مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 4 سبتمبر 2009

في الحلم ... تاخذه في حضنها !!!!




كانت تجلس بجوار الشباك في اتوبيس المدرسه !!!
كانت جميله
وجنتاها كالقرنفله الورديه جميله نضره تسعد الناظرين اليها تسطع عيناها بالذكاء يزين وجهها ابتسامه طيبه ...
كانت طفله ربما في اولي ابتدائي او تانيه !!!
هو لايعرف بالضبط السنه التي كانت فيها ... كل مايعرفه انها تلميذه صغيره عمرها اقل من عمره قليلا ... هو لايذهب للمدرسه ... لكنه يراها يوميا وهي تستقل اتوبيس المدرسه وينتظرها حتي تعود وبعدين يروح !!! ...
يقف مع ابيه علي ناصيه الشارع القريب من بيتها يبيع الجرايد التي لايعرف قراءتها لكنه يحفظ اشكالها و يميز بينها فالجريده الصباحيه غير المسائيه والاسبوعيه غير اليوميه والمجله التي تشتريها النساء غير التي يشتريها الاطفال ، هو لايعرف القراءه لكنه يحدق طويلا في المانشتات كآنها يفهمها ... يقف علي الناصيه فجرا او بعد الفجر بقليل . يراقب مايحدث في الشوارع المحيطه ، يعرف الوقت من ايقاع الشارع ، الان سيآتي اتوبيس المدرسه الذي يقل اشقاءا كثر ، بعده سيري اتوبيس السفر الذي يزين جنباته غزاله كبيره ، سيلوح للسائق ويبتسم للحياه ، يحيه السائق بكلاكس عالي ، الان ستقف السياره السوداء التي يفتح راكبها النافذه ويآخد كل الجرائد والمجلات ، اذن الساعه هي السابعه والربع ، سيسمع الاغنيه التي يعرفها في اذاعه الشرق الاوسط..
الان سيآتي الاتوبيس لتركبه فتاه احلامه الجميله ، ورديه الوجنتين ، ناعمه الشعر ، مبتسمه ، هي اجمل من رآت عينه ، رقيقه جميله ، لايعرف اسمها لكنه سيعرفه ، حين يتحرك اتوبيس مدرستها ، يحس البروده تكسر عضمه ، يتمني لو اقترب منها ، لو حتي حمل لها حقيبه المدرسه الثقيله ، يتمني لو اعطاها كل مجلات الاطفال هديه ، فكر مره يعطيها ورده صفراء من تلك المزروعه علي سور الفيلا القريبه ، خاف تكسفه ، صمت واستمر يراقبها ...
في الصيف يري ساقيها جميلتين يسطعا من تحت مريله المدرسه القصيره ، في برد الشتاء القارص يكاد ياخذ عبايه ابيه ويلفها بها يحميها من الهواء الموخز ، يوم امطرت السماء فوق راسها حمل لفه الجرائد وجري ليحميها من الماء لكن اتوبيس المدرسه سبقه ....
سآل ابيه يوما لماذا لم ادخل المدرسه ، لم يسمع اجابه ابيه ، كان يقصد يسآله لماذا لم ادخل المدرسه معها ، فكل مدارس الدنيا لاتهمه ، كل مايهمه ان يكون بجوارها !!!
يكره الصيف بسببها ، فهي ترحل مع اسرتها وتغيب وتعود قبل الدراسه باسبوع ، يكره الصيف فالحر القاتل وغيابها يقهراه وفي ليالي رمضان ينتظرها يتمني رؤيتها تلعب مع بقيه بنات الشارع بفانوسها المضيء !!
اخيرا عرف اسمها " روضه " عرف اسمها واحبه ولم يفهم معناه ، بذل جهدا كبيرا لمعرفته . صادق صبي المكوجي الذي يذهب شقتهم ، منحه مجله ميكي ولعبه السلم والتعبان ، خرجا معا اكلا دره مشوي علي الكورنيش وحين اطمآن له سآله عن اسمها ، وعرفه ، فاحب صبي المكوجي وعاش مدينا له بسعاده المعرفه ، روضه ، مااجمله اسم ، قاله علي مسامعه الف مليون مره ، روضه ركبت اتوبيس المدرسه ، روضه تآخرت اليوم وقلق عليها ، روضه قصت شعرها الطويل وعمله قصه ، روضه اختفت من الحي ، وقفت سياره نقل كبيره امام منزلها و..... وركبت روضه سياره مع اهلها واختفت !!!!!
جن جنون سليم ، نعم هذا اسمه ، سليم ، جن جنونه ، سال عنها صبي المكوجي فاخبره انهم " عزلوا " وسابوا المنطقه ومشيوا ، سال البواب عن اهل روضه ، قال له البواب بعد فاصل من الشتائم المنتقاه و" انت مالك اهلك انت ؟؟؟ " اخبره ان ابيها نقل لبلد بعيد وامها تركت الشقه وعادت منزل اسرتها وانهم اي الام واطفالها و روضه طبعا سيلحقوا به خارج البلاد ...

ومرض سليم بالوجد ، احسن روضه تخلت عنه ، لم تقدر مشاعره ، احسها ندله ، لم تهتم بحبه ، احس نفسه يكرهها ، نعم اكرهها ، ويبكي في الفراش وترتفع حرارته اكثر و........ يخرف وهو مريض ، يحكي عن حبه لها ، فتاه لطيفه منحته في يوم كئيب ابتسامه روحت عنه ، من يومها وهو يحبها ، يعرف ان الفجوه بينهما كبيره لكن الفجوات لاتمنع الحب ، يعرف انه حبه بلا امل ، لكنه يحبها وفقط !!!!

وشفي سليم وغابت روضه للابد .... لم يراها ابدا ... لم تعد للحي الذي عاش فيه بقيه حياته ... لكنها سرقت قلبه معها ، اختفت هي وقلبه فبقي حيا بلا قلب بلا مشاعر ، لايفكر الافيها ، يتذكرها ويبتسم ، حين تآخرت عن اتوبيس المدرسه ، حين عادت من المدرسه باكيه ، حين نجحت ووزعت امها علي الشارع وعليه شربات النجاح ... لكنها اختفت وتركته بلا قلب ...

وقرر ان يتعلم ، كيف يقرآ ، كيف يكتب ، يتمني في عميق نفسه ان يكتب لها شعرا ، ابيات حبا وقصائد عشق وغرام ، وسرعان ماعوض مافاته وتعلم الابجديه والكتابه وقرآ كل الاوراق التي كان يبيعها ، رياضه سياسه حب جاسوسيه دين الحاد ، قرآ كل ماكان يقع تحت يده يبحث عن اجمل الالفاظ ينتقيها يدخرها لها ، لروضه ، حين يراها سيقول لها كل ما احسه سنواته سيقص عليها عذاباته سيتلو عليها قصائد الشعر التي اخبئها تحت مخدته تنسج احلامه وحبه ووجودها في حياته !!!

وصار بائع الجرائد الاشهر في المنطقه ، وبدلا من المنضده التي كان يحملها ابيه في نهايه يوم العمل امتلك اكبر مكتبه لبيع الكتب والجرائد والمجلات وعاش قدر ماعاش لم يتزوج ، لاتسآله لماذا ، لانه لايعرف ، هو النصيب ، قابل فتيات كثيرات وخطب واحده واثنين وثلاث لكنه كل مره تفشل الزيجه في اللحظه الاخيره ولا تتم ، في لحظه الفشل هذه بالذات يتذكر روضه كآنه يلومها لانها سرقت قلبه ، كانه يتمني عودتها ، وسرعان ما يسخر من نفسه ، هي لا تعرفه ولن تعرفه ، هو لو شاهدها لن يراها ، هي سافرت وربما لن تعود ابدا ، هو بائع جرائد وهي .. لا يعلم كيف صارت ، ربما تزوجت ، ربما طلقت ، ربما تعيش في بلده بعيده ، ربما تسكن في الشقه التي فوق مكتبته وهو لايعرف ، كل مايعرفه انه لن يعرفها وهي لا تدرك وجوده في الدنيا اصلا ...
وعاش سليم يقرآ ويكتب الشعر ويعجب بالفتيات الجميلات ويحلم بروضه !!!!!!
من شهرين ... اتم عامه الستين ... احتفل به موظفيه في المكتبه وبنات اخوته وابناء الحي ، احضروا له تورتايه كبيره وستين شمعه وغنوا له ابو الفصاد فخجل واحمر وجه واهدوه باقه قرنفل ورديه وسلسله مفاتيح وعلبه سيجار فاخره وتذكره لرحله سياحيه في اسوان !!!

في اسوان ... مشي علي الكورنيش وحيدا يتذكر سنوات عمره الستين ، لايعرف كيف مرت ، كان امس شابا واول امس طفلا يلهو لايحمل هما في الدنيا ، اليوم صار كهلا او هكذا يظنوه ، يتآمل الجنادل اللامعه وسط النيل ، يسرق بصره حوض زهور حمراء ساطعه فوق السور ، يغزوه نسيم عليل هواء بارد نقي فتدب الحيويه في جسده ويعود شابا مثلما كان !!!
يعبر الشارع هائما فيكاد يصطدم بسيده كانت جميله ، لكنه ينتبه في اللحظه الاخيره لوجودها فيتفاداها !!! كان كهرباء مست قلبه فعاد للحياه ، ينظر لها ويكاد يصرخ ، يناديها ، انه يعرفها ، هذه النظره يعرفها ، هذه الرائحه يعرفها ، لكنها كالحلم الجميل تختفي بسرعه !!!
يعود للفندق ، يعتقل نفسه في الغرفه مضطربا ... متآكد انها هي ... حانق علي الاقدار التي ساقتها في طريقه الان....
كم سار في كل الشوارع يبحث عنها ... كم قضي اياما لا يفكر الا فيها ... كم مرت اعواما وهي تحتله وتقهر ارادته وعزيمته !!!
خرج لصاله الفندق متعبا يمني نفسه بفنجان قهوه ... خرج للشرفه ليحتسي قهوته ... رنا ببصره للنيل بعيدا ، زوارق شراعيه تمرح فوق سطح المياه ، زهور يانعه تتمايل فوق الاسوار ، و....... هي !!!
كاد يصرخ باسمها يناديها ، لكنه اخرس نفسه ، مجنون هو سيفر الناس من جواره ، حين يروه ينادي سيده لايعرفها ، والغريب انها عبرت الطريق وسارت صوبه ، دخلت بوابه الفندق ، خطواتها فوق الممر تجاه شرفه الفندق تدق في راسه في بدنه في عروقه ، واثق هو انها هي التي رحلت عنه منذ خمسين عاما ويزيد ، واثق ان نظره عينها لم تغيرها الايام ، رائحه بدنها لم تبدلها السنين ..
صعدت الشرفه ، سيده جميله معتده بنفسها ، جلست علي منضده قرب السور ، طلبت قهوه وكوب برتقال واخرجت من حقيبه يدها الانيقه قرصان ابتلعتهما وصمتت ، شرب قهوته بسرعه وقرر اختراق صمتها ، قام احس انه سيقع ، تملكه دوار لايعرف سببه ، احس التجويف الفارغ الذي تركته لها منذ خمسين عاما عاد له القلب السليب يدق فرحا ، تمالك نفسه واقترب منها ، نظرت له كآنها تساله " ماذا تريد " وقف مكانه واجابها بعينيه " انت صح ؟؟ " ارتبكت لاتفهم ، اقترب اكثر وهمس كانه لايقصد " روضه " ابتسمت وهي تهز راسها نفيا " لا " ..
عاد التجويف فارغا ، صمت موجع قاتل احتل بدنه ، جف ريقه ، لفت الدنيا به اكثر ودارت ، احباطا عظيما حاصره ، كان واثقا انها هي ، باستبسال سآلها ثانيه وبصوت اعلي " حضرتك مش روضه " هزت راسها نفيا تؤكد عليه ماكان يخاف منه ... عاد لمنضدته حزينا ، كاد يقوم ويسالها للمره الثالثه عن اسمها لكن الدوار الذي فتك بتوازنه استبقاه اسير عجزه وحيرته!!!
نام يحلم بها ، عاد طفلا يحمل الجرائد ويتلصص بنظراته عليها وهي تجري تصعد اتوبيس المدرسه يتطاير شعرها مرحا ، يبكي في الحلم لفراقها ، يبحث عنها لايجدها ، تظهر له السيده المجهوله في الحلم تاخذه في حضنها ، يستيقظ فجآ ، الليل مازال طويلا ، يتمني العوده لمنزله ومكتبته وفراشه كفاه اغتراب ....
في الصباح يقف وحقائبه امام بوابه الفندق ينتظر السياره التي ستقله للمطار ، يختبيء خلف نظاره سوداء ، يطالب السائق بحسم اغلاق المذياع والصمت ، ينام في الطائره يحلم بها ثانيه ، يراها صغيره تقبله في وجنته فيخجل ويخجل ويستيقظ من النوم ..

وعندما عاد منزله و
جد باقه القرنفل جافه فوق المنضده ، يحزن لها ، مثله هي لم تجد من يهتم بها ، يلقيها في سله القمامه ويحتسي فنجان قهوه ويفتح المذياع ويغني بصوت اجش ..... يبتسم فجآ ، واثق هو انه سيراها ، سيقابلها ، سيحبها وتحبه ، ستعيد له قلبه وتحبه !!! يبتسم فجآ واثقا من ان سنوات انتظاره لها لن تذهب هباء ، ستقابله يوما وتحبه !!!!! ونام سعيدا !!!
-----------
احدهم شرير قرآ تلك الحدوته وقرر ان يضايقنا فكتب لها نهايه اخري .... " وعندما عاد منزله ، وجد الصحف والجرائد متراكمه امام بوابته ، حملها بلامبالاه والقي بها فوق منضده السفره ، صنع لنفسه قهوه وجلس يتصفحها ، فتح صفحه الوفيات وطاف ببصره فوق عواميدها ،طعنه خنجز في قلبه ، قرآ اسمها مسبوقا بعبارات حداد موجعه " علي اثر حادث اليم ماتت امس السيده روضه ........ " كانه مات الف مره وهو يقرآ نعيها ونعيه وعاد للحياه يتآلم من قسوتها وانفجر في البكاء والقي بالصحف وباقه الورد الجافه علي الارض و........ في الصباح ذهب لعمله هرما عجوزا يجر قدميه بصعوبه علي وجهه اخاديد الم .... وفي المساء جلس في سرادق عزائها يبكي كالاطفال غريبا بين الغرباء لا يعرف احد ، يبكي مع نفسه علي الطفله الجميله التي احبها وماتت وتركته !!!! ولم يعرف من بعد ذلك اليوم معني السعاده ابدا !!!!!! " ......
-------------------

والاختيار لكم ..... كيف انتهت تلك الحدوته ؟؟؟؟؟؟

هناك تعليق واحد:

Noora يقول...

شوارع جميله وقصص اجمل
انا اتمنى اعرف انتا اللي بتكتبها
انا سرحت مع مدوناتك ولوحاتك كتير ولسا لي عوده
تسلم ايديك