مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين
الاثنين، 28 فبراير 2011
مشهد عادي في مدينه عبثية !!!!
الأحد، 27 فبراير 2011
صورة تذكارية !!!! ا
بيوت صغيره متلاصقه متشابهة، وكأن القبح نسجها من خيط واحد !!! متلاصقه كانها تتساند كيلا تسقط او لتسقط جميعها معا في أن واحد !!! لانري فيها ابتسامه ولا تلمح فرحه ولا تسمع صوت حنون !!!! قاطنيها يعيشوا ترقب وقلق مجيء تلك اللحظه الغادره التي سيستل فيها كل منهم سلاحه ويدافع عن حياته حتي الموت !!!
الخميس، 24 فبراير 2011
ليله طويلة من يونيو الهزيمة
اسفار اميرة بهي الدين !!!
الأربعاء، 23 فبراير 2011
مقدمه كتاب ... ابو الجواز وايامه السودا
مقدمة كتاب
ابو الجواز وايامه السودا
بقلم الكاتب والمدون ايهاب سمرة
مدونة فارس قديم
رغم المسمى الذى يبدو ساخرا للكتاب ألا أنه فى تفاصيل أفكاره ورسالته , أراه بعيدا تماما عن أى سخريه , العصب الرئيسى للنصوص التى يحويها الكتاب هو الأرتباط بين الرجل و المرأه هذا صحيح , لكنه يتعامل مع هذا الأرتباط كنقطة ارتكاز لا كمحور حركه , فتاره يكون الزواج بوضوح شديد هو لب المعضله الدراميه ( و أحيانا الكوميديه ) و تارات أخرى يكون الزواج هو الخلفيه التى تنبنى أمامها الشخصيات و تتداعى بعدها الأحداث , و بحقيقة أن الأسره هى المكون الرئيسى للمجتمع البشرى و سبب تكوينه , و أعالة الأسره هى الكون الرئيسى ايضا لكل المعضلات الاقتصاديه و الأجتماعيه , فطبيعى أن تنسب مشكلات المجتمع البشرى كلها ألى مشروع الزواج أو ينسب أليها , فكما طرحت الكاتبه معضلات كالوحده و الأرتباط و الخيانه و غيرهم من الموضوعات المرتبطه مباشرة بالزواج .. طرحت أيضا مشكلات كالفقر و القهر و الخلل الطبقى و رتبتهم أيضا بحيث ربطت طرحها .. بالزواج .
و باستخدام مفرداتها الفريده , تصحبنا الكاتبه فى رحله مع الكتاب بذات منهج تقسيمه ألى اسفار مقصودة الأسم و التنوع , ففى قسمه الأول حواديت تبدو واقعيه كما قلت تمارس الكاتبه سردا لمشاهداتها و ملاحظات حدثت بالفعل فى أغلبها ولا تستخدم من طاقاتها الأبداعيه سوى مفردات الحكى الخاصه بها المتمثله فى اللغه و الأيقاع , و طبعا رؤيتها المصبوغه بقيمها الأنسانيه التى تخلص لها بعمق بدءا من التمرد و العناد , مرورا بالألم النبيل و طاقة الحلم و انتهاء بطاقة الحياه الخلاقه , ففى القصه المستمد منها العنوان نرى مجرد سرد لحدث واقعى يتكرر بالتعداد الطبيعى للأحتمالات , الزوج الأرمل بعد زيجه تقليديه حتى الملل يقابل العانس المستغرقه فى رتابة حياتها حتى الملل أيضا و يمثلا معا طوقى نجاه لبعضهما دون أدنى محاوله للخروج عن المتوقع المألوف , فتستمر حياتهما الجديده على ذات النهج القديم بتقليديه حتى الملل ليكتشفا فى النهايه انغماسهما فى لعبة أبو الجواز و سنينه ...
النص التالى أما ليله يا سلام , رصد اجتماعى للصدمه الحضاريه بطريقه معكوسه , فصدمة الحضاره غالبا تنتاب المنتمى لطبقه دنيا حين يتصادف وجوده بين أهل الطبقه العليا و و فى النص تثبت الكاتبه أيضا انها تنتاب أهل الطبقه العليا حين ينخرطون ( قدريا ) بالطبقات المطحونه , فى مناظره شيقه بين أدبيات الطبقتين و اخلاقياتهما .. مناظره تصل ألى مستوى المبارزه الأجتماعيه بين القيم , بدئا من المعتاد الموقر و حتى المروث المقدس , فمجرد وجهة نظر البطله الراقيه الطبقه للقبور و قدسيتها مقابل تعامل الخادمه مع المقابر باعتبارها مساكن ينسحب عليها كل ما ينسحب على المسكن من مواصفات و صفات , حتى نظرة الطبقتين للمتعه و التسليه و الفرح , ففى حين تعتنق البطله الراقية الطبقه فكرة تجريم تعاطى الحشيش , تراه الخادمه واجب لا بد من تقديمه كالعشاء , و أيضا نرى حدث الزواج هو الخلفيه المبنى عليها الأحداث , و طقوسه هى ميدان تلك المبارزه الفاضحه لتباين الطبقات .
و فى أثبات لعدم تحيزها لنسوية الموضوعات , تسرد الكاتبه فى نصها ينتظر انتصارا مدويا بدقه مشاعر روح ظمأى .. لرجل .. سرد جدلى بعمق , يفند مبررات العبث منطقيا حتى يكاد القارىء يستجيب لحتمية السلوك المشين للبطل , و فى ذات السرد .. نرى الرموز التى تشين ذات السلوك و ايضا بمنطقيه معقوله , يحار القارىء أيتعاطف مع تلك الروح المعذبه بالظمأ ؟ أم يغضب لسلوك هذا العابث ؟
مشاكل الميراث و لاسيما الثروات العقاريه فى مصر و دور أعادة توزيعها ( عدلا أو ظلما ) و بحتمية الزواج كحدث رئيسى ينشأ عنه التوالد و من ثم التوارث , و برؤيه شديدة الاقتراب لهذا النوع من المشاكل ( بحكم عمل الكاتبه و مهنتها ) تمزج الكاتبه بين مشاعر أنسانيه راقيه و بين العوار الأقتصادى المصرى برشاقه يحسدها عليها المراقبين الأقتصاديين فى كلا من "روح غاضبه و حزينه "و أيضا فى "الأخ الأكبر و أخواته البنات " , تستعرض الكاتبه فى النصين التداخل العجيب لا بين مشاعر البشر و عواطفهم و حالات العجز و الندره الأقتصاديه فقط , لكن أيضا بالموروث الأجتماعى التقليدى و صراعه من جرأة الأجيال القادمه .. أو لعلها ليست فقط جرأه .. بل هى استجابه للضغوط الأقتصاديه !! .. جدليات تبدو كل أطرافها منطقيه و عادلة المطالب من جهه و من جهه أخرى لا يمكن تجاهل الظلم الواقع على الشخصيات .. أظن فى النصين تطرح الكاتبه تساؤل من العيار الثقيل , كألقاء صخره بعنف فى بركة القوانين و الأعراف الجائره التى تسود المجتمع حاليا و تنبه لرد فعل البشر للضغوط الأقتصاديه كأنها تستصرخنا أنه لا مجال الآن لرفاهية التعامل مع الحقوق بتابوهات الأعراف.
فى نصين آخرين هما " ياسلام لو يلغو يوم الجمعه " و" فى وقت الراحه " , بجلاء و بعنف تناقش الكاتبه قضية عمالة الأطفال , ترصد البؤس بحساسيه و أدراك فائقين , تتابع مشاعر البطلين فى القصتين بعمق بالغ , تطارد أحلامهما و مخاوفهما و ترسم مسار لسلوكهما أيضا , و لا تنسى أن ترسم سلوكيات الطبقه المستغله لبؤس البطلين , و تقارع بمكر بين أدبيات الطبقتين لو قرأنا النصين على التوالى , و فى النصين تترك النهايات مفتوحه لكنها نهايات محمله بطاقة العناد و التمرد و الأحلام .. و الحياه ذاتها .
فى السفر الثانى من الكتاب حواديت العشق و الألم , تطلق الكاتبه بعضا من قدراتها الأبداعيه و تسكبها على النصوص , تمزج وقائع و مشاهدات مرصوده ببصيره قبل البصر برؤيه و حس اجتماعى بعيد التأثير , تلقى بالشكوى على لسان حال الشاكى , و ترد بالمنطق على لسان حال المشكو منه .. مازالت الكاتبه فى جدليتها الأجتماعيه كأنها تنقل دهشتها و فضولها الطفوليين للقارىء بعد مزج المفردات بألوانها الخاصه و تركيباتها المتفرده لتكون القضيه المطروحه للجدل تكوين ثلاثى الأبعاد يستدر أدراك كل أحاسيس القارىء و يستفزها فعلا , من الواضح أن النصوص فى أغلبها تعود لحوادث و صراعات واقعيه جدا , لكن الكاتبه تدخلت لتصبغها بروحها و رؤيتها فى تفسير و شرح يباغت القارىء بمنطقيته و عمقه .
فى " ضحكات ساخره " تحكى الكاتبه عن صراع مشاعر الزوجه الثانيه , وقد تختصر الوضع الذى تراه مختلا بجمله تنطقها بطلة القصه الزوجه الثانيه حين تصف نفسها بأنها (تمنح الرجل بعض التوابل و البهارات على طبقه الذى تفننت زوجته الأولى فى أعداده ) و تستمر البطله فى سرد مشاعرها التى تحيرها و تحير القارىء أيضا فلا يدرى أيتعاطف معها أم يجرم فعلها .. حيره و دهشه تتخلص منها الكاتبه و تلقيها على عقل القارىء .. سؤال تجيبه باسئله .. استفزاز مندهش لكل وسائل التقييم و التحكيم لدينا .. و لا أظن هناك أجابه ملقه أبدا لتلك المعضله .. فى النهايه تصبغ كلمات البطله برومانسيه حين تبحث عن كروان يغنى لها فلا تجد سوى غربان و خفافيش فى سماء حياتها .
تتكرر تيمة الزوجه الثانيه و صراع بيتين فى " طلاق بالتلاته ", و هنا تجرؤ الكاتبه على تحميل مسؤلية الظلم و البؤس بوضوح لنموذج الذكر الأنانى الطامع فى جمع كافة المتع فى كيانه وحده , غير عابىء بمبدأ العدل أوالأخلاص أو الوفاء أو حتى الرحمه , متلاعبا بنصوص شرعيه لصالح نفسه مهملا نصوص أخرى , طبعا لا يخلو النص من رموز لألقاء اللوم على كل الأطراف المشتركه كل حسب تقصيره فى مسار حياته و لكن ايضا بطرح جدلى يثير من الأسئله أكثر ما يثير من اجابات , هو طبع الكاتبه المندهشه بطفوله .. أرهاق القارىء و استفزاز أدراكه ألأى أقصى حد .
فى نصين آخرين و بجرأه بالغه هما "ربنا يكفينا الشر" و " مجرد تفاحه فاسده " تفضح الكاتبه بغضب مصبوب الممارسات الشيزوفرينيه للمجتمع , تعرى عوار اجتماعى تمثل فى التمسك بالمظاهر و خيانة المبدأ فى الخفاء ..جريمة استحلال القيم و انكار المشاعر الأنسانيه تحت مسميات مزيفه تخفى خسة أرواح ووضاعة نفوس شخصيات النصين .. كشف غاضب هو , فاضح .. يلمس قاع النفوس الخسيسه التى تتشدق بالفضيله و الرحمه ولا تتورع عن سحق الأنسانيه مادام أحدا لا يراها , الرموز و الأشارات حاضره كالعاده , لكن مصبوغه بالغضب الشديد .
فى قصتى" الأسر فى الأزرق " و "الجواز حاجه و الحب حاجه ", و بطفوله مندهشه جدا تكشف الكاتبه قضيه أظنها مسكوت عنها منذ زمن سحيق , قضيه تنسف مجرد محاولات التواصل الأنسانى فى مجتمعنا المقيد بالأساطير و المغطى بالأزدواجيه , قضية مدخل العلاقات بين الرجال و النساء و وجهة نظر الطرفين فى طبيعة العلاقه , فترصد الحمقى الذين يعتبرون العلاقه ( قبل بدايتها ) صراعا لا بد أن ينتهى بمنتصر و مهزوم , بفضول ترصد الكاتبه أرواح مصابه بالسعار العاطفى , أرواح تبحث عن خصم لا عن وليف .. و تكابد الصراع بدلا من الأستمتاع بالمشاركه .. أرواح ضلت طريقها فى التواصل لأنها ببساطه أرواح لم تحمل رسالة سلام أو سعاده للطرف الآخر .. ارواح أنانيه ذاتية التفكير لا ترى فى الوجود غير احتياجاتها فقط , ترصد الكاتبه بأبطال القصتين حالة عناد غبى يبدأ به طرفى القصه ارتباطهم و يستمرو فيه ولا يتوقف أي الأطراف ألا عند خطأ الأخر متصيدا لائما و غاضبا .. حتى يتحول الهدف من العلاقه ألى رغبه فى الأنتقام لا فى التعايش , طبعا ينتهو بما يليق بمن دخل علاقه بمبدأ الغالب و المغلوب , و طبعا لا تنسى الكاتبه أن ترسل رسالتها الباطنيه للقارىء لتحذر من حماقة الأمتناع عن المخاطره .. و الركون لأمان ممل بدلا من أطلاق طاقة الحياه و التمرد على الموروث المعهود .
فى "القلم الألف" و "أهلا يا وحش" ومضات قصيره تفضح هشاشة بعض العلاقات التى تندرج اجتماعيا تحت مسمى الزواج و أنشاء الأسره , سطحية فهم البعض لقيمة الأرتباط و رهانهم الخاسر فى كثير من الأوقات على التمسك بشكل ظاهر العلاقه دون التمعن فى عمق وجود العلاقه من أساسها .
أظن نجم القسم الثانى من الكتاب هو قصة " ثلاث تفاحات ", صراع طويل مبنى فى كل أطرافه على .. أوهام .. فمن عدو وهمى صارعته بطلة القصه ألى عشق و همى مارسه البطل , حالة سعار عاطفى أيضا مصاب بها البطلين الرئيسيين للقصه , مجرد بحث عن عداوات و منافسات و حالة تناحر دائم .. تذكرنى القصه بمقولة أحد السياسيين العرب فى السبعينيات حين قال نحن مجتمعات تتناحر ولا تتحاور .. بالفعل .. لم يدر حوار واحد فعال و صادق فى مسار القصه كلها .. التواصل كله كان تناحرا .. و حتى المحاوله الوحيده للحوارقام بها من لم يفكر سوى فى نفسه فقط , و افترض واهما أن الطرف الآخر سيحب ما يحبه بدون نقاش .. الرمز فى تلك القصه ابعد بكثير من مجرد حكاية زوجين فاشلين فى تحقيق السعاده .. هى حكاية مجتمع يتناحر ولا يتحاور .. و كأن الكاتبه تنبه المجتمع لخطورة سكوت الناس عن التعبير عن مشاعرهم بوضوح و صراحه .
السفر الثالث من الكتاب حواديت زادها الخيال , و كما هو ديدنها و منهجها , تطلق العنان لكامل قدراتها الأبداعيه فى خلق الشخصيات و العناصر المكونه للنص , تمارس العبثيه كأجرأ ما يكون و بأمعان فى الرموز المدفونه بذكاء يجبر القارىء على التدبر فى النص كثيرا ..
فى "النظره الكسيره" تطارد الكاتبه سلسلة القهر المتراكم , و البؤس الموروث , و تتمرد على الأختيارات التى بدت منطقيه فى وقتها لتنتصر للبصيره و الحلم الخارج عن كل منطق , تنتصر طاقة الحياه فى نهاية رحله مليئه بالرموز , فبين فانوس و ثريا (لغويا الثريا أكثر أضائه من الفانوس ) ينتصر الحلم للفانوس حين انتصر المنطق للثريا , و بين مسمى سعاده و مسمى سميحة (شخصيتين أنثويتين فى القصه ) نكتشف فى النهايه أن السعاده لم يمكن تحقيقها فى وقت ما لكن بالأنصاف و قبول التوبه بالسماح تحققت السعاده بالفعل لا أدرى أهى رؤيتى وحدى أم ستكون رؤية القراء .. لكنى ألمح تطبيقا واقعيا جدا لمقولة المسيح عليه السلام : من كان منكم بلا خطيئه فليرجمها بحجر .. و نرى أن من نظر لنفسه و تسامح بخطيئته عن خطيئة غيره .. نال السماح و السعاده و التوبه , طبعا لا تنسى الكاتبه لأن ترمز بأسم يوسف للرؤيا و المستقبل و الأمل .
فى حوار ممتع بين راويه التى تروى القصص و رجب الذى يرسم الوجوه المتعبه , تدور قصة "غرباء فى محطات الرتابه ", لتنتصر الكاتبه مره أخرى للتمرد و طاقة الحياه , بعد مطارده طويله مرهقه للحياه فى صورتها المعهوده , فمجرد الخروج عن المعهود كان هو الشفاء و الطريق .. العجيب أن العلاقه التى حققت الحل لأبطال القصه هى ذاتها .. غير معهوده أطلاقا .. تمرد و عناد و مطاردة الحلم بطاقة الحياه .
الخيال العبثى يتجلى فى " سأظل أحبك للأبد"و "وقفت منى على الكورنيش ".. بين رساله وصلت بعد ثلاثة عقود من رحيل كاتبها، ألىى شخصيه فى قصه قررت ببساطه الهروب من دورها المرسوم و البحث عن دور آخر .. عبثيه تثرى الفكر حقا فى القصتين , و طبعا الرموز تنهمر على القارىء طوال الرحله ..
طاقة الحلم و أرادته المستقله تتحول ألى عنصر فاعل فى حياة شخصيات قصة ثلاثة أحلام فى ليله واحده , الكاتبه تجعل للأحلام القدره الكامله على توجيه مصائر البشر و الأحداث , تجعل من الأحلام ساحة صراع حقيقيه , بل يكون الحسم الحقيقى و التقرير المصيرى هو حدث يقع .. فى الأحلام, و على الواقع أن يستجيب صاغرا لما قررته .. الأحلام , ألم نقل عبثيه و ابداع فى المقدمه؟
وصف شديد العمق و العبثيه لحالة الموت من زاويه غير معهوده أطلاقا .. زاوية المحتضر نفسه , و رد بصوره تجعل الموت هو مجرد رحيل الى ..الحياه فى النص المسمى بالرحيل للحياه , تمرد الكاتبه على زوايا الرؤيه ذاتها جزء من استكشافاتها الطفوليه التى ذكرناها من قبل.
الرموز لم تنقطع فى السفر ألأخير من الكتاب , الرسائل المدفونه لا تنتهى مع كل أعادة قراءه للنصوص , اظن فى هذا الكتاب و رغم سخرية العنوان , وصلت الكاتبه لنضوج متفوق فى رصد المجتمع .. برؤيه خاصه جدا و تركيب قيمى راقى .. و طبعا صوفيه عبثيه يلهث معها القارىء مطاردا المضمون العميق للكتاب كله , طفله مدهوشه تأخذ بيد القارىء فى مسارات غير مطروقه .. الكاتبه تسأل .. و حين تكاد الأجابه تبدو فى الأفق .. تلاحق القارىء بمزيد من الأسئله .. طفله مندهشه فضوليه .. لكنها فى الحقيقه .. مدهشه و مبدعه ... الرحله مع الكتاب ستترك جدليات يتداولها القارىء طويلا .. و أسئله سترهق ذهن من يتدبرها .. لكنها مؤكد .. ستأخذه ألى أفق أبعد بكثير من مجرد واقع اجتماعى .
مقدمة كتاب ... سيدة تتارجح علي كرسي هزاز تنتظر فارس لم يأت
مقدمة كتاب
سيدة تتأرجح علي كرسي هزاز تنتظر فارس لم يأت
بقلم الكاتبة والمدونة بثينة محمود
" مدونة طيارة ورق "
هل لي أن أتحدث عن أميرة !!
من أصعب الأشياء على الإطلاق أن تكتب مُحايداً عمّن تحب !!
ولكن مهلاً.. لماذا يتحتم عليّ التزام الحياد؟ أنا أحب هذه الصديقة الحميمة.. هذه الكاتبة والقاصة والمحامية والمدوِنة.. و.. لا أعلم باقي ألقابها الرسمية ولكن ما أعلمه هو كونها "طاقة نور"..
تتجاور علامات التعجب بجوار بعضها البعض لتشكل أمراً استغلق عليّ فهمه عندما عرفت أميرة من خلال مدوناتها.. علامات التعجب هي أمر خاص بها وحدها.. وكأنها اقتصّت كل علامات التعجب من حروف اللغة واحتكرتها.. وكنت أتعجب لقراءة عنوان قصة لها ينتهي بسبع علامات تعجب وأحياناً تسع!!
لكني بعد قصة أو اثنتين تفهمت مغزى علامات التعجب ...
لقد اتسعت تلك الدنيا ومنحت أميرة براحاً لا حد له فنهلت من الواقع ومزجته بالخيال في كثير من الأحيان ولم يكن هذا ليزيدها إلا تعجباً ، هذا أقل ما يمكن أن يفعله الواقع لقلم مترع بالخيال.. إنه المزيد والمزيد من علامات التعجب!!
إنها تحاول في كتابها هذا أن تُصنِّف خيالها فيصعُب عليها ذلك فالخيالات تتشابه وجميعها تتعدى حد الجنون.. وتحاول أن تُجنّبه أحياناً فتجد الواقع قد دهسه حتى اختلط به فصار واقع الحكي جنوناً مطبق ..
لقد منحتني كتاباً تقول في أول أجزائه: إنها حواديت "تبدو" واقعية
التبس علي الأمر.. أهي الواقعية الخيالية؟ ما الذي تفعله بعقلي وحِسي ؟
بدأت أميرة بالحكي فأسلمت رأسي وتفكيري لحواديتها التي تَتَالت مؤرقة لسكوني في دأب واحدة بعد أخرى خدعتني بداية بحدوتة لطيفة اجتاحت كلماتها العامية في حوارات النساء.. عامية حميمة تجعلك تكاد تقسم أن فلانة تتحدث بلسان عمتك أو أن تلك لهجة أختك أو جارتك ..
في حدوتة "اليوم العالمي للبكاء" جاءت الفكرة مجنونة.. صاحبة البيت التي جمّعت صديقاتها ليتشاركن البكاء في حفلة خاصة!! استطاعت الكاتبة من خلال تلك الحفلة التي "بدت" واقعية أن تمسك مشرط الجرّاح وتفتح أوجاع النساء: المطلقة والأرملة والعانس والزوجة المكتئبة.. ببساطة وبحوارات منغمسة في ألم الواقعية بكت كل واحدة قليلاً على حالها الذي تشارك في صنعه ضعفها الإنساني ومجتمعها ظالماً لها او ظالمة هي له.. ظهرت أحشاء الحياة من بين حروف الوجع.. ولم تكتف أميرة بذلك الرصد لكنها طهّرت وتطهرت من لعنة البكاء هي والصديقات..
ووصلت إلى "مكالمة الرابعة صباحاً".. وهنا تغزل الحكاية بل الحدوتة منذ البداية البعيدة فتحملك التفاصيل على بساط الريح إلى داخل كل بطل من أبطال حكايتها التي تحولت إلى ألف حكاية بل أن كل هامش صار حكاية.. تصر أميرة على صنع عدة أبطال لحكايتها.. فالجد بطل والأب بطل والأم العاجزة بطلة.. وكلهم كانوا في انتظار مَقدِم وميلاد بطلي القصة الأصليين!! ورغم هذا لا يتوه منها خيط الحكي بل يمتد ليكون النسيج من أروع ما يكون.. هي تحكي قصة حب.. بكل بساطة تحكي قصة حب لكنها سردت من خلالها الحياة ..
كم أسرتني تلك الطريقة المتفردة في حكي ما لا يُحكى أحياناً !!
لقد كان الإبحار في نفسية كل شخصية من شخصيات تلك الحكاية وكأنه البطل الاوحد هو أهم ما ميزها لكون تلك الشخصيات متباعدة الصفات ومختلفة الأفعال.. تمايزهم كان مقصوداً ولكنهالم تتوقف جلاداً يحاكم بل كانت تصف.. تسرد.. تروي وكأانها تروي للأبد وتدع الحكم العادل للقاريء وللزمن .. إن جاز لي التعبير ، إن ما لفت انتباهي في هذه الحدوتة هو صياغتها كحدوتة!! "كان يا ما كان" بينما كانت المفاجأة الأخيرة للقاريء تدع في رأسه سؤالاً بلا إجابة : أهي حكاية محض خيال أم أنها كما أسلفت في العنوان.. حكايا واقعية يتلبسها الخيال!!
"أمومة كاذبة".. كان عنواناً لنص قصير مُفعم بالتعابير الحادة الصارخة الصريحة.. لا مجال للمُجاملة والنفاق.. إنه الصمت إزاء الكذب!! لا تتعاطف أبدا أميرة مع امرأة لمجرد كونها امرأة.. لا تقع في هذا الفخ مَن خَبِرت كثيراً من النفوس.. لهذا ملّت دموع التماسيح لامرأة مُدعية للأمومة.. كذّبتها في صمت.. ووضعت إطاراً مُحدداً للحكم على الناس والأشياء: الأخلاق والمباديء أبداً لا تتجزأ.. لا تسمح به لكتاباتها أو لبطلاتها.. وهي أيضاً لا تتحيّز إلا لما تؤمن به.. تسرده في صراحة وتُشرك القاريء معها بعد أن تُمهد له الطريق للحُكم الصحيح ,,كانت أميرة هي الراوي الخبير والوحيد والشاهد على تيبُّس قلب إحداهن!! ونقلت لي مشاعرها تجاهها بكل وضوح وحسم...
ولكنها تعود لتطرحني وسط فورة شباب مُتحمس "صدقوا أنهم صناع التاريخ" تعترف أن القصة وهمية.. تؤكد مراراً أن القصة وهمية ولا تمت للواقع بصلة.. وتنجح في هذا الإيهام ببراعة الوصف الغير معقول.. وتصل لما هو حق.. تصل لما هو ليس وهماً : نحن لا نصنع التاريخ بالجُبن والخوف والتراجع والتخاذل بل نصنعه بالقوة والعدل.. القِلة القليلة لا تفعل شيئاً أمام الكثرة الفاجرة.. لكن القِلة يجب ألا تتخاذل وألا ترتعب وتجبُن.. عليها في الأساس ألا تكون قِلة.. عليها الاحتشاد لتصل لغاية المراد التاريخ يصنعه الأقوياء المؤثرون المتحمسون القادرون على حشد الحياة في صفهم وهذا ما يُحيل القصة إلى الواقعية في النهاية.. ويُعطها المذاق المُتفائل الذي لا تتنازل عنه الكاتبة دائماً وأبداً........
وتقول لي في عنوان الجزء الثاني أنها حواديت العشق والألم..لعلي خُدِعت.. إنها ليست بضعة حواديت عن العشق والألم بل هي ألم بطعم العشق.. أو لعله عشق بنكهة الحواديت ومُجدداً تطرح أميرة التساؤلات وتتركك في لُجّتها..
هل يُفسِدُنا الحلم؟ هل يُدمرنا؟ هل يفعل حقاً؟ قد يفعل الحلم المستحيل ما هو أكثر.. لم يكن محض خيال أن تتسائل أميرة في إحدى قصص هذا الجزء عن أفاعيل الحلم.. عن تسلطه وقوته الغاشمة التي تمتد طوال العمر.. كان غريباً التساؤل لكن الحكي كان كفيلاً بترويض الفكرة.. بتقريبها للوجدان العشق والألم يتحدان في حلم بائس يحيل حياة صاحبته لما يشبه الحياة
تأملت كلمات أميرة تملأ حلقي غصة كلما تخيلت قسوة الانتظار ومرارة الوهم ، أجل لقد انتزعت أميرة من داخل الكثيرين ذلك الحلم الصغير الذي حتماً كان بداخلنا وجعلته كائنا واضح الملامح يحيا على أوراق بيضاء.. وكأنه يقول لقارئها: كنت ستتأرجح على كرسي هزاز.. أو حبال وهم.. أو تتعلق بأغصان شجرة ألم مورقة بالعذاب لو فعلت كتلك البطلة ويقيني أن الكاتب القادر على خلق التساؤل هو الكاتب بحق.. إنه ذلك القادر بقلمه على جعلك أكثر قدرة على ارتداء حذاء البطل.. والإبقاء عليه أو قذفه بعيداً حين تصل.. لما يريد بك الوصول إليه!!
وهذا مافَعَلَته مُجدداً حين وضعت في عينيّ بطلتها في حدوتة تالية تلك النظرة الزجاجية.. وزرعت بجسدها برودة الرخام لتدفع عن نفسها عشقاً ضعيفاً لم يصُنها ولم يقدر عواطفها إنها العشق الذي ينطوي على الألم ويترفع عنه ليحيا في القلب.. فقط ، إنها تُعلي قِيَماً عدة فليس العشق استسلاماً لشهوة أو ضعفاً أمام حبيب.. العشق أسْمى.. وأجمله ما كان مُتبادَلاً فيه العطاء ، كيف تمنح بطلتها التالية كل مشاعرها لرجل يختصها بحبه في وقت فراغه؟لم تفعل.بل أبَتْ.. وتخلصت من العشق ولعلها لم تحيا بعده بألم ، كم تختلط الحواديت في هذه المجموعة بالألم.. للدرجة التي يتوقف فيها كل شيء ماعداه!!!
كان الحلم أحياناً هو الملاذ الذي تهرب إليه بطلة أخرى سَفَّه موهبتها زوج.. عشْق استحال إلى لامبالاة وذهب إلى المنطقة الرمادية الباهتة التي يحيا فيها طرفان مجرد حياة لعدم قدرة على مواجهة فكرة انفصال.. لعله قمة الألم.. لأن الانفصال ليس تباعد أجساد.. أبداً.. لكنه تنافر أرواح.. أسرّت الحروف بهذا في صخب صامت.. ولوحات ملونة تأخذ طريقها إلى القتامة بهدوء.
ولكن الحلم لم يكن دوماً بهذه القوة في حواديت أميرة.. لقد صرعته في قصص عدة وكان مصرعه ذات حدوتة على يد ماركيز.. أقرَّت حينها بقوة الواقع الذي تجسد في شعيرات بيضاء صنعت حاجزاً زمنياً بين القلوب.. ولعله كان الاعتراف الأقسى بالألم على الإطلاق.وكان مصرعه ذات حدوتة أخرى على قضيبيّ قطار لا يلتقيان حيث لا يُلَبّى الاحتياج!! حيث الحلم دخيل بين اثنين يبحث كلاهما في الآخر عمّا لا يستطيع منحه
إذن هو التوازي وهو الفراق.
الفراق الذي لم يكن حلاً في حدوتة أخرى حيث كان الزواج السري الثاني الذي حاكت تفاصيله بحرفية واقعيه و كان البطل فيها ألعوبة بين زوجتين كلتاهما تبتزه وكلتاهما لا تحبه فتحول الزواج في قصة علامات زرقاء إلى علاقة ابتزاز وانمحت منه حميمية المودة.. لم يجدا في الفراق حلاً بل كان الألم دافعاً للغرق في الألم ربما لمحاولة رد الظلم.. ربما.
لكن الأمر لم يخل أبداً من عشق بلا ألم.. عشق جميل بين فتى وفتاة حاولت الظروف كسر فرحتهما فلم تفلح.. وكان القمر "حداهم" يرقب تشبثهما بأهداب الفرحة رغم كل شيء الفرحة في القلوب.. هكذا أكدت أميرة في كل حرف سطرته.. العشق باق.. والألم باق كذلك ...
عندما تقرأ تلك الحواديت ينتابك قدر من السعادة لأنك تطوف بقلم جميل بين نفوس مختلفة تمام الإختلاف.. ينقلك القلم من حي شعبي إلى قرية نائية أو حي راق.. تلتقي بنماذج عدة من البشر وتتحد معهم جميعاً بلا جدال فالقلم كان دوماً قادراً على النفاذ إلى دواخل النفوس أياً كان موقعها على خريطة الحياة.. وبلا ملل تجد نفسك تقلّب الصفحات تغشاك السعادة مع السعداء.. وتحزن مع البائسين.. تعشق مع العاشقين.. ويمتليء قلبك فرحاً لكل نهاية سعيدة........
في الجزء الثالث من كتابها، تروي أميرة ما يروعك.. ويبهجك.. ويثير كل ذرات خيالك.. إنك لا تصدق أنك أسلمت رأسك لهذا القلم لينقلك لتلك العوالم الغريبة.. فتحاول انتزاع روحك من الأسر لكن لا فائدة.. إنها تتمكّن منك.. فيطاردك الأبطال في أحلامك ويرسمون علامات الإستفهام حول رأسك.. ربما تُرهِقك التساؤلات أيّما إرهاق ولكنك لن تستطيع الهرب من الأسئلة
ستفكر.. هل أنا بطل/بطلة تلك الحدوتة؟
هل يمكن أن يحدث لي هذا التماهي مع أبطالها؟
هل ما فعلته بي في حدوتة زهرة الروح حقيقة؟ وهل يمكنني أن أحيا مُجدّداً بجسد ولدي؟
يا إلهي هل تتحقق الخرافات وتتنازل المعجزات فتأتينا إلى أرض الواقع؟ هل تصيبنا اللعنات؟ وهل يدفعنا العلم بما لا يجب العلم به إلى الجنون؟ هل يمكننا الصمود أمام غيبيات لا يمكن لعقلنا الصغير الإتساع لها؟ هل سنتهاوى؟ هل أصدّق ذلك القلم؟ هل أكذبه؟
أياً كانت الإجابات فأنا على يقين من أنك ستظل أسيراً لوقت ليس بالقصير لسلسلة الحواديت المتصلة المنفصلة الماضية في آتون خيال لا حد له ..
لقد اتخذت أميرة نهجاً غير مألوف في السرد بزهرة الروح حيث تعدد الرواة.. تحدث كُلُّ بلسانه عن حاله مبرراً مفسراً مسهباً ولكن خيط الحكي لم يُفلِت أبداً.. وظلّ الحدث المتصاعد هو سيد الحكي بلا جدال
وإلى مزيد من الخيال..
انتابني الخوف في قصة المكتوب مامنوش مهروب.. خوف حقيقي تلبّسني حيث رسمت أميرة بدقة لوحة للعرافة الغامضة التي تحيا على شاطيء البحر في خيمة تمتليء بالرموز..تلك الرموز التي تساقطت من كلماتها وهي تحاول الهرب من مواجهة بطل القصة بما ينتظره.. ممازاد من من حيرته وأجّج ألمه وجعل الصورة المرسومة بالحروف أكثر رعباً ..
تعود وتؤكد في نصها أن معرفة ما يخبئه لنا الغيب ربما لن يزيدنا إلا ألماً.. تؤكد أن ما هو آتِ سيأتي وعلينا احتماله.. وتؤكد أخيراً أن الحب الذي نلتمس فك طلسمه هو سحر استحكمت حلقاته وعلينا فك أسره بالإستجداء!! خطوط الكف التي امتدت راغبة في راحة مرجوّة لم تنلها ولكنها رسمت براعة حكي غير تقليدي.. وكم كان تأملها رائعاً في حكمة الكون..
نحن حقاً نسير من ألم إلى ألم.
وعندما نتأمل ذلك الألم نتوقف عند سيدة أخرى.. بالأحرى سيدتان تبث إحداهما في الأخرى "الأمل" عن طريق كور الآيس كريم.. ماكر ذلك الحكي الخيالي الذي يرسم صورة غير معتادة لبث ذلك الأمل بطريقة مباغتة وكأنه حقنة تحت الجِلد !! حوار قصير كان تقريباً من طرف واحد وحيد.. من عجوز مجنونة لإمرأة عاقلة.. حوار يُحيل الجنون إلى حقيقة ويضع القاريء في خانة المُتفرج صاحب علامات التعجب الكثيرة!!
وبعد.. تصحبني أميرة في رحلة سفر
لعلها وضعتني في مجلة ملونة على طائرة تتجه لأعماق حلم
وتقول:الأمنيات لا تتحقق في البلاد البعيدة.. تصرخ الكلمات وهي تضع كل الحلول على ألسنة كل البطلات.. لا مجال لبطلة شاردة.. كل النساء بل كل الرجال صاروا أبطالاً في حواديت كان زادها الخيال.. تحملنا أجنحة الخيال إلى آبار التمني لنقف عاجزين أمامها.. متشبثين بقطعة معدنية لن يفيد إلقائها شيئاً.. نحن نتحقق بالحقيقة لا بالخيال هكذا نتحقق.. أحياناً
تتوالى الحواديت التي تتسق واحدة تلو أخرى كأنها ستشكل بالنهاية لوحة ما تُفاجيء قارئها وتلقيه إحداها في قاعة مظلمة على شاطيء بحر يسرق فيها وحيدان ليلة مجنونة!! هل يُمكن أن تمر الأحلام جميعاً دون حلم مجنون؟ حلم برقصة مجنونة بين غريبين تناديا في صمت؟ حلم بعنفوان وقوة ونشوة السعادة اللحظية بلا أية قيود؟ لم تكن الأحلام لتكتمل دون حلم كهذا يطل من بين الصفحات كأنه جذوة نار تُشعل النفس وتُزكي وقود الأحلام لتستمر..
وتأتي أميرة بحدوتة أخرى يرقص الألم على حروفها.. انتظار مرير لا يُبرره إلا جنون مُطبَق.. انتظار بلا طائل يدفع إليه أمل زائف.. يتحكم السرد في الحدوتة ويُحيلها إلى فقرات متقاطعة.. يلتف فيها الزمن حول القاريء فيُكبّلُه فلا يفهم إلا قبيل النهاية لغز الإنتظار.. ماهرة أميرة في ذلك الأمر حد البراعة فقد صاغت المُتناثرات السردية في رشاقة تُحسَد عليها لتصل بك إلى خيال غاضب من جنون!!
إنك تتبعثر على الفقرات مطمئناً لقلم الكاتب.. واثقاً أنه سيفاجئك في النهاية بما تحب وترضى...
ولكن خيالها في تلك الحدوتة المُباغتة أضحكني.. لم تكن حدوتة "المتناثرات من دفتر سري" إلا دراما حياتية أشبه بدراما الأفلام أو حكايا الجاسوسية أو تجنيد البشر بعضهم لبعض !! تنبهت خلايا دماغي وتأهّبْت لأحداث معقّدة.. فإذا بها تصرعني بفكرة الحب المُطلق!! أضحكتني أميرة
إن الحب المطلق المجرد هو بعض من خيال.. كم يثير هذا الضحك حد البكاء!!!
هذا ما أرادت أميرة قوله في حدوتة من أجمل حواديتها.. معنى غلّفته التفاصيل الغامضة والسرد الملغّز والنقلات المتكررة بين الزمن والتي جعلتني أتأرجح مع تهويمات البطل وإغماءاته وإفاقاته ولكنها أقرت في النهاية أن تلك الفكرة المطلقة لا تتم إلا عن طريق تنظيم سري!!!!
أتفهّم أخيراً علامات التعجب فتلك علامة التعبير الوحيدة المتاحة في اللغة والتي يمكن وضعها أمام أحوال البشر.. تلك الأحوال التي رصدتها أميرة في كتاب رائع اختبأت فيه وراء مسميات عدة ما بين الحلم والخيال والأمنية ولكنها بالنهاية كانت ببساطة تصف لنا الواقع
أليس الواقع أعجب دوماً من شطحات الخيال؟
وكما أسعدتني كل الحواديت.. وأسعدني الإبحار مع هذا القص الرائع النابع من قلب معايشة تجارب الآخرين وتفسيرها وتنميقها وزخرفتها بالخيال الخصب أترككم مع كتاب متفرّد للكاتبة الرائعة أميرة بهيّ الدين.. وقلبي يدعو لهذا القلم أن يستمر على عطائه.