مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



السبت، 24 أغسطس 2013

امنيات مستحيلة علي الجدار المتهاوي .. الجزء الرابع


امنيات مستحيلة علي الجدار المتهاوي

الجزء الرابع  



( 23 )

مع ان .... مش كل البشر فرحانيين

انهي مدة العقوبة واخيرا خرج من السجن ، حاول طويلا يثبت براءته ، لكن القاضي الذي يجهل القانون ومعني العداله ويخاف الكبار الذين زجوا به في السجن لم يقبل كل الادله التي تثبت براءته ، اهدرها عامدا متطمئنا ان احدا لن يجروء يفتش خلفه ولا يراجع اعماله  ، القاضي يعمل حساب لكبير القبيله الذي اوشي به ولايجرؤ يعارضه ، فبين العائلات والقبائل في البلاد التي ترفع لافتتات التقدم لتخفي منتهي التخلف علاقات ونسب ومصاهره ومصالح تجعل البريء مذنب وتخفي ادله البراءة وتحتجز الارواح الحرة بين الجدران البازلت شهورا وشهور !!!
انهي مدة العقوبه وخرج من السجن مهزوم او هكذا ظن العالم كله ، صرخت فيه ام باسل ترجوه يعود لحضنها وكفايانا غربه وكسرة نفس ، لكنه رفض باصرار مخيف يعود لحضنها مقررا الا يسمح للقبيله والقاضي بكسره نفسه ، لو عاد اليوم لبلدته وحضن امه سيخجل يزور قبر ابيه لانه صغره ولم يوفي بوعده ولم يطيعه حينما امره منذ سنوات بعيده ، انت صغير في السن لكن في المقام عالي ، ولد الاستاذ كبير وهو صغير ، اياك تصغرني يوم ويجولوا الاستاذ معرفش يربي وباب النجار مخلع ، لو عاد اليوم مهزوما لامه يبكي في حضنها لضاع للابد ، فمن لايجروء يزور قبر ابيه ضهره مكسور ونفسه كمان ، سيبقي ويكمل عمله ويحارب ليثبت براءته وفساد القاضي وتشابك العلاقات القبليه القاهره ، سيبقي ليرفع راياته وينتصر ويعود لها بالخنجر الفضي الذي وعدها به ، خنجر الشرف الذي لايحمله بين تلك القبائل الا المنتصر الشريف ، رد ياولد وارجع لي وكفايانا ، اغلق التليفون يبكي وكأن الخط قطع ، مااستكفيتش لسه ياامه ومشواري طويل ، كان يعمل في الاذاعه معدا للبرامج ، يغوص في ركام الكتب القديمه ويبحث عن تاريخ البلد التي خلقتها اتفاقيه سايكس بيكوا ومنحتها علما وحدود ومقعد في الامم المتحده ، لايبحث في التاريخ الحديث ولاامجاد سموه التافهه بل يغوص لابعد ايام الزمن بحثا عن لؤلؤ الحضارة القديمة الغارق في محاراته تحت ضفاف الخليج ، نعم هنا كانت حضاره قديمه طمستها الرمال الصفراء التي صنعت الدوله الجديدة من اعاصيرها وعواصفها واكاذيبها ، يبحث وسط اكوام القش وعلي ضفاف الخليج وفي الخلجان المهجورة التي لم تطئها الا اقدام الجنود وهم يشيدون القواعد العسكريه تتجسس علي الدوله الجديده وجيرانها السذج ، يبحث ويبحث ، يفشل كثيرا ويفلح كثيرا ، يستخرج قصصا تحكي عن امجاد ماضي لايعرفه اهل المستعمرة الجديدة وابناء حداثتها ...
كانت البدايه مجرد وظيفه براتب عالي تخرجه من عباءه البلدة الصغيرة في جنوب الوطن وتمكنه كالكثيرين من ثروة تسمح له وقتما يعود لارضه بالحريه ليكتب قصصا وشعرا ويتفرغ لجنونه الذي يطن في رأسه طيله الوقت ، كانت مجرد وظيفه ، لكنه تحدي نفسه والسكون والتفاهه وافلح يعثر علي كنوز لم يتصور هو نفسه يعثر عليه ، فنجح في الوظيفه التي لم تعد راتب واكل عيش لحد غار منه زملائه واصدقاءه بعدما انتبه لعمله رؤساءه والمستمعين ، وشايه صغيره لصاحب المحطه ، انه يسرق الشرائط ليحرمنا من جهده الذي قبض ثمنه راتبا عاليا ، صاحب المحطه لم يصدق في البدايه ، لكن شرائط البرنامج اختفت فجأ من الارشيف ، ساله صاحب المحطه فانكر وكاد يستقيل لكن جواز سفره مع الرجل الذي تمناه شريفا ليكمل نجاحه ونجاح محطته ، قرر يكمل عمله ويثبت نجاحه وكفاءته ويادار مادخلك شر ، لو استقال لانسحب من المعركه التي تفرض عليه وابيه اوصاه الا يعطي ظهره للانذال ولا يترك المعركه التي تفرض عليه الا بعدما ينتصر فيه ، وساعتها ، بعد ماتفلح وتنتصر ، تديهم بالمداس وتلم خلجاتك وتمشي ، تمشي قوي ، لو مشيت ضعيف يقطعوك ، لن يستقيل وسيكمل عمله ، ومازال اسمه يسطع ومازال نجاحه يتاكد ومازالت الشرائط تسرق وتختفي ونصح بعض المخلصين صاحب المحطه يجري تحقيقا داخليا في الامر ولا يتركه بعدم اكتراث والا تتجرء علينا كلاب السكك ، وفي التحقيق شهد موظف الارشيف انه شاهده يخرج من الارشيف مره ، وشهد البواب انه شاهده ذات يوم حدده يدخل المحطه ليلا بعد مواعيد العمل ويخرج بحقيبه كبيره منتفخه وكأن كل الشرائط بداخلها ، وشهدت سيده لايعرفها انها موظفه في الكنترول وانه راودها علي نفسها لتنسخ له الحلقات وانها رفضت وانه توعدها بأنه سيصل لما يتمناه دون الحاجه اليها ، وامتلأ الملف باوراق وشهادات وخاف صاحب المحطه يغلق التحقيق ويحفظه فتضيع امواله واستثماراته حينما يتجرأ عليه الحراميه ويسرقوه عيني عينك لانه ضعيف لم يقوي يعاقب المصري علي فعلته الشنعاء وسرقته للايد اللي اتمدت ليه و...................... كان يتابع مايحدث لايصدقه ولايكترث ، هو بريء والتهمه سخيفه وماتحتويه الشرائط في عقله وحاسرقها اعمل بيها ايه ، لايصدق مايحدث ولايكترث ولم ، الا وقتما وصلته ورقه استدعاء من القاضي و.................................. حكمت المحكمه بالسجن ثلاث سنوات و............ربطت امه رأسها بالطرحه السوداء وارتفع ضغط الدم في رأسها يحطمها وهي لاتصدق ان ابنها الفالح محبوس في بلاد الغربه لانه حرامي ، وقطع لسان اللي يقول كده عليه !!!

( 24 )

وعندَما أطلُّ على الخارِجِ مثلَ شرفةٍ تترُكَ البيت
أراني اثنين
واحدًا ينصتُ في اهتمامٍ باسم
وآخرَ في الظلِّ يكتبُ الآنَ ما يَحدُث


صدي صوتها يلاحقه ، مالك ياباسل ؟؟ مالك ؟؟ ينتفض ويقف فوق الفراش ، يقف في منتصفه يتأرجح وكأنه محارب جريح وسط المعركه ، يتأرجح وكأنه سيسقط ، تراقبه فزعه ، تمد ذراعيها لتسنده فيدفعها بعيدا ، انت مش طبيعي خالص علي فكره ، يهمس في خطابه ، لاتتحدث بصوتين ، علي جدران المعبد كتب الحكيم ، لاتتحدث بصوتين ، وانا لااطيعه ولااسمع نصيحته ولا اتبع خطاه ، انا لااتحدث الا بصوتين ، معها انا الرزين الهاديء العاقل ابن الجنوب الذي يعرف العيبه ويحترم الشيبه اسير الدوار والمعبد ، ومعك يابنت الحرام انا العابث اللاهي الضائع الصائع الذي لايحترم شيئا الا نزواته ورغباته ولايفكر في اي شيء يستحق يفكر فيه ، ومازال يكتب بريشه مغموسه في ماء علي اسطر الهواء لايترك اثرا ، لاتسمعه ولاتفهم صمته ، تراه يتأرجح وكأنه سيموت ، تخاف منه وعليه ، تتمني لو فرت وتركته ، تلوم نفسها ، لن اعطيك سجائر محشوه بعد اليوم ، يسمع صوت افكارها ويسخر منها ، انت علي طول غبيه كده ومافيش فايده فيكي ، ينتبه لما تقوله ، وبعدين انت مالك ومالي ، انتي صدقتي نفسك ، صدقتي كذبي ، باحبك وكده ، بتضحكي علي نفسك ولا علي ، احنا بينا لعبه ، بنلعب يابنت الحرام  ، بنلعب ، وعمر اللعب ماحيقلب جد ولا حيكون ليكي صفه تحاسبيني ولا تساعديني ، ازعل بقي علي نفسي ولا ماازعلش مالك انت ، لمي نفسك واستري روحك وروحي ، يالا يابت !!!
يلقي بدنه علي الفراش ، يسحب الغطاء ويتكفن ، يغطي رأسه وكل بدنه وكأنه يهرب من الحياة ومنها ، يخطب في نفسه ، هو المتحدث والجمهور ، يخطب بصوت هامس وبكلمات مفهومه ، في يوم من الايام سيصفق لي العالم كله ، ياسلام ايه الثقه دي ، همست نهال وهي علي طرف فراشه تتابع حالته الغريبه ، همست او تصورها تهمس ، حتاخد نوبل يعني ، وليه لا ويمكن جوائز كتير اهم منها ، تتسلل اصابعه من تحت الغطاء تقبض علي اصابعها وضربات قلبه تتسارع ، يضغط علي اصابعها اكثر واكثر كأنه يستغيث بها تنقذه من انياب الوحش الذي يصارعه ويهزمه ، نهال ، تسمع اسمها من شفتيه المرتجفتين ، تسمعه فعلا ، ليس خيالا ولا جنون ، نهال حانام شويه ، احسن برضه ، تربت علي ظهره وكأنه ابنها الصغير ..
تشعل سيجارتها وتراقب انفاسه تتابع بهدوء ، تداهمها عينيه السودوين وقتما شاهدته للمرة الاولي ، تسطع بالتحدي وكأنه احمس الذي ترك الجدران والمعابد ويقود جيشه صوب المعركه الكبري التي انتهت بالنصر حسبما قال التاريخ ...
احمس ... ومازالت بجواره تنتظره يستيقظ ومازال نائما يحلم بالانتصارات التي سيحققها وقتما يقود جيوشه صوب المعركه الكبري التي ستنتهي بالنصر حسبما سيقول التاريخ ..... ومازال غارقا في النوم والغيبوبه وانفاسه تنتظم وتنتظم !!!

 ( 25  )

متى يعرف المجنون أنه على أول الدرج
فعلا ؟؟؟

بكرة !!! لم تصدق مايخبرها به ، فعلا ؟؟
اه فعلا ، بكره بليل ، حاكون هناك !!!
طب وانا ؟؟ هل ستقول له تلك الجمله التقليديه الفاشله التي يكتبها الفاشلون في حوارات الافلام العربي ، لو تجرأت وقالتها سيرد عليها بنفس الطريقه الفاشله ، شوفي حياتك وماتستنيش !!!
نزل من التاكسي قبل كوبري قصر النيل ، عامدا متعمدا ، سيسير صوب وسط البلد علي قدميه ، سيعبر كوبري قصر النيل و يودع سباعه الاربع وكأنه سيوصيهم علي الوطن في غيابه ، سيودع النيل الذي سيحرم من طلته ، سيودع المدينه التي فر اليها من الجنوب يملك احلاما كبيرة فعاش كوابيس قاسيه طفشته بعيدا عنها ..
النيل هنا هو نفس النيل في البلدة الجنوبية ، لكن العاصمه لوثته فقهرته وخصصت ضفافه للغرز واماكن اللهو الممنوع وكازينوهات العشاق المراهقين ، النيل في العاصمه ملوث فقد رائحة الخير والطيبه ، هناك في بلدته النيل ينضح بعطور وعبير وبخور يطمئن القلوب الهلعه والارواح الشادره ، لكنه ترك البلدة الجنوبية ورحل ، يبحث عن معبد في وسط العاصمه يكتب علي جدرانه اسمه باحرف من سطوع ، لكن العاصمه اغلقت معابدها واطفئت الانوار وتركت شوارعها تفتك بالغرباء والحائرين وابناء السبيل ، يحدق في النيل وتشتاق روحه لرائحة الطمأنينة بدل الوحشة التي تنبعث من النيل الاسود ، يشتاق للبلدة الجنوبيةوينكر ، مثلما ينكر اشتياقه لكل مايشتاق اليه ، عليه يطوع ارادته لما يقوي عليه ويبعد عن روحه الامنيات المعذبه ولو كانت بسيطه كأن يركب المعديه وسط النيل صوب المعبد ليودعهما ويرحل !! لن يسافر لبلدته ليودعها ولايودع النيل هناك ، وقف في منتصف كوبري قصر النيل وحدق في النيل الاسود تحت ، لو قفز لانتهي الفيلم وكل العذابات ، لكنه لن يقفز ولن يرفع رايات الاستسلام ، لن يقبل هزيمته ، نهشت الغربه روحه بعيدا عن الدار والدوار واصمت جدران العاصمه اذنيها عن شكواه وبوحه ، ضيعته اكثر من ضياعه الذي يعرفه ..
حاسافر يكرة ، قدمت علي وظيفه هناك وبالصدفه جت ، تحدق فيه نهال لاتصدق ماتسمعه ، فجأ كده ، لا مافيش حاجه فجأ ، بقالي شهور مستني ، وماقلتليش ليه ، واقولك ليه ، مجرد مشروع كنت متوقعه فشله ، الغريب انهم ردوا علي وبعتوا التذكرة .. يلقي كلماته علي اسماعها برتابه وابتسامه بارده وكأنه سيخدعها فتظنه سعيدا !!
تحدق فيه ، هل ستفر يااحمس وتترك الوطن محتلا وجيوشك اسيره الانتظار واليأس ، تحدق فيه وكأنه احمس فعلا ، ملامحه الفرعونيه باهته ، كأنها سترحل عن وجهه وتترك ملامح غريبه لاتعرفها ، تتمني تنصحه لاتسقط مثلي ، لم نقٍرأ في التاريخ ان الفراعنه تركوا حضارتهم ورحلوا غرابا في الارض البعيده ، لم نقٍرأ في التاريخ ان صناع الحضاره وابناءها نقشوا ترانيهم علي الصحراء في بلاد التيه ، صناع الحضاره لينوا الصخر وحولوه لقصائد وصلوات وصفحات في كتاب التاريخ ، كيف تترك معبدك وجدرانه فارغا بلا نقوش وترحل يااحمس !!! تتمناه يسمعها ، لاتسقط مثلي !!! لكنه اصم اذنيه وقلبه ولن يسمعها ولن يسمع احد!!
لازم حامشي يانهال ؟؟ هل ستبكين ، هل السطوع الجميل في عينيك دموعا ؟؟ يتسائل باهتمام يخيفه ، لااهتم بها ولا باي شيء ، لايجدي الاهتمام في لحظات الرحيل والوداع ، سيتحول الاهتمام لوخز موجع يطيل ليالي الغربه ويزيدها صقيعا ، لست مهتما بك ولا بشيء ..
خلي بالك علي نفسك ؟؟ همست نهال ، لم تقل له وانا ، لم تلومه لانه سيتركها ، لم تؤنبه لانه لم يعمل حسابها في اختياراته الصعبه ، تعرف قدرها ومكانتها عنده منذ اللحظه الاولي ، تعرف انهما اتفقا يلعبا ، ولعبا كثيرا ، بسعاده احيانا وبحزن احيانا اخري ، لعبا قدر ماطال الوقت للعبه ، تعرف نهال ان اللعبه اوشكت تنتهي ، ربما كانت ومنذ اللحظه الاولي  تنتظر لحظه النهايه ، تنتظر الفراق الذي لايحق لها حتي تتألم لحدوثه ، ولماذا تتألم ، لعبه وانتهت وانا ماخدعتكيش وماوعدتكيش وماغدرتش بيكي ، انت رسمتي صفحة البدايه وانا خططت سطر النهايه وصرنا متعادلين !!!
خلي بالك علي نفسك !!! اول مره يشعر بصدقها ، اول مره يحس بمشاعرها حقيقيه صادقه تخرج من قلبها ، كل المرات ، عشرات مئات المرات اللاتي التقوا فيها كانت تلعب ، تلعب دور المحبه الرفيقه العاشقه العابثه التي تبحث عن رجل تستظل بضله ويمنحها بعض الحب وبعض العشق وبعض الارتواء ، الحق افلح يمنحها كل ماتمنه واكتر ، وقت طويل قضاه معها ، قرأ قصصها ، مزق بعضها ، اصلح البعض ، طبخت له طبيخها الفاشل ، اكله ولم يكسر بخاطرها ، قضت معه الليالي في البيت الذي يخبيء فيه نزواته وفحشه خلف ظهر امه التي تتظاهر انها لاتعرف بقيه حياته التي يخفيها عنها، اسعدها وامتعها وروي عطشها للحياة وهي ايضا اسعدته او هكذا تظن ، قضت معه ليالي كثيرة حبيسه الجدران ، يناديها تذهب يعريها تمني نفسها بما لن تطوله ، يعريها ولايتم مايبدأه لان بيت من القصيده راوده علي نفسه اكثر مما راودته ، لان الكلمات اغوته واغرته ، يتركها عارية ويعدها يعود بعدما يكتب مايفجر رأسه ، تنتظره حتي تنام وتنام حتي تشرق الشمس وهو يصارع الاحرف والمعاني والبيت الفار يبعد اكثر واكثر ، تستيقظ عاريه خجله وكأنها عاهره وعدها الزبون ببعض الاهتمام ونسيها وعاد لفراش زوجته ، تستيقظ خجله عاريه ، تجده مكانه ، شعث الشعر محتقن الوجه غاضب ، تدرك فشله في اصطياد المعني ، ترتدي ملابسها وتعود منزلها تبكي ، لو يحبها بعض الحب ، لو يهتم بها بعض الاهتمام ، ماتركها عاريه ملقاة كالجيفه علي فراشه ، ماتركها تتلظي برغباتها وانشغل برغباته !!!
مازالا في المقهي ومازالت لحظه الوداع ثقيله ، تشعل سيجاره وتطلب فنجان قهوه ، وتنسكب بداخل نفسها تطبطب علي روحها تصالحها لان احمس سيترك جيوشه ويتركها ويرحل لينقش علي رمال الصحراء ماستمحوه الاقدام الغليظه وقتما تعبر عليها وبسرعه !!!
خساره ، انت اجمل مني وكنت مستنيه منك كتير ، قبلما يرد توضح قصدها ، مستنيه منك الكتير لنفسك !!!
لاتنظر رده ولن يرد عليها ، يودع المقهي والشارع الصاخب والعاصمه والنيل ويرحل لبلاد الصحراء ، هناك سيعمل في الاذاعه ، معد لبرنامج يتمني منه خيرا كثيرا للاذاعه والصحراء التي اثمر ذهبها الاسود شيطان من ذهب اغواه يترك النيل والارض الحبلي بالقصائد لصحراء عطشي قاحله مهما ارتوت من عرق الغرباء ودموع عينيهم وعزيمتهم !! وسافر باسل وترك خلفه كل شيء يبكي فراقه ..... حتي نهال و............... انتهت اللعبه ياسيدتي !!
عارفه يااحمس ، انتهت خالص ، لدرجه اني مش حاكتب عنك ولا حرف ، اسمح لي بس اقولك ، لاانت احمس ولاانت قائد الجيوش للنصر ولا التاريخ حيجيب سيرتك اساسا ، مع السلامه ياباسل ... قالت نهال ، وقال النيل ، وقالت البلدة الغارقه في عبق الجنوب البعيد تصدر الحضاره والرجال للبلاد القحلة !!!
مع السلامه ياباسل ...................

( 26 )

قد لا يأتي النجاح في المحاولة الثانية،
فعلا
ولكنها خطوة على الأقل
في الطريق إليه

جالسه علي الكنبة تبكي ، اسبوع من الخوف تعيشه بكل خلجاتها ، تهمس واثقه ان رسالتها ستصل لقلبه ويفهمها ، حنروح المعبد ياولد ، هناك حيحمموك بالمية الطاهره المقري عليها من الف الف سنه بالرحمه ، تزيح الرضي وتفك العكوسات وتهون الصعب وتجمد القلب ، مالكش غير المعبد ياولد ، تبكي وتدعي ، تدعي لربنا يسبغ رحمته عليك يزيح عن قلبك الحجر وعن روحك الاسر وعن قلبك الهم والغم وقله الحيلة ..
حنروح المعبد ياولد ، طريقك اخرته هناك ، اوله هنا واخرته هناك ، سكه واحده مالهاش تاني ، سكه السلامه ، كفايك شرود ياولد ، مشيت في سكه الندامه وربنا نجاك ، وتهت في سكه اللي يروح مايرجعش وربنا ردك ، اللي باقيه سكه السلامه ، تبتدي من النيل وتنتهي في المعبد ، في المعبد حتلاقيها هناك مستنياك ، انا وصيتها عليك تاخدك في حضنها وترضعك من لبنها وتسند ضهرك وتقويك ، حتلاقيها هناك مستنياك ، حتحور ياولد ، فاكر لما كنت باحكي لك حكايتها ، هي حتشملك بحبها وتسندك وتقوي قلبك وتحن عليك برحمتها ... وتدعو وتدعو وتتمناه يسمعها ورسالتها تصل لروحه
كان في فراشه نائم تنهشه الكوابيس ، ينتفض ويصارع السم الابيض الذي ينهش في روحه بوجع يصعب وصفه ، صراع عنيف يكسر ارادته وعظامه ، السم يهدده ، لن تفر مني ولن ارحل عنك ،وستبقي ترتجف وترتعد وترتعش وتموت وتحيا الف مره في الثانيه لانك تجرأت تفك حبال الاسر وتحاول تتحرر ، ستبقي اسيري وعبدي وسابقي ملاذك وطريقك الوحيد !!!
هي تهمس في روحه عله يسمعها ويطئمن ، حنروح المعبد ياولد ، هناك مهما تصرخ محدش حيسمعك ولا ياكل وشك ولا يصغرك ولا يطولك ، لو حاولت تكسر الحيطان حتتكسر ايديك وتفضل هي باقيه ، تفرغ غضبك فيها وتستحملك وتقوي قلبك وايدك ، هناك ، البركه للي يسلم قلبه وروحه لربه ، العاقر بتحبل والمريض بيخف واللي زيك ممسوس حيلاقي ميت ايد تطبطب عليه وقت مايحتاج وتكتفه وقت مايحتاج وتقرا علي راسه وقت مايلزم تتفك الاعمال وتنزاح العكوسات ويزول السحر وترجع باسل اللي تعرفه بعدما بقيت باسل اللي مايعرفش نفسه ولاحد يعرفه!!!
تطمئنه بنبراتها الحانية ، ماتخافش ياولد ، السم ضعيف جبان ينهش في المتغمي ويخاف من اللي مابيخافش ، السم ضعيف و انت الاقوي ، مدام قررت وحسمت وامرك وصممت تبقي انت الكسبان الربحان الغانم .. اتكل علي ياابني وربك القوي ياما زاح وحيزيح !!!
علي فراشه يتلوي ويصرخ ، الكوابيس تنهشه والسم الابيض يفترسه والحمل ثقيل ، البيت فارغ الا منه ومن امه ودموعها ، ليست ضعيفه ، لاتتصوروا دموعها ضعف او قله حيله ، تبكي لانها قويه الي الحد الذي لن تسمح له يضيع نفسه ويقتلها !!!
حط علي ياولد واعتمد ، زي ماشلتك في عيني اولاني حاشيلك تاني ، وانا قد القول ، وزي ماجبتك للدنيا طاهر ، حارجعك لدنيتك طاهر وعزيز مرفوع الراس ، تبكي مشفقه عليه من قوتها وارادتها وعزيمتها ، ستطرق علي الحديد باردا وتعيد تشكيله ، بوجع تعرف ، بعذاب تعرف ، بالم مروع تعرف ، لكنها ستفلح !!!
مازال يهذي ، ومازالت تعالجه وتقومه ، ومازالت تدق علي الحديد البارد لتطوعه !!!
اسبوع حزين تعيشه منذ عودته ، عينها رفت وقتما اخبرته فاطمه بميعاد عودته ، باسل اتصل وقال راجع بعد يومين ، عينها رفت ولم ينشرح قلبها مثلما تصورت ، ومااتصلش بيا انا ليه يافاطمه ، يوه ياماما يفرق ايه المهم انه راجع ، تتمني تفرح ، لكن عينها التي لم تكف عن القلق والفأر الذي ينهش في طمأنينتها واوغر صدرها اكدوا لها ان باسل مش هو  ، و راجع مكسور !!


 ( 27 )

ما يرقـــــــــد الليل مــغبون

نائم ، الظلام في البلدة موحش وصوت الذئاب يخلع القلب ، طالما حدثه ابيه عن الطرق الموحشه والظلام المخيف والذئاب التي تنتظر الضعاف لتنهش قلوبهم ، الديب عمره مايقرب من الراجل الشجاع يخافه يهابه يجري من قدامه ، الديب يقرب بس من الخرع ضعيف القلب يشكل عليه ويعقره في قلبه يايعيش ويتشجع يايموت ومحدش يبكي عليه ..
كان صغيرا محموما في فراشه وقطرات العرق البارد تتصبب من جبهته ، نائم في فراشه تحت البطانيه يرتعد وجسمه ينتفض ، الحجره بارده والمنقد المشتعل بعيدا في الصاله حيث يجلس ابيه بجوار الراديو الكبير ، يرتعد ويرتعد وصوت الذئاب تخيفه وتخلع قلبه ، ينادي امه لتأتي ، لكن امه لاتسمعه منشغله باعداد العشا لاخوته وخدمه ابيه ، يرتعد اكثر والحمي تمزق سكينه روحه بسكينتها البارده فينتفض وينتفض ، ويسقط في جب الخوف يتخبط في كل مخاوفه وهواجسه وطفولته البريئه المرتبكه من دور البرد الذي لايفهم معناه ومبرر معاناته ..
يسقط باسل في الجب ويتصور انه في السرداب الضيق بين مقبرة جده والمعبد ، السرداب ، هل فعلا هناك سرداب بين مقبرة جده والمعبد ، ومازالت قطرات العرق البارد تتقافز فوق جبتهته وبين طيات ملابسه الثقيله التي دثرته بها امه ، في الجب يسمع صوت قرأن بعيد يذكره بمأتم جده الذي استمر ثلاث ايام ، كان صغيرا وتصور القرأن احد طقوس الحزن في بلدتهم ، كمثل عديد الندابات وكمثل النيله الزرقاء التي لخطت بها عمته وجهها ، ارتبط صوت الشيخ في عقله الصغير بحزن الموت ، شرح له ابيه بعدها ان مايعتقده غلط  وان كلام ربنا بركه تفتح باب رحمه ربنا للميت وتهون عليه لحظه الحساب ، اخافه ابيه اكثر بكل ماقاله ، ولما لا تفتح ابواب الرحمه للميت اساسا مش كفايه انه مات ، نظر له ابيه نظره يعرفها ، ستفهم وقتما يكبر ، لكنه لم يكبر بعد ولم يفهم ، يسأل امه الحزينه علي ابيها اين ذهب جدي ؟ ذهب للسماء ، همست امه ولم تقوي تصراحه بحقيقه الموت والحياه لانه مازال صغير وسيفهم وقتما يكبر ، لم يصدقها وقرر يصنع لنفسه تفسيراته الخاصه التي ترسم ملامحها الطفوله البريئه والحيره والخوف واشباح الظلام ، يري جده غادرهم للمعبد كمثل كل الاموات الذين رحلوا ، تصور بالمقبرة التي انزلق اليها جسد جده سردابا يصلها بالمعبد ، في المعبد سيجد جده حيا ، سيراه مهيبا جالسا علي مقعد الملك ويمسك في قبضته الصولجان ويرتدي التاج الذي تزين رسمته جدران المعبد ونقوشه ، سيذهب للمعبد ، هناك سيعثر علي جده ، سيناديه جده ويمنح قرش نحاسي احمر لامع كما اعتاد وبعض الارواح من جيب عبائته الانيقة، سيحمله علي رجله ويدندن له ببعض المربعات التي يحفظها عن ظهرقلب ، نعم مربعات ابن عروس هي اجمل مايحب جده غناءه ، قص عليه انه حفظها في ليالي المدح وقتما كان المداحون وعازفي الربابه يتبارون في غناءها ايام المولد وشالله ياسيدي ياعبد الرحيم ياقناوي ، من يبغضك لم يحبــــــك ولو طعمتو الحلاوه ، السن للسن ضاحــك والقلب كله عـــداوه .......  الندل له طعم مالـــــح وله خصايل ذميمـه ، القرب منه فضايـــــح والبعد عنه غنيمـــه .. و.............. مازال صوت جده وهو يغني يدوي في اذنه ، سيذهب للمعبد وهناك سيجد جده وسيسمعه يغني وسيجده سعيدا لان كل ابواب الرحمه مفتوحه له دون حزن ولا عديد ولا نيله زرقاء ، سيشكو له من امه التي تركته محموما وذهبت تعد العشاء لاخوته وتركته جائع ، سيشكو له من ابيه الذي يطالبه يقترب من الذئاب ولايخاف منه ، ويأمره يتشجع واللي يعيش جبان مالهاش لزمه عيشته ، سيشكو له الظلام الذي يخفيه ويرجوه يبقيه معه في المعبد ولايعيده لامه ولابيه وللافندي الاستاذ في المدرسه ولصوت الذئاب ، ومازال يغرق في الجب وقطرات العرق البارد تنهمر فوق رأسه تدفعه صوب السرداب الذي عليه عبوره ليصل لجده في المعبد ، وصوت الذئاب في قلبه عاليا مخيفا و..... مازال جده يغني ويهزج بالمربعات ، لاأنام علي الشوك عريان واصبر علي ماجرالي ، واصبر عليك يازمــــــان حتي ينعدل حـــالـــــي و................. وتتسارع انفاسه يلهث في السرداب صوب المعبد ، سيصل لجده ، سيختبأ معه هناك ، لن يعود لامه وللذئاب وللظلام وتتسارع انفاسه اكثر واكثر ....
و............. يفتح حدقتيه مفزوعا وعبلة  تهزه توقظه تخرجه من السرداب والحمي والكوابيس ، يفتح حدقتيه مفزوعا ، هو علي فراشه وبجواره عبلة  مرتبكه خائفه مثل كل ليله وقتما يوقظها صوت كوابيسه وهذيانه ، يفتح حدقتيه مفزوعا يتسائل عن مكانه وكأنه مازال في السرداب المخيف ، لكن الضوء الوناس واشباح شقة المنيرة الصغيرة يؤكدا له ان الكابوس اليومي كان يحتل نعاسه ككل يوم ، هو في شقه المنيرة وهي مثلما هي رطبه حاره خانقه و........... اصحي ياباسل وكفايه كوابيس رعبتني ، رفع حدقتيه المفزوعتين في عينيها وتمني يقول لها ان الكوابيس تطارده في النوم وفي اليقظه لكنه صمت ، اجيب لك ميه ، يهز رأسه ، تتحرك بتثاقل وتناوله كوب الماء وتجلس علي طرف الفراش متنمره وكانها تتمني تتشاجر معه ، يعرف مشكلتها ويتجاهلها حتي تقبل رايه الذي لايعجبها ، انا تعبت ياباسل تعبت ، اول مالشمس تطلع حامشي ، لايسألها ليه لانه يعرف ، حارجع الزمالك وانت حتيجي معايا  ، انت لازم تعرض نفسك علي دكتور نفساني ، انت تعبان فعلا ولازم تتعالج ، لايعدها بشيء ولايرد عليها كأنه لايسمعها ، انا حاسافر البلد كمان يومين وحارجع الشقه لاصحابها ، كأنه يوافقها لترحل او يدفعها للرحيل دفعا برجاء تناشده ارجع علي الزمالك ياباسل ، لايرد عليها واغمض عينيه ارهاقا ، انت تعبتي وتعبتني اكتر وعاد لكوابيسه وللمعبد مع جده يبحث عن سكينه وطمأنينة بعيدا عن شقه المنيرة وشقه الزمالك وعبلة !!!!


نهاية الجزء الرابع ويتبع بالجزء الخامس 

هناك تعليق واحد:

مها العباسي يقول...

اتبعْ قلبَكَ طالما أنتَ حيٌّ