مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 4 أبريل 2014

حكاية امرأة محظوظة ..... الجزء الرابع


الجزء الرابع

فحبيبة قلبك 
ياولدي 
نائمة في قصر مرصود




( 16 )
عبد الهادي

صرت وحيدا بعدما تزوج كل الاخوة ، انتقلوا جميعا للعاصمة ، لاسباب العمل ورفقه الازواج ومدارس الاولاد ، اغلقت بيت البلد واستأجرت شقة في العاصمة قرب سيدنا الحسين ، شالله ياحسين ، زارتني رجوات واخبرتني انها ستعزل ايضا بجواري وتترك منزلها في البلدة ، هي لاتقوي علي بعدي ولاتتصورني اعيش وحيدا وهي علي حس الدنيا ، وسرعان ماانتقلت باولادها وصخبها لبناية مجاورة ، اعود من عملي لاجد طعامي باردا ، اعدته لي وعادت لمنزلها ، اشفقت عليها ، ماتطبخيش لي تاني ، بكت بالدموع ، ومين يبلعها وانت بتاكل من السوق ، وهو ده اكل ، تبكي وتطهو لي واعود لاجد الطعام باردا متجلدا ، اشفق عليها تعذب نفسها لتسعدني لكن الاكل بارد وفراشي ايضا وقلبي وكل ايامي ، لم افكر في الزواج ، ومن ترضي برجل يقترب من الخمسين ، لو كنت تزوجت في عز شبابي لكانت بناتي اليوم عرائس تنتظر العرسان ، هل كنت سأقبل ازوج اي منهن لشيخ كهل مثلي ؟؟
لازم تتجوز يااخويا ، همست رجوات ، ابتسمت ، وافقها كل اخواتي ، كانوا يقضون نهار العيد في منزلي ، هم وازواجهم واولادهم ، الكل وافقها وتأمروا علي وقرروا يبحثوا لي عن عروس ، واتفقوا يساعدوني في تكاليف الزواج ضحكت وضحكوا ، ده ااقل واجب ، همست رجوات ، لكني لم افعل فيكم جميلة لتردوها ، انتم اولادي وانت ابينا وحان الوقت لتلحق بقطار الحياة وتلعق بعض شهدها و............. تآمروا علي ، كل نساء الاسرة سيبحثن لي عن عروس ، رجوات اوصت معارفها وايضا سعادات اختي الاصغر ، زوجات عبد السلام وعبد الحليم وعبد العليم كلهن اتفقن علي البحث وبمنتهي السرعه عن عروس تليق بكبير العائله وتضحياته وتسعده في العمر الطويل اللي لسه قدامه ...
ام ياسين جارة حماة ابنة رجوات ، نعم بكريتها تزوجت وعاشت في شبرا مع زوجها وحماتها ، ام ياسين جارة الحماة عرضت علي رجوات صور كثيرة لفتيات يتمنين الزواج ، عندما عرفت سن العريس اعتذرت ام ياسين لان كثيرات لن يقبلن يتزوجن من في سن والدهن واكبر وسألتها لو تقبل بالمطلقات او الارامل ، غضبت رجوات من ام ياسين وكرهتها ، اخويا زينه الرجال ويابختها اللي تشيل اسمه وتخش تحت جناحه واكدت عليها " احنا فلاحين ومانمدش ايدنا في ماعون خبز فيه غيرها وعرقنا حامي " ، ام ياسين اعتذرت لها وحماة ابنتها ايضا ، ام ياسين لاتقصد تضايقها ، بالعكس ، ستبحث لها عن طلبها وستجده ...
ايام قليلة واتصلت ام ياسين برجوات وزفت لها خبر العثور علي عروس حمار وحلاوة علي السكين وبنت بنوت وقمراية واهلها ميسورين ومعايا صورتها ..
تحمست رجوات لحديث ام ياسين ، اتصلت بسعادات وزفت لها الخبر واتصلت بزوجات اشقائها واخبرتهم بما اسعد قلبها واتفقن جميعا علي مقابله ام ياسين ومشاهدة صورة العروسة وبعدها يحلها الحلال ...
نجية ، بنت 16 ومعاها توجيهيه فرنساوي ، شرحت ام ياسين لرجوات وسعادات ، حدقت رجوات في الصورة ، وقالت وايه بقي عيبها اللي يخلي ابوها يوافق يجوزها لاخويا ، ضحكت ام ياسين ، الشر بره وبعيد ، خالي من العيوب ياقصب ، وهمست هي الشابه بس سمعها تقيل شويه ، بتسمع والنبي لكن علي قدها ، ضحكت سعادات ولا يهمنا ، اخونا اسد وصوته عالي يهد الهرم ، ضحكت رجوات ، وايه تاني ، خبطت ام ياسين علي صدرها وكأن رجوات اهانتها ، ولا اي حاجه ، والبطيخ علي السكين واللي مايشتري يتفرج ، واتفقت ام ياسين مع رجوات علي زياره الست ام نجيه في بيتها واللي مكتوب علي الجبين لازم تشوفه العين ..
قررت رجوات تخبيء عني الامر كله ، انتظرت حتي تري العروس ولو اعجبتها تتفق وتنهي الكلام ثم تخبرني ، واثقه اني لن ارفض لها طلب ، في الطريق لبيت الست ام نجية اخبرت ام ياسين رجوات ، ان الدكتور ابراهيم ابو نجية راجل مستريح وعنده جنينه مانجو وان نجية اول فرحته وامها جهزتها من وهي في اللفة وعندها من اللي مش عند حد وابوها ناوي يمنحها راتبا شهريا ليخفف عن زوجها ، نهش الديناصور قلب رجوات ، خافت من نجيه التي احست ان ام ياسين تورطها فيها ، اكيد معيوبة ، همست لنفسها ، لكن استقبال الست ام نجية لهما في الصالون واكواب العصير الطازج والكيك والكعك والقراقيش التي قدمت لها ثم الشاي والقهوة والماء البارد بالمزهر ، وحوار جدة العروس مع رجوات عن طيبه قلبها وحنيتها والكردان الدهب الذي ستمنحه لها جدتها يوم عرسها ، كل هذا اسعد قلب رجوات واحست ان الدنيا اخيرا ستبتسم لعبد الهادي الامير اللي مافيش منه ، وحين جلست نجية بجوارها ، لاحظت رجوات بعينها الخبيرة انها تدفس تحت شعرها سماعه طبية ، وحين تحدثت معها اكتشفت رجوات بسرعه ان مخارج بعض الفاظها معيبه ، لكنها بنت بنوت وبنت اصل وابوها ميسور والمانجو ستصل لبيت اخيها اقفاص اقفاص والكردان الذهب من حظه ومن نصيبه وابتسمت رجوات واحتضنت نجية فرحه سعيدة ..
قالت لي نجية بعد سنوات طويله انها لم تعرف رجوات ولا سر الزيارة ولم تبح لها امها بالموضوع حتي حددت ام ياسين ميعاد لذهابي ، قالت لي انها تصورت رجوات صديقة لامها ولم يخطر ببالها ابدا انها اخت العريس الذي اسمه مكتوب علي جبينها لتقضي معه طيله ايام حياتها وعمرها كله ....

( 17 )
يوسف


افتح عيني واغلقهما بسرعة ، مازال النهار بعيدا والليل بخيمته الزرقاء يخيم علي السماء ونافذتي ، الارق ينفر النوم ويحتل مقلتاي التعبتين ، لااعرف كم الساعه ولاارغب ، غفوت عشرة دقائق او اقل ، ايقظني هاتف يخبرني ان جدتي استعدت للرحيل ، ساعات معدوده وستغيب عن عالمنا ، الارق ينقر في عيني كالغراب الاسود ، اري منقاره مغروسا في حدقتي ، سـأستيقظ وانتبه ، ساعد كوبا من القهوه لافيق بسرعه ، ساتحمم بماء بارد لانتبه واطرد بقايا النوم المرهق من عقلي وجسدي ..
سأتصل بالممرضه واسالها عن حال جدتي ، سأخبرها اني سارتدي ملابسي وااتي لهما علي عجل ، لااتمناها ترحل وحيدة ، لايليق بها وبعد كل ماعاشته في حياتها ، ترحل ايضا وحيدة ..
اظن ان الوحدة وجدتي كان رفيقين لم يغادرا بعضهما البعض ابدا ، طيله حياتي اشعرها غريبه ، وسط صخب احفادها وانا طبعا اعلاهم صوت وصراخ ابناءها ابي واخوته وصراخها في الخادمات وشجارها اليومي مع امها حتي ماتت وحزنها الدائم علي جدتها التي افتقدت وجودها ولم تعوضه ابدا بعد غيابها ، رغم زيارات جدتي حياة لها وجلوسهما ساعات طويله يتجاذبا اطراف الحديث مع اكواب القرفه والنعناع الاخضر وادوية الضغط ، رغم كل هذا كانت جدتي وحيدة ، منسكبه داخل نفسها اسيرة الروح وكأنها تخشي تعيش نفسها وحياتها ، كانت تحبني وتؤثرني علي بقيه احفادها ، كنت ابن الغالي الذي رحل في حادث سيارة مؤلم وشم قلبها بوجع الفراق وفقد فلذة كبدها وابنها البكري ، كنت ابن الغالي ، مات ابي في حادث سيارة وصارعت جدتي طويلا حتي اعيش معها وافلحت ، عرضت علي امي ننتقل لمنزلها ، لكن امي رفضت ، صممت تبقي في بيت زوجيتها لان روح سامح بتزورنا هناك ، ردها علي جدتي لم يعجبها ابدا ، حاولت كثيرا تقنعها ان روح سامح في البيت هنا مع كله حبايبه ، حوار عبثي تشاجروا بسببه كثيرا ، وفي النهايه حكمت جدتي ابقي مع امي طيله الاسبوع واقضي معها عطله نهايته ، رضخت امي علي مضض ، اقضي الاسبوع كله معها واقضي نهايه الاسبوع مع جدتي تدللني وتراعني وتقص لي عن ابي اللي كان ابن موت مكتوب عليه يتخطف من الدنيا علشان ينعم بالجنه وجمالها ، عندما اخذت شهاده الثانويه العامه ، قدمت اوراقي لكليه الاثار ، الكليه تلاصق بيت جدتي وقريبه منها ، كأن جدتي دعت لي ابقي معها واستجاب ربها لدعاءها ، تركتني امي مع جدتي بعدما عرض طلبت منها شقيقتي الصغري ان تتزوج معها في الشقه حتي لاتضيع بعد عمر طويل ، يومها فرحت جدتي كأن ابي عاد للحياة ، وانتقلت للعيش معها وتركت بيت امي لها ولاختي وزوجها واولادها ... صارت جدتي امي وصرت انا ابنها وحفيدها وفرحه قلبها ، عمتي فرحت لاني انتقلت للعيش مع جدتي التي كانت تجبرها تترك زوجها واولادها لتزورها وتراعاها ، جدتي حياة فرحت بانتقالي للعيش مع جدتي وهمست لي ، اللي خلف مامتش ، لو ابوك كان عايش كان عمره ماساب امه والبركه فيك ياحبيبي ، كنت سعيدا بصحبة جدتي وقصصها التي تحكيها لي طيله الوقت ، كنت انصت لها فامنح روحها قوة لتحكي وتحكي ، عمتي قالت لي ان عيشي مع جدتي منحها هدفا لحياتها بعدما احست ان دورها في الحياه انتهي بزواج ابناءها وخروجهم جميعا من حياتها ، كانت تشعر نفسها عبئا تتمني زواله عن كاهل ابناءها ، عجزت الا عن منحهم تعبها ومرضها وواجب رعايتها ، تكره جدتي ماتعيشه ، عندما مات ابي انكسر قلبها واكم من مرة دخلت عليها غرفتها وجدتها تبكي وحين تراني تهمس " شوفت خيبتي يايوسف ؟؟ " تهمس وتكلم نفسها ولاتنتظر اجابتي ، كانت مؤمنه وراضيه بقضاء الله وقدره لكن وجع الفراق يحرق قلبها ، تمنت الموت كثيرا ، تشعر ان حياتها بلا قيمه ، عمتي قالت لي ان انتقالي للعيش مع جدتي جدد شبابها ، منحها املا وهدفا ، تراعني وتكمل اللي الغالي غاب عنه وماقدرش عليه ..
كانت امي وجدتي وحبيبة قلبي ، ادخرت لي من معاشها القليل وحين باعت حديقة المانجو التي ورثتها عن ابيها منحتني النصيب الاكبر من ثمنها لاني ابن الغالي اللي اتحرم من السند والضهر ، انحازت لي جدتي كأني ابنها الاصغر الذي منحته لها الحياة كرما لتسند عليه في ايام شيخوختها ...
كنت في الخامسه عشر وقتما مات ابي ، موت ابي كسر قلبها وظهرها واضاف لعمرها الف عام ، كنت اسمعها تبكي في ليلة العزاء اكثر من امي و مني ومن كل اقاربنا ، كنت اقف علي باب البيت اتقبل العزاء مع عمي مصطفي وكل حين واخر اذهب لها ، اجدها متكومة فوق مقعدها ، تربط رأسها بمنديل اسود ، الدموع تسيل من تحت نضارتها السوداء فيضانات حزن جارف ، تشعر بخطواتي ، تفتح ذراعيها لتحتضني ، القي بجسدي عليها ، تغلق ذراعيها بقوة رهيبه لااعرف من اي اتتها ، جسدها يرتج وجسدي ايضا ، تنوح باكية وانا بين ذراعيها ، ياغالي ياابن الغالي ، ياحبيب ياابن الحبيب ، تنوح باكية وفجأ تفتح ذراعيها وتطلقني وتجفف دموعها وتذهب بعيدا ، كنت احس روح ابي تلاطفها ، تهون عليها وجعها ، كأنه يهمس لها انه معها ولن يغيب ابدا ، اعود للمعزين ، عمتي تأتيني وتناديني وتقدمني للمعزيات ليمنحوني بعض كلمات حزنهم ، ابن اخويا ، الله يرحم باباك اللي خلف مامتش ، اعرف اني اشبه ابي لدرجه مخيفه ، هكذا تقول لي عمتي دائما ، اللي خلف مامتش يايوسف ، تاخذني في حضنها وتبكي ، ياحبيي ليك هلته وطلته وروحه الحلوة ، هكذا تقول عمتي وتبكي ....
عشت مع جدتي كثيرا وحين اخبرتها برغبتي في خطبه منال ، فرحت واخرجت كردانها الذهب ومنحته لمنال هديه الزواج ، اصرت اخرج من البيت واعيش شبابي مع زوجتي براحتي وراحتها ، حاولت وحاولت منال نبقي معها لكنها رفضت ، غضبت منها وكدت اؤجل الزواج لاضغط عليها لتقبل ، جدتي حياة تدخلت في الامر وامرتني اتمم زواجي وبسرعه لان جدتي تتمني تحمل ابنائي واخر فرحتها ، اوضحت لي جدتي حياة ان جدتي لن تقبل تفسد حياه منال بخدمتها وعبئها وشيخوختها ، بكيت في حضنها فصممت برحمه الغالي الا اقهرها واقيد نفسي وزوجتي الجميلة بعبئها ، تمنت تموت لو صممت اقيد نفسي بحملها ، بعد الشر ، صرخت فرجتني اتمم فرحتي بسرعه وااتي لها بسامح الصغير وكان لها ماامرت به ..
استأجرت ممرضه لترعي جدتي مع وعد امر عليها كل يوم وصدقت في وعدي ...
رفضت بحدة وغضب اقتراح عمتي لنودعها بيت المسنين لنريحها وتجد من يخدمها ومن تتساير معه وتقضي بقيه ايام حياتها ، خاصمت عمتي لانها قاسيه مثل جدي ، ربما لم تحب جدتي مثلما كانت تحب ابيها ، جدتي حياه تشاجرت مع عمتي وافصحت عن اصرارها تصحب جدتي لبيتها لترعاها لو طرحت عمتي ثانيه فكره دار المسنين ، جدتي صرخت فيهم جميعا وقررت انها لن تغادر بيتها وستبقي فيه حتي تموت الا اذا قرر يوسف يتخلص منها ويودعها دار المسنين ، قالت جدتي وهي تبكي ان يوسف صاحب القرار ، غضبت عمتي لان جدتي انصفت يوسف عليها وهي الكبيرة وهو الصغير ، قبلت يديها وقلت لها انها ستبقي في بيتها معززه مكرمه واني لن اسمح ابدا باي شيء يضايقها ، ابتعدت عمتي عن جدتي بضعه شهور ، غاضبه مني ومنها وسرعان ماعادت تراعاها وتبثها حبها وتشعر خطئها ، وذات يوم افصحت لي في ساعه ندم وخجل عن الحاح زوجها عليها لبيع بيت ابيها واقتسام ثمنه مع عمي واولاده ومع امي ومعنا ، قالت وهي تبكي ، ان الحوجه افسدت عقلها فكادت تعصي ربها الذي اوصاها لاتقل لها اف وتودع امها التي تحبها اكثر من اي شخص في الدنيا دار المسنين ، تفهمت مشكله عمتي لكني ابدا لم اصفح عنها لما فكرت تفعله في جدتي ، نظرت لجدتي ذات يوم وهي نائمه طيبه في فراشها قليله الحيله وسماعتها الطبيه ملقاه علي المنضده  ، سألت نفسي ، متي سترأف الدنيا بها ، وليتني ماسالت هذا السؤال ، فكأنها سمعتني وسمعت صوت روحي فاجابت وهي نصف غافيه ، الموت هو الراحه الوحيده يايوسف ، يومها بكيت حزينا لاني احبها وكنت اتمني الدنيا تسعدها ....
ومازال الليل بخيمته الزرقاء يحاصرني ومخاوفي علي جدتي ايضا ، ايقظت منال لاخبرها اني ساذهب لجدتي الان ، نظرت منال في ساعتها وهمست والنعاس يغالبها ، لسه الفجر ماطلعش يايوسف ، اخبرتها بمخاوفي وقلقي ، احسست انها ستكون ليلة جدتي الاخيرة وتمنيت لاترحل روحها وهي وحيده ، تمنيت افك اسرها ولو لحظه رحيلها فتشعر بعض الدفء والحب وهي تغادر حياتنا القاسيه للبراح ..
وسرعان ماكنت انهب الطريق بسرعه وادعو ربي وقت اذان الفجر الذي داهمني وسط الطريق ، ادعو ربي يطيل في عمرها حتي اصل لها واشاركها لحظه الرحيل الموجعه وموتها الهاديء ... 

( 18 )
نجية

ادخلني ابي مدرسه مثل بقيه الفتيات في سني ، اوصي المدرسين يرفعوا اصواتهم حتي اسمعهم ، اوصاهم يهتموا بي ، حمل لهم الهدايا كي يراعوني ، كنت اخاف من مدرس العربي وانا اري فمه مفتوحا علي مصراعيه وهو يصرخ في البنات زميلاتي لانهن لم يحفظن المحفوظات ، كان يتجاهلني ولايطلب مني اسمع له مااحفظه ، كان يراني مجرد حمقاء صماء لاامل فيها ، كنت احفظ المحفوظات وانتظر دوري لاسمعها له ، نعم كانت بعض الحروف ممزقه بين شفتاي وبعضها مبعثر بين اسناني ، لكني كنت احفظ المحفوظات ، طالبته ذات يوم يستمع لي ، ضحكت الفتاه البدينه الجالسه في اخر الفصل ، تلعثمت وبكيت ، توعدها المدرس يمدها علي اطراف اصابعها يكسرها ، كنت المح في عينيه نظره ساخره من طريقتي في الالقاء ، نسيت اخطركم اني صرت في العاشره وصارت حياة في السابعة ، واني كنت اتكلم كمثل كل البشر ، نعم مخارج الالفاظ سيئه وبعض الحروف ممضوغه لكني صرت اتكلم وصرت افهم معني مايقوله الاخرون حتي لو لم اسمعه جيدا ، تعلمت قراءه الشفاه وصرت اكون معاني تخصني ، من بين حركه الشفتين وتصوري لما تقوله ويخرج منها مع بعض الاصوات الممضوغه التي اكمل معانيها ، صرت اسمع واتكلم ...
هكذا تصور الجميع ، لكني كنت خرساء بجماء كما اري نفسي ، انطق بما يتعين عليه قوله ، اما مااحسه وماشعر به فمكتوم بداخلي ، لااحاول اعبر عنه ، كلما فكرت احكي لامي بعض النوادر اليوميه في المدرسه ، كنت اصمت ، خلقها ضيق وعلي يخنقها بشقاوته الرهيبة ، احس امي علي وشك الانهيار من الارهاق الذي تعيشه مع ثلاث صغار يطالبها ابي بحسن تربيتهم وتطالبها جدتي بتحملهم كمثل كل الامهات الصالحات ، امي مرهقه فكيف ستجد لي وقتا لاقص عليها نوادري وحواديتي ؟؟
كثيرا ما ضبطت امي تحدق في حياة ، نظرات امي لها غريبة ، ليست حبا وليست شفقه وليست كراهيه ، نظرات غريبه ، كأنها تحقد عليها وتحسدها ، وكثيرا مالاحظت دموع امي فتصورت ابي اغضبها لكنها دموع حسرة لان حياة الجميلة الفالحة ليست ابنتها واول فرحتها ولان اول فرحتها غلبانة والدنيا قهرتها قبل ماتفهم يعني ايه الدنيا ، كانت تجلس في غرفة الجلوس وعلي يلهو بمسدسه الذي احضره له ابي ليقتلنا ،  وانا اكتب الواجب وجدتي تشتغل بالابر الخشبية الغليظة كنزة حمراء لعلي ، وهي تسمع لحياة المحفوظات وايات القرأن ، كنت الحظ دموعها التي تواريها عنا كلنا لاني لست مثل حياة ولان حياة ابنة ضرتها لكنها الاشطر والاكثر براعه ، ربما انا الاذكي بل الارجح اني الاذكي كما تراني امي ، لكن حياة تفلح تعبر عن نفسها وانا حبيسه الجدران الفولاذيه ، اكره مشاعر الشفقة التي تحسها امي تجاهي ، احسها مشاعر ظالمة ، هي لاتراني ولاتري مني الا عجز يخجلها ، مازلت الفتاة البلهاء التي لاتنطق ولا تسمع وتصرخ طيله الوقت ، مهما صرت وكنت ، انا في عينيها البلهاء التي تخجل منها حتي لو انكرت ذلك ..
مازلت حبيسة الجدران الفولاذية ، مازلت محتجزة خلف حواجزها العالية ، مازلت احاول طيله الوقت اكسرها اهرب منها اخرج للعالم الواسع ، مازلت احفر باظافري وباصرار علي نعومتها لاترك بصمة تقولي اني لست بلهاء واني فتاة حية افهم واعي واشعر وعندي احلام وطموح واتمني اعيش ، حاولت كثيرا ولم افلح ، امي لم تساعدني وابي ايضا ، مدرساتي تركوني لزميلاتي فريسه يسخرن مني ومن ثقل سمعي ومن مخارج الفاظي ومن طريقه كلامي ، الجميع تركني اسيرة الصمت لايتحدثوا معي كأنهم يخشوا علي مشاعري من ضحكاتهم ونظراتهم الساخرة التي يظنوا اني لااراها ، وتكيفت مع حياتي داخل الجدران الفولاذيه وخلفها ، تعلمت احادث نفسي ، اقص عليها مااتمني اقصه للاخرين واسمع من تجاويف راسي ردها علي وازددت صمتا وانزواء ، زبيده تكبر وتضحك وترقص وانا اشاركها الضحك والرقص والسعاده ، زبيده تفهمني وانا صامته وهي التي اتجرأ واقص عليها مااتمناه واتقبل منها بطيبه خاطر وقلب تصلح لي مخارج الالفاظ وبعض الكلمات التي اتفوه بها بطريقه خاطئه ..

( 19 )
2014

مازلنا في الغرفه الصامته في لحظات النهار المبكر والحي صامت ونجية ايضا ، قضت نجية ليلة صعبة طويلة ، تصرخ طيلة الليل في الممرضه التي ترافقها ، تلطمها علي وجهها لتبعدها عنها ، وحين تناولها اقراص الدواء ترطم يدها وتقذف بالدواء بعيدا ، تصرخ طيلة الليل لايعجبها كل ماتعيشه ، لاتعجبها الممرضة التي تزعجها باهتمام زائف تكرهه نجية ، لايعجبها انها اسيرة فراشها ومرضها وقليلة الحيلة وتحتاج لتلك الغريبه لتعاونها في اكثر امورها شخصية واحراج ، تصرخ فيها تناديها وتصرخ فيها لتبعدها والوجع يتسلل من منابعه لشبكه اعصابها الما وعذاب ، قررت الممرضه تتصل بحفيدها في النهار ليبحث عن ممرضة اخري بدلا منها ، اعصابي باظت من كتر الصريخ ومش قادره استحمل ، هذا ماستخبر حفيدها به وتمهله يومين ليجد ممرضه اخري تستلم منها تلك المريضه العجوز التي لاتكف عن الصراخ ...
وفي النهايه والفجر يوشك يأتي ، يكبس النوم ثقيلا علي نجية يسكن الالم والوجع ويخرس الصراخ ويلقيها علي جنبها صامته وكأنها كيس المخدة المحشو بقطنه .. تتنفس الممرضه الصعداء وترضي نفسها بعملها الصعب وتغري نفسها لتتحمله لراتبه المجزي الكبير الذي لن تجد مثله في مكان اخر ، تحدق في نجية وتدعوا لها بطول العمر ، فهي مصدر رزقها الكبير ، تغمض الممرضه عينيها تستمع بالسكون ، وسرعان ماتتسلل لغرفتها القريبه وتترك الوناسة تضيء الغرفه حتي لاتفزع نجية اذا مااستيقظت فجأ قبل بزوغ النهار ...
نحن في الغرفة قبلما تعود الممرضه بادوية الصباح وقبلما تستيقظ نجية وقبلما يصرخ بائع الخضار السريح بعربته الكارو علي بضاعته وقبلما يطلق سائق اتوبيس المدرسة نفيره عاليا لينزل له التلاميذ الصغار القاطنين في العمارة المجاورة ...
نحن في الغرفه نراقب نجية وجدران غرفتها وسنوات عمرها الطويلة التي انهكت روحها ، نلحظ سماعتها الطبية ملقاة علي المنضدة الصغيرة بجوارها ، ذات مره القتها من اذنها علي الارض وهي تتشاجر مع الممرضه لايعجبها كلامها وهي تهددها تخبر حفيدها بكل العذابات التي تلاقيها منها بسبب عندها وصلابه رأسها وتكبرها علي الادوية وتعليمات الطبيب ، يومها قررت نجية كعادتها وقتما لايعجبها حديث من يخاطبها ، قررت تلقي بالسماعه الطبية بعيدا عن اذنها ليسود صمتا رهيبا تستمتع به بعد الصخب العنيف الذي تزعجها به الممرضه ، حينما خلعت السماعه الطبيه ذلك اليوم لم ترتديها ابدا بعدها ، قررت انها لاتحتاج تسمع مايحيطها فيكفيها كل ماسمعته طيله حياتها ، وحين اتي يوسف ليزورها ويرجوها تعيد السماعه الطبيه لاذنها لتسمع تعليمات الممرضه وصوت محبته وقرأن الراديو ، رفضت واخبرته ان محبته تصلها وتغمرها وانها تسمع صوت القرأن يدوي في اذنها من كثره ماقرأته وانها لن تسمع تعليمات الممرضه التي لاتحترم ادميتها وتعاملها بقسوه وغلظة وفظاظه وتشيلها وتحطها كأنها كيس زباله واسرت اليه انها احيانا كانت تسمعها " تبرطم " وتسبها واحيانا تشكوها في التليفون لصديقاتها ، وانها لاترغب في سماع اي شيء اخر حتي تموت ، وضحكت وهي تخبره بأن علتها التي عانت منها طيله حياتها منحتها ميزه في نهايه ايامها لايملكها الكثيرين ، الموت بهدوء ، واشاحت له بيديها غاضبه وامرته بصوت عالي " ارمي البتاعه دي بعيد عني خالص " ارتبك يوسف لان عقل جدته صار هلاميا لحد لايمكن الاعتماد عليه لتصديق قصصها عن الممرضه المحترمة التي ترعاها ، احس عجزا لايملك غيره امام عندها ورفضها ارتداء السماعه الطبيه ، ربت علي كتفها مستسلما لعندها واحتضنها وودعها ليعود لعمله واوصي الممرضه عليها ، منذ ذلك النهار ، بقيت السماعه الطبيه ملقاه علي المنضده القريبه من الفراش مثلما شاهدناها في الغرفة التي تسللنا اليها ...

( 20 )
ام حياة

تصورت ابنتي اني نسيتها ، لاتعرف اني ابكي كل ليلة منذ فارقتها وحتي الان ، سبعه عشر عاما مرت علي امر ابي لي بترك صغيرتي مع ابيها ، بكيت ولطمت ومزقت وجهي وشعري ، كانت رضيعه وقمر وكنت اعشقها ، ماتصورت نفسي ابعدها عن حضني واعيش بعيدا عن حضني ، لكن ابي صمم يعاقب ابيها بها ، رجوته الا يحرق قلبي ويعاقبني علي مالم ارتكبه ، لكنه صمم وخضعت لارادته كالعادة ، كنت احب ابراهيم ولااري نفسي في كنف رجل غيره ، لكن ابراهيم سيعيد زوجته ام نجية لعصمته ، قررت اغضب في بيت ابي واعاقبه لكني كنت ساقبل ابقي معه زوجه ثانية ، لايهمني انه سيعيدها لعصمته لانه لايحبها ويحبني انا فقط ، ابي جن جنونه واحس ابراهيم اهانه وقتما قرر يأتي لابنته الجميلة بضرة ، اقسم ابي علي المصحف الا ابقي علي ذمته يوم واحد ، كاد يلقي بصغيرتي من النافذه لانه لن يربي للغريب ابنته ، سمعت المكالمه بينهما فعرفت ان سعادتي ذهبت للابد ، تطلقها وتاخد بنتك ، كدت اقبل رجل ابراهيم الا يطيعه ، يسألني عن رايي فاؤكد له اني احبه واني لن اعيش يوما بعيدا عن ابنتي، لكن ابراهيم لم يقوي يكلمني وابي قهرني في وجوده وطلقت وحرمت من ابنتي ..
جننت ، نعم جننت ، هذا مااتذكره عن تلك الايام ، بقي صدري يسكب لبن امومتي لايجد صغيرتي لترتشفه ، كنت ابكي ليل نهار وامزق في وجهي وشعري ، شهور وانا علي هذا الحال ، ارجو امي تتصل بابراهيم ليطلبني من ابي ثانيه ، لو اتي سأتزوجه ولو رفض ابي ، لكن امي لم تتصل به واعتبرت كلامي الارعن جنونا ، فكيف اعصي ابي واكسر اوامره ، وكيف افكر مجرد تفكير في الفرار مع ابراهيم والزواج به دون اراده ابي ، تعاملت معي امي ببرود ، كانها ماتت ، هكذا تقول كلما اشكو لها شوقي لحياة ، لكنها لم تموت وحية وتعيش مع ضرتي وابيها وانا محرومه منهما معا ، اصرخ واصرخ ، احضر لي ابي الاطباء ليشفوني من جنوني ، وفتحت لي امي المندل تبحث عن العمل الردي اللي ضيع عقلي وقرأ الشيوخ علي راسي كثيرا ليباركني ربي ويزيح عني الهم والغم ، كنت حالتي تتحسن احيانا ، لكني حين افكر في حياة اعود لحالتي المضطربه وبسرعه ، نصحت الست دميانة جارتنا امي تصحبني للكنيسة وتوقد دسته شمع للست مريم ام النور ونصحتها الست ام رشيدة صديقة عمرها بأن تحممني بملح رشيدي ثلاث مرات في اليوم لفك الاعمال السفلية ، انصعت لامي كالخرقه البالية اسخر من كل محاولاتهم في شفائي ، علاجي معروف ياقساه القلوب ، صغيرتي تعود لحضني وترحمي من اللبن الحارق الذي يكوي روحي وهو يتساقط قطره قطره لايجدها لترتوي منه ومن حبي ، شهور سته مرت علي حالتي وانا ابكي واصرخ ، عادت الست دميانه لامي بعريس ، ابن ناس وطيب ، علاجها تتجوز وتحبل وتخلف دسته عيال والمسمار يزيح مسمار وان كان ابراهيم عمل لها عمل بالحب والعشق ففتحي حيعالجها ، مدرس في اسيوط وابن عيله غنيه وعارف حكايتها لكنه غواها ، اه والنبي غواها ، من قبل ماتتجوز وهو شايفها ، كان بيدرس في المدرسه اللي علي راس الشارع ، قبل مايتقدم طارت منه وكسرت قلبه ، ولما رجعت راح لاهله في اسيوط علشان يجيبهم وقبل مايبلغهم كان ابراهيم خطفها ، الشاب ياعين امه قلبه مكسور ومستنيها ،كان بيدي ابني درس في العربي وشافها داخله وخارجه من شقتكم ، سألني عنها وعن احوالها ، لما قلت له اتطلقت صدقيني كان حيرقص ، لم تصدق ام حياة ماتقصه عليها دميانه ، حكته لابيها ، طلب يقابله وحدد له ميعاد علي القهوة المجاورة للمنزل ، تمسك بها فتحي واخبره ان حياتها قبله لاتخصه وانه سيتزوج بسرعه ويسافر لان السنه الدراسيه علي وشك تبدأ و............ في الزياره الاولي لفتحي كان لطيفا رقيقا ، طلب من ابي بمنتهي الجراءة يتركنا معا وحدنا ، اخبرني بصوت هامس انه يحبني وانه يعرف اني لااحبه لكنه سيسعدني ، اخبرني اننا سننجب عشرة اولاد وبنات ونكون فرعا قويا في قبيلته ، اخبرني انه سيحملني فوق رأسه قدر مايقوي لو منحته فرصه ، طلبت منه طلب واحد وافق عليه بسرعه ، عايزه بنتي تعيش معايا ، عيني ياست الهوانم ، بنتك بنتي ، وفتحت له باب قلبي ، عاد ابي للغرفة مسرعا مضطربا خائفا انفر العريس لكني بسرعه وافقت علي الزواج ، تنفس ابي الصعداء وهمس التالته تابته وزغردت امي والست دميانه التي كانت تنتظر البشارة والامارة ، بعد وبعد عشره ايام كنت في القطار اتوجه صوب الصعيد مع فتحي ..
عشت مع فتحي ايام عمري السعيده ، نسيت ابراهيم لكني ابدا لم انسي حياة ، الحق فتحي كان يحبني وافلح يلين قلبي تجاهه ، الحق احببته ، وانجبت منه سبعه اولاد وبنات ، ملئوا علي حياتي بهجه وفرحه لكني ابدا لم انسي حياة ، وطالبته الف مره يوفي وعده لي ويأتيني بأبنتي لتعيش معي ، لكنه رفض بحسم واصرار لانه مش حيربي بنت راجل غريب ولان اهل البلد ياكلوا وشه لما يعرفوا انه اتجوز عازبة مطلقه مرتين ولها ابنة ولان اولاده وبنات لم يفهموا من اي اتتهم هذه الاخت ولان ابوها لو راجل عن حق عمره ماحيوافق يسيب لحمه يتربي في بيت غريب ، الح عليه فيرفض ارجوه فيرفض ابكي فيرفض وحين صممت مره وصرخت ضربني كف خلع ضرسي وخاصمني حتي احترقت من صمته وتجاهله ، اعتذرت له وصالحته ، صالحني بعد وقت طويل وحكي لي في ليله دافئه من ليالي حبه انه تعذب بخصامي وصمتي وبعدي عنه لكنه راجل صعيدي لايقبل ابدا ان ترفع زوجته ولو كان يعشقها صوتها عليه حتي ولو تصرخ او تبكي ، ودفنت قلبي المحروق بحب ابنتي في اعماقي البعيده وتظاهرت وكأني نسيت صغيرتي وعشت ايامي مع فتحي وكأني لااعاني من اي شيء ، بقيت احبه واحب اولادي لكن في قلبي جرح كبير لم يبرأ ابدا .... كيف تتصور حياة اني نسيتها ، كيف تتصور بي هذا ؟؟؟؟

( 21 )
نجية

هل تكرهني امي ، ولماذا تكرهني ، مالذي جنيته لتكرهني ، لكني احسها تحبني وقتما تاخذني في حضنها وترتب علي ضهري ، امي لاتكرهني لكني لااعجبها ، لست الابنة التي تمنتها وحلمت تتباهي بها ، هي معجبه بحياة ، حياة تذكرها بعجزي وقصوري ، معجبه بحياة لكن لاتحبها ، تمنت لو كانت هي ابنتها وكنت انا ابنة ضرتها !!! لكني انا انا ...
سألت جدتي لماذا يكرهني ابي وامي ، خبطت جدتي علي صدرها تكذبني واقسمت برأس الغاليين انهم يحبوني اكثر من اي شيء في الدنيا ، كنت في العاشرة وسألت الطبيب عن سبب ثقل سمعي ، قال كلاما كثيرا اهمه ان زواج ابي وابنة خالته اورثاني صمما دفينا في العائلة ، في تلك اللحظه كرهت جدتي ، نعم ، هي السبب في كل عذاباتي ، فلولا وعدت ابي لابنة اختها مالحقني مالحق بي ، ذات يوم تشاجرت مع امي لسبب لااذكره ، رفعت صوتها عاليا وسبتني ، سمعت شتائمها وسخريتها من صممي ، انفجرت في وجهها الومها لانها تزوجت ابن خالتها واورثتني الصمم المتواري في العائله ، جنت امي وكادت تضربني علي وجههي ، كادت تفتك بي ، كلماتي اوجعتها ، انتي السبب فيما انا فيه ، شكتني لابي وقتما عاد من عمله ، ناداني ابي وربت علي كتفي واخذني في حضنه وشرح لي ان ربنا له حكمه في كل شيء ، قلت له ونعم بالله ، لكني ضحيه زواجكما في الاول وفي الاخر ، ضحية زواج الاقارب الذي اورثني الصمم وضحية غضبكما من علتني ومعايرتي بها ، في ذلك اليوم انفجرت في البكاء ، اجلسني ابي في حضنه واغلق ذراعيه علي بقوة ، قال لي اني ست البنات واني زي الفل وان المرض ابتلاء من عند ربي لايعاير بيه ولا نخجل منه ، انت مريضه وستشفي باذن الله ، كنت ابكي وابكي ، احسست كفا صغيره تربت علي ضهري ، كانت حياة ، اقتربت مني وبكت علي بكائي ، تأثرت امي بحبها لي وتأثر ابي ببكائي ومنذ ذلك اليوم تغيرت معاملتهما لي ، لم اعد الصغيرة التي يمكن تجاهلها وكأني مقعد مكسور ملقي في سندره البيت ، انا انسانه لي مشاعري ورغباتي ومرضي ابتلاء من عند ربي لانكما تزوجتما بعضكما البعض دون ادراك لاثر هذا علي اولادكم ، وهاانا الاثر المتحرك لزيجه الاقارب والوعد والمكتوب ، لم اخطيء لتتجاهلوني ولا استحق عقابكم بالشفقه طيله الوقت ....
بقيت ابكي طيله اليوم ، وحياة بجواري تربت علي وتأتي بعرائسنا القطنيه وتلهو معي ، ترفع صوت المذياع وترقص فتاتي زبيدة من المطبخ وتشاركنا الرقص والضحك ، صرنا اسرة ، هكذا احسست في ذلك اليوم ، انا وحياة وبابا وماما ، علي مازال صغيرا لم احسبه من اسرتي ، كنت احبه لكني عاجزه عن التعامل معه خائفه الا اسمعه فاؤذيه ، اخبرتني امي بعدها بعدة شهور انها حامل وانها تتمني ذكرا ليلعب مع علي ، لكن صفية اتتأت بسرعه وفي الشهر السابع ، كانت صغيره ضعيفه فاهتمت بها امي والقت عبء الاهتمام بعلي علي جدتي التي ماكانت تحب احدا في الدنيا اكثر منه ، طالما سمعتها تغني له ، بكره تقعد علي البساط وتنقي ست البنات ، وتضحك ، رجوتها بعدما عرفت منها حكايه الوعد والمكتوب ، رجوتها تترك علي لنصيبه ولاتحكم عليه بحفيده اخيها ولا حفيد صديقتها الجميله طنط ماري ، رجوتها لاتكرر مأساه ابي وامي ، نسيت اخطركم اني صرت في الخامسه عشر وصارت حياة في الثانيه عشر وكبر علي ايضا ولحقت بنا جميعا صفيه تتعثر في خطواتها الاولي ...
قرر ابي ينقلنا لمنزل كبير لان الشقه التي نعيش فيها لم تعد تكفيه وتكفينا ومعنا جدتي وانصاف وزبيدة ، بكت امي لانها تحب شقتها التي عاشت فيها عمرها كله ، انا وحياة وعلي وصفيه كنا في منتهي السعادة لان المنزل الكبير الذي استأجره ابي كان بحديقه كبيرة تسمح لنا نلهو معا بسعاده دون قيود الجدران ، حديقه البيت ذكرتني بحديقه بيتنا الريفي ولهوي بالفراشات وابو مقص ، ذكرتني بالسنه التي عشتها مع جدتي ، ذكرياتها الضبابيه لاتفارق خيالي وعقلي ، احساسي بالحريه الذي فقدته طويلا حتي انتقلنا للبيت الجديد ...
ذات يوم بعيد سمعت حياة تبكي وتنتحب كما لم تبكي من قبل في حياتها ، في ذلك اليوم ثقب صوت نحيبها المر طبلة اذني المعتله ، نحيبها مزق قلبي وانا لااعرف سببه ، عرفت حكايه امها وان امي ليست امها ، قهرت لان امها قذفت بها كالحذاء القديم علي رأس زوجها النذل ، وظل في قلبها جرح عميق لماذا تخلت عنها امها ونستها ، نعم نسيتها ، صارت حياة في الثانية عشر وامها لم تسال عنها طيله حياتها ، لم تري امها ، كانت تظن امي امها حتي فهمت الحقيقة ، ذات يوم غائم تشاجرت مع امي ، صرخت فيها مثلما نصرخ جميعا ، صفية افسدت كراستها المنظمة ومزقت منها بضعه وريقات ، لطمت حياة صفيه علي وجهها ، هرعت صفيه لامي تشكو حياة التي ضربتها ، انقضت امي كالوحش العقور علي حياة ، تسبها وتلعنها لانها ضربت صفية قرة عينيها واخر العنقود ، لم تفهم حياة سبب غضب امي فكلنا نضرب بعض طيلة الوقت شأن كل الاخوة ، اعتذرت حياة لامي لانها اغضبتها لكنها لامتها لانحيازها لصفية وهي الاخت الاصغر ضدها وهي الاكبر ، لامتها لانها لم تعاقب صفية التي مزقت كراستها وتوعدتها تشكو صفية لبابا وقت يعود من عمله ، لااعرف بالضبط مالذي قالته امي لحياة في ساعة الغضب الحمقاء تلك ، لااعرف كيف وخزت قلبها بمثقاب مسمم فبعثرتها ، لااعرف كيف كشفت السر التي حرصت الاسرة كلها علي اخفاءه عنها لانها بنتنا وكسرة نفسها صعبه ولازم نحاجي عليها كما تقول جدتي ، يومها سمعت صوت نحيب حياة مرا اسود ، القت بنفسها في حضن جدتي وطالبتها بالحقيقة واين امها ولماذا نسيتها وتلومها لانها اخفت عنها الحقيقة كل تلك السنوات وهي التي كانت تظنها تحبها ، كنت ارتعش خوفا علي حياة من سياط جدتي واتصورها ستقص عليها حكايه خطافة الرجاله والجريمه التي ارتكبتها في حق امي ، كنت ارتعش خوفا واعرف ماتعانيه حياة في تلك اللحظة وقتما ادركت ان الحضن الذي طالما كان موصدا في حضنها لايخصها وان الحضن الذي تشتاق اليه اغلق بواباته في وجهها ورحل ، لكن جدتي كانت ست العاقلين ، هدت روع حياة واحتضنتها وقالت لها ان الزواج قسمة ونصيب وان امها ست الناس لم يكن لها نصيب مع ابيها وان ابيها صمم يحضنها لتعيش وسط بقيه اخواتها وان امي امها لانها اللي تعبت وربت وان امها قليلة الحيلة وتعيش مع زوجها بعيدا في بلد صحراوية بينها وبين ثلاث شهور وميت ليلة علشان ترجع واقسمت لها جدتي برأس الغاليين انها تسأل عنها وقت اجازاتها وان ابي صمم لاتراها حتي لايفسد حياتها واستقرارها وسط اخوتها ، كانت جدتي حانية رقيقة وهي تحتضن حياة وتهون عليها السر الذي اخفوه عنها كل تلك السنوات ، الحق اخفوه عنا جميعا ، فحتي انا رغم اني الاكبر وعايشت الطلاق والزواج والبكاء والفرحه وتمزق ابي بين زوجتيه ، عايشته في طفولتي المبكرة لكني نسيته وتصورت ان حياة شقيقتي مثل علي وصفية ، كانت جدتي حانية ونادت علينا جميعا واجبرت صفيه تعتذر لحياة واحتضنتنا بين ذراعيها بقوة لاننا جميعا اخوات ومالناش غير بعض ...
وضاع امان حياة للابد وصارت غريبة وسط اسرتها وبيتها وانكسرت لامي وكأنها تشكرها لانها ربتها وتعبت معها وصارت كثيرة البكاء ولم يفلح ابي ولاجدتي ولا اي منا في تهوين وقع السر علي قلبها ، لم تفلح الدنيا تهون عليها ان امها القتها خلف ظهرها واكملت حياتها ونسيتها ...


نهاية الجزء الرابع ويتبعه الجزء الخامس  

ليست هناك تعليقات: