( 38 )
زغاريد عالية وصخب !!!
انه صوت الفرحه في بيت العروسة !!!
تهانيء وقبلات وزغاريد واتفاقات وهدايا !!!
شربات وشاي وعشا وفاكهه وابتسامات واسعه !!!
لكن قلبي سقط في الهوة السحيقه بلا فرحه !!! همست اصيلة لنفسها وهي تتامل حمزة ذلك الرجل المتعب بروحه المنهكه يبتسم بصعوبة وهو يختلس النظرات لعينيها يبحث عن دفء لايجده !!!!
يتبسم لها فتبادله الابتسام ، لكنها لاتشعر بفرحة في عينيه ولا حنان !!!
لاينظر لها لكنه يتم مأموريته التي نزل خصيصا من اجلها ... نكتب الكتاب بعد اسبوعين واسافر ، ولما اجهز ورق الاقامه حابعت لها تحصلني ، يبتسم الاب فرحا ، علي بركه الله !!!
( 39 )
لاينظر لاصيلة كانه لايخطبها هي ، يتحدث عنها كأنها غائبة عن مجلسهم ولا قرار لها ، لم تمنحني ياحمزه ماكنت انتظره ، لست الذي كنت انتظره .... حوارها الداخلي محتد وابتسامه علي وجهها لاتفصح عن اي شيء !!!
تزغرط امها وامه ، تبكي حوريه فرحا ، لكن كل مايحدث لايعجب اصيلة !!!
استأذنت من ابيها وخرجت من الحجرة !!! نادته ولم تنادي امها ..
شرحت له ، يابا كل الحديت مش عاجبني ، هو لسه فاكرني بهيمه حيجرها بكيفه ، لاسالك عن رايك ولا كأنه شايفني ...
ارتبك ابيها ... هواك ايه يااصيلة ؟؟؟ مافيش كتب كتاب ياباا الا لما اعرفه ويعرفني !!!
تخرج الام من الحجره مرتبكه ، فين ايه يابت ، فيه ايه ياحاج ، خير !!!
تتجاهلها اصيلة ، يابا ده واحد تاني ولا كأني اعرفه !!!
( 40 )
دقت امها علي صدرها وكادت تصرخ ، ليه يابت ناقص عين ولا ناقص رجل ، مش ده يامايله اللي قعدتي تستنيه ، اهو رجع اهو ، بشحمه ولحمه وفوقها فلوسه وهداياه ، بتتعوجي علي ايه !!!
اشار لهم ابيها ليصمتوا ، اكتمي يااصيلة ، دلوقتي الكلام مامنوش فايده ، زياره تعارف لااكتر وتمت بعد غياب طويل ، ياخدوا واجبهم وبكره ولا بعده ، اجيبه ونرجع نتكلم ، لسه الوقت طويل ، ياخدوا واجبهم ويتكلوا علي الله .. وقبلما تلطم زوجته وجهها لان ابنتها مجنونه وحتفطش العريس ، نظرلها نظره مخيفه فصمتت !!!
و......... انت فين ياحمزة ، تحدق اصيله في عينيه لاتجد حمزة الذي كانت تستناه !!!!
( 41 )
خلع ملابسه وتحمم بماء بارد ، ارتمي علي الفراش مبلول الجسد ، تأفف ، الدنيا حر قوي !!!
همست امه ، حر ، امال هناك ايه ، سمعها وضحك ، هناك فيه مكيفات !!!
لم ترد امه !!!
يحدق في السقف !!! لماذا احس براحه وقتما طلب ابيها منه ان يؤجل كل الاتفاقات لزياره لاحقة !!!
امه غضبت وحوريه كمان ، احسا ان البت المايله وابوها شرابه الخرج بيتلاعبوا بيهم ، كاد يغضب لكن احساسا بالارتياح اجتاحه بلا مقدمات فوافق الرجل واتفقا علي ميعاد لاحق !!!
( 42 )
يحدق في السقف ويحاول يتذكر ملامح اصيلة التي كانت يحبها !!!
اليست هذه هي الفتاه التي احبها والتي سافر حتي يليق بها زوجا وسندا وعاد عندما اصرت علي عودته !!!
اليست هذه هي الفتاه التي عاش سنوات تسع يحلم بها ويتمناها !!!
لماذا احس اغترابا في عينيها وتره !!!
نظرت في عينيه ثم هربت من نظراته !!!
مالذي شاهدته ففرت منه !!!
انتبه لاحاسيسه ، نعم ، اصيلة فرت منه ، عندما تلاقيت اعينهما فرت منه ، بقيت بجسدها وجمال وجهها وابتسامتها لكن روحها فرت منه ، ليه ، لماذا فرت منه ، سؤال لايعرف له اجابه !!!
هربتي ليه يااصيلة !!! هربتي ليه !!!!
( 43 )
امه تلح عليه ، حدد ميعاد يابني تزورهم وخلصنا ، نفهم راسنا من رجلينا ، لسه رايدها ااقرا فاتحه وخلص الموضوع ، ماعدتش عاجباك روح وحط لهم العقده في المنشار وارجع شوف مصالحك !!!
ثم تساله فجأ ، الا انت مش ناوي ترجع تاني ياحمزه ، حتفضل متغرب كده ياضنايا !!!
حوريه لاتوافق امها علي رايها ، ياامه لايروح ولا يجي ، ان استعوقوه يبعتوا له وان كانوا مالهمش غرض احنا كمان مالناش غرض ، بقولك ايه ياحمزه ، ماتعبرهاش ، البت اتمرعت ، سكتنا لها اتفرعنت ، احنا اللي غلطانين ، لو من الاول قلنا لانازل ولاطالع وان كان عاجبكم ، كان زمانهم اتعدلوا ، لكن طاوعناهم فاتبغددوا !!!
يسمع حمزه امه ، يسمع حوريه ولايرد !!!
نعم هو عاد من اجل اصيلة التي حلم بها طيله العمر ، لكنه حين عاد احس في عينيها غربه اكبر من التي يحسها في المدينه المدفونه في الصحراء ، مش دي الصبيه اللي كان بيحلم بيها !!! مش دي اصيلة ، امال دي مين !!! يرتبك ، انا اساسا مين !!!
( 44 )
يتمني ينهي رحلته بسرعه ويعود لغرفته التي عاش فيها سنواته التسع ، هناك يعرف نفسه ، هناك يشعر بغربه الفها واحبها واعتاد عليها ، لكن هنا ، في البلده والبيت والفراندة ، لايعرف نفسه ولايجدها ، يشعر غربه لم يشعر بها من قبل !!!
تقترب منه امه ، يابني الناس مستنظرين ، مايصحش نسيبهم كده ، يسالها ، الا ياامه شايفني ازاي ، تضحك امه ، انت ضنايا اللي الدنيا ضنت عليه بالفرحه ، شكلك اتعذبت ياحمزه ، روحك ياعين امك اتكوت بنار الغربه ، ياحبيبي انت رجعت ولسه مارجعتش ، يضحك ، يعني انا مش انا ياامه ، تضحك وهي تطبطب علي ضهره ، لا ياحبيبي انت انت ، بس شكلك رهقان والشغل الكتير سلسلك بهمه !!!
ايوة هي دي ياامه الكلمه اللي بدور عليها ، انا اتسلسلت ياامه ، اتسلسلت !!! الغربه سلسلتني وجوابات البنك سلسلتني والصحرا سبت روحي وسلسلتني !!! تاخذه امه في حضنها ، ماتعتلش هم ، بكره ترجع زي زمان واحس !!! نبراتك كاذبه ياامه ، تعرفي ان ماتقوليه لن يحدث ، كنت حر ياامه واتسلسلت !!!!
يغمض عينيه ويتمني ينام ، يسال اصيلة ، انت كمان عرفتي اني متسلسل ، علشان كده هربتي وماانتيش راجعه !!!
لاينتظر ردها وينام نوم عميق !!!!
( 45 )
الدموع تنهمر من عيني امها لا تتوقف ، كالامطار الاستوائية ، الحزن سيقتلها !!!
تلمح لابيها ، الجدع مارجعش يعني !!! يهز الاب كتفه بعدم اكتراث ، بكيفه ان شاءالله مارجع !!!
تسال اصيلة ، الا يابت الجدع ماكلمكيش !!! تضحك اصيلة ، لا ومش حيكلمني !!!
تبكي الام وتلطم خديها ، طيرتي العريس يامايلة ، حظك منيل ومنين حتشتري غيره !!! ثم تهمس لها ، مش ده يامايله اللي ضيعتي عمره علشانه ، تهز اصيله راسها ، اه هو ، تخفض الام صوتها ، وبعدين يابت ، جري ايه ، لما رجع طفشتيه ليه ، تضحك اصيله ساخره من مرارة الحياه وخيبه املها ، اصله ياامه مرجعش !!! لاتفهم الام بدقه ماتقصده اصيلة ، ازاي يابت ماهو رجع وشايل ومحمل ومادد ايده ، انت تعرفي عنه حاجه احنا مانعرفهاش ، تهز اصيلة راسها ، لا معرفش ، كل اللي اعرفه انه مارجعش ومش حيرجع !!!!
تعود لزوجها مرتبكه ، انت حتفضل ساكت !!! ينهرها الاب ، اياكش حادلل علي بنتي ، لو رايدها بابنا مفتوح ، تشرح له ، بتك اللي بقت مش رايداه ، باينها اتجننت ، يهز الاب راسه ، لو جه وخبط علينا تاني حابقي اساله قبل مااحط ايدي في ايده ، ريحي نفسك انت وشيلي الموضوع من راسك وسيبيه علي ، اوعي تتصرفي من دماغك ياام اصيلة !!! ترتعد فرائصها من نبره صوته ونظرته وتصمت !!!
الام تكاد تجن ، تتمني تتسلل لبيت حمزه وتساله عما يحدث ، لكن زوجها سيقتلها لو خالفت رايه ودست انفها في الموضوع !!!
( 46 )
تدخل علي ابنتها ، تجدها علي الكنبه بجوار الشباك تحدق بعيدا ، بتبصي علي ايه يابت ، يابت رسيني علي الدور ، ولاهامك وعلي قلبك مراوح ، سمعتي عنه حاجه وحشه ، يابت ريحي قلبي !! تضحك اصيلة ، ياامي ريحي قلبك ، مافيش حاجه !!!
تخرج اكثر غضبا من غرفتها وتتركها وحدها ... تسحب اصيله نفسا كبيرا من الهواء في صدرها ، الا ريحتك مش في النفس ياحمزه ولاكانك جيت ، لما سلمتك عليك جتتي ماحسيتكش ولا كانك انت ، لما بصيت في عينك مالقيتكش ولاكأنت رجعت !!! انت فين ياحمزة !!!
( 47 )
ادرك ببساطه انه غريب !!!
في داره وسط اهله صار غريبا !!!
كل ما ألفه وادمنه وعاش وسطه متذمرا عليه خاضعا له تلاشي فلم يشعر الا الغربة !!!
عندما سافر قهر نفسه وعندما عاد لم يجدها !!!
عندما رحل بكي لانه يترك حياته وهناك في المدينه المدفونه في الصحراء عاش اياما تصورها خارج حياته وعندما رجع من غربته ادرك انه وقع في فخ الغربه ادمانا لايحبه ولا يقوي علي البعد عنه !!!
احس حمزة فجأ انه يرتعش !!!
نائم علي فراشه في دار ابيه يرتعش من الحمي !!!
( 48 )
لعنه الله علي الحقيقه ، عندما واجهها مرض وتمكنت الحمي من جسده ، كان يعيش وهما جميلا لكنه افاق منه بعينيها ، عرته كشفته فضحت وهنه وغربته واغترابه عنها وعن حياته التي كانت وعن نفسه !!!
لقد لفظتك ياحمزة !!!
لفظتك وقتما ادركت انك تشبه حمزه لكنك لست هو !!!
وحين ادركت انت ماادركته هي بمنتهي الفطريه والسهوله ، مرضت !!!
كنت تظن انك اخبأت نفسك من الصحراء تصونها من الجدب ، فاكتشفت وقت عدت الوادي الاخضر انك ضيعت نفسك ولم تعد موجوده لا هنا ولا هناك !!!
الغربه قدرك ياحمزه ، هناك انت غريب تتمني تعود ولا تقوي ، وهنا انت غريب تتمني تبقي ولن تبقي !!!
خريطه الغربة محت كل الخرائط وحياه الغربه التهمت كل الذكريات وبقي الجسد حائرا بلا روح بعدما خنقتها الصحراء واصفارها !!!
( 49 )
نام نوم عميق ......... منذ عاد ينام كثيرا ويتكلم اقل القليل !!!
نام فسالته اصيلة في الحلم ، ازيك ياحمزه ، فكر كثيرا قبلما يرد عليها ووقتما هم يرد عليها لوحت له واختفت !!!
استيقظ من نومه مقررا حجز تذكره السفر ، ذهاب فقط هذه المرة !!!
اصفاره الوحيده التي تؤنسه واصفاره هناك وهو غريب هنا وهناك !!
ساعود لعملي ... اخبر امه وهو يتسلل وسط الليل بحقيبه صغيرة علي كتفه لم يحمل فيها الا دفتر شيكاته وجواز سفر وتذكرة ذهاب بلا عودة !!! لم يمسح دموعها ولم يعدها باي وعود وودعها ولم يبكي !!! ينهب طريق الرحيل مسرعا !!! لايريد شيئا يوقفه او شخصا يستوقفه او ذكري واهنه تعطله عن رحيله !!!
هذه المرة ايضا لم يودع اصيلة ، لم يجد كلمات منمقه يقولها لها ، لم يرغب في اعتذار لايحسه ، سارحل ولن اعود ، اعرف هذه المره اني لن اعود فلما اورط نفسي واورطك في كلمات جوفاء لن نحسها !!!
للمرة الثانية تسلل في وسط الليل ولم يودع اصيلة ورحل الي المدينه البعيده المدفونه في رمال الصحراء وانقطعت اخباره !!!!
( 50 )
سالها ابيها بعدما عرف برحيله ، سالها ، كنت بتحبي حمزه يااصيلة !!!
لماذا قرر ابيها يخلع برقع الحياء ويكشف وجهها ويسمعها ، ربما تصورها حزينه قليله الحيله فاراد يهون عليها ، ابتسمت بحزن ، حمزة ماجاش يابا ، اللي جه واحد شبهه لكن هو ماجاش ، وعرفت انه مات هناك !!!!
لم يجد ابيها كلمات يواسيها بها ، لم ترد علي سؤاله ، لكنها كشفت عن مشاعرها ورايها في كل ماحدث ، اخذها في حضنه وعانقها بقوة ، دفنت راسها في حضنه وبكت الرجل الذي كانت تنتظره فمات وخذلها ولم يعد !!!!
ونسي ابيها الامر وتجاهلت امها كل ماحدث كانه لم يحدث بعدما بكت كثيره علي ميله بخت ابنتها !!!
( 51 )
وبقيت اصيلة حائرة عما اصاب حمزة !!!
تتمني تساله مالذي جفف روحه وبدد حيويتها !!!
مالذي رشق الزجاج في عينيه والشوك في كفيه وزرع رائحه الموات في مسام جسده !!!
تتمني تساله ، لماذا تهت !! لماذا لم تعد وقتما شعرت ان الدوامه تبتلعك ، لماذا لم تقاوم وتتمرد وتعود لدفء البلدة وحضنها مفلسا بلا اصفار تثقل موازينه في اسواق المال ، لماذا لم تعد رجلا وسيد الرجالة وبقيت ذليل للاصفار حتي فقدت رجولتك ونفسك وصرت غريبا في اي مكان ، تحمل الغربه داخلك لاتحبها ولاتملك ارادة الفرار !!!
تتمني تساله ، لماذا كنت ستخدعني وتقلعني من جذوري وتخطفني للصحراء وتأسرني في موتك وانا المحبة للحياة وللاخضر وحقول القمح والصفصافة !!! فقط في تلك اللحظه تبكي اصيلة ، يصعب عليها نفسها انه تغير لدرجه انه كان يحكم عليها بالموت دون شفقه !!
ومازالت تحب حمزة الذي كان !!!
بقيت في الدار وحيدة بعدما مات ابيها ولحقت به امها .. لم تتزوج وحافظت علي عنوستها وبكاره قلبها وحبها الضائع !!!
ولم تغادر البلدة ومازالت تنظر من خلف قضبان نافذتها علي حقول القمح الذهبيه وتضحك بصوت صاخب وتلتحف بغطاء جدتها فوق فراشها المعدني القديم وتنام قريره العين لايزعجها حلم مستحيل ولا كابوس مخيف !!!
( 52 )
كم سنه مرت ياحمزة علي رحيلك الاخير !!!
كم صفر كنزته في البنك !!!
كيف حولت حياتك لاصفار كثيرة ؟؟؟؟؟؟؟
سؤال يساله لنفسه ولايجد وقتا يرد عليه !!!
وتساله له كل ليله اصيله بعيون باكيه ولاتنتظر اجابته وتعطيها ظهرها وترحل !!!!
ومازال غريبا وسط الصحراء يكنز الاصفار !!!
وكل شيء بينسرق مني
العمر من الايام
والضي من النني
وكل شي حواليه يندهلك
جوايا يندهلك
ياتري بتسمعني
وفينك
بيني وبينك احزان وبيعدوا
بيني وبينك ايام وينجضوا
شجر اللمون دبلان علي ارضه
انتهت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق