مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 4 يوليو 2014

وهج وردي اخر الليل ..... الجزء الثاني


الجزء الثاني  



ماخابرش ليه الوجع
ما بقاش بيوجعنى
و ليه دموعى السخينة
دايما ترجعنى
للى مضى و انقضى
و ارحل ... ترجعنى
بادق بابك .. يا تفتح
يا ترده ....يوجعنى





                                                        "وعشت نصيبي المقسوم والمكتوب"
                                                                                      منورة


سألتني جدتي نفيسة عن رأيي في العريس الذي تقدم لي ، سألتني وهي لاتنتظر اجابتي ، فالامر محسوم وهي وافقت علي العريس وامي صمتت كالعاده ، سألتني وهي تنتظرني اشكرها لانها تفضلت علي كعادتها باهتمامها واعتباري ، لطمت ومزقت شعري وصرخت ارفضه ، افصحت لجدتي عن رغبتي في اكمال تعليمي وحصولي علي شهادة كبيرة مثل اقراني من ابناء وبنات العائلة ، زي مايسة بنت خالتي رضوي ، زي مها بنت خالتي الفت وزي كل بنات العيلة اللي عايشين في مصر وانا لااقل منهم ولا اخيب ، لطمت ومزقت شعري وهددتها احرق نفسي بوابور الجاز ، سخرت جدتي مني وشرحت لي اني لست مثلهم وهم ليسوا مثلي وانا عارفه وفاهمه ، وان الطينة غير العجينة ، وان البنات اللي زيي اخرة مشوارها الزواج واللي اخره معروف مالوش لزمه نتبغدد عليه ونتكبر .. رفضت وتمردت وصممت ، كنت اظني ساهزمها ، لم افطن لما اضمرته لي ، لم ادرك كيف ستجبرني علي الزواج من العريس العرة الذي فرضته علي ..
استغثت بامي لتنقذني من مصيري الذي رسمته جدتي نفيسة وامرت وحكمت ، امي صامته كأنها تقول لاقرار لها في شأني ولا في شأنها ، صامتة امي كعادتها منذ تحكمت جدتي نفيسة في حياتها وحياتي ، صامته وكأنها تمثال بجم لاتملك ارادة ولا قرار ...
شكوت جدتي نفيسة لجدي مرتضي ، قلت له اني لاارغب في الزواج ولا لايعجبني العريس الغلبان الباشتمرجي الذي انتقته لي جدتي نفيسة ، بكيت له ورجوته يساعدني اكمل تعليمي كمثل مايسة ومها وبقية بنات جدي مصطفي  ، حدق جدي في وجهي طويلا كأنه يقول لي انهن حفيدات مصطفي ولسن حفيداتي وانا غير مصطفي وانتي غيرهن ، حدق في وجهي طويلا و ربت علي كتفي وقال لي ان نصيبي في الحياه مقسوم ومكتوب ولااحد يهرب من نصيبه وسلو البلد البنات تتجوز وتخلف وتفتح بيوت وتعمرها وسلو البلد علي رقبتي ورقبته واللي رايده ربنا يكون ..
شكوت لجدتي تفيدة ام ابي من جدتي نفيسة المستبدة الظالمة  ، اشاحت لي جدتي تفيده لايعجبها كلامي ونصحتني اطع جدتي نفيسة لانها من ربتني وكبرتني وصرت لها ابنة وعبدة ، تصورت جدتي اني ساطالبها بميراثي من ابي ونصيبي فيه فازاحتني بعيدا عن بيتها وقلبها وتركتني لجدتي نفيسة تحكم وتتحكم ، وحذرتني وانا ابكي ارفض مايقرروه لي ، اني يتيمه وماليش ضهر والزواج يخلق لي ضهر وسند وعيله وعزوة واللي مكتوب علي الجبين لازم تشوفه العين ، و..... زففت ليحيي ابن ابو يحيي الباشتمرجي في عيادة الدكتور المتصيت في القرية و..... وعشت نصيبي المقسوم والمكتوب ....


                                                                  " اه يابت جمدي قلبك "
                                                                                       نفيسة


اتصلت برضوي ، انا عمتك نفيسة يارضوي ، ترحب بي بصوت بارد كمثل صوت امها ، لاتحبني ، امها سرقتها من حضننا مثلما سرقت ابيها ، انا عمتك نفيسة يارب تكوني لسه فاكراني ، ترد بادب يخجلني ، باتطمن عليكي ياحبيبتي اخبارك ايه واخبارك ولادك ايه والست والدتك ، انا قاصداكي في خدمه ياحبيبتي ، منورة ، عارفاها ، ايوه بنت سميحة بنت عمك مرتضي ، البنت غريبه في مصر عندكم ، جوزها اتنقل مصر وهي معاه ، انتي عارفاها خايبه زي امها وعمرها ماخرجت من البلد ، تخاف من خيالها وتغرق في شبر ميه ، حاجي عليها يارضوي ، ماهو يابنتي الدم اللي بينكم مش ميه....
ترد علي بادب ، حاضر ياعمتي ، مالي احسها مرتابه فيما اطلبه منها ، اطمئنها ، البنت مش محتاجه حاجه ، وورثها تحت رجليها ، هي بس محتاجه اللي يحاجي عليها ، الغربه وحشه والغريب اعمي ولو كان بصير ، حاضر ياعمتي ...
مكالمه ثقيله علي قلبي ، مرت الايام لاتصل برضوي اطلب منها ترعي منورة ، لولا امها الغريبه التي خطفت اخي واستأثرت به وقطعت صلة اولادها بنا ماكنت احتجت تلك المكالمه ، كانت رضوي عرفت ماعليها وماهو يتعين عليها عمله دون اتصال ، دم المناديلي بيجري في عروقكم ، كل واحد منكم ملزوم بالتاني ومسئول عنه ، ده سلو بلدنا ، ماغريب الا الشيطان ، وكلنا اهل والمليان يكب علي الفاضي ، ده اللي اتربينا عليه وعلمناه لعيالنا ، بيت اي حد فينا بيت الكل والشجره تفرش ضلها علي اللي الشمس حارقه راسه ، ده سلو بلدنا ، لكن مش سلو مصر ، مصر حاجه تانيه ، مصر ابوابها مقفوله في وش الاهل قبل الغرب ، مصر بتقفل الباب عليها واحنا ابوابنا مفتوحه لعابري السبيل والمحتاجين ، مصر خايفه من اللي واقف ورا الباب ، احنا مابنخافش من حد ..
من يوم تزوج مصطفي بالبندريه وخطفته لمصر صار غريبا ، نسي تقاليدنا واعرافنا ومعني الواجب ، قطعت فرعه من شجرتنا فشرد غريبا ، يأتينا غريبا ويعود غريبا ، غرست فرعه في ارضها فضلل عليها وعلي اولادها ونسي العائله والقريه وصله الرحم واهل الود ، تشاجرت معه كثيرا لكن عيونه البليده الزجاجيه حمته من غضبي ، كان يسمعني من اذن ويخرج كلامي من الاذن الاخري دونما اكتراث او اهتمام ، نعم افلحت احيانا اجبره يأتي باولاده لقريتنا ، اتي بهم لكنهم ظلوا غرباء ، لم يمد حبال الوصل مع العائله ، بناته يختلف شكلهن عن بناتنا ، افكارهن شارده مثل امهن البندريه ، رضوي ليست كسميحه ، سميحه طوع ومكسورة الجناح واللي نقوله يمشي علي رقبتها ورقبه ابيها ، رضوي قويه وعينها بجحه ومحميه بامها ، سميحه تطبخ وتكنس وتغسل وتخبز وترحرح العيش ، رضوي في اجازتها تقرأ الصحف وتجلس مع ابيها والرجال ، رضوي صممت تكمل تعليمها واخذت الشهاده الكبيرة اما سميحه فتزوجت بعد الدبلوم وترملت قبلما يمر حولين علي زواجها ، رضوي تأتيني زياره قصيرة وتعود مسرعه لبحرها الذي لاتعيش الافيه وتموت لو خرجت منه ، سميحه تخدمني برضا وسماحه وترحب بالضيوف وست بيت عن حق بس البخت مايل ..
كل هذا اعرفه واكثر ، لكني لم ارضخ ابدا لفادية راس الافعي ، لم اقبل مافعلته في عائلتنا ، فرقت بين الاخ واخيه ، لم اصمت ولن اصمت ، اطارد مصطفي واحنن قلبه ليأتينا ويمد الوصل مع اهله ...
عندما مرضت منورة والحمي عصفت بها ، صغيرة ابنه خمس سنوات ، كانت تهذي وسميحه تبكي ، يومها طالبتها تندر حسنه لاهل الله وقتما تشفي ابنتها توزعها علي اولياء الله الصالحين في مصر ، ارتبكت سميحه وحاروح فين ، عندنا في مصر بدل البيت عشرة ، اقصد بيت مصطفي واولاده ، وقتما شفيت منورة اتصلت برضوي وامرتها تستقبل سميحه وابنتها لتفي بالندر ، وافقتني ادبا ورحبت بزياره سميحه ، لم اقل لسميحه عن حديثي مع رضوي ، طالبتها تتصل بها وتستأذنها ، اسعي لمد حبال الوصل بينهما ، سميحه اتصلت برضوي فرحبت رضوي ، سميحه سعيده وانا اسعد ، بيت بنت عمك بيتك ، لم ارسلها لفاديه ، رغم كل تلك السنوات اراها غريبه عنا ، رضوي بنتها ودماء المناديلي تجري في عروقها ...
سنوات مرت والجفاء يمزق بيننا وبين مصطفي من تحت رأس امرأته راس الافعي ، هي تباعده وانا اقتحم حصونها وافرض عائله المناديلي عليها ، الحق الست مؤدبه لم تخذلني يوما واستقبلت ضيوفنا واهلنا واتت مع زوجها لاداء واجب العزاء وحضور الافراح ، لم تخذلني لكنها لم تحبني وانا طبعا لم احبها ..
امس اتصلت بي منورة تبكي ، الغربه صعبه ياجدتي ، ماانتي يامايله اللي عملتي في نفسك كده ، معرفش حد والحيطان ضجت من كلامي معاها ، افتحي بابك يابت واسالي عن جيرانك ، جامليهم بطبق كحك ، زغرطي في فرح ، صوتي في ميتم ، افتحي بابك يابت ، مصر صعبه ياجدتي صعبه ، الغريب مالوش مكان ، انتبهت فجأ لما تقوله ، يابت اهلك هناك ، وديهم ، زوري بيت جدك مصطفي ، زوري بناته ومدي حبال الوصل معاهم ، مش حيفتكروني ياجدتي ، مين قالك يامايله ، حيفتكروكي ، فكريهم بنفسك ، قولي لهم انك مناديلي وهما مناديلي والدم عمره مايبقي ميه والضفر مايطلعش من اللحم ، اجرب ياجدتي ، جربي يامايله واللي تقفل بابها في وشك تبقي شربت من امها سم الجفا وماخدتش من المناديلي حنانهم وطيبه قلبهم ، تصرخ منورة في التليفون ، اروح ويردوني ياجدتي يرضيكي ، ارفع صوتي غاضبا ، يابت محدش حيردك ، روحي وجربي وابقي بلغيني ، طيب ياجدتي حاجرب ، اه يابت جمدي قلبك ، خبطي علي ابوابهم بقوة لاانت راحه تشحتي ولا راحه تستجديهم يغيتوكي ، راحه تزوري وتودي ، يردوكي ليه ؟؟؟
انهيت المكالمه مع منورة وبقيت افكر في حديثها ، كله منك ياراس الافعي ، لاانسي لها ابدا انها خطفت اخي من حضننا ، اتذكر مصطفي فاترحم عليه ، مبسوط يااخويا ، بنات العيله صاروا غرب خايفين يزوروا بعض والبركه في مراتك وفيك ....
انادي سميحه ، فنجان قهوه يابت وشوية مية عقبال ماتشربي من زمزم ، تأتيني بالقهوة والمياه المزهره وتنسحب بهدوء ، اناديها بتعملي ايه ، ولا حاجه ، طيب ماتقعدي معايا نتساير ، تجلس امامي صامته ، اشفق عليها من ميله بختها وحياتها الصعبه التي عاشتها ، تحدق في وجهي وتهمس تستأذني ، بافكر انزل اقعد عند منورة يومين تلاته ياعمتي اغير جو ، اخبط علي صدري غاضبه ، وتسيبني ، اهون عليكي ااقعد لوحدي ، لو النوبة جات لي وانا لوحدي مين يغيتني ، اموت محدش يدري بي ، انفجر في البكاء ، اهون عليكي ياسميحه ، بصوت خفيض ، تهمس لاماتهونيش علي ياعمتي ، حاضر امرك ، يحضر لك الخير ...


                                                " انتي مش فاكراني ياخالتي ؟؟"                                                                                        منورة


دققت جرس الباب رنة صغيرة وبقيت انصت بتوجس وارتباك لما يحدث خلفه ، انفاسي متلاهثه توترا وخوفا واملا ، انصت لصوت الخطوات الثقيله التي تقترب من الباب الخشبي الانيق ، الهانم موجودة ؟؟ سألت الخادمه ، قولي لها قريبتك من البلد ، اغلقت الباب في وجهي بسرعه وسرعان مافتح ثانيه وخلفه خالتي رضوي بعيون مليئه بالاندهاش والتعجب ، اهلا ياخالتي ، لاترد علي ، قطعا لاتتذكرني ، سنوات طويله مضت علي زيارتي الاولي لبيتها الانيق ، انا منورة ، حدقت في وجهي وابتسمت مرتبكه ، انا منورة واضفت بنت سميحه بنت عمك مرتضي المناديلي ، ابتسمت خالتي رضوي وفتحت باب شقتها الانيقة ورحبت بي وادخلتني لبيتها وعينيها مليئتين بالتساؤل والحيرة ، مالذي رماني عليها بعد كل تلك السنوات الطويلة التي انقطعت فيها علاقتها بامي واهلها في قريتنا البعيدة ، اتفضلي ...
مادت الدنيا تحت قدمي من الفرحة ، يزيد فضلك ياخالتي ، ظننتها ستغلق الباب في وجهي ، ظننتها ستقول لي من انتي ومن امك ، ظننتها ستطردني بثيابي الرخيصة وحذائي البالي ، ظننتها ستأنف تدخلي منزلها الانيق ، ظننتها ستطلب لي الشرطه لتبعدني عن حياتها التي قررت اقتحامها ، لكنها لم تفعل ، قالت لي تفضلي واتفضلت ..
استقبلتني بتوجس ورحبت بي بتوتر ، اجلستني في صالونها الانيق لتؤكد علي نفسها وعلي اني غريبه ولاتعرفني وانها لم تتعرف علي فعلا حتي الان بحق ، خلعت حجابي واطلقت شعري الناعم براحه وكأني في بيتي ، تتابعني بنظراتها وكأنها تستغربني ، امرت خادمتها تأتيني بفنجان من القهوة ، سألتني عن جدي وجدتي نفيسة وعن امي واخوالي ، قلت لها ان زوجي نقل للعمل بالقاهره ، واني غريبه هنا ومقطوعه من شجرة ، واني لااعرف احد هنا الا حضرتك واني وقعت من السما و... الباقي مفهوم ، حدقت في وجهي طويلا ، ربما تصورتني ساقترض منها ، ربما تصورتني متسولة اتيت لبابها لاشحذ ماتجود به ، ربما تصورتني نصابه انتحل شخصيه قريبه لها من بعيد ولست كذلك ...
انتي مش فاكراني ياخالتي ؟؟ سألتها وانا مرتاعة ، هي املي الوحيد الذي اعتمد عليه لينتشلني مما فيه ومما عشته ، انا بنت سميحه ، فاكره سميحه ، فاكره ياخالتي لما جينا انا وامي من زمان ، كنت لسه صغيره ، لما قعدنا عندك يوم واتنين وتلاته ، امي بتحبك قوي ، بتقول انك اختها واكتر ، بتقول انك كريمه قوي وفتحتي لها دارك وكرمتيها ، اذكرها بأمي ، بزيارتنا البعيدة التي لم تبارح خيالي ابدا ، ابتسمت خالتي رضوي وهي تنصت لي ،انا بالامارة فاكرة لما جيتي البلد انت وبناتك وقعدتي في بيت جدتي نفيسة ، فاكره اياميها اتصاحبت انا ومايسة ، كنا بنلعب سوا السبع طوبات وتماثيل اسكندريه ، فاكره ياخالتي ، ابتسمت رضوي وهي تهز رأسها وكأنها تنتظر نهايه حديثي لتعرف سبب زيارتي لها ، الا بالحق مايسة فيه دي واحشاني موت ، لسه مارجعتش من الجامعة يامنورة ، كويسه اني فاكراني وفاكرة اسمي ،  ياخساره كان نفسي اشوفها ، اكرر ، اصلها واحشاني موت  ، اتحدث واتحدث واحكي واحكي واضحك علي مااقوله واقلد لها جدي مرتضي وهو ينهرني وامي وهي تبكي و.............. طلبت لي قهوه مره ثانية ، خايفه اكون معطلاكي ، لا ابدا ، هل تعاملني ببرود ، اكيد ، اليوم تعاملني ببرود ، لكن غدا ، نعم غدا يوم جديد ، جدتي نفيسة بتسلم عليكي ، قوي والختمه ، تبتسم رضوي ، تتغدي معانا يامنورة ؟؟ لا ياخالتي ولاينفع ، لازم ارجع قبل ماجوزي يرجع من شغله ، مره تانيه ، قلت لها ، مره تانيه تكون مايسة موجوده ، انتبهت لكلامي ، لازم ارجع قبل ماجوزي يرجع من شغله ، سألتني جوزك انت متجوزه يامنورة ؟؟ هززت رأسي بأسي كأني اتمني ابكي ، انت صغيرة قوي علي الجواز ، والختمه الشريفه قلت لجدتي نفيسة الكلام ده قسيت علي وقالت لي البنات اخرتها الجواز ، تهز رأسها غضبا ، مالهمش حق يجوزوكي بدري قوي كده ، مش كده والنبي ياخالتي ، غلبت اشتكي واقول ولا حد جارني ، جدتي نفيسة قالت ده سلو بلدنا ومحدش كبير علي عوايدنا ، هزت رأسها وكأنها غاضبه من جدتي نفيسة ومااجبرتني عليه ، نظرت في ساعتي لاطمئنها اني سارحل وقريبا ، احتسيت القهوه بسرعه ولففت الحجاب علي شعري وقبضت علي كيس نقودي واحتضنتها بقوة وودعتها لارحل ، لازم امشي بقي علشان مشواري بعيد ، لم تسألني عن عنواني ولم اخبرها ، كأنها لاترغب في رؤيتي مره ثانيه ، ودعتني وهي تهمس ، ابقي سلمي علي مامتك ، نبرات صوتها تقول لي لاتأتي لي ثانيه ، فهمت رسالتها لكني لن اطيعها ، سأزورك مره واثنين وعشره ياخالتي ولن اكل ولا امل حتي تمنحيني مكانا بينكم فجميعنا عائلة واحدة ، عائله المناديلي !!!
تقف علي باب شقتها الانيقة تودعني ورأسها مليء بالاسئله والتعجب ، ايه حكايتك ، ابتسم بود ، الوقت طويل بينا علشان احكي لك عن حكايتي ، لاتنطق ولاانطق ومافي رأسينا يعتمل ويفور والصمت سيد المشهد ،  قبلما اخرج من الباب سألتها عن رقم  تليفون البيت ، علشان ابقي اكلم مايسة وهي اكيد حتفتكرني ، كتبت لي الرقم علي ورقه صغيرة قبضت عليها بحرص بين اصابعي وخرجت من بيتها وانا احلق من السعاده واعدها بأني ساكرر الزياره قريبا وهي صامته لاتدعوني لزيارتها ، بقيت واقفه علي خلف باب الشقه تراقبني وانا انزل السلم بسرعه وفي عينيها الف سؤال عني وعن سبب زيارتي ، شاهدتها بعيون ظهري وكدت اعود لها لاهديء من روعها واطمئنها ، لاتخافي مني فلاارغب بك شرا كل مااتمناه منك بعض الخير الذي تعيشي فيه ولااكثر ولااقل ، لكني نزلت بسرعه ودقات قلبي متلاحقه من السعاده والتوتر ... اخيرا يامنورة شكل الدنيا ناويه تبتسم لك!!!!


                                                                     وقال الفستان ..........


انزلني صاحب المحل من علي الشماعه العاليه واخرجني من الفاترينه وطواني باهمال يتناسب وكل الحزن الذي ااعيشه في محله الصغير ، الاتربة نهشت انسجتي وتراكمت عليها اهانتها ، كنت فستان جميل ، نعم كنت فستان جميل انيق راق ، ثوب قماش ستان صنعت منه الخياطه المشهورة ثوب حكت عنه الاوساط الراقيه وتحاكت ، رسمت الخياطه الراقية في اجمل احياء القاهره  خطوطي وقصت ببراعه نسيجي وطرزت بايدي بناتها المدربات ورداتي بالترتر والخرز وخرج النجف ، كنت فستان جميل ، صنع خصيصا لفرح سيدة من الطبقه العليا لااعرف اسمها ، بل كنت اعرفه ونسيت ، بل كنت اعرفه واعرفها وكرهتها يوم اخرجتني من خزانه ملابسها الانيقة وامرت خادمتها ترميني في القمامه  ، نعم ، القتني في القمامه  اكتشفت ان الزوج المحترم يخونها مع خادمه اخري ، يومها كنت نائم في الخزانة المظلمة بعد سنوات كثيرة من ليلة الفرح التي انهكتني رقصا وبهجة ، فتحت الخزانه فجأ ومدت السيدة ذراعيها القتني ارضا وداست علي ورداتي الجميله بقدميها ، امسكتني باصابعها العشر وكأنها تتمني تمزقني ، كدت اصرخ فيها لتهدأ ، كدت اقول لها زوجك الذي يخونك ولست انا ، لكني صمت تماما ، فلو نطقت لجنت ، فمن قال ان الاشياء تتحدث ، صمت تماما واستسلمت للمعركه البائسه التي خاضتها ضدي ، القتني ارضي وهي تصرخ وتمزق شعرها ، نادت الخادمه بصوت عالي وامرتها تلقي بي في اقرب سلة قمامه ، ارتبكت الخادمه كنت اراها لاتطع سيدتها ، سبتها لعنتها ، انتي حماره باقولك ارميه في الزباله ، تصورت الخادمه ان السيدة المحترمه جنت ، وطوتني في شنطه ورقيه كبيرة وخرجت تحلق في السماء لاتصدق الهديه العظيمة التي منحتها لها ، القتني الخادمه في صندوق قديم مليء بالتراب واوراق الصحف القديمه تحت سريرها بعدما دعت جاراتها ليتفرجوا علي قماشي وتطريزي والوردات الساطعه في ذيلي ، كذبت عليهن وقالت ان سيدتها منحته له لترتديه ابنتها يوم زفافها ، عيونهن المفتوحه دهشه تؤكد لي انهن ابدا لم يروا في حياتهن البائسه مثلي ....
بقيت في الصندوق القذر طويلا ، حتي تخرجت ابنة الخادمه من المدرسه وخطبت للسائق الذي شاغلها وطوي قلبها تحت ابطه ، اتت خياطه من الحي الفقير واعملت مقصها في ورداتي وذيلي الطويل لاناسب الفتاه النحيفة ابنة الخادمه ، كنت حزين جدا وهي تمزقني ، تمتمت بالدعاء للخياطه الماهره الانيقة التي فصلتني ، قرأت لها الفاتحه لانها احترمتني ولعنت الخياطه الفقيرة وجهلها ، تعثرت مع العروس النحيف في زفتها الفقيرة في الشارع ، مزق السائق ظهري وهو يفترس عروسه ، القاني تحت السرير وبقيت طيله الليل انصت لما يقوله لها وانا خجل ، فالعريس المحترم لم يسمعني مايخدش حيائي اما هذا السائق فهو لايكف عن الكلام الخارج ولا الاصوات الغريبة ، بعد يومين ثلاث من الزواج اتت الخادمه ولفتني في " بؤجه " وخرجت بي من حجرة ابنتها وسارت طويلا حتي وصلت لسوق الجمعه ، هناك باعتني بعشرين جنيه لاحدهم ، اي اهانات اشعر بها وانا اتنقل بين ايدي جاهله لاتعرف قيمتي ، عشرين جنيه ايتها الحمقاء ، لقد خدعك وسرقك ، اه لو تعرفي ثمني وقيمتي ، العيب ليس عليك ، العيب علي السيدة المحترمه التي كرهتني بسبب خيانه زوجها ، اللعنه علي الزوج الخائن وعلي السيدة المحترمه علي الخادمه ، وبسرعه صرت ثوب معلق في محل صغير في حاره ضيقه معروض للتأجير ، نعم ، عرائس كثيرات يأتين للمحل ويتفاوضن مع صاحبه علي قيمه ايجاري ليله واحده اخرج فيها من المحل واعود اليه ملطخا بالعرق واحيانا بقطرات الدماء وبقايا المكياج الرخيص ، انهكت من كثرة الرقص في القاعات الضيقه والنوادي البعيده والشوارع غير الممهده وقت الزفة ، زفه تلو الاخري ، كرهت الافراح وكرهت نفسي ،سافرت كثيرا بين القري والمراكز والنجوع البعيده ، تستأجرني احداهن وتدفع تأمينا كبيرا وتسافر بي بعيد عن المحل والمدينه اقضي الغرض وانهي الفرح واعود لمكاني في المحل الصغير مهزوما غاضبا ، لم اكن استحق كل هذا ...
مازلت اذكر يوم دخلت منورة المحل لتعاين الثوب الذي ستستأجره لليلة زفافها ، دخلت بصحبة سيدة عجوز متسلطه ، دارت منورة في المحل تستعرض الاثواب الاخري وشفتيها ممتعضتين غضبا ، فهمت من حوارها مع العجوز انها كانت تتمني ثوبا جديدا ، نهرتها العجوز علي قلة عقلها والبذخ الذي لاطائل منه ، دي ليلة وحتتقضي ، وقفت منورة امامي طويلا ، لمست باصابعها الرقيقة الستان الناعم والوردات المطرزة واشارت لجدتها ، ده عاجبني و........ سافرت معهن للبلدة البعيدة ، تصورتها ستلقي بها في الدولاب حتي الليلة الموعوده ، لكنها لم تفعل ، علقتني علي شماعه كبيرة ورفعت ذيلي من الارض ، صممت ترفع عن قماشي البقع واثار الافراح القديمه ، احببتها ، احسستها تفهم قيمتي وتقدرني ، ذات يوم انزلتني من علي الشماعه العاليه واحتضنتني ، اخرجت ابرة وخيط وبعض الخرز والترتر واخذت تكمل بنفسها الوردات الجرداء ، تزينها بالخرز وتبتسم ، هل دبت في الحياة مره اخري ، قضت يومين ترتق في جروحي وتزيني بمنتهي الحب حتي بعثت مره جديده للحياه وكأني الان وحالا خرجت من تحت يد الخياطه الماهره ، احببت منورة ووعدتها دون تدري اجعلها جميلة واجمل من الجمال نفسه ، حين خرجت من الحمام بجسدها اللدن الناعم ورائحه العطور تفوح من مسامها ابتسمت ، تمنيت لو كانت هي الالف عروس اللاتي ارتديني في ليلة العمر ، انزلقت بسهولة داخلي واحتضنتها بقوة واحكام ، وسطها الصغير ظهر وارادافها المستديره ازدادت جمالا ، احكمت اربطتي علي ظهرها فبرز ثدييها الصغيرين في شكل جميل ، بقيت ساكنا حتي زينت شعرها بالتاج والطرحه الطويله وتحركت وهي صوب جدتها وامها ، مازلت اذكر نظره الاعجاب والحب التي رمقتها بها امها ، نعم جمالي منحها جمالا وضيائي اضاء روحها بالبهجه ، جحدتها نفيسة السيدة العجوز بنظرة ذات مغزي وهمست لها ياهناه ياسعده ، كانت تتحدث عن العريس الذي لااعرفه ، بقيت ساكنا وهي ايضا ننتظر اشاره الانتهاء من عقد القران ، فتحت جدتها فمها عنوه والقمتها قالب سكر لتصبح حياتها عسل كما قالت ، رفعت امها قدميها وفرشت تحتهما اعواد خضراء كثيرة لتصبح حياتها خضراء وقدميها قدم السعد مطرح ماتخطي الخير يفيض ، بقيت نفيسه ترقيها بالقرأن وامها مذهوله كأن الفرح لايخصها ، تتساقط احيانا بعض الدموع من مقلتيها لكنها تخفيها وبسرعة ، وسرعان ماانفجر الصخب والضجه والزغاريد ودقات الدفوف واتي العريس ... لااخفي عليكم سري ، لم يعجبني ابدا ذلك الرجل ، هي مهره وهو ليس خيالها ، هي عفيه صبيه وهو علي قد حاله ، هي جميله وتحتاج من يقدر جمالها وهو رجل يتزوج ليفتح بيت وينجب اطفال من اي سيدة تصونه !!!!
عندما اغلقت عليهما الحجرة وتقدم صوبها ليخلعني عنها بعنف ، نهرته ، خلعتني برقه وطيبه ، طوت اطرافي وذيلي الطويل ، ارقدتني في قاع دولابها ، وكأنها قبلما تغلق علي ضلفته في الظلام ارسلت لي قبلة شكر ، وكأني ايضا ارسلت لها قبله محبة ... وعدت مكاني للمحل الصغير انتظر الفتيات اللاتي يحدقن في ويتجاهلوني لاني ثوب قديم وكأني خرجت من المتحف وهن يبحثن عن ثوب رخيص ابن حلال علي احدث صيحات الازياء ... عدت مكاني للمحل الصغير وانا ابدا لم انسي منورة ....




نهاية الجزء الثاني 

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

نقلتينا من دفئ العائله وبرودتها
و قمه المشاعر والاحاسيس
التي تجسدت في فستان الزفاف