مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الأحد، 20 مارس 2016

مَوَّال الوَصْل والوَجَع .... الجزء الاول


مَوَّال الوَصْل والوَجَع


الجزء الأول




(  1 )
 خطابي الأول

تَمنيتُ لو سمحوا لي بِخِطَابَيْن، خِطَابي الأول سأرسِلُه لصديقي روبرت الذي حذَّرَني مِن الحضور لهذه المدينة، وحذَّرَني مِن التجول حُرًا في حاراتِها وأزِقَّتِها الضيقة وأسواقِها المزدحمةِ فلم أُنصِت لتحذيراته فكانَ ما كان ..
سأعتذِر له، سأطالِبه أنْ يلملِم ملابسه وأوراقه ويرحل بعيدًا عن تلك البلاد التي دمَّرناها، وها هي تنتقِمُ لنفسها وتقتلنا وتفضح كل أكاذيبنا عن القوة والبطش والذراع الطولى والمصالح  والديمقراطية ...
عُد لوطننا يا روبرت، لن يُجدي ما تقدمه لأهل تلك الأرض مِن مساعداتٍ إنسانية، ولن يُثمِر الدعمُ المعنوي ومشاركتهم البكاءَ والأسى، ولن تُفلِح أبدًا لا أنت ولا زملاؤك ولا منظَّمَتك الدولية لتُصلِحوا ما أفسدَته قواتُ المارينز والأدميرال حاملة الطائرات الرابضة في الخليج، ولا حتى قُبْح عملائنا المَحلِّيين ...
لَملِمْ ملابسك يا صديقي وعُد لبيتك ، وارجعْ لحديقتك الخلفية الصغيرة، واجلسْ فيها مطمئنًا أنّ أحدًا لن يداهِمكَ ولن يعتقِل رأسك في كيسٍ أسودَ، ولن يقيد يديك برابطٍ مُذِلٍ، ولن يعاقبك لسببٍ لا تعرفه أو تعرفه، لكنك قليل الحِيلة لا تملك إزاءَه وإزاءَ بطشِه شيئًا ...
عُد لحديقتك الخلفية الصغيرة، ولَملِم منها أوراق الشجر وأغمِض عينيك عن كل العالَم الموحِش ، وكُفّ عن البكاء علي الصغيرات اللاتي يهرولْن خلفَك يتسولْنَ طعامًا ورحمة ، كُفّ عن البكاء على العجائز اللاتي يجحدنك بنظرات لومٍ واحتقار لأنك حَرَمتهم مِن شيخوخةٍ آمِنة في وطنهم الذي قررتَ أنت ورئيسُك أن تُمزِّقاه وتُبعِثراه وتُفسِدا حياتَه وحياة شعبِه ، كُفّ عن البكاء علي المَوْصِلية الجميلة "حسناء" التي قُتِلتْ لأنها صممتْ أن تغني مواويلَها القديمة ولو صارت هذه جريمتها التي أَعدَموها مِن أجلِها ..
لا تَقُل لي إنهم يحتاجونك وعملَك ومُنَظَّمتَك الدولية ، وأنك تساعدهم وتهوِّن عليهم كل صعبٍ يعيشونه ، لا تكذِب علي نفسك روبرت ، إنهم لا يحتاجونك ولا يحتاجون منظَّمتك الدولية، ولا الأدوية القليلة التي توزِّعها، ولا أجولةَ الطحين التي تُلقيها لهم ، لا يحتاجون هذا كله ، يحتاجون الأمنَ والطمأنينةَ والعيشَ بسلام، وهذا كله لن توفرَه أنت ولا منظَّمتك الدولية لهم ، خاطِبْ رئيسَك ليوفر لهم الأمنَ والطمأنينة والعيشَ بسلام ، هل تَقوَى ؟؟
لا تَقُل لي إنك لستَ مسؤولا عمّا جرى فيهم، وأنك طيّبٌ وتُشفِق عليهم مما يعانونه،  لستَ طيبًا يا صديقي .. وأنا أيضًا لستُ طيبًا ، لو كُنا طيبين لراجعنا رئيسنا فيما يفعله فيهم ، لو كُنا طيبين لأجبرناه أن يكُف إجرامَه عن أرضهم الطيبة، وطالبناه أن يصلح حياتنا بدلا مِن إفساد حياتهم وحياتنا معًا ...
لو كُنا طيبين لتغير الحال ، حالهم وحالنا ، لكننا بُلَداء لم نكترث بما يحدث فيهم متصورين أننا أمنون في بلادنا البعيدة نحن وعشيقاتنا وكِلابنا . اليومَ أدفعُ أنا ثمنَ بلادتي، وغدًا ستدفعها أنت والجميع ، بَلادَتُنَا قادَتْنَا يا صديقي لِمَا أنا فيه ولِمَا ستكون أنت والجميع فيه ، مَن قال إنّ قَتْلَهم لن يُلقي بدمِه على ملابسنا الأنيقة ويفسد أُمسياتِنا الحميمةَ ويدمر حياتنا مثلما دمَّرْنا حياتَهم ؟؟ ..
لن أكتب هذه الفقرةَ الأخيرة في الخطاب ، سأحذِفها ولن ألومَه ولن ألوم نفسي ، سأُلقِي اللومَ فقط على رأس الرئيس وإدارته ، سأكتب له أعتذِر عن كل ما بدَرَ مِني وأشكره على استضافتي له وعلى كل ما قدَّمَه لي مِن عونٍ ودعْم طيلةَ إقامتي في هذه المدينة، وسأوصيه أن يوصل تحياتي لزملائه الصامدين في تقديم العون لأهل الأرض التي دمرناها ودمرناهم ..
صديقي العزيز: أكتبُ لك هذا الخِطابَ لأعتذِر لك عن تمردي عليك، ولأنصحك أن تلملِم ملابسك وتعود لبلدك قبلما يأتي يومٌ لا نعرفه يهجم عليك الغاضبون ممن توزِّع عليهم معوناتِك ليعاقِبوك بعنف الكراهية لأنك ابنُ البلد المجنون الذي ترَأسُه إداره حمقاء، غرس الموت والدمار والخراب في أرضهم طمعًا في بترولهم وظلال نخيلِهم وعذوبة نَهْرَيْهِما والحضارة والتاريخ القديم ..
هذا ما كنتُ سأكتبُه لصديقي لو سمحوا لي ، سأقول له عُد لبلدك وابذل كل جهدك هناك مع رئيسنا، وأقنِعه أن يكُف شرَّه عن البلاد البعيدة، وأن يكُف حمقَه مع مواطنيه ومعنا، وأن يهتم ببلده وكفى الأمريكيين شر الانتقام والموت ، تمنيتُ أن أقول له يا صديقي العزيز لملِم ملابسك وعُد لمنزلك فلن تساعدهم بعض الأغذية ولا بعض الملابس ولا بعض الأدوية ، كل هذا لن يساعدهم ، نَعَم سيجعلهم ذلك لاجئين ذوي أوضاعٍ أفضلَ لكن أبدًا لن يعيدهم مواطنين في وطنهم مثل كل الشعوب وكل الأوطان .... لكني لم أَقُل له شيئًا ..! 
لو أنك ترغب في أن تساعدهم - هذا ما سأكتبه لروبرت - لو أنك ترغب في أن تساعدهم أنقذهم مِن الفوضى التي تسبَّبتْ فيها إداراتنا المتعاقبة ، أنقذهم مِن الفوضى والقتل العبثي الطائفي المذهبي الأحمق ، أنقذهم من الفوضى وأعِد لهم بلادَهم ، هذا رجائي الأخير لك وللسيد الرئيس ولأي رئيسٍ وكل رئيس ، أعيدوا لهم بلادَهم ليكفوا عن قتْلِنا بلا ذنب سِوى جوازاتِ السفر اللعينة التي نحملها !!!
لو سمحوا لي بِخَطَابَيْن لكتبتُ خِطَابي الأول لصديقي روبرت، ولكتبتُ فيه ما فكرت فيه طويلا ، لكنهم لم يسمحوا لي إلا بِخِطابٍ واحد ....
أتمنى أن أكتب لروبرت كل هذا وأكثر ، لكنهم لن يسمحوا لي ، لن يسمحوا لي !!

( 2 )
دروب الحكايات

كلُّ صورةٍ التقطتُها ، تأتيني هُنَا في القبو الذي أُحْتَجَز فيه منذ وقتٍ لا أعرفه، تؤنِسني بكل تفاصيلها ، الوجوه الطيبة التي اقتنصت مِن ملامحها بعض الفرحة، الملامح القوية التي تتمرد على حزنهم تتحدى وتقاوِم ، الدموع الرقراقة التي تنهمِر قهرًا ، الضحكات الصاخبة وكأنهم لا يعيشون إلا الفرحة ، كل هذا يأتيني هُنَا يؤنِسني ، كل هذا يأتيني هُنَا يذكِّرني بكل لحظةٍ عشتُها في مدينة الحياة ...
كلُّ الصور تأتيني في القبو تذكِّرني بحكايتها ، توصيني ألا أنسي ما شاهدتُه ، توصِيني ألا أفقِد الذاكرة مِن شدة العذاب والاحتجاز الانفرادي والهلاوس التي تربِك عقلي ، كل صورةٍ تأتيني بحكايتها تذكِّرني بمدينه الحياة ووجوهِها القوية الصلبة ، مَن عاش يأتيني بحكايته لأحكيها ، ومَن مات يأتيني بذكراه لأحفظَها..
قضيتُ في مدينة الحياة ثلاثةَ شهور ، وكأنها ثلاثة ألف ألف عام ، ثلاثةُ شهورٍ عرفتُ فيها عن الحياة ما لم أعرفه في عمري التافه كله ، عرفتُ فيها عن البشر ما لم لم أعرفه في أيامي الفائتة كلها ، ثلاثةُ شهور فتحتُ فيها عيني فأبصرتُ وكنت كفيفًا لا أرى، وكان جفنايَ مفتوحيْن لا يُدرِكان ...
ثلاثةُ شهورٍ فيها طاردتُ بالكاميرا الوجوهَ والأسماء والملامح والأماكن ، سجَّلتُ معالمَ وذكرياتٍ وألبومات صوَر ، وها هي جميعها تأتيني هنا في القبو ، تؤنسني ، تقوي قلبي ، تذكِّرني أن قَدَري أتي بي لأموت هُنَا في مدينة الحياة، وكأن موتِي سيتحوّل لرسالة مِنها ومِني للبشرية والعالَمِ كله ، انتبهوا أيها البُلَدَاء لمدينة الحياة حيث يُقتَل الأبرياء بلا ذنب ، انتبهوا ..
كل الصور التي صورتُها واللقطات التي احتفظتُ بها والملامح التي سجلتُها تأتيني هُنَا في القبو ، تَحكي وتَضحك ، تُلقي أبياتَ شِعر ، تُغنّي مواويلَ قديمة ، تَحكي لي عن ذكرياتٍ وزمنٍ مَضى ، تَحكي لي عن حُلمٍ آتٍ ، كلها تأتي تؤنسني وتذكّرني بِما عشتُه معها ، تؤكّد لي ، لا تنْسَ يا مارك .. لن أنسَى  .. وَعْد ؟؟ وَعْد !!!
كلها تأتيني وتغادِرني إلا هي ..
إلا حسناء ...
أتت تزورني ولم تغادِرني حتى غادَرْنا أنا وهي القبوَ معًا في نهايةِ الرحلة ...
لماذا يا حسناء بَقيتِ ؟؟ لماذا ؟؟

( 3 )
خِطَابي الثاني

حبيبتي مارلي: بعد السلام والأشواق والحُب، وبعد تَفَهُّمي لغضبكِ وخوفك ورُعبك، وبعدما فات أوان ندمي علي ما اقترفتُه في حق نفسي وفي حقك وفي حق كَلبِنا الطيب فون ، بعد كل هذا أسألك وأسال نفسي وأسأل كل مواطنينا الصالحين أسئلة استعصت عليّ إجاباتها ، أسألك وأسالهم علَّكم تفهمون ما عجزتُ عن فهمِه ..
حبيبتي ، ألمْ يقولوا لنا في كل نشرات الأخبار التي حاصرونا بها ليلَ نهار إنهم أنزلوا قواتِنا ورجالَ المارينز وأبرعَ طيارينا لتلك البلاد البعيدة ليزرعوا فيها بالرصاص والقنابل والصواريخ ديمقراطيتَنا العظيمة بديلا عن الديكتاتورية المُعادية للإنسانية التي كان يمارسها حاكِمُهم المستبِد؟ ألمْ يقولوا لنا إن مَحكمةً طبقت القانونَ ، حسبما يراه السيد الرئيس صحيحًا ، أصدرت حُكمها النافذ بإعدام الحاكم المستبِد بعدما ثبتَ إجرامه في حق شعب تلك الأرض فَحَمَوْا الشعبَ مِن جبروته وقسوته وأنقذوه مِن بطشه؟ ألمْ يقولوا لنا إن بعد كل هذا ستصبِح الحياة على تلك الأرض وعلي ضفتَي نهريها أجملَ وأسعد وأكثر إنسانيةً كمِثل بلادنا ...؟!
ما الذي حدثَ إذن؟؟ ماذا حدثَ يا حبيبتي في تلك البلاد البعيدة؟ ولِمَ صارت وتَبدلت كما صارت ومثلما أعيش فيها؟؟ ماذا حدثَ فيها بالرغم من كل الجنون الذي اقترفَتْه إدارتنا المستبِدة الحمقاء لتجعلها أفضلَ وأجمل وأكثر ديمقراطية؟؟ هل تعرفين يا حبيبتي ماذا حدث؟؟
مارلي ، أرجوكِ أرسِلي رسالةً لِقَارئة الأخبار الجميلة التي كنتِ تَغارين منها وأنا أُثْنِي على فستانِها المثير، اسأليها ما الذي حدثَ هناك؟؟ اسأليها بعد كل ما قالته لنا فَرِحةً مبتهِجة تُبشّرنا بالتغييرات العظيمة التي حدثت وستحدث في تلك البلاد البعيدة، هل تعرف الآن ما الذي حدثَ فيها فعلا؟؟ وكيف تبدلت الأوضاع مِن انتصارٍ للديمقراطية والقِيم الإنسانية كما خدعونا إلى تلك المأساة السوداءِ التي يعيشها ذلك البلد البعيد وشعبُه الطيب ونعيشها جميعًا؟؟
مارلي ، لا تبحثي عن إجاباتٍ لَدِي ، فكُل ما لَدِي أسئلة بلا إجابات ، ربما تستطيعين أنتِ والكثيرون مِن مواطنينا العثورَ على الإجابات التائهة لتلك الأسئلة البسيطة ، أرسِلي للبيت الأبيض واسأليهم هناك لماذا قُتِلتُ؟ - باعتبار ما سيكون- اسأليهم لماذا تركوهم يقتلونني ولم يحاربوهم بحق فيمنعوا آذاهم عن الدنيا والإنسانية، وعنّي وعَنك؟؟
اسأليهم السؤالَ الذي قتلَني ألفَ مرةٍ بلا إجابه علَّهم يعرفون هُم إجابتَه ، هل كان يعرف السيدُ الرئيس الأبُ أو الابن أو مَن تَعاقَب بعدهما مِن رؤساءَ وإدارات أن كل ما قدّموه لذلك البلد سينتهي بسقوطي أسيرًا في يد رجال الدولة أو عصاباتها كما يقولون هنا؟ والذين حَددوا يومَ غدٍ لإعدامي عقابًا لبلادي أنها تَقصِف مقر حُكمهم وتهدد وجودهم ودولتهم بطائرات التحالف الدولي الذي يقوده السيد الرئيس أو هكذا يقولون ويزعمون !!!
لا تبكي يا حبيبتي، لا تُعذبيني بدموعك، فلستُ أنا مَن تَسبّب لك في كل هذا الوجع ، أنا مَجنِيّ عَليّ ، واعرفي فقط أن مَن قتَلني هو البيت الأبيض بخنجرِ  حاملي الرايات السوداء وعصابات الدولة ، البيت الأبيض قتلني يومَ غزَا تلك البلادَ البعيدةَ ودمرها ، وقتَلني يومَ شاهَد بالأقمار الصناعية الراياتِ السوداءَ ترفرف في السماء التي احتل أرضها ... وتَقاعَس عن محاربتهم وترَكَهم يأسرونني وكثيرين مِثلي أبرياء، لا ذنب لنا إلا جوازات السفر الزرقاء ، البيت الأبيض قتلَني يومَ مَنحَ ذوي الرايات السوداء خناجرَ المارينز ليقتلوا بها مَن يرغبون في قتلِه ومِن ضِمنهم أنا بلا ذنبٍ ولا جريرة ...
ما هذا العبثُ الغريب الذي أعيشه وأنا لم أرتكِب جُرمًا ولا ذنبًا إلا جنسيتي التي يكرهونها وكلَّ مَن يحملها؟ ما هذا العبث؟؟
هل لو كان ذلك الرئيس الذي لا أعرف اسمَه وأعدمَتْه واحدة مِن الإدارات التي حكمتْ بلادي بحكم باطل لمحكمةٍ تابعة موالية لإدارتنا العظيمة ، هل لو كان ما زال حيًا وما زال يحكم ذلك الشعبَ وتلك الارض ، هل كنتُ سأموت غدًا وبذات الطريقة الوحشية التي سأموت بها؟؟؟
إنه العبث يا حبيبتي ... العبث!!
طبعًا تمنيتُ أن أكتب لها كل هذا ، لكني لم أكتبه ، كتبتُ لها عباراتٍ تافهةً مِثلي ومثل موتي ، أُحِبك مارلي وأشتاق إليكِ فلا تَحزني ، اهتمي بأُمّي وكَلْبِي فون وعاشت أمريكا وعاش الرئيس ، عبارات تافهة مِثلي ومثل موتي العبثي في البلاد التي لا أعرفها ولا تعرفني وأتيتها لأموت فيها ، أُقتَل فيها غريبًا وحيدًا بلا دمعة حزنٍ ولا وردةٍ على قبري ولا صلواتٍ لِقَس ولا بكاءٍ لجيران ...
أنهيتُ الخِطابَ الذي سيرسِله قاتلي لمارلين بعد قتْلي ، سألَني مَن الذي أرغب في أن أهدِيَه آخر كلماتي ورسالتي الأخيرة؟ قلتُ له مارلين عشيقتي ، جحَدَني بنظرةٍ مخيفة وهمسَ بأني أستحِق الموتَ لألف سبب ، الحق أني لا أعرف منها سببًا واحدًا لكني لم أُجادِله ، قلتُ أقصِد زوجتي ، قال وكاذبٌ أيضا ، قلتُ أُقسِم بالله أنها زوجتي ، لم يصدِّقني وتمتمَ بعبارات ممضوغة بلُغتِه التي لا أفهمها، وقال بإنجليزيةٍ رصينة إنه سيرسِل الخِطابَ لها وذنبي وحسابي عند "الله"  لو كنتُ كاذبًا، وهمسَ: وأنت كاذبٌ ومصيرك جهنم مستقرًا وقرارًا ...
فكّرتُ كثيرًا ما الذي سأكتبه لها في خِطابي الأخير ، تمنيتُ لو كتبتُ كلامًا كثيرًا يقُص عليها تجربتي الغريبةَ الموجعة في أيامي الأخيرة، فيحوّل خِطابي مِن خِطابٍ خاص لتلك الغبية التي لا تَفهم ، لخِطابٍ يَحكي الحقيقةَ وينشرها ، خطاب تستطيع بيعَه لدور الصحف الكبري فتنشر آخر كلماتي وآخرَ صوري ليعرف دافعو الضرائب حقيقة كل ما حدثَ لي في مدينة الحياة وما قَد يحدث لأي منهم في أي مكان تحتله أشباح إداراتنا الحمقاء ..
تمنيتُ هذا ، لكني طبعًا لم أفعل ، أعلمُ أن هؤلاء المُجرمين سيقرؤون كلماتي ولو لم تُعجِبهم لمزقوا الخِطاب مثلما سيمزقون شراييني ورَقَبتي ، سأكتب لها بعض الكلمات القليلة التي سيفهمها مَن يرغب في الفَهم ، علَّها مِن شِدة حزنِها على فَقْدي تشحذ عقلَها البليد وتفهم رسالتي وترسِل الخِطاب لإحدى دور الصحف الكبرى وتحصل علي مَبلغٍ مالي معقول ولتعتبِره هديتي الأخيرةَ لها وتعويضًا  عما عاشته مِن عذاب منذ أَعلن المجرمون عن أسْري وحتى إذاعة شريط قتْلي ورقَبتي مُدَلاة علي صدري والدماء تسربل المشهدَ كله بعبثٍ ما بعدَه عبث!!
هذه كلماتي الأخيرة لكِ يا حبيبتي ، سأقول لها حبيبتي رغم أنها ليست كذلك ، لكني سأقول لها هذا ترفقًا مِني في لحظة ما قبْل موتي ، هذه كلماتي الأخيرة يا حبيبتي ، علّها تفسِّر لكِ لماذا قتلوني ، ولو عرَفتِ باللهِ عليكِ ابحثي عن قبري وأخبريني أمامَه ما الذي عرفتِه ، لماذا قتلوني؟ هؤلاء الذين لا أعرفهم ولا يعرفونني ولم أُسِيء إليهم ولم يُحسِنوا إليّ ، وكل ما ربَطَنا مصادفةٌ لعينة أنهت عمري تحت نصْل خناجرهم المشحوذة ...
لماذا قتلوني يا حبيبتي؟ لماذا قتلوني؟؟
طبعًا لم أكتب هذه الكلماتِ أيضًا ، كتبتُ الكلماتِ التافهةَ الوداع والحُب وتعيش أمريكا، وأغلقتُ الخِطاب وسلّمته لقاتلي وانتظرتُ لحظة موتي بلا قلقٍ ولا حزنٍ ولا حتى غضب ...!
انتظرتُ لحظة موتي ببلادةٍ اعتدتُ عليها طويلا، لكنها فاجأتني بوجودها أيضًا لحظةَ انتظار الموت ، يبدو أن البليد يظل بليدًا حتى لحظة انتظار الموت ، آه واللهِ يا حبيبتي!!
وعاشت أمريكا .. وليموت الجميع وأنا  ....

( 4 )
ألا تَرَوْنَ ؟؟

أخبرَني صديقٌ قديم بِنِيّة مارك للحضور ليقضي معنا هُنَا بعض الوقت ، وشرحَ لي هدفه ومبتغاه، وفي نهايه حديثه سألني لو أستطيع استضافته في بيتي حتى ينهي ما يرغب فيه ويعود .. ما رأيك روبرت ؟؟
قلتُ لصديقي إن منزلي مزدحِم لأن زملائي يعيشون معي، وإننا نحتمي ببعضنا البعض من الجنون المحيط بحياتنا، لكني سأستقبله طبعًا إذا صمم وحضر لكني أُفضّل ألا يأتي ..
شرحتُ لصديقي ما نعيشه هنا في المدينة وما تعاني منه وما نعاني منه جميعًا ، سألتُه ألا تقرؤون ما يحدث في الصحف ؟ الا ترون التقارير والأفلام في نشرات الأخبار ؟ ألا تعرف أنت أو مارك ما يحدث هُنَا ؟؟ قال نعرف، نعرف .. بنبرةِ مَن لا يعرف شيئًا ولا يكترث أن يعرف ...
ناشدتُ صديقَنا المشترك أن يخبره ألا يأتي وأن يبحث عن اللقطة التي يتمناها في أي مكان آخرَ مِن العالَم المتسع الآمِن ، قال لي إنه حاول معه وفشل، وإنه مصمِّم أن يأتي ليصوّر أرض التاريخ والحضارة وليعثر على لقْطَتِه الضالة ويحصل على الجائزة الأولي وليحقق أحلامه التي تأجلت كثيرًا ..
غشِيَ الحزنُ قلبي على صديقي الساذج مارك الذي لا يعرف أي شيء عمّا ينتظره في تلك الرحلة التي صمم أن يقوم بها ، أنهيتُ الحديث مع صديقنا المشترك مؤكدًا عليه أني سأستضيف مارك لو صمَّم أن يأتي لكني أتمنى ألا يفعل، وهمستُ في نهاية الاتصال التليفوني يا صديقي إنكم لا تعرفون شيئًا لا أنت ولا مارك عن كل ما تعيشه هذه المدينة وأهلها ، ولو عرَفتم ما فكَّر مارك أن يأتي وما فكَّرتَ أنت أن تتركَه ليعرّض نفسه لِمَا قَد يتعرض له ، وأنهيتُ مكالمتي غاضبًا متوترًا ، ألمْ تجد إلا الموصل يا مارك لتبحث عن لَقْطَتِك الضالة ؟؟ الموصل يا مارك ؟؟
حاولتُ كثيرًا أن أثنِيَه عن رحلته ، اتصلتُ به في بيته وأخبرته أنه مجنون وأحمق، ويفكر بطريقه بليدة، وأن البلاد التي سيأتي لها لا تمنح الغرباءَ صورًا للمسابقات بل تمنحهم صورًا للجثث المقتولةِ غدرًا في ساحات الميادين ، قلتُ له ابحثْ في مكان آخر علي ظهر الكوكب عن اللقطة التي تستهويك ، هُنَا الموت يتربص بالجميع وبالأجانب أكثر ، ألا تعرف ؟؟...
سِمِعَني وضحكَ ضحكاتٍ متلاحقة، وأخبرني أنه يشكرني على قبول استضافته وعلى نصيحتي الغالية، لكنه سيكون عندي بعد أسبوع على الأكثر. وأنهَى المكالمة ..
هل ستأتي فعلا يا مارك ؟؟ هل ستأتي للموصل فعلا ؟؟؟

( 5 )
مَن أنا؟

أنا "مارك ريجريت" المصوِّر الفوتوغرافي الذي يتكسَّب عيشَه مِن التقاط صور أعياد الميلاد وحفلات التخرج المَدرسية واحتفالات الأفراح ، أعيش حياة بسيطة فقيرة لم تعجبني، ومِرارًا حاولتُ تغييرَها وتقدمتُ لكثير مِن الصحف والمجلات للحصول علي وظيفة ثابتة وراتبٍ متزايد لكني فشلتُ ، أبدًا لم تعجبهم سيرتي الذاتية الفاشلة مِثلي، ولا خبراتي التافهة، فبقيتُ على حالي مثلما أنا ...
أنا "مارك ريجريت" ، الغريب الذي أتى مِن بلاده البعيدة للجحيم يبحث عن لقْطَةٍ مميزة وصورةٍ نادرة تسمح له بالفوز في مسابقات التصوير العالمية التي لم يفُز في أي واحدةٍ منها أبدًا ، شاركت في الكثير من المسابقات بصور اعتبرتُها متميزة ولم أفُز أبدًا، وبمعني أدق فشلتُ فشلا ذريعًا ...
بعدَ طولِ معاناة وإحباط وغضبٍ صببتُه على رأس مارلين وفون أدركتُ أني أشارك بلقطات فاشلة مِثلي، باردة مثل عشيقتي، خانعة مثل كَلْبِي ، لقطات للخاسرين لا تصنع فوزًا ولا مجدًا ، قررتُ أن أكُف عن المشاركة في المسابقات حتى أستعِد لها جيدًا ، حتى أعثر على اللقطة التي تمنحني الفوزَ الذي تأخر كثيرًا وأهدَرَ موهبتي واحتقرَها ..
كنتُ أبحث عن لقطةٍ مميزة، ولم أتصور أبدًا أني أنا شخصيًا سأصبحِ تلك الصورةَ، لم أتصور أبدًا أني أنا شخصيًا وطريقة موْتي ستصبح هي اللقطة المميزة التي سيفوز بها أحد زملائي في المسابقة التي تمنيتُ أنا الفوزَ فيها ...
رَجُلٌ مسالِم أحمِل على كتفي كاميرا، وعلى ظهْري حقيبة بها العدَسَات وكروت الذاكرة، أسير في الأرض التي يتقاتل أهلها لسببٍ لا أعرفه ولا أكترث به، خرجتُ مِن منزلي ذاتَ نهار في النصف الآخر مِن الكُرَة الأرضية ، خرجتُ بعدما ودَّعتُ عشيقتي وقبَّلتُ كلْبِي وراجعتُ كروت الائتمان في حافظتي، وتوجهتُ صوب المطار الذي سيحملني للمغامرة ، مهما شطح خيالي وبلغ أقصي مداه فلم أتصور أني سأصبِح شخصيًا المغامَرة ، وأني سأتحوّل مِن مصورٍ فوتوغرافي نَكِرَةٍ لا أحد يعرف اسمَه لضحيةٍ وأسيرٍ تطالِب الحكومات بالإفراج عني وإطلاق سَرَاحي ...
رجُلٌ مسالِم أنا أحمِل على كتفي كاميرا تبحث عدستها الشرهة عن لَقطةٍ أسجّلها وحدي فيكون لي السبق والفوز والجائزة الأولي ، لَقطة أتقدم بها لمسابقة التصوير فأحصل على مركزها الأول فتتصدر لقْطَتي أغلفةَ المجلات العالمية مع بعض عبارات الإطراء التي تستحقها موهبتي التصويرية ، هذا ما أخرَجَني مِن بيتي، وهذا ما سيكتب نهاية حياتي ونهايتي التي لا أعرف شكلَها بعد ..
أنا "مارك ريجريت" الذي لم أرتكِب ذنبًا ولا جريمةً تبرر كل ما أعيشه وأعيش فيه، لم أرتكِب ذنبًا ولا جريمةً تبرر كل ما حدثَ لي وعشتُه في مدينة الحياة الموصل ذات الربيعيْن ...
لكنه قدَرِي ومَصيري ...
قدري ....
( 6 )
الزياره الأولى

أتتني حسناء منذ ليلتي الأولى في القبو ، اقتحمتْ القبوَ وجدرانه وبقيتْ معي تغنّي مواويلها القديمه وتضحك ، كنتُ فزعًا خائفًا لا أعرف مصيري ، على صوتِها الرخيم هدأتْ دقات قلبي المتلاحقة وانتظمتْ أنفاسي ، كنت لا أفهم ما تقوله ، لكن صوتها اخترقني ، الشجن الذي يسكنه سكنني ، الطمأنينة التي تنبعث منه احتلّتني وكأني غفوت على هدهدة صوتِها ..
أتتني حسناء وجلستْ بجواري ومنحتني رشفة مِن ماء دجلة، تحممتُ وارتويت وهدأتُ، وسألتها ألا تخافين منهم؟ ضحكت وقالت لا أخافهم ولا تخافهم الموصل !!
قلت لها أنت المُدرِّسة التي قتلوكِ لأنكِ تغني؟ قالت أنا المُدرّسة التي قتلوني لأني لم أخَف منهم ...
قلت لها قتلوكِ وسيقتلون الموصل مثلك، وسيقتلونني أنا أيضًا ..
ضحكتْ ضحكاتٍ كوهج الشمس في نهارٍ ربيعي، وقالت لم يقتلوني ولن يقتلوا الموصل ، أمّا أنت  فأدرَى باختيارك ، لو شئتَ قتلوك، ولو شئتَ بقيتَ حيًا للأبد !!!
لم أفهمها ، قالت ستبقى حيًا لو منحتَ الحياةَ ما تحافِظ بهِ على ذِكراك، وستموت لو تواريتَ فتنساك الحياة وأهلها لأنك لم تَمنح ما يستحق الذِّكرَ والرحمة !!!
قلت لها جئتُ الموصل غريبًا وسأموت فيها غريبًا ..
قالت تملِك ألا تَبقى غريبًا ، تملِك أن تسكنَها فتسكنك ، تملِك أن تحبها فتمنحك مشاعرها ، تملِك لو أردت ..!
شرحتْ لي ، سيدي المصوّر ، لو قضيتَ وقتك كله في الموصل ، لو سِرتَ في دروبها غريبًا ، ولو حدّقتَ في وجوهنا مندهشًا ، ولو أنْصَتَّ لمواويلنا مستغربًا  ، ولو التقطتَ صورًا لملامحنا وأماكننا وضَفتَي نهرِنا مِن خلف عدستك بلا روحٍ ولا وصْل ، لو عملتَ كل هذا ستظل تائهاً ضالا ، تستعصي عليك أسرار المدينة أكثر، ويزداد أمرُها غموضً ، ستدخل مِن بوابة المدينة وتَخرج مِن الأخرى ، وأنت لم تعرف شيئًا، ستكون أجهلَ مما كنتَ وستبقى غريبًا ...
المُدُن يا سيدي المصوّر لا تفتح أحضانها للغرباء، ولا تَبوح بتاريخها للعابرين ، المُدُن لا تَحكي إلا وقتما تطمئِن ، وهي لا تطمئِن إلا وقتما يقبض على كفِّك أحد أبنائها ويصاحِبك في دروب حكاياتها ويعرّفها عليك ويطمئِنها لك فتبوح وتحكي وتحتويك وتنفض عن روحك بومَ غربتِها  ..
ومتى ستبوح لي الموصل يا حسناء ؟؟
حينما أُصاحِبك في دروبها سيدي المصوّر ...
ومتى تُصاحِبينني في دروبها يا حسناء ؟؟
متى تُصاحِبيني في دروبها يا حسناء ؟؟
أُناديها ولا ترُد عليّ ، أُناديها ولا تجيبني ، أُناديها وأصرخ باسمِها بصوتٍ أعلى وأعلى، وأستيقِظ فزعًا على صدَى صوتي يرتد بين جدران القبو الرطب المظلِم ، أستيقِظ فزعًا والحُمّى تعصف بي، والعَرق البارد يتقافز على جبيني، وملامحها تخايلني وكأني أعرفها وكأنها تعرفني ..
وجهها يخايلني وكأنها تجلس بجواري، وعِطرها الشرقي يجتاح روحي، ودفء روحها يتسلل ويسكنني ، أسألها ، لماذا تزورينني حسناء وأنا لا أعرفك ولا تعرفينني؟؟ تبتسِم وترُد سؤالي بأصعبَ مِنه ، ولماذا زُرتَنا سيدي المصوّر وأنت لا تعرفنا ولا نعرفك ؟؟
إنه القدَر سيدي المصوّر الذي جمَعنا أنا وأنت والموصل لتسمع حكايتنا ونعرف حكايتك ..
إنه القَدَر ... القَدَر
وتجتاحني الحسرة وأنا أسيرٌ في القبو المظلِم وحيدًا مقهورًا، وأتمنى لو منحني الحظُّ فرصةَ لقائها في الواقع والحقيقة، ومصاحبتها وكفِّي في كفِّها في دروب الحكايات لتبوح لي المدينة وأُنصِتُ وأعرفها وتعرفني، وتسمع حكايتي وأسمع حكايتهم ، لكن الحظ لم يمهلني، وحسناء لم تنتظرني، والمدينه أغلقت بوّاباتِها في وجهي، والغربة احتلتني والقهر أيضًا!!
هل ستعودين يا حسناء ؟؟ هل ستعودين ؟؟؟

( 7 )
الرحيل

كنتُ أجلس في الشرفة الخشبية وأصوات انفجارات عالية تدوي بعيدًا ، ربما عربة مفخخة في السوق ، ربما طلقات رصاص تزهق أرواحَ أبرياء ، ربما انفجار لضريح أو كنيسة أو تمثال أثري عظيم ، لا أعرف ولا أرغب في أن أعرف ..
أفتح دفتري وأسجل فيه ملاحظاتي طيلة الأسبوع الماضي ، أمسِ طلبت الطبيبةُ الإفريقية ماريان المغادرةَ والعودة لوطنها ، خرجتْ لعملها المعتاد صباحًا مع بقية الزملاء وعادت في منتصف النهار وحدها وهي تبكي ، أخبرتني أنها قررت وبشكل نهائي أن تعود لأطفالها وبيتِها وحضن أُمّها ، قالت إنها لا تفعل هنا أي شيء مفيد ، وإنها توزع الأكاذيب على الأُمهات وتصبّرهم على ابتلاءاتهم، وفي النهاية يلومونها لفشلها في إنقاذ أطفالهم وهزيمة الموت الذي يحاصرهم، قالت إنها تفتقِد حضن أطفالها وحنان أُمِّها والشوارعَ الآمنة التي تتمنى أن تسير فيها في وطنها ....
صامِتٌ أُنصِتُ لها ، فكُل ما تقوله مقدمة لكلام يوجعها ، هذه ماريان وهذه طريقتها، لا تَدخل أبدًا في الموضوع مباشرة ، تلف وتدور وتصنع مقدماتٍ تراها مناسِبة لقراراتها الحاسمة التي عادةً لا تنفذها ، صامِتٌ أُنصِت لها أنتظر أن تكمل بقية كلامها ...
أوضحتْ لي ماريان وهي في منتهى العصبية والغضب أنها قررت أن تترك ذلك العمل الإنساني اللاإنساني ، قالت أين الإنسانية فيما نفعله؟ نوزع الأكاذيب والوهم ونحصد الموت والدموع ، قلت لها ونتخلي عنهم ؟؟ سخِرت مني وهي تكاد تبكي بل وهي تبكي وقالت لو أن هؤلاء البؤساء يوجِعونك أخبِر رئيسك ليكُف عن قتلهم وتدمير بلادهم ، ابتسمتُ وهل سيسمعني؟؟ ابتسمتْ حزينةً ، عليك أن تحاول علَّك تفلح في أن تنقذهم بحق بدلا من  الأكاذيب التي نعيشها ونروِّج لها !!!
قالت إنها ستعود لوطنها وستخبر الصحفَ ومحطات التلفزيون عن كل ما شاهدته هنا ، قالت لن تخفي شيئا ، ستحكي قصص الأمهات اللاتي يُقدَّم أطفالهن الصغار للموت بلا ذنب إلا أن الأرض التي يعيشون عليها لم تعد وطنًا يمنحهم لا الطعام ولا الدواء ولا الأمان ، قالت سأسأل ضمير العالم كله عن المسؤول عن تلك الأوضاع المأساوية التي يعيشها هذا الشعب ..
قالت بحسم ، روبرت ، خاطِب الرئيسَ واسأله أن يحاول أن يُكفِّر عن ذنب الإدارات المتعاقبة التي دمرت ذلك الوطن ، قالت إنها عاشت في هذا البلد وقتَ أن كان آمِنًا ، صاحبت والدَها الدبلوماسي في سفارة بلاده سنواتٍ طويلة ، درست في جامعه بغداد الطبَّ وحصلت علي شهادتها منها وتعلّمت مِن أساتذةٍ عظماءَ ، نظرتْ لي نظرة حزينة ، أنت لا تعرف كيف كان هذا البلد من قَبل ديمقراطيتكم اللعينة ، لو تعرف لمُتَّ كمدًا مثلما أموت كل يوم ، قالت إنها تعرف شكل ذلك البلد وقتَ أن كانت تحكمه الديكتاتورية كما يقول رئيسي ، قالت إن الحياة كانت جميلة وبسيطة وإنسانية، والشعب كان يعيش، والأطفال كانوا يُعالَجون ويرقصون في حفلات المَدرسة، والشعب كان يغني فرحًا في الشوارع بعدما تتلاعب الخمر برأسه ووعيِه ، قالت إن الديكتاتورية التي يقول عنها رئيسك لم تمنحهم الموتَ ولم تقتل أطفالهم ولم تشردهم فوق أرضهم، أما ديمقراطيته فقد فعلت ، قالت لن أشارك في هذه المأساة وكفاني كل ما عشته ، سأعود لوطني وأفضح كل شيء عشته هنا وليذهب العالَم كله للجحيم !!!
ماريان ، ما الذي حدث اليوم ؟؟
سألتُها وكُلي فضول أن أعرف سبب قرارها الذي أعجزُ عن اتخاذ مثلِه
ماريان ما الذي حدث اليوم ؟؟
وأخذت تحكي وأنا صامِتٌ لا أقاطعها، عاجز كالعادة عن فعل أي شيء!! أخبرتني ماريان أنها سمعت مِن النسوة اللاتي تمُر علي بيوتهن لتوزيع الدواء علي أطفالهن ، سمعت منهن أن بعض الأطفال يختفون فجأة ، قالت إن شكوى النسوة تلاحقت وصارت ظاهرة محيرة ، النسوة يبكين ليلَ نهار حزنًا علي الأطفال المختفين ولا يعرفن سبيلا لفهم ما يحدث ولا سببه ...
وماذا حدث ماريان ؟؟ 
تَحكي ماريان ما قالته عجوزُ هرمة مِن أن الأشباح تخطف الأطفال شفقةً عليهم مِن مصير تلك البلد ، لطمتُ أُمّ وجهَها وقالت ولِمَ لم تخطفني الأشباح مع ابني ؟؟ لِمَ خطفَته وتركتني أموتُ كل ثانية في انتظاره ...؟ ابتسمت بأسىً ، أشباح ، هزت ماريان رأسها ، أشباح ، يحاولون أن يفسروا ما يعيشونه بالطريقة التي يفهمونها ، تصوّروا الأشباح تخطف أبناءهم ، وماذا قلت لهم ؟؟ لم أقُل شيئا ، فقط همست للعجوز ، الأشباح لا تخطف الأطفالَ سيدتي ، سالتني بتحدٍ ، إذنْ مَن يخطفهم ؟؟ ..
أضافت ماريان ، وقالت عجوز أخرى بهدوء مخيف وسط الأمهات المكلومات وكأنها تعرف الحقيقة ولا يعرفها غيرها ، قالت الأساطير تقول إن الإرض لن تُشفَى مِن وجعها وتتحرر من القتلَة والمجرمين والرايات السوداء إلا بدم أطفالنا، ثم لطمت فجأة وقالت مَن يقتل أطفالنا ليروي الأرضَ الملعونة بدمائهم ويحررنا ، وانفجرت في البكاء، اللعنة علي كل ما نعيشه، اللعنة ..
أتابع ما ترويه ماريان لا أصدق ما أسمعه ، قالت ماريان ، في تلك اللحظة وكل النسوة يبكين خوفا من الأشباح ومن الأساطير ، سبَّتهم عجوز عاقلة وقالت ستفقِدن عقولَكن ، اكفُفن عن الهذيان ، أرض الموصل مدينة الأنبياء، لا تشرب دم أطفالها، ولا يُخرج نهرُها أشباحًا مخيفة تخطفهم ، أرض الموصل تطرح نخيلا طيبًا وحنانًا لولا المرتزقة الإرهابيون وقالت وكأنها تعرف كل الحقيقة اسألن عصاباتِ الدولة عن أطفالكن ، لجم الرعبُ نحيبهن وصمَتْن ، تجرأت واحدةٌ منهن وطلبت منّي بحكم عملي في المنظمة الدولية مساعدتهن في معرفة لماذا يختفي الأطفال !!
قالت ماريان إنها تعاملت في البداية مع شكواهن بعدم اكتراث ، هُن نسوة ثرثارات لا يكْفُفن عن الكلام ولا الشكوى ، هكذا وصفتهن ماريان ، حتي جاءتني سيدة أعرفها اختفى طفلاها وقتما خرجا يلعبان في الزقاق الضيق بجوار المنزل ، قالت لي الأُم ، تحكي ماريان ، قالت إنها عرَفت أن الاطفال المخطوفين يباعون في السوق الكبير ، قالت إن أحدهم أخبرها أن الأطفال يُخطَفون ويُباعون عبيدًا في السوق لمن يرغب من رجال الدولة ، قالت الأُم وهي تبكي ، إنها سمعت قصصًا مرعِبة عن مصير الأطفال الذين يباعون في الأسواق، ولم تشرح واكتفت ببكائها علَّني أفهم قدْرَ الأهوال التي يعيشها الأطفال المخطوفون ...
انفجرت ماريان في البكاء وقالت كذَّبتُها ولم أُصدّقها ، مَن يَخطف الأطفال ويبيعهم في الأسواق ؟؟ ولماذا يفعل ؟؟ قالت ماريان ، كيف كنتُ ساذجة عبيطة لهذا الحد ؟؟ كيف لم أُصدقها وتصورتها تطلِق شائعاتٍ مخيفةً علي النسوة لتفسِد ما تبقى لهم مِن آخر الأمان الذي يتشبثن به ، كذَّبتُها لكن كلامها بقي يؤرقني ويطاردني ويلِح عليّ وكأنها تستجديني لأحقق في الأمر ...
لماذا يختفي الأطفال روبرت ؟ وماذا يفعل بهم رجال الدولة ؟؟
لماذا يختفي الأطفال روبرت ؟؟

( 8 )
لَقطَة

لماذا ذهبتُ إلى تلك البلاد البعيدة التي لا أعرفها؟ ذهبتُ إليها لأنها بلاد تختلف عن بلادنا الرتيبة المُمِلة بليدة الروح، هناك بلاد حية، روحها يقِظة، يمرح فيها التاريخ حيًا ويترك بصماتِه علي ملامح أهلها اختلافًا وغرابةً وتميزًا  ..
هناك أرض فلكولورية قديمة ترتدي نساؤها ملابسَ مزركشة، ويرتدي رجالها سراويلَ ملونة، ويجري أطفالها حُفَاةً، وتتزركش بيوتها وجدرانها بالكتابات الغريبة والرسومات المبهِرة الموحية بالشجن، وتفوح مِن أرواحهم وملابسهم العطور الشرقية والبخور والعود والمِسك العربي ..
شاهدتُ صورهم في بعض المجلات ، أحسستهم بشرًا فرّوا مِن العصور القديمة وسكنوا عصورَنا ، ملامحهم علي جدران المعابد وأطلال التاريخ وبقايا الحضارة القديمة ، ملامحهم قديمة قِدَم بلادهم التي عُرِفت منذ العصور الأولى للبشرية ، يشبهون الأرضَ التي تشبِههم ، ملامحهم عتيقة كوجودهم، وأكواخهم الطينية وأنهارهم ، ملامحهم تستحق التصويرَ ، بسُمرة الشمس التي حرقت جلودهم ، ببُقَع فقر الدم البيضاء التي تزركش وجناتِهم وتؤكد تدهور صحتهم وما يعانونه مِن سوء تغذيةٍ وفَقر ، ملامحهم تستحق التصوير وتستحق المغامرة ...
رأيتُ بعض صورهم أمام قوات المارينز علي المعابر والجسور ، رأيتهم يتشاجرون ويلوِّحون بأيديهم وتضيق عيونهم وحدقاتهم بغضبٍ وتَحدٍ ، رأيت أفراحهم وحفلاتِ زفافهم والأصوات المفزعة التي يطلقونها مِن حناجرهم فرحًا وابتهاجًا ، شاهدتُ رقْص نسائهم بأجسادهم البَضةِ اللعوب الفاضحة تحت العباءات الواسعة ، تتلاعب أجسادهن علي دقات الدفوف، ورؤوسهن مغطاة بحُجُبٍ داكنة ..
كل شيء في البلاد البعيدة يناديني لأعيش تلك الغرابة في رحاب التاريخ القديم وكأنه لم يَمضِ ، كل شيء يناديني لأذهب ، وسأذهب ..
الغريبُ والعجيب ، ما عَرَفْتُه عن شعوب تلك البلاد وأهلِها، فبعضهم متعلمون وحاصلون علي شهاداتٍ عُليَا مِن جامعاتنا ، بعضهم مثقفون وأصحاب آراءٍ في السياسة والاقتصاد بل وفي المفاعلات النووية ، بعضهم يسكن قصورًا وفيلاتٍ فاخرةً أفخر مِن التي تُبنَى في مُدنِنا ، بعضهم يقرأ بعدة لغات ويكتب بها أيضًا ، بعضهم - وياللعجب - يؤلِّف كُتُبًا ويكتب رواياتٍ، وبعضهم مشهور ليس فقط في بلادهم العجيبة بل وأيضًا في عالَمِنا المتحضر ..
لكن ما سمعتُه عن هؤلاء لم يُطفِيء رغبتي المحمومةَ لأتعرف علي الوجه الفطري البري كالعشب الأشعث من الحياة والبشر هناك ..
كل شيء يناديني وسأذهب لتلك البلاد لألتقط صوره فوتوغرافية يتحدث عنها العالَم،  صورة حية تنبض بملامحَ وقسماتٍ وروح ورائحة وحياةٍ تختلف تمامًا عما نعرفه في بلادنا المتحضرة الباردة الساكنة ، سأذهب لا يهمني إلا الجائزة الأولى في المسابقة التي سأفوز فيها بعدما تأخرتْ عني كثيرًا ...
سأذهب هناك .. وقريبًا جدًا ..
( 9 )
المَجال الجوي

لم يكُن ينقصني أيضًا إلا التوتر ، ألمْ يَكفِك روبرت كل ما عشتَه الأسبوعَ الماضي من حزن وغضب وإحساس طاغٍ بالعجز ؟ أمسِ ماتت صغيرةٌ على ذراعَي أُمِّها وهي تنتظر دواءً طلبته مِن مديري في جينيف ووعَدني أن يرسله ولم يرسِله ، ماتت الصغيرة وأنا أَعِد أُمَّهَا كل يوم بأن الدواء سيأتي غدًا ، لكن غدًا هذا لم يأتِ ولا الدواء أيضا ، كانت الصغيرة جميلة، وبعينيْن عربيتين كحيلتين، وشَعرٍ فاحم يتطاير من تحت المنديل القماش الذي تربط به أمها رأسَها ، كانت تتصبب عَرقًا وتنتفض في حضن أمها وكأن روحَها ستغادرها كل لحظة ، تبكي أُمُّها وتنظر لي بعيون راجية أن أُنقِذ ابنتَها وأنقذها ، أعود كل يوم لبيتي أبكي وأصرخ في مديري ليرسل الدواء، وأترك له الرسائل علي صندوق بريد هاتفِه وأنا أصرخ أَسرِعْ يا سيدي أَسرِع ، يتصل بي في مواعيد العمل في اليوم اللاحق ويخطرني أنه أنهَى الإجراءاتِ وأن الدواءَ في طريقه للمريضة، والمشكِلةُ في المطار يا روبرت ، على أية حال طمِّئنها يا روبرت طمّئنها أن كل شيء سيكون على ما يرام ، لكن الصغيرة المريضة لم تنتظِر الدواء، ولا فتح المجال الجوي، ولم تسكن لبلادتنا ورحلت عن عالَمنا الموحِش القبيح وتركتنا أسرى ذنبِها وموتِها ، مزقت أُمها ثوبَها وبعثرت شَعرها وجحظت عيناها، وقبضت في قميصي وهي تصرخ قتلتَ ابنتي ، لستُ أنا يا سيدتي ، حاولتُ إنقاذها ولم أفلح ، لا تَسمعني ولا تصدقني، وتبكي وتلطم وجنتيها بكفيها ودموعها أنهار مُرّة ، مَن يملك القوة؟ أنا أو مديري أو غيرنا ليسكِت دموعَها ؟؟ مَن يَقوَى يَشرح لها كل ما حدث وما يحدث وأني مجرد موظفٍ خاطبتُ المديرَ وانتظرت الدواءَ، والمجال الجوي لم يُفتَح بعد ، وحزين مثلها علي ابنتها وأكثر ..
الطفلة ماتت، والأُم كأنها جُنّت، سبَّتنِي أنا ومديري والأيامَ السوداء الغبراء التي وطأنا أرضَهم فيها ودمرنا حياتهم ، سبَّتني ولم تَقبل أسفي ولا مشاركتي حزنَها ولا حتي دموعي ، غادرتُها وعجزي يلفني مِن قمة رأسي لقدمَي ، أتعثر في خطواتي وكأني بحق قتلتُ صغيرتها ، في بيتي جلستُ أبكي وأبكي وأفكر جِديًا في أن ألملِم ملابسي وأرحل ..
قضيتُ الأسبوعَ الأسبق كله أتخبط بين الأمل والرجاء واليأس والقنوط ، وحين ماتت الصغيرة تمنيت لو أرحل عن ذلك البلد ، كدتُ أتصل بمديري وأسبّه وأستقيل وأعود لبيتي ، صرتَ قاتلا يا سيدي لأنك لم ترسِل الدواء ، يضحك مديري ضحكاتٍ باردةً ، ليس ذنبي ولا ذنبك فالمَطار مغلق والدواء شحيح ، ذنب مَن يا سيدي ؟؟ لا يجيبيني ..
في المساء اتصل بي مارك وأخبرَني أنه سيكون عندي قبل مساء الغد ، طلبَ مِني أُثلِّج البيرة وأُعِد له عشاءً فاخرًا ، قلت له لا بيرة هُنَا ولا عشاء فاخر وابقَ عندك ، سألني هل أحضِر لك بعض البيرة معي ؟؟ صرختُ سيعدمونك قبلما تغادر مقعدَ الطائرة ، لم يفهم ولم أشرح له، ونِمتً حزينًا مهمومًا وروح الصغيرة تطاردني وسبابُ أُمّها ونحيبها كوابيس لا تفارقني أيضًا..

 ( 10 )
عُد في وقتٍ آخرَ يا سيدي
" الزقاق "

رأيتُه يسير وحيدًا غريبًا بخطواتٍ وجِلة فوق البلاط العتيق ، يرمي بصرَه محاولا اكتشاف آخرِ درْبي ، يدور برأسه يمينًا ويسارًا يحدّق في الأسوار العالية للبيوت العتيقة التي تتراص على جانبَي نهرِي الضيق ، يضيق بضيقي ويرتبك مِن انحناءاتي والتواءتي الكثيرة ، يفتح حدقيته بقوةٍ ليرى جيدًا في العتمة التي تسكنني، غريبٌ عني وعن المدينة ، أتمنى أن أسأله عما تبحث سيدي ، لكنه سيخاف مِني ويتصور الأكاذيب التي تنسج عنا حقيقة، وأننا طُرُقات وأزِقة مَسكونة بالأشباح ، ألمَح الكاميرا على كتفه ، أُشفِق عليه ، لو ترغب في التقاط بعض الصور فكان يتَعَين عليك أن تزورني قبل سنواتٍ كثيرة ، حينما كانت تسكنني الحياة، وحين كان أهل البيوت العتيقة يملؤونها صخبًا وبهجة، والصغار لا يكفون عن اللعب فوق بلاطتي العتيقة، والرجال الأقوياء ينهرونهم خوفًا عليهم ويبعدونهم حبًا عن نهر الطريق وهُم يَجْرون بخطواتهم السريعة يشدون عربات اليد المحمّلة بالبضائع والحقائب والمؤَن ، كان يتعيّن عليك أن تزورني قبل سنواتٍ كثيرة ، كنتَ ستلمح " سنادين " الورود تزيّن البواباتِ والمداخلَ، وشقائق النعمان الحمراء تزركش الأسوارَ العالية ببهجتها ، لو أتيتَ وقتَها لالتقطتَ صورًا رائعة لزقاقٍ موصلي عتيق ، لكنك أتيتَ اليوم  والأبواب مغلَقة، والنسوة محتجبات، والرجال خارج المدينة يقاتِلون، والأطفال صامتون، ودوي القنابل يرُج الأسوار العتيقة وينشر الفزع ...
ما زال يسير مرتبكًا وكأنه يبحث عن بيتٍ يطرق بابَه، أو وجهٍ مليح يطل من نافذة علوية، أو طفلٍ يحتفظ ببراءته رغم دوي القنابل، ما زال يسير مرتبكًا محبَطًا لأن العتمةَ تفسِد صوره وتحوّل معالِمي العتيقةَ لعفاريت وأشباح داكنة ولا تنقل جمالي وعراقتي بتفاصيلها لصورته التي التقطَها..
عُد في وقت آخرَ يا سيدي ، فهذه المدينة ما أجملَها وقتما تحتفل بالحياة...
عُد في وقت آخرَ يا سيدي ، اليوم نحارب وغدًا ننتصر
عُد وزُرْني وقتَ الاحتفال بالنصر ، ستلتقط وقتَها صورًا رائعة تمنحك لقطاتٍ أجملَ كثيرًا مِن كل ما تتمناه وتتصوره ..
عُد في وقت آخرَ يا سيدي !!!




نهاية الجزء الأول
ويتبع بالجزء الثاني 

ليست هناك تعليقات: