايز اسكتك ، يومها احسته لايحب الفقراء كما قال لها ، يومها خافت منه واحسته بيه من بهوات القريه وهي خادمه مثل نسائها الفقيرات ، يومها تمنت لو تمزق وجهه باظافرها لكنها خافت منه ومن اهله ، لم تقبل اعتذاره ولم يكف عن الاعتذار لها ، ده مستقبلي وانا حر فيه ، وانا ، نعم لست حر في مستقبلك ، لقد تزوجتك بطلا وطبيبا ، حلمت بالسياره والعياده والعز لكنك تحطم احلامي وتتحول لصايع ، حين قالت له انه لو ترك الطب حيبقي صايع ، يومها ضربها مره اخري ، ضربها حتي فقدت صوابها وعقلها ومزقت شعرها ومزقت وجهها من كثره اللطم و القت جسدها البض يرتعش فوق الفراش تتمني تموت ..
اقترب منها في الفراش وطبطب عليها ، نظر لها نظرة لم تصدقها ، اقترب منها يرتعش ، اخذ يلعق الدماء الدافئه من فوق شفتيها بلسانه ومنحها ليله غرام بديعه لم يكررها ، هو مجنون ، هكذا قررت ، مجنون يضربها ويحبها ، يدميها ويلعق دمائها بشهوة ، طبيب وسيترك الطب ويتحول لصايع ، البوليس يطارده لانه يحب الفقراء لكنها لم تعد تصدقه ، من يحب الفقراء لايضربها بمثل هذا التعالي والقسوة ، من يحب الفقراء لايترك الطب ويصيع بل يخصص علمه لعلاجهم فينقذ الف رجل مثل ابيها ماتوا قهرا وقت ماالتهمت ديدان البلهارسيا اكبادهم وصبغت اجسادهم بصبغه صفراء مقيته ، ماتوا كالخراف النافقة فوق الاسرة الحقيرة في المستشفي الاميري ، حطم احلامها وضربها وخافت منه لكنها بقيت تحبه وبقيت زوجته وعرفت مصيرها الاسود !!!! ومازال الذباب ينهش وجهها ويرتوي بعرقها وتوترها وهي علي باب حجرة الزياره الخاصه تحدق في قبحها الموحش تنتظر الزوج الحبيب لم يأتي من داخل عنبره بعد !!!!
( 7 )
دخلت حجرة الزيارة ، هزت رأسها للضابط وكانها تحييه ، الحجره كئيبه مثلما رأتها في المرة الاولي ، ابتسم الضابط لها ابتسامته السمجه واوضح ، هو جاي علي طول ، وبنبره تكرهها نبه عليها ، بس ماتطوليش !!! هزت راسها وصمتت ، تجلس علي الدكه الخشبيه القذره في طرف الحجره الخانقة ، تحت الشباك الحديدي الكبير ، تلمح فناء السجن ، تري اشباحا زرقاء تتحرك امامها ، بعيده لدرجة لا تسمح لها تميز وجوها ولا شخصيات ، جميعهم اشباح زرقاء تسير يائسه داخل الفناء الترابي الضيق ، بينها وبينهم سور عالي ، كان كل الاسوار الخارجيه لاتكفي ، تحس ضيق في صدرها ، تقفز الدموع كالعاده لاطراف رموشها لكنها تبقيها معلقه تنتظر حضنه حتي تنهمر بقوة ، الدكه الخشبيه القذره توخز جسدها المتكوم علي الواحها الخشنه ، تشتاق لفارس ، ابتسمت ساخره من كذبها ، هي لاتشتاق له لكنها لاتقوي تقول له ، تحبه لكنها لاتشتاق له ، هو السبب في كل الكوابيس الدائمه التي تعيشها ليل نهار ، لاتصدق ما تعيشه ، كيف كانت تتصور وقت شاهدته شاب وسيم يسير بخيلاء في الشارع يسبقه خياله ، كيف كانت تتصور ان كل مايحدث فعلا سيحدث !!!!
يطن الذباب في اذنها ، تنهمر الذكريات عليها ، كانت تقابله وتخرج معه بعد عملها ويسير معها في الشوارع المظلمه حتي تصل لموقف السيارات تركب لقريتها ،كانت تترك له كفها يمزقها في الظلام سعيده بحبه رغم الصمت الطويل ، مره سالته الا يشعر بالفارق بينهما ، هو الطبيب المرموق باعتبار ماسيكون وهي البائعه الفقيره باعتبار ماسيستمر ، ابتسم واخبرها ان كلهم ولاد تسعه كادت من شده انفعالها تقبله في الحاره المسدوده لولا دفعها بعيدا ، كانت تحبه وكان يخرج معها ولم يعدها بشيء لكن اجابته عليها اثلجت صدرها ، نعم هي وهو ولاد تسعه ويحبا بعض فلا يوجد مايمنع زواجهما !!! هكذا قررت وعاشت قصه حبها معه وهو اجمل الرجال وهي اشهي الاناث تنتظر تخرجه من الجامعه ليتقدم صوبها الخطوه الاخيرة المطلوبة من زوج عمتها واهل القرية !!!
حين دس الاوراق في حقيبتها ذات يوم واخبرها ان البوليس يراقبه ، يومها خافت ، لكن الثقه والطمأنينه التي شرح لها بهما الامر كله ، انساها الخوف ، هو بيحب الفقرا وبيدافع عنه والحكومه مش عاجبها الكلام ، ابتسمت ، نعم ، هو يحب الفقرا مثلما يحبها ، وكلنا ولاد تسعه ، هو يحب الفقرا وبيدافع عنهم والحكومه بتكره الفقرا ، وافقته وبصمت بالعشره علي كلامه ، نعم الحكومه تكره الفقراء باماره موت ابيها علي السرير المعدني الحقير في المستشفي الاميري دون علاج ، وباماره شبابيك الفصل المكسوره تُدخل الهواء مثل السياط اللاسعه في عز يناير في مدرستها الثانوية ، وبامارة تلال القمامه التي تزين مدخل قريتهم ولاترفعها الحكومه الا ايام الانتخابات وفقط من شارع البهوات ، نعم الحكومه تكره الفقراء وفارس يحبهم ، علشان كده الحكومه مش سايباه في حاله ، كرهت الحكومه اكثر مما تكرهها واحبت فارس اكثر مما تحبه ، كرهت الحكومه والبوليس اللي بيراقب فارس وتمنته لو اخبئته في " نني عينها " ومازالت تحبه وتخرج معه وهو لم يعدها بشيء لكنها لاتحتاج وعوده ، هو يحب الفقراء ويحبها !!!!
الثواني تمر بطيئه وهي جالسه في حجره الزياره الخاصه تنتظر وصوله ، هل الرجل الذي سيدخل عليها الان هو فارس البطل الذي تزوجته وهو هارب من البوليس ... سالت نفسها وسرعان ما ابعدت الاجابه عن راسها ورسمت ابتسامه علي وجهها تنتظر الزوج الحبيب الذي لم يخرج بعد من عنبره وياتيها كل مرة يرتسم علي وجه النحيل ابتسامه لاتصدقها مثلما لا تصدق كلماته التي يطمئنها بها علي نفسه !!! ومازالت الثوان بطيئه بطيئه بطيئه ....!!!!
( 8 )
وقفت مهجة علي باب المحل تنتظره كمثل كل يوم ، صاحب المحل سافر للقاهره ليعاين " البضاعه " ، شرحت لزوجته الغيورة مثل كل يوم ان البيه سافر مصر ، هي تكذب عليها لكنها لا تملك شيئا اخر ، اغلقت الزوجه الغيورة السكه في وجهها لاتصدقها لكنها هي الاخري لاتملك شيئا ، مازالت تنتظر فارس لكن الشمس تنسحب ببطء من الشارع تخبرها بتأخره عن ميعاده المعتاد ، قلقه لكنها مازالت تنتظر ، الليل يتسلل لقلبها موحشا وفارس لم يظهر ، ربما كان يحمل اوراقا خطيرة من تلك التي تكرهها الحكومه ، ربما قال شيئا صادما امام احد المخبرين بجراءة لم تفلح في نزعها من لسانه وصوته ، ربما صدمته سياره في طريق عودته من الجامعه وهي تصورت ان البوليس قبض عليه ، الليل يحتلها باشباحه وعفاريته ، ترتعد خوفا ، تتمني لو تذهب لمنزل اسرته وتسال عليه ، ربما عاد للمنزل من طريق اخر ، ربما مريض لم يذهب للجامعه ذلك اليوم لكنها بالطبع لن تفعل،
الوقت يمر وهي تقف علي باب المحل ، عصبيه ومتوترة ، تكاد تطرد الزبائن وقت يدخلوا المحل ، تلحق بهم بخطوات بطيئه ونفس مسدوده ، تعرض عليهم الملابس بزهق وتعتذر لعدم وجود المقاسات والالوان المطلوبة ، عيناها زائغه تختلس النظرات للشارع ، يسوقك ولا يسيئك يافارس ، تهمس وتتمناه يدخل المحل حتي تعود لها روحها الهاربه من جسدها المرتعش ، لكنه لايدخل والزبائن لايرحموها وصاحب المحل يعبث مع النساء في مصر وهي معذبه بالانتظار والزبائن واشباح القلق ...
تعتذر للزبونه عن طلباتها ، مش موجود ، مافيش ، خلص ، لسه ماجاش ، تخرج تقف علي باب المحل ، الشارع مظلم امامها ، حتي لو دخله فارس لن يصلها خياله يطمئنها عليه ، تمد بصرها بعيدا تتمني تراه حيثما كان ، لكن الظلام يمنعها تراه ويخيفها اكثر واكثر ....
وفجأ ...دخل فارس المحل ، متلاهث الانفاس ، يتلفت حوله ، طلب منها تغلق الباب وتطفيء الانوار ، لم يسمح لها تعاتبه ولا تتدلل عليه ، شرح لها بسرعه ان البوليس يطارده ، كان فيه مظاهره كبيره في الجامعه وزعت منشورات ، امن الدوله شافوني حاصروا الجامعه و.... لم تسمع بقيه كلامه ولم تفهمه كله ، خبطت علي صدرها وكادت تصوت نادبه حظها ، وانت مالك ومال المظاهرات ، همس لها مرتبكا ، عايزين يقبضوا علي ، ارتعدت ، طلب منها تخبئه في مكان بعيد لاتصل اليه الشرطه ، اغلقت المحل ولم تكترث بالبضاعه وصاحب المحل الغارق في مغامراته النسائيه واخذته بتاكسي خصوصي لمنزل عمتها ...
نعم منزل عمتها هو أأمن الاماكن التي تستطيع تخبيه فيها ، عمتها ست جدعه ستساعده وتخبئه عن اعين الحكومه ، عيني يافارس .. تجلس في التاكس ترتعد ، تحس ان الباب سيفتح فجأ وينقضوا عليه ويخطفوه من حضنها ، يومها لم يخطفوه ، لكن سنوات قليله مرت وخطفوه فعلا من حضنها .... واخرتها يافارس ؟؟؟ ومازالت تنتظره في حجره الزياره الخاصه في الليمان ولم يأتي بعد !!!!ا
( 9 )
دخل فارس بملابس السجن الزرقاء حجره الزياره ، نحيل شاحب ، يزداد نحولا كل زياره ، لاحظت مهجه انهيار حالته الصحيه كل مره عن التي سبقتها ، المحت له اكثر بانزعاجها ، يرد علي انزعاجها ببرود لم يعد يثيرها ، انا كويس ، بركه ، تهمس بصوت كاذب لاتصدقه هي شخصيا !!!!
رسمت اوسع ابتسامه كاذبه علي وجهها واحتضنته ، يدخل في حضنها ولا يبادلها الشوق ويكاد يبقي ذراعيه ملقيتان بجواره ، يطبطب علي ظهرها ، كانت تتمناه يحضنها بشوق ، لكنه يترك جسده متيبسا في حضنها ، يطبطب عليها وكانها مريضه او مجنونه ، تلمح نظرات الضابط تراقبهما ، تكره الضابط اكثر واكثر ، يتلصص عليهما ، لا ينظر لهما مباشرة لكن وجوده يكسر احساسها الوهمي بالخصوصيه ، يقَوي فارس علي تجاهلها ، مره عاتبته علي بروده فاشار للضابط الجالس معهما في الحجره ، ماينفعش ، انت تكذب يافارس وانا لااصدقك ، كانت تتمني تقول له هذه الكلمات لكنها لم تقلها ، صمتت ، انت تكذب فبرودك لاعلاقه له بالضابط ، حتي لو خليت الحجره وبقينا وحدنا ، بل لو خلا العالم كله ستعاملني بنفس البرود ، انه الاحساس المقيت الذي احتلك من تلك اللحظه التي قررت فيها تعود للطب ، تلومني علي ماقررته وكاني السبب ، انت عارف اني ماليش دعوة ، لكنك قررت تحملني الجريمه الشنعاء التي ارتكبها يوم تركت ساحات النضال وعدت لحياتك العاديه ، وقتها اعتبرتني السبب وكرهتني ، وصلني من حضنك صقيع بارد لم تذب ثلوجه ابدا ، من ذلك اليوم فقدت حماسك للحياه ولي ، ولم تعد انت الفارس الذي اعرفه ولم اعد انا المهجه التي تحبها وصرنا غرباء !!!!
جلس بجوارها علي الدكه الخشبيه يدخن صامتا ، يتبادلا الكلمات القليله الفارغه والوقت بطيء لايمر ، تساله عن احواله ، يبتسم بصعوبه ويطمئنها ، لا تطمئن ، تصمت ، يسالها عن احوالها ، تبتسم بمشقه ، انا كويسه ، لايكترث بحالها ويسمع اجابتها فارغه بلا اي مضمون ولا معني ، الثوان مازالت بطيئه ، تشرح له ، جبت الحاجات اللي طلبتها ، الهدوم ، الاكل ، الادويه ، تنتبه ، مش ناوي برضه تشوف دكتور يكشف عليك ، ينظر لها ساخرا ، ماانا دكتور يامدام ولا نسيتي ، تكاد تقول له انه هو الذي نسي الطب ونسي نفسه وحين عاد للطب لم يعد طبيب الا بالشهاده دون ممارسه او خبره ، كادت تقول له كلام كثير ثم قررت تصمت ، فالكلام لن يجدي و..... الثوان مازالت بطيئه !!!
( 10 )
وصلت مهجة القريه في الظلام ومعها فارس يتلفت حوله وكان البوليس ترك الدنيا كلها وتفرغ لمطاردته ، لاتعرف سبب قوتها وجراءتها في تلك الليله ، بعد الخوف الذي ارعشها ما وصلت قريتها حتي اجتاحتها قوة غريبه لم تفهمها ، ربما احست بعض الطمأنينه وسط البلدة وقرب بيتها عمتها ، احست فارس أمنا وسط القرية وفقراءها ، هو يحب الفقراء والحكومه تكرههم ، الا يستحق من الفقراء الذي يحبهم حمايته من الحكومه وبوليسها ، سحبته من ذراعه في الظلام الدامس وتسللت من ناحيه المقابر البعيده لبيت عمتها ، شرحت له ان الشارع الرئيسي للقريه مليان حكومه ، المخبرين ياما ، ايشي للقهوه وايشي للفرن ....
تسحبه من ذراعه بجراءه وثقه ، تدخل به علي عمتها وتشرح لها بسرعه ، البوليس بيدور عليه ، عمتها لاتفهم في السياسه لكنها تكره البوليس ، مثل كل الناس في قريتهم الصغيرة ، يكرهوا البوليس الذي يقبض علي صاحب الفرن البلدي علي راس الجسر ويقبض علي بائعي الخضار السريحه يوم السوق ويلم الرجال من القهوه ليلا معهم الجوز المعمرة بنثرات الحشيش ، يكرهوا البوليس الذي ضرب كل الشباب في القريه وقت وجدوا جثه العجوز طافيه فوق سطح الرياح ، يكرهوا البوليس الذي كسر مسرح المولد وضرب اصحاب المراجيح ورحلهم جبرا من القرية بعدما اشتكي احد البهوات سليل عائله اقطاعيه قديمه من الصخب والقذاره التي ملئت القرية .....
عمتها لا تفهم في السياسه ولا تفهم ماتحكيه لها مهجه عن المظاهره والمنشورات ، تفحصه بنظره عميقة ، ابن عائلة وهارب من البوليس ، قدم لمنزلها المتواضع الفقير ليختبيء عندها ، استجار بها وواجب عليها اجارته وحمايته ، رحبت به وعدته بمساعدته ، من عيني ياضانيا ان ماشالتكش الارض نشيلك علي راسنا ، سحبت مهجه من ذراعها بعيدا عنه ونهرتها ، ماتلمي نفسك يابت مالك متشحتفه كده ، ارتبكت مهجه اكثر مما هي مرتبكه ، وعدك بحاجه ولا اخوه ؟؟ سالتها عمتها ، ماوعدنيش بحاجه لكن بيحبني ، بجراءه اجابت مهجه علي عمتها !!!التي ابتسمت ، بيحبك ، وماله
شرحت العمة لزوجها نصف المخدر بان الدكتور حيقضي يومين تلاته عندنا ، غمزت له بطريقه موحيه ، اصله متكلم علي مهجه ، تمني الرجل لو يسالها ، كلم مين امتي ، لكن الحشيش الاصلي اخرسه فابتسم بلامبالاة وانشغل برص الجوزة ، سحبت العمة الدكتور من ذراعه وصعدت به للسطوح ، غرفه صغيره مغلقه ، هنا ياقلبي ولاممكن حد يطولك ، اعطته بطانيه قذره تأفف ينام عليها واغلقت عليه باب الغرفه بالمفتاح وعادت لفراشها بعدما نبهت علي مهجه ، بت مش لازمني فضايح ، سيبي الدكتور علي ، لاتطلعي له ولا تنزلي من عنده ، شرحت لها مهجه ، جايز يطول ، ضحكت عمتها بخلاعه ، بقولك ايه بوليس مابوليسش ان كان حيطول يكتب عليكي انت عارفه البلد وكلامها ، ارتبكت مهجه ، مش بتقولي بيحبك يبقي يكتب عليك ويقعد براحته بقي ان شالله سنه !!!ونامت مهجه مطمئنه علي فارس الذي انقذته عمتها من البوليس !!!!
( 11 )
خبط الضابط علي المكتب الخشبي امامه ينبهها بانتهاء وقت الزياره ، نظرت له نظره تفهم مغزاها ، شويه كمان ، قام الضابط صوب الباب وهو ينبه عليها ، خمس دقايق وحارجع ، خلصي الكلمتين اللي عندك علشان اول ماارجع تتكلي علي الله ، يتابعه فارس صامتا ، تبتسم تشكره وتنظر لفارس كانها تنتظر منه اي شيء يهون عليها رحلتها الشهريه التي باتت تكرهها ، فغير الارهاق والبهدله ، يقابلها بصمت وشحوب ويودعها براحه وصمت ، مازال يعاقبها علي قراراته التي لاعلاقه لها بها ....
سالها عن امه ، ابتسمت ، بقت احسن .... اشعل سيجاره ودفن صمته بين دخانها ، هو يقتل الوقت باسئلته التي لايكترث باجاباتها ، امه لا تهمه ، منذ سنوات وهو لايهتم بها ، منذ تلك الليله التي اختبيء فيها في منزل عمته ، وعاد لامه بفتاه "الدبلون" زوجه للتلميذ ابن الحسب والنسب ، هو يكره عائلته وجذورها الاقطاعية ويحب الفقراء ، يومها شاهدت حسره في عيني امه وبلاده في عينيه وانقطع الوصل بينهما للابد ، نعم بقيت بينهما علاقه بارده لزوم الشكل الاجتماعي ، لكن امه " رمت " طوبته لابعد مسافه عن قلبها وتحاشت الاقتراب منه هو وزوجته الوضيعه التي ضحكت عليه وخدعته وتزوجته وماكانت تحلم هي واسرتها بمثل تلك الزيجه ، وهو ابتعد عن امه التي عايره رفاقه المناضلين بثراءها والتاريخ الاقطاعي الدامي لابيها واسرتها ، ماكان بينهما انقطع ولم يعد .... سؤاله مجرد سؤال فارغ يضيع به الوقت الذي كان يتعين يستغله بمنتهي الشوق ليروي ظمأه من مناهلها ، لكن مشاعره تجاهها تلاشت في رحله الزواج الغريب الذي بدأ من منزل عمتها ، مشاعره تجاهها تلاشت ، لكنه يكذب ولا يعترف ، ولو اعترف لارتاحت ، لكنه يضن عليها بالراحه ويعذبها بكذبه الدائم ، انت عايز مني ايه ، مائه مره بل الف كادت تساله هذا السؤال لكن حجره الزياره والذباب والضابط وملابس السجن اجلت السؤال لوقت اخر ، وحتي يأتي ذلك الوقت مازالت تحاول تكذب مشاعره التي تصلها بوضوح وسخافه !!!!
اقتربت منه ، لاتعرف لماذا تفعل ما تفعله ، كانها تختبره ، تختبر مشاعره تجاهها ، تقترب منه اكثر ، تلصق جسدها بجسدها ، يرتبك ، تحتضنه ، يبقي ساكنا ، تقترب بشفتيها من وجهه ، يبتعد بحدة ، انت نسيتي نفسك ؟ ينفر من انفاسها وملمس شفايفها ، يكذب ولايكف عن الكذب ، انت اتغيرت قوي ، بيأس ودموع ساخنه تعاتبه ، ببرود وارهاق يرد عليها ، احنا في السجن ، والضابط ممكن يخش في اي وقت ، لاتكترث ، وايه يعني هو انا عشيقتك انا مراتك ، وبعدين هو انا يعني عملت ايه ، دموعها تسيل فوق ذرات التراب الملتصقه علي وجهها ترسم علامات سوداء تختلط بالكحل السائح والحر ، يلصق شفتاه علي خدها ، مبسوطه ، تمسح قبلته ودموعها وتلملم اشياءها تستعد للرحيل ، تلمح عرق يرتعش تحت عينه ، مازالت لها مكانه في قلبه مهما انكر ، تحتضن راسه في صدرها ، يتملص منها لكنها لا تتركه ، خلي بالك من نفسك ، تهمس له ، تحس انفاسه ساخنه عليله ، مازالت تبكي ، بياس يهمس ، هانت ، تمسح دموعها وتنصت لكلماته باهتمام ، احتمال اخرج بتلات تربع المدة ، تحاول تبتسم ، ياريت ، هي كاذبه وهو كاذب والثوان بطيئه لا تمر والضابط لم يعد لانهاء الزياره الثقيله !!!!
( 12 )
علي السطح وقت الغروب يجلس امام الغرفه الضيقه يراقب اسراب الحمام تطير فوق اسطح البيوت ، حلقات متداخله من الحمام ، يخرج من الابراج قبل الغروب ويرسم بحريه وانطلاق علي وجه السماء اشكالا بديعه ، يراقب الحمام واسرابه بتركيز شديد فلم يسمع خطوات العمة وهي تقترب منه ، وضعت كفها علي كتفه فانتفض ، اسم الله عليك ياضنايا ، ابتسم يرحب بها ، جلست امامه علي الارض ، منور ياضنايا ، تعيشي ياخالة ، اكدت عليه ، والنبي ياضنايا منور ...
كاد يسألها عن مهجة ، اسبوعين مرا علي اقامته عندها وضيافتها له ، لم يري مهجه فيهما الا مرتين ثلاث ، منعتها العمه من الصعود للسطح ، حتجرسينا ، عمك يقول ايه ، صممت العمه علي ذهابها لعملها ، قعاده كوم وشغلك كوم ، حتقعدي جاره تعملي ايه ، انا موجوده ، رفضت مهجه حتي اقنعها فارس بالذهاب لعملها ، علشان تبقي كل حاجه شكلها طبيعي ، لو قعدت من شغلك الناس حتشك ان فيه حاجه مش طبيعيه ...
سالته العمة ، واخرتها ياضنايا ، تصورها تساله عن اقامته بمنزلها ، كلها يومين حضرتك وامشي ، خبطت علي صدرها ، انت كده فهمتني غلط ، مش قصدي ياضنايا ، انت تقعد منورنا ان شالله حول كامل ، ان ماشالتكش الارض نشيلك علي راسنا ، لم يفهم سؤالها ، امال قصدك ايه حضرتك ، مازال الحمام يطير في السما دوائر داخل دوائر ، قصدي يابني انت سايب كليتك ومذاكرتك اخرتها ايه ، ابتسم ، بس الاحوال تهدي حضرتك وارجع الكليه ، طبطبت عليه ، ربنا يعمل لك اللي في الخير !!!
قامت ناحيه السلم يتابعها ببصره ويتابع الحمام والغروب ويحس براحه غريبه ، تقف فجأ ثم تعود له ، انت زي ابني صح ؟؟ هز راسه ، انت رايد مهجه ولا العباره ايه ؟؟؟ ارتبك ، اصل متأخذنيش يعني ، انا قلت لعمك انك متكلم عليها ، رفع حاجبيه دهشه ، خبطت علي صدرها لاتصدق رد فعله ، هو انت يادكتور كنت بتتسلي بيها ولا ايه ، ولامؤاخذه يعني احب افهم ، ارتبك وتورط ، لا طبعا حضرتك بس اصلي لسه ماتخرجتش ، ضحكت ، وايه يعني بكره تتخرج ، بحث بسرعه عن حجه ثانيه تنقذه من مهجه التي كان يتسلي معها ويضيع وقته الثقيل ، اصل اهلي مش حيوافقوا علشان حضرتك يعني ... قاطعته ، هما معذورين انت لسه تلميذ ، كاد يتنفس الصعداء لانه اُنقذ من مهجه وزواجها ، لكن العمه بادرته ، هما معذورين واحنا برضه معذورين ، البت متعلقه بيك وعرضت نفسها وسمعتها للخطر ولا فرق معاها واللي مايشوفش من الغربال بعد الشر عليك يادكتور يبقي اعمي ، اسقط في يده ، السيده لا تترك له مخرجا ، كانها تخيره ، اما تبقي امنا وتتزوج مهجه واما ترحل ويقبض عليك البوليس ، فكر بسرعه وابتسم ، مهجه انثي مثيره جميله وتحبه ، وهو .... وقفت الكلمات في راسه ، هل يحبها ، ليس مهما ، هي تحبه وهو يعزها و............. ابتسم للعمة وببساطه كذب عليها وعلي نفسه ، انا ياخالة كنت ماجل الكلام لغايه مااتخرج علشان يبقي لي عين اتقدم ، ضحكت العمه ، واحنا يفرق معانا الشهاده في ايه ، وبخبث شرحت له ، انت هاوي البت وهي رايداك ، وجواز البنات ستره والصغيره بكره يكبر والتلميذ بكره يتخرج ، وبخبث اكثر سالته ، ولا ايه يادكتور !!! وهكذا احكمت العمه انشوطه مهجه حول رقبته ، انا اتشرف ، زغرطت العمه من فوق السطح ففهمت البلده كلها ان الغريب الذي يعيش وسطهم سيتزوج مهجه !!!



هشام الجخ *..

نهايه الجزء الاول ويتبع بالجزء الثاني ...ا ...

اسراب الحمام وبوابة الليمان !!!! الجزء الثاني






انا المجرم وانا القاسي
وانا اللي نسيتها ميت مرة ما نسيتني
ومشيتها في دروب مُرة ما ملّتني
وداست ع الطريق حافية وسلّتني
وصحيت بدري وقت
*الفجر صلّتني


( 13 )
زغرطت مهجه وقت عاد من الجامعه مبتسما لانه نجح ، زغرطت وسالته ، كده خلاص كده بقيت دكتور دكتور ، هز راسه ساخرا منها ، مش قوي يعني ، وزعت شربات وحلقت مع احلامها الجميلة ....
زغرطت واحتضنته ثم انفجرت في البكاء ، عامين ونصف منذ زواجهما وهي تحلم بذلك اليوم ، يوم يتخرج زوجها من الجامعه ويصبح دكتور علي سن ورمح ، تحملت سخافه امه وبرود ابيه وسخريتهما منها ، تحملت قطيعه امه التي لم تدخل بيتها حتي الان ، تحملت اصرار ابيها علي عدم استقبالها في منزلهم شهورا طويله بعد زواجها ...
تحملت كل هذا واكثر ، تنتظر تخرجه من الجامعه طبيبا يعوضها كل الحرمان الذي عاشته في طفولتها وكل السخافات التي تعرضت لها من اسرته ، مازالت تذكر كلام اخته الكبري وقت زارتهم للمرة الاولي والاخيرة في المنزل وانهالت علي راسها بالشتائم لانها واطيه وضحكت علي الواد ودبسته في جوازه زباله ، كل هذا الكلام قيل في وجه وهو صامت لايرد علي اخته ، كانت في حجرتها بعدما قدمت لها الشاي الذي رفضت تلمسه ، قدمت الشاي وانسحبت للحجره بعيدا عن المشاجره الصاخبه التي بين زوجها واخته، ليست مشاجره ، بل الاخت حضرت لمنزلها لتكيل له السباب وتهينها ، هو يسمع شتيمتها باذنه وصامت لايرد ، مازالت تذكر كلامها له ، عملت فيها زعيم وسياسي وزفت قلنا نستحمل لكن كمان تتجوز واحده جاهله فلاحه مقشفه فده اللي مش ممكن نستحمله ، يومها بكت كما لم تبكي من قبل ، حتي يوم موت ابيها لم تبكي مثل ذلك اليوم ، بكت لان اخت زوجها اهانتها بصوت عالي سمعه الشارع كله وهو بقي صامت ولم يرد ولم يدافع عنها وحتي عندما اهانته شخصيا لم يرد وتحمل كل الاهانات وصمت ، لم يقل لاخته مثلما قال لها ان كلنا ولاد تسعه ، لم يقل لها انه يحب الفقرا والحكومه بتكرههم ، يومها تحمل الاهانات التي كالتها اخته بمنتهي التعجرف علي راسه وراس زوجته ولم يفتح فمه حتي مشيت ، ، كانت في حجرتها تبكي وقتما دخل عليها ، عاتبته لانه لم يرد غيبتها ، ببرود شرح لها ، هي اختي الكبيرة وعندنا في البيت عيب نرد عليها ، سخرت من الاصول الزائفه التي يخفي ضعفه ورائها ، وهو مش عيب تشتمنا في البيت ونسكت ، حدقت فيه تنتظر حمية لم تجدها ، طبيعي اخته تسبنا لكن العيب ترد عليها !!! هي دي بقي اخلاق الناس البهوات اللي زي اهلك ، سألته ولم تنتظر اجابته !!!
تحملت مهجه الكثير ، لا تنتظر الا تخرجه من الجامعه ، سيكون طبيب مرموق وله دخل كبير لن يحوجه لاهله ، سيكون طبيب مرموق له دخل كبير فيتحرر من عسف اهله وتحكمه فيه وفيها ، زغرطت مهجه واحتضنه وهي تتراقص ، الف بركه ياسعاده الدكتور الف بركة!!! منذ تزوجته وهي لاتعرف عنه شيئا ، تزوجته وبقيا فتره في منزل عمتها ، ثم اخبره زملائه بان القضيه اتحفظت فخرج من مخبأه وعاد لاسرته وحياته بزوجة لم يخطرهم قبل زواجه بها ، قامت الدنيا واشتعلت في منزله ، افصحت اسرته عن غضبها الجم من سلوكه المنفلت ، سياسه وجوازه واطيه و... ابنك سايب ياهانم واتجنن خلاص ، ثورات غضب لاتنطفيء ، تصورتهم سيجبروه يطلقها ، لو اصروا لفعل ، لكنهم في النهايه رضخوا للواقع ومنحوه شقه ليعيش فيها هو وزوجته ، شقه بعيده علي اطراف المدينه ، يعاقبوه بالبعد عنهم ، هو وزوجته الواطيه ، نعم هذا هو اللقب الذي اختارته اسره الدكتور لقبا لزوجته ، عاد لدراسته وانشغل بها وبعالم السياسه السري الذي يخوض في لجه دون يخطرها باي شيء ، تصورت مطارده البوليس له انتهت للابد ، تصورته لن يشترك في مظاهرات اخري ، تصورته لن يوزع منشورات ، تصورته تعلم من تجربته السابقه حين هرب في منزل عمتها وحين طارده البوليس يبحث عن الاوراق الخطيره وحين اشترك في المظاهره وكادوا يحبسوه ، تصورته التفت لدراسته ومستقبله الذي ستشاركه بناءه !!!
هو لم يشرح لها ما يفعله ، وكيف ستفهم ، وهي الفلاحه الجاهله كما يصفها اهله ، نعم هي لن تفهم شيء ولاداعي لاثاره قلقها ومخاوفها و..... ومازال يلتقي بزملائه المناضلين سرا ومازال يحب الفقراء ومازال يوزع منشورات ياخذها من زملائه سرا ويخفيها في بيته سرا من خلف ظهرها ومازال يحلم بتغيير نظام الحكم المستبد الرأسمالي الظالم الذي يظلم الفقراء مثل زوجته ويعمل لصالح الرأسماليين والاقطاعيين مثل اسرته .... مازال يفعل كل مايعرضه للخطر دون يخطرها ولماذا يفعل وهي الفلاحه الجاهله !!!!
ومازالت مهجه تزغرط وتحلم بالخمسه عين والمستقبل الباهر لاتعرف مايخبئه لها زوجها الحبيب !!!!!
( 14 )
اجرت لها عمتها فستان ابيض رخيص، واحضرت المصوراتي للمنزل ليصورها صوره زفافها ، اقامت حفل علي الضيق وارسلتهم لبيت ام ابراهيم ، الجاره العجوز التي سافر اولادها وتركوها وحيده ، احضرت ام ابراهيم لمنزلها وفرشت حجره النوم بطقم ملايات جديد وملئت التلاجه بالحلويات والمشروبات واغلقت الباب علي العروسه والعريس لوحدهم اسبوع كامل ، اصبح ابننا وحمايته واجبه ، تخاف عليه اكثر مما تخاف علي اي شيء ، البت يتيمه وتستحق تفرح ، لم تعلم العمه مالذي كانت تخبئه الايام للبت اليتيمه !!!! ا
جلست علي السرير خجله ، سعيده لكن مرتبكه ، خلع فارس ملابسه واقترب منها بصدره العاري ، ارتبكت ، فك شعرها الطويل فوق كتفيها وقبلها في رقبتها ، مازالت تشعر بالسعاده التي احستها وقت ذاك ، قبلها مره ثانيه وثالثه و............ حين اذن ديك ام ابراهيم مختلطا صوته بصوت الكروان يصدح بحمد ربه ، كانت مهجه تنام عاريه علي ذراع فارس الذي غرق في شخيره ارهاقا ، مبتسمه في الظلام سعيده ، تحبه ، سالته قبل ما تدخل حضنه ، بتحبني ، بسرعه وتلقائيه ، طبعا باحبك وبموت فيك ، سنين مرت وهي تبحث عن اجابه لسؤالها اللعين الذي احتل عقلها ولم يغادرها ، هل كان يكذب وقتها !!!
في الصباح دخلت الحمام ، تركته نائم ودخلت لتتحمم ، سرعان ماستطرق عمتها الباب تبحث عن امارة شرفها ، لتتباهي بابنه اخيها وشرفها الغالي ، تركته نائم وحفظت المنديل موشي بنقاط شرفها الحمراء علي المراية ، هذه القماشه البيضاء مزركشه بشرفها دليل براءه تحتاجه القريه لتعلم ان مهجه الجميله التي كانت تسافر للزقازيق كل يوم حافظت علي نفسها لابن الحلال !!!
دخلت الحمام وفتحت الدش الساخن فوق راسها ، فتح فارس الباب وقفز بجوارها ، احتضنها بقوه ، جسدها يسطع تحت الماء تنزلق قطراته الساخنه فوق جسدها الناعم ، احتضنها فارس بقوه ومزق شفتيها بقبلاته وحملها عاريه لفراشه و.... وازدادت سعادتها ، يحبها نعم يحبها ، الغرام الملتهب الذي يحاصره بسخونته يصرخ بحبه .... وطرقت عمتها الباب ، فلم يتركها لتفتح ، انهي ماكان بدأه ثم اعتقها ، فتحت الباب مرتبكه ، زغرطت عمتها واحتضنها ، جسدها دافءوشعرها مبلول وشرفها في المنديل و.... التور هد المسطبه ، التور هد المسطبه !!!!!
تستيقظ فجرا علي صياح الديك وصوت الكروان مبتسمه سعيده ، حتي ظنت ان القدر انصفها والسعاده زارتها ولن ترحل !!!! اسبوع في بيت ام ابراهيم قضته مهجه سعيده فرحه ، لاتفكر في الغد ، لاتفكر في البوليس الذي يبحث عن زوجها ، لاتفكر في اسرته الارستقراطيه ، لاتفكر كيف سيعيشا ، كل هذا ليس مهم ، المهم شلالات السعاده التي تغرقهما وهي " تبلبط " في حضنه كالسمكه الذهبيه تنزلق بين الامواج و.... من قال ان السعاده عمرها قصير !!!!
( 15 )
ودعته بدموعها المعلقه ، لم تفلح احضانه البارده تفك ضيقتها ، تتمني تصرخ وتبكي ، لكن القهر يخرسها مثلما اخرسها طويلا ، اعطته ظهرها وتركته ينتظر الضابط ليصحبه للعنبر ، خرجت من حجره الزياره وكأنها فرحه ، ماهذا الهم الثقيل الذي يكبس علي صدرها وقت تدخل ذلك المكان ، يكبس علي صدرها وقت تدخل لكنه لايتركها وقت تخرج ، يستمر معها ليله واكثر ، تتنفس هواء عطن محبوس بين الجدران مثل اصحابه ، تاخذ بطاقتها وتمنح الصول ماتقوي علي منحه تتذلل له " شايك ياباشا " وتخرج من البوابه الصغيرة لتجد الشمس تنتظرها في كبد السماء تخرق عينيها ، تخرج لاتري شيئا ، تتعثر في خطواتها ، تحس نفسها وكانها فارة من المقصله التي كادت تهوي علي راسها ، ليه يافارس ...ليه يافارس عملت في نفسك كده .. سؤال لم تفهمه ولم تعثر علي اجابته ... اسرعت الخطا بعيدا عن باب الليمان والواقفين امامه من التعساء ، رجالا ونساء يتنظروا الاذن بزياره قلوبهم المحتجزه خلف الاسوار ....
ليه يافارس عملت في نفسك كده ..تسير صوب الكوبري نصف غائبه ، لاتنتبه للسيارات وكلاكساتهم الغاضبه ، تتذكر تلك الليله ، وقتوقفت في الشباك سعيده تراقب دوائر الحمام الطائر في السماء والشمس تستعد للرحيل ، سمعت خطواته خلفها ، خرج من الحمام منتعش وسعيد ، تركت الشباك واحتضنته ، جسده العاري الدافء اثارها ، التصقت به ، دفعها برقه ، ورايا شغل ، قبلته وذهبت لتعد ملابسه ، لا ورايا اجتماع مهم ، لم تفهم ، اجتماع ايه ، ابتسم ، بعدين حاقولك .... ناولته القميص ، انت مش حتريح قلبي بقي وتقولي حتشتغل في انهي مستشفي وناوي تتخصص في ايه ، ضحك ، اصبري لما ارجع حاقولك !!! ناولته المحفظه والساعه ، قبلها علي راسها وودعها ، لو اتأخرت نامي ، ضحكت ، مش حاقدر ، بدلال ومياصه ورقه همست ، مش حاقدر انام قبل ماتيجي ، لوح لها وصفع الباب خلفه ، عادت للشباك تشاهد السماء القرمزيه بعدما غابت الشمس ، اسراب الحمام تعود للابراج ، ابتسمت ، تشعر بالسعاده !!!!
شهرين بعد تخرجه ولم يفعل شيئا ، يستيقظ كسولا ، يخرج كثيرا ويعود بعدما تنام ، كادت تشك فيه لولا سهراته الغراميه الساخنه التي توقظها من اعز نومه ، هو يحبها ولن يخونها ، هو ليس صاحب المحل وهي ليست زوجته القبيحه ، تتمناه يلتحق باي مستشفي للعمل فيها ، كسول لا يبحث عن عمل ، كانه ينتظر معجزه تعرض عليه ترجوه قبولها ، لايهم ، تقول لعمتها وقت تسالها ، جوزك اشتغل فين يابت ، مااشتغلش ، تدق عمتها علي صدرها ، يالهوي ، تضحك ، مش مهم ياعمتي حيشتغل اكيد ، تلاقيه بيريح بس بعد المذاكره والشقا !! اجابه لاتعجب عمتها لكنها تصمت وتنتظر !!!
اغلقت مهجه التلفزيون ودخلت فراشها وفارس مازال بالخارج ، جلست في الفراش تسمع الراديو وتنتظره ، لم تحس بخطواته وقت دخل الغرفه وهي مستغرقه في النوم .... احتضنها ، احتضنته وهي نائمه و......... استيقظت علي صوت انفاسه المتلاهثه و.... اتأخرت ليه ، همست لكن شفتاه كتما صوتها و.......... استيقظت فجرا علي صوت الكروان ، الملك له لك ياصاحب الملك !!!
اعدت الفطار وايقظته ، تحمم وجلس يشرب شايه وهو يحدق فيها ، عايز تقول ايه ، شكلك كده عايز تقول حاجه ، ضحك ، انت بتحبيني صح ، طبعا جدا خالص ، وبدلال ، ولا انت مش حاسس ، طيب حاقولك حاجه ، بس يارب تفهميني ، احست باهانه من جملته الاخيره لكنها انتظرته يقول ، اصلي بصراحه مش باحب الطب خالص ، دخلت الكليه استخسار مجموع وعلشان بابا مايزعلش ، تتسارع دقات قلبها لكنها لاتتوقع ماسيقوله ، انا خلاص مش حابقي دكتور ، مش عايز ، مازالت لا تفهم كلامه ، امال حتبقي ايه ، ضحك ، مش حابقي حاجه ، حاتفرغ للسياسه !!!
مالها احست صداع مفاجيء ودوار رهيب ، لم تفهم معني كلماته بالضبط لكن كلامه قبض صدرها ، ماله سعيد هكذا وقت يقول ذلك الكلام الذي قبض صدرها ، انت عارفه اني باشتغل بالسياسه من زمان ، لاتفهم ، انت بتحب الفقرا وعلشان كده الحكومه كانت حتقبض عليك بس خلاص ، صح ؟؟؟ سالته ترتعش ، ده كلام وراح لحاله ، صح ؟؟ يضحك بصوت عالي صاخب ضحكات متتاليه ، لا مش صح طبعا ، انا حاسيب الطب واتفرغ للسياسه !!! ماهذا الماء البارد الذي انسكب فوق رأسها ، يعني ايه ، يعني خلاص مش حاشتغل دكتور ، ايوه يعني حتشتغل ايه ، بملل ، ماقلت حاتفرغ للسياسه ، ماهذا النمل الصغير الذي يدب ملايين الوخزات في عروقها ، ازاي يعني ، اشاح له بيده غاضبا ، مافيش فايده ، مافيش فايده فيكي ، مهما ااقول مش بتفهمي ، مش عارف غلطه مين دي !!!! ترك لها البيت وخرج ، صفع الباب خلفه ، انفجرت في البكاء ، تحس خوفا رهيبا ، لاتفهم بالضبط مالذي يعنيه فارس لكن كلامها ارعبها ، تاني سياسه ، تاني بوليس ، تاني اوراق خطيره ومراقبه ، ويعلو صوت نحيبها ويعلو ويعلو !!!!!!!!!! ليه يافارس عملت في نفسك كده ؟؟؟ سؤال سالته لنفسها ومازالت تسأله ، لم تعثر علي اجابته ابدا !!!! ليه يافارس عملت في نفسك كده ... تعبر الكوبري والليمان خلف ظهرها وفارس بالبذله الزرقاء في العنبر خلف الاسوار العاليه والبوابه الكبيرة .... ليه يافارس عملت في نفسك كده !!!!
( 16 )
شاي ياام حنان ، همست وهي تجلس علي مقعد صغير علي شط الترعه ، الليمان امامها من الضفه الاخري ، عبرت الكوبري وقادتها قدماها لام حنان ، كانها تشحذ حنانا لم تجده في زيارتها الكريهه ، القت جسدها علي المقعد الصغير ، اقتربت ام حنان مسحت المنضده امامها وابتسمت ، انهمرت دموعها فيضان ، كانت تنتظر تلك الابتسامه الحانيه حتي تفرغ شحنه الانفعال المتفجره في نفسها ، طبطت عليها ام حنان ودعت لها ، ربنا يفك ضيقتك ، اعتادت ام حنان علي زوار الليمان يمروا عليها ، يجلسوا عندها يريحوا اجسادهم المرهقه بالانتظار ، يريحوا ارواحهم المعذبه بالقهر ، تتحرك بينهم توزع ابتساماتها الصادقه ، كانها قبلات صغيره علي رؤوسهم ، دفقات دفء وطمأنينه .....
امسكت مهجه كوب الشاي وعبرت ببصرها الترعه ، بحر مشتول ، وحدقت في باب الليمان وصمتت .... تتذكر يومها الاول الذي وقفت فيه امام تلك البوابه الضخمه ، حكم علي فارس بالسجن خمس سنوات بعدما قبض عليه يوزع منشورات ، عثر البوليس علي كميات كبيرة من الاوراق الخطيرة في منزله وقت القبض عليه ، انتبهت فجأ ، هل كل تلك الايام الكئيبه والليالي الطويله فقط ثلاث سنوات واقل !!! نعم ، مرت ثلاث سنوات واقل و مازال امامها سنتين واكثر تتجرع فيها الكأس السم مره كل شهر !!!! حكم عليه بخمس سنوات بسبب المنشورات التي خبئها والتي وزعها ، نعم تلك الاوراق الخطيره التي طالما اخافتها اطلقت عليها النيابه ، منشورات !!!
يومها وزع وزملائه منشورات امام مصنع الالومنيوم وقت الاضراب ، خرج من المنزل مبكرا ، استيقظت وجدته بملابسه يستعد للخروج ، علي فين ، لم يرد عليها ، القي لها قبله في الهواء وصفع الباب بقوه ولم تراه بعدها الا قبلما يقبض عليه بدقائق معدودة .... انتظرته يعود ، فلم يعد ، مر ليل طويل قضته ساهره وهو غائب ، عودها علي غيابه الليلي المفاجيء ، في مرات سابقه تشاجرت معه ، افهمها ، ضرورات عمله تقتضي غيابه المفاجيء ، عملك !! سخرت منه ، ترك الطب وخلع البالطو الابيض وتفرغ للسياسه ، السياسه سرقته منها ، ضحكت مهجه فاقتربت منها ام حنان مبتسمه، تفطري ، هزت راسها نفيا ، ممكن فنجان قهوه ، نظرت لها ام حنان بلوم ، قهوه وشاي علي معده فاضيه ماينفعش ، حاجيبلك سندوتش !!!!
عادت مهجه لذكرياتها ، السياسه سرقته منها ،منذ ترك الطب لم يعد هو فارس الذي تعرفه ، تغير ، صار اكثر شراسه وعدوانيه ، قلق ينام مثل الذئاب بعين مفتوحه والاخري نصف نائمه ، ابتعد عن الناس ، هم سيهتكوا اسراره ويضربوا امانه السياسي ، يخرج من اول النهار ويعود منهكا ، يلقي بجسده علي السرير وينام ، كلمتين يتبادلهما معها ويغشي عليه وفي اليوم التالي يخرج ويعود ....
يزوره في البيت بعض الغرباء احيانا ، اناس لايشبهوه ، يتكلموا كثيرا ويملئوا الصاله بالدخان ويتسللوا خارجين كما وصلوا متسللين ، لاتخرج لهم ، يحمل من يدها صينيه الشاي ويقدمها لها ويبقيها في غرفتها لاتخرج منها حتي يغادروا المنزل ، في البدايه كانت تحاصره باسئلتها ، مين دول وبتعملوا ايه ، لكنه اعتاد يتجاهل كل الاسئله وينام ، مره في الثانيه توقفت عن الاسئله ، صارت غريبه في منزلها مع رجل غريب لاتعرفه ، كيف تحولت مثلما تحولت يافارس ، اين الرقه والمشاعر الحلوه والحب والاحضان الدافئه ، ينام ويعطيها ظهره ، يشدد عليها كل ليله بتناول اقراص منع الحمل ، ظروفي مش مستقره ، تاخذ الحبوب بانتظام ، لاتريد اطفالا في تلك الحياه الغريبه التي يحياها ، يأتيها بنقود قليله لا تعرف مصدرها ، يخرج طويلا ويعود مرهقا ، يبقي في البيت وقت يأتي زملائه الغرباء ، عصبي مهموم ............ واخرتها يافارس !!!!
نامت قبلما يعود ... لم تحس به وهو يلقي بجسده المتعب بجوارها ، وزع المنشورات وفر من البوليس ، وقضي ليلته كلها في الشوارع يهرب من المراقبه اللصيقه التي صاحبته منذ تحرك من عند المصنع وبقيت معه طيله اليوم ، يحس نفسه مراقب لكنه لايري من يراقبه ، سيضللهم ، هكذا قرر ، قضي اليوم في الشوارع ، من شارع لحاره ومن حاره لسياره اجره ومن سياره اجره لشارع مزدحم ، غابت الشمس وهبط الليل وهو مازال يتصور انه يضلل مراقبيه ويتوههم ، حينما اطمئن انه صار نظيف هرول لمنزله مرهقا يحلم بالنوم ، لكن المخبرين خدعوه ، ابتعدوا عنه فظن نفسه ضللهم واطمئن ، حين صعد منزله اطمئنوا ان الفأر دخل برجليه المصيدة ...
ساعتين وداهموا منزله ، استيقظت وقتها علي اصوات مكتومه في الشارع ، لم تميز الاصوات لكن القلق نهش نفسها ، فارس ينام بجوارها ، لم تعرف متي عاد وكيف قضي يومه ، يوم لاتعلم تفاصيله مثل عشرات الايام التي غابها عنها لاتعرف تفاصيلها ، صوت خطوات علي سلم البيت ، تعجبت ، الجيران نائمون والفجر مازال بعيدا ولااحد يصعد ولا ينزل في مثل الوقت من الليل ، تصورتهم لصوص ، يتسللوا علي السلم لسرقه شقه الجيران ، كادت توقظه ، لكنها تمهلت ، سيستيقظ وينهرها ، مافيش اصوات نامي ياستي ربنا يهديكي !!! وتنام !!! لكنها هذه المرة واثقه ، تسمع اصوات خافته علي السلم ...
وفجأ ......... قفزت من الفراش ، طرق قوي علي الباب يكاد يخلعه ، لم توقظه ، هذه المره قفز هو من فراشه ، انتبه بسرعه لما يحدث ، طرق قوي متلاحق يكاد يحطم الباب ، فيه ايه ، مرتاعه سالته ، نهرها ، البوليس ، دقت علي صدرها ، ليه ، تحرك مسرعا صوب الباب وهي خلفه ، صوت الطرقات يزداد قوه ، افتح الباب و......... فتح الباب ودخلوا عشرات من الرجال منزلها ، نحوها جانبا وامسكوا به ، اخرجوا الاوراق الخطيره من السيفون ومن سندره الحقائب القديمه ومن وسط ملابسه الشتويه ، بعثروا البيت وسحبوه علي البوكس ، بقيت تبكي مكانها لاتصدق مامرت به ، رقعت بالصوت وهو يخرج من المنزل ، علي فين يافارس ، نهرها الضابط ، اخرسي خالص ، تشاجر مع الضابط من اجلها ، يسحبوه بسرعه علي السلم ، صوت خطواته المتعثره وخطواتهم الثقيله اخر ماسمعته وهم يغلقوا الباب خلفهم !!! تلفتت حولها ، كل شيء حولها علي الارض ، الكتب والاوراق والحقائب القديمه وصور الفرح وملابسها الداخليه و............. ياسوداي ياامه ، ياسوداي ياامه ، والدموع لاتنضب والهم جبال تهدمت في ثانيه فوق راسها و.......... كان مستخبي لي فين ده ، الحقيني ياعمتي !!!!


مين اللي قال الحب آخره عَمَار ؟؟؟
الحب آخره نهاية في رحَاية ..
القسوة طاحنة والحجر دوَّار *


( 17 )
لو مش عاجبك نتطلق !!! ببساطه وسهوله ذبحها بكلماته ، تشاجرت معه كالعاده ، لايعجبها حاله ، كان طبيبا ولم يعد ، صار صايع مثلما تري ومناضل كبير مثلما يري ، يخرج نهارا ويعود ليلا ، خائفه هي عليه من البوليس والاوراق الخطيره ، تتمني امان وطمانينه واسره واطفال ، تتمناه يحبها مثلما كان ، لم يحقق لها اي امنيه ، اسرته مازالت تقاطعه ، يخرج نهارا ويعود ليلا وهي تنتظره مرعوبه ، لاتعرف مالذي يفعله بالضبط ، لكنه يعرض نفسه ويعرضها للخطر ، تؤجل الخناقه كل يوم عل ربنا يهديه ، لكن يزداد اصرارا علي موقفه واختياراته ، دي حياتي انا يامهجه وانا حاعيشها زي ماانا عايز ، لايعجبها الكلام ، حان وقت الخناق ، لا دي حياتنا سوي ، يضحك ساخرا ، هو مين اللي حيتحبس مش انا ، مين اللي حيتقبض عليه مش انا ، مين اللي حيروح في ستين داهيه مش انا ، تبقي حياتي انا !!! لايعجبها منطقه الاناني ، لا دي حياتنا احنا الاتنين ، اللي حتعمله حيأثر علي ، لو اتقبض عليك حتبهدل وراك ، لو اتضربت قلبي حيوجعني ، لو جرالك حاجه اموت يافارس ... بنظره بارده وصوت ابرد همس ، لو مش عاجبك نتطلق !!! انفجرت في البكاء ، باعها في ثانيه ، مستعد يتخلص منها ليعيش حياته ، ليس لها اي قيمه عنده !!!! لطمت علي وجهها وكالعاده ضربها علي وجهها لتفيق ، يكره اللطم وصوت عويلها ، لايجد الا قلما ساخنا علي خدها ليخرسها ، جرب الطريقه اكثر من مره واخرستها !!! هذه المره لطمها علي وجهها وهمس ، اختاري انت بقي عايزه ايه !!!!
تركها وجلس في الصاله ، لم يقل لها انه لايحبها ، انه تزوجها بعدما دبسته عمتها فيها ، لم يقل لها انه مل من حياته معها ، هي فلاحه جاهله لاتفهم في السياسه يعجز عن المناقشه معها في قضاياه الخطيرة الهامه ، هي زوجه تطبخ وتغسل وتمنحه جسدها اخر الليل ، تصلح لاي رجل عادي ، لكنه ليس برجل عادي ، هو مناضل حياته معرضه للخطر طيله الوقت ، قضاياه كبيره ، يحتاج امرأه اخري، تفهم معاناته وتسانده وتقويه وتتحمل مصيره المظلم ، لم يقل لها انه يتمني يطلقها ، لكنه يشفق عليها ، لم يقل لها ان وجودها لايضايقه ، لكن وقتما تضايقه وتضيق عليه خناق جهلها بحقيقته وجهلها باهدافه الساميه سيطلقها فورا ، واكم من ناس طلقوا وعاش كل منهم وحيدا حياه افضل من تلك التي كان يعيشها مع اخر لايحبه ولا يفهمه !!!
يدخن في الصالة في الظلام وهي ملقاه علي فراشها تعوي ، تركها هذه المره تبكي في غرفتها ولم يقترب منها ، لم يمنحها سعاده الحب وقتما تتكسر معذبة امامه علي الفراش ، وقتها يثيره ضعفها ودموعها ، جسدها الشهي يزداد اغراء وعيونها الحمراء ودموعها الفياضه تثيره ، لا لن يمنحها هذه السعاده ، ستعتاد عليها ، تستفزه يضربها يمارس معها الغرام ، تفسد عليه العقاب ويسعدها ، هذه المره لن يقترب منها ، سيتركها تبكي وحيده ، وان ماكنش عاجبها تتطلق !!!!
بقيت مهجه في فراشها تبكي حزينه ، تفكر في كلماته الموجعه ، مش عاجبك نتطلق ، ببساطه يافارس ترميني ، ماليش قيمه عندك ، ولما نتطلق اعمل ايه ،سؤال لم تجد له اجابه ، احبك وانت لاتحبني ، تعرف انه لم يعد يحبها ، هي لاتعرف انه لم يحبها في الاساس ، تتصوره كان يحبها وتوقف عن حبها ، لكنها تحبه ، ستبقي بجواره ، ستتحمل شطحاته وجنونه ، ستشاركه الخطر ورحلته المخيفه ، ستدعو له ربنا يهديه وينقذه من نفسه ...... ولم تطلب الطلاق و............وبقيت زوجته !!!!
( 18 )
التهمت السندوتش الذي وضعته امامها ام حنان ، اكلته دونما تفكير ، تراقبها ام حنان بحب وسعاده ، بالهنا والشفا يابنتي ، دمعتين ثلاث يتساقطوا من بين كل حين واخر .... الحزن بحار موحشة غرقت فيها منذ طفولتها ولم تنجو بعد ، لاتعرف اي الموجات اعتي ، موت ابيها ويتمها ، زواج امها والقائها علي عتبه عمتها كفرده الحذاء الضائعه ، فارس والسياسه والسجن ، اي الموجات اعتي اغرقتها وتمكنت من روحها ، دمعتين ثلاث يتساقطوا بين حين واخر وهي تنقل بصرها من علي بوابه الليمان لحالها وحيده علي شط بحر مشتول عند ام حنان ، مالذي حلمت به وتحقق .... حلمت بدفء الاسرة ولم تمنحها الدنيا الا الصقيع والبلهارسيا والسرير المعدني الحقير في المستشفي الاميري وموت الاب والضيافه الجبريه في منزل عمتها ، حلمت بدفء الرجل وحضنه الحاني ولم تمنحها الدنيا الا الهم وغرفه الزياره والذباب الازرق للبوابه العاليه والصول الكريه وغياب الزوج خلف الاسوار وموت مشاعره ورحيل روحه وحيويته !!! مالذي حلمت به وتحقق .... طفل صغير يرضع حنانها مع اللبن الدافء ويعوضها اليتم فحرمها الحبيب من الطفل وترك لها اليتم صغيره وكبيرة !!! دمعتين ثلاث يتساقطوا من بين كل حين واخر ..... تمنته طبيبا فخدعها وكان ومازال مناضلا تدفع معه ثمن اختياراته الموحشه ، تمنته حبيبا عاشقا فكذب عليها وتزوجها بلا مشاعر وحين تشاجرت معه عرض عليها يطلقها بسهوله وبساطه ، تمنته سندا فحمل عليها عبئه وهوحر وهو سجين ......... ياغلبك يامهجه !!! وانفجرت في البكاء وشريط حياتها يمر امام عينيها بوجعه لقطه لقطه كقطرات السم تسري في عروقها قطره قطره !!! تراقبها ام حنان وتدعو لها ..... ربنا يهون عليكي ويفك ضيقتك يابنتي !!!!
( 19 )
منذ ترك الطب وتفرغ للسياسه وهو متعب ، يقضي نهارياته الطويله خارج المنزل ويعود لها متعبا اشعث الشعر كانه كان يحمل عربيات الرمل في المحاجر ، ملابسه متسخه كأنه طفل صغير يلعب في الطين ، يقبلها يتعشي ينام مرهقا ، وصمت طويل لا ينتهي يحاصرهما ، لايقص عليها ايامه ولا يعرف عنها اخبارها ، لو حكي لها مالذي يفعله لن تفهم ، لو سمع منها مالذي تفعله ستكسر راسه المحطمه اساس لشظايا صغيرة بسبب الزملاء ومناقشاتهم الطويلة .... صمت طويل لا ينتهي !!!
عامين منذ تخرجه وهو يدور في ساقيه وهي تجر ساقيته كالتور الاعمي ، حياتها دوائر دوائر مثل الدوائر التي ترسمها حملات الحمام علي وجه السماء ساحه الغروب ، لاخطوه واحده للامام ، لم يمنحها طفله لان الايام معقده والحياه صعبه ، لم تمنحها اسرته اعترافا يربأ الصدوع في روحها وقتما تجاهلوها واهانوها ، مشاعره فترت وسط الزحمه والارهاق والانشغال الجنوني ....
عامين عاشتها علي حافه الهاوية ، في البدايه كانت تبكي لان مستقبل الدكتور ضاع ، ثم جفت دموعها واستبدت بها المخاوف ، تخاف عليه من الاوراق الخطيره والبوليس والمظاهرات والاصدقاء الغرباء ممن يصرخون ويدخنون ويتسللوا لمنزلها داخلين وخارجين ، وسرعان ماتجاوزت المخاوف واعتادت عليها وفقدت حماسها للحياة !!!
سالته ذات ليلة وسط النوم الذي يسرق بقايا وعيه منها ، واخرتها ، فتح نصف عينه المغلقه ، مافيش اخرتها هي دي حياتي !!! سالته وحياتي انا ، اعطاها ظهره ونام ، حياتك انت بقي تتصرفي فيه مش انا ، اخذت تحدق في ظهره ، تسترجع كلماته الموجعه الصريحه ، نعم حياتي اتصرف فيها ، كل واحد منا له حياته ، هكذا قالت لنفسها ، لم تعد حياتنا واحده ، بل حياتنا اثنين !!!!
احتارت ، لم تفكر ابدا في حياتها ، مالذي تفعله فيها ، عاشت في بيت عمتها يتيمه بلا اب بلا ام ، عينيها مكسورة طيله الوقت ،لاتطلب شيئا ، تخاف تاكل كثيرا ليسبها زوج عمتها لانها " بتاكل اكل عياله " ، تخاف تنظر لفساتين العيد الجديده التي تشتريها عمتها لبناتها وتصمت كان كل مايحدث امامها لايخصها ، لاتشعر بالعيد ولا فرحته فلماذا تنتظر فستانا جديدا ، عاشت اياما طويله تذاكر ، لاتعرف لماذا تذاكر ، لكنها تذاكر لانها لازم تذاكر مثلما قالت عمتها ، وقتما حصلت علي الاعداديه صممت عمتها تخش مدرسه التجاره ، شرحت لها ، الثانوي العام سكته طويله وبعده الجامعه واحنا ايدينا قصيرة ، لم تناقشها ، تكره التجاره لكنها ستدخل مدرستها ، عندما تخرجت من المدرسه واختارت لها عمتها محل الملابس الرخيصه لتعمل فيه ، لم تعترض ، سافرت كل يوم من قريتهم للزقازيق ، لم تستمتع بدفء الفراش في النهاريات البارده ، وكيف تفعل والمحل ينتظرها وفي نهايه الشهر تسلم عمتها راتبها الضئيل وتكتفي بالبقشيش تشتري به لنفسها اي شيء بسيط نفسها فيه ، نعم ، لم تحلم ابدا بشيء كبير ، كل احلامها بسيطه صغيره تقوي علي شراءها من نقود البقشيش ، تسلم عمتها الراتب تشتري منه لزوجها الدخان والحشيش ، تحنن قلبه عليها ، حياتك تتصرفي فيها ، كلماته تدوي في اذنها ، لم تفكر ابدا في حياتها ، عاشت عند عمتها قدر ماعاشت ايام لاتعرف عددها لاتفكر ، سارت في الطريق المرسوم مثل حمار عمتها الذي يذهب للغيط ويعود ، وحين احبت فارس لم تفكر في حياتها بل فكرت في حياته هو ، سيكون ويكون ويكون وهي ستكون بجواره !!! لكن فارس لم يكن اي شيء مما حلمت له به ... حلم لنفسه ويعيش احلامه !!!! وهي .... هي مشكلتها هي وليست مشكله ، احلامه تتسع لها لو ارادت ، و" لو مش عاجبك نتطلق " ببساطه حسم لها الامر ، اما تدخلي احلامي وتعيشيها واما " نتطلق " ببساطه وسهولة !!!
اين احلامك يامهجة !!!! سؤال حيرها طويلا لم تجد اجابه له !!! لم تتعلم في حياتها المعقده تفكر في نفسها واحلامها !!! واخرتها يافارس ؟؟؟ تحدق فيه نائما ، مرهقا ، صوت شخيره عالي ، والصمت يحتل منزلها والخواء يحلتها تائهه ضائعه لاتعرف ماهي احلامها وكيف تتصرف في حياتها .... واخرتها يامهجه !!! نعم .... فحياتها بيدها هي .... واخرتها يامهجة !!!! ومازال المناضل السياسي نائم مرهق من النضال ومأمورياته الصعبه ومازالت تجلس في الظلام تحدق في ذراته السوداء ، حزينه خائفه ، تسال نفسها بصوت هامس ، واخرتها يامهجة ؟؟؟؟
( 20 )
انت مش طبيعي !!! لاحظت عليه انه لايخرج مثلما كان يخرج ، لايتاخر مثلما كان يتاخر ، لاحظت ان اصدقائه الغرباء توقفوا عن زيارته ، لاحظت انه ينام كثيرا ... انت مش طبيعي !!!! ابتسم ابتسامه متعبه مرهقه ، انا حاشتغل في مستشفي الجامعه ، ماما جابت لي واسطه وحيعينوني هناك !!! لاتعرف كيف احست ، زغرطت ، لكنها زغروطه بلا فرحة ... الدكتور حيرجع دكتور !!! لماذا لاتشعر بالسعاده والفرحه ، لماذا هو لايشعر بالسعاده والفرحه ، الف مبروك ، لكن المباركه وقفت علي طرف لسانها ، هو انت مش مبسوط !!!! هل قال لها وقتها كلام كثير لم تفهمه ، نعم لم تفهمه لكنها تاكدت انه مش مبسوط ، حكي لها عن هزيمه الاحلام وهزيمه الروح ، قص عليها الصعوبات التي عاشها وسط اناس لايشعر بجديتهم ، يستغلوني ، لم تفهم ، خطهم مش واضح ، لم تفهم ، سالته ، ليه كتبوا ايه وماعرفتش تقراه ، انفجر في الضحك حتي سالت دموعه ، مافيش فايده ، هل سمعته يقول فلاحه جاهله ؟؟؟ كانها قالها ثم ابتلعها ، مافيش فايده ، انا باكلم نفسي !! لاتفهم سر هذا الغضب ، تتكلم معه وبمنتهي الاخلاص لكنه يكرر باسي ، انا باكلم نفسي !!!!
توسطت له امه بنت العائله الاقطاعيه ليعمل في مستشفي الجامعه وكأن شيء لم يكن !!! اشاعت الخبر فرحه ، لم تفهم عمتها سر سعادتها ، يابت ماهو دكتور ، لاتشرح لها ، وكيف تشرح لها مالا تفهمه ، ايوه ياعمة كان دكتور بس ، مابسش ، لن تشرح لها اي شيء ، هو دكتور هو دكتور ، تكرر علي مسامعها ما قالته عمتها ، لكنها ليست سعيدة ، وهو ايضا ليس سعيد ، تمني لو بقي يحلق في احلامه مناضل سياسي متفرغ لتغيير الدنيا ، لكن ، خطهم غير واضح ، فلم يفهم ماكتبوه وعاد للطب والمستشفي مهزوما مكسورا !!!
والنبي تقولي مزعل نفسك ليه ، تجلس بجواره علي السرير ، تلتصق به ، تعرض نفسها عليه وهو العازف عنها مثلما عزف عن الحياه كلها ، مزعل نفسك ليه ووشك مخطوف ، ينظر لها نظره تفهمها جيدا ، مهما ااقول مش حتفهمي حاجه ، بيأس همس ، مش انت مبسوطة !! التصقت به اكثر وهمست ، خالص ربنا يفرح قلبك ، ابتعد عنها ، خلاص المهم انبساطك !!! ماله يكلمها بتلك الطريقه السمجه ، ماله يبتعد عنها ، ماله غاضب وحزين ، حضنته ، كانها احتضنت عمودا خشبيا من تكعيبه العنب في منزل عمتها ، والنبي بس تنورني وتقولي زعلان ليه ، ابعد ذراعيها ، توتر جسده ، جلس علي السرير ، عروق رقبته نافره كانها تري الدماء تجري فيها بصعوبه ، زعلان لاني اتخليت عن احلامي علشانك !! خبطت علي صدرها ، علشاني ، ادركت كذبه ، علشاني انا ، هز راسه يائسا ، اه ، مش انت اللي عايزاني اكون دكتور ، اديني حابقي دكتور علشان اريحك !!! نظرت له نظره غاضبه وتركته وخرجت من الحجره !!!
بقي هو كده يافارس ، فطنت لحالته ، يكذب علي نفسه وعليها ، ترك احلامه لان " خطهم مش واضح " لكنه قرر بمنتهي البرود " يرمي جتته عليها " تركت احلامي لاجلك !!! انت بتكذب يافارس ، انت عمرك مافكرت في ، انت طول الوقت بتفكر في نفسك لوحدك ، احلامك لوحدك وحياتك لوحدك و " لو مش عاجبك نتطلق " ، جاي النهارده تقولي علشانك !!! يكذب علي نفسه ليرحمها من اللوم ويلقي علي راسها كل اللوم والغضب ، يكره حياته ونفسه ، حزين مهزوم ، كل هذا " علشانك !!!" اخص عليك يافارس ماكنتش اعرف انك بتكرهني كده !!!!
منذ ذلك اليوم ، الذي قرر فارس يحملها مسئوليه تخليه عن احلامه وهزيمته ، وهي تعرف ان الحياه بينهما مؤقته مهما طالت ، هو يكرهها مهما ادعي غير هذا ، يكرهها حتي لو احتضنها احضانه البارده وقبلها قبلاته الماسخه ونام معها نوما سريعا بلا نفس وبلا مزاج ، نعم ، هو يكرهها ، هي متأكده وواثقه انه يكرهها ، ربما يكرهها لانها " واطيه " مثلما يصفها اهله ، ربما لانها " فلاحه جاهله " مثلما همس ذلك اليوم يصفها هو ، ربما لانه تخلي عن احلامه " علشانها " مثلما خدع نفسه ، ليس مهما الاسباب التي يكرهها من اجلها ، لكنه يكرهها !!! حين يسيتقظ صباحا غاضب حزين يرتدي ملابسه في طريقه للمستشفي ، هو يكرهها ، حين يجلس معها ياكل بلا نفس وقت العشاء ، هو يكرهها ، حين يمزق جسدها في الفراش ولايمنحها راحه ولا حب ، هو يكرهها ..... واخرتها يافارس !!!

( 21 )

يدوي آذان العصر بصوت رخيم في السماء الساكنة ، مازالت مهجه تجلس علي شط بحر مشتول تحدق في بوابة الليمان ، ام حنان تلملم بضاعتها ، تغسل الاطباق ، تردد برتابة ، ياللي ابتليتي طولي بالك ده انت ابتليتي وبلوتك طالت ، تكلم نفسها ، تسمعها مهجه تنفجر في الضحك ، بتقولي ايه ياام حنان ، ضحكت بخجل ، مابقولش حاجه باصبر نفسي علي اللي انا فيه ، هزت مهجه راسها ، علي رايك ماهو لازم كل واحد يصبر نفسه علي اللي هو فيه ... سالتها ، اجيبك لك شاي تاني ، هزت راسها ، اصل البيت فاضي وانا قاعده لوحدي ومش عايزه اروح ، وضعت ام حنان الشاي امامها ، وتروحي ليه ، انا لسه قاعده ، مابمشيش قبل المغرب ، وساعات ااقعد للعشا ، خليكي مطرحك ، شويه والسمس تنكسر والحمام يطير في السما والدنيا تبقي غير الدنيا ، حدقت مهجه في بوابه الليمان باسي ، ماهي هيه هيه الدنيا ياام حنان ، هزت راسها لاتوافقها ، ابدا استني بس لما الحمام يسيب الغيه ويطير ، واش بقي لما حمامه تحط علي كتفك ، تلاقي الدنيا مابقيتش هيه ، ثم ضحكت ضحكات عاليه ، انا باصبر روحي واقول لنفسي كده طول الوقت ، ماتطاوعيش روحك علي الغم ، زحيه علي قد ماتقدري ، صحيح حايرجع لكن اهو شويه نضحك علي روحنا وعلي الدنيا ...انشغلت ام حنان بغسيل الاطباق وتنضيف الترابيزات ، بقيت مهجة مكانها تحدق في البوابة ....
سالتها عمتها ، بت مافيش حاجه كده ولا كده تفرحيني ، هزت راسها نفيا ، همست ، هو ايه مش قايم معاكي بواجباته ، ارتبكت ، قايم ياعمتي بس انا مش عايزه عيال ، خطبت العمه علي صدرها ، ليه يامايلة ، هي المرة تبقي مرة الا لما تحبل وترضع ، مش عايزة ، اشاحت بيدها لايعجبها الكلام ، اهله مقاطعينه وشغله علي كف عفريت والهم مش ناقصه هم .. امسكتها عمتها من ذراعها ، مخبيه علي ايه ، ضحكت ، ماعنديش حاجه اخبيها ، نصيبي وباشوفه ، طب هاتي حته عيل يخلي لحياتك معني ، مالهاش معني ياعمتي ولاحيكون ليها ، همست لروحها وصمتت !!!
منذ عمل في مستشفي الجامعه وحياته غريبه ، قرر ياخذ نبطشيه الليل ، طيله النهار نائم في المنزل لايفعل شيئا ، سيجاره من سيجاره ، لايترك السرير الا بعد العصر ، حياته مقلوبة وحياتها ايضا ، يفتح الشباك وقت الغروب ويحدق في الحمام الطائر ويحسده ، حر ، توافقه وهي تحسد الحمام ايضا ، مبسوط ، يوافقها ، حر ، تضحك ومبسوط ، لايسمعا بعضهما ولا يردا علي بعضهما ... يفقد الوزن والرغبه في الحياه ، ياكل بلا نفس ولايحلق ذقنه الا مجبرا ، يعيش معها ببنطلون البيجاما ، يتحمم بسرعه قبل النزول للعمل ، لايبتسم في وجهها ، سالته مائه مره ، مالك ، واجابها مائه مره ، مافيش ، وصمتت وصمتت اكثر واكثر ...
حين يغادر المنزل تتنفس براحه ، وجوده حاصر وجودها ، عندما عاتبته علي وجوده الدائم في البيت نهرها ، اخرج مش عاجب ااقعد مش عاجب ، يفهمها ويتجاهل مشاعرها ، انت موجود ومش موجود ، يضحك ، كمان بقيتي فليسوفه ، مالها تسمعه يهمس في سره وانت الفلاحه الجاهلة ...
ذات مرة عاد الفجر وجدها تنتظره في الفراش مبتسمه صبوحه جميله ، جسدها دافء من حمام اجلته كثيرا حتي اقترب وقت عودته ، دعته صراحة لحضنها ، تعالي علشان واحشني ، يتمني ينام مرهقا من مرضي الطواريء ، تخلع عنه ملابسه وتسحبه للحمام ، تحممه وهي تغني ، تدخل تحت الدش معه بملابسها ، تحتضنه فيحتضنها و............. في الفراش تشعل لها سيجاره وتساله ، انبسطت ، يهز راسه ، طبعا ، طيب ليه مش بتحاول تبسط نفسك !!! ذكرته بغباء بكل احزانه بكل همومه بكل اوجاعه ، علشان ماعدتش باعرف انبسط ، قام من الفراش متوتر ، ايديك مني والارض ، هو حائر تائه معلق بين السماء والارض ، كيف يشعر بالسعاده في حضنها وهو حزين في كل لحظه اخري في حياته ، اسئله كثيره يسالها لنفسه طيله الوقت، انا مين ، تمرد علي اسرته الاقطاعيه فقاطعته واصبح مثل اللقطاء بلا اسره بلا اصل ... ترك الطب وتفرغ للعمل السياسي وعندما عاد للطب في مستشفي الجامعه اكتشف انه نسي الطب وعلومه مطالب بالمذاكره والبحث لكن نفسه مقطوع لايرغب في بذل جهد جديد فحاصر نفسه في خانه طبيب الطواريء لايعالج المرضي ولايفعل شيئا له قيمة ... تزوج فتاه لاتناسبه جاهله لاتفهم مشاكله ولا همومه لاتفكر الا في الطبيخ والغسيل والعيال والحب بينهما فجوه واسعه فشلا في تجاوزها فبقيا كل في مكانه متربصا بالاخر يتمناه يتقدم صوبه لكن احد لا يتقدم ، تفرغ للسياسه ومنحها كل روحه ليغير الحياه من اجل الفقراء وسرعان ماادرك ان الحياه لن تتغير وانه يضيع بين الاجتماعات العقيمه والمناقشات الفارغه والخطر المستمر فترك السياسه مهزوما وضاع اكثر واكثر .... ايديك مني والارض يامهجه .... انفجرت في البكاء ، مافيش فايده مافيش فايده !!!! واخرتها يافارس ؟؟
اختلجت عضلات وجهها وكادت تبكي ، تنظر لسنوات عمرها وتتعجب !!! كل هذا الهم اختارها من دون الحريم و"لبد" في " حجرها " ماشافتش من الدنيا غيرها غدرها ومرها ، والراجل اللي حبته وتصورت احلامها حتتحقق معاه ، طلع بيحلم وحده ومالهاش مكان وسط احلامه والطب طار والحب طار والحلم طار وفضل مرارة بتولد مرارة كل لحظه في عمرها واحلام تغير الدنيا ودنيتها ما تتغيرش ، فاقت علي "يتم" كسر وسطها ولما شدت "ضهرها" جالها فارس يكمل علي بقيه الاحلام ويزود همها !!!! واخرتها يامهجة !!!

( 22 )

خلف القضبان يجلس متكئا علي ذراعيه ، يتابع مرافعه المحامي الكبير الذي وكلته الام لانقاذ ابنها من السجن والمصير الاسود ، تتابع مرافعه المحامي ولا تفهم نصف مايقوله ، خلف القضبان يجلس وسط بقيه المتهمين وكأنه متفائل ، اسرته تجلس بعيدا عنها ، صالحته ولم تصالحها ، دفعت نقودا كثيرة للمحامي لينقذ الابن من اختياراته " المهببة " لكن النقود الكثيره وسمعه المحامي المشهور لم تفلح الا في منح الابن الغالي فقط خمسه سنوات سجن !!!
لطمت مهجه ومزقت شعرها حزنا ، حتسيبني لمين يافارس ، امتعض من نواحها وايضا امه التي رمقتها بنظره متعاليه غريبه ، نظرت لها باشمئزاز ثم نظرت لفارس المصدوم في القفص تلومه ، شايف الواطيه اللي انت جبتها بتعمل ايه وتقول ايه ، لم تكترث مهجه بنظرات الاحتقار التي حاصرتها ، تلطم وتصوت ، حتسيبني لمين يافارس ، تشاركها عمتها الصراخ بالصوت الحياني ، كان بدري عليك ياضنايا ، خرجت الاسرة الاقطاعيه مسرعه من المحكمه بعدما حكم المستشار علي الشباب الحالمين بتغيير الدنيا بالسجن سنوات خمس عقابا لهم علي حيازه الاوراق الخطيره التي اسمتها النيابه منشورات !!!! وبدأ فصل اسود جديد في حياة مهجة !!!!
طبطبت عليها ام حنان ، فارتعدت ، يابنتي قعادك طول و والهم مالوش اخر ، طلبت فنجان قهوه ، حاشربه واقوم ، ماانا قلت لك البيت فاضي وقعدتي لوحدي بتطول ، طبطبت عليها ام حنان مره ثانية ، صعبان علي حالك لكن ماباليد حيلة ، ابتسمت بصعوبة ، تعيشي ، ومازالت تحدق في بوابة الليمان ... واسراب الحمام تحلق فوق راسها تضرب السحاب باجنحتها وترسم دوائر وبهجه في السماء التي انكسرت فيها الشمس واوشكت علي المغيب !!!!
سنوات ثلاث وزوجها يرتدي البذله الزرقاء الكالحه ، تأتيه مره كل شهر زياره خاصه ، رفض زيارات السلك ، لن يراها من خلف السلك ، هي زياره مهينه وهو لن يقبل الاهانه ، شكرته لانه انقذها من تلك الزيارات الكئيبة ، تأتيه مره كل شهر زيارة خاصه ، منذ الزياره الاولي ايقنت انها فقدته للابد ، الرجل الذي دخل السجن بقايا زوجها ، يشبهه لكن لايشبهه ، روحه وأدت خلف القضبان ووراء الاسوار وفي فناء السجن ، رجل بلا روح من تزوره من تراه من تقابله كل شهر ، الايام مرت عليها طويلة صعبه ، زوجه بلا زوج وحبيبه فقدت حبيبها وانثي بلا رجل وهم لاينتهي تنام علي كوابيسه وتستيقظ علي شجونه ، منزلها خالي بارد وروحها اسيرة العنبر الذي يحتجز فيها الرجل الذي كانت تحبه !!!
افاقت مهجه ، نعم فارس رجل كانت تحبه ، لم تعد تحبه ، هو ايضا لم يعد يحبها ، سنوات سبع من حياتها ضاعت وراء سراب الحب الذي بدده الواقع والحقيقه والمظاهرات والاوراق الخطيرة ، سنوات سبع تحاول تحيي فيه جذوة الحب التي ادعي يوم تزوجها انها تشتعل في نفسه ، لكنه كان كاذب .... لم يحبها !!! هي ايضا كاذبه ، نعم كانت تحبه ، لكنها ومنذ سنوات بعيده ووقتما ضاعت الاحلام كفت عن حبه لكنها اجبن من مصارحته ومصارحه نفسها ، هي كاذبه قضت معه سنوات تخدعه وتستجلب من اعماقها مشاعر توهمه بوجودها وتصدق وجودها والان .......... هي تدرك جيدا انه كفت عن حبه ومابينهما مات !!!! ومازالت اسراب الحمام تحلق في السماء ترسم دوائر وبهجه في السماء بعدما غابت الشمس وتركت بقايا برتقاليتها مشتعله في السحب والافق والحياة !!!!



كل الالم فيّا ولا قادر اتألم
وبتصعبي عليا ومش بقدر اتكلم
انا نفسي بس افهم كل البلاوي ديا ازاي
مابعّدوكيش؟

( 23 )

خرج من البوابة الكبيرة ، تنتظره في سيارة تاكس ، لكن امه وابيه ينتظراه في سيارتهما الخاصه الفارهه ، لم يفكر ، اقترب منها وافصح عن اختياراته الاخيرة ، روحي وحاحصلك ، تنفست الصعداء ، خافت يركب معها ويترك اسرته ، هي تعرف جيدا مالذي ستقوله له ، لكنها لاتعرف مالذي سيقوله لها ، ربما يستمر في كذبه علي نفسه وعليها ويتمسك بزواجهما ، سنوات خمس تنتظر تلك اللحظة ، لحظه المواجهه ، لحظه الحقيقه .... لكنه سهل عليها الامر ، صرفها بالتاكس وركب مع اسرته ، همست ، حمد الله علي السلامه يافارس ، يعود من رحلته الصعبه لمحطته الاولي ، ستعود هي الاخري لمحطتها ، ستعود لمنزل عمتها ، ستبحث عن عمل ، هو افرج عنه من سجنه وهي ستكسر قضبانها وتتحرر ، لن اكذب مره اخري يافارس .... مابيننا مات وحلمنا حلمين ، كل منا يحلم لنفسه وكفانا كذب ونفاق وكفانا مافات !!!

( 24 )
تقف في الشباك تتابع اسراب الحمام مبتسمة ..
تراه يدخل المنزل .. تتسع ابتسامتها ..
تفتح له الباب ولا تقترب منه ولا يقترب منه ، مرتبك متوتر ، هادئه مرتاحه مبتسمه ابتسامه واسعه ..
علي الباب وقبلما يدخل تهمس بحسم ، انا عايزه اتطلق يافارس !!!
علي الباب وقبلما يدخل ، يقبل يدها ويشكرها علي كل ماقدمته له وتلمع عيناه من الفرحه وكانه خرج من السجن !!!!


* هشام الجخ ..
نهايه الجزء الثاني والاخير ....