مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 4 يوليو 2014

وهج وردي في اخر الليل .... الجزء السادس


الجزء السادس  




ماخابرش ليه الوجع
ما بقاش بيوجعنى
و ليه دموعى السخينة
دايما ترجعنى
للى مضى و انقضى
و ارحل ... ترجعنى
بادق بابك .. يا تفتح
يا ترده ....يوجعنى





                                                               " حاجي لك بكره نتكلم "                                                                                       مايسة

مابتفكريش تشتغلي يامنورة ؟؟ سألتها واثقه من اجابتها ، سترفض ، ستخاف من التجربة ، مازالت القاهره تربكها ، كل شيء جديد تخاف منه كأن ذئب متوحش سينهش قلبها ، ياريت !! صرخت في التليفون ، بجد يامنورة برافوا عليكي ، كنت خايفه قوي ترفضي ، ارفض ليه هي مش شغلانه شريفه ، طبعا ، يبقي خلاص ...
شرحت لها ان زوجي يحتاج معاونه له في عمله يثق فيها واننا لم نجد خيرا منها لتشغل تلك الوظيفه ، ازرق صوتها وانطفئت بهجته ، لا كده بقي كلام ثاني ، انا صعبانه عليكي وعايزيه تتصدقي علي ، اصرخ فيها ، ايه الكلام الفاضي ده طبعا لا ، هو انا ينفع اشتغل مع المهندس راجي ، افهم انا ايه في شغله ، بقولك ايه ، حاجي لك بكره نتكلم واشرح لك الموضوع ، حتلاقيه بسيط جدا مش زي ماانتي متصورة ، بكره علي 7 بليل حاجي لك اتفقنا ، بصوت مرتبك ، اتفقنا و..... انهيت المكالمة ...
ذكيه جدا منورة ، لماحة ، ارغب في مساعدتها ، زوجها عاد للبلد وطلقها وتركها تعاني الحياه بتفاصيلها المرعبه وصغيرتها في يدها ، ارغب في مساعدتها ولاارغب اتصدق عليها ، ليست القصه مبلغ شهري يصلها تدير بيه حياتها وهي البارعه ويكفيها اقل القليل ، ارغب في مساعدتها ، في اخراجها من الجب الذي اسقطتها فيه جدتي نفيسه وجدها مرتضي والظروف والزمن والبلدة واعرافها المتسلطة ، لم تكمل تعليمها واكتفوا لها بشهاده الدبلوم وزوجوها ، لم يؤمنوا لها مستقبل ، لم يفكروا في حياتها ومصيرها لو طلقت ، الطلاق بعيد عن ذهنهم ، البنات المحترمة في البلدة لاتطلق تتحمل ولاتطلق تسف التراب ولا تطلق فلماذا نفكر فيما لن يحدث ولن نسمح بحدوثه ابدا ، هذه افكارهم وعقليتهم ، ولو مات زوجها وترملت تعود بيت ابيها لتعيش وتأكل وتخدم الاسرة كمثل كل ارامل البلدة ولو ضاقت من الخدمه تلقي باطفالها لاهل زوجها وتتزوج وتنساهم ، هذه قراراتهم واوامرهم التي تسير كالسيف علي رقاب كل الاناث ، لااحد يفكر في مستقبل للسيدة وقتما يغدر بها الزمان ، لكن الزمان غدر بمنورة ، طلقها يحيي بعدما استقال من عمله واصر يعود للحياه في البلدة ، امرها تصاحبه وتعود معه لداره والحياة التي يعرفها ويحبها ، رفضت ، هددها بالطلاق ، كانت تموت وقتما تفكر فيما يتعين عليها تفعله ، فكرت كثيرا حتي نحل عقلها وظنت انها جنت من كثر التفكير ، جافت النوم والحياه ، يحيي يضغط عليها والحياه ايضا ، احلامها تضغط عليها والبلدة ايضا ، العوده للبلده وحياتها الراكدة البائسة اليائسة موت مخيف  ، وبقاءها مطلقه في القاهره بصغيرتيها وحيده بلا سند وبلا عائل وبلا مستقبل موت مرعب  ، تحداها يحيي فتحدته ، اراد يكسر رقبتها فكسرت ظهره ، لن تعود لسجن جدتها نفيسه وسطوه البلده واعرافها وداره التي يحبها وتكرهها ، لن اعود معك ، صرخت في وجهه ، لم يأخذ صراخها مأخذ الجد ، تصورها ستلحق به مرتاعه وقتما يترك ويعود ، لكنها لم تلحق به ، انتظرها يوم واثنين واسبوع واثنين وهي عنيدة مصرة علي موقفها ، استعدي عليها اهلها ليضغطوا عليها لتعود له ، تصورهم سيسافروا يجروها من شعرها ويأتوا بها مربوطه بحبال جبروتهم لتلثم قدميه وتتمناه يصفح عنه ، لكنها لم تفعل ، انتصرت عليه وعلي اهلها ، بيعي العفش ورجعي الشقه لصحابها وارجعي ، مطرح ماجوزك يكون تكوني ، انت ضله ومكان مايمشي تمشي وراه ، رفضت وصممت ، لاانتي بنتنا ولا نعرفك ، لما نموت ماتجيش تاخدي عزانا ، حنفتح الطربه ونقفلها وننصب صوان وناخد عزاكي ونقول بنتنا ماتت ، اخواتك حيجيوا يربطوكي من ايديكي ورجليكي وياخدوكي في شوال ويرجعوكي لجوزك ، ماعنداش بنت تعصي جوزها وتدور علي حل شعرها ، كل شيء فشل معها ، حاموت نفسي والختمه الشريفه ، خدوني جثه ادفوني وصوتوا علي ، انسوني وقولوا ماتت ولي رب اسمه الكريم ، وانتصرت منورة علي البلدة واعرافها وماتت بامر جدتي نفيسه التي امرت الجميع يقطع علاقته بها ومالناش بت في مصر اسمها منورة ، كانت والله يرحمها ...
سألت نفسي كثيرا كيف تعيش ، كرامتها عزيزة ، تراوغني كلما اقتربت من تلك المنطقه الضبابيه ، كل شيء بيننا مكشوف وكل خصوصياتنا معروفه الا ذلك الامر ، تعمدت منورة تبعدني عن تفاصيل حياتها ، لم تقل لي كيف تعيش وكيف تنفق علي صغيرتيها ، حاولت اعطيها بعض المال رفضت وخاصمتني ، انا مش شحاته ومش حاكون ، لما احتاس في نفسي والنار تجري في القصب والحيل يتهد ، حارجع البلد واللي مكتوب علي الجبين لازم تشوفه العين ...
اقترح علي زوجي اشجعها لتعمل ، دي مابتعرفش تعمل حاجه ، تتعلم ، هي ذكيه وحتتعلم بسرعه ، مابتفكريش تشتغلي يامنورة ؟؟؟
وساذهب اليها غدا ، ساتحدث معها بلاخجل ، ساخبرها انها ذكيه لكنها تحتاج تتعلم كثيرا لتصلح في الوظيفه التي يقترحها عليها زوجها ، ستقبل وستتعلم بسرعه وستنجح في وظيفتها الجديدة وستتغير حياتها بحق فتملك زمام امور حياتها ومستقبلها وتتمرد بحق ولاول مره علي البلدة وتقاليدها واعرافها المستبده وعلي جدتي نفيسة ....


                                                                   وقال المكتب العتيق .....


علي ذات الكرسي وامامي من سنوات بعيدة ، جلس اناس كثر ، جميعهم يأتوني شباب طموح يراوده الامل في شيء جميل لايعرفه وينتهي بهم الحال موظفون غاضبين يشكوا من الرتابه يكسوا ملامحهم ذات التراب الذي يطبق علي انفاسي وسطحي ينتظروا ساعه الانصراف للرحيل وينتظروا اول الشهر لقبض الراتب القليل وينتظروا مغادره المدير للمبني ليكفوا عن الادعاء بالانشغال ومراجعه الملفات الكثيرة المتراكمة فوق سطحي ...
كنت في ذات يوم بعيد ، مكتب خصصني المدير لسكرتيرته الحسناء ، كانت تملأ ادراجي بادوات التجمل وامشاط الشعر ودواوين العشق والغرام ، تقضي يومها هائمه غائبه الفكر ، ذراعيها ملقيتان باهمال جميل فوق سطحي الاملس وعنقها الصغير مسنود عليهما وحدقتيها مفتوحتين غائبتين في افكار فشلت كثيرا لافهمها ، حينما اكتشف المدير انها خامله لاتعمل رفدها واحضر رجل فظ ليكون مدير مكتبه ، فتح الادراج والقي كل مافيها في سله القمامه وشهر بالسكرتيرة السابقة واسماني صالون الحلاقة وصمم يخرجني من غرفته ويأتي بمكتب جديد يناسب جديته وتفانيه في العمل ، القاني الساعي العجوز في غرفه مليئه بالاشياء المحطمة ، وسرعان ماعرضتني المؤسسة للبيع ، اشتراني بائع روبابكيا واحتفظ بي متباهيا بخشبي العريق وتصميمي الانيق وان جار علي الزمن ، بقيت علي الرصيف امام محله الصغير تتراكمي علي سطحي قاذورات الطريق والاوراق التي تلقيها السيدة المجنونه من سطح العقار ، كدت ايأس من حالي وتصورتني قريبا احطم لقطع صغيرة من الاخشاب تشعل "راكية" النيران التي تدفيء مالكي في الليل البارد كل ليلة امام دكانه الصغير ، لكن الرجل الانيق الذي وقف امامي يتأملني ودار حولي اعجابا وفحصا انقذني كملاك حارص من مصير محتوم ، ابدي اعجابه بخشبي وتصميمي ومنح مالكي مااراده من سعر وحملني بمنتهي الاحترام لشركته الصغيرة ، سمعته يصف جمالي لزوجته ويؤكد لها انها ستبهر وقتما تراني ، جلب لي نجار واوستورجي وطلب منهما يعيدا بهائي مثلما صنعت منذ سنوات بعيدة ، الحق بذلا كل ماقويا عليه من جهد ببراعه ودقه فسطع سطحي كالمرآه وتحررت من الجلخ والقاذورات وكفت قوائمي عن الصرير وتحولت لقطعه فنية كعروس ليلة زفافها ، ابدت مايسه زوجه رجاء مالكي الجديد اعجابها بي ، بل عبرت عن انبهارها بشكلي وحاولت تبحث عن توقيع ممسوح علي احد ادراجي هنا او هناك يكشف عن شخصيه الصانع البارع الذي نحتني من جذع البلوط الكبير ، طلبت مايسه من رجاء يحلمني لمنزلهما لكنه رفض وتشبث بي وقص عليها قصتي وانه يتفائل بي وساكون قدم السعد علي شركته الصغيرة واكد لها اني ساكون لمدير مكتبه وفي صدر الصاله الكبيرة التي سيمر عليها زبائنه قبل الدخول لحجرته ، ابتسمت فرحا ، اخيرا عثرت علي من يقدر قيمتي ويقدرني ، حملني رجاء ومساعده لصدر الصالة التي احتفت بوجودي كأني زهرة جميله وسط الحديقة الغناء ، احضر رجاء قرص زجاج بنور ساطح فوق سطحي ليحمي قشرتي الرقيقة من انفلات الموظفين وساعه غضبهم وتراكم الاتربه تشوه جمالي ، انتظرت بعض الوقت حتي اتت السيدة التي خصصت لعملها ، منورة ، هكذا قالوا اسمها فابتسمت ، اسم غريب غير مألوف ، سلوكها المرتبك يفصح لي وانا الخبير في شئون الموظفين والاعمال عن انعدام خبرتها وعلمها ، جلست تحدق في سطحي وكأنها تري وجهها فيه ، اخرجت من حقيبتها الرخيصه منديلا قطنيا ومسحت وجهي بحب وازالت بعض نثرات التراب التي تسللت من النافذة القريبة ، احببتها واطمئنيت لها ، ستحافظ علي كما ينبغي عليها وكما استحق ، خفت منها في البدايه تحفر احرف اسمها الاولي بسن الابرة علي سطحي وتوخزني ، خفت تترك التراب يتراكم علي وجههي ويكتم انفاسي ويخنق مسامي ويسمح للسوس يبني اعشاشه بين اعصابي ، خفت تلسعني بكوب الشاي وتحرق قشرتي الانيقه ، لكنها ابدا لم تفعل اي شيء من تلك الجرائم التي طالما صادفتني ، بالعكس ، كانت تهدهدني وكأني ابنتها الصغيرة ، تمسح وجهي مرتين وثلاث في اليوم الواحد ، وتفتح ادراجي وتنظفها وتضع بعض الاوراق الصغيرة تحت اقدامي حتي لا اتراقص بطريقة مهينه لاتتفق ووقاري الجميل ، في البدايه كانت مرتبكه ، كنت اشعر ببدنها يرتعش وقتما يدق رجاء مديرها الجرس ويناديها ، ترتعش وتنتفض وتتلعثم الكلمات في حلقها ، في البدايه كانت خائفه ، لكنها ذكيه وسرعان ماتمالكت نفسها وفهمت تعليماته ونفذتها وتعلمت وبسرعه ، ذات يوم مبهج سمعته يشيد بها وببراعتها في العمل ويخطرها انه سيرفع قيمه راتبها لانها اذهلته بذكاءها وقدرتها علي التعلم ، يومها شاهدت لاول مره دموع فرحها وسمعت صوتها ضحكاتها الهامسه وهي تتحدث لصديقتها التي لم اسمع اسمها جيدا وتقص علي كل ماحدث في يومها الجميل كما وصفته ...
احببت هذه السيدة وتفائلت بها واحببتني ، سمعتها ذات يوم تهمس لي تشكرني لاني كنت سبب سعدها ، انت ايضا سبب سعدي ياسيدتي ، نورك اشع ببهاءه علي روحي فاحياها وكأني مازلت صغيرا في الغابه تتقافز حولي السناجب ، زرعتيني في ارض فرحتك و..... احببت هذه السيدة ومازلت احبها وانتظرها منذ لحظه رحيلها عن الشركه وحتي عودتها في النهار التالي ، انتظرها بشوق وكأني امي التي لاارغب تفلت كفي الصغيرة من يديها وكم عانيت ايام العطلات الرسمية ووقت اغلاق الشركه من غيابها وتمنيت الا تغيب ابدا .... لكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه ، يومين مرا واليوم هو الثالث وهي غائبه ، التراب يتراكم بين مسامي يخنقني واكواب الشاي المبتلة تطبع قبحها فوق زجاجي الساطع ، تمنيت لو اعرف منزلها لاذهب لها واحضرها عنوه لتهتم بي ، تمنيت لو اعرف رقم هاتفها فاتصل بها واطمئن عليها ، تمنيت لو كنت انسان يملك اراده وقرار فاترك الصاله الكبيرة للشركه وازورها في منزلها للسؤال عنها ، سمعت رجاء يسأل عن صحتها بصوت قلق ، فهمت من حديثه مع زوجته ان السكرتيرة البارعه مريضة ، بكيت حزنا عليها ، نعم بكيت وهل تتصورن انتم فقط انكم من تشعرون وتتوجعون وتتألمون وتحزنون ؟؟؟ بكيت ودعوت لها بالصحة وتمام الشفاء وانتظرتها تعود لكن انتظاري طال وطال ومازالت انتظر ، و..... الف سلامه عليك ياست منورة ، الف سلامه عليكي .....


                                                               " ماتبقيش خايبه زي امك "
                                                                                      منورة


تدخل مايسة الحمام وهي فرحه ، ازغرد ، منورة ياام العروسة ، ترتبك مايسه ، لاتصدق ان سالي كبرت وستتزوج وان العمر جري خلف ظهرها ، تحدق في ابنتها الوحيدة وكأنها لاتصدق ماتراه امام عينيها شابه صبية جميلة ، اللهم صلي علي سيدنا النبي اهمس واخمس في وجه مايسه ، ماتبحلقيش فيها كده لاتتنظر ، تضحك سالي فرحة وتضحك مايسه مرتبكة ، اشاكسها فاكره ليلة دخلتك وراجي ، يتشعل وجهها احمرارا ، مازالت تخجل من كلماتي وبجاحتي ، ومازلت اشاكسها عامدة ، سنوات مرت طويلة علي اخوتنا ، لااقول صداقتنا فانا وهي لسنا اصدقاء ، صرنا شقيقتين ، تجري في عروقنا دماء واحدة ، بذلنا مجهودا مرهقا معا لنتجاوز كل الفروق بيننا ، لنعبر العثرات والفجوات الواسعه بين مصر الجديده وبلدتنا الريفية الصغيرة ، بذلنا مجهودا مضنيا وصرنا شقيقتين ، لكن مايسه مازالت متحفظة تخشي من بجاحتي ووجهي المكشوف وانا اختنق من ادبها الجم ، لكنها تعلمنا معا وعبر الف موقف صعب وشائك ، تعلمنا نتقبل بعضنا البعض علي مانحن عليه ، اليوم حنة سالي ابنة مايسة ، اقسمت برأس ابي الذي لم اراه لاتي لمنزلها واحممها وانزع الشعر من جسدها وارطبه بالكريمات وانعمه كالحرير ، رفضت مايسه في البدايه واكدت لي انها حجزت لهنا في النادي الصحي وانهم سيتولوا امرها ، خبطت علي صدري بطريقه ازعجتها ، تاني ، لامتني وكأنها تقول لي لم تنسي البلدة وحركات النسوة فيها وطريقه جدتنا نفيسه ، ايوه تاني ، تمردت عليها وعلي تقاليد مصر الجديدة وخنقة الروح التي تعيش فيها ، اكدت لها اني سالي مثل نرمين ونسرين ، ابنتي ولن اتركها للغريبات يعبثن بجسدها واني التي ساجملها بالطريقه " الفلاحي الاصلي " وغمزت لها بطريقه موحيه ففهمتني وارتبكت وخجلت وتركتني افعل ماقررته دون اعتراض ...
وصلت لمنزلها وسحبت سالي من ذراعها للحمام ، رفعت عقيرتي بالزغاريد والاغاني التي حفظتها في ليالي الحنة في البلدة ، امتلأ الحمام بالبخار فرسمت علي مرايته الساطعه قلبا وكتبته في منتصفه اسمها واسم عريسها ، سالي فرحة وانا ايضا ، اخذها في حضني وقتما تتوجع ، وافتح عينها علي ماستلاقيه وهي خجله مرتبكه ، اقص عليها ليلة دخلتي علي ابو البنات ، وكيف خرج خالي بامارة الشرف علي الرجال فاطلقوا النيران فخرا وتكومت مكاني علي الفراش لاارغب فيه يقترب مني ، همست سالي ، ده كان زمان ياخالتي ، ابدا وحياتك ولسه لدلوقتي بس اللي تسلمهم بناتها تستاهل ، طفت الاحزان علي روحي وكدت افسد لحظه الفرح التي تنتظرها سالي طويلا ، نفضت الغلب عن روحي وتشبثت بمكاني الجديد ومكانتي المختلفه عما كنت عليه في البلدة في رقبه يحيي الباشتمرجي وتحت سطوة جدتي نفيسه وقله حيلة امي سميحه الارملة مكسورة الجناح ، دخلت مايسه الحمام تتابعني وانا اجمل ابنتها ، سألتها عن ليله دخلتها ، ارتبكت ، ضحكت وغمزت لهنا ، ماتبقيش خايبه زي امك وضحكنا جميعا والوقت يجري سريعا وكأن كل ماعشته لم اعشه وكأني ولدت سعيدة وفرحة وهانئه وفي فمي معلقه ذهب وحظ اخضر تحت قدمي ....
كيف وصلت لحمام مايسة اهيئ ابنتها لليلة عرسها ، كان مشوار طويل بدأته لحظه خاصمت يحيي ومنعت جسدي عن رغبته الجامحة ولساني لم يخاطب لسانه ، اسبوع و اثنين ، ابكي في فراشي اهدده بقتل نفسي والانتحار بقطع شرايني ، تجاهلني في البدايه وشكاني لامي ولجدتي نفيسة لاني مجنونه ومصممه اجبره يقبل الوظيفه التي عرضها عليه الدكتور الكبير وينتقل للقاهره ، شكاني لهم كلهم ، امي كادت تضربني وهي تصرخ في تطالبني اعقل وانا اصرخ فيها تركت العقل لكي عملت ايه بيه ؟؟ اذكرها بحالها وخدمتها لجدتي نفيسة وقلة حيلتها والايام التي دهستها وترغب منها تدهسني ، جدتي نفيسة طلبتني اذهب اليها لانها لاتقوي علي مشوار بيتي البعيد  ، رفضت اتحرك من فراشي ، رددت مرسالها خائبا لاني اموت ولن اقوي علي الذهاب اليها ، اعرف مالذي ستقوله لي ، اعرف كلامها الخائب عن النصيب والمقسوم والمكتوب واللي علي الجبين ولازم تشوفه العين ، لست سميحه ياحاجه لتحوليني لخادمة انا ايضا ، لست مكسورة الجناح مثل امي التي استقويت عليها وتمكنت منها واجبرتيها تخدمك بلا اجر وتمني عليها بفراشها ولقمه ابنتها ، لست قليله الحيله مثلها ابكي ولا اغير من حالي ، لن ارضخ لكم جميعا ، اشتكي يحي لجدي مرتضي الذي اتي لمنزلي بعصاه الخشبيه الكبيرة ليضربني بها علي راسي لاني ناشز ولااطيع زوجي وامنع عنه حلاله واعصي امره والملائكه تلعنني في السماء كل ساعه ، اعرف مالذي سيقوله ، صرخت في وجهه ولطمت علي وجههي ومزقت شعري وهددتهم القي بنفسي من الشرفه وان موتي اهون واقرب لي من طاعتهم في خراب حياتي ودمارها ، فرصه وجت لي ياناس اسيبها تفلت من ايدي ازاي ، نعمه وربنا وهبها لي ارفضها واستغبي واعيش زي الحمار من الغيط للدار رايح جاي ، يحدق بي جدي مرتضي ولايصدق مايسمعه مني ، لايصدق شكواي من حياتي ، لايصدق ماادخرته في قلبي الاسود ضدهم جميعا ، انا اليتيمه اللي رمتوني في بيوت الغرب ، غرب ، ايوه ماهي نفيسة دي اختك انت ولاتقرب لي ولا انا من لحمها ولا من دمها علشان تسيبوني تأكلني وتجبي علي وتسمم بدني بكلماتها عن عيله ابويا اللي رمتني وهي لمتني وكبرتني ، انا الشابه التي قهرتوها بحرمانها من التعليم ، تعليم ، ايوه كنت خدت شهاده ساعدت نفسي بيها واستقويت بمرتب وظيفتها وحفظت كرامتي المتهانه ، انا الشابة التي اجبرتوها علي زيجه فاشله ، يحي وحش ، لا مش وحش لكن مالوش مستقبل ولا لينا امل معاه يعيش باش تمرجي ويموت باش تمرجي يضرب حقن ويشرط تطعيم ويقيس الضغط والمرتب تلاته تعريفه لما يزيدوا يبقي خمسه تعريفه واللي نعيش فيه نموت فيه وعليه لاحد يحس بينا ولا لينا مكان في الدنيا ، يسمعني جدي مرتضي لايصدق ما اقوله ، يحيي يلتصق بالحائط وانا اصرخ في وجه جدي مرتاعا ، هذا خط دفاعه الاخير ليكسر رقبتي لكني كسرت رقبه الكل ، استقويت عليهم جميعا مثلما استقووا علي جميعا ، الفرصه جت لحدي يرفضها يبقي لاجوزي ولا اعرفه وحاموت وذنبي في رقبتكم كلكم ، اصرخ في جدي مرتضي فيرتعد يحيي خوفا علي ، نعم يحيي يخاف علي وعلي زعلي ، يحبني ولا يقوي علي زعلي ، اعرف هذا لذا قررت انتهز فرصه الوظيفة لادهسه باصراري ، اما يخضع لي واما يخسرني وللابد ، وحياة رحمه ابويا يايحيي لاانت جوزي ولا اعرفك لغايه مانروح مصر ، هناك انا حبيبتك وخدامتك وانت حبيبي وتاج راسي ، هددته ونفذت تهديدي ، ابكي واستعطفه ، نقب علي وش الدنيا يايحيي زي بقيه خلق الله ، قصدك زي عيله جدك مصطفي ، وماله ايوه هو ده قصدي ، هما احسن منا في ايه ، ومانبقاش زيهم واحسن ليه ، يامنورة صلي علي اللي حيشفع فيكي ، عليه افضل الصلاة والسلام ، اقاطعه ولااترك له فرصه يكمل حديثه ، انا قلت اللي عندي ومافيش عندي غيره ، تركت فراشه باردا وكلمته مكسورة ، حاصرته بدموعي وقهرة قلبي وعلة جسدي الوهن الاصفر ، حاول يحيي يكسر ارادتي ولم يفلح وحاصرني باهلي ليكسروا رأسي العنيد فتوحشت عليهم دفاعا عن فرصتي الاخيرة في مكان تحت الشمس في العالم الذي احلم انتمي له ، حاول وحاول وفي النهايه اتاني راضخا ، انا كلمت الدكتور وقلت له اننا نازلين مصر و.......... صرخت من الفرحه وقبلته وزغردت ومنحته اجمل ليل حب لم ينساها ابدا و............. نزلنا مصر التي تمنيتها ولااعرفها وحين عرفتها متوحشه قاهره حاولت تكسرني ، كسرت قلبي ونفسي وروحي واستقويت عليها وعشت فيها اصارعها وتصارعني وكان ماكان ...
مازلت ازغرد واتراقص وسالي تضحك ومايسة تدخل علينا الحمام وتخرج فاغني بصوتي الفرح ماتزوقيني ياماما قوام ياماما ..... ونضحك جميعا واضحك فرحة سعيدة !!!


                                                                       وقال الخرطوم ......


اكره هذا اليوم ، كلما تذكرته اكرهه واكره نفسي ..
كنت ملقيا علي ارض الحمام كعادتي في نهايه اليوم ، انهت سميحه تنظيف المنزل وغسيل الجدران ومسح الارض ، لملمت الطست والجردل والمقشه وكومتهم في الجانب المظلم من الحمام المهجور الذي كان مخصصا للخدم وقتما كانوا يملئون البيت صخبا ونميمة ، ملقيا علي ارض الحمام كعادتي واكاد اغفو ، فجأ فتحت السيدة العجوز صاحبة المنزل باب الحمام ، تصورتها كسرته ، دفعته بقدميها وذراعيها بقوة ، كان ينخلع ، الرعب افزعه فكاد يهوي محطما ، فتحتي عيني مرتاعا ، ربما لصوص يداهمون البيت وسيسرقوا النحاس المتراص في السندره العاليه ، انتبهت لما يحدث وبصيص نور صغير يتسلل لقلب الحمام من الصاله البعيدة ، وجدتها شعثه الشعر مرعبه الملامح ، تضرب الاشياء بقدميها وكأن عفريتا تلبسها وافقدها صوابها ورزانه سنوات عمرها ، تبحث عن شيء لااعرفه ولا اي شيء في الحمام المظلم يعرفه ، فجأ ، قبضت علي رقبتي وروحي وسحبتني من علي الارض وخرجت كالمجنونة تجري ، تجرني خلفها علي الارض فأتألم واكاد اتوجع بصوت عالي لكني اكتم انفاسي لاعرف مالذي سيحدث ومالذي ستفعله تلك المجنون ، تصورت ان سميحه لم تمسح ارض الصاله جيدا وان العجوز ستفتح الماء وتملأ جوفي به وتفرغني علي بلاط الصاله تقهر سميحه لتمسحه مره ثانيه ، لكنها عبرت الصالة وضربت باب الحجره الكبيرة بقدمها ودخلت علي منورة ، نعم ، اسمها منورة ، انها الفتاه الصغيرة التي تعيش في هذا البيت الواسع مع جدتها تلك العجوز الخرقاء ومع امها تلك الشابة المنكسرة ، اقتربت العجوز من منورة ورفعت ذراعها التي تقبض علي روحي ورفعتني في الهواء والقتني بشكل مباغت علي جسد منورة ، صرخت منورة وصرخت انا ، بسرعه فهمت مالذي يحدث ، انها تعاقبها بالضرب المبرح واختارتني من دون ادوات المنزل واشياءه لتستخدمني في وجعها ، غضبت بشده مما تفعله تلك العجوز بي ، حولتني لسوط حارق ، انهالت ببدني علي جسد منورة تكيل لها الضربات في كل مكان من جسدها ، تصرخ فيها كالمجنونه ، بل وهي فعلا مجنونه ، تصرخ فيها ، معندناش بنات تختار رجاله ، لاتقولي ده باحبه ولا ده باكرهه ، ناقصه تقولي عاشقه وعايزه اللي عشقاه ، تصرخ وتمزق جسدها بسياطي ، لن اشارككي في تلك الجريمه ، اتلوي بين اصابعها فتخيب الضربه وتخيب الثانيه ، يزداد جنونها ، تحكم اصابعها علي وترفعني لاعلي مايصل اليه ذراعيها وتنهال علي ذراع منورة العالي، تختبيء منوره داخل نفسها ، تحمي جسدها بذراعيها ، تتقي الضربات وتفر وتقفز ، تحجل وتتقافز ، يزداد جنون السيدة المجنونة ، ماله يحيي ، مش عاجبك ليه ، فاهمه روحك ايه ، بنت قنصل الوز ، ابوكي سابك الابعديه وبتتشرطي علي حسها ، اشحال ماجدتك داست علي ميراثك وقالت جبرنا ، اشحال ماابوكي مات وسابك بين ايدين الله وكبرناكي صدقه ، اشحال ماامك كسرت ضهرها عليكي ، اخرة المتمه تقولي مش عاجبني ومش عايزاه ، من امتي البنات المحترمه بتنطق ولا تقول اه ولا لا ، مين اللي فتح عينك وقواكي علينا ... تصرخ منورة وتصرخ واصرخ انا واتمني اتمزق نثرات صغيرة بين اصابع السيدة العجوز فلاتفلح تستخدمني لاهانه منورة وتمزيق جسدها الجميل ، منورة تصرخ وتصرخ وكأنها تخيفها لكن عيونها متحجرة كقوالح الذره في المنقد قبل اشعاله ، لادمعه تسترق قلب العجوز ولا رجاء يوقف جنونها ، تصرخ منورة لتخيفها ، تدافع عن نفسها بالصراخات المفزعه ، كله كوم يابنت سميحه ويحيي كوم ، مدام احنا وافقنا وادينا له كلمه مالكيش بعدينا كلمة ، احاول الفرار من قبضه العجوز لانقذ منورة ، اين سميحه ، اين تلك الام البليدة لتنقذها من جنون العجوز وتحميها ، اختفت تماما وكأنها تركت ابنتها فريسه للعجوز المجنون تلتهما وتمزقها اربا اربا ، اكاد اقول بضمير مستريح اني اكره سميحه ، كتب الكتاب الاسبوع الجاي واياكش تتملعني وتفتكري نفسك ياما هنا ياماهناك ، اللي حكمنا بيه حيمشي عليكي وعلي رقبه التخين واسالي امك عن غضب جدك لو قيامته قامت ، حيدفنك بالحيا ويقول داسها حمار ،انت حرة ..
تلقيني علي الارض فاكاد ازحف كالثعبان بعيدا عن نظرها ، ساختبيء تحت السرير ، تحت الكليم القديم ، تحت الارض ، ساهرب واعود لمخبيء ، لن اسمح لها تضربها بي تاني ابدا ، اشفق علي الشابه التي تضرب صامته لاتبكي وتسمع كلام سمم روحها ولا ترد عليه ..
في تلك اللحظة ، دخلت سميحه تجري من الباب لاتفهم مالذي يحدث في غيابها ، ابعدتها عمتها عن البيت لتنفرد بمنورة ، تصرخ ملتاعه ، فيه ياايه ياعمتي ، فيه ايه يابت ، عملتي ايه ، تجحدها منورة بنظره عتاب وغضب وتبقي صامته ، تشرح لها عمتها ، البت فارده قلوعها ومستوقيه ، ماهو العيب منك لو كنتي كسرتي ليها ضلع كان زمانها طوع ولمت نفسها ، لاتفهم سميحه وتتمني لو نطقت منورة وفهمتها مالذي يحدث ، البت مش لادد عليه العريس وبتقول عايزه اكمل تعليمي ، البت فاهمه انها ليه كلمه وشورة ، قلت افوقها ، وكأن تلك الكلمه الاخيرة كان وقود الحمق الاكبر ، انقضت نفيسة علي منورة تمزق وجهها باظافرها ، تشد شعرها ، تعضها في ذراعها ، القت سميحه بدنا علي منورة لتحميها من جنون العجوز وحمقها ، العجوز لاتكف عن ضربهما معا ومنورة لاتكف عن الصراخ وسميحه تتوسل لعمتها لترحم ابنتها ، حتتجوزه ياعمتي وحياه النبي حتتجوزه ، حتسمع كلامنا وتتجوزه ، صح يابت ، لكن البت لاتنطق ، اهي بتقول اه اهي ، اهي بتقول موافقه ياعمتي ، صح يابت ، لكن البت لاتنطق ، حقك علي ياعمتي ، جميلك علي راسي ، حقك علي خلاص هي فهمت غلطها وحتسمع الكلام ، صح يابت ، لكن البت لاتنطق ....
اتابع المعركه الحمقاء من مخبيء تحت السرير ، تبحث عني العجوز المجنونة ، تبحث عني لتكمل علي حفيدتها تمزق بدنها ، اكاد اتدخل في المشاجره واردع العجوز والف كفيها وقدميها مع بعضهما واقيدها في سريرها ابعدها عن منورة ، لكني لااملك الا ابقي مكاني وكأني مجرد شيء لاوجود له ولاانتباه ، كثيرا تمنيت لو دبت في الحياه كحياتهم ، لكن حياتي التي اعرفها وهم لايعرفوها لاتسمح لي اتدخل بينهم ، ارحميها بقي ، ارحمها يارب ... همست داعيا ربي يستجيب دعائي وجسد الشابه احتقن وصار قانيا كالبلح الزغلول قبل حصاده ، فجأ ، القت العجوز الحمقاء جسدها علي الفراش متسارعه الانفاس مرهقه من كثره ضرب الشابه واصرارها علي كسر رقبتها ونفسها ، اشاحت لسميحه ومنورة للخروج من الغرفه ، هاتي كوبايه مره وغوري انتي وبنتك بره الاوضه ، خرجت سميحه مسرعه وعادت بالماء للعجوز تسقيها وتروي عطشها ، فهمي بنتك ياسميحه غلطتها فين ، مش ناقصنا فضايح ، احنا ربطنا كلمه مع العريس والفرح الاسبوع الجاي واللي حكمنا بيه حيمشي علي رقاب الكل ولا عندك راي تاني ، صمتت سميحه كسيرة ذليلة ، اللي تشوفيه ياعمتي ....
وتزوجت منورة من الرجل الذي كرهته كره العمي وانا لااعرفه ...
وبقيت في مخبأي شهورا طويلا ولم اسمح لاحد يعثر علي ولا ينضف صاله منزلهم بماء جوفي ، غاضب منهم بل واكرهم في احيانا كثيرة ...
بقيت في مخبأي رغم كل محاولات سميحه للعثور عليا وقتما تصرخ فيها عمتها ، الخرطوم راح فين يعني ، الارض انشقت وبلعته ، ماهو كان معايا يوم مالبت هدت حيلي من كتر ضربها !!!!
بقيت في مخبأي طويلا وانا اكره العجوز والعريس واشفق علي الام انكسارها وانسحاقها وانتظر من منورة غضب عارم ينفجر ذات يوم ردا علي كل الاهانات الي عاشتها بسبب تلك العجوز المجنونة ..



نهاية الجزء السادس

ليست هناك تعليقات: