مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الخميس، 9 سبتمبر 2010

متناثرات .. من كراسة مدفونه في درج سري ( الجزء الثالث والاخير)



الجزء الثالث والاخير





( 22 )
يوسف

1960مازال نبيل يتكلم ومازال يوسف يسمع ...
السوس يايوسف ممكن يبقي افكار تخلي الناس تيأس ، تفقد الامل في بكره ، تحبط ، تبقي عايزه تطفش !!! ليه ؟؟؟ ليه الناس تيأس من بكره ليه الناس تنسي الامل وتحبط وتكره حياتها .... ايوه يايوسف ... البلد دي عمرها ما تتبني الا بايدين ولادها ، لو ولادها طفشوا وسابوها مين يبنيها مين يدافع عنه مين يحافظ عليها !!!!
الافكار يايوسف ساعات بتبقي اخطر من القنابل .... القنبله حتكسر بيتين تلاته وتموت عشر انفار ، لكن الافكار ممكن تسرق عقول ملايين وتحرق جيل واتنين وتلاته تضيعهم ومعاهم البلد ... فكره واحده ، تضيع البلد .... طيب ، انا مش وظيفتي احكم علي الافكار ، ولااقول حلوه ولا وحشه ولا اقول عجباني ولا مش عجباني ، وظيفتي اقول الفكره دي تضر البلد ، ايوه ماترفعش حواجبك ، الفكره تضر البلد ، تنشر اليأس تحبط تموت الناس وهي عايشه ... طيب عيلتنا وظيفتها تطفش الافكار دي من عقول الناس ، نعمل ايه وازاي ، انا معرفش ومحدش حيقولك ، ده بقي انت وشطارتك ... في كل وقت وكل مكان وكل موقع حتكون فيه حتقابل ناس ، انت حتقرب منهم تفهم دماغهم ، كل مايقربوا من البلد ويشبطوا فيها ويمسكوا في ديلها ، يبقي انت تعيش براحتك ، كل ما يبعدوا ويتنافروا ، كل مادورك يبتدي !!
انا طبعا مش حاعرف ايه الافكار اللي حتقابلها في عقول الناس ، انت بس اللي حتعرف ، انت حتميز ، معاك ميزان حساس ، انت حتعرف ببصيرتك وقلبك ،ايه اللي يضر وايه اللي ينفع ، مش يضرني ولا ينفعني ، مش حيضر الحكومه او ينفعها ولا الرئيس ، معلش الحكومه تغور في داهيه والرئيس ........ضحك نبيل فضحك يوسف وفهم مايقصده ... ايه اللي حيضر البلد او ينفعها ، اللي ينفعها تأكده وتنشره وتحبب فيه الناس ، اللي يضرها تقاومه وتحاول تغيره من عقول الناس ، يمكن بعض الافكار دي يعجبك او ما يعجبكش ، انت مش موجود ، انت ملغي ، انت مش مهم خالص ، المهم البلد ، لو فكره عاجباك وبتضر ، تقاومها وبمنطق قوي جدا ، لو فكره مش عاجباك وبتفيد ، تدافع عنها وتنشرها ، انت يوسف مش موجود !!! فاهم يايوسف .... يهز يوسف راسه ، يحس كل ثانيه بعبء وثقل المطلوب منه !!!
ممكن يايوسف نكته تدمر ... ممكن اغنيه .... ممكن تيار سياسي ... ممكن الحكومه هي اللي تكره الناس في عيشتها ، ساعتها حتبقي ضد الحكومه ، ممكن زعيم يحبب الناس في البلد ، احنا معاه بنأيده ونحبب فيه الناس ، مش علشانه ، لا علشان البلد ، بوصلتنا وهدفنا البلد ، اللي يقرب الناس من البلد حبيبنا واللي يكره الناس في البلد عدونا ولازم نحاربه ....
فاهمني يايوسف ..... هز يوسف راسه يفهم ببط وتأني كل كلمه يسمعها !!!

(23 )
حبيبة

1965كعادته يذهب قبل ميعادها بعشره دقائق ، لايصح تنتظره ، المنطقي ان ينتظرها هذه هي الاصول ...
تاتي في ميعادها عادة ، الا اليوم !!
تشاجرت معه تقريبا في التليفون ، اصرت يقابلها ، صوتها مرتعش ، تكاد تبكي ، انا مسافره بعد يومين يايوسف ولازم اقابلك !!!
تحاصره وتقوض اسواره ، اشفق عليها ووافق يقابلها ..
كداب يايوسف ، انت كداب ، انت وافقت لانك نفسك تشوفها وتفسك تودعها !!!
اقبلت حبيبه شاحبه الوجه عصبيه الملامح ، جلست علي المقعد بنرفزة ، حدقت فيه تنتظره يتكلم !!
خلاص يايوسف الوقت فات ، انا مسافره بعد بكره ، خلاص انت نجحت تفهمني بكل البواخه الممكنه اني حماره وانك مابتحبنيش ولا حاجه واني مريضه وهم ، صوتها يرتفع قليلا قليلا ، يتمني يحضنها ، صوتها تزداد عصبيته ، انت مين يايوسف ، فيه ايه ، قد كده بتحب الثوره ، انت في منظمه الشباب ، انت في التنظيم معاهم ، مالك يايوسف ايه اللي مكتفك كده !!!
ابتسم .... انا يوسف ياحبيبة !!!
هزت راسها نفيا ......... لا انت حد تاني ، ساعات يتهيالي انك يوسف ، وساعات ابقي واثقه انك حد تاني ، انت اتنين يايوسف اتنين ، واحد بيحبني وانا واثقه والتاني بيهرب مني وانا برضه واثقه ، خلاص يايوسف انت ضيعت الوقت وانا مسافره ، بس راسي حتنفجر عايزه افهم ...
ليتني املك اشرح لكي مالذي اعيشه ، انا فعلا اثنين ، احدهما يوسف يحبك والاخر ابن العيله الذي يري واجبه الا يحبك وواجبه يفر منك وواجبه يقاوم افكارك المؤذيه التي تنشر الكراهيه للوطن ، انت لا تميزين بين الثوره ورجالها الذين تكرهيهم من اعماق قلبك وبين الوطن ، انت سبب المشكله ، انت التي خلطت بين الامرين فصعبت علي حياتي ، انت التي اجبرتي يوسف علي الفرار منك ياحبيبه ولست انا ، كنت اتمناك تحبي الوطن مثلما احبه وتقرري تعيشي فيه رغم خلافك السياسي مع زعمائه لكنه وطنك الذي لن تخلعيه من قلبك ، لكنك تكرهي الوطن وتتباهي بذلك الكره طيله الوقت ، انت ياحبيبه لم تتركي لي اختيار !!!
لو كنت انا يوسف الذي كان قبلما يكتب اسمه في شجره العيله بدمه ، كنت تحملت شططك وجنونك ، كنت تحملت غضبك وعصبيتك ، كنت تحملت كراهيتك للوطن وحاولت علاجك منه ، لكني لست انا الذي املك اتحملك ، انت حينما تحلي تستعدي كل العيله عليك ، انت هدف سهل لقتلك ، سيقتلولك لانك ياحبيبه مثل السوس الذي يتعين علينا نحاربه ، افكارك ، صحيحه او غير صحيحه هذا لا يهمني ولم افكر ابدا بهذه الطريقه ، افكارك مثل السوس لو انتشرت بين الناس لقوضت المعبد فوق رؤوسنا جميعا ، تصوري لو فر كل ابناء الوطن منه وتركوه خاويا للاشباح والاعداء ، علينا جميعا نبقي ونتشبث بالارض وندافع عنها ونفعل كل مايتعين علينا نفعله حتي نحافظ علي هذا الوطن ، لكنك لم تتركي لي اختيار للاسف ياحبيبه !!!
هزت حبيبة ذراعه ودموعها تسطع فوق حدقتيها تكاد تسقط ، بص يايوسف انا بعرف احس ، انت بتطفشني وانا خلاص ماشيه ، بس انت قبل ماامشي قولي انت مين ، انت مين يايوسف ، ايه اللي بيبعدك عني كده وليه ، انت بتحبني يايوسف انا واثقه انك بتحبني لكن في حاجه جواك بتمنعك من الحب ده ، هي ايه يايوسف ، هي ايه ريحني ، قولي فيه ايه انا مش فاهماه ...
تنتظر كلامه لكنه لا يتكلم ...
تكمل حديثها بعصبيه وغضب ، انت ضيعت الوقت يايوسف وضعيتني من ايديك ، خلاص يايوسف انا مسافره وعمري ماحارجع ، زمان كان عندي الف سبب ماارجعش بسببهم انت خلتهم مليون ، خلاص يايوسف ، قولي قبل ماامشي انك بتحبني ، قولها وقوم امشي ، قولي انك حبتني يايوسف واني مابيتهياليش ، قولي انك حبتني يايوسف ....
صمت يوسف ، لو قالها لالتزم بما لايقوي الالتزام به ، لاشيء يمنعه من الارتباط بها ، لو يحبها وتحبه ، لارتبط بها ولاشيء يمنع !! لن اقع في الفخ ياحبيبه ولن اصارحك بمشاعري وكفاي العذاب الذي اعيشه ...
صمت واشعل سيجاره وابتسم ....
بعصبيه شديده سالته ، انت جاي مش ناوي تتكلم خالص صح ؟؟؟ طيب جاي ليه !!!
انه السد الاخير الذي سيرفعه بينهما ومهما قويت ارادتها لن تفلح تكسره ، انا جيت ياحبيبه لانك اصريت اجي ، ماكانش ينفع اكسفك!!!
ترنحت من وقع القسوه التي نطق بها جملته الاخيرة ، ادرك انها ستغيب عن حياته للابد ، احس الما يجتاحه كالكهرباء يسري في بدنه لكنه وجهه جامدا لا يظهر ما يموج بداخله !!!
حدقت في وجهه طويلا و بمنتهي العصبيه قامت ، لمح دموعها تتساقط ، نظرت له نظره غضب ، ياخساره يايوسف !!! وخرجت مسرعه من المحل الذي شهد لقائتهما وحوارتهما والمشاعر التي تكونت في قلبيهما لم تاخذ فرصه للانطلاق والتحرر والنمو !!
ظل يتابعها حتي غابت عن بصره وحين تاكد انها رحلت فعلا همس لنفسه ، ياخساره ياحبيبه !!!
وقتها لمح وجه نبيل مبتسما ، فهمس مبسوط يافندم كده .... واشعل سيجاره ثالثه وهمس مره واثنين وعشره ، ياخساره ياحبيبة وبدنه مازال يرتج من كهرباء الالم الذي يسري في اعصابه !!!

( 24 )
نفيس
1970

كانت حبيبه في الرابعه من عمرها وقتما ردت علي التليفون ، لم تفهم ماقاله له الرجل ، لكنها قالت له بصوتها المسرسع الطفولي ، بابا مش هنا واغلقت السماعه ...
بعدها بساعه ، رن التليفون مره ثانيه ، فرفع يوسف السماعه ، كان في مكتبه يشرب الشاي ويسمع الموسيقي كمثل طقسه المسائي المعتاد ، سمع صوت لايعرفه ، لكنه اضطرب وقت سمعه ، ازيك يايوسف ، وحشتني ياراجل ، نفسي اشوفك ، انا مين ، كمان نسيت صوتي ، انا ابن عمك ياندل ، اللي سافر من زمان وانت ماسالتش عليه و.... بسرعه اتفقوا علي الميعاد !!!
ارتبك يوسف ، بعد عشره سنوات يأتيه اول اتصال من العيلة !!!
عشرة سنوات تغيرت فيها الدنيا قدر ما تغيرت وهو ينشر رسالته وينفذ ما التزم به وقت سطر اسمه في شجره العيلة .. عشره سنوات لم يتصلوا به ، تصور كثيرا انها كانت كذبه وانتهت ، تصور احيانا ان العيلة نسيت الوطن وحبه بعد نكسه يونيو ، تصور انه كان يعيش وهما ، مرات كثيره قرر يتحرر من ذلك القيد الذي قيد رقبته ، لكنه لم يفلح ، عاش عشره سنوات من حياته كابن العيلة ينشر حب الوطن في قلوب كل المحيطين به ، زملائه في العمل ، جيرانه ، مرتادي القهوه التي يجلس عليها يوم الجمعه بعد الصلاة ، عائلته واصدقائهم ، وحين تزوج ، اندمج وسط عائله زوجته فاحبوه واشاع بينهم الحب الذي يتعين عليه يغرسه في قلوب الناس للوطن ..
كثيرا فكر يوسف يقتل ابن العيلة ويتخلص منه ، مرات اراد يلعن الحياه والوطن ، مرات تمني لو فر من قبضه الوطن القابضه ، مرات تمني يقول لمن يشتم في البلد انه محق وان الشعب يستحق مايحدث فيه والهزيمه التي وقعت عليه سببها غياب الديمقراطيه والحزب الواحد ، سببها المعتقلات والتعذيب ، سببها جمال عبد الناصر نفسه والثورة نفسها .... مرات اراد يوسف يلعن ابو الوطن الذي عذبه والنكسه التي هزمت البلد وابقت خيره شباب الوطن جنودا في الخنادق لاجل لايعلم ميعاده الا الله ، مرات تمني يوسف لو يقف في ميدان التحرير يطالب بكشف اللثام عن ماحدث يوم 5 يونيو 1967 وكيف خدع الراديو ومذيعيه الشعب وقت ادعوا انتصارات وهميه والجيش يسحق وطائراته ضربت علي الارض وسينا احتلت .... لكن بوصله قلبه ضبطها نبيل يوم لقاءه الاول علي لغه العائله وتوقيتها ، لايقوي علي ما يتمناه احيانا ويرفضه احيانا اخري ، نعم ينتابه الغضب كثيرا لكن الوطن لايستحق منا الكفر ، الوطن يستحق نحبه حتي نقيله وشعبه من تلك العثره ونتجاوزها ليعيش الوطن حياه افضل ....
يااااه ، بعد عشره سنوات ياتيه اتصال تليفوني من ابن عمه ، اين كنت ياابن العم وقت هزمنا وانسحب الجيش من سينا وعاد الجنود سيرا علي الاقدام يجرون اذيال الخيبه ، اين كنت وقت تنحي الرئيس جمال فخرجت الناس تصرخ في الشوارع ترفض التنحي والهزيمه ، اين كنت ، لماذا لم تظهر وقتها وتقول لي مالذي يتعين علي قوله ، كيف انتشل الناس من جب اليأس ، كيف احارب السوس واقاومه ، هل كنت وقتها تبكي مثلي ، هل قررت مثلي تترك العيله والبلد وتفر بعيدا !!!! حوار طويل عريض اجراه يوسف مع ابن العم الذي لم يراه ولم يحن وقت مقابلته ... هل تصور يوسف وقتها انه سيقول لابن العم كل هذا الكلام ، لا كان يوسف يعرف انهم اتصلوا بيه ليسمع شيئا ما ، اجبرهم علي مخالفه ادعاءات نبيل بان لقائهم الاول هو لقائهم الاخير !!!!


( 25 )
يوسف

1970 في الميعاد المحدد ، طرق يوسف باب الشقه العاليه في البنايه القديمه في وسط البلد ..
كل شيء علي حاله ، الباب ، السلم مكسر الدرجات ، صوت الجرس ، الاضاءه الخافته علي البسطه !!
فتح له رجل مبتسم وادخله لصاله الانتظار ...
وهناك خرج عليه نفيس يحيه ويرحب به ، تعانقا كانهما يعرفا بعض منذ سنوات بعيده !!
ابناء عيلة واحده ، كان الدم الذي يجري في عروقهما واحد ..
طلب له نفيس القهوه التي يشربها ودخل في الموضوع مباشرة ...
يايوسف ، مازهقتش من الهندسه !!
ضحك يوسف ، زهقت جدا ، بالطبع لم يساله كيف عرفت !!! هم يتابعوني وكنت اظنهم نسيوني !!!
شرح له نفيس ، المهندسين كتير في البلد ، لكن العيلة شايفه انك تقدر تعمل حاجه تانيه اهم كتير !!!
ضحك يوسف ..... من زمان كان نفسي اسيب الهندسه بس ماكنتش عارف اعمل ايه !!!
شرح له نفيس ، الصحافه بتاعتنا بقي دمها تقيل قوي ، نفس الناس هي اللي بتكتب ، نفس الناس هي اللي بتقول افكارها هي هي ، بهاء هيكل موسي صبري حمدي الجمال امينه السعيد ، احسان توفيق الحكيم انيس منصور ، الوشوش هي هي والكلام هو هو ، الناس مشتاقه لحد يقول كلام تاني يكتب كلام تاني ...
انتبه يوسف لما يقوله نفيس ، كانه يقرأ افكاره ، اكم من مرات تمني لو يكتب ردودا علي المقالات التي يقرأها في الصحف ، انهم يستخدمون نبرة قديمه عفا عليهم الزمن ، لايواكبون مايعيشه الناس من تغييرات ، الحياه تغيرت عن ايام تأميم قناه السويس وارفع راسك يااخي لكن مفرداتهم وكلماتهم قديمه مثل افكارهم ، الناس يقرأوا لهم لانهم لايجدوا ما يقرأوه ، اكم من مره تمني لو يرسل لهم ردودا لكنه لم يفعل ، ومن هو لينشروا له كلماته ؟؟؟
كاد يسال نفيس كيف يعمل مايموج في نفسه ، لكنه لم يفعل ، بص يايوسف ، البلد بتستعد للحرب ، جايز بكره جايز بعده ، لكن ده مش شغلنا ، شغلنا السوس ياابن عمي العزيز ، والناس اللي بتكتب من زمان ما تنفعش تقاوم السوس لانها مش شايفاه مركزه مع القضايا الكبيرة الاستراتيجيه ، احنا بقي مشغولين بالقضايا الصغيره لانها القضايا الاخطر ، اكبر النار ياابن عمي من مستصغر الشرر ... يسمعه يوسف باهتمام ...
شرح له نفيس ، انا عايزه تكتب اللي بتحسه الناس ونفسها فيه ، مش عايز كلمات حنجوري كبير ولا قضايا استراتيجيه ، مش عايزك تتكلم عن الحرب والنصر والعرب واسرائيل ، مش عايزك تتكلم عن الامبريالية والصهيونية ، ايه اللي بتحسه الناس ونفسها فيه !!
ابعت لهم مره والتانيه والعاشره ، حينشروا لك كل مره حتبعت لهم ، ولما تبتدي الناس تعرفك وتقرا لك ، هما في الجرنان حيكلموك تكتب مقاله اسبوعيه وعمود يومي ، حتوافق ، حبة حبة ، تسيب الهندسه وتركز في الكتابه و......... الباقي انت عارفه !!!
لم يسال يوسف عن اي تفاصيل .... ونفيس لم يشرح له اكثر مما شرح !!!
همس له باسم الجريده في اذنه واسم الشخص الذي يرسل له ماسيكتبه ، لم يسال يوسف عما اذا كان ذلك الشخص من العيلة ام لا ، لم يسال واثقا انه لو سال مااجابه نفيس !!!
احتضنه نفيس بقوة وهو يودعه ، شرفت العيلة يايوسف ، شرفتها ياابو حجاج !!!
وبدأت رحله يوسف في دروب الكتابه والصحافه ونسي الهندسه رويدا رويدا !!!!
ومات عبد الناصر ...
فبدأت رحلة يوسف الحقيقية في عالم الكتابة ...
يوم مات عبد الناصر انفجر يوسف باكيا ...
نعم هو لم يفعل كل ما فعله من اجل عبد الناصر والثورة ..
لكن عبد الناصر احب البلد ... الثوره له اخطائها الكثيرة وبعض الناس يقول جرائمها ..
لكن عبد الناصر احب البلد وهذا يكفي يوسف ليبكي عليه بحرقة ..
وجاءت مقالته الاسبوعية تختلف عن كل المقالات التي نشرت ...
عبد الناصر مات وكل نفس ذائقه الموت لكن الوطن لا يموت ولن يموت !!!
نحن لا ننتمي للثورة ولا ننتمي لعبد الناصر نحن ننتمي لمصر وهي باقيه خالده !!!
يومها قرأ نبيل المقال فبكي من السعاده ..
وقرأ نفيس المقالة فابتسم فشجرته اثمرت واينعت وفاح عبيرها الجميل !!!
وقرأت حبيبة المقاله فسألت نفسها هل هي تنتمي لمصر فعلا ، عبد الناصر مات لكن مصر خالدة وتمنت لو تعود للقاهره في اجازه قصيرة اوحشها النيل والشوارع ووجوه البشر !!!

( 26 )
يوسف

1999دخل عليه الليل في البلكونه وهم جالس علي مقعده المريح ، النسمات البارده تلاطف روحه !!
اطياف الذكريات تهل عليه مثلما يهل عليه الهواء العليل ينعش نفسه !!
مازال يوسف يسمع ، صوت نبيل وصدي صوته يتردد في اذنه .....
ثلاثين عاما او اقل وكلمات نبيل تدوي في اذن يوسف !!! يتذكرها ، مائه موقف بل الف ربما مليون ، يكتشف يوسف دون يدري انه وسط معركه اشار اليها نبيل منذ زمن بعيد ، معركه عليه يخوضها وينتصر فيها لصالح الوطن !!!!
فاهمني يايوسف .... دي القعده الاولي والاخيره بينا ، حتاخد شهاده الميلاد كابن للعيله وتمشي ، نرميك في البحر ، ان غرقت مش حنترحم عليك ، ان تعبت مش حنقويك ، ان نجحت حيبقي كل واحد منا فخور بيك ، نجاحك حيبان وفشلك حيبان ، انت حتعرف ان كنت فشلت ولا نجحت ، في كل معركه تخوضها ، دي مش حرب واحده حتخشها ، دي مليون معركه ، كلمه غنوه ممثل فيلم نكته موال صوره رسمه ، اي حاجه تانيه مش متوقيعنها دلوقتي ، كل مره لازم تنجح ، الناس تحب البلد بسببك اكتر يبقوا زي الشجر جدوره ضاربه في الارض ..
يسمع يوسف كلام نبيل خائفا ، دي مسئوليه كبيره قوي حضرتك ، ضحك نبيل ضحكات متتاليه ، ماانا عارف ، مسئوليه كبيره ويمكن تغير مسارات حياتك ، انت اللي تغيرها مش احنا ، ومن غير ماحد يقولك تعمل ايه ، يمكن جوازه تفيد رسالتك ، يمكن جوازه تدمرها ....
قاطعه يوسف يضحك ، هههههههههه مافيناش من كده بقي ، كمان حاتجوز مين وليه ، لم يضحك نبيل واكمل كلامه بمنتهي الجديه ، فيه ست كريهه تنفر الناس منك ، مهما تكون بتحبها لانك اعمي ، ماينفعش تتجوزها ، لانها حتبوظ شغلك ، وممكن واحده ماتكونش بتحبها لكن هي دي اللي حتسندك في رسالتك يبقي هي اللي يكون عليها العين ...
فتح يوسف عقله وكل مسام جسده يستوعب الدرس الوحيد الذي سياخذه ... يراقبه نبيل بدقه ، حتي الان يوسف لم يفصح عن موافقته ، لكن نبيل تجاوز ذلك ويعطيه الدرس اللاحق لقبوله ، هل يلعب نبيل قمار ، هل سيفاجئه يوسف في نهايه القعده بالرفض ، نعم نبيل يلعب قمار لكنها الطريقه الوحيده الممكنه لاستقطاب يوسف وحسم امره ، هل سيسخر يوسف من نبيل بعد الحوار وفي نهايته ويخبره برفضه ؟؟؟
هل سيثلج صدره ويخبره بالموافقه ، هي لعبه الروليت الروسي ، رصاصه واحد ستطلق اما في راسي ، هكذا يقول نبيل ، واما في راس يوسف ؟؟؟ لا ... يؤكد نبيل لنفسه وهو لم يكف عن الكلام ، سيقبل يوسف وسيكون انبه ابناء تلك العيله !!!
سرح العجوز في افكاره التي داهمته وقت افاق ثوان قليله بين نوبات التوهة ، تمني العجوز لو سال نبيل في نهايه لقائهما الاول ، انت كنت واثق اني حاقبل ، لكن الضغطه القويه التي ضغطها نبيل علي كفه وقت سلم عليه وهنأه وودعه ، افصحت عن استقراءه لموقف يوسف قبلما يفصح عنه ، كان نبيل واثقا ان يوسف قبل المأموريه وتحمل الرساله وشال همها ويفكر وهو يتكلم كيف سينفذها ، يوسف شخصيه متمرده لكن حين يقتنع بفكره لا يفلح احد في انتزاعها من قبله ، نبيل احس ان يوسف فهمه وتحمس لكلامه !!!
احنا مش بنشتغل لصالح حكومه ولا وزاره ولا اتجاه سياسي ، احنا بنشتغل لصالح الخريطه ، لصالح مصر الدوله المركزيه القويه ، احنا دورنا نحافظ علي الخريطه والشعب والمصالح اللي اكبر من الحكومات والوزراء والسياسات ، نحافظ علي الوطن ....
احنا عارفين ان الدنيا بتتغير وحتتغير يايوسف ، علشان كده احنا لا مرتبطين بحكومه ولا بوجه نظر سياسيه ، احنا اعلي من الحكومه ومن السياسه ، احنا دورنا نحافظ علي الوطن مش علي اي حاجه تانيه !!
جايز مره تبقي مدافع عن الحكومه ، جايز مره تبقي معارض ليها ، لو ايدت الحكومه لازم يبقي موقفك مفهوم ومقبول من الناس اللي حواليك محدش يحس بفبركه ولا باصطناع ولا بان كلامك فاضي .... لو عارضت الحكومه لازم برضه يبقي موقفك مفهوم وكمان متسق مع مواقفك السابقه ، محدش يحس انك مالكش مله ولا دين ، مالكش موقف ، انك متذبذب ، محدش يحس انك هوائي ، حتظبط الموضوع ازاي ، وانت بتتعامل بلغه الرياضه بتاعتك مع مجاهيل كتيره ، دي شطارتك وموهبتك انت بقي ، محدش حيقولك حتعمل ايه ، انت اللي حتقرر !!!!
يبتسم العجوز .... يشعل سيجاره ويسحب منها انفاسا متتابعه ، حلقات دخان متلاحقه تتطاير حول وجه ، لم اكن اعرف مالذي سنعيشه ، وقتها كانت الثوره وجمال عبد الناصر ، كان التأمييم ومقاومه الاقطاع ، مجانيه التعليم ، حنبني السد ، البلد ماشيه في اتجاه واضح ، والناس بتحب البلد وبتحب جمال عبد الناصر ، مكنتش اعرف ايه اللي حيحصل بعدها ، النكسه ، انسحاب الجيش ، احتلال سينا ، ماكنتش اعرف ان بين يوم وليله الناس حتتقلب علي الثوره وزعيمها ، وقتها ماكنتش اعرف ان فيه معتقلات وناس في السجون ، ماكنتش اعرف ان فيه تعذيب ، كل حاجه بانت وظهرت ، بقي حواليا مليون عدو ، ناس طيبه لكن فجأ كلها كرهت البلد ، كنت بانام واصحي مفزوع ، حد يقولي نكته اعرف انها نصيبه ولازم اواجهها ، حد يقولي سمعت الشعر ده ، فيلم سينما ينزل فجأ في دور العرض ، اسمع حدوته من بنت خالتي سعيده قوي ، تقول وضح المصايب اللي كنا عايشين فيها ، اسمع عن زميلي في الشغل عايز يهاجر ، ماهي البلد ماتستحقش الواحد يعيش فيها .... الناس معتبره البلد هي الحكومه والحكومه هي الريس والريس هو البلد ، وكله بيتضرب في الخلاط ، باكره الحكومه يبقي باكره البلد ، باختلف مع الريس يبقي عايز اهاجر من البلد ........................ ياه يايوسف ماكنتش تعرف كل الكلام ده لما قلت لنبيل اه !!!


( 27 )
يوسف

1967يجلس يوسف في الشرفه يبكي بكاءا مريرا ...
البلد اتهزمت والجيش رجع واسرائيل احتلت سينا ... ضعنا .. رحنا في داهيه !!!
حاول يتمالك نفسه ، تذكر حبيبة ، نفسي اسافر ، انسي البلد وكل اللي بيحصل فيها !!!
هل انا اتخميت لما قبلت اكون في العيلة دي !!!
العيلة دي كانت معموله علشان تدافع عن الثورة ، لكن ضحكوا علينا وقالوا الوطن !!!
الثورة اتهزمت والوطن معاها واحنا كلنا ....
في لحظه الهزيمه ، وقت اعلن عبد الناصر في خطابه انه سيتنحي عن الحكم نهائيا ويعود لصفوف الشعب ، انفجر يوسف في البكاء ، سبعه سنوات من عمره منذ ارتبط بالعيلة وهو يدافع عن الثورة لانه يدافع عن الوطن ، يدافع عن الثوره دفاعا عن الوطن وحبه ، لكن الثوره هزمت والبلد احتلت و.............لايمكن الاستمرار في الدفاع عن الثوره ورجالها ، لابد من مهاجمه كل السلبيات لابد من مناقشه ماحدث وفهمه ولماذا حدث ... الناس بتلك الهزيمه والخديعه التي اكتشف الناس انهم يعيشوا فيها سيهاجموا الثورة ورجالها والجيش وقادته و... سيتسلل اليأس والقنوط لروحهم ، سيكرهوا البلد ويتمنوا الفرار منها ...
مازال يوسف يبكي .... بس البلد ماعملتش حاجه علشان الناس تكرهها ، البلد لو الناس كرهتتها تبقي اتهزمت فعلا ، اللي اتهزم نظام سياسي وجيش لكن الوطن اكبر من اي نظام سياسي واي جيش ، البلد كانت قبل الهزيمه وستبقي بعد النصر الذي حتما سيحدث !! دوت كلمات نبيل في اذنه ................ في كل وقت وكل مكان وكل موقع حتكون فيه حتقابل ناس ، انت حتقرب منهم تفهم دماغهم ، كل مايقربوا من البلد ويشبطوا فيها ويمسكوا في ديلها ، يبقي انت تعيش براحتك ، كل ما يبعدوا ويتنافروا ، كل مادورك يبتدي !!
جفف يوسف دموعه ، نعم الان والهزيمه تمزق قلب الوطن وخيره الشباب والرجال استشهدوا وفقدوا والارض احتلت والكرامه ضاعت والياس انتشر وسينتشر اكثر واكثر ، الان بالذات دورك بيبتدي يايوسف ... فحين كانت الناس متحمسه للثوره ومؤمنه بها كانت تحب الوطن وتتشبث به ، اما الان حين هزمنا وانتشر اليأس في قلوب الناس حتي قلبك انت يايوسف ، الان بالذات يبدأ دورك ، ليس مهما ماتحس به انت شخصيا من وجع ، ليس مهم ماتحس به من كفر ، ليس مهم رغباتك في الفرار والهجره ، ليس مهم غضبك وحزنك ، الان يبدأ دورك الحقيقي لتجعل الناس رغم الهزيمه والوجع واليأس يحبوا الوطن اكثر واكثر .... انه التحدي ياابو حجاج ، ياتري حتقدر عليه ولا حتبقي خايب وفاشل وترفع الرايه البيضا !!!!
لماذا تصور انه شاهد وجه نبيل يمسح دموعه ويبتسم له ابتسامه واسعه انارت ظلمه الليل !!!!


( 28 )
حبيبة
1984


كان في مكتبه ، يفكر في موضوع المقالة التي سيكتبها في العدد الاسبوعي ...
دخان السيجارة يتصاعد حلقات حلقات ....
دخلت عليه بعد طرقه خفيفه علي الباب لم يكترث يرد عليها ...
هي ... حبيبة ... عشرون عاما مروا ولم يغيروا فيك شيئا ..
ارتجف قلبه مثلما ارتجف وقت شاهد دموعها في شرفه عمته ..
ابتسمت فاشرقت الشمس في مكتبه ..
جلست وسالته ، تعزمني علي قهوة ...
طلب القهوه وحدق فيها مثلما كان يحدق من عشرين سنه ..
ايش جاب الهندسه للكتابه في الصحف ؟؟؟ مش قلت لك من ساعتها انت مين !!
ضحك يوسف ضحكات متتالية ، وانا قلت لك انا يوسف ...
زهقت من الهندسه ، لقيت فرصه اكتب شبطت !!!
ضحكت ساخره ، فرصه في اكبر جريده يوميه في القاهره ، مين اللي بعت لك الفرصه ، ااقول للمره الالف انت مين يايوسف !!
مازالت عيناها تلمع بالتحدي مثلما شاهدها للمره الاولي ..
انا في اجازه قصيره للقاهره ، انا عايشه في مانشستر ، بادرس في الجامعه هناك ، اجازه قصيره قلت اجي اشوفك ، اعرف منك اخبار الدنيا ايه ، ضحك وانا حاعرف منين ، نظرت له نظره عتاب ، يايوسف وقت الاجابات خلص وانا مش جايه اسالك عن حاجه ، بطل تهرب مني وتلاعبني بالكلام ، انا استاذه ادب يعني البلاغه والتلاعب بالالفاظ صنعتي !!! ضحكت وصمتت !!!
ازيك يادكتورة ، مازال يبني السدود والجسور بينهما ، ضحكت ، كويسه يايوسف ، حاشرب قهوتي وامشي ، قلت مايصحش ازور القاهره ومااشوفكش ، شربت القهوه بسرعه ، خلي بالك علي نفسك يايوسف ، اعطته كارت ، دي تليفوناتي لو فكرت تتصل بي ، لو جيت انجلترا بلغني قبلها ، ممكن هناك نتقابل وجايز تبقي بحريتك اكتر !!!
ابتسم لها بحنان وصلها فاطفئت سيجارتها وقامت .... عمري مااستريح الا لما اعرف انت مين وعملت كده ليه !!
واعطته ظهرها وخرجت من الحجره !!!
في العدد الاسبوعي للجريده ، نشر اعتذار عن مقاله يوسف .. وهو امر اثار استغراب الجميع حتي استغرابه هو شخصيا !!!
منذ جلس علي مكتبه واستولي علي الصفحه الخامسه في الجريده يوم الاربعاء من كل اسبوع لم يعتذر ولا مره !!!
اه ياحبيبه ... لسه بتلخبطيني بعد كل السنين دي !!!!!!!!!


( 29 )
نبيل
1994

كان حفل افطار كبير اقامته الكنيسه بمناسبه شهر رمضان ، حفل افطار يحضره البابا شخصيا وكبار رجال الكنيسه والازهر والدولة ..
جلس يوسف في المكان المخصص له والمكتوب عليه اسمه ، المكان مزدحم ، كتاب وصحفيين ، رجال سياسه واحزاب ، حكومه ومعارضه ، ممثلين ومخرجين ، شيوخ معممين وقساوسه ، صخب وضجيج والجميع ينتظر وصول البابا وشيخ الازهر ، صوت القرأن يدوي في القاعه الكبري ، دار يوسف براسه يتأمل المشهد ، هذه هي مصر التي يحبها ، الايقونات العتيقه تزين الجدران ، مريم العذراء تحمل صغيرها بحنان ، قاعه عتيقه قديمه ، بها روح مصريه اصيلة ، القرأن بصوت الشيخ محمد رفعت يهدر بين جدران القاعه والتقوي تلف المكان ...
لمح يوسف نبيل وماري يدخلا من الباب ، هل اختلج قلبه ، هل تسارعت دقاته ، تمني لو يقفز من مكانه ويحتضنه لكنه لن يفعل ، هكذا قال له نبيل منذ زمن بعيد ، حتي لو اتقابلنا احنا مانعرفش بعض وعمرنا مااتقابلنا قبل كده ، هل لمحه نبيل ، اخرج من جيبه علبه السجائر ناسيا وكاد يشعل سيجاره ثم انتبه لصوت القرأن حميما في المكان ، اعاد علبه السجائر لجيبه وهو يبحث عن نبيل الذي غاب عن بصره!!!
ماهذا الدفء الذي يلف المكان ، ياتري فيه كام واحد من العيله موجود هنا ، انتابه فضول معتاد ، اكم من مناسبات كثيرة مزدحمه يتمني لو يعرف كم واحد من العيله يحضرها ، يوسف واثق ان العيلة منتشره في ربوع الوطن مثل الهواء ، العيلة تدور السواقي وتزرع الرياحين وتدفع بعواصف الحب في قلوب ابناء الوطن ، يااه يانبيل ، نفسي قوي اقوم اخدك في حضني ومازال يبحث عنه وسط الزحام وكانه لايبحث عنه !!!
رفع الاذان في القاعه الكبيره في الكنيسه العتيقة ، صلي المسلمين صلاة المغرب يؤمهم شيخ الازهر في قاعه فرشت خصيصا بالسجاجيد الخضراء لصلاة المسلمين بالكنيسه ، بعد الصلاة اقترب نبيل من يوسف مبتسما يشد علي يده ، ربنا يتقبل ، همس يوسف منا ومنكم ، بنظرات حياديه واعجاب ، صرح نبيل ليوسف انه يتابع مقالاته ويحبها وانه يشرفه ان يتعرف علي مثله كاتب كبير محب للوطن في هذا الافطار الجميل ، ابتسم يوسف وشكره ، عرفه نبيل علي ماري زوجته فاوضحت ليوسف ان زوجها معجب جدا بمقالاته وافكاره ، ابتسم يوسف وشكرها ، اكد له نبيل ، مقالاتك عظيمه يااستاذ اكيد عيلتك بتفخر بيك وباسمك وبافكارك ، وعاد كل منهم لمكانه .............
هل تنبت للبشر اجنحه كالملائكه فيحلقوا في السماء عاليا ...
هل رفعت ام النور مريم العذراء يوسف يومها وحلقت به للفردوس الاعلي !!!
هل تلك السعاده التي يشعر بها كمثل التي يشعر بها المؤمنين وقت يكافئهم المولي عز وجل بجنات عدن !!!
اكيد عيلتك بتفخر بيك !!!!
وانا وكمان والله يانبيل بافخر اني واحد منها !!!
لماذا احس ان فرعي النيل انتفضا من الخريطه واخذاه في حضنهما وانه يغرق في ماء الفيضان العفي القوي بمنتهي السعاده والامتنان!!!
وحين جلس علي مكتبه في تلك الليله ، كتب بقلم منتشي من السعاده ، في افطار المحبة الذي دعيت اليه وجدت مصر تجلس في مكان الصداره سعيده فرحه بابناءها العظام !!! وكانت واحده من اجمل مقالاته واكثرها صدقا !!!!!!!!!
حين قرأتها حبيبة ابتسمت وكادت تطلبه في التليفون تخبره باعجابها بالمقاله لكنها تذكرت فراره العمدي منها فتركت التليفون وبقيت تقرأ في المقاله مره واثنين و......... مازال سؤالها بلا اجابه ، انت مين يايوسف !!!!


( 30 )
يوسف
1999

اقتربت منه حبيبة الحبيبة وسالته تعبت يايوسف !!!
ارتمي في حضنها وبكي ، قوي قوي ياحبيبة !!!
تعبت ياحبيبة وخفت قوي !!
مازال في حضنها والهلاوس تعصف بوعيه وعقله ...
عشت حياتي كلها خايف ..
خايف علي الوطن الجميل اللي بحبه من السوس ..
خايف افشل في رسالتي ومهمتي ... البلد دي تستحق الناس تحبها ..
لكن .... واه من لكن ياحبيبة ..
سياسات غلط وسياسات صح ، حكومه وحشه وحكومه كويسة ..
شعارات وكلام ومواقف ومباديء ..
نمشي في سكه وقبل ما نوصل تتغير ..
نتصور اننا فهمنا ايه اللي بيحصل وقبل ما نفهم بجد الدنيا تتغير حوالينا ..
قرارات ترفعنا في السما وقررات تخسف بينا الارض ..
دول صديقه ودول اعداء ... والاصدقاء يبقي اعداء والاعداء يبقي اخوات وحبايب
حروب وتغيير سياسات ...
ظروف عالميه تحاصرنا وفساد واستبداد يحاصرنا اكتر
مرة اشتراكية ومرة انفتاح ..
مرة روسيا حليف استراتيجي ومرة امريكا في ايدها كل اوراق اللعبة ..
مرة اسرائيل عدوتنا ومرة اسرائيل واقع ولابد من الاعتراف والتعامل معاه ..
انا ياحبيبة ماليش دعوة بالسياسة لكن وبعد كل السنين دي اكتشفت ان السياسه هي البحر اللي اترميت فيه !!!
اللي بيقولوه السياسين ياثر علي رسالتي ، يهزمني ينصرني !!!
خبر في جرنان يخلي الناس تكفر بالبلد وسطر تاني يخلي الناس تشيلها فوق دماغها !!!
بحر عالي موجه عالي وانا في مركب صغير بمجداف مكسور بازعق ساعات في قلوب الناس وساعات في مالطة !!!
عشت في خوف ... خوف علي الوطن اللي يستحق الناس تحبه !!
ياتري ياحبيبة بعد كل السنين دي ، قدرت انا والعيلة نخلي الناس تحبه وتفضل تحبه !!!
اخذته حبيبة في حضنها
واخذت تهدهده مثل الصغار تغني له وهو يبكي ..
وحشتيني ياحبيبة ..
كان وعيه ذهب والهلاوس داهمته مثلما تفعل كل ليلة ، لكن هلاوس تلك الليلة كانت هلاوسه الجميله التي تمني لايفيق منها !!!
انت مين يايوسف ؟؟
سالته حبيبة الحبيبة ، فهمس لها ، انا اللي حبيتك ومقدرتش احبك ...
انت مين يايوسف ؟؟
انت مين يايوسف ؟؟....
انا ابن العيلة التي منحت الوطن كل حياتها ، سعت ومازالت تسعي ليحبه ابناءه مهما مر عليه سنوات عجاف وسنوات رخاء !!
انا الذي ناديت بحب الوطن في كل الدروب الصعبه ، مهمه واحده في حياتي خلقت لها ، هكذا عرفت بعد مامر العمر ، حب الوطن ، واكم من مرات شككت في هذا الحب ، واكم من مرات غضبت علي الوطن وشعبه واكم من مرات يأست واحسسته يستحق الكراهيه ، اكم من مرات دافعت عن الوطن وانا العنه وهاجمت من فروا منه وانا اتمني افر ولا اعود ، واكم من مرات صمت كي لاانطق كفرا ، فالكفر عندي هو الكفر بالوطن ، صمت كي لااكفر برسالتي التي لم ابذل في حياتي اي جهد الا من اجل نشرها ، احبوا وطنكم مهما كان ومهما صار !!!
لكني بقيت بداخلي انا يوسف الانسان العادي ، الذي يغضب ويكفر ويحب ويكره ، انا هو لكني قهرته كثيرا ، فعاش في احلامه يحبك فانت اول الممنوعات وعاش يعبر عن نفسه مع نفسه ولايصارح احد بمكنوناته حتي انت ، انا يوسف الذي احبك ويوسف ابن العيلة الذي كرس حياته لحب الوطن ، قولي لي بالله عليك ياحبيبة ، لو كنت مكاني هل كنت تتركين الرساله وتعيشي الغرام وحين تموتي يسقط اسمك من الكتاب ولا احد يتذكرك ولا يترحم عليك !!!
يلمح وجه حبيبة يبتسم في الظلام ... اعرف انك لو كنت عرفتي لعذرتيني !!!
اه ياحبيبة لو ادخل حضنك واموت !!!!
سمعها تهمس ، كنت عاذراك يايوسف عاذراك من اول لحظه حسيت فيها انك مش ملك نفسك !!!
ابتسم يوسف وسط هلاوسه وبكي !!!
افاق يوسف علي لمسات رقيقه من ابنته حبيبة !!!
قوم يابابا ، ابنته تمسك ذراعه والاخر تمسكه سعاد زوجته و والدتها ، السيده الطيبه التي تزوجها لان امه اختارتها له ، تزوجها بلا قلب وعرفت وقبلت واحبته ومنحته عمرها كله!!
هي التي تحملت نوبات جنونه وغضبه وعجزه وقهره !! ولم تساله عن السبب !!
نظر لسعاد وابتسم فابتسمت له وسحبته من ذراعه يسير خلفها لفراشه !!
وفي الفراش عادت هلاوسه فاحتضن حبيبة الحبيبه قبل ينام واحس الرضاء عن نفسه !!!
وغاب ولم يعد !!!!


( 31 )
نفيس
2000

متوترا في مكتبه يضرب الاجراس المتلاحقة يسال عن وصول نبيل !!!
وحين دخل عليه نبيل لم يهدأ ...
يوسف تعبان قوي يانبيل امبارح اتنقل المستشفي في غيبوبه !!
جهز نفسك علشان نحضر جنازته ونقف في العزا !!!
يتذكر نبيل يوسف وقت دخل عليه بمنتهي الحيويه والتمرد في تلك الحجرة !!!
يسال نفيس ، مين نحضر جنازته ..
انتفض نفيس غاضبا .... احنا يانيبل ، احنا العيلة !!!
ثم نظر لنبيل نظره عتاب ، احنا كنا ومازلنا عيلة بجد واهم واجب بتقوم بيه اي عيله محترمه انها تحترم ميتها وتاخده عزاه !!!
ابتسم نبيل لنفيس وودعه .... انا حابلغ اي حد اعرفه من العيلة وانت بلغ الباقيين .. وتحرك صوب الباب ...
فناداه نفيس ... ماتسافرش الاسكندريه الايام دي يانبيل
ابتسم نبيل ، مش حاسافر ...
علي فكره يانفيس ، فيه كاتب جديد صغير ولد ممتاز ، راح زار يوسف قبل مايخش في الغيبوبه وقعدوا اتكلموا فتره طويله والولد قال ليوسف انه كان طول عمره قدوته وتاثر بافكاره وحبه للبلد ويوسف قاله انه بيقرا له ساعات وحاسس انه حيكون امتداده ، كانت قعده حلوه قوي ، ويوسف انبسط خالص منها ..ولوح نبيل لنفيس مودعا ، انا حامشي بقي يانفيس ولو فيه حاجه اتصل بي !!
وقبل مايخرج من الباب ساله نفيس .... تفتكر يانبيل احنا قدرنا نعمل حاجه مفيده للبلد دي !!!
نظر له نبيل بمنتهي الحب ، اكتر مما تتصور ، كل واحد من العيله في مكانه كان قلب بينبض بحب البلد ونموذج وقدوة ونشر حبها في كل القلوب .. ثم ابتسم له ، هي صحيح فكرتك كانت مجنونه يانفيس ، لكن الايام اثبتت انها فكره عظيمه !!!
وخرج من الباب وترك نفيس في مكانه متأثرا منفعلا يكاد يبكي !!!
بل بكي فعلا !!!

( 32 )
القاهرة
2000


في قلب القاهرة ازدحام رهيب ...
وامام الجامع الكبير وسط المدينه كان هناك الوف الناس ينتظرون خروج النعش لتبدأ جنازة يوسف ...
سارت حبيبة وامها واخيها وسط الناس مرتبكين ..
تبكي حبيبة لكنها تشعر زهوا لاتصدق ما تراه ..
كل هؤلاء البشر جاءوا ليودعوا ابيها ...
شباب صغير يحمل باقات ورود بنفسجيه .. فتيات تتشح بالسواد وتبكي ..
كهول وعواجيز يتساندوا علي بعضهم في الصفوف الاولي ، نساء كثيرات يبكين بحرقة ..
كتاب صحفيين ... ممثلات ممثلين ... رجال السياسه والدولة ، رجال الحكم والمعارضه ..
قساوسه كثر ، شيوخ معممين كهولا وشباب ..
هذا الصحفي تعرفه ، هذا الوجه مألوف لكنها لاتعرف صاحبته ، ربما كانت استاذتها في الجامعه ، ربما تظن انها تعرفها ..
كثيرون شدوا علي ايديها وايدي اخوها يواسون نفسهم في الباشمهندس يوسف الذي عملوا معه من سنوات بعيده لكنهم لم ينسوه ابدا ..
هل هذا بواب العماره التي علي ناصيه شارعهم .. المكوجي ، البقال وصبيانه ، عم علي بتاع كشك السجاير ، ام محمد بياعه الزبده واقفه تعيط علي جنب بجلبيتها السوداء ...
تتعجب حبيبة ، كل هؤلاء البشر الالوف الكثيرة جاءوا لوداع ابيها ...
وسط الزحام ، كان نفيس ..
وسط الزحام كان نبيل وماري واولادهما ..
وسط الزحام كانت حبيبة وابنها تشرح له ان يوسف كان صديقها الحميم وراجل جدع وكان بيحب البلد قوي !!
وسط الزحام كان زملائه في الجريده التي يكتب فيها مقالته الاسبوعيه ..
كان الكاتب الصغير الذي زاره قبل غيبوبته الاخيرة ومعه خطيبته يهمس لها ، كنت باحبه وباحترمه قوي!!
رجال كثر يعانقون شقيقها بقوة وحزن ويواسوه بكلمات تقطر وجعا لان الفقيد كان اخويا وانت ابن اخويا..
مازال الزحام شديد ومازال النعش في صحن الجامع لم يخرج ..
ومازال بشر كثر يتوافدون لمكان الجنازة علي وجوههم حزن واصرار يشيعوا يوسف للجنة ، هو ابيهم واخيهم وخالهم وعمهم وابن عيلتهم اللي اتشرفت به ..
وخرج النعش محمولا علي اعناق غرباء لايعرفهم الابن ،جذبوه وسطهم ليحمل نعش ابيه ..
انتظمت الجنازه بسرعه صفوفا متلاحقه خلف نعش يوسف ، الفتيات يحملن الورود في الصف الاول ، رجال الدوله وضباط ومعارضين من كل الوان الطيف السياسي ، شيوعين واصحاب ذقون ورجال ارستقراطيين وعمال وفلاحين ، هذا مقدم برامج شهير يتكأ علي ذراع ممثل كبير يبكون بحرقة ، رجال ونساء كثر ، كان مصر خرجت كلها خلف نعشه تودعه و.......صرخ الكاتب الشاب يودع يوسف ويشاور عليه ، ابنك يامصر حبيبك يامصر علشانك يامصر كتب يامصر وقال يامصر وحبك يامصر ، يردد خلف الكثيرين من اعماق قلوبهم وحبك يامصر تتداخل اصواتهم واصوات اخرين يصرخون لا اله الا الله ، لا اله الا الله ......
وصاخب الحشد الصاخب الجثمان للمقبرة واستمر في صوان العزاء ليلا وترددوا علي منزله ايام ثلاث اطواف من البشر تذهب وتجيء يواسوا انفسهم في وفاه يوسف ابن العيلة وابن مصر ...
وكانت روح يوسف تراقبهم كلهم سعيده راضيه ...
يتردد علي سمعها هتافات الشباب ، ابنك يامصر !!!




نهاية الجزء الثالث
ونهاية الحدوته

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

دمعة هربت من عينى لوداع يوسف حتى اننى احسست بحزن تراب مصر عليه وفى ظروف مصر الحاليه اتسائل هل يوجد بيننا يوسف هل يوجد من يجنب نفسه ومشاعره بل وحياته كلها من اجل مصر ومن اجل ان يحبها المصرييون هل منا من سيفرط فى محبوبته لانه باق على العهد مع الوطن اصدقك القول انى اتمنى بل انى ساعيش على امل ان تكون العائله موجوده خارج ورقك ونحن فقط لا نشعر بها فهذا معناه اننا سننهض سريعا مما نحن فيه لانهم سيساعدونا على ذلك

انت ببساطه كاتبه رائعه

أسامة جاد يقول...

الافكار يايوسف ساعات بتبقي اخطر من القنابل .... القنبله حتكسر بيتين تلاته وتموت عشر انفار ، لكن الافكار ممكن تسرق عقول ملايين وتحرق جيل واتنين وتلاته تضيعهم ومعاهم البلد ... فكره واحده ، تضيع البلد
سوف لن أضيف كثيرا عندما أشير إلى فرحي بالحدوتة .. بالفكرة والمضمون .. بلعبة الكلمات التي صاغت عالما أحببته وشخصيات عايشتها وتوحدت معها .. لن تندهشي لو أخبرتك عن دموع حلوة وجدتها تنسكب حرة في مشهد الصلاة في الكنيسة أو في جملة "مقالاتك عظيمه يااستاذ اكيد عيلتك بتفخر بيك وباسمك وبافكارك" .. بكيت فعلا كما أظنك فعلت وأنت تقرأين ما نسجت مرة أو مرات .. أحببت أن أشير إلى انتباهي للعبة التواريخ التي بنيت مقاطعك في ضوئها وكأنما تقفزين في حرية مقصودة على خط الزمن .. قد أكون اختلفت مع النهاية التي أخذتني في دائرة "ولد وعاش ومات" .. فضلت لو كانت مفتوحة .. ولكنك نجحت في فتحها بعض الشيء في فكرة تسليم الراية في ماراثون يشبه الخماسيات ولكنه لا نهائي ما بقيت مصر ..
أحببت الحكاية كثيرا يا أميرة .. وسعيد بلا نهايات بك يااستاذة اكيد عيلتك بتفخر بيك وباسمك وبافكارك