كانت في مدينه ملاهي مائيه ... ذهبت في حر اغسطس مع اولادها .... صغار يلحون منذ وقت طويل لتصحبهم لهناك ، راوغتهم قدر ماقويت وفي النهايه رضخت لطفولتهم ، تتمناهم سعداء ، تبذل كل ماتقوي عليه لاسعادهم ،واذا كانت السعاده في الملاهي الماليه ، فلنذهب !!
استيقظت فجرا ، تعد الحقائب والملابس وكريمات الشمس والسندوتشات ، وحين اصبح كل شيء جاهز لذهابهم لم تكن تتمني الا تنام ، طاقتها بددت في اعداد الاشياء السخيفه التي يلزم اعدادها ، وصباح الخير ، قوموا بقي ، حان وقت الفسحه ، هل لمحت وجهها في المرأه شاحب ، لاتتذكر ، لكنها فعلا وبحق كان مرهقه متعبه ، الحر يفسد مزاجها ، لكن للامومه واجبات مقدسه لايمكن التخلي عنها ، ويالا ياولاد..!!!
دخلت المدينه تجر ساقيها تشعر كهرباء تسري في اكتافها ووخز يتجول في ارجاء بدنها ، تاره قدمها ، تاره ذراعها ، تاره عمودها الفقري ، لا تشكو ولا تتأوه ، لكن ارهاقها يلون ملامحها بتعبيرات يفهمها زوجها فيزداد ملله منها ، ويفهمها اطفالها فيتجاهلوا حالتها ، لو تعاطفوا مع اوجاعها وقله مزاجها لاعتقلوا داخل غرفهم اسري الحاله النفسيه السيئه لامهم !!!
جلست علي مقعد بلاستيك موجع لظهر الاصحاء فمابال ظهرها المتألم ، علي منضده انتقاها الاطفال بجوار البحيره الكبيره والكافيه وبائع الايس كريم ، القت الحقائب والاحمال وجلست ، تلفح النسمات الساخنه وجهها المحتقن فتقفز قطرات العرق انهارا مالحه علي وجهها ، تبتسم لان اطفالها صغار لا ذنب لهم فيما تعانيه ، لكن ابتسامتها مريره ، كان خنجر مدفوق في خاصرتها يؤلمها مع كل نفس !!!
اخرج زوجها الجريده واعطاها ظهره وصمت كعادته ، تفهم دلاله سلوكه ، حفظت معناه ، انا لست معكم ، لاتطلبني مني شيئا ولا تساليني عن شيء ، يدفن نفسه بين اسطر الجريده ويصمت ، لايرد علي كلماتها القليله ، لا يسمعها ، يختبيء بعيدا عنها وعن اطفالها ويترك لها الجثه صامته لاتنطق وحافظه نقوده تخرج منها ماتريده وقتما تريد وفقط !!!!
لم تكن سعيده مع زوجها لكنها لاتفكر ابدا في الافصاح عن هذا ، فكل السيدات غير سعيدات في زيجاتهن ، لكن الحياه تمضي قدما لصالح الاطفال الاولاد والبنات ، الصغار الابرياء الذي لم ينتقوا امهاتهم وابائهم ، الابرياء الذين سيدفعوا في المقام الاول ثمن تمردها علي التعاسه التي تعيشها ، لم تكن سعيده لكنها ستكمل الحياه حتي تموت ، كل ماتدعو ربها فيه الا يمنحها ذلك الزوج البارد الصامت قليل الكلام غليظ الجلد ميت المشاعر في حياتها الاخري التي تحلم بها ستعوضها عن كل القرف الذي ترشفه كل لحظه بالسم والكأبه !!!
الاولاد يقفزون في الماء يصرخون ، ماما ، فرحين سعداء ، تلوح لهم مبتسمه ، يلوحوا لها بفرحه ويخرجوا مره وثانيه وعشره ، كل مره يصرخوا ماما ، تلوح لهم ، يلوحوا لها ، لااحد يقول بابا ، كانه مش موجود ، ولاهو يكترث بما يفعلوه ، يرفع راسه من بين صفحات الجريده ويطالب بفنجان قهوه ، هي ليست في البيت ولن تصنعه له بنفسها ، لكنه لايكلف نفسه يطلبه من النادل ، لماذا يرهق نفسه وهي موجوده ، تطلب له فنجان القهوه ، وتلوح للاطفال ، ياتي احدهم يصرخ ، عايز بيبسي ، لا لما تفطر الاول ، تخرج السندوتشات من حقيبها ، تنادي بقيه اولادها ، يصرخوا فرحين ، ياكلوا بايدي مبلله مرتعشي الاجساد ، يحترقوا بالرغبه للقفز في الماء ، ياكلوا بسرعه وينسوا البيبسي ويقفزوا في الماء يصرخوا ، ماما ، تلوح لهم ، يبتسموا ، تمتن لهم ، فلولا ابتسامتهم لقتلت نفسها ، لاحست ان حياتها بلا معني وبلا قيمه ، مازال زوجها مدفون في صفحات الجريده يتجاهلها هي والاطفال والحياه ، تساله ، سندوتش ، يهز راسه نفيا ولايرهق نفسه حتي بكلمه يرد بها عليها ، ولماذا سيتكلم اذا كانت فهمت فعلا مالذي يقوله ، صامتا يقرأ كلام ممل لكنه يختبيء منها ويهرب وسط تلك الكلمات التي تشبهه !!!
الحر يزداد ، تسيل انهار العرق تحت ملابسها ، تلتصق في المقعد البلاستيك ، الجميع حولها عراه وهي ترتدي كامل ملابسها بمنتهي الوقار ، تمنت لو ارتدت فستان قطني خفيف بحمالات ، لكن زوجها يغير عليها ، او هكذا يقول ، لايسمح لها ابدا بارتداء الملابس العاريه ، وحين تشكو من الحر ينهرها لانها مدللة لاتتحمل مثل امه التي كانت تقف امام الفرن تخبز بالساعات لاتشكو من سخونه ولا من حر ولا من اي شيء ، لاترد عليه ، هي ليست مثل امه ولن تكون ، والحر يقتلها !!!
تمر الدقائق بطيئه ، الشمس تسطع واشعتها الساخنه تلتفت حول عنقها تخنقها ، العرق يجري سيالا علي جلدها كملايين النمل الصغير يوخزها ، الكهرباء تسري من كتفها لعمودها الفقري والمقعد البلاستيك الموجع يكمل علي بقيه عظامها ، لكن الاطفال سعداء فرحين يقفزون في الماء وهي سعيده بسعادتهم تلوح لهم فرحه ، يصرخوا ماما بصي ، فتبص ماما وتلوح لهم فرحه و...... اليوم مازال طويلا !!!
اقترب منها النادل طلبت منه فنجان قهوه ، سالت زوجها عن رغباته فلم يرد عليها فادركت انه لايريد شيئا ،ثوان وترك الجريده وقام مستأذنا ، سيذهب لعمل مهم ويعود لها وللاطفال في اخر النهار ، هزت راسها لاتعني شيئا ، ودعها وذهب ، بقيت مكانها تحاوره مع نفسها صامته ، اليوم اجازه وهو يكذب ولن يذهب لاي عمل ، سيذهب لمكان رطب يبرد التكييف اجواءه وينام ، ويتركها هي تتلظي بالشمس ، مل من الجريده ربما سيجلس علي القهوه بجوار منزلهم ، يجلس بالداخل يستمتع بالظل والجو ويتركها هي مع الاطفال امام الماء الذي تحول مع شده الحر لمرايات ضخمه تعكس اشعه الشمس تحرق جلدها ، ربما سيذهب عن امه ، ينام علي الكنبه ويتابع مباراه الكوره ، ربما الف ربما الا انه ذهب لعمل هام ، لكن كل هذا ليس مهما ، المهم انه تركها واطفالها وحيدين من غيره مثلما فعل مئات المرات ، تبتسم ، هي لاتكترث بوجوده ولا تحزن من غيابه ، فوجوده مثل عدمه غير مؤثر ، اختلجت نفسها ، هل ستبكي ، تحس فيضان دموع ينبثق من داخلها لاطراف جفونها ، لا لن تبكي ، لماذا ستبكي ، لانها تعيسه ، عادي ، ادمنت التعاسه ولاتعرف غيرها ، لماذا ستبكي ، لانها تكذب علي نفسها ، لانها كانت تكترث بوجوده لكنه قتل اكتراثها واهتمامها وكل شيء جميل داخلها ، لا لن تبكي ، ارهقت من كثره الدموع ، اطفالها يكرهوا دموعها ، يشفقوا عليها ويشعروا العجز امام حزنها ، لن تفسد فرحتهم بيوم الفسحه ، تشاجرت معه في خيالها ، انت كاذب وانا لااكترث ، انت اناني وانا لااكترث ، و........ كادت تنطقها ، هي ابدا لم تنطقها ، ابدا لم تقولها لنفسها ، انت لاتحبني وانا لااكترث ، ارتجفت ، لاتقوي علي ذلك الاعتراف ، لو قالت له انه لايحبها وصمت ، وقتها سيتعين عليها اتخاذ مواقف لاتقوي عليها ، مواقف سيدفع ثمنها الصغار وهي لن تعرضهم لتلك التجربه ، لا هو يحبها !!! هكذا حسمت الامر وصمتت !!!!
نادت الصغار ، منحتهم حبها وساندوتشات لذيذه وقطع شوكولاته وبعض حبات الفاكهه ، دهنت وجوههم وظهورهم بالكريمات الواقيه من لسع الشمس ،اطلقت سراحهم وبقيت تتابعهم يقفزوا في الماء البارد فرحه لفرحتهم تتمني لو شاركتهم الغوص تحت الماء البارد لكنها لن تفعل ، قدرها الشمس تحرق جلدها مثلما احرق الصمت والملل مشاعرها وقلبها ، لكن كله في سبيل الاطفال يهون !!!
استمتعت بغيابه ، انفاسه توترها ، تحسه سينفجر فجا فيها لاسباب لاتعرفها ، نعم هو لم ينفجر من قبل ، لكنها واثقه انه سينفجر لكنها لاتعرف الميعاد ولاتعرف السبب ، تذكرت نفسها فجأ احلامها التي لم تتحقق امنياتها التي لم تقبض عليها الحياه التي لم تعشها ، تذكرت كل هذا وغشاها الحزن ، في تلك الرحله وسنواتها وايامها الكثيره نسيت نفسها ،انشغلت بالرجل الصامت تتمناه ينطق وبالاطفال تنتظرهم يكبروا ، نظفت المنزل وطبخت اشهي الاطعمه ومنحت زوجها جسدها البض وثلاث ذكور هم كل حياتها ، انشغلت بالتفاصيل ، لم تتامل ابدا مايحدث ومعناه ، هل ترهل جسدها غالبا ، هل احاطت الهالات السوداء بعينها غالبا ، هل خشنت كفوفها من كثره الغسيل والطبيخ وتقشير الخضار غالبا ، هل فقدت خلف ظهرها اجمل سنين العمر الشباب والانطلاق والحيويه ، غالبا وستين غالبا ، اختلجت نفسها ثانيه ، ستبكي هذه المره ولن تقوي علي كبح فيضان دموعها ، كانت تحلم لنفسها بحياه اجمل ارق احن اعذب ، كانت تحلم لنفسها بدور اكبر من دور الزوجيه الكريه والامومه الجميل ، لكنها علي عتبه باب الزوجيه تركت احلامها ودخلت عاريه من ملابسها وامنياتها ، علي عتبه الزوجيه ارتدت الملابس الوقوره والادوار المقبوله الزوجه المطيعه الام المضحيه الطباخه الماهره ونسيت كل ماعدا هذا!!!!
لا لم تنساه ، مازالت احلامها داخلها تؤرقها ، تقتلها ولاتموت ، بسبع ارواح مثل قطتها ، تقفز برأسها احيانا في الاحلام الليليه ، تذكرها بنفسها احيانا في لحظات الضيق ، اين انت ؟؟؟ سؤال تهرب منه ولاتفكر فيه ، بل تتحداه ، انا هنا ام صالحه لاولاد فالحين ، زوجه مطيعه لزوج صامت لن اتركه واشرد اطفالي ، انا هنا!!!!!!!!
مازال الحر يكويها ، مازال الاطفال يصرخون ، ماما ،ماما ، ماما ، نعم ياحبايب ماما ، تلوح لهم بفرحه سعيده بسعادتهم ، ماما ، يلاحقوها بصراخهم ، كانهم يخافوها تنسي انها ماما ، ولو نسيت ستكون الطامه الكبري والمصيبه الرهيبه ، لو نسيت انها ماما ، ستبحث عن نفسها التي قتلتها ، لكنهم لايتركوها تنسي ، يلاحقوها بصراخهم بطلباتهم بشكاوهم ، ماما ماما ماما ماما ماما ماما ، لاتخافوا لن انسي اني ماما!!!!!!!
تلف راسها تتفرج علي الجالسين حولها ، سيدات يشبهنها ، محاطات بالاطفال ، بالحقائب ، بالسندوتشات ، جميعنا في الهم نساء وحيدات وامهات صالحات ، عادي جدا .... هكذا قالت لنفسها ، مازالت تتفرج علي البشر حولها ، كادت تغلق عينها مللا ، رواد المكان لا يمنحوها اي شيء جديد غير الذي تعرفه ، حتي لمحت تلك العجوز البعيده !!!!!
لم تصدق ماتراه ، ماتراه لايحدث ، عجوز هل تتجاوز السبعين ، ربما ، هل وصلت الثمانين ، ربما ، ترتدي قبعه حمراء بورده زاهيه ، تلعق ايس كريم ثلاث كور ملونه فوق بسكوته قرطاسيه تلعقه بشهيه ونهم رهيب ، و............ ترتدي مايو بيكيني ، لاتصدق ماتراه ، جسدها مترهل عجوز مكرمش ، طيات فوق طيات من الجلد المتهدل ، جسدها العاري يفصح عن شيخوخه ، لكن المايو الذي ترتديه ملون مثل مايو ابنه اختها الصغيره ، مزركش بالالوان الزاهيه والشرائط الستان والفيونكات ، كانها طفله عجوز ، لاتصدق ماتراه ، عجوز في اواخر السبعينات غالبا ترتدي قبعه ومايو مثل صغيره في الثالثه ، مجنونه تلك العجوز غالبا ، تاكل الايس كريم بذات طريقه الاطفال ، تلعقه لحسه لحسه ، تتساقط قطرات فوق اصابعها لاتكترث ، مجنونه تلك العجوز ، لماذا ترتدي تلك الملابس العاريه ، جسدها بشع ، شكله وحش ، لن ينظر لها احد الا بنظره قرف واشمئزاز ، جلد مترهل تحس السنوات مزقته ثم لملمته شظايا متنافره ، لماذا تعرض جسدها بتلك الطريقه الفجه ، ماهذا المايو العيالي الذي ترتديه ، شرائط ستان وفيونكات والوان زاهيه ، تظن نفسها صغيره في الحضانه ، تظن نفسها غاده حسناء في سن المراهقه تبحث عن نظرات الاعجاب ، ماهذه القبعه الحمراء التي ترتديها تزينها الورود ، الاتخجل من الشعيرات البيضاء المتناثره تحت القبعه ، مجنونه تلك العجوز ياحرام !!!!!!!
ماما ماما ماما ، تلوح لاولادها ، نعم ياحبايب ماما ، صورينا ، تاخذ الكاميرا وتقوم للشمس بلا شمسيه ، ستاكل الشمس راسها ، ستلتقط لهم بعض الصور بسرعه وتعود جري للظل ، تقف امام البحيره الكبيره ، اولادها يقفزون ، المياه البارده تتناثر ، اشعه الشمس تحرق الماء البارد وتحوله لسطح لامع كانه مرأه ، تنغرز الاشعه الساخنه في حدقتيها ، تحس غثيان ، تلوح لاولادها ، تبحث عنهم وسط الماء ، لاتراهم ، تحس زغلله ، الارض تميد بها ، تنسحب من تحت قدميها ، ماما ماما ....... ماااااااااااااااااااااااا ماااااااااااااااااااااااااااااا .... ماااااااااااااااااااااا ....!!!
تفتح عيناها بصعوبه ، لاتعرف اين هي ، تفتح عيناها فلاتري الا بياضا يخرج من عينها ويحيطها يلفها ، تحس بروده ، اين هي ، لاتتذكر ، تسمع اصوات متداخله لاتميزها ، لكن هذا صوت ابنها الصغير ، هل يبكي ، لماذا يبكي ، اين هي ، تكاد تساله بتعيط ليه ، لكن شفتاها ملتصقتين ، احبالها الصوتيه متكلسه لاتخرج صوتا ، مازال يبكي ، اين انا ، تفتح عيناها بصعوبه ، تلمح اشباحا ، هل هذه ذراعها التي تمدها صوب ابنها الصغير ، يقف وسط الزحمه ، من هؤلاء البشر ، هل هي في البحر ، هل قابعه في قاع النافوره ، المياه البارده التي تنهال علي راسها ووجهها من اين تاتي ، نعم هذا ذراعها ، تقبض علي ذراع ابنها الصغير كانها تقول له لاتبكي ، تقربه من قلبها ، اسمع نبضات قلبي ولاتبكي ، هل اولادها الثلاث يحضنوها ، هل يسبحون معها في البحر ، هل يجلسون معها في قاع النافوره ، انهم في حضنها لكن الماء البارد مازال ينهمر فوق راسها ، هل تمطر السماء ، لا ، الشمس مازالت ساطعه تخزق عينها ، مالذي يحدث ، اين انا ، تقبض علي اولادها وتصمت ............ تفتح عيناها تنتبه لما حدث لها ، نائمه علي مقعد شازلونج بجوار السيده العجوز ، تبتسم السيده العجوز ، المجنونه ؟؟ لماذا تجلس بجوار السيده المجنونه ؟؟؟ تبتسم لها العجوز ، يتسلل الفهم لعقلها بطيئا بطيئا ، لقد فقدت الوعي ، كانت تصور الاولاد وفقدت الوعي ، الشمس نقرت راسها وسحبت وعيها والقتها علي الارض ، فزع الاطفال وخرجوا من البحيره يصرخوا ، امهم ملقاه علي الارض امامهم ، هرع الكثيرين تجاهها ، لكن العجوز قامت وساعدتها ، نهرت الجميع بحسم يبعدوا عنها ، يمنحوها اكبر كميه اكسوجين تساعدها لتفيق ، امرت الرجال لحمل جسدها المرتخي علي مقعد شازلونج تحت شمسيتها ، سكبت علي راسها ماء بارد مره واثنين وثلاث ، هدأت اطفالها الفزعين ، احتضنت الصغير الباكي ، دفعته لحضن امه غائبه الوعي ، انفاسها ستهدءه .... لقد فقدت الوعي ،هكذا قالت لنفسها والوعي يعود لرأسها ببطء ، فتحت عيناها ، السيده العجوز بالمايو المزركش والقبعه الحمراء تبتسم لها ، تبادلها الابتسامه ، تناولها العجوز بمنتهي الحنان كوب عصير ، تناوله لها بحسم الام التي لاتقبل جدلا ولا رفضا ، حنان العجوز يربكها ، تشرب العصير دفعه واحده فتفيق وتنتبه بسرعه ، يطمئن الاولاد عليها ويعودوا مسرعين للبحيره والماء البارد ...
تبقي مكانها خدره الجسد تبتسم للعجوز ، تعتذر عن ارهاقها لكن العجوز تنهرها بحميميه لاتقبل اعتذارها ، الناس للناس ، كلمه اخترقت قلبها ، نعم الناس للناس ، لكن معظمهم لا يدركوا قيمه تلك الكلمه ولا معناها ، كادت تقوم لكن القبضه القويه للعجوزه ابقتها مكانها ، رايحه فين خليك معايا ، انت قاعده لوحدك وانا كمان ، خليك معايا وانتي من هنا شايفه الاولاد احسن ، نعم انا وحيده وانت وحيده ، سابقي معك ، يحدقا في بعضهما البعض صامتتين ، تبتسم العجوز تسالها ، اجيب لك جيلاتي ، تضحك وتهز راسها نفيا ، لاتتركها العجوز ورفضها ، تلاحقها ، ليه ، مابتحبيهوش ، تضحك باحبه لكن نسيت طعمه ، ليه ، معرفش ، يبقي خلاص حاجيبك جيلاتي ....
تحدق في العجوز ، طيبه مثل امها لكنها قويه مثل ابيها ، تبتسم ، نعم فيها حنان الام وحسم الاب ، وقفت امام العباره لاتعجبها ، لماذا تخلت الامهات عن الحسم للاباء وقبعت في خانات الطيبه فقط ، لكن تلك العجوز تمردت علي خانه الطيبه وتسللت لخانه الحسم واحتلها بقوه ، مدت لها العجوز يدها بالايس كريم ، ثلاث كور ملونه فوق بسكوته ، ارتبكت ، لم تاكل الايس كريم بتلك الطريقه منذ طفولتها ، لايليق بسيده محترمه تلعق الايس كريم بتلك الطريقه الغريبه ، ارتبكت ، فهمتها العجوز وشرحت لها ، خايفه من ايه ، لو وقع علي هدومك اغسليها ، لو لغوص صوابعك امسحيها ، اكله كده اطعم مليون مره من اي طريقه تانيه ، مازالت مرتبكه لكنها وافقتها ، طعم الطفوله وبرائتها تتسلل اليها مع لعقات لسانها للكوره المسكره الثلجيه ، تبتسم ، تلعق الايس كريم مرتبكه ، يقترب ابنها الاكبر ، يصرخ ماما ، ترفع راسها ولسانها متدلي ملتصق بالكور الملونه ويلتقط لها صوره ، ترتبك ، كانه سجل دليلا علي حماقتها ، كادت تقذف الايس كريم ، لكن العجوز ضحكت سعيده ، الله ، دي حتبقي صوره جميله قوي ، صمتت مرتبكه ، ساسالها حكايتها ايه ، لا ان اجروء علي سؤالها ، لااكترث بحكايتها ، تتململ علي المقعد ، تريد تعود لمنضدتها وتلقي الايس كريم في سله القمامه وهي في طريقها لمقعدها ، لكن العجوز وحنانها وحسمها الواضح لايتركوا لها خيارات ، ساسالها مابها ، لماذا تعري بدنها هكذا ، حاسبي يسيح ، الايس كريم لطيف قوي ، لكن مايحبش شريك لاتفكير ولاسرحان ، لو سرحت شويه يسيح ويبهدل الدنيا ، الايس كريم محتاج تركيز ، ضحكت ، هي عند زوجها اقل مرتبه من الايس كريم ، لايركز معها ولايكترث بها تسيح تتجمد تبهدل الدنيا هذا كله لاقيمه له عنده ، سالت العجوز في لحظه جراءه مفاجئه ، ايه الحكايه ، لم تزيد حرفا ، لكن العجوز فهمتها جيدا !!!!
ماما ..... ماما ........ ماما ماما ... يقفز الاولاد في البحيره ، تلوح لهم ، تهمس ، نعم ياحبايب ماما ، لكنها تنصت باهتمام شديد للعجوز التي اوضحت لها الحكايه ، مافيش حكايه ، قصدك يعني علشان المايو والبرنيطه والشبشب الاحمر والجيلاتي ، عادي ، ابتسمت تهز راسها ، لا مش عادي خالص ، ضحكت العجوز ، فاهمه طبعا انه مش عادي خالص ، انت تعرفي اني جده من زمااااان قوي ، ابتسمت ، كمان جده ، اه جده من زمان قوي ، حفيداتي اتخرجوا من الجامعه واحده منهم كمان اتجوزت ، ضحكت رغم انفها ، هذه السيده ذات المايو المزركش بالالوان جده لعروس شابه ، انا فاهمه والله انك مستغرباني جدا ، مش انت لوحدك اللي مستغرباني ، الدنيا كلها مستغرباني لكن مش فارق معايا ، ضحكت وحسدتها في سرها ، مش فارق معايا ، خلاص العمر عدي واللي فاضل حبة ايام عايزه اعيشها زي ماانا عايزه ، حسدتها اكثر ، انا عشت حياتي كلها زيك كده ، ابنه مطيعه وزوجه مطيعه صامته وام حنون ، عملت سندوتشات ولبست هدوم واسعه بايخه الوانها غامقه ، سمعت كلام ماما وبابا وجوزي والدنيا كلها ، عمري ماعملت حاجه باحبها ، مش عمري قوي لا كتير من عمري ماعملتش حاجه باحبها ، سمعت الكلام وقلت حاضر ونعم ، طعمت العيال وذاكرت للثانويه العامه وجهزت البنات ودعكت ضهر جوزي ، سالت الناس كلها عايزين ايه وكنت باعمله من غير ماافكر ، عمر ماحد سالني انت عايزه ايه ، ولا انا حتي عمري فكرت انا عايزه ايه ، عادي عشت زي كل الناس مابتعيش ، حياتي عدت او اتسرقت او ضاعت ، اوصفيها زي ماانت عايزه ، البنات اتجوزوا ومشيوا والراجل مات والاحفاد كبروا وبقيت انا راس العائله ، انا الكبيره ، انا العجوزه ، اللي لازم البس طرحه سودا وهدوم غامقه وجزمه واطيه علشان ضهري وانام بدري علشان صحتي ، فجأ بقيت انا القانون والتقاليد والاعراف واللي يصح واللي مايصحش ، كلهم يعملوا حسابي ويخافوا مني ويخافوا علي ، لكن محدش يعرفني ، ضحكت العجوز وهي تراقب ملامح الاندهاش والفزع علي وجه السيده الاخري ، محدش يعرفني ولا انا حتي اعرف نفسي ، وحاعرفها ازاي ، عمري مافكرت فيها ولا عملت حسابها ، انا عشت زي مامفروض اعيش !!!!!!!
اعتدلت السيده تراقب العجوز تتامل كلماتها توافقها ، نعم مثلك انا عشت مثلما مفروض اعيش ، لم افكر في نفسي ولم يفكر فيها احد ، لغايه يوم كنت رايحه مع حفيدتي مشوار ، قابلت اصحابها ، قعدت معاهم ، الاول الشباب كانوا مخضوضين مني ، تيته بقي وقاعده معاهم ، لكن بعد شويه نسيوا الحكايه دي ، اندمجت معاهم ضحك وفرفشه وهيصه ، تصدقي حسيت اني قدهم ، ايوه حسيت اني قدمهم ، استغربت قوي انا عامله في روحي كده ليه ، انا ست عجوزه وقربت اموت ، مفروض كده يعني ، لكن ليه باعجل بموتي ، ليه قاعده متحنطه لغايه مااموت ، مقابله الشباب دول حمستني قوي للحياه ، طبعا عمري ماحارجع شابه زيهم ولا في سنهم ، لكن وانا في سني لازم اعمل حاجات احبها ، ها ها هاهاهاهاها ، ايوه حاجات بحبها ، تصدقي احتست خالص ، عمري ماعرفت ايه اللي بحبه ، انا طول عمري باعمل اللي مفروض يتعمل لا، رجعت من مشوار حفيدتي ده وانا واخده قرار افكر في نفسي ، اعيش الايام اللي فاضله بطريقه تبسطني انا ، مش مهم الناس ، خلاص انا خلصت كل اللي عليا ، محدش له عندي حاجه ، انا بقي فين من كل ده ، حاعيش بالطريقه اللي تبسطني واعمل الحاجات اللي بحبها !!!
ضحكت السيده مذهوله ، العجوز تمردت علي الموات المحيط بها ، اكملت العجوز ، لما فكرت باحب ايه ، اكتشفت مليون حاجه بحبها قررت اعملها ، الناس طبعا استغربوا وبعدين قالوا الست الوقوره الكامله اتجننت ، هاهاهاها ، كل الناس هنا وفي كل حته بيقولوا علي مجنونه ، مش مهم ، مش فارق معايا ، بذمتك ماقلتيش علي مجنونه ؟؟؟ ارتبكت السيده وصمتت ، ضحكت العجوز ، قلتي طبعا ، ماهو اللي يعمل اللي هو عايزه واللي بيبسطه يبقي مجنون !!!!
مازالت السيده تلعق الايس كريم تتساقط قطراته علي ملابسها لاتكترث ، ابتسمت العجوز ، عملت كل اللي نفسي فيه ، عشت بالطول وبالعرض ، تضحك ، خرجت سافرت سهرت رحت السينما اتعشيت بره مع نفسي اشتريت فل وحطيته تاج علي راسي وافتكرت مره ان اكتر حاجه كان نفسي فيها البس مايو بكيني وبرنيطه واقعد علي البحر ، لكن بابا ، بابايا انا طبعا رفض بشده ، معندناش بنات تلبس المسخره دي ، علي فكره وقتها كان عندي 5 سنين ، لكن لسه فاكره خناقته مع ماما ومعايا ، وطبعا الموضوع اتنسي وخلاص ، مره كنا بنتفسح ، بابا واخدنا نتفسح ، طلبت ايس كريم ، جالي في طبق ومعلقه ، لا عايزه بسكويته ، لا طبعا ، ماما شخطت في ، مافيش انسه محترمه تاكل الايس كريم بالطريقه دي ، حاضر ، كلت الايس كريم بالمعلقه ، لما فكرت في نفسي وقررت اعمل اللي باحبه ، قررت احقق امنيات الطفوله والبس بيكيني وبرنيطه وشبشب احمر ، ضحكت السيده وهي مازالت تلعق الايس كريم ، ماهو انت شايفاني لابساه اهو ، مايو بشرايط ستان وفيونكات زي اللي كان نفسي البسه زمان ، قررت اكل جيلاتي بالطريقه اللي بحبها ، ضحكت العجوز ، طبعا بقيت مجنونه رسمي ، رسمي !!!!!!
ماما ..... ماما .... ماما .. يناديها اطفالها ، تلوح لهم ، قطرات الايس كريم تتساقط علي ثوبها لاتهتم حتي بمسحها ، مستمتعه بدفقات الايس كريم تبرد لسانها وجوف فمها وتنزلق قطره بارده خلف اخري داخل زورها ، تتابعها العجوز سعيده ، بقيت مجنونه رسمي في نظر الناس كلها ، ولادي واحفادي حطوا ايديهم في الشق ، معرفوش يعملوا معايا حاجه ، انا ست قويه ، انا كنت مطيعه لكن مش ضعيفه ، انا قويه اعرف اعمل اللي عايزه اعمله ، عندي فلوسي ومش محتاجه حاجه من حد ، وايام العمر بتجري اللي فاضل فيها قليل قوي ، يافرحتي لما يشوفوني عاقله وانا تعيسه ، لا انا مجنونه ومبسوطه ، وكلها ايام والفيلم يخلص وخلاص !!!
طلبت العجوز ايس كريم ثاني لها وللسيده التي اجتاحها الذهول ، تفكر في كلمات العجوز ومعانيها ، تحقد عليها وتحسدها ، قويه هي تفعل ماتريده ، وانا ضعيفه لااقوي حتي علي تغيير ثوبي باخر قطني خفيف بحمالات !!!
ياكلا الايس كريم بشهيه ونهم وسعاده ، ينظرا لبعضهما البعض ويضحكا ، تنادي ابنها الاكبر ، تعالي صورنا ، يلتقط لهما صورا كثيره ، ياكلا الايس كريم ، العجوز تمنحها القبعه فوق راسها ويتصورا ، يضحكا ويضحكا ، كانهما طفلتين في الحضانه لايحملا للدنيا هم !!!
و..............................
تعود لحياتها الرتيبه مع زوجها الصامت ، لكن العجوز وكلماتها لايغيبا ابدا عن ذاكراتها ، كلما حزنت او تملكتها التعاسه تخرج الصور تتفرج عليها وتضحك ، تشتري ايس كريم بالبسكوته وتلعقه وتضحك ...........!!!
و................................
سرعان ماخلص الفيلم ، فتحت صفحه الوفيات فوجت صوره العجوز واسمها ، ماتت ، صرخت حزينه باكيه ، ماتت !!!
اخرجت الصور تكلمها ، تتامل ابتسامتها ضحكاتها ملامحها الفرحه القبعه الحمراء فوق راسها ، تبكي حزنا علي موتها تتساقط الدموع فوق الصور ، تمسحها وتضحك ، تتذكر مذاق الايس كريم بصحبه العجوز التي عاشت اخر ايامها مثلما احبت !!!
اغلقت الجريده وطوتها بعيدا وقررت ان العجوز ابدا لن تموت ، هي حيه في ذاكرتها وخيالها ومذاق الايس الكريم !!!
و....................... طيله الوقت تسال نفسها ، متي ساعيش كما احب ؟؟؟؟
لاتعرف لسؤالها اجابه لكنها واثقه انها في يوم من الايام ستعيش كما تحب وتفعل ماتريد !!!
ماما .........ماما .......... ماما .... نعم ياحبايب ماما نعم !!!!!!!!!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق