مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

اما ليلة ياسلام !!!!






الحوش هناك اوسع والدنيا برحة والفسحه كبيرة ونورة !!!
لم تفهم السيدة ما تقصده خادمتها ، كانت تدعوها لحضور حفل زفاف ابنتها الوحيدة ، اوضحت لها ان الفرح سيكون في منزل امها ، واضافت الجمله التي لم تفهمها السيدة !!!لاحظت الخادمه بذكاءها الفطري النظرات الغائمه في عين السيدة تفصح عن فهم لم يصل لعقلها ، كررت الجمله ، الحوش هناك اوسع ، ابتسم السيدة ببلاهه الجهل واكدت عليها انها ستحضر الفرح ولن تتاخر عن الزفة ...

تصورت السيدة ان الخادمه تعيش في منزل بحوش كبير مثل الحوش الخلفي لمنزل عمتها في البلده الريفيه البعيده التي لم تزرها منذ زمن طويل ، كل ماتتذكره عن بيت عمتها الحوش الخلفي الواسع الذي كان يتيح لها وابناء عمومتها ممارسه كل الالعاب التي يحبوها ، وحين قالت الخادمه ماقالته ، تعجبت السيدة لانها تصورت ان الخادمه التي تدعي فقرا طيله الوقت ، قد وقعت بلسانها واعترفت انها وامها ميسوري الحال وان الحوش في بيت امها اوسع من الحوش في بيتها ، احست السيده بالغيظ ، احست انها ضحيه الخادمه الكاذبه التي اعتادت ادعاء الفقر وهاهي اعترف دون تدري في غمرة حماسها لفرح ابنتها بانها ليست تلك الفقيرة كما تدعي ، فالفقيرات لا يعشن في بيوت باحواش واسعه او ضيقه ... كادت تقرر السيدة الا تذهب للفرح ، لكنها خافت ان تغضب الخادمه وهي لا تتحمل غضبها ، ان غضبت لن تاتي لعملها في مواعيدها وستضطر السيده للاستيقاظ مبكرا لتوقظ اطفالها ليذهبن للمدرسه وهي تكره الاستيقاظ المبكر وتكره ايضا غسيل الاطباق ولاتفهم في الطريقه اللولبية التي تستخدمها الخادمه التخينه لمسح الارض حين تنقسم نصفين وتتحرك بجسدها وذراعيها وجذعها لغسل الارض الرخاميه وشطفها ... لعنت السيدة الخادمة الكاذبه وقررت تذهب للفرح وتحمل زجاجات الشربات وعلب الشوكولاته وتجلس ربع ساعه وتعود ، هي ستذهب فقط لمجامله الخادمه ومنح العروسه المبلغ المالي الذي تطمع فيه الام نقطه لابنتها العروس لكنها لن تصفح لها ابدا كذبها حين ادعت فقرا ليس حقيقي !!!


قبل ميعاد الزفه بساعه ركبت السيدة سيارتها ولم تنطق ، السائق العجوز يعرف انها ذاهبه للفرح ، وقد اشتري لها زجاجات الشربات وعلب الشوكولاته الرديئة التي طلبتها ، سخرت منه السيدة حين سالها عن المحل الذي سيشتري منه الشوكولاته ، سخرت منه ونهرته لانه لا يشغل عقله الخرب فهذه الخادمه الكاذبه ، لم تقل له انها كاذبه لكنها هكذا احست ، لا تفهم في انواع الشوكولاته والسيدة واثقه ان الشوكولاته الرديئة التي تأنف تدخلها منزلها ستسعد الخادمه سعاده بالغه !!! اغمضت عينيها وتمنت السيدة لو لم تعد الخادمه بالذهاب للفرح ، فالحلقه الاخيره من المسلسل الاجنبي الذي تتابعه منذ فتره طويله ستأتي اثناء وجودها في الفرح وكانت تتمني لو جلست امامها تكسر الثلج الذائب بين اسنانها وهي تشرب عصيرها المفضل بدلا من الذهاب للفرح الذي حيرها ، بالطبع لن ترتدي اي من فساتينها السواريه الانيقة وعليها تخلع مجوهراتها وعليها ترتدي حذاء رخيص لايفسده التراب الذي سيلتصق بنعله وقت تسير في الازقه الترابية حتي بيت الخادمه ، ضحكت السيدة ، احست انها ذاهبه للفرح في جلد اخري ليست هي ، لم ترتدي كل مجوهراتها التي ورثتها من امها لتتباهي علي بقيه السيدات ، لم تشتري حذاء حريريا جديدا ، لم تخرج معطفها الفرو من ثلاجته قبل الفرح ليدفئها ، لم ترتدي ثوبا انيقا طويل الذيل ، لم تذهب لمصفف شعرها ليزين راسها بالماسات البراقة والورود الصغيرة ، كانها ليست ذاهبه لفرح !!!


مازال السائق العجوزينهب الارض نهبا للوصول للفرح وسط الشوارع المزدحمه قبل بدء الزفة ، لاتعرف اين سياخذها ولماذا تعرف ، هي ستذهب لبيت الخادمة الكاذبة وتقضي في الفرح ربع ساعه وتعود لمنزلها ، تتصل بصديقاتها لمعرفه مالذي حدث في المسلسل الاخير الذي تحبه ، المسافه طويلة والشوارع مزدحمه ، سالته عن مبرر فتحه للتكييف والجو يميل اساسا للبروده ، فهمس خجلا انها لن تتحمل الرائحه المنتشرة في الجو ، كادت تساله احنا راحيين فين لكنها لم تفعل ، اغمضت عيناها وهامت مع الموسيقي الخفيفه التي تنبعث هادئه من الاسطوانه التي شغلها السائق ، هي تحب الموسيقي الخفيفه وهو يعرف ذلك و.................... انتبهت علي ان السيارة وقفت وبقي السائق صامتا !!

فتحت عيناها ، لاتعرف اين هي ، المكان مظلم ، شوراع غريبة .... احنا فين ... تتلفت برقبتها ، تري انوارا ولمبات كهربائيه ملونه ، تسمع صخب وزغاريد بعيدة ، مازالت بعيدة ، احنا فين ، مازال السائق صامتا ، انزل ؟؟ سالته بتوجس ماوقفتش قدام البيت علي طول ليه ، لم يرد عليها ، اه تلاقي الشارع صغير ، ماعلينا ، كادت تفتح الباب لكن السائق قفز مسرعا و نزل من السياره وفتح الباب ، نزلت وعيناها متعبه من النور الخافت ، شارع طويل علي جانبيه بوابات عالية ، هذه ليست عمارات وليست بيوت ريفيه كبيت عمتها ، شارع طويل صامت عدا الصخب البعيد للفرح ، تلفت حولها ، لاتري الا بوابات عاليه حديدية مغلقه باحكام ، بعضها يلتفت حوله سلاسل حديديه تغلقه ، وقفت مكانها جامده لاتتحرك ، سالت السائق بوجل ، احنا فين يااسطي رزق ، همس في باب الغفير ، لم تفهم ، ايوه يعني فين ، في باب الغفير سعادتك ، فين ؟؟؟؟؟؟؟ تعرف هي هذا الاسم ، تعرفه ، سمعته من قبل ، شهقت ، شرح لها ، احنا في الطورب سعادتك ، ايه ، ايوة سعادتك ماهي ام سعاده عايشه هنا ، هنا في الطورب ، ايوه سعادتك !!! وقفت مكانها لاتتحرك ، هي الان بين المقابر ، وتلك البوابات العالية تحتجز خلفها شواهد القبور وجثث الموتي !!!

اتفضلي ياست هانم ... تحرك رزق خطوتين لكنها تحدق في الشارع لاتصدق ، شارع مظلم لان قاطنيه لايحتاجون الكهرباء ، هم خارج الحياه في عالم اخر لايحتاج الاسلاك واللمبات وعواميد النور ، الشارع حولها صامت صمت مخيف ، همست لنفسها الموتي لايتكلموا ، شارع ينتمي للموت ، بلا منازل بلا بائعين بلا محلات ، خيالات المارة القليلة في الشارع تنعكس تحت اعمده الاضاءه الشاحبه علي الاسفلت وكانها اشباحا فرت من اسرها وخرجت للشارع ، تسارعت دقات قلبها ، اتفضلي ياست هانم ماتخافيش ، سار رزق وسارت خلفه كالمنومه ، يحيي رزق الارواح سكان المنطقه ، السلام عليكم ، انتم السابقون ونحن اللاحقون ، تسمع يتمتم بالشهادتين ، ترتبك ، مشهد غريب ، يحمل صندوق الشربات وعلب الشوكولاته وهي خلفه تتجه للفرح يحيط بهم الاموات من كل جانب خرسي لاينطقون ، تسمع وقع خطواتها علي الشارع كانها قرع مدوي ، تكاد تسير علي اطراف اصابعها ، تحس وقع خطواتها دقات طبول ستوقظ الموتي فيخرجوا عليها غاضبين لانهم لم تحترم سكون ووقار رقادهم الطويل ، يزداد توترها وكانها تري ملامحهم تحت الاكفان الشاحبه غاضبين لانها تجرأت في ذلك الوقت من الليل واقتحمت ديارهم تحمل زجاجات شربات وعلب شوكولاته ، تمنت لو تعود ، لكن رزق يسير عاديا يتمتم بالتحيه للراقدين والشهادتين وتتخيل كانه يتمايل علي نغمات الموسيقي التي تقترب ...

يدخل رزق زقاق ضيق بين المباني والبوابات ، تلمح بطرف عينها شواهد القبور تجثم فوق صدرها خلف الاسوار الحديدية العالية ، تلمح اعمدة الشواهد وسط الليل تتمايل عليها الخيالات وترتبك ، تسير خلف رزق الذي ينحرف يمينا يسارا يمينا فتقترب اصوات الموسيقي وتصيرالزغاريد اكثر صخبا ، اختفي الاسفلت من تحت قدميها التي تنغرز في اكوام تراب هش كانها تخفي فجوات تحتها ، تسير نشوي مرتبكة متوترة فوق التراب ليتناثر في الهواء تحت وقع خطواتها يخنق انفاسها ويحيطها ورزق بهالات ضبابية تزيد المكان وحشه وقبح ورعب ، تحس نفسها ستختنق ، ذرات التراب تسكن قصبتها الهوائية وتردم انفها وتغلق عيناها ، تسعل مرات متتالية متلاحقة ، نعم ستموت مختنقه وسط الاموات وهو موت لن يكترث به احد من المتواجدين في المكان وقاطنيه الاحياء والاموات ، هنا في هذا المكان وسط الموتي سيكون موتها حدثا عاديا لاقيمه له ، تختنق اكثر ، يقشعر بدنها فذرات التراب التي تردم انفها وفمها وتحتل جوفها ليست الا بقايا الاموات التي مر علي موتهم سنوات طوال وقبعوا تحت الارض التي تسير عليها دهورا وقرونا فتحللت جثثهم وسحقت عظامهم وتحولت لتراب يسير عليه الاحياء وهي من ضمنهم بكل غلظه وقسوة ، احست انها تسير فوق وجه جدتها وكف ابيها وذراع امها ولحم رضيعها الذي مات بعدما ولدته بيومين فدفنوه مع ابيها لينير قبره ، انهمرت دموعها ، تتمني ترجع ، ستنادي رزق ليعود بها لمنزلها ، تتحمم وتنزع بقايا الموتي من علي جسدها ، تحاول تناديه لكن صوتها يتحشرج ولا يخرج ، كان احدهم مزق احبالها الصوتية ، كانها نسيت الكلام ، تصرخ تناديه لكن الموتي يكتمون انفاسها ويغلقون فمها ، تسمعهم يؤنبوها لانها ستزعجهم وتمزق سكينه مدينتهم ، ومن انت لتأتي وسط الليل تزعجينا متباهيه بحياتك التافهه التي ستنتهي سريعا ، ومن انت لتأتي وتصرخي بصوت الحاد تمزقي السكينه التي تلفنا وتهدمي الصمت الذي يحتوينا ، عجبا ، لا يغضبون من الزغاريد وموسيقي الفرح ، لكن صوتها الذي لايخرج هو الذي يزعجهم فيخرسوها عامدين ويتوعدها حين تسكن معهم بالصخب المزعج الذي لن تتحمله وقتها !!!!!!!!!

صوت الموسيقي يتعالي وصخب الزغاريد تتعالي ، تلمح اشباحا بعيده ، مناضد وكراسي ودخان يحتل السماء مع ذرات تراب الموتي ، تلمح اشباحا ، اشباحا كانها نساء تتراقص فوق المسرح ، اشباح كانها رجال تجلس علي المناضد تدخن الشيشه وتنفث اعاصير لولبية تتصاعد للمساء من دخان له رائحه خاصه جدا ، تقف مكانها ، لاتصدق ماتراه امام عينها ، فوق مدينه الموتي وشواهد قبورهم تقيم ام سعاده الخادمه فرحا لابنتها سعاده واول فرحتها ، هذا الصخب والضجيج والزغاريد وكل هذه الموسيقي العالية تمزق صمت القبور وتهين قاطنيها وتزعج رقادهم الطويل ، تلمح شبحا تعرفه ، تقترب ام سعاده وتحتضنها بقوه ، فرحه بحضورها ، وخلفها شقيقاتها وامها وبناتها ، المطرب علي المسرح يوقف الموسيقي ويحيي الست ام كريم اللي شرفتنا ونورتنا وكبرتنا بخطوتها العزيزة ، لاتفهم ، تلمح رزق بطرف عينها يتمايل علي الموسيقي ، تسحبها ام سعاده صوب الكوشة ، تجلس سعاده بفستانها الابيض سعيده فرحه ملونه الوجه شعرها الذي عاشت تخبئه تحت الحجاب ينتناثر علي كتفها مزين بماسات ولالئ مزيفه ، تسلم علي العروسه والعريس ويزداد الصخب وترتفع الزغاريد عاليه تحسها كانها تشق السماء بوقا يحيي الموتي ، تتمني تجري من ذلك الصخب وكان فرارها اعتذارا شخصيا منها لكل الراقدين في سلام تحت قدميها واقدام المدعويين في تلك الليله الغريبة ، لكن ام سعاده تجلسها علي كرسي قريب من الكوشة ، السماعات عالية بشكل مخيف ، كل حرف من فم المطرب يتحول لاعصار هستيري ، تحس جسدها يرتج والكهرباء تسري في بدنها ومازال غضب الموتي من الصخب يرعبها وتتمني تخرج من ذلك المكان وبسرعه ...

تجلس بجوارها ام سعاده في منتهي الفرح والامتنان ، تتوالي جارتها وقريباتها وقريبات العريس يسلمن علي ام كريم ، نعم هي ام كريم ، ليست مدام نشوي ولا حرم سعاده اللوا ، هي ام كريم تجلس بجوار ام سعاده وبقيه الامهات ، تضحك والدموع المعلقه في عينيها ، تتصور نفسها ترتدي جلبابها مزركش بالترتر مثل ام سعاده وشبشب بورده دهبي مثل ام سماح وعلي راسها شال بشرابات ملونه لامعه مثل ام ايمن ، تحس نفسها شيء شاحب وسط الزركشه والالوان الساطعه التي ترتديها النسوة وتلطخ بها وجوههن !!! ويالها من ليلة !!!

تراقب رزق جلس وسط الاشباح ، تري الدخان يتصاعد من انفه ومازالت الرائحه الغريبة تتصاعد ، رائحه جاز تتعالي في المكان ، تشعل سيجارة متوتر فالوقت بطيء بطيء لايمر ، تلمح زجاجات البيرة علي المناضد امام الرجال ، تبتسم ام سعاده وتسالها ، اجيبلك مزة ، لاتفهم ، اصلي ماعملتش عشا للرجالة قلت كفايه المزه مع البيرة والحشيش ، كادت تقفز من مكانها ، تلك الرائحه الغريبة رائحه حشيش ، هي لاتعرف رائحته لكن تلك الرائحه الغريبه اكيد رائحه الحشيش ، وهل رزق يدخن ذلك الحشيش مثل بقيه الرجال ، كيف سيقود بها لمنزلها ،سالت ام سعاده ، هو رزق بيدخن ..... فهمتها ام سعاده ، امال ايه يامدام ، لازم ياخد واجبه ، الحق هو ماكانش عايز لكن جوزي حلف عليه طلاق تلاته لازم يشد معاهم ، نظره رعب تلون حدقتيها بلون اسود قاتم ، كده مش حيعرف يسوق ، هي لاتخاف علي رزق لكنها تخاف تبقي اسيرة مدينه الموت طيله العمر اذا ماعجز عن قياده السيارة بها ، ضحكت ام سعاده ، وايش جاب لجاب ، ده حيعمل دماغ عاليه وحيبقي ميت فل ، الحشيش يامدام مابيخوفش ده بيخلي الدماغ تشعشع والبال يروق !!! وضحكت ام سعاده فاحست نشوي ان عبثيه الليلة الغريبه تكتمل ودائرة الرعب تحتجزها بداخلها اكثر واكثر !!!!

لاتصدق نشوي مايحدث حولها .... وسط المقابر تجلس بجوار المسرح الذي تجلس عليه العروسة والعريس ويتمايع علي خشبته المطرب بصوت النشاز وجسده البلاسيتيكي المفكوك ، صوت السماعات يدوي بكلمات غريبه واللمبات الملونه ترفرف فوق رؤوس الجميع وعلي شواهد القبور وبوابات الاحواش والزغاريد تملأ المكان الذي اعد لاي شيء الا اصوات الفرحة ، وفوق رفاتهم تسير ورزق يدخن حشيش مع غيره من الرجال وام سعاده الخادمه المؤدبه تتراقص وسط الرجال ولم تقدم لهم عشاء واكتفت بالمزه والمية والدخان !!! رائحه الجاز تتصاعد وسط الدخان خليط يكتم الانفاس ، تمنت لو تقوم ، اقتربت منها الام العجوز ، رحبت بها ، مجيك علي راسنا من فوق شرفتينا ، تشرح لها ، انا صممت نعمل الفرح عندي ، هنا الحوش واسع والطوربه نورة والهوا يرد الروح ، تضحك نشوي من الارتباك ، طوربه هواها يرد الروح ، فجأ تسمع سارينه الشرطه ، تقفز من مكانها ، يانهار ابيض ، حيقبضوا علينا ، تتصور مانشيتات الجرايد في اليوم التالي ، زوجه لواء بالداخليه يقبض عليها في غرزه بمنطقه المقابر ، يانهار اسود ، تدرك ان نهايتها ستكون علي يد زوجها ، تتمني ترسل تصحيح للجرايد ، كان لواء ولم يعد وهو الان رجل اعمال ، لو نشروا زوجه لواء بالداخليه ، ستنقلب الداخليه عليه وسينقلب هو عليها وربما يطلقها ، لو نشروا زوجه رجل اعمال يقبض عليها لن يكترث احد بالامر ، فرجال الاعمال يقبض عليهم لاسباب مختلفه ولن يزيد القبض عليها من النظره السيئه التي ينظرها لهم رجل الشارع ، لكن الداخليه ابدا لن تمرر الامر لو زج باسمها في الخبر ، سمعت سارينه الشرطه تقترب ثم تبتعد ثم تتلاشي ، تنفست الصعداء وقررت ترحل عن المكان قبلما تأتي الشرطه للقبض علي الموجودين به ، ابتسمت لام سعاده ، الف مبروك حامشي انا بقي ، خبطت ام سعاده علي صدرها لاتصدق ما تقوله الهانم ، تمشي من غير ما تتعشي والله العظيم لايمكن ، اتفضلي حضرتك جوه ، جوة ؟؟ لاتعرف جوة فين ، تقبض ام سعاده علي ذراعها وتسحبها لداخل مبني كبير ، مش قلت لحضرتك الحوش عن امي اوسع ، الحوش عندي ضلم ، امي بتقول لو الميتين صحيوا حيموتوا تاني من الضلمه ، تضحك ام سعاده ضحكات متتالية ونشوي صامته ، مالها تتكلم عن الموت بلا رهبه بلا احترام بلا قدسيه ، علي جانبي المكان مقاعد مستأجره من معلم الفراشة ، تجلس ترتعد ، المكان رائحه خاصه لم تسترح لها ...!!!

لاتشعر بالجوع ولا رغبه في الاكل ، الحقيقه نفسها ستعاف الاكل في ذلك المكان ، رائحه الموت والحشيش وجاز المولد الكهربائي الذي ينير الفرح ، الصخب والموسيقي العالية والزغاريد وصوت المطرب النشاز وسياره الشرطه ، كل هذا اختلط في معدتها تقلصات موجعه ، العشاء علي المنضده في نصف المكان ، مفرش احمر فوق المنضده واطباق الاكل فوقه ، لايعجبها شكل الاكل ولا رائحته ، معدتها مقلوبة ، تسالها ام سعاده بارتباك ، حضرتك قرفانه ماتقرفيش والنبي ، ده احنا نضاف خالص ، اكلنا قشطه ، اجبري بخاطري وكلي معانا لقمة ، النساء يتجمعن حول المنضده العالية ، هل شاهدت نشوي طريقتهن في الاكل ، هل سمعت اصواتهم المكتومه وفتات الطعام يتناثر من بين اسنانهن وهن يتضاحكن ويتكلمن وهن ياكلن ، تمسك الطبق ولا تمد الشوكه فيه ، تراقب النسوة وكانها لاتراقبهن ، علي وجههات امتعاض تحاول الا تظهره ، ام سعاده تراقبها وتلح عليها ، طيب محشييايه ، طيب صباع كفته ، تزداد انقباضات معدتها ، فالكلمات التي تقولها ام سعاده بالطريقه التي تقولها بها تزيد تأففها ............ وجمعت واحده من النسوة الاطباق الفارغه فسلمتها طبقها وهي تشكرها ، انشغلت ام سعاده بضيوفها في الفرح خارج الحوش فاعتقتها من اسر الالحاح ، رفعت النسوة بقايا الاكل من فوق المنضدة وسحبت واحده منهن المفرش الاحمر لتنظفه من بقايا الطعام المتساقطه فانكشف القبر بشاهده جليا امام عينها ، نعم المنضده التي رصت الاطباق فوقها ليست الا قبر الباشا صاحب الحوش ، لاتصدق ما تراه ..... لو علم الباشا قبل موته ان ام سعاده وضيوفها سيفترشن قبره منضده لاكلهن لمات مائه مرة ، انتفضت تبحث عن نسمه هواء ، ستتقيء ، ستقذف ما في جوفها فوق قبر الباشا ، اجلست احد الامهات طفلها الرضيع فوق القبر فامسك بالشاهد وكانه مقود لحصانه الخشبي ، ضحكت رغم انفها ، هاهي رقبه الباشا في يد الصغير و........... لازم امشي لحسن اتأخرت !!!

سارينه الشرطه مازالت تدوي تختلط مع اصوات الموسيقي ، احتضنها ام سعاده بقوة ، شمت رائحه الطعام الذي اكلته فوق جثه الباشا ينبعث من جوفها ، حدقت في شفتي ام سعاده فلاحظت سطوعا عليهما من اثر السمنه والدهنه والفراخ التي اكلتها وهي ترحب بضيوفها ، احست وكان ام سعاده اكلت " نسيرة " من ذراع الباشا التي امتهنت قبره فحولته لمائده تتراص حولها صديقاتها وعليها اطباق الاكل وحلل المحشي والبطاطس المحمرة البارده !!! انسلت من ذراعي ام سعاده ولوحت بحسم لكل النساء تودعهن ، لن تسمح لشفاتهن الملوثه ببقايا الاكل والسمنه تمر فوق وجنتيها ، اشارت لرزق ليأتي ويرحلا ، معدتها تتقلص ورائحه الجاز ودخان الحشيش ورائحه الموت والاجساد الراقده تحت التراب واعاصير التراب المتناثرة فوق راسها وفي شفتيها وفي انفها والخوف من الموت ومن البوليس والتأفف من رائحه السمن والمحشي والاشباح والخيالات وشواهد القبور والصوت العالي للمطرب يصرخ اما ليلة ليلة اما ليلة ياسلام ، اما ليلة ليلة اما ليلة ياسلام ، كل هذا امتزج وانصهر بداخلها ويارزق .... تبحث عن احد ينتشلها من الهوة التي تراها وستسقط فيها ، يارزق .... تبحث عن يد ام سعاده لتقبض عليها ، تشعر بانها ، سيغشي عليها .... سيغشي عليها ...... سيغشي عليها .............. !!!!

اصوات نحيب وبكاء مكتوم ونهنهات وشهقات ملتاعه ، هذا ماسمعته وقتما فتح الصندوق الخشبي واخرج منه جسدها المسجي داخل سبع ادراج من الكفن الفاخر الذي لفت بداخله بعد الغسل الذي ازاح قاذروات الدنيا عن جسدها الراحل للفردوس الاعلي وبعد زجاجتين العطر اللاتي رشتهما المغسلة العجوز عليها بعدما جففت جسدها الشاحب الملقي عاريا فوق المنضده المعدنيه وفوق كل درج من ادراج الكفن ، اصوات البكاء تضايقها ، تتمناهم يكفوا عن النحيب ، فهي سعيده تحررت من الدنيا واعباءها وستلتقي بامها وابيها وجدتها ، تتمناهم يودعوها في مكانها الاخير ، ففي اللحظه التي ستنقطع صلتها بالحياة الفانيه تماما ستري امها واحباءها وتصعد معهم للنعيم ، اصوات البكاء خفتت وتصاعدت بدل منها اصوات جموع المعزين ، يتمتمون معا بصوت خاشع ...

يا آمة الله ... ان جاءك الملكين ، قولي ، اشهد ان لا اله الا الله ، محمد سيدنا رسول الله !!
ياأمة الله ........... ان جاءك الملكين ، قولي ، الله ربي سبحان جل شانه ، لم يلد ولم يولد ، والاسلام ديني والقرآن كتابي !!!
يا آمة الله ..... ان جاءك الملكين قولي واشهدي ، ان سيدنا وحبيبنا محمد بن عبد الله هو رسولنا وخاتم الانبياء !!!
اصوات الجموع المتلفة حول القبر المفتوح وجسدها يطير صوب مرقده الاخير وروحها مشتاقه للقاء الاحباء ، تلك الاصوات تدوي في اذنها ، تسمعها فرحه ، تعلم ان الله ربها ومحمد رسولها والاسلام دينا والقرآن كتابها و...............................
تيت تيت تيت .......... النهارده فرحي ياجدعان ، النهارده فرحي ياجدعان !!!
وطالعه من بيت ابوها ... داخله بيت الجيران ، لابسه الاحمر والاصفر ومدوبه الجدعان !!!!
يا آمة الله ..... ان جاءك الملكين .................
اللهم اجعل قبرها روضا من رياض الجنه ، امين ...
حضرتك حرم سعاده اللوا عبد الهادي سليمان !!! صوته اجش يدوي في اذنها
طب هو يصح برضه حضرتك ، تقعدي في غرزة وسط ناس حشاشين !!!
تسمع صوت خطوات زوجها ، يقترب من باب الحجز ، وجه ازرق يطل من فتحة الباب ويهمس ، انت طالق ياهانم!!!
طالق ... طالق ... طالق .............. هل هذا الصوت صوت بكاءها !!!
يتداخل مع صوت سارينه السيارة التي وقفت بجوار الحوش الواسع والقت القبض علي كل الموجودين وهي معهم!!!
يتداخل مع الادعية التي يتمتم بها الصالحين يودعون جسدها ويزفوا روحها للفردوس !!
يتداخل مع صوت ام العروسة وصديقاتها يصفقن ويزغردن ويصرخن ، قولوا لابوها ان كان جعان يتعشي !!!
يتداخل مع صوت المزلاج الصديء يرتطم بالباب الثقيل يحتجزها في قبو قسم الشرطه بعيدا وسط الساقطات !!!
يتداخل مع الصوت الاجش للعريس الذي يصرخ في الميكرفون النهارده فرحي ياجدعان !!
يتداخل مع صرخات الام الثكلي التي سارت خلف نعش وحيدها تصرخ وتمزق وجهها من كثرة اللطم ، قالوا خلفت ولد ، اتشد ضهري واتسند ، اه ياولد اه ياولد !!!
يتداخل مع ميوعه العروسة التي تتميل صوب صدر العريس فوق المسرح وهي تتأوه مكسوفه مكسوفه منك مش قادره مش قادره اقولك اني باحبك !!!!
يتداخل مع صوت المطرب ، اما ليلة ياسلام !!!
يتداخل مع صوت رزق انتم السابقون ونحن اللاحقون ، سلام عليكم ورحمه الله وبركاته !!!
ياآمة الله ..... انت طالق طالق .... اني بحبك .....
وفتحت نشوي عينها ، جسدها علي الارض ، تفيق ببطء من الاغماء الذي داهمها ..
تتحلق حولها عشرات العيون ، تلمح ام سعاده والعروس ، تلمح رزق والعريس ، ملامح مرعوبة تحاصرها وهي ملقاه علي الارض وسطهم !!
تصرخ ام سعاده ، الف بركه ياست هانم ، واطلقت زغروده مرتعشه وانفجرت في البكاء !!!
فتحت عينيها واغلقتها ... فتحت عينيها واغلقتها .... همست لرزق ، يالا يارزق نروح !!!
تساندت عليه وام سعاده تحاصرها بذراعيها القويتين ، الف بركه سلامتك ياهانم !!!
تدب فيها قوة مفاجئه ، تتمني تخرج من ذلك المكان ، من المقابر ومن الفرح ومن الحشيش ومن التراب !!!
تهرع للسيارة تطاردها الزغاريد التي تصاعدت وصوت الموسيقي التي عادت للصراخ .........
والقت بجسدها علي الكنبه الخلفية واغمضت عينيها وهمست لرزق ، علي البيت يارزق لاتصدق مامرت فيه ، اما حتت ليلة !!!! هكذا تقول لنفسها وتضحك ليختلط صوت ضحكها مع كل الاصوات المتنافرة التي بقيت تدوي في اذنيها يوما واثنين وعشرة !!!

الأحد، 19 سبتمبر 2010

اول الشهر زي اخره !!! ( قصص تبدو واقعية !!! )






هي موظفه ، موظفه في اي حته ، في اي مصلحه حكوميه ، في اي وزاره ، موظفه من الموظفين والموظفات الكتير اللي بيشتغلوا شغل مابيحبوهوش ، يعيشوا حياه وظيفيه طويله اخرها معاش ما بيكفيش حاجه زي المرتب ماهو مابيكفيش حاجه ، لاهي لها مركز مرموق ولا صيت ولا اسم معروف ولا حد دريان بيها ، موظفه زي كل ملح الارض ، تتمني ماكنتش تشتغل اساسا وماتبقاش محتاجه الميت ولا ميتين ولا خمسميت ملطوش اللي بتاخدهم ، كانت تتمني تتجوز راجل يستتها ويهنيها ، لكن اللي حصل حاجه تانيه ... هي موظفه زي ملايين الموظفات ، حتلاقيهم وقت انتهاء العمل خارجين من اي مصلحه او محكمه او وزاره او مؤسسه او شركه قابضه ... ستات مكشره وشكلها متضايق ، بتفكر في المواصلات الزحمه اللي حتركبها علشان تروح وفي الغداء الي لسه حيتطبخ والعيال اللي لازم تذاكر والغسيل اللي عايز يلتم والفلوس اللي مابتكفيش ، ستات مكشره وشكلها متضايق كان نفسها تتهني لكن الحياه وظروفهم كتبوا عليهم الشقا !!!

اذن بطلتنا واحده زي مليون واحده ، لكن هل قصتها زي قصه بقيه القصص !!!

بطلتنا .... الموظفه ام خلق ضيق ، لما بتقبض المرتب اول كل شهر ، بتفنطه ، اربع اكوام ، كل اسبوع من الشهر كومه .. الفلوس كفت ماكفتش مش مهم لانها بتصبر يومين تلاته واسبوع جديد يبتدي ومعاه الكومه بتاعته !!!! واهم من الاربع اكوام ، الكوم الخامسه ، والكوم الخامسه دي اهم كومه ، كومه الستر ، يتدفع منها مصاريف اول الشهر الايجار القسط الجمعية الميه الكهرباء والتليفون ، لا ماهم خلاص شالوا العده لانها مادفعتش الفاتوره اللي فاتت واللي قبلها واللي قبلها ... المهم يعني ان المرتب لما بيتفنط بيخلص قبل مايتصرف والاسم مرتب والاسم موظفه !!!!!! طول الشهر تشتغل وتتقور عليناعينها واول الشهر زي اخره دايما تلاقي جيبها انضف من الصيني قبل غسيله ويامولاي كما خلقتني !!!

الصراف بتاع الشغل ، عينه في الستين قرش الفكه اللي بتاخدهم فوق المرتب الصحيح ، هو بيعتبر اهي ستين علي ستين يعملوا حاجه جنب مرتبه اللي مش مكفي اي حاجه خالص ، كانت زمان بتسيب الستين قرش وتقول صدقه عن صحتي وعيالي ، لكن الايام بقت صعبه وسودا والستين قرش فوق اي قرش ليهم لازمه وعوزة ، اتخانقت معاه فاستقصدها ، تقبض اخر واحده ويغالطها في العد وتعيط ، لازم كل شهر تعيط !!! وبعد العياط مايخلص تقبض وتفنط الاكوام وتحس انها مفلسه !!!
علي طول حاسه انها مفلسه ، لدرجه انها لما بقت بتفلس بجد مابيفرقش معاها ، ماهي مفلسه علي طول !!!!

الشهر ده زي كل شهر ، غالطها الصراف في الحساب وعيطت واداها المرتب !! وخرجت من الشغل مكشره ، مشيت مع زميلاتها حبه وهما مكشرين زيها وبعدين كل واحدة كملت في طريقها لوحدها ... كانت شنطتها تحت باطها وفيها المرتب ، قررت فجأ انها مش حتقسم المرتب اكوام زي كل شهر !!!
ايه اللي حصل الشهر ده وخلها قررت تتمرد علي كل حاجه ، يمكن ان مافيش حاجه نافعه !!!
خدت المرتب دفسته في الشنطه وقررت مافيش اكوام ، قررت تصرف منه زي ماتصرف والباقي يدبره الكريم وفلس بفلس مش مهم ، المهم تبقي حره ولو ليوم واحد ، حرة تحس بالمرتب في الشنطه تحت باطها وهي حرة كانها حتصرف منه براحتها ، هي عارفه ان مافيهوش براحتها ولا نيلة ، لكن اهي قررت تشتري الوهم والحريه ساعتين تلاته !!!

نزلت من الميكروباص قبل ماتوصل بيتها والشنطه قافشه عليها تحت باطها ، فكرت تعمل ايه ، قررت تتمشكح شويه قبل ماتروح ، ماهو البيت مرزوع مش حيطير ، راحت للترزي قال لها الاسعار غليت فقررت ماتفصلش الفستان وتروح فرح بنت اخوها بفستان قديم وكده كده محدش حياخد باله ، ماهو المرتب مش حيستحمل تمن التفصيل ، سالت في عياده الدكتور عن الفيزيته لان عندها مغص ، التمرجي الاليط قال لها بقرف وهو بيجيبها بعينه من فوق لتحت ان الكشف مستعجل 200 جنيه وكشف عادي 100 والميعاد بعد اسبوع ، حست ان المغص زاد من كلامه ، حسته شاف قيمصها التحتاني المخروم وكرهت الاطته وكرهته وقررت تاخد اي برشامه من الصيدلية علشان تضيع المغص اللي عندها وربنا الشافي المعافي !!!

لما روحت البيت لقت عيالها رجعوا من المدرسه والواد مزرجن لان مافيش غدا وهي اتاخرت في الشغل والبت نايمه معيطه لان الواد غير قناه التلفزيون وماخلهاش تكمل الفيلم ، صحيتها وسخنت اكل امبارح البايت قرديحي كالعادة وقعدوا علي الترابيزه ياكلوا ، البت اشتكت اخوها السئيل اللي دايما بينكد عليها ويغير القناه والواد حرن علي الاكل وقال لها بصوت عالي ولا صوت ابوه انه مابيحبش الاكل البايت ،البت طلبت جلاد للكراريس وفلوس لتزيين الفصل والواد عايز لبس العاب ، بصت لهم وهي بتبلع الاكل بصعوبه وافتكرت جوزها قصدي اللي كان جوزها او اللي هو جوزها ومش جوزها اللي خلع ايده من العيال ومصاريفهم واتجوز عليها وقال لها لو مش عاجبك عليك بالمحكمه تطلقك ، اعملي خلع ، لقت اتعاب المحامي كبيرة والعيال اولي قررت تتبط وتسكت ، والعرسان مش علي الباب والعمر ضاع ومش مهم الطلاق ويتجوز ولا يغور واللي خدته القرعا تاخده ام الشعور ، الراجل استهبل وقرر مايصرفش علي العيال علشان يزهقها وتغور وهي صاحبه وظيفه وعندها دخل ومرتب وتشيل نفسها ولو مش عاجبها عليها بالمحكمه ترفع قضيه نفقه ، حسبت الحسبه لقته موظف كحيان بيقبض تلات تعريفه زيها ، فكرت في القضيه لقت ايش تاخد الريح من البلاط وجوزها زي بلاط السطوح اسمنت وكالح ، قررت تتبط وتفضل ساكته علي طول ، ابنها جعر وقالها الاكل مش عاجبني و ساب الترابيزه وقام ، البت بلعت الاكل بالميه وقالت لها الابله قالت اللي مش حيجيب فلوس الفصل حيترفد اسبوع !!! الاكل وقف في زورها والمغص رجع لها تاني !!!

فتحت الحنفيه علشان تشطب مالقتش ميه ، رمت الاطباق في الحوض وقررت تنام ، وهي نايمه حلمت بان مرتبها زاد وان جوزها طلق مراته ورجع لها وان بنتها بتبوسها والواد قعد يذاكر بدل الفرجه علي التلفزيون ، قامت من النوم مخضوضه واستعاذت بالله من الشيطان اللي بيخليها تحلم بحاجات ولاعمرها تحصل !!!

لسه المرتب في الشنطه من غير اكوام ، والشنطه علي البورية في الصاله ماهو البيت مافيهوش حد غريب ، اتخضت فجأ ، قامت جري تجيب الشنطه ، الشيطان ابن حرام ماتعرفش يوز مين يعمل ايه ، لقت الميه سايحه من المطبخ ، نسيت الشنطه ودخلت جري ، نسيت تقفل الحنفيه والميه رجعت والحوض مسدود ، ساحت علي الارض ، لعنت ابو اليوم اللي بتعيشه ، اليوم الاسود اللي اوله الصراف عينه في الستين قرش ونصه كشف الدكتور ميتين جنيه واخره الواد يحرن علي الاكل والميه تسيح علي الارض ، شمرت وهاتك يامسح ، ضهرها طقطق ، ضحكت ، جدتها كانت بتقول المره اللي ضهرها يطقطق مرة شديدة ، تعالي ياستي شوفي المره الشديده بيحصل فيها ايه ؟؟؟ اليوم عدي ماتعرفش ازاي ، زي كل الايام ، والعيال اتخمدت بعد مازغدت الواد في كتفه لانه قليل الادب وعايز يشتري شندوتش من بره ، قليل الادب ومابيراعيش ظروفها وتعبها وعيشتها السودا ..

دخلت السرير وضلمت الاوضه علي الاخر ، اصوات الشارع بتزن في ودنها ، القهوه ، خبط الطاوله ، كركره الشيشه ، ام كلثوم ، ضحك المعلم صاحب البقاله وهو بيقفلها ، حانام يعني حانام ، وراها شغل بدري وهم ما يتلم ، نفسها تحلم بحاجه عدله ، الافكار تتراقص في ذهنها ، خيالات تتلاعب ، تسقط ببطء في جب النوم و.... تنتظم انفاسها وتشخر .. وتشخر !!!

في الحلم تري زوجها وقت كان خطيبها ، تراه مبتسما سعيدا ، يجلس علي كنبه صالون بيت ابوها ، تحسه يحاول يختلس لمسه من اصابعها ، تتركها له ثم تسحبها بسرعه ، يلمسها فتتسارع دقات قلبها من الفرحه والخجل ، تشم رائحته ، كان انفاسه تختلط بانفاسها ، يميل عليها ويهمس لها بكلمات لا تذكرها ، لانها تحس وهجا وسخونه تنبعث من اذنيها ، رائحته تقوي في انفها و...... تحس خشونه اصابعه تجري فوق جسدها ، تحب تلك الخشونه ، تثيرها وتسعدها ، تحس لمساته اقوي علي جسدها ..

ومازالت رائحته في انفها وتزيد وتزيد ............... تفيق وكانها لاتحلم فتجده فوقها وانها لاتحلم ، نعم هو بلحمه وشحمه ، رابض فوقها ، تعبث اصابعه في جسدها ، بعد غياب طويل طويل ، لم يستأذنها ليأتي لكنه دخل الشقه في منتصف الليل واقتحم حجرتها واعتلي جسدها واخذ يعبث فيه براحته ، انتفضت لكنها لاتقوي عليه ، هي تعرف وهو يعرف ، جسده قوي ثقيل حين يعتليها لا تقوي علي زحزحته ، كادت تصرخ فزعه ، لكنه شفتاه الغليظتان كتمت انفاسها ، يمزق باسنانه شفتيها ، تحس مذاق الدم المالح يسيل في فمها ، تحاول تدفعه بيديها من فوقها ، لكنه يقبض علي يديها كانه يكبلها بقيود حديد لاتفلح في فك اسرها ، لاتملك الا دموعها ، تسيل ساخنه قطرات فوق وجهه وفوق صدرها ، ملابسها تتمزق من فوق جسدها المرتعش ، هو مازال يمتلكها ، هي زوجته له عندها حقوق كثيره اهمها الا تسقطه من فوقه حين يأتيه مزاجه ليتعليها ، هي حلاله وهو رجلها...

و..... مازالت تبكي ، تبكي لكنها تعرف انها في النهايه ستستسلم له ، تعرف انه حين يريدها لاتملك تصده ، لم يسالها مره مالذي تريده ، الذي يريده فقط هو المهم ، و... تنتفض وتتبعثر ويتناثر شعرها في الهواء ويديها مازالت مقيده وطعم الدماء يختلط بلعابها الذي يسيل من بين اسنانه وهو ينهشها ودموعها تسقط فوق صدرها العالي فتزداد رغبته ، يحبها ضحيه ويشعر بقوته وهو يكسر ارادتها وينالها رغم انفها ، كلما بكت ازداد شراسه ورغبه ، هو يسعدها حتي لو انكرت وهي حلاله حتي لو تمردت وهي زوجته حتي لو تزوج باخري ، هذه طريقه تفكيره التي لايعرف غيرها ...

اصابعه الخشنه تمر فوق ظهرها وصدرها تترك علامات حمراء كانها خدوش وشمت جسدها بموس حام ، تبكي وتتمناه يقول لها اي كلمه تبرر بعثرتها ، وحشتيني احبك ، لكنه لايقول شيئا ويبدأ فعلته صامتا وينهيها صامتا ، حين كانت تحبه عاتبته فغضب من سذاجتها ، فالرجل الحق لا يتكلم والوقت وقت الافعال و...ماتبقيش زي القطط تاكلي وتنكري ، لكنها تشتاق لكلمه يقولها لها ترويء ظمئها للحنان ، ماله لايفهم الفارق بين الحنان الذي تحتاجه والشهوة التي تحركه ، لكنه لم يفهم ولن يفهم و...................

واليوم ايضا هو لا ينطق .... وجسدها اسير بين ذراعيه وشفتاها ممزقتان مثل كرامتها وهو لاينتهي ولا يسعدها ودموعها فياضه ومذاق الدم الساخن يحتل جوفها واغمضت عيناها وقررت تموت ، نعم ساموت بين ذراعيك لاقهرهك ، لن اتجاوب معك لن المسك لن اسعدك لن اهمس لك بكلماتي التي اتمني اقولها ، لن اجفف دموعها وساترك ملحها خشنا بين مسام رجولتك وساما زائفا لنصرك الدائم فوق اسواري المحطمه ، ساموت ، انا والمرتبه والثلاجه والجثث مثل بعض ، لن اسعدك وتغمض عيناها وتحلق عن جسدها الاسير بعيدا ، تزور امها علي قبرها وتقرأ الفاتحه ، تلعب الحجله مع صديقاتها في المدرسه ، تجلس علي الطبليه مع جدتها ينقشوا الكعك ، تلعب في القنايه الصغيرة مع صحابتها وقت المغربية ، تهرع للبيت خائفه وقت تغطي الظلمه سماء القريه وتتحول الاحجار لارانب والاشجار العاليه لمردة مخيفة تطاردها ..... ومازال يفح في اذنيها لكن جسدها الميت لا يكترث ، مازالت اصابعه الخشنه تشرح جلدها لكن اعصابها ميته لا تتاثر ، وتتسارع انفاسه و............ تسقط في القنايه وتبتل ملابسها وتختلط دموعها مع الماء الضحل مع مذاق الدم السائل من شفتيها وقت ارتطمت بالارض و.........يعطيها الزوج ظهره ويرتفع صوت شخيره و تنام هي مثل مئات الليالي مبعثره كسيره النفس وتكره الرجل الذي كان زوجها اكثر واكثر !!

حين تستيقظ صباحا ، تتاكد ان ماعانته طيله الليل لم يكن كابوسا وانتهي ، بل كان واقع اسوء واقبح من كل الكوابيس !!! لكن الزوج مثل عشرات الليالي استيقظ وغادر المنزل وغادرها دون كلمه !!! هي حلاله التي يعبث بها وحين تنتهي رغبته وترتوي شهوته يتحمم ويرتدي ملابسه ويخرج و........... مش عاجبك ارفعي قضيه خلع !!!!

تخرج من الحمام تبكي وشعرها المبلول يسقط ماءه البارد فوق كتفيها ودموعها الساخنه لا تكف عن الانهمار ، حين تسير صوب المطبخ لتعد الشاي لاولادها ، لاتجد حقيبتها علي البورية ، تتذكر مرتبها الذي بقي علي حاله ولم تقسمه لاكوام ، تأتيها فكره شريره ثم لاتصدقها ، لايمكن يمد يديه علي مرتبها ، فالفلوس لاتكفي اي شيء وهو يعرف ، لكن شيطان يوحي اليها عدي الفلوس ، وحين تفتح الحقيبه تتاكد ان الزوج الذي كان زوج ، قسم المرتب لكومين بمعرفته واخذ الكوم الاكبر وترك الباقي في الشنطه !!!

بقيت مكانها قليله الحيلة وبقايا النقود في الشنطه لاتصلح لشيئا كمثل بقاياها لا تصلح لشيء ......... وافرغت كل مافي جوفها علي الارض واقسمت برأس جدتها انها ستذهب للمحامي وقت تقبض مرتبها الجديد ، فهي لن تقبل ان يستبيحها مثلما اعتاد يفعل ، جسدها وكرامتها ونقودها !!! اقسمت براس جدتها انها ستعطي المحامي الكومه الاكبر من راتب الشهر القادم ، ليرفع لها قضيه خلع وتغير كالون الشقة وترفع علي الاب قضيه نفقه وتنام امنه تحلم بالعصافير والحدائق الغناء وحضن رجل اخر لايسيء معاملتها ويكترث بمشاعرها ويقول في اذنها كل ما تحب تسمعه من كلمات وياخذها في حضنه يطبطب عليها طيلة الليل .... !!!

لكن الشهر القادم لم يأتي بعد .. ومازال المرتب لايكفي ... ومازال اول الشهر مثل اخره !!!
ومازالت دماءها تختلط بلعابه تسيل من بين اسنانه وتستيقظ من نومها فزعه لتجد شفتاها ممزقتان وجسدها مهان مثل كرامتها !!!
ومازالت حلاله ومازال زوجها و........... الكوم التي ستدفعها لتحصل علي الخلع لم تفلح حتي الان في توفيرها !!! ومازالت اسيرة!!!!

الخميس، 9 سبتمبر 2010

متناثرات .. من كراسة مدفونه في درج سري (الجزء الاول )





تنويه

هذه الحدوته للاسف خيالية تماما
ولم تحدث ابدا
وكنت اتمناها تحدث




الجزء الاول




( 1 ) بداية ... ونهاية !!!!


الوداع ياجمال ... ياحبيب الملايين !!!
مات جمال عبد الناصر ....
في سبتمبر 1970 مات جمال عبد الناصر !!!
بعدها بثلاثين سنه في سبتمبر 2000 .... مات يوسف ..
بعد موته بشهرين ... عثرت ابنته علي كراسه مدفونه في درج سري لمكتبه!!!!
قبلما تعثر عليها كانت تظن نفسها تعرف ابيها الذي كانت تحبه وتعشقه !!!
فتحت صفحتها الاولي فعثرت علي خط ابيها المنمق الجميل الذي تعرفه ، سمعت صوته وكانه يحكي لها ما كتبه!!!
حين وصلت للصفحه الاخيره انهمرت دموعها حبا لابيها وفخرا بالعيلة التي انتمي لها الاب !!!
اغلقت الكراسه وطوتها وهمست ، الله يرحمك يابابا وتمنت لو كان حيا لعانقته وانهمرت عليه بقبلاتها!!!
اعادت الكراسه للدرج السري واحست بالفخر لان ذلك الرجل هو ابيها !!!!!!!!!
وقررت مع نفسها ودون يطلب منها احد ، ان تنتمي للعيلة !!!
وفهمت كثيرا مما كان غامضا عليها طيله حياتها وفهمت اكثر مالذي حدث يوم جنازته !!!
من هو يوسف ومالذي حدث يوم جنازته ؟؟؟؟؟
هامش .......... 1
مدخل عبيط قوي للحكايه ... وحكايه ان بنته لقت الكراسة دي حاجه قديمه ومتكررة ، طلعت في افلام كتير !!!
هل نخليه يحكي ليها قبل مايموت ، هل حد يتصل بيها ، طيب وحيتصل بيها ليه ، هل تقابل حد من اصحابه وهو يقول لها عن ابوها اللي ماتعرفوش ............ كل الانماط وصدف المعرفه مكررة ، وده في حد ذاته مافيهوش مشكله علشان الحدوته تتقدم ، ياما انماط سلوك بتتكرر وصدف معرفه بتتكرر في قصص وحودايت وافلام كتيرة ، لكن مش مهم .... المهم نوصل لنقطه المعرفه علشان نعرف نكمل الحدوته .... ومين عارف ماجايز بنته قالت انها لقت كراسه وهي مالقتهاش ، وانها عرفت منه شخصيا قبل مايموت الحدوته ، وعلشان تعفيه من اي مسئوليه حتي وهو ميت ، اخترعت حكايه الكراسه دي !!! وجايز هو اللي حكي للمؤلف شخصيا واستحلفه لاينشر الا بعد موته واكد عليه بضروره اختراع اي شيء يبرر معرفته بالقصه ، فاتفق معاه المؤلف علي حكايه الكراسه !! كل ده مش مهم خالص !!!
الهامش ده في حد ذاته ، عايز يتلغي ... ممكن لما الحدوته تخلص ابقي الغيه !!! مافيش مشاكل !!!!


( 2 )
يوسف
1999

كمثل كل ليلة وقت غروب الشمس ... في الشرفه البحرية التي تطل علي ميدان واسع ..

علي نفس المقعد المريح ... يجلس يوسف وبجواره الراديو وعلبه السجائر ..
تساله حبيبة عايز حاجه يابابا ، يبتسم ويصمت ، تتركه حتي تنهي ام كلثوم اغنيتها ثم تعيده لفراشه !!!
اكاد اشك في نفسي ، لاني اكاد اشك فيك وانت مني !!!
يتأمل يوسف احواله .... يقترب من الخامسه والستين لكنه يبدو هرما وكانه علي اعتاب التسعين !!
منذ قابل نبيل مرت حوالي اربعين سنه ...
هل احسستهم يايوسف اربعين سنه ام اكثر !!!
ياتري اين نبيل الان ومالذي يفعله في حياته !!
كيف يشعر الناس بغيابي ... انا الغائب الحي الذي كنت حاضر وصرت غائب !!!
سال يوسف نفسه اسئلة كثيرة كثيرة .... الا سؤال واحد لم يساله لنفسه ابدا .... كيف عاش كل هذه السنوات اثنين !!!
نعم عاش اثنين .... لكل منهما عالمه وحياته واصدقاءه وخبراته واوجاعه واحزانه وافراحه ... كل منهما هو ، وهما الاثنين هو ، هو بالضبط ، ليس جزء منه ، ليس بعضه ، كل منهما هو ... وهو هما الاثنين .... !!!
سأل نفسه اسئلة كثيرة كثيرة .... الا هذا السؤال ... والحقيقه ان السؤال المنطقي الوحيد الذي كان يتعين عليه يساله لنفسه ، ربما خاف يسأله لنفسه ، ربما خاف من الاجابه ، ربما خاف لو اجاب بصراحه لضاع الاثنين منه وفرا وتركاه ، ربما خاف لو عرف السر لاندمجا الاثنين فيه ورفضا يعيش انقسامهما فيضيع هو !!!
لكنه الان ........... والعمر كله خلفه .... كل العمر خلفه وعقله يتحلل ... عقله وموضع اسراره ومكمن كنزه وخبراته يتلاشي ، يتفكك ، يذوب في مرض موجع ، يعلم هو انه مريض به ، لكنه لايقوي علي مقاومته ويعلم انه يستحيل علاجه وواثق انه الجب الاخير الذي سيسقط فيه هو والاثنين معا ......... سيتوحدا اخيرا وقت يموت ، الان فقط يسال نفسه السؤال الاصعب ولايخشي اجابته كيفا ستكون !!!
انتبه يوسف لحاله ، علي اعتاب الخمسه وستين لكن شيخوخه احتلت جسده ومرض موجع قاسي يذيب عقله في غياهب النسيان ، هل كنت تتمني يايوسف تعيش اكثر ، هل كنت تتمني يطول بك العمر وتمنحك الحياه سنوات اكثر !!! هز راسه نفيا ، لقد ارهقته الحياه فاستكفي منها ويعلم ، نعم يعلم علم اليقين ، ان ملاك الموت يحوم فوق راسه يتحين الفرصه والميعاد المكتوب ليحرر روحه من جسده الواهن ومن عقله المتلاشي !!!
اه يايوسف ، حان وقت الرحيل ... حين يموت ، سيحزن عليه الكثيرين ، من العالمين الذي عاش فيهما ، كل احباءه في العالمين سيحزنا عليه ، هو فقط الذي لن يشعر وقتها باي شيء لانه سيكون مات وانتقل لدار الحق التي يتعين عليه فيه يتوحد مع الاثنين الذي انقسم بينهما طيله الحياة ، سيتوحد معهما ليتحاسب علي سيئاته وسيئاتهما ويكافيء علي حسناته وحسناتهما !!!
كان يعرف منذ زمن بعيد ........ ان الاثنين الذي منح كل منهما روحه بالكامل سيتوحدا فيه لحظه موته ، كان يعرف ولم ينزعج من ذلك الامر ، فهو لم يعش اي ثانيه في حياته نصف بلا نصف ، بل عاش حياته في كل ثانيه منها انسان كامل يعيش بداخله وتحت جلده انسان كامل اخر ويعيش حياه الاثنين في كل لحظه ولايعيشها ابدا ......... انها معادله الغرابه التي ولد مكتوبه علي جبينه والرساله التي يتمني يكون اداها كما كان مفروض عليه !!!
الان ............ بين لحظات الافاقه التي تنتابه فيلمع ذهنه ويتقد ويتذكر ادق التفاصيل وبين لحظات الغيبه التي يري فيها الحياه من خلف سدل الضباب ، الان فقط يسال نفسه السؤال الاصعب ويحاول البحث عن اجابته ، كيف عاش كل تلك السنوات اثنين معا ، يبتسم يوسف وصوت ام كلثوم يلف بقايا يقظته واعاصير غيبوبته ، كل ما يطمئنه انه مهما قال للاخرين لن يصدقوه ، سيتصوره يهذي هذيان ماقبل الموت ، الان فقط سيقول مايتمني قوله ولن يعاتبه احد او يحاسبه او يصوب زناد مسدسه لرأسه يهدده ليخرس ، الان الجميع اطمأن ان عقله تحلل وذهنه انطفأ وكل الذكريات والاسرار تلاشت وتتلاشي ومصيرها لمقبرته تقبع داخل جسده الذي يسير صوب الموت بخطي منتظمه !!!
كل مايطمئنه ان احدا لن يصدقه مهما قال ، اي حقائق سيقولها مشوبه بهذيانه ، اي اسرار سيفشيها ممهوره باعراض مرضه ، كل مايقوله لا قيمه له وهذه اللحظه الجميله التي تحرر فيها من كل الاثقال والقيود التي عاش حياته الواعيه كلها يرزح تحت اثقالها .... سخر يوسف من هلاوسه ، لااسرار عنده ، حياته كلها كانت بلا اسرار ، نعم كان يملك اسراره العاديه مثل كل البشر ، احب هذه اعجب بهذه كره هذا تمني لو فر من ، لكنه لم يملك اسرار تخص العيلة ، العيلة لم تمنحه اي من اسرارها !!! اذن هي هلاوس مرضه العقلي المستحكم التي تسرق وعيه وتذيب عقله وتسحبه لعالم الرحيل الذي يقف علي بوابته يطرقها لتفتح !!!


( 3 )
رساله غامضة !!
1960

رساله مبهمه تلقاها ، وريقه منحها له اعز اصدقاءه ، احدهم ولاتسالني من ، احدهم يتمني يقابلك ، ليه ، ليه هو اللي حيقول لك ، طيب يعني هو مين ، هو الراجل اللي عايز يقابلك .......... كاد يقول لاعز اصدقاءه ايه الكلام الفاضي ، لكن اجواء الاسرار والمغامرات والغموض تستهويه ، سيذهب ليقابله وحيحصل ايه في الدنيا يعني ....
تخرج من كليه الهندسه بتقدير عالي ، يعد اوراقه للبحث عن عمل ، شاب في مقتبل العمر مرح فرح متمرد قوي البنيه والنفسية ، هذا هو يوسف .... صلاح ، سلمه الوريقه بلا اي علامه مميزه ، لو حتروح قولي ، واقولك ليه ؟؟ علشان اديك العنوان يابني ادم !!!
اخذ يوسف العنوان من صلاح وهو يتوعده لو اكتشف ان الامر مجرد " مقلب !!!" ...
بنايه قديمه في وسط البلد ، تبدو ستسقط ... وقف يوسف امام باب الشقة القابعه في الدور الاخير وضرب الجرس ، فتح له وجها مألوف كانه راه مليون مره ، اتفضل الاستاذ مستنيك .... مازال الغموض يلف المشهد ، ابتسم يوسف ، هل هذه البنايه تتبع احد التنظيمات السريه التي يقال ان الثورة او الدوله او الحكومه او الحزب الواحد او كلهم مع بعض ، اسسوه لاستقطاب الشباب لصالح افكارهم وثورتهم وحماسهم .... لم يذهب خياله ابعد من هذا ، وكيف يذهب لما يستحيل عليه يفكر فيه !!!
دخل غرقه واسعه ، الاسقف العاليه لمباني وسط البلد تستهويه ، شباك كبير بستائر شفافه يسرق الحائط الرابع من الغرفه ، يسير خطوات كثيره حتي يصل للرجل الجالس علي المكتب تحت الشباك ...
اتفضل يايوسف ... اتفضلت ، هكذا قال لنفسه !!!
احنا ..... قبل ما يقول الرجل اي كلمه ، قاطعه يوسف ، انتم مين !!!
ابتسم الرجل .... احنا اللي بنحب البلد دي !!!
ضحك يوسف .... اشمعني يعني ، هو انتم بس اللي بتحبوها ...
نظر له الرجل نظره عميقه وهمس ، لا كل الناس بتحبها ، متهيالي كده ، لكن احنا اللي وظيفتنا ان الناس تفضل تحبها !!!
انتبه يوسف للطريقه التي يكلمه بها الرجل ...
ااقعد يايوسف ، اكتشف يوسف انه لم يجلس بعد !!!
جلس واصغي للرجل بكل جوارحه وانتباهه !!!


( 4 )
العجوز الهرم !!!
1999

هذه قصه الكهل العجوز الخرف يوسف باعوامه الخمسه وستين التي حولتها الايام التي عاشها لدهورا طويله وكأنه عاش الف عام ......... هذه قصة يوسف الذي نسي الاسماء والافعال والاحداث ، فينادي زوجته باسم ابنته وينادي ابنته باسم امه ويطلب من ابنه يشرب وحين يمنحه كوب الماء يلقيها في وجهه فهو لا يرغب يشرب لكنه يتمني سيجاره نسي اسمها فقال لابنه الاسم الذي وجده مازال صالحا لقوله في دهاليز عقله المتحلل بالمرض ............
هذه قصه الكهل العجوز الخرف ........ الذي في ايامه الاخيره وقبل الغيبوبه الاخيرة التي لم يفيق منها منعوه يخرج للشرفه خائفين عليه ينساها فيلقي بنفسه ليطير كانه عصفور ، وقبلها منعوه يدخل المطبخ لانه لم يعد يعرف الماء البارد من المغلي واحرق يديه مرتين وقت وضعها علي عيون البوتجاز الملتهبه ، واختاروا له اكله والمشروبات التي يشربها والبسوه كما يريدوا وفرضوا عليه الطبيب يكشف عليه مره كل اسبوع ، هذه قصه الكهل العجوز الخرف الذي فقد الاهليه وحجرت عليه الاسره بشكل واقعي فحرموه من الولاعه ومفتاح البيت وقياده السيارة والجلوس علي المقهي ، حرموه من كل شيء وهو لايلومهم لانه مريض مرض خطر يعرض فيه الانسان نفسه للخطر ....
لا يلومهم لكنه يسخر منهم ، لان اخطر ما يملكه لم يقوو علي مصادرته او كشفه ، ذاكرته ، التي تختلط فيها الاحداث بالصور بالاسماء ... وهي ليست ذاكرته وحده ، بل ذاكره الاثنين الذي عاشهما معا .... تلك الذاكره ، نجح لانه مدرب بحق ، نجح علي اخفاءها في ابعد جزء من عقله المتحلل فبدا كانه فقدها ولم يفلح احد في استفزازه ليفضح نفسه ويقول انه مازال يقبض علي ذاكرة الاثنين الذي عاشهما !!!!
اشعل الكهل العجوز سيجارة وتنهد بحرقة ....حبيبة فقط لاتغيب من ذاكرته ابدا حتي في اشد لحظات توهته وغيابه ..... هي فقط التي حزن من اجلها حزنا رهيبا واحس بوجودها في حياته بالعجز ، هي فقط ، حبيبة ، التي تمني لو من اجلها يقتل الاثنين معا ويعيش معها ثالث يعرف شكل حياته ، هي فقط التي حاصرته فكان لابد من قتلها ، حاصرته بذكائها باسئلتها وملحوظاتها الدقيقه وقراءتها البصيره لروحه وحين حاصرته ادرك انه لن يبقي معها ، هي خطر عليه وخطر علي نفسها ، لابد من طردها من جنته و............ وكان له ماكان ، بمنتهي القوه والفجأجه والعنف والقسوه طردها من حياته ، لكنه حزن من اجلها ، لا الحقيقه انه حزن من اجل نفسه ، هي فقط التي تمني ينام بحق في حضنها ، تمني يغرق فيها ولا يبقي نصف نائم نصف متوتر ، هي فقط التي اشعرته بالامان لحد خاف منها علي نفسه وعليها ، فمن مثله لايجب ابدا يشعر بالامان ، الاحساس بالامان ضعف يهدد امانه ، هي فقط نجحت تسرق يقظته وتسكره بنظراته وتحرقه بانفاسها فادرك انه وقع في شرك غرامها ومن مثله لاقلب له ولايجب يكون ، هي نفخت في قلبه الحجري من روحها فنبض ، فكان لابد من قتلها وقتل النبضات واعاده الحجر البارد لطبيعته .......... حزن من اجلها !!! لكن الحزن بقي مجرد حزن ، كمثل السكين المنغرز في قلبه ، يعيش به ولاينزف ، سكين في قلبه يوجعه لكن لايميته !!!!
حبيبة ، هي السيدة التي حذرته العيلة منها !!! وخضع لتحذيراتهم وطردها من حياته ، لم يحذروه منها شخصيا ، لكنهم قالوا له حين تقابل انثي تملكك فر منها ، فانت لن تنتمي الا لنا ، وهي ستضيق بنا وبك ، اطاعهم وسمع الكلام ولم ينتمي لها وبقي ينتمي لها .... لكن .... واه من لكن ، تمني حبيبة ، يمنحها اسمه وينجب منها اطفاله وينام في حضنها ويمنحها روحه فتمنحه روحها فيعيشا !!! لكن حبيبة .... كان الحبيبه التي بقت تحتل قلبه بعدما طردها من حياته ... وحين انجب ابنته اسماها حبيبة حتي لايغيب الاسم مثل صاحبته من حياته !!!!
هذه قصته .... وقصه الاثنين الذي عاشهما وقصه حبيبة التي لم يعيشها !!!!


( 5 )
نبيل !!!!
1960

حضرتك انا مش فاهم ، حضرتك يعني عايز مني ايه ، وبعدين حضرتك مين يعني !!!
تجاهل نبيل سؤاله الاخير ، وشرح له مايتعين عليه فهمه ...
كل اللي مطلوب منك انك تبقي عايش عادي جدا ، انسان لطيف مرح ، الناس كلها تحبك ، تعرف تخليها تحبك ، وبس !!!
طبعا ومش بس ، لازم الناس تحترمك جدا ، تحبك وتحترمك !!!
لم يفهم بدقه كلامه فطلب منه بمنتهي الادب يعيد كلامه !!
لم يغضب منه وكرر عليه نفس الكلام بنفس الالفاظ !!!
وبعدين ؟؟؟
ولا قبلين ...........
طيب حضرتك مين يعني ، بوليس !!!
انفجر نبيل في الضحك ساخرا من يوسف قاصدا يضايقه !!!
انا ممثل العيلة اللي عايزاك تبقي ابن من ولادها !!!
اجابه لم تعجب يوسف ، لكن نبيل لايملك الان غيرها !!!
ايوه يعني حضرتك تبع ايه يعني ، التنظيم السياسي الجديد اللي بيقولوا انهم بيعملوه في السر ؟؟
ازداد ضحك نبيل وصخبه ، في السر ؟؟؟ وضحك اكثر واكثر قاصدا يربك يوسف ويضايقه !!!
لكن يوسف لم يتضايق ولم يرتبك ، مازال منتظرا الاجابه بكل تصميم !!!
ابتسم نبيل بداخله ابتسامه لم يراها يوسف ولم يشعر به ، الولد صحيح زي ماقالوا ماسك راسه ومركز !!!
بص يايوسف ، اعتبرني زي ما تعتبرني ، مش مهم اليافطه لان مافيش يافطه ، مش مهم تبع مين لان عمر ماحد حيقولك انت تبعنا ، اسمعني كويس ولما اخلص كلامي ابقي خد قرارك براحتك !!!
صمت يوسف ليفهم واكمل نبيل كلامه من ذات النقطه التي وقت عندها !!!
هو ياخذ يوسف من يديه ويصعد به السلم خطوه خطوه صوب العالم الجديد الذي يتمني لو ينتمي له يوسف !!!!
يايوسف ، انت فاهم الموضوع غلط ، افلام السينما بوظت دماغكم ، لا حتخش المافيا ولا حنبعتك اسرائيل ولا حنطلب منك مأموريات سرية خطيره!! ولا انا بوليس ولا تنظيم سري !!!
احنا عيلة كبيرة .... بتحب البلد ووظيفتها تخلي الناس تفضل تحبها !!!
انا بطلب منك حاجه بسيطه قوي ، لاحتبقي بطل ولا نجم ، ولا حتشاور الناس عليك
يمكن تعيش وتموت محدش يعرفك ولا يعرف انت عملت ايه ..
لان اللي حتعمله حاجه بسيطه وعاديه لكن انت حتعملها بتركيز وانتباه ومنتهي الحب !!!
يراقب نبيل بدقه وقع كلماته علي روح يوسف ...
الاخطبوط له ميت ايد ..... كل ايد بتحس وكل ايد بتشيله تحميه من الغرق ....
احنا الاخطبوط وانت واحد من ايدينا !!!
اكرر كلامي ، احنا الاخطبوط وانت لو وافقت حتكون واحد من ايدينا الكتيرة !!!
نسي يوسف اسئلته والاجابات التي ينتظرها ، واحس يوسف غصه في قلبه .... هو حر ويحب يعيش حر ، لايتبع احد ولا يلتزم اي اوامر او تعليمات!!!
ادرك نبيل مايحسه يوسف .......... مش بقولك السينما بوظت دماغكم .... انت واحد من ايدين الاخطبوط لكنك حر تماما تماما!!!
هو انت لما بتدافع عن مصالح عيلتك وابوك وامك وعيالك .... انا مش متجوز !!! همس يوسف!!!
ضحك نبيل ضحك صاخب ..... ماانا عارف طبعا ، انت ناسي اني عارف عنك كل حاجه من قبل ما تتولد ، انا بقول مثلا يعني !!!
احس يوسف بالخجل وصمت ...
انت لما بتدافع عن مصالح عيلتك وابوك وامك وعيالك ، اكمل كلماته كانها تصدر من شريط تسجيل ، محتاج حد يقولك تعمل ايه ؟؟
انت بتنتمي ليهم وجزء منهم ، عارف ايه اللي ينفعهم وايه اللي يضرهم ، مش محتاج تعليمات ولاحد يفرض عليك حاجه!!
انت معاهم بتتصرف بالغريزة وبتمشي وراها !!!
هز راسه يوافقه ...
معانا حتبقي كده برضه ... انت واحد منا وبتنتمي لينا واحنا جزء من البلد وبننتمي ليها ... قال جملته الاخيره وحدق في وجهه يبحث عن وقع كلماته علي روحه وقناعاته ، اطمئن له من نظره عينيه المتقده بالذكاء والانضباط ، احنا كلنا عايزين مصلحه البلد وانت معانا ، كلنا ايدين للاخطبوط ، كلنا نحس ايه اللي بيحصل وكلنا وقت الجد نشيلها لتغرق !!!
ومازال يوسف يصغي باهتمام ومنتهي الانتباه ....


( 6 )
حبيبة !!!
1965

عندما قابل يوسف حبيبة ، كانت تعد اوراقها للسفر لانجلترا للحصول علي الدكتوراه في الادب الانجليزي !!!

حبيبة ، ابنه عائله اقطاعية كبيره ، فرضت الحراسه علي املاك ابيها بعدما ضاعت منه نصف الارض التي ورثها عن اجداده بقوانين الاصلاح الزراعي ...
حبيبه جميله ومليئه بالحيويه ، لكنها تكره الثوره التي صادرت ارض اسرتها والتي فرضت الحراسه علي بقيه ممتلكات ابيها وفرضت عليها فقرا لصالح الشعب الذي لاتجد حبيبه اي مبرر ليعيش علي " قفاها وقفا اسرتها " لكن حبيبة لاتكره الثورة فقط ، بل تكره الثورة ورجالها والشعب الذي ايدها والوطن الذي خضع لها ، تكرهم جميعا ولاتشعر باي انتماء لهم وتتمني تفر بعيدا عنهم وتنساهم تماما ...
هي خريجه مدرسة الكليه الامريكيه ، ومن بعدها كليه الاداب جامعه القاهرة ، تربت وكبرت وسم كراهيه الثوره والوطن يبث في دمها واعصابها ، عندما دخلت الجامعه ، عزلت نفسها عن زملائها ، ان تحدثت معهم وهم متحمسون للثوره وعدم الانحياز ومؤتمر باندونج وقوانين الاصلاح الزراعي والقوانين الاشتراكيه والتأميم ، لو تحدثت معهم لاعتبروها عدوتهم ، هي تكره كل ما يحبوا ، عزلت نفسها عن زملائها وعاشت سنوات الجامعه وكانها في مصحه ستخرج منها وقتما تشفي ، و بعدما تتخرج من الجامعه ، ستستخدم كل نفوذ اسرتها وعلاقتهم القديمه لتحصل علي اذن سفر تفر به من سياج الثوره التي حطمت اسرتها ....
وفعلا ... نجح والدها يحصل لها علي اذن سفر وتنفست حبيبه بقوه ونامت منذ سنوات بعيده نوما عميقا ، كلها شهرين وستسافر خارج ذلك السجن ... لن يلحق بها ابيها ولا امها ، هما الماضي وهي المستقبل ، سيبقوا هما هنا حتي لا يعرقلا سفرها وعليها تسافر هي وتنسي تلك البلد وكل مايحدث فيها ...
حين شاهدها يوسف تموج بالحيويه والصخب والغضب ، ضربت السكينه قلبه وتمني لو لم يقابلها ابدا !!!!
يتذكر حبيبة ونبيل .... يانبيل لقد انتميت اليها رغم عن انفي ، لكني فررت منها خضوعا للعيلة لكنها لم تغادرني ولااملك في امري ولا امرها شيئا ...
اااااااه ياحبيبة !!!!


( 7 )
يوسف
1960

يافندم .... قاطعه بحدة ...
عارف ، عارف انك ماكانش نفسك اللقاء ده يحصل اساسا ولا تسمع الكلام ده !!
عارف انك قلقان ، بس صدقني قلقك سببه افلام السينما ... النظره الساذجه للموضوع ، دول مؤلفين خايبين مش عارفين بيكتبوا عن ايه ، بيكتبوا ايه حاجه وخلاص ولان محدش عارف حاجه الناس بتتصور دي الحقيقه ، كلامهم فاضي وتصوراتهم عبيطه وساذجه !!!
انت فاهم اني عايزك تبقي مخبر !!!
انفجر في الضحك .......... تبقي عبيط قوي !!! المخبرين كتير ، لاحد بيحبهم ولا حد بيحترمهم !!
المخبرين ، دي وظيفه حقيرة !!!
رفع حاجبيه دهشه ، طبعا وظيفه حقيره امال انت فاهم انها ايه !!!
انا مابعرضش عليك وظيفه .... انا باعرض عليك رساله !!! دعوة !!!
لم يفهم فشرح له اكثر ...
المخبرين دول في اقسام البوليس وقضايا المخدرات ........ انا عايزك فرد من عيله كبيرة محترمه ، عيله بتنقي ولادها وتشرط عليهم بالدم عمرهم ما يفارقوها ولا يخرجوا منها ، اللي يقبل يتكتب اسمه في شجره العيله وعمره مايخرج الا لما فرعه يتقطع وبالفاس ، واللي يرفض براحته مالناش عنده حاجه ولا هو ليه عندنا حاجه !!!
انا باعرض عليك شجره العيلة ، يتكتب اسمك فيها ، تبقي ابن العيله ومنتمي ليها ، عايزك تحب البلد ، مش مهم مين اللي بيحكمها وبيحكمها ازاي ، مش مهم سياسته ايه وراحه فين ، انت تحب البلد في كل احوالها واوقاتها ، يمين تحبها شمال تحبها ، قفلت علي نفسها تحبها فتحت علي روحها علي البحري تحبها ، اللي باعرضه عليك عيله عريقه يتكتب اسمك في شجرتها ، وظيفتها وهمها من ايام ابوها ادم ، اول جذر للشجره ولغايه مالدنيا تخلص ، وظيفتها تحب البلد وتحبب الناس فيها !!!
ارتبك .... مهما تصور ، لم يتصور ان هذا ما سيطلب منه !!
سيرفض الانضمام للعائله ولن يكتب اسمه في شجرتها وسيفر بحياته مع نفسه لنفسه وبلاش دوشه !!!
وحين يقابل صلاح ، سيقتله لانه اورطه في تلك الورطه الغريبه !!!
مازال يسال نفسه ، ايوه بس يعني حضرتك مين ؟؟؟


( 8 )
العجوز الهرم
1999

افاق الرجل العجوز من توهان عقله ....
ام كلثوم معه تشدو ..... وافقنا ليت ان لا نفيق !!!
لن يحكي شيئا .......... لن يقول مالذي مر فيه وكان يظنه سهلا ..
سيحكي مافات فيه هو شخصيا ... لن يتحدث عن الرساله التي طوقت العيله رقبته بها العمر كله ...
لن يتحدث عن الصعوبات التي واجهها ... نبيل قال له المطلوب منه حاجه بسيطه وهو صدقه ، لكنها لم تكن بسيطه يانبيل ، لم تكن بسيطه!!
لن يتحدث عن الصعوبات التي واجهها وعاشها ..
لكنه سيتحدث عن نفسه .
كيف تحول من شاب يفكر في نفسه واحلامه ومستقبله مثل ملايين من الشباب من جيله !!!
لاخر يحمل هم الوطن الذي لايسعي الا الي حمايته من السوس ...
في نفس الوقت لم يفقد نفسه ، احتفظ بافكاره وسلوكياته وعاش بها قدر ماعاش ، لكنه في نفس الوقت تحول ابن للعيله ويد الاخطبوط وكرس حياته ليحمي الوطن من السوس !!!
لماذا افيق ، سال الرجل العجوز نفسه !!!
تصور ان مرضه العقلي سيذهب بكل عقله الي الابد
تصور ان سيعيش ما تبقي له من ايام بلا عقل بلا ذاكره ...
فينسي كل ما مر فيه ...
لكنه ينسي كثيرا وتسطع ذاكرته ببعض احداثها في بعض الاحيان !!!
يتمني يقابل نبيل ويساله ، حضرتك هل انا شرفت العيلة ؟؟؟!!!
يبتسم يوسف ... لايظن ان نبيل كان سيمنحه الاجابه التي يتمناها الان والعمر كله خلفه !!!
يظن ان نبيل كان سيبخل عليه باي فخر ، فمن قال ان حب الوطن يحتاج لمكأفاة او نشيان !!!
لم يكن يعرف يوسف وقتها ... ان العيله التي انتمي اليها اتسعت وكبرت ودخل في شجرتها مئات بل الوف الاولاد والاحفاد !!
وان احد هؤلاء الاحفاد لم يتمني شيئا الا يري يوسف ويصافحه ويشد علي يده ويحيه !!!
لم يكن يوسف يعرف ان احد هؤلاء الاحفاد كان يقاتل في موقعه ينتظر اذنا ليزور يوسف ويمنحه ماكان يتمني يحصل عليه قبل ضياع كل الذاكره وفقدان كل العقل والاسر في متاهات الغياب !!!
هل سيفلح الحفيد يمنح يوسف الامتنان الذي استحقه ؟؟؟ ام ستستبقه الاحداث !!!!!!


( 9 )
نبيل
1960

كأنه يقرأ افكار يوسف ..... حاسيبك لبكره تفكر ، بس بكره بس ، وبكره لما ترد علي يبقي خلاص حسمت امرك !!!
يافندم ... كاد يساله بضعه اسئله تحيره !!!
صدقني ........ علشان وانت بتفكر تبقي فاهم بتفكر في ايه .... انا عمري ماحاعمل لك خدمه ولا حاساعدك ولا حانقذك!!!انا عمري ماحاطلعك من نصيبه ولا حاداري عليك .... بعد ما تقرر بشكل نهائي وتقولي علي قراراك ، حنقعد سوا قعده واحده اقولك علي كل حاجه وبعدها علاقتنا حتنقطع تماما والي الابد !!!
لم يفهم ... كانت يتصوره سيقول له علاقتنا ستبدأ !!!
ضحك ......... علاقتنا حتنقطع تماما وعمري ماحاشوفك لاانا ولا غيري !!
لاحنطلب منك خدمه ولا ماموريه ، لا حنسالك سؤال ولا حنقولك عايزين معلومه !!
علاقتنا حتنقطع بيك تماما .... لاننا حنبقي واثقين انك عارف ايه المطلوب منك وحتعمله بمنتهي الكفاءه والدقه والاخلاص!!!
اصلك لو قبلت حتقبل بجد وحتعمل اللي مطلوب منك وزياده ولو رفضت خلاص يادار مادخلك شر ...
ارتبك ... فمهما تصور انه يفهم ما يقوله لايفهمه بدقه !!
ابتسم ...... اشرح لك اكتر !!!
احنا بنبي عيله تحب البلد وتدافع عنها !!!
بنختار ولادها من الاميز والاكفء والاشطر والاذكي ...
بنختارهم بيحبوا البلد فعلا حتي لو مش واخدين بالهم ، احنا بنخليهم ياخدوا بالهم ،علشان وهما بيحبوها يحموها !!
يحموها يعني ايه ، يحموها من السوس اللي ممكن يهدها من جوه !!!
الجيش والحرب والاعداء والقنابل واسرائيل والاسلحه ، دي مش مأموريتنا ولا شغلنا ، دي ليها ناس تانيه غيرنا خالص!!!
الحراميه والمجرمين .. مش مأموريتنا ولا شغلنا وليهم ناس تانيه برضه غيرنا خالص !!!
العضم بيسوس ، والخشب بيسوس والارض ساعات يضرب فيها السوس !!!
السوس عدو ندل خاين، لانه بيضرب في الحاجه ومحدش شايفه ، مانشفوش الا لما تبقي المصيبه وقعت !!!
احنا بنعمل عيله تحب البلد وتحميها من السوس !!!
كل واحد في مكانه الطبيعي لما يقابل السوس يقاومه يحاربه يهزمه - بالضروره - ويدافع عن البلد بالحب والانتماء !!!
هز راسه يفهم .... لكنه لا يفهم بدقه !!!
طيب ممكن حضرتك تشرح لي اكتر !!
انفجر ضاحكا ................. لا لغايه ماتقرر الي قولته لك كفايه !!!
واكمل حديثه بمنتهي الجديه ، فكر لبكره .... واعرف اني باعرض علي شرف كبير بلا اي مقابل ، لن اعطيك مقابل لاني لااشتري الحب للبلد بالفلوس ، لان اللي يحبها بالفلوس يبيعها بالفلوس ، لن اعطيك مقابل لاوظيفه ولا ميزه ولا نفوذ ولا سطوه ولا هيبه !!! لن اعطيك تعليمات ولامأموريات ، لن اقابلك ابدا بعدما نتفق اما بالقبول او بالرفض ، ولو قابلتك مصادفه فانا لااعرفك ولم اقابلك ابدا !!!
كل مااعرضه عليك هو الانتماء للبلد وحبها والدفاع عنها بطريقتك انت !!!
لمح الاندهاش علي وجهه ، ايوه بطريقتك انت !! واحنا حنبقي واثقين في طريقتك !!!
احنا مختارينك وعارفين عنك كل حاجه ، عارفين طريقه تفكيرك وتصرفاتك وسلوكك ، وبالتالي عارفين تقدر تحب البلد ازاي بطريقتك !!
نظر في ساعته كانه يقول له حان وقت الرحيل ...
فهم يوسف رسالته وقام مكانه ، شد جسده الممشوق وسلم عليه بقوة ....
حاستناك بكره ............ لو ماجيتش حارفد الراجل اللي قال لنا عليك ، لانه يبقي ماعرفكش كويس وفي شغلنا مافيش هزار ، الغلطه بفورة ، حارفده لانه رشح حد ماينفعش يترشح ، يبقي هو كمان ماينفعش يفضل علي كرسيه !!! لكن لو جيت وقلت لا ، عادي ، عادي جدا ، حننساك فورا وحنشطب علي اسمك !!!
ارتبك يوسف للحظه ثم سيطر علي مشاعره ، لكن نبيل فهم راسه وتداعيات افكاره وانفجر ضاحكا ، ايه حتخاف نضطهدك ، هز راسه نفيا ، احنا مش عصابه الخط في الصعيد حنضطهدك ، حنشطب علي اسمك يعني ننساك وانت كمان تنسانا وبس!!!الي اللقاء ...
ودفن راسه في اوراق امامه قائلا بطريقه واضحه ، المقابله انتهت !!!
فتح الباب وخرج لم ينظر خلفه ، وكان متأكد انه مش حيبص وراه ، لما مشي تنفس نبيل الصعداء ، كل التوقعات التي توقعناها منه في محلها بالضبط !!!! ابتسم وهمس ، حيرجع بكره يقول موافق ............. وعاد لاوراقه !!!!


( 10 )
حبيبة
1965

كيف حصلت حبيبة علي تأشيره دخول لانجلترا ، هذا في ذاته لغز كبير ، فبعد حرب السويس والعداء الصريح بين الثوره وانجلترا ، كان سفر اي مصري لانجلترا ضرب من الخيال ، كيف حصلت حبيبة علي تأشيرة دخول انجلترا ؟؟؟ لغز لم تعرف هي ابدا سره ، ربما ابيها وعلاقاته القويه برجال الملك ، ربما كان لابيها علاقه بالسفاره الانجليزيه قبل الثوره ، فاستثمر تلك العلاقه لينتشل ابنته من الثوره وانيابها وقبضتها القوية ...
هذا كله ليس مهما ....... المهم ان حبيبه كانت تعد اوراقها للسفر لانجلترا وقت قابلت يوسف في منزل عمته !!
حبيبه صديقة ابنة عمته التي تخرجت مثلها من كليه الاداب لكنها كلفت للعمل في احد المدارس الثانويه في المنصورة ، كانت ابنه عمته تستعد للسفر للمنصوره بمنتهي الحماس ، ستستقل عن بيت ابيها وسطوة عمته وتعيش مع زميلاتها في السكن التابع للمدرسه ، ستدرس في مدرسه ثانوية وتساهم في بناء الجيل الجديد وتعليمه !!!
اقامت عمته حفلة لتوديع ابنتها التي " حتتغرب " في المنصورة !!!
يوسف ذهب لتلك الحفله مجبرا ، امه اصرت يرافقها ، تضمر في نفسها امنيه ربما تتحقق حين يقابل يوسف فتيات كثيره في تلك الحفله فينتقي احدهن للزواج وهو الذي يرفض الزواج دونما اسباب مفهومه ... لم تقل له الام بالطبع دفين هدفها لكنها صممت يذهب معها ليوصلها ويعود بها ، يوسف يفهم امه وما يدور في راسه ، وافقها شراء لرأسه من زنها الذي لاينتهي ...
وياليته لم يوافق امه وليته لم يقابلها ... حبيبة !!!
دخل بيت عمته ، بنات كثيرات ، متجملات انيقات ، يرتدين حسب موضه تلك الفتره ، فساتين مزركشه ، تسطع عيونهن بالحيويه والكحل الاسود ، يلوج الروج الوردي الفاتح شفايفهن ، جميعهن منشغلات بحوار صاخب ، حبيبة في جانب وبقيه الفتيات في جانب اخر ، وابنة عمته مشفقه علي صديقتها من الهجوم الكاسح الذي ينصب علي راسها من بقيه الفتيات !!!
يومها لم ينطق يوسف بكلمه ، لم يكن ابن العيله كما يتوقع منه ، لم يدافع عن الثوره والوطن والتنميه والاشتراكيه العربية ، لم يهاجم الاقطاع وفساد الملك ، لم يبرر حتي اعتقالات الاخوان المسلمون بمحاوله اغتيالهم لجمال عبد الناصر ، صمت تماما ، حينما سمع صوت حبيبة ، صوت مرتعش بالحماس والعزله ، هي تصرخ بما تؤمن به لكنه معزوله تماما عن المجتمع الذي تعيشه ، لااحد يفهم مالذي تقوله ، كلهن بنات الثوره المتحمسات لها ولجمال عبد الناصر ، هي فقط تتحدث عن اسرتها ومالحقها ومثلها اسر كثيره ، صودرت املاكها علي يد الثوره لصالح " فرقه رضا واغنيه فدانين خمس "...
يومها فهم يوسف معني ان يكون اثنين ، يوسف ابن العيله كان يتعين عليه يتصدي لحبيبة ، يخالفها الرأي ، يدعم الفتيات في ارائهن المتحمسه للوطن الفياضه بحبه ، كان يتعين عليه يهاجم حبيبة بقوه ، يعايرها باسرتها الاقطاعيه ، يحول مناقشتها لمرارات شخصيه تقتص من الثوره بسببها ، يسرق اي بساط من تحت قدميها وكانت ستسقط بمنتهي السهوله ، فهي معزوله وضعيفه وتتحدث بلغه لاتفهم بنات الثوره مفرداتها ... لماذا قرر يوسف المشفق علي حبيبة المعجب بها ان يخرس يوسف ابن العيلة ويمنعه من الكلام ، لكن مدام ابن العيله لن ينطق ، فهو ايضا لن ينطق ، لو نطق وساندها سيخون العيلة التي كتبت اسمه في شجرتها بالدم ، سيهدر الرساله التي قضي خمسه سنوات منذ لحظه خرج من مكتب نبيل موافقا علي الانضمام للعائله وهو يدعم فيها ...
صمت يوسف تماما ، راقبته امه ولم تفهم سر صمته ، ففي وسط البنات وبالذات بنات الثوره المتحمسات لها ، يبادلهن النكات والحماس ويزيد حماستهن للوطن الذي يستحقه نحبه ، اليوم صمت تماما ، لمحت امه بذكاء وفطريه الامهات النظرات التي كان يختلسها يوسف لحبيبة ، سعدت الام ، الفتاه الجميله سليله العائله العريقه اعجبت ابنها زينه الشباب وسيد الرجال والباقي كله سهل !!! هكذا تصورت الام!!!!
بعد العشاء ، خرج يوسف الشرفه فوجد حبيبه تبكي ولااحد يشعر بها ، ارتبك ، هل تبعثرت دقات قلبه وقتها ، منحها كوب ماء وينبوع اهتمام وحنان ، اقترب منها هامسا انه لا يوافقها علي كل افكارها ، هزت راسها توافقه ، مش انت لوحدك كل الناس مش بتوافقني علي افكاري ، علشان كده لازم امشي ، يكاد يوسف يسالها عن قصتها ، لكنه لايسالها ، تحكي هي مأساتها دون سؤال ، انا خلاص مش قادره اعيش هنا ، باكلم نفسي ، محدش عايز يفهم اي حاجه بقولها ، ايه فيه ايه ، هي الناس معمول لها غسيل مخ للدرجه دي ، توتر يوسف ، يتمني يناقشها ، لكن يوسف ابن العيله قرر وبسرعه انها لاتصلح للمناقشه وانها لن تغير رايها قيد انمله وانها هدف عظيم يمكن مبارزته ليكسب قلوب وعقول وولاء وحب بنات الثوره للوطن اكثر واكثر ، لكنه يوسف قرر يخرس يوسف ابن العيلة ، يخرسه ، رجاه يشفق عليها ، اخرجه من الشرفه وبقي معها وحده ، البنات منشغلات بالرقص وعمته مشغوله بدموعها علي فراق ابنتها وامه سعيده بانفراد يوسف بحبيبة تنتظر يعودا للمنزل حتي تفاتحه في رغبتها في اتخاذ خطوات جديه مع الفتاه !!!
يوسف مازال اخرس ، لكن عينيه يقولا لحبيبة كلام كثير ، يقول لها انه مهتم بها ومشفق عليها من وحدتها وكان يتمني يكون حرا حتي يواسيها ويحاول تهوين الامر عليها ولو حتي بسب الثوره القاسيه التي دفعت ضحايا ابرياء كثيرين ثمن جراءتها وقراراتها الثوريه ، لكني لست حر ياحبيبة ، واكثر عزله منك !!!!!!!!!
نظرت له حبيبة نظرة استكشاف وكادت تساله انت مين ، لكنها صمتت ، سؤالها وصله وحمد ربه انه لم تجهر به !!!




نهايه الجزء الاول
ويتبع بالجزء الثاني

متناثرات .. من كراسة مدفونه في درج سري ( الجزء الثاني )


الجزء الثاني


(11 )
العجوز الهرم
1999

مازالت الهلاوس تمزق بقايا ذاكرة العجوز .. يوسف !!!

ذراع الاخطبوط ..هذا ماكنته طوال سنوات طويلة ، ذراع الاخطبوط ..كنت انا ومعي اخرون كثيرين ، مائه ، الف ، مليون ذراع اخر ، نتحرك صوب هدف واحد ، كلنا نتحرك كل في مكانه ، لكن كلنا نتحرك معا وجسد الاخطبوط صوب هدف واحد تنعرفه .... حمايه هذا الوطن من السوس !!!
ياه ......... ياه يايوسف لو كنت تعرف ان المشوار اخرته كده ، هل كنت ابتديت ؟؟!!!
ميت مره كنت عايز اعيط ، عايز اشتم ، عايز اتخانق ، عايز اهاجر واطفش وامشي وافقد الذاكره واعيش حياتي عادي!!!
عايز اكسر الطوق اللي نبيل حطه في رقبتي واتحرر من كل حاجه !!!
ميت مره فكرت اختفي وقلت عمرهم ماحيلاقوني ، حاروح البلد اعيش هناك ، في بيت جدي في الفلاحين ، انا ابن الاكابر ولوعشت وسط الفلاحين عمرهم ماحيفتنوا علي ولا يوصلوا حد لمكاني ، حاروح اعيش في البلد وهناك استرد نفسي شويه شويه ، ايوه ، ارجع زي ماانا مش زي ماهما عايزين ......
مين هما ........ هما العيله اللي اتكتب اسمي في شجرتها بالدم ، قلت اه ، انا ذراع الاخطبوط ، واحد منكم !!!
اللي مطلوب مني بسيط جدا ، اخلي الناس تحبني وتحترمني واخليهم يحبوا البلد !!!
انا تصورتها مهمه بسيطه ، كنت شاب صغير مليان حماس ، اخلي الناس تحب البلد ، طب ماهم بيحبوها فعلا !!!
سهل قوي ... سهل و كمان يخلي الواحد فخور بنفسه ، فخور بنفسه لانه عاش وحيعيش حياه ليها قيمه ، مش عايش لنفسه بس ، عايش لصالح البلد اللي بيحبها ....
اتاريها مهمه صعبه قوي قوي ........... اخلي الناس كل الناس تحبني ، صعب لكن مش مستحيل !!!
اخليهم يحبوني من غير ماامثل عليهم ، لان الناس ذكيه وبتفهم في اللي بيمثل عليها وبيكذب !!!
لازم اخليهم يحبوني لاني استحق الحب !!!
اتاري الموضوع قصه صعبه ومعقده قووووووووي !!
انا بني ادم عادي ، او كنت !!!
بني ادم عادي ... في مميزات وفي عيوب زي كل الناس !!!
عيوبي طبعا حتخلي ناس تكرهني ، تكرهني انا واللي خلفوني !!!
لكن لو كرهوني خلاص ابقي فشلت في مهمتي !!!
ماينفعش يكرهوني ........... لازم يحبوني !!!
طبعا الحب مش بالعافيه ، لكن لازم اخليهم يحبوني بالذوق والود !!!
يادي المصيبه !!!!
ايه اللي عملته في نفسك ده يايوسف ...
المصيبه اني كنت عارف اني لو اختفيت عمرهم ماحيدورو علي ، كلب ومات ، او كلب واختفي ، ما هو انت لما تقرر تتخلي عن رسالتك محدش يدور عليك ، ماتستاهلش حد يدور عليك !!! وانا محبش ابقي كلب ومات ، طيب مش حاختفي وحاكمل اللي مفروض علي اعمله!
يتذكر كلمات نبيل ، انا مابجندكش في تنظيم سري ولا في جهاز امني ، لا حاطلب منك معلومات ولا حاطلب منك تكتب تقرير ولا تبلغ عن حد ولا تتابع حد ..
قاطعه يوسف .... امال حضرتك عايز ايه مني بالضبط
انفعل عليه نبيل .... يابني ادم افهم ، عايزك تحب البلد وتخلي الناس تحبها ، صعبه دي!!!
يتذكر يوسف صمته التام وقت ساله نبيل ذلك السؤال .... صمت وقتها لكن الان يستطيع يقول ، ايوه كانت صعبه قوي يانبيل مع كل اللي حصل وكل اللي عشناه !!!
ومازالت الهلاوس تعصف ببقايا عقل يوسف ..

( 12 )
القاهرة
1957

وسط البلد

في شقه مظلمه في بنايه قديمه في وسط البلد ، كان يجلس سعيد مهموم ، اعماله كثيره ووقته قصيره واحساسه بالذنب لايضاهيه احساس اخر ...دخل عليه رجل اخر ، حياه التحيه اللائقه ... ااقعد يا نفيس وقولي عايز ايه بسرعه ، الوقت قصير وانا مرهق ..
ابتسم نفيس .... عايز اعمل عيله كبيرة !!
نظر له الرجل نظرة تحمل مائه علامه استفهام ...
يافندم .. عايز اعمل عيلة كبيرة يكون لها وظيفه واحدة ، تخلي الناس تفضل تحب البلد ..
اعتدل الرجل وتنهد ، عايز ايه يانفيس !!!
يافندم ، شغلنا فيه مليون حاجه مهمه ، احنا بنفكر في افريقيا وفي العرب ، احنا بنفكر في الاخوان المسلمين واسرائيل ، احنا بنفكر في الجامعه وفي المصانع ، دايما حاسين ان فيه خطر لازم ننقذ البلد منه ..
وبعدين يانفيس .
انا عايز اعمل حاجه تانيه ، عيلة ، مش وظيفتها تنقذ البلد من الخطر ، وظيفتها تحمي البلد من الخطر قبل ما يقع ، اي خطر مهما كان كبير مالوش اي تاثير لو الناس بتحب البلد وبتنتمي ليها ، الناس هي اللي حتشيل البلد وتحميها في عينيها وتخرجها من ازماتها ، عايز اعمل عيلة ، ناس كتير ، في كل موقع ، في كل مكان ، احملهم رساله حب البلد ، انت انبياء ، اصحاب رسالة ، وظيفتكم وانتم عايشين حياتكم العاديه خالص ، انكم تخلوا الناس يعرفوا يحبوا البلد ، تعرفوا تخلوا الناس مهما كانت المخاطر او الصعوبات او الازمات او المشاكل ، مهما واجهوا ومهما قابلوا ، يفضلوا يحبوا البلد ويحموها !!!!
انتبه سعيد لما يقوله نفيس ... كلامه له معني كبير علي غرابته !!!
تشجع نفيس واكمل .... انا مش حاعمل تنظيم ، ولا حاجند ناس ، ولا حاخرجهم من حياتهم ، لا ... انا حاتواصل معاكم ، اكلمهم ، اقنعهم بالرساله الساميه اللي عايزيهم يعيشوا بيها ، البلد دي تستحق نحبها ونفضل نحبها ، كل البلاد مرت بازمات ومشاكل ، كل البلاد بتحارب وتغلب وتتغلب ، ظروفها الاقتصاديه تتحسن تتنيل ، تواجه مشاكل حصار حرب ، تواجه حاجات محناش عارفينها دلوقتي ، تخلي الناس تكفر بالبلد وتكرهها وتزهق منها وتبقي عايزه تطفش ، العيلة دي وظيفتها تربطهم بالبلد تخليهم يعذروها يتعاطفوا معاها يحبوها!!
صمت نفيس .. ينتظر رد فعل سعيد !!!
اشعل سعيد سيجاره وصمت طويلا ...
قصدك يانفيس ، نخليهم يحبوا الثورة ؟؟
لا يافندم ، البلد موجوده قبل الثوره وحتفضل موجوده بعدها ... الثوره حدث سياسي له مؤيديه ومعارضيه ، ناس مع وناس ضد ، انا مش عايز اعمل تنظيم سياسي له وجه نظر سياسيه ، لا العيلة بتحب البلد بصرف النظر عن السياسه ، تدافع عن الثوره لو ده حيخلي الناس تحب البلد ، وتهاجمها لو ده حيخلي الناس تحب البلد اكتر ، وانا باقصد بالحب ، الحب والانتماء والعطاء ، مش حب وبس !!!
اعجبت الفكرة الغريبه سعيد لكنه قرر يشاكس نفيس ويخرج كل ما في قلبه !!!
هما حذروني منك وقالوا عليك مجنون ، لكن ماكنتش فاهم انك مجنون للدرجه دي !! وانفجر ضاحكا !!
جامله نفيس وضحك ضحكتين واكمل ..... يافندم ، انا مجنون فعلا ، لاني بافكر بطريقه غير تقليديه ، لكن حضرتك قلت لي قبل كده انك بتكره التفكير التقليدي و.... انفجر ضاحكا ...
يافندم ، انا بحب امي ، تتخانق معايا احبها ، تخاصمني احبها ، تعاقبني احبها ، عمري ماكرهت امي ولاحاكرهها ، تغضب علي تحبني ازعل منها ازعلها ، هي امي وحتفضل امي ، لما ابوس ايدها لما اخش في حضنها تبقي الدنيا ومافيها ، انا بحب البلد زي امي واكتر والناس كلها بتحس ان البلد دي امها وحضنها وامانها ، عايز اخليهم دايما فاكرين انها امهم ، انهم امانهم ، انها سترهم ، انها حضنهم!!
نظر له سعيدا طويلا وانفجر ضاحكا .......... ده انت شاعر بقي !!!
لم يضحك نفيس .... يافندم ... انا جاني الاحساس ده امبارح ، كنت قاعد في صوان عزا ابن عم ابويا ، العيله قاعده حواليا عزوه وقوة ، العيله بتعمل كل اللي مطلوب منها من غير ماحد يقول لها حاجه او يطلب منها حاجه ، العيله عارفه اللي عيلها وبتعمله ، البلد دي ، الوطن باللغه العربية ولغه الشعراء ، محتاج شعبه يحبه بمميزاته وعيوبه ، مش يحب الثوره ولا الحكومه ولا اي حكومه جايه ، يحب الوطن ، لو حبينا الوطن عمره مايتهزم ، عمره ما يتكسر ، دايما يطلع لقدام ، زي الام اللي بتحب ابنها ، بتقعد جنبه تراعيه وتذاكر له وتسنده ، العيله حتبقي ام الوطن والوطن امها ، هي تسنده وتدافع عنه وهو يكبر بيها وبالناس اللي العيله حتخلي الوطن طول الوقت في قلبهم !!!
يسمعه سعيد بكل اهتمام ...
يشعل سعيد سيجاره وينسي اعماله الاخري ...
بص يانفيس ، كلامك غريب قوي ، دي حاجه لاحد عملها قبل كده ولا حيعملها من بعدنا
ابتسم نفيس ، سعيد تحمس للفكره ووضعها موضع التنفيذ ...
فكره جديده جدا ، لدرجه اني ااقولك ان القياده السياسيه لما حتسمع عنها حتستغرب جدا ، قاطعه نفيس ، لا يافندم ، القياده السياسيه مش حتستغرب ، القياده السياسيه حتفهم جدا احنا بنقول ايه وحتتحمس له ، احنا بنخلق للوطن عيلة تحبه مهما حصل له !!!
غاب سعيد مع دخان سيجارته ... وده يتعمل ازاي عندك فكره ، فكرت بالتفصيل يعني ولا ايه !!!
ضحك سعيد ، ايوه يافندم فكرت وحطيت تصور مبدئي ... انا عايز كل النماذج الناجحه في البلد تخش العيلة ، كل واحد منهم حينجح في موقعه وهو ابن العيله حيشرفها ، كلامه حيبقي له مصداقيه وتاثير علي الناس ، كل النماذج الناجحه المشرفه هي ولاد العيلة ، اللي عايزه منهم يفضلوا يحبوها ويحببوا الناس فيها ............... وانهمك الاثنين في حديث طويل !!!!!!!!!!

( 13 )
يوسف
1999

في مكانه المعتاد ، علي نفس المقعد ، والشمس تستعد للغروب

وصوت ام كلثوم تشدو ........ ولو كنت اقدر احب تاني احبك انت !!!
تعود اليقظه لبقايا عقل يوسف رويدا رويدا ...
تذكر نبيل والعيلة ...
سنين كتيره قوي عدت بعد المقابله اللي قلت لنبيل فيها اه
يحاول يوسف يتذكر عددهم لكنه في تلك اللحظه يفشل تماما في عد السنوات !!!
انا موافق .... كلمتين وبدأت الرحلة ...
قبلها قضيت ليله طويله افكر ، لو قلت اه يعني ايه ؟؟ ولو قلت لا يبقي ليه؟؟
فكر كويس يايوسف مجرد قرار واحد يغير حياتك للابد
مهندس متخرج من كليه الهندسه سنه 1960 باحلم بالسد العالي اشتغل فيه اسافر اسوان اكون جزء من ملحمه وطنيه!!
ومين عارف جايز اعرف عن طريق عمي احصل علي بعثه لموسكو ، ماهي البعثات كلها بتسافر موسكو ، اسافر اعمل دكتوراه وارجع اطبق العلم اللي اتعلمته هنا ، صحيح انا بكره الروس ومحدش يقولي ليه ، يمكن لان عمي وهو بيشتغل في السفاره هناك بيكرههم جدا وبيقولوا شيوعين اجلاف ، صحيح بكره الروس ، لكن مش مهم ، هما شاطرين جدا في العلم وده المهم ، والحب في القلب بقي !!
قلنا حنبني وادي احنا بنينا السد العالي .... انا واحد من اللي حيبنو السد العالي ...
وحاحب مهندسه زميلتي ونعيش في اسوان و.........ارفع راسك يااخي انتهي عهد الاستعمار !!!
لكن كل ده اتغير ..............
بحسم اوضح له نبيل ، ماينفعش تروح اسوان ... تتنفي في اخر الدنيا ... فيه في البلد ميت الف مهندس شاطر زيك واحسن لكن احنا محتاجينك هنا ..يعني يافندم ..... ؟؟ ايوه ، ماينفعش تسافر ، لاتروح اسوان ولا تروح اسكندريه ، انت ابن القاهره وعارفها وحافظها ، اهلك وناسك ومعارفك هنا ، في اسوان حتلاقي ميت واحد من العيله عاجنها وخابزها وجحا ادري بشعابه ، انت تفضل في القاهره ، القهوه اللي بتقعد عليها ، الجامع اللي بتصلي فيه ، النادي اللي ابوك عضو فيه ، زمايل المدرسه الثانوي ، جيرانك ، بيت عمتك اللي في حلوان ، بيت خالك اللي في المنيل .... انت مكانك الطبيعي القاهره ولازم تفضل فيها !!!
اول معلومه اتقالت واحسها قيد علي ....
ضحك ضحكات متتاليه ، ماهو طبعا حيبقي فيه قيود عليك ، قيود ان صوتك مش حيبقي من راسك ، حيبقي من قلبك ، وقلبك مضبوظ علي توقيتنا احنا ، مره واحده حنظبط الساعه وهي بعد كده عارفه طريقها ...
لما تبقي ابن العيله بتاعتنا ، عمرك ماتسيب مكانك ، ده خط النار بتاعك ، الجندي عمره مايسيب مكانه ويروح حته تانيه مايعرفهاش ، هو حافظ موقعه وعارفه ، لو راح حتي تانيه يبقي غريب والغريب اعمي ولو كان بصيره !!
هل لاحظ وقتها اندهاشي وترددي ..... اشرب القهوه واديني بندردش مع بعض وحاعتبر ان قرارك النهائي بعد الدردشه!!! شربت القهوه ....
مافيش اسوان ، لكن طبعا مش حتعتقل في القاهره ، حتعيش عادي زي الناس ، تروح بلدكم ، تسافر تبع شغلك هنا او هناك ، حتصيف زي كل الناس ما بتصيف ، حتصيف في الحته اللي اتعودت تصيف فيها كل سنه ، ولو غيرت مكانها تختار مكان تاني تروحه كل سنه ، تبقي عمده ، عمده في حتتك في قهوتك في مصيفك ، عمرك ماتبقي غريب ، الغريب مالوش تأثير ، الغريب عايز اللي ياخد بايديه وانت مفروض تاخد بايد الكل ..........
طار حلم اسوان والسد العالي يايوسف ، دور لك علي حلم تاني !!!! همست لنفسي !!!
ابتسم نبيل .......... وصمت ينتظر استوعب ماقاله لانبدأ دوره جديده من المناقشه !!!
يحاول يوسف معرفه كم سنه مرت علي ذلك اللقاء لكنه لا يستطيع !!!
لعن المرض وذوبان عقله ووعيه المؤقت الذي يلتهمه المرض بسرعه وقسوة !!!
هامش .................... 2
ماينفعش افضل اتكلم كلام غامض كده ، دي ماتبقاش حدودته ، ده يبقي لغز !!!
لازم افسر شويه ...
دي عيلة .... عيله كبيرة ، ويمكن كمان اكبر عيله في مصر ، عيلة اتكونت بقرار جريء من سعيد بسبب فكره مجنونه من نفيس ، عيلة كبيرة قوي ، مافيهاش نسب وستات ومين خلف ومين اتجوز ، ناس تانيه اتجوزت وخلفت والعيله دي خدت افلح العيال علي الجاهز ، مره زمان حد تصور انهم بينقوا العيال الفالحه من وهما في المدرسه الابتدائي ، بيحطوا عينهم عليهم ويتابعوهم ولما يبقوا خلاص استووا وطلبوا الاكاله يفاتحوهم !!! ده كلام مش حقيقي ، سببه بس ان اختياراتهم كلها بديعه جدا ، كل الشباب والبنات اللي دخلوا العيله يفرحوا القلب ، زينه شباب مصر ، متنقيين علي الفرازه ، ادب واخلاق ودين واصل ، عيال ذكيه وحلوه ولماحه وشاطره واهم حاجه قلبهم بجد علي البلد ......
عيلة ......... مسلمين ااقباط ، يهود كمان ، بنات رجاله ، ولاد فلاحين ولاد اقطاعيين ، عيال اتعلمت بره ورجعت ، عيال عمرها ماسابت البلد ولا تعرف تخرج منها ، علي كل لون ياباطسته ، المهم ان كلهم كشفوا دراعهم واتشرطوا وكتبوا بالدم شهاده ميلادهم الجديدة ونسبهم للعيله دي ، كل واحد وواحده كتبوا بالدم اسمهم علي الشجره وخضروا فرعهم وعاشوا العمر كله يسقوا الشجره دي بعرقهم واخلاصهم وحبهم !!!!
عيلة كبيرة ، كان بيمثلها وقت المقابله مع يوسف واحد من اذكي ولادها ، اه ماهي العيله لما سمعت عن يوسف واتحطت المعلومات بتاعه قصادها ، المعلومات اتدرست واتحللت واتفهمت ، عرفت العيله ان يوسف صعب ، شكله سهل لكن صعب ، راسه ناشفه وصوته من راسه ومالوش ممسك ، حبله علي ضهره و حر ومتمرد ، لكن لما بيؤمن بحاجه بيموت نفسه علشانها ، مين بقي اللي حيعرف يقنع يوسف يخش العيله ويتحمس لشغلها ، مافيش غير نبيل ...
ماينفعش احكي حكايه نبيل دلوقتي ، ماهي حكايه نبيل زي حكايه يوسف ، حد رشحه للعيله وحد اقنعه بيها وغير حياته كلها ...
يبقي انا باحكي عن عيله وشجرتها ..........
واللي قابل يوسف نبيل !!!
نرجع بقي لحكايه يوسف !!!


( 14 )
نبيل
1960

مجرد تليفون صغير و..... مقابله صغيرة !!!

حتقابل شاب جميل لكن متمرد قوي يانبيل !!!
ضحك نبيل وهمس لنفيس .... مين اللي بيتكلم يانفيس !!!
ابتسم نفيس وهمس ... اه التمرد ميزه كبيرة لكن لازم حد متمرد اكتر منه يعرف يخليه يقتنع ويصدق وينتمي ويدينا حياته!!!ابتسم نبيل وهو يودع نفيس ... خليها علي الله وغادره يفكر في يوسف وكيف ستكون المقابله بينهما !!!
نبيل واثق من نفسه وقوي الشخصيه وفي نفس الوقت بسيط ولطيف ، حاسم وقت مايلزم وعنيف وقت مايلزم ، لكن طيب وبيعذر الناس كلها ، هو نبيل اللي يقابل يوسف ....جابوا نبيل من اسكندريه ..... نبيل قاعد في اسكندريه ومالوش في المقابلات دي خالص عملها مرتين تلاته وقالهم ماتحطونيش في الموقف ده تاني ، قالوا له حاضر ، لكن هو كان عارف وهما عارفين انهم لو احتاجوه يجيبوه وهو كان عارف انه حيقول حاضر ، واهو اللي كان متوقع حصل ، تعالي يانبيل ، حاضر ، نبيل اسكندراني صح ، بيعشق ماريا وترابها ، روح اسكندريه كلها جواه ، من البحر الميت للقلعه من ابو القير لسيدي العجمي ، حافظها شبر شبر من الانفوشي لزيزنيا من لوران للمعموره من كامب شيزار لسان استيافنو .... لازم تيجي يانيبل تتكلم مع يوسف ، ولازم يوسف مايحسش انك اسكندراني ولازم تسيطر عليه وتقنعه ، وهي قعده واحده ولا اتنين ، لو طول عن كده ماينفعش ، يوسف متمرد وذكي ولو حس اللي بتقوله حيسلم علي طول ...
نبيل ركب الديزل وساب نبيل الاسكندراني في اسكندريه ، لبس وش القاهره ، مابيحبهاش لانها زحمه وعمره ماانتمي ليها ، لكن يوسف لازم يحس انه من حواري القاهره من الدرب الاحمر او مصر العتيقه ، لو حس انه اسكندراني دماغه حتروح لبعيد واحنا مش عايزينها تروح لبعيد ...........ركب نبيل الديزل وقام لماري مراته ، ان عنده واجب عزا في مصر وسافر ، ماري ماسالتش مين مات ، هي مااتعودتش تسال ، اللي بيقوله نبيل صح وخلاص .........

( 15 )
نجية
1972

هو يوسف بيشتغل ايه يانجية !!
ضحكت نجية وقالت لشقيقتها ... انت اتهبلتي يانجيه ، يوسف مهندس ماانت عارفه !!!
كتمت نجية وضحكها وصمتت فزوجها ابو يوسف مات من يومين وهي ترتدي ملابس الحداد وجميعهن حزاني !!!
عارفه يانجيه طبعا انه مهندس ... لكن في وقت الجنازه كنت مستغربه قوي ، ولادي قالوا لي كمان ان الناس في الصوان كانت ياما ، من كل شكل وصنف ولون ، بهوات وافنديه ، عمال بشحمهم وناس الا فرنكه ، مهندسين وغيرهم ، تصدقي استغربت وقلت اسالك جايز فيه حاجه مش عارفاها !!
نظرت لهم نجية بعتاب .... الناس بتحبه يافردوس بتحبه ، اللي ربنا يحبه يحبب فيه خلقه !!! ايه علاقه الشغل بالموضوع ، يوسف طيب وقلبه طاهر والناس بتحبه ، لما عرفوا انه ابوه مات جم يقوموا بالواجب ، ولادك بيبصوا ليوسف علي محبه الناس ليه يافردوس ؟؟؟
ارتبكت فردوس ، مش القصد يانجيه خالص ، يقطعني ، انت فهمتيني غلط !!!
هزت نجيه راسها تعجبا وتركت فردوس في الصالون وقامت ، حاروح اصحي يوسف يافردوس وانت شغلي القرأن ...
سارت نجيه في الطرقه الكبيرة تفكر ... صحيح الواد حبايبه كتير قوي ربنا يزيدهم ...
لاتعرف نجيه مالذي فعله يوسف في حياته حتي تحبه كل هذه الناس !!!
كثير من الوجوه التي جلست في الصوان منذ اول الليله لاخرها لايعرفهم يوسف ، جاملوه وشدوا علي يده بقوه وصدق ، احتضنه بعضهم ، التأثر الذي وجهه علي وجوههم ، كثيرين بقوا بجواره حتي اختتم المقريء الليله الطويله بالادعية ...وحين غادر كثير من الناس الصوان واوشكت الليله تنتهي ، التفت يوسف ليشكر الغرباء ويسالهم من انتم ، لكن احدا منهم لم يكن موجود !!!
لمعت الدموع في عينيه وتذكر نبيل !!!
اشمعني نبيل !!! لانعرف لكنه تذكر نبيل !!!!


( 16 )
يوسف
1961

ناده ابيه ، يايوسف يايوسف ، خرج من غرفته نصف نائم بالفانله الداخليه ، عمك بعت وقال خلاص ربنا يسهل قدر يلاقي لك مكان في الجامعه ، مش في موسكو بالضبط ، في كييف ، معهد دراسات الكترونيه عالي و.......... قاطعه يوسف ، خلاص يابابا انا صرفت نظر ، لم يفهم الاب ، صرفت نظر عن البعثه ، اه ، شغلي عاجبني ومش عايز اذاكر تاني !!! حدق فيه الاب يكاد يساله ، ليه يايوسف ، لكنه لم يعتاد يساله عما لا يقوله ، يعرف ابنه ، لو رغب في الشرح لشرح له مبرراته ، يايوسف ، انا حابعت جواب لعمي اشكره لكن خلاص انا صرفت نظر خالص ....

التحق يوسف بشركه مقاولات كبيره ، تقدم من ضمن الالاف للوظيفه فاختاروه ، شركه كبيره مليئه بالعمال والمهندسين ، لها مائه موقع في الجمهوريه وخارجها ، امه سعدت بتعيينه ، وابوه فكر قليلا ثم قال له ، ربنا بيحبك يايوسف ، مكانك ده يتمناه ملايين ، ومحدش بيتعين فيه الا بالواسطه ، ربنا كان واسطتك ، ابتسم يوسف ونعم بالله يابابا ......
اول مره سافر خارج القاهره سافر لاسوان ، شهرين في موقع الحفر ، ابتسم قبلما ينام ذات ليله وهمس ، انا عارف والله انك اللي بعتني هنا ، عايز تقولي اللي نفسك فيه حنعمله لك ، ماهي مش صدفه اول مره اخرج من القاهره اروح اسوان اللي كان نفسي اروحها !!
كان يعلم ان نبيل او اي نبيل من العيله توسط له او اصدر اوامره ليتعين في الشركه الكبيره وليسافر اسوان ، العيله تساعده دونما تفصح ، لكنه يحس باصابعهم تتدخل احيانا وتغير مسار عجله القياده ، تحرف سيارته يمينا او يسارا ، الكل يري مايحدث لكن لااحد يفهمه الا يوسف ، ابتسم يشكر نبيل !!! كان نفسي اشوف اسوان والسد وهو بيتبني !!! شكر نبيل واحس شوقا ليتكلم معه !!!


( 17 )
نبيل
1981

اغلقت ماري التلفزيون وانفجرت في البكاء ..
تنظر لنبيل تنتظر منه اي كلمه لكنه صامت تماما ..
لايجوز عزل الانبا شنوده ، هذا ليس منصب رسمي ولا وظيفه ، انه البابا !!
اطفأ سيجارته واحتضنها ، ترتج في حضنه ، همس ، ماتخافيش !!
التليفون لايكف عن الرنين في منزلها ، صديقاتها وبنات عمومتها ، يعرف مالذي يقولوه لها ، اغلقت السماعه ونظرت له ، تريزا مصممه تاخد بناتها وتسافر عند عمها في كندا ، الناس خايفه قوي يانبيل ، مش كفايه اللي حصل في الزاويه الحمرا واللي بنسمع عنه ، كمان البابا ، ده كتير كتير قوي!!!
نبيل غاضب ولا يتكلم ... مايحدث خطأ كبير يفسد كل عمل العيلة سنوات طويلة!!!
حين تقرر تريزا تاخذ بناتها وتهاجر لن تكون الاولي ولن تكون الاخيرة ...
انها لاتشعر بالامان ، والوطن الذي لايشعر اهله بالامان ليس بوطن ...
تذكر كلمات نفيس له ..... السوس يانبيل السوس ، السوس مابياخدش اذن علشان يفترس جسد الضحيه ، زي السرطان محدش يحس بيه الا لما ينتشر وتكون الدنيا باظت ، اضبط قلبك علي بوصلتي ، اللي تحسه سوس يبقي سوس ، انت في مكانك اكتر واحد عارف فين السوس اللي حيخوخ البلد ويخليها تنهار ، لما تحس بالسوس هاجم عليك ، صدق احساسك واتصرف واتعامل مع الموقف ، المهم ، ان الناس تفضل تحب البلد ، اي حاجه تخلي الناس تبطل تحب البلد تبقي سوس لازم تقاومه ...
مازالت التليفونات ترن بصخب في المنزل ومازالت ماري تبكي !!!
سالها ، تيجي نقعد علي البحر !!!
نظرت له لاتصدقه ... دلوقتي يانبيل ، اه دلوقتي ، البحر موجود ياماري علي طول وحيفضل موجود ، مين قال نروح له واحنا مبسوطين ، تعالي نروح نعيط هناك ، البحر زي مصر ياماري ، كان موجود وحيفضل موجود ، لما بتحصل نوة او فيضان او الموج بيعلي الناس بتخاف ، لكن بسرعه البحر بيرجع لحالته الطبيعيه تاني ، تعالي ياماري نروح نقعد علي البحر ، نشكي له همنا ، وتاكدي لما النوة حتخلص البحر حيرجع لطبيعته !! نظرت له ماري بعيون تملئها الدموع وابتسمت ، فهمت رسالته وخوفها تناقص وسيتناقص !!!
لم يكن يقصد يلقي عليها محاضرة ، لكن هذا مايحسه بالضبط في تلك اللحظه !!!
هو خائف اكثر منها ، لكنه خائف علي مصر كلها وعليها ، خائف لكنه لن يكتفي بخوفه ويصمت!!!!
البحر في سبتمبر وبدايات الخريف له شكل خاص ، ليس ازرق وليس رمادي ، يموج بالالوان ، جلس نبيل وماري يحدقا في البحر ، صامتين ، كثيرا ما يبقوا صامتين ، لايحتاجا كلمات ليتواصلا ، كان يفهم غضبها وكانت تفهم احاسيسه ، حدقا في البحر وصمتا !!!
الله يرحمك يابابا ، تذكر ابيه وقت ساله حتتجوز مسيحيه يانبيل ، ضحك نبيل ، حاتجوز مصريه يابابا بعد اذنك طبعا ، هي البنت ما تتعيبش بس مسيحيه ، ضحك نبيل ، بس مصرية ، بص يانبيل ، ماري زي فاطمه مافيش فرق بينهم كلهم مصريات بس مين اللي يفهم بقي ، ابتسم نبيل بادب ، انا فاهم يابابا كويس اللي انت بتقوله ، ضحك الاب ، بس انت مش عايش لوحدك ماري مسيحيه وده جايز يعمل مشاكل في المستقبل ، يتذكر نبيل رده علي ابيه ، مش مفروض يعمل مشاكل خالص لا دلوقتي ولا في المستقبل ، صمت ابيه احتراما لارادته وبارك زواجه من ماري !!...
تزوج نبيل ماري الانسه الرقيقه التي احبها واخذته من ذراعه ودخلت به في كل مجتمعاتها ، الكنيسه والنادي واحتفل معها بعيد القيامه وعيد الميلاد ودق بنفسه افرع القمح الجافه علي باب بيته في عيد الغطاس و........... احيانا يسال نفسه ، هل يحب ماري فعلا ام تزوجها من اجل العيلة ، تزوجها ليقول للناس جميعا مصر وطن لكل المصريين فاحبوه بصرف النظر عن ديانتكم ، هل تزوج ماري لانه يحب عينيها اللامعتين وجسدها النحيل وخصلات شعرها الكستنائيه ام لانه كانت مفتاحه لدائرة تمني لو يدخلها وكان يستحيل دخولها الا بصحبتها ... يحدق نبيل في عيني ماري اللامعتين ويشعر بالذنب من اسئلته السخيفة ، تزوجها لانه احبها وهي تستحق الحب .. لكن هاتف داخله يهمس وعلشان العيلة كمان ، يبتسم نبيل لماري التي تبادله الابتسامات الطيبه ويحدق في البحر !!!
الله يرحمك يابابا ، همس نبيل فسالته ماري ، بتقول ايه يانبيل ، ابتسم يطئمنها ، بقولك ماتخافيش !!!
يتردد في اذنه صوت نفيس ، السوس يانبيل السوس ، يتردد في اذنه كلمات ابيه ماري زي فاطمه مافيش فرق بينهم ، يهمس نبيل ولازم يفضلوا مافيش فرق بينهم وحدق في البحر وعلي وجه تصميم شديد لما سيفعله دفاعا عن كل ماري وفاطمه !!!


( 18 )
يوسف
1999

سالته ابنته ، تدخل جوه يابابا ، تعجب انه فهم سؤالها ، هز راسه نفيا !!!

يحب البلكونه والليل ... اليوم ذاكرته متقده خلافا لايام كثيره سابقه ، سينتهزها فرصه ليستمتع باجواء يحبها ويعرفها وكان نسي مذاقها مع كل شيء اخر نسيه ....
ابتسمت ابنته تحبه وتشفق عليه من ضياع عقله ، طلب منها الراديو وعلبه السجائر !!
هذا ليس ابيها المريض ، هذا ابيها الرجل القوي الجميل الذي كان !!!
قررت تعطيه علبه السجائر لاتكترث بمخاوف امها علي صحته ، لم يعد يملك وقتا طويلا لتضيع صحته اكثر ، فليستمتع بحياته وكل لحظه يقبض فيها علي عقله الفار ...
فتحت له الراديو فانطلق صوت ام كلثوم يغني ، عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يازمان ، اشعل سيجاره وابتسم لحبيبة قلبه وشكرها ، دخلت من الشرفه وجلست علي طرف الكرسي تراقبه بطرف عينها تخشي يداهمه النسيان فيؤذي نفسه !!!
يااااااه يايوسف ... كانك رجعت تلاتين سنه لورا ..
منه لله صلاح ، دخلني في لعبة عمري ماكنت اتصور اني حالعبها ..
ورقه وشقه في وسط البلد ومقابله واحده والحياه كلها تتغير ، كلها كلها تتغير !!!
ان كان علي الحب القديم ، ان كان علي الجرح القديم ، ستاير النسيان نزلت بقالها زمان .............
يااه يايوسف .... ستاير النسيان بتلفك وتاريخك وحياتك والزمان خلاص مش حيرجع !!!
تومض ذاكرته بلقطات من شريط سينمائي ، مشاهد عاشها زماااان ...
يسطع وجه نبيل بملامحه القوية في شرفه يوسف والنسيم عليل ....
ساله يوسف مستنكرا كمان موسكو لا ؟؟!! فرد عليه نبيل بحسم وطيبه ، طبعا لا !!!
اشفق عليه نبيل من القيود التي تفرضها العيله عليه لكنه لايملك له حلا ، اما يقبل القيود اما يرفض الموضوع كله ، موسكو ايه يااخ انت ، اذا بقولك اسوان لا وتفضل مكانك علي خط النار حتقولي موسكو ، طبعا لا ، انت تعرف موسكو ، سافرتها قبل كده ، اتربيت هناك ، حنعمل ايه بيك في موسكو ، حتبقي واحد تايه ماتلزمناش ، موسكو ليها ناسها ، ناس اتولدت هناك وعاشت هناك ، عارفه الخماره بتفتح للساعه كام وتعرف تصطاد بنات باللغه الروسيه ، ضحك يوسف ، بتضحك ، بس هي دي الحقيقه ، انت لو رحت موسكو حتتعمي وتبقي عايزنا نسحبك من ايدك ووقتها ما تلزمناش !!
رضخ يوسف واستغني عن اسوان وعن موسكو ، عرف نبيل وقتها من الذي يجلس معه ، شخص مستعد للعطاء بالفطره بلا صخب بلا شعارات !!
مازال صوت ام كلثوم يصدح ومازالت ذاكرته متقده ومازالت حبيبة تراقبه !!!
ايه اسعد ايام حياتك يايوسف !!!
يوم مااتعينت في الشركه ... يوم ما عرفت ان حبيبة بتحبك .... يوم ماسافرت اسوان وحسيت ان نبيل واخد باله منك ومش حيسيبك ... يوم ما عبرنا القناه في تلاته وسبعين ... يوم مااتجوزت سعاد العروسه اللي اختارتها لك امك بعد ماغلبتها وفضلت قاعد من غير جواز ، يوم ماحبيبة ودعتك وهي بتعيط لانها بتحبك ومتعذبه ببعدك ... ايه اسعد يوم في حياتك يايوسف .... يوم ما شلت حبيبة علي ذراعك وهي لسه مولوده وشفت فيها حبيبة الحبيبة ، يوم ما اتخانقت مع رئيسك البيرقراطي في العمل لانه كل قراراته متخبطه وبيكره العمال في الشركه وفي حياتهم ، يومها اتخانقت معاه خناقه كبيرة ومن غير خطب قلت له ان الشركه مش بتاعته وانها بتاعت كل الموظفين فيها وقدمت فيه شكوي لانه فصل اتنين عمال فصل تعسفي وبعدها رئيس مجلس الاداره شاله وانتصرت انت والموظفين والعمال عليه ، يومها الناس حبت الشركه اكتر وحبت الوطن اكتر وصدقوا ان الشركه بتاعتهم والبلد بتاعهم ..... ايه اسعد يوم في حياتك يايوسف ... اسعد يوم لما رفعنا العلم المصري فوق سينا بعد الجيش ماعدي ، في اليوم ده نمت نوم طويل ، اول مره تنام بعمق بعد هزيمه سبعه وستين ، في اليوم ده الاثنين اللي جواك اتوحدوا في واحد بس نام نوم عميق ، في اليوم ده ومن سنين طويل قبلها ما حسيتش بحاجه وقلت حاجه تانيه ، ماضحكتش وانت نفسك تعيط ، لا في اليوم ده ماقلتش حاجه لان الجيش عدي والعلم المصري اترفع وحب البلد انفجر في نفوس كل الناس واتوحدوا ، يومها حسيت ان ملكش لزمه وتقدر تنام بجد !!!! ده اسعد يوم في حياتك يايوسف ، اوعي تنسي !!!!
مازالت ام كلثوم تشدو ....
والنار بقت دخان ورماد ..... وبقينا بعاد بعاد والنار النار بقت دخان ورماد !!!
اسود يوم عشته يوم خمسه يونيو سبعه وستين !!
واكتر يوم وجعني يوم ماحبيبة ودعتني ومشيت وهي بتعيط !!!
باتفكر ليه وبافوق ليه ....
مازال يوسف يشرب السيجاره علي وجهه تعبيرات متناقضه !!!
ذاكرته حين تتقد وتعود اليه تاتي بالحلو والوحش ولايملك وقتها ينتقي منها ما يعجبه ويمحو ملا يعجبه !!!
طالت ليالي الالم .... واتفرقوا الاحباب اتفرقوا !!!
اه ياحبيبة !!!
ليتني لم اراك ... وكفايه بقي تعذيب وشقا ودموع في فراق ودموع في لقا ..
تعتب علي ليه انا بايديا ايه .....
اه ياحبيبة !!!
ماكانش في ايدي حاجه ، اي حاجه !!!!
وحشتيني ياحبيبة .... وتسللت الذاكره من عقله بذكرياتها كالرمال الخشنه توجعه وتتلاشي !!!!

( 19)
حبيبة
1965

اتصلت حبيبة بيوسف وطلبت تقابله !!!
حاول يتنصل من مقابلتها لكنها اصرت !!!
اربعه شهور مرت منذ اللحظه الاولي التي قابلها في منزل عمته !!!
اعجب بها لكنه قرر يبتعد عنها فكل افكارها وكلامها يستفزوه بشده ، وجودها وحديثها يدفعه دفعا لتمزيقها ، لكنه يشفق عليها ، وجودها يحرجه ، يشعره بانه ليس ابنا مخلص للعيله التي انتمي اليها ، واجبه العائليه ان يناقشها ويهزم افكارها ويمزقها لانها تهرب من الوطن الذي لاتستحق الانتماء اليه ، هذا ماهو مقتنع به ، لكن حبيبه لجمت لسانه واخرسته ، وحين خرس قرر يبعد عنها ...
حين اتصلت به للمره الاولي ، اندهش وكادت امه تزغرد من الفرحه ، اهو انت مش راضي تاخد الخطوه الاولي البنت خدتها ، البنت قمر وبنت اصول ومسافره برضه وتقدر تسافر معاها وتدرس انت كمان هناك ، انت مش كنت عايز تسافر ، يضحك يوسف ، كنت ياماما وخلاص قفقلنا الموضوع من زمان ...
تلومه امه ، يايوسف البنت قمر و عروسه جاهزه وانت معجب بيها يايوسف بطل مكابره ، لم يرد علي امه واخد السماعه وانصت لها ، انت مستغرب اني اتصلت بيك ، لا ابدا حضرتك ، نعم هو يبني سدودا بينه وبينها ، اصلي حسيت انك كنت عايز تقولي حاجه ما قولتهاش ، ضحك متوترا ، كيف احست بما تصور انه كتمه داخله ، انا مسافره بعد شهر ، عندك مانع نشرب قهوه ، في الامريكين ، اوكي ، باي!!
جلس يوسف في البلكونه يفكر ، عايزه ايه ياحبيبة ، عايزه مني ايه .....
سالته امه ، خير يايوسف ، ابتسم خير ياماما وصمت تماما ...
اربعه شهور مرت بين المقابله الاولي واليوم ، يوم المقابله الاخيرة ، حبيبه ستسافر بعد يومين ، هو فر من وداعها لكنها اصرت عليه ، وها هو سيقابلها اليوم للمره الاخيرة ، مالذي تنتظره منه ، هل تنتظره يبوح بحبها ويطلب منها الزواج ، هل ستتشاجر معه لانه ضيع الاربع شهور في صمت افقدها صوابها ...
سيقابلها ويودعها ولن ينطق !!!
تذكر نبيل ......... احس وجعا في قلبه ، مبسوط كده حضرتك ؟؟؟
تذكر صلاح ..... الله يخرب بيتك ياصلاح منك لله !! قال جملته الاخيره وضحك موجوعا !!!
ودخل الحمام لياخذ دش بارد فوق راسه الساخن !!!


( 21 )
يوسف
1999

العجوز يجلس في البلكونه يدخن سيجاره ...
النجوم تسطع في السماء والقمر صغير يجاهد ليشق لنفسه مكانا بين السحب الكثيفة ، نسمات بارده تحرك الاشجار امامه..
مثل ذلك اليوم الذي قابل فيه حبيبه لاول مره ...
جلس علي ترابيزة في الامريكين ينتظرها ، يحدق في كل انثي تدخل من الباب الزجاجي ، كانه نسي ملامحها ، يحدق في الباب حتي لاتدخل ولاينتبه لوصولها .... غاب مع افكاره ، عايزه ايه ياحبيبه عايزه مني ايه !!
انتبه وهي تقف امامه مبتسمه ...
سلمت عليه وجلست بتلقائيه شديده ، كانها تعرفه منذ الف عام
سالته وهي لاتكترث بالاجابه حقا ، استغربت لما اتصلت بيك ، عيب مايصحش مش كده ؟؟
هز راسه نفيا ، لا خالص ، الدنيا اتغيرت !!
طلب قهوه وطلبت ايس كريم
اصلي حسيت انك كنت عايز تقولي حاجه وماقولتهاش ..
وقبل ان يجيبها ، باغتته ، انت ايه رايك في الثورة واللي حصل في البلد ؟؟؟؟
وضع الجرسون القهوه فمنح يوسف ثوان يفكر فيها في الاجابه التي سيقولها لها ..
اخذ يردد كلاما يؤمن به بمنتهي الحماس عن الملك الفاسد والشعب والديمقراطية والفلاحين ...
ابتسمت وهي تسمعه ، انت بتقول كلام مش حاسه يايوسف ..
ضحك ضحكات متتاليه ... سيغازلها عابثا بالعمد ، لست انا من تتصوريه !!
بقولك ايه ياانسه ، مازال يضع الحدود وهي تكسرها ، ماتيجي نتعرف !!!
انا مسافره يايوسف بعد شهر بالكتير ومش راجعه تاني ، وماحبيتش اسافر من غير مااسمعك ، انت جواك كلام مابتقولوش وقلت جايز نفسك تلاقي حد تتطمن له فتقوله !!!
لو تملك بصرا ينفذ بين ضلوعه لشاهدت قلبه يهوي من مكانه ، هي المرأة الذكيه التي كان يتمني الارتباط بها !!
لكني لست الرجل الذي يملك امر نفسه فيرتبط بك وانت تكرهي البلد التي احبها ، ولن اضيع وقتي معك حتي تحبيها ... هكذا همس لنفسه!!
تبادلا حوارا غريبا ، كلمات متناثره ، الامر الواضح لكليهما انهما احبا اللقاء بينهما اما غير فهذا فكل ما بينهما لن يجمعهما ابدا !!
نظرت في ساعتها وقررت تنهي المقابله ، يبدو اني حسيت غلط يايوسف ، ده رقم تليفوني لو حسيت انك عايز تتكلم انا مستعده اسمع!!!
احنا اصدقاء مش كده ، سالها يوسف ، مازال يبني السدود بينهما ، ببرود هزت راسها توافقه ، طبعا !! باي يايوسف ...
اشعل العجوز سيجاره تانيه ....
وابتسم ، احبته واحبها منذ اللحظه الاولي للقاء لكن الاقدار فرقت بينهما بقوه وحسم منذ اللحظه الاولي!!!
كره العجوز ذاكرته ..
كل شيء وهن وكل شيء غاب وكل شيء تلاشي الا حبيبة !!
كان وجعها لن يبارحه الا وقتما تبارح روحه الجسد الوهن !!
اه ياحبيبة !!!


نهايه الجزء الثاني
ويتبع بالجزء الثالث