مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



السبت، 24 أغسطس 2013

امنيات مستحيلة علي الجدار المتهاوي .. الجزء الخامس والاخير


امنيات مستحيلة علي الجدار المتهاوي

الجزء الخامس   



( 28 )

اتبعْ قلبَكَ طالما أنتَ حيٌّ


حاسافر ياام باسل ، حدقت في وجهه وصمتت ، اخرة سكتك قهرة ياباسل ، صامته لاترد عليه ، لاوظيفه تريح بالك ولا عيل يمد جدرك في الارض ولا سكن ترتاح في حضنه ، قلت مش حاتوظف وسكتنا ، وقلت حامشي واقعد لوحدي وسكتنا وقلت لاحاكون تور في ساقيه ولاحاسمح للي يعطلني ويمسك في جلابيتي ويتقل حملي وسكتنا  ، وصلت للغربة كمان ؟؟!!!
صمتت يأسا ، لن يثنيه شيء عما في قلبه ، حزم امره وقرر ولم يتبقي الا حزم حقائبه ، غاضبه منه لكن صامته ، لن تبدأ معركه تخسرها وتخسره !!!
بسرعة حدد ميعاد سفره وودعها وقبل يديها ورأسها ، وامانه عليكي تدعي لي ياامه ، داعيه لك ياباسل ، ربنا ينور بصيرتك ويبعد عنك ولاد الحرام وتسافر بالسلامه وترجع غانم مجبور ياابن عمري و.................. بدأت رحلته في سكه اللي يروح مايرجعش !!! الغريب انه رجع !!!!

( 29 )

مُهْجَتي ضِدٌّ يُحارِبُني، أَنا مِنّي كَيْفَ أَحْتَرِسُ؟

مازال في غربته ومرت الايام مثلما مرت ، المهم ، انه خرج من السجن بعدما نفذ العقوبه ولن يعود لحضن امه الا بعدما يمسح عار الغربه وينتقم منها وينتصر ويحقق نجاحا اكبر ويثبت براءته وهذا هو الاهم ....
الايام تجري في الغربه وهو حبيس بيت اصدقاءه  لايجد عملا لان صحيفه سوابقه تطارده ولان القاضي يشهد ضده شهاده سوداء وقتما يرسل له صاحب اي عمل يساله عن المصري اللي حبسته وبيقول انه بريء و............... وامه تبكي في التليفون وتطالبه بالعوده وهو عنيد مثل ابيه وجده وكل ابناء العائله لايقبل بالهزيمه ولن يقبلها و........... في تلك الايام تعرف علي زينب ، مدرسه تاريخ من المنصورة ، اتت للصحراء تنشر علمها في اعاره اوشكت تنتهي سنواتها ، تعيش في سكن المدرسات ، قابلها في احد المحلات تفاصل البائع في ثمن ماتشتريه ، لهجتها المصرية اسعدت قبله وكأن امه باغتته واتت في زياره مفاجئه ، مصريه ، اه وانت ، طبعا مصري وشكلك مألوف اوي كأني اعرفك من زمان ، انفجر ضاحكا ، اوعي تقولي انت كمان اني شبه احمس ، وشاركته الضحك لاتفهم سببه و.......................... بسرعه ترك له اصدقاءه الشقه وخرجوا لقضاء عطله نهايه الاسبوع علي شط الخليج وتركت زينب السكن متعلله بأنها ستذهب للبحر وتبيت عند صاحبتها وكان ماكان !!!
لاتعرفه زينب ولاتعرف قصصه ..
هو ايضا لايعرفها الا معرفه عابرة ..
لكن من قال ان ليلة ترتوي فيها الاجساد العطشي للانسانيه والغرام تحتاج من طرفيها تعارف بالاب والام وشجره العائلة !!! ليلة غرام اكدت ان التعارف اخر مايهم المحرومين المشتاقين للحنان ، سيأتي التعارف او لن يأتي ، المهم ان الليلة التي كانت اسعدتهما معا ..
ظن ان زينب واحده من طابور النسوةاللاتي اسعدن لياليه ، ليلة عابرة في بلاد الغربة وانتهي الامر ، لكن الامر لم ينتهي وقتها ولم ينتهي بعد ...
حينما استيقظا في النهار سألته زينب انت حكايتك ايه ، ليه ، اصلك بتنازع وانت نايم ، ياعيان ياوراك مصيبه ، انفجر ضاحكا ، ورايا مصيبه ، ينفع ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ واكتشفت زينب  انه ينفع وصار بينهما ماصار !!!
كان متعبا مرهقا يجتر المرارة وكانت وحيدة ومطلقة ، التقيا يحتاجا للونس والفرحة !!
ظنها واحده من نزواته وظنت ان الدنيا حنت عليها فاذنت لها بالفرحه !!! ويابؤس من يلتقيا في فراش الغربة ووحشتها وكل منهما يظن في الامر غير مايظنه الاخر !!!
احتوته وانصتت لقصصه وعذاباته ، لاوجاعه وحاولت تطيبها تهون عليه تقويه وان " خلق الانسان ضعيفا " وربك غفور رحيم وان الظلم بيرد علي اصحابه وبكره ربك ينتقم منهم ويوريك عدله ، تتكلم مثل امه وبمفرداتها ، تلمس شغاف قلبه بنبرات حنانها ، تسللت لروحه وكأنها لاتقصد ، احتلت وقت اوجاعه وفراغه وبكاءه وحاولت تلون حياته الصعبه ببعض البهجه ، حمسته ليعود لوطنه ويترك الغربه وهمها وانها ستشاركه العوده ولقمه بملح في بلدنا ووسط اهلنا ابرك من كل حاجه هنا ، حترم روحك وتسند قلبك وانا جنبك ومعاك ، تسللت لروحه وكأنها لاتقصد ، طهت مثل امه وتابعت معه المسلسلات المصرية وزغرطت وقتما جاءته الوظيفه الجديدة التي تصورها فرصته الاخيره في الغربه ليرفع رأسه وراياته ويعود منتصرا ، منحها املا في الحياه وبعض الونس بعدما قتلها سكن المدرسات وجفف روحها فمنحته روحها وقلبها وجسدها ، ارتبك وخاف ، يفر من عواطفها ويتعلل بارهاقه وتعبه واحباطه وانه لايصلح الا حبيب عابث ، حانق عليها لانها تعرقل عبثه وتقيد جموحه ، حين يأخدها في حضنه تسري بعض الدماء الدافئه في عروقه ، يحتار تجاهها ، امرأه مثل الكثيرات وربما نهال ابرع منها في الفراش وعبله اجمل منها واكثر انوثه واثارة لكنها تعطيه مالم تعطيه له الاخريات ، تعطيه بعض الدماء الدافئه في عروقه وافلحت يوما تبكيه وهي تقص عليها دروبها العثرة التي دفعتها الحياه للسير فيها ، اشفق عليها فارتبك وفزع وخاف منها ، تفرض عليه قواعدها وايقاعها وهو الحر الذي تمرد علي كل القواعد ، فر منها واختفي ، يبتعد عنها فيشتاق لها ، فيبحث عنها ليجدها تنتظره بلا عتاب وتسامحه بلا اعتذار وتتمناه يبقي ، يخافها اكثر وتتعثر خطواته صوبها ، اقبلت عليه كفيضان دافيء من منابع النهر فذكرته بعطشه وجفاف روحه واوجاعه فازداد خوفه منها ومن نفسه اكثر واكثر !!!
وبعدين معاكي يابنت الناس وحكايتك ايه ؟؟؟
هل ستفلح زينب تتملك روحه التي طالما حلقت بعيدا خائفه من الاسر في العشق ؟؟ سؤال طالما سأله لنفسه وكاد يعثر علي اجابته لولا هند !!!
سمو الاميرة اغلقت صفحه زينب في حياته بسرعه ، الحق مزقت الصفحه وصاحبتها ، في البدايه فرحت زينب بالوظيفه التي يستحق باسل افضل منها وسرعان مالاحظت وبسرعه مالحقه واصابه ، في حضنها شارد وفي حضرتها غائب والفتور بينهما سم يوجعها ، انت مرافق الاميرة ياباسل ، لطمها علي وجهها ، بحبها ، بس هي اكيد مابتحبكش ، لطمها اجمد و...... لملمت زينب ملابسها وغادرته حزينه لان النداهه ندهته وضاع وكانت تظنه اقوي من السحر والسحرة ومن القهرة والكسرة ومن الايام وانه سيكتب شعرا جميلا تلهمه معانيها وابياته ، تصورته سيدرك حبها ويمنحها روحه ومشاعره وقلبه وسكنه ، لكن هند سرقته بقسوه فاكدت لزينب ان هذا الرجل الذي كانت تتصوره ضالتها الاخيره بعد ضياع وحيره هو ذاته الضياع والحيرة !!! 

( 30 )

قد لا يأتي النجاح في المحاولة الثانية،
فعلا
ولكنها خطوة على الأقل
في الطريق إليه

هاجس احتلها وسرعان ماتأكد ، صار حقيقه مؤسفه لم تكن ابدا تتمني تعيشها ، بعد عودته من سفره باسبوع ، وبعدما راقبته كثيرا طويلا ، عرفت انه في مشكله كبيرة ، تراقب ارتجافه بدنه ثم انبساط ملامحه ، تراقب جنونه وعصبيته ثم سكينته وحياده ، تراقب غضبه وشتائمه المروعه ثم انكساره واعتذاره ، ادركت بقلبها ببصيرتها انه في مشكله كبيرة ، عرفت لماذا عاد ، عاد واثقا ان احد في الكون لن ينقذه من مشكلته الا هي ، بعد عودته باسبوع ، خرج من حجرته التي حبس نفسه فيها وترنح صوبها ، كانت علي الكنبه تقٍرأ في المصحف وتدعو له وتبكي، اقترب منها ببطء ثم تهاوي تحت قدميها ، غتيني ياماما ، غتيني ياام باسل ، انتفضت واحتضنه وكأنه عاد رضيعا في حضنها واغلقت ذراعيها عليه بقوه وكأنها تؤكد له انه معها في امان تام و........... قص عليها مالاقاه في الغربه التي اسرته ثم كسرته ، سجنته ثم طحنت عظامه ، قص عليها قصته الموجعه مع هند الاميرة بنت الحسب والنسب التي طلبته ليعلم اطفالها لغه الضاد في القصر الاميري العالي ، تصور وقتها الدنيا ابتسمت له وحنت عليه وستمنحه بعض وجهها الجميل وانها استجابت لدعوة امه وحنانها وانه سيعمل في القصر بعض الوقت ليجمع بعض الفلوس يشتري بها الهدايا لامه واخوته ويعود براياته مرفوعه وكأن كل ماحدث فيه لم يحدث ، شرحت له هند ان شقيقها المحامي الكبير الذي استأجرته فاطمه وباعت ذهبها لتدفع اتعابه الباهظه يقسم انه بريء وان اللصوص والحاقدين اوقعوه في كمين احكم حلقاته علي رقبته بحكم القاضي المرتشي الضعيف الذي يخاف من خياله ، قالت له " سموها " ان اخيها طلب منها تساعد موكله المظلوم وان اطفالها يتكلمون العربيه بلكنه الخادمات الفلبينيات وانها حزينه وتتمناه يساعدها ..
قص لامه ان زينب فرحت قوي بالوظيفه ، مين زينب ياباسل ؟؟ مش وقته ياامه مش وقته ويبكي ويبكي ، وبعدين ، يسترسل ويكمل قصه ضياعه وشقاءه مع سموها !!
دخل القصر الاميري من الباب الكبير واحتفت به هند وكأنه امير الشعراء شوقي ، كانت تحب الحياه قبلما تتزوج ابن عمها الامير الذي يستخدمها ويرميها ولايعترف بانسانيتها ، هكذا قصت عليه وهي تبكي والاطفال مشغولين في حل الواجبات الصعبه التي يشغل الاستاذ وقتهم بها ، صرت استاذ ياباسل مثل ابيك واللي خلف مامتش ياابن الاستاذ ، قصت عليه هند مأساة حياتها وانها تكره زوجها والقصر الاميري والامارة الكئيبة وتحقد علي الخادمات اللاتي تحررن من بلادهن حتي لو صرن عبيد في قصرها ، تحقد عليهن ، من حقهن اختيار الرجل والعشيق وساعات الحب ومن حقهن التمرد وانهاء العلاقه وطرد الرجال من حياتهن ، هن احرار وهي اسيرة الامارة والامير ، قالت له ان زوجها سمو الامير عابث شاذ ومزاجه مجنون ويعتبرها جزء من ميراث ابيه وممتلكاته ، وانه من الليله الاولي لزواجها كسر قلبها وقهرها واستخدمها ورماها وحين تمردت عليه ، ضربها وهجرها وضاجع الخادمات الفليبينات امامها وفي غرفة نومها ليعالجها من برودها وتحفظها اللعين الذي يمنعه يعبث بجسدها ومشاعرها وانها ازدادت برودا وكراهيه وفكرت تنتحر لكنها خشيت علي اولادها من مصير الامراء وقوانين الاماره وقررت تحميهم وحين يشتد عودهم ستخطفهم وتسافر ، هكذا تحلم وتتمني ، قالت كل هذا واكثر !!!
شرح لامه وهو ينتفض ويبكي وهي تسمع وتبكي ، هي ياام باسل هي ، هي ، لاانسيه ولا جنية ، ملاك من نار ، هي اللي غويتها وحبيتها وحسيت بقهرتها وكسرة نفسها واهانتها ، هي اللي تمنيت افك اسرها وتفك اسري ونجري بعيد ، فوقعت في اسرها وانا متغمي ، ماخدتش بالي انها سمو الاميرة وان القصر اسواره عاليه وان المسافه بينا بعيده زي السما والارض ، هويتها ياام باسل وايش يعمل العاشق في النصيب الاسود لما يتكتب علي جبينه ، قبلما تلطم وجهها تلومه لانه اعتدي علي حرمة الامير ، لام نفسه لانه نسي نفسه وسمح للامارة الي معرفش سجنها يكسره بحب اميرتها يكسره ويبعثره ويفتته ويطحن عظامه ، هند ياام ياسل ، هي النداهه اللي ياما حذرتني منها في الليل الغميق ، قلت لي لما تناديك ما ماتروحش ، ماسمعتش كلامك ياامه ، غويتني واسرتني ، لما لقيت حيلي مهدود ونفسي مقطوع والعشق دباح ولساني اتخرس وروحي كمان ، لما لقيت روحي باتكعبل في روحي والاسم راجل ، قلت ابعد عنها وانساها ، قلت انسي نفسي وانساها وكان اللي كان وانفجر باكيا !!!

( 31 )

أنا طاهر، أنا طاهر، أنا طاهر.
وما دمت بريئا من الأثم ،
فاجعلني ياإلهي من الفائزين


نادته لغرفتها بعدما خرج الطبيب ، اسمع ياضنايا ، انا حارجع البلد ، صحتي ماجاتش علي مصر وهواءها المر ، ماشفتش فيها يوم ريح قلبي ، هناك في البلد حاطيب وينزاح عني الهم ، خليك انت ياضنايا في البيت ، بيتك ومطرحك ، خليك قاعد ، اكتب واقري وافتح بيت ابوك واستقبل اخواتك وحسك في الدنيا ، بحزم امرت فاطمه ، وضبي الشنطه يافاطمه وجهزيني علشان ارجع البلد قبل مالوقت يفوت ..
بصعوبه تتحدث وانفاسها تتلاحق والشحوب الاصفر يرسم ملامحها الغريبه!!!
علي طرف فراشها يجلس باسل واصابعه تقبض علي كفيها تتردد كلمات الطبيب علي مسامعه ، لازم تتنقل المستشفي ، محتاجه فحوصات واشعات وفي المستشفي تكون احسن ، رفضت ، حارجع البلد ، هناك حاطيب ، انا عارفه روحي وعارفه علتي ودوايا وعارفه اللي فيا واللي حيزيح عني ..
اغمضت عينيها وكأنها نامت ، في الحلم تطايرت اوراق الثوم من حجرها وملئت سماء المنزل ، الشؤم سيحل والخراب ايضا ، التعويذه الشريرة تحكم قدرها المخيف علي رقبتها ورقبه باسل ، هو باسل القصد والنية ، هو اللي منصاب وعليه العين ومكتوب له التوهه ، هو اللي كسر قلبها واحزنها ، مااتنصفش ، وهي امتي الدنيا بتنصف الطيبين ياامه ، طول عمرها بتنصفهم ، يمكن تقسي عليهم لكن تلف تلف واخرتها تصالحهم وتاخد بخاطرهم ، طيب ماتقولي لنفسك ياامه ، انسيني حتلاقي الدنيا صالحتني !!!
مازال يقبض علي كفيها ويتمتم لها بكل الادعية التي يحفظها عل ربه يستجيب له ويأخذ بيدها ويزيح عنها ، مازالت تتوجع ومازالت اوراق الثوم تتطاير في وجهها اشباح صغيرة تنثر الشؤم وتقبض قلبها العليل وتخيفه ...
تفتح عينيها التعبتين وبحزم تأمره ، لم خلجاتك وتعالي معايا ، هناك حنروح المعبد ونطلب العفو والمغفره ، حنروح نزور المقام ونوزع عيش ونابت ونسترجاه يتوسط لنا ويشفع لنا عند الشفيع ، هناك حنزور الشجرة يوم الجمعه وناخد من شفاها اللي يشفينا ويكفينا ، هناك ياباسل الارض طاهره والميه طاهره والارواح طاهره ، شقيانه لكن طاهره ، كفيانا غربه وتوهه ، من الارض وللارض نروح ونرجع ...
مازالت اوراق الثوم تتطاير في وجهها تزيد رعبها وخوفها ، قلت ايه ياباسل ، صوتها لايخرج من حنجرتها وتتصوره يسمع كلامها ، مازال يقبض علي كفيها ويدعو ، ماتفوتنيش ياامه لسه الساعه ماحانتش ، طيب حتيجي معايا البلد ، نرجع سوا !!
صمت طويلا يفكر وفجأ همس في اذنها ، ماتيجي نروح البلد نزور الحبايب ونوصل المقطوع جايز بركه سيدي القناوي تحل ، ابتسمت في الحلم وفتحت النافذه للهواء النقي العفي المبحر من ارض الحبايب تصرف الاشباح والشؤم والعكوسات ، وحسمت امرها تعود للبلد وهو ايضا حسم امره !!!
 ( 32 )

قد لا يأتي النجاح في المحاولة الثانية،
فعلا
ولكنها خطوة على الأقل
في الطريق إليه

لن يقص عليها مالذي حدث بينهما وكيف احبها وغواها وتجرأ علي فراش " سموه " مثلما تجرأ هو وفليبيناته علي فراش سموها  ، لن يقول لها انه اكتشف انها تنتقم به من زوجها المتعجرف ومالذي احس به وقتما تيقن انها تلاعبت بمشاعره وانها لم تحبه ولن ، لن يقص عليها انها منحته الهيروين مكافأه ليالي العشق التي منحها لها وشاركته فيه وانهما اقتسما في القصر الواسع وغرفاته الكثيرة الادمان والجنون والضياع ، لن يقص عليها انها كسرته وقصمت ظهره واذلته في عشقها وادمان سمها الابيض ، لن يقص عليها اي شيء ، فكل هذا نسيه او قرر ينساه ، مايذكره فقط انه عندما ادرك انه ادمن الهيروين وصار عبده وعبدها وضاعت رجولته تحت قدميها وهو يتوسل لها تمنحه مايكفيه العذاب الوجع ، في تلك اللحظه تذكر امه وبلدته وكرامه ابيه ومقبرة جده والمعبد ، في تلك اللحظه قرر يفر منها ومن بلاد الجحيم التي ضيعته اول ولن يتركها تضيعه ثاني ، وقرر الرحيل والفرار والنجاه بنفسه من اخر محطات الضياع ، اشتري من خادمتها بعض الهيروين المسروق وبباقي امواله المدخره اشتري هدايا لاسرته وقت عودته ، لم يخبرها برحيله ولا ميعاده ، تصورت انها طوعته وامتطته وتحكمت فيه وملكته وانه سيبقي تحت قدميها عاشقا مدمنا لن يقوي يغادرها ويرحل عنها لان سم العشق وعشق السم يسريا في عروقه اسرا وذلا وقهرا لايملك غيرها عتقه منه !! كل هذا لن يحكيه لامه كفاها حزن ودموع ، ورجعت ياامه وادي اللي صار واللي كان ، حبيت وغويت اللي ماكانش يجوز ااقرب منها فضيعت نفسي وضعت !!!  
دموعه حارقه كماء النار وانفاسه سم ، فهمت امه مااصابه ومالحقه ، ندهته النداهه لطريق اللي يروح مايرجعش ، ولما حب يرجع مشي في سكه الندامه ، ولما التوهه طالت والسم استشري والموت عز رجع لحضنها يبحث عن سكه السلامه !!!
غيتيني ياامه ... انقذيني ، اشفيني ، طهريني ، احبسيني لجل تحرريني ، غيتني ياامه !!!
ربتت علي ظهره وهو في حضنها ودموعها تطهر روحه ، ياابن بطني انت خفيت وامر ربنا نفذ ، ياتخف ونعيش ، يانموت سوا واللي رايده ربنا يكون و.................. بدأت رحلة الدق علي الحديد البارد لتطوعه وتعذبت وتعذب ، وقهرته وقهرت ، انفجر فيها غاضبا واحتوته ، توجع وزحف امامها علي ذراعيه وقدميه يرجوها تسممه ليستريح ، لكنها ابت وتجبرت ، ياتموت ياتخف ، مالكش طريق تاني و............... عيني منك في الارض ياام باسل ، ولاعاش ولاكان الي يكسر عينك ياضنايا ، تعبتك ، هو انا كنت اشتكيت وتبكي ويبكي ، ويخرج السم من جسده وروحه و......... حمد الله علي السلامه ياباسل ، يصمت خجلا ، فتاخذه في حضنها وتبتسم ، نورت بيتك ياحبيبي ونورت الدنيا كلها !!!! وعاد باسل لنفسه ، لم يكسره السجن ولم يكسره السم لكنه لم يجد معبده بعد لينقش اسمه علي احجاره ويشتري بقصائده الخلود ولم ينتصر بعد في المعركه الكبري التي يقول التاريخ انه سينتصر فيها وتذكر نهال واحمس وابتسم ، فمازال رغم كل شيء ، لها في قلبه نبضه شوق !!!


( 33 )

لأن الريح أنثى
والشراع ذكر
فإنها ترتمي في حضنه، دائما


في تلك الليلة قررت عبلة تدعو كل رواد الحانة لكئوس خلف كئوس من الخمر الغالي الذي لايجروء الصعاليك من الادباء والشعراء والمخمورين مجرد النطق باسمه ، احتفالا بنجاح الشاعره الكبيرة عبلة الخزيمي عازمه الناس كلها علي المشاريب الليله ، صرخ منتشيا النادل،وضاع بقية كلامه وسط التصفيق وبعض التصفير وبعض النفاق ، انتبه باسل لما يقولوه واعطاهم ظهره ، مشاكله كثيره لاتتحمل دخول ذات العيون الفاجره في مشهده ايضا ، اعطاهم ظهره وقرر يعيش بقيه وقته مع نفسه بعيدا عن الصخب والبيرة البارده تلسع جوفه الملتهب بالغضب وتدور برأسه بعيدا وتعود ..
التصفيق عاليا والتصفير ايضا كئوس النبيذ الفاخر والويسكي الاسكتلندي المعتق تدور علي رواد الحانة حتي وصلت لمنضدتهم ، نظروا رفاقه لبعضهم ساخرين يائسين ، نشتم ونشرب ، نسب ونسكر وفي صحة الشاعره الكبيرة ويلعن ابوها بنت ستين كلب !!!
اقتربت عبله من المناضد تحيي روادها  ، اضطر البعض والخمر الفارغ يتلاعب بوعيه وعقله ان يشكرها وبعضهم تجرأ كذبا ليحيها علي شعرها الرائع ، اشار صديقه الكاتب له وقال كذبا ، باسل من اشد المعجبين بشعرك ، مش كده ياباسل ؟؟ حدقت فيها بعيونها الكحيلة وابتسمت تنتظر اطراءه ، صمت وطلب حسابه لانه راحل ، سيبكي لو فتح فاه ونطق بكلمه واحدة ، لن يجروء ينافقها لانه اشترته بكأسين ويسكي وبعض المكسرات ، سيبكي حتما ، يعرف نفسه ، عليه يرحل من المكان وبسرعه !!
لايذكر مالذي حدث بعد هذا ، هل ازاح يد الرجل وهو يشير اليه ليمتدحها ، هل دفعها من طريقه ليصل للباب الذي احسه بعيدا ، هل تعثر في المنضده فسقط ، هل بكي مقهورا لانه احس موهبته تحترق وتتلاشي امام الزيف الحقير واموال المهره السوداء اللعوب وهي تشتري في مدينتهم مالاكان يجوز بيعه ابدا !!!
هو لايذكر ، لكنها تذكر ولن تنسي هذا اليوم ابدا !!!!
مالذي حدث بين عبلة وباسل في تلك الامسية اللعينه !!!


( 34 )

ماينجدك غير أهلــــك .. ولاينفعك غير مالــــك
واحلف يمين بعد أمــك .. حبيب م النسا مابقا لك

هي فعلا كانت تشبهها !! يتذكر زينب التي اضاعها من يده وفضل الضياع علي حنانها ، يتذكر امه التي تنازع المرض ويتمناها تقوي عليه وتبقي له ، اضاع الاولي ويخاف الثانيه تضيع ، يشعر وحدة تخيفه ، يتمني لو انشقت الارض واتت بزينب امامه الان ، لو اتت سيعتذر لها ويستسمحها ويبكي في حضنها ويتعري يكشف روحه والشوك المغروس في خلايا اعصابه ويحكي لها عن ندمه وقدر خسارته وقت تخلي عنها ولم يحافظ عليها ، سيقول ويقول ، ليتها تأتي ، لكن زينب بعيده ، قلبها موصد لاتسمع صوته ولارجاءه ، ولن تأتي ، انت ياباسل اوصدت الابواب ومزقت بيننا الدروب فانساني انساني فحين ضيعتني ضعت وقتلتني ومزقت ماكان ممكن فصار لايمكن ، تسقط بعض دموعه ، بعضها ندما علي فراق زينب وبعضها خوفا علي امه ، يتوسل ربه الا يسيئه فيها ويشفيها !!!
قام باسل من علي الكنبة التي طالما جلس عليها الاستاذ ابيه حتي تشبعت برائحته وصرامته ، نادي اخته ، يافاطمة ، يافاطمة ، صمت ثقيل حتي جاءه صوتها من داخل المنزل ، امك عامله ايه دلوقتي ، صمتت ، عامله ايه امك يافاطمه ، ساكته ليه ، بعافيه شويه ياباسل ماانت عارف ، واخرتها ، حتطيب ، امك حتطيب ياباسل ، بالاذن اروح اشوفها !!!
وبقي مكانه مرتاعا حائرا ، شدي حيلك ياام باسل ، حتطيب ياباسل حتطيب ، يتمناها تشفي من وعكتها التي اعتقلتها في فراشها ، حين توجعت وتأوهت وافصحت عن الامها ، في تلك اللحظه قفز لذاكرته ابتسامتها وهي تصحبهم للمولد ، وهي تسمح بطرحتها السوداء وجه ، قفز لذاكرته ابتسامتها وتمناها تشفي سريعا فهي عمود البيت وسترته ، واضاءت ابتسامتها خياله اكثر واكثر فصدق فاطمه ويقينا بأن امهما حتطيب ، همس ان شاءالله يافاطمه ان شاءالله !! وكادت دموعه تقفز تفسد خياله الملون بابتسامتها ، حزن يداهمه ويغشي روحه ، استني ياامه لما تشيلي عيلي وتكحليه وتدقي له الهون وترقيه بالسبع بركات ، استني ياامه !!!

( 35 )

لسه الطيور بتطن

الي زينب الحضن الذي اغلقت ابوابه في وجهي وندمت !!
اهديها البيت الفار والقصيدة التي لم تعد ناقصة ....
و.... طار السرب وحلق ، ارتفع وارتفع ، ابتعد عن الارض وغاب عن الناظرين ،  حلق في رحلة الهجرة من الارض الاصيلة للصخب والصحراء ، ابتعد حتي ظنت الارض انه لن يعود ، ضل وضل حتي ظنت الطيور ان قائدها نسي طريق العودة وفقد الحنين ، و............. بعد سنوات طويلة ، عادت الطيور التي كانت صغيرة لشجرتها في ساحه المعبد ، عادت لتسكن ، تدفن من هرم بين الفروع وتكبر الصغار وتستعد دوما للتحليق والرحيل ثانية ، تهاجر وتعود ، تحلق وتهبط ، وتظل الشجرة والمعبد و ساحته المقدسه المحط الآمن للاسراب المهاجرة التي مهما غابت وبعدت ، عادت!!!!
كتب الاهداء و ارسل ديوانه الاول للمطبعة !!!
دخل لامه غرفتها وسلمها المخطوطه وقال لها اهديته لزينب ، رفعت امه بصرها للسماء وهمست ياريتها تقراه ياباسل وربنا يريح قلبك وقلبي !!!
و مازالت قوافل من الطيور ترحل من الشمال للجنوب ومن الجنوب للشمال ، تذهب وتأتي ، كمثل مياه النهر التي لاتكف عن التدفق ، تذهب ولا تأتي ، تنحر في قاع النهر وتحمل طميه الاحمر وتذهب ، تبحر صوب الشمال ومازال باسل يبحث عن البيت الفار من القصيدة الجديدة ، القصيدة الناقصة !!!!


نهاية الجزء الخامس والحدوته



1-                    صلاح جاهين
2-                    نشيدُ عازف " الهَارْف "من الادب الفرعوني
3-                    فن الواو - رباعيات ابن عروس
4-                    اسامه جاد
5-                    الاخطل الصغير
6-                    صلاح جاهين
7-                    دعاء فلكولوري مصري
8-                    مثل شعبي مصري
9-                    صلاح جاهين
10-                  اسامه جاد
11-                  اسامه جاد
12-                  اسامه جاد
13-                  فن الواو - رباعيات ابن عروس
14-                  صلاح جاهين
15-                  مثل شعبي مصري
16-                  اسامه جاد
17-                  اسامه جاد
18-                  اسامه جاد
19-                  فن الواو - رباعيات ابن عروس
20-                  اسامه جاد
21-                  من وصايا الملك أمنمحات الأول لابنه الملك سنوسرت الأول،
22-                  اسامه جاد
23-                  صلاح جاهين
24-                  اسامه جاد
25-                  اسامه جاد
26-                  اسامه جاد
27-                  فن الواو - رباعيات ابن عروس
28-                  من الادب الفرعوني
29-                  ابو العلاء المعري
30-                  اسامه جاد
31-                  من كتاب الموتي
32-                  اسامه جاد
33-                  اسامه جاد
34-                  فن الواو - رباعيات ابن عروس

35-                  صلاح جاهين 

هناك تعليقان (2):

أسامة جاد يقول...

أوقفتني قطعتك الفنية المنسوجة ببراعة حقيقية أمام عدة تأملات يا أميرة .. أحدها ما أدعوه "قدرة الكاتب على ملء الفراغات" في نسيج القص .. وأعني هنا الانطلاق من معطيات جزئية عامة .. تشكل الهيكل النظري للقصة .. وملء هذا الهيكل بتفاصيل محكية .. تفاصيل حياة: فرح وحزن .. ضحك وبكاء .. وهو أمر يسهم في تماهي الواقع بالخيال .. والحقيقة بالافتراض التأليفي الخالص
كعادة العمل الأدبي المهم فإن مثل هذا التماهي هو أحد غايات الأديب: أن يجعلك تصدق هذه الشخصية الفنية أو تلك .. بل وتصل أحيانا إلى تعيينها بالاسم، لتقول إن هذه الشخصية هي فلان، وتلك هي فلان الآخر .. وهكذا
غير أن السؤال الذي شغلني وأنا أوغل في القراءة هو مناطق التجاور والتحاور بين حقيقية الشخصية وأسطوريتها: الأمر الذي يحتاج دائما إلى عين فاحصة ودربة خاصة واستشعار يمكن معها اكتشاف الأسطوري من الواقعي
وفي الحقيقة فإن هناك نوعا من المباراة دائما بين المبدع وقارئه حيث يسعى الأول لعدم التعيين بما يضمن للنص حياة ووجودا دائمين بإعادة القراءة والاكتشاف .. بينما يطلب الآخر أن يحدد المقاصد وأن يرتاح إلى فهم يركن إليه
فلما يمنح المبدع قارئه مفاتيح قصدية قد تحيله إلى تحديدات بعينها ينبغي على هذا القارئ أن يدرك .. يلمس .. يستشعر الفخ الذي يسوقه المبدع له .. حتى يصل إلى اللحظة التي يلقى نفسه(القارئ) فيها مضطرا إلى القراءة من جديد .. ليطرق دربا جديدا في التأويل وتعيين المبهمات
هذا ما نجحت حكايتك هنا في تحقيقه ما بين أكثر من إشارة وأكثر من تأويل .. ربما كان أهمها اقتباساتك في بدايات المقاطع
المدهش هنا هو الصراع الذي ظل باسل في دائرته شخصية قريبة للقارئ .. بالرغم من ارتكابها للشرور كلها .. ففي تصوري أن قارئك .. بطبيعة التماهي مع الشخصية المحورية وتبني موقفيتها .. سيجد نفسه متورطا في قبول أفعال وتصرفات لا يمكن أن يرضى عنها في الحياة اليومية
يشدني أيضا محور الأسطورة الذي يغمس نفسه عميقا في الموروث الشعبي والإنساني في شجرة الشفاء وسرداب الجد على سبيل المثال
غير أن ما يظل شاغلا لوعيي هو هذه القدرة البديعة على استخدام الكولاج السردي في بناء نص على مجموعة متعددة من النصوص .. بما يشبه عملية المسرحة .. التي لا تحتاج براعتك فيها لشهادتي
ستظل شخصية باسل في النهاية شخصية مثيرة للجدل في أنسانيتها وربما شيطنتها بهاجس الخلود .. الذي بلغ حدا سيكوسوماتيا جعله يرى الكوابيس دائما .. ويفتقد القدرة على التواصل السوي مع العالم من حوله .. وربما مع الحياة

نص ممتع بقدر ما هو مجهد فعلا لقارئه .. ولمبدعه على حد سواء

غير معرف يقول...

نص غريب و شيق..بدأته و مقدرتش اسيبه الا فى نهابيته..تفاصيلك متلاحقه و قويه و غريقه فى مشاعر متضاربه..أغلب الابطال ما يعرفوش بعض ب حسيتهم نسيج واحد بيصبوا فى حدوته دسمه و حزينه
بطلك مهموم و حيران و غضبان و طماع..خليط من البساطه و الامل كلماتك ربطتنى بيه و بحياته
اكتبى كمان يا اميره..اصل احاسك قريب و طيب و عاشق للتفاصيل
عبير مطر