( 8 )
1962
منيل الروضة
هائمة مع افكارها وذكرياتها وسط المعزيات ، تشرب القهوة بارده وتتمتم
بكلمات ممضوغة ردا علي كلمات المواساة والتعزية التي تلقيها الصديقات علي اسماعها
، تدخل في احضانهن كالعمود الخشبي ذراعيها يتحركا بتلقائيه علي ظهورهن وكأنها التي
تواسيهن ، ظنن ان صدمه موت ابيها الباشا افقدتها صوابها ، لايعرفن ماتشعر به من
فرحه دفينة ، لو يعلمن انها تتمني لو ارتدت ثوبها الاحمر الفاخر الذي كانت ترتديه
في تلك الليله السوداء لظننها جنت ، ربما هي جنت ، جنت منذ ذلك اليوم البعيد
وازداد جنونها عنفا وهي في بيت ابيها معلقه تنتظر طلاقا بعيد لن تحصل عليه لانه
يفضح العائله ويخالف القواعد والاصول التي حرص ابيها الباشا طيله عمره علي الحفاظ
عليها ، معندناش حد اتطلق قبل كده يانبيله ، جمله رددها عليها كثيرا ، تاره برقه
وتاره بعنف وهو يصرخ ويكسر الاكواب الكريستال ، تاره وهي في حضنه تبكي ، وتاره وهي
في مكتبه تتوسل اليه يفك اسرها ويطلقها من الزوج العابث الذي اثبتت الايام انه لا ابن
اصول ولا محترم كما تصوروا جميعا!!!
تشعل سيجاره فترتفع كل الاعين صوبها ويكاد قلب امها يقف من الرعب ، نبيلة
الاناضولي بتشرب سجاير زي "الارتيستات" في مأتم ابيها الباشا ، همست
النسوه لبعضهن وتناقلن الخبر في جلسات النميمه ، لاتكترث بنظراتهن القاسيه ، تغرق
في ذكرياتها البعيدة والعذاب الذي عاشته بعد تلك الليلة البعيده ...
في ذلك اليوم الاسود ، كانت في الاوبرا مع امها واختها ، زوجها
كالعاده لم يرافقها لانه مشغول في عيادته وزوج اختها خارج مصر في عمله الدبلوماسي
وابيها في اجتماع هام في شركته ، ذهبت هي وامها واختها ، كانت متوترة ، تتمني
زوجها المشغول دائما يصاحبها ويشاركها اي شيء تحبه ولو كانت مجرد حفله باليه مدتها
ساعتين ، لكن مراد تحجج كعادته ، مشغول جدا ، قذف علي خدها المحتقن قبله بارده
واعطاها ظهره وانشغل بنفسه كعادته ، في الاوبرا لفت برأسها علي كل المقاعد حولها ،
النسوة كلهن يجلسن مع ازواجهن ، تعرفهن وتعرف ازواجهن ، رجال في وظائف واعمال
مرموقه وربما اكثر انشغالا من زوجها ، لكنهن يمنحن نساءهم بعض الوقت الا هي ،
زوجها لايمنحها وقت ولا حب ولا اهتمام ،احست دوار وصداع ، غثيان وتقلص في معدتها ،
اعتذرت لامها واختها وقررت تعود لمنزلها تبكي براحتها ، لم تكمل حفل البالية الذي
حجزوا تذاكره بصعوبه ، عادت لمنزلها في ميعاد ابكر من ميعاد عودتها المتوقع ، بحثت
عن مفتاحها لم تعثر عليه في قاع حقيبتها ، ضربت الجرس فلم تفتح الخادمه ،عاودت
البحث وهي تتأرجح من الدوار وتقلصات المعده ، اخيرا عثرت عليه وفتحت الباب ، الشقه
مظلمه الا حجره الخادمه ، تصورت رشدي نائما والدكتور مراد مازال في العياده
والخادمه تسمع الراديو في غرفتها كالعادة ، لكن فأرا شرسا تلاعب في عبها يخبرها
شيء اخر غير كل ماتتوقعه ، عكس مااعتادت عليه لم تذهب لحجرتها وتخلع ملابسها
ومصاغها ، وقفت في الصاله ونادت الخادمه القبيحة ، نبوية ، لم ترد عليها ، شيء
ماهمس في قلبها بأن شيئا مريبا يحدث في منزلها، كررت النداء بصوت اعلي ،
نبوية ، لم ترد عليها فتحول الفأر في عبها
لتمساح نهاش ، تسللت علي اطراف اصابعها لغرفه نبوية ، لمحت من الفتحه الصغيره
الدكتور الكبير عاريا يمتطي الخادمه القبيحه ، يفح باصوات مقززه ويعوي مهتاجا،
تبادله الخادمه الفحيح والعواء والغنج ، تلمح قسمات وجهه وهو مغمض العينين يفح
بجسده الثقيل فوق جسد الخادمة ، ملامحه مخيفه مثيرة للغثيان ، لمحت يديه يمزقا جسد
الخادمه ، الجسد الاسود العجف ، لمحت لعابه يسيل فوق صدرها ، فزعت ، تقلصت معدتها
اكثر واكثر ، كادت تفتح الباب وتضربهما معا بالشبشب ، لكن كرامتها منعتها ، لن
تواجه الخادمه وزوجها الذي هجر فراشها وهو يمتطيها ويفضل جسدها القشف علي جسد
زوجته المرمري المخملي الانيق ، لن تواجه الخادمه ، لم تمنحها انتصارا عليها ، لن
تواجهه وهو عاري يعوي من الرغبه فوق الخادمه القشفه ، لن تواجهه ولعابه يسيل فوق
ثديها الذبل ، لن تواجهه هو يفح ويفح ، و............... حلقت فوق الارض تشعر
جنونا يمزق روحها ، تشعر الارض قذره وجدران المنزل والهواء الذي يدخل جوفها ، كل
شيء حولها يشعرها بالقذاره والتقزز ، الهواء مر فوق جسديهما وحمل رائحه شهوتهما
لانفها ، الارض سارا عليها متعانقين للحجرة القذره وفراشها الحديدي والرغبه تكوي
بدنيهما فيتلويا ويتلويا ، جدران المنزل قذره لانها صمتت وقبلت خديعتها واخفت عنها
حقارة الدكتور الكبير ، لم تنهدم فوق راسه والخادمه ، لم تهوي فوق جسديهما ، لم
تنهار تكتم انفاسهما الحقيرة ، حلقت فوق الارض تجري صوب باب الشقه ، تسللت منه
وهبطت السلم بسرعه ، حين وقفت علي الرصيف امام سيارتها ، مادت بها الارض ، تحاملت
علي نفسها ، لن تفقد الوعي امام شقتها فيحملها البوابين للشقه ويكتشفوا الفضيحه ،
قادت سيارتها كالسكاري ، دموعها تنسكب في جوفها تحرقها ، فهو احقر من ان تبكي عليه
، وطبعا لن تبكي علي نفسها ، لن تشعر بالاهانه ولا الهزيمه لان خادمه دميمه قبيحه
افلحت تجعل الدكتور الكبير يعوي كالكلب الجرب وهو يعبث باصابعه القذره فوق جسدها
القشف !!!
و...................... عايزه اتطلق !!! همست لابيها وفقدت الوعي !!!!
وتتساقط دموعها ، ربما حزنا علي ابيها وربما قهرا علي مامرت فيه وبه ،
حزينة نعم لكن في داخلها احساس غامض بالسعاده ربما لان حريتها صارت اقرب اليها مما
تتصور ....و.......... الله يرحمك يابابي!!!
( 9 )
2010
جاردن سيتي
نامت فاطمه بعدما اعطتها ادويتها واغلق عثمان غرفته عليه بعدما تناولت
العشاء وانتهي عمله اليومي ، اطفئت فاطمه انوار الشقه وسألتها قبلما تحكم اغلاق
باب حجرتها ، تؤمري بحاجه ياهانم ، اشاحت لها بيدها لتنصرف ، تأملت جدران حجرتها
والوانها ، الستاره فوق النافذه الكبيرة ، المرآة التي كانت لامعة ، كل شيء حولها
شاخ مثلها ، كل شيء طمس الزمن جماله مثلما محت الايام جمالها ، كل شيء مثلها ينتظر
الموت ، لايملك غدا ، فقط يملك ماضي كان سعيد ، كل شيء حولها لايملك الاذكريات مثل
ذكرياتها التي تعود اليها بين كل حين واخر لتشعر انها عاشت وانها مازالت حية ...
نزلت من فوق فراشها وسارت كمثل معظم لياليها صوب خزانتها العتيقة ، مدت
اصابعها المدربة تحت ملابسها واخرجت اطاراتها الذهبية العريقة ، مسحت علي زجاجها
الباهت باطراف اصابعها وابتسمت ، ثلاث صور وثلاث ازواج والعمر مر كله وهاهي وحيدة
، تحدق في الصور وتبتسم ساخرة من الاسم الذي لاحقها عمرها كله وكأنه مكتوب علي
جبينها .. وكأنه ؟؟ بل هو فعلا مكتوب علي جبينها ، شربت من كأسه مر وشهد ، فرحة
وحزن ، عشق وغضب ، حياة وموت ...
صورتها الاولي ، هي والدكتور مراد اناضولي ، لوت شفتيها غضبا وكرها ، تتذكر
يوم تزوجت صاحبة العصمة الانسة نبيلة الكرملي من الدكتور مراد بك الاناضولي ...
تتذكر يوم زفافها ، 20 ابريل 1951 وتزداد غضبا ، صارت تكره اليوم والشهر والعام
الذين ربطوا مصيرها بالاناضولي ، تسبه صامته باقذع الالفاظ ، تتمني لو امامها
لتمزق وجهه المتعجرف باظافرها ، تحدق في صورة زفافها والدكتور مراد !! وتهيم مع
ذكرياتها !!!!
فستانها دانتيل طويل قضت تهاني الخياطه ايام وليالي تشغل في ورداته بخرج
النجف الفضي ، يزين جيدها عقد ماسي اهداه
له ابيها الباشا يوم زفافها ، اوصي زوجها الدكتور مراد بها خيرا لانها حبيبة قلبه
واخر العنقود ، لكن مراد لم يسمع وصيه ابيها ومسح بها التراب وجعل سيرتها كقطعه
الماستيكة تلوكها كل الالسن في جلسات النميمة في نادي الجزيرة وعند بول الكوافير
وفي لقاءات الثلاثاء الاول من كل شهر والتي تعقدها نسوة حي منيل الروضه ليتسامرن
!! صارت هي مادة الحديث الاولي والدائمه بعدما هجرت بيت زوجها وحتي دخنت السجائر
المتلاحقة في مأتم ابيها وحتي طلقت من الدكتور مراد بفضيحه صممت تعايره بها ولم
تحفظ سره وتتحمل نزواته ككل بنات الاصول والعائلات الراقية !!!!
همست ، ربنا يرحمك يااناضولي ، ماتجوزش عليك غير الرحمه ، ترفع عينيها
للسماء ، بس عمري ماسامحتك ولاحاسامحك ...
صورتها الثانية ،هي والسفير السندسي ، ابتسمت وطلبت له الرحمة والجنه
ونعيمها ، الله يرحمك ياحبيب قلبي ، قطبت جبينها خوفا من المهندس مراد مرعي الذي امرها
في حياته وبعد موته بالاخلاص له ومحو كل تاريخها ، 5 اغسطس 1966 ، تزوجت السيدة
نبيلة الكرملي من سعاده السفير مراد السندسي ...تحدق في صورة زفافها ومراد بك ،
سفير جلاله الملك في فرنسا ، تزوجته بعدما تقاعد قبل بلوغ الستين بسنوات كثيرة
لقيام الثورة المجيدة باحالته للمعاش هو وكل اطقم وزاره الخارجيه ممن عملوا تحت
سلطان التاج الملكي وعلم مصر الاخضر ، ترتدي فستان ستان قصير عاري الاكتاف وطرحه
قصيرة علي كتفها مزينه ببعض الوردات اللولية الساطعه ، في الصورة يحتضنها سعادة
السفبر بمنتهي الوله ، يلف ذراعه حول وسطها وكأنها يراقصها بمنتهي العشق ، ضاربا
بكل التقاليد الصارمة عرض الحائط ، تحدق في الصورة وتبتسم ، رجل ابن اصول ويعرف
التقاليد ويعشقها ، لكن داء القلب اللعين
لم يمهلها تعيش معه بقيه عمرها ، فرحل في عام زواجهما الثالث عشر وتركها مقهورة
تبكيه طويلا ... الله يرحمك ياسندسي ياحبيبي وسامحني يامرعي والنبي اصل ده سندسي
...
مازالت تحدق في الصور وتبتسم ، كل ذكريات حياتها تجري امام عينيها ، ايه
دنيا ، دنيا يانبيله هانم ، عشتي بالطول وبالعرض وادي اخرتها ، برضه وحيدة وكل
حبايبك فاتوكي ، تداهمها ذكريات مرعي وتبتسم ، تتذكر عشقه وحبه وحنان قلبه وغرامه
، تتذكر غيرته القاتله ، انا بحبك انت يامرعي ، تهمس له لتطمئنه ، لكنه يغار من
تاريخها ، يغار من السندسي لانها احبته ويغار من الاناضولي لانه اختطفها منه ،
وازاي رضيت ياهانم تتجوزي واحد زي اناضولي ، ازاي قبلتي راجل حيوان زي ده يلمسك
اساسا ، ايام زباله وخلصت يامرعي ، خلصت ياهانم بس عمري ماحاسامحك عليها ، تبتسم ،
الله يرحمك يامرعي ، ياحبيب قلبي ياغالي ، كأنه يراقبها ، يلومها لانها تتذكر
سندسي واناضولي ، يلومها لانها مازالت تعترف بهما ازواجا لها وهم خاطفيها ومعذبيه
، مايصحش يانبيله هانم تفتكريهم وانتي مراتي ، تضحك بصوت عالي ، الله يرحمك يامرعي
كنت حمقي وعصبي وغيور ، تحدق في الصورة مبتسمه ، وكأن كل ايام حياتها مع العاشق
المحب تجري امام عينيها تذكرها بالشهد وانهاره التي غرقت فيها مع مرعي وفي حضنه ،
تتذكر يوم زواجهما ، الاول من يناير 1981 ، مرعي اختار اليوم ، نبتدي سنه جديده
واحنا مع بعض ، وكل سنه جديده نحتفل مع بعض ، طول عمرك رومانسي يامراد يامرعي ،
تحدق في الصورة وتبتسم ، في هذا اليوم السعيد ، تزوجت السيدة نبيله الكرملي من رجل
الاعمال المرموق المهندس مراد مرعي ..تحدق في الصورة وهي ترتدي التايير السكري
الشانتونج وتبتسم ، رفضت ترتدي ثوبا ابيض ، سيسخر منها الجميع وبالذات ابنها ،
مراد صمم يذهبا ل"فليب" ويتصورا صورة تذكاريه لزواجهما السعيد ، شرح لها
بعدها ان الثالثه تابته وان تلك الصورة هي صورة زواجها الاخير لانه قرر يعيش معها
حتي تموت ، اكد لها انه يحبها لدرجه طيله حياته وانها حبه عمره وانه لايتحمل معها
فكره ان تتزوج بعدما يموت ، سيتحرق بنار الغيرة في قبره ، تصورته يهزر ويضحك
ويمازحها ، لكن غيرته العمياء ارهقتها ، اسعدتها نعم لكن ارهقتها ، تزوجته وهي علي
اعتاب الخمسين لكنه كان يحبها ويغير عليها وكأنها ابنة السادسه عشر ، تحدق في
الصورة الملونه ، تاييرها شانتونج سكري وبذلته رماديه والكرافته والمنديل قانين
كلون النبيذ الفرنسي الذي احتسياه معا يوم زفافهما ، يقبض علي اصابعها وكأنها
ستحلق وتتركه فيحكم وثاقها اسيرة حبه ، الفص الماسي الكبير الذي اهداه لها وقت
زواجهما يسطع في الصورة فوق المانتير الصغير الذي انتقاه بنفسه من عند
"بايوكي" الجواهرجي ، ياحبيبي يامرعي والله ولا يوم من ايام حبك ، تبتسم
نبيلة وكأنه يسمعها ، تشعر نشوة وكأنه امطرها بقبلاته من حيث يحلق ، كأنه مازال
بجوارها يحميها ويراعاها ويغير عليها ويتشاجر من اجلها ومعها ، ياحبيبي يامرعي
....
علي فراشها جالسة وصور زفافها الثلاث مبعثرة حولها فوق لحافها الستان
الوردي ، تحدق فيهم وتبتسم ، هاهو كل العمر مر وبقيت وحيدة ، تهمس وكأنها تذكر
نفسها ، مراد الاناضولي ، مراد السندسي ، مراد مرعي ، تهمس وتسأل نفسها ، يعني هي
الاسامي خلصت ، التلاته مراد ؟؟؟؟؟ سؤال يحيرها كثيرا والذي يحيرها اكثر والعمر
كله خلف ظهرها ، هل عاشت سعيدة ؟؟؟؟؟ اه والله سعيده قوي ، لا مش قوي يعني ، ايام
اناضولي كانت زفت ، زفت خالص !!!! ..
انزلقت في فراشها واغمضت عينيها وحياتها تطاردها بكل تفاصيلها .... مراد ....
مراد ..... صور ومشاهد وكلمات ودموع وفرح وحزن ، مراد ..... مراد .......
مرااااااااااااااااااد .....
( 10 )
1962
منيل الروضة
مازال السراي مزدحما بالمعزيات ، الصوان الكبير الذي اقامه شقيقها واعمامها
في حديقه السراي مازال مكتظا بالمعزين، النسوة لم تبارح السراي ينتظرن الرجال
الصاخبين في الصوان ، مازالت نبيلة جالسه علي مقعدها ، تتمتم بكلمات غير مفهومه
ترد بها علي كلمات التعزيه التي تهمس بها المعزيات في اذنها ، تمسح دموعها ، ابيها
الباشا مات ، ياحبيبي يابابي ، كانت تحبه وتشعر طمأنينه في وجوده ، نعم لم يسمح
لها بالطلاق من الزوج العابث وهو ماافسد ايام حياتها ، لكنها بقيت تحبه مع غصه في
القلب ، كان رجلا مهيبا ابن اصول يعمل حساب التقاليد وسمعة العائله اكثر من مراعاه
لابنته وحياتها ، كل الرجاله "بتعك" ويرجعوا يعتذروا ، وكل الستات
بتسامح ، يقنعها لتصفح عن زوجها ، لكنها ورثت منه العند التركي والرأس الصلده ،
خلاص مش حاتطلق بس مش حارجع ابدا اعيش معاه ، لم يقوي الباشا يقهرها وتركها تعيش
معهم في السراي الواسع ...
تستعيد بقيه تلك الليله السوداء ، فقدت الوعي ، احضروا لها طبيب الاسرة ،
ضغطها واطي ونبضها سريع بس اتطمن ياباشا ، افاقت وقصت علي ابيها والطبيب ماشاهدته
في حجرة الخادمه ، انفجرت تبكي وتمزق شعرها ، عايزه اتطلق ، لم يوافقها الاب طبعا
، نهرها لتصمت ، ابنك فين ، انتبهت ان رشدي نائما في منزل الفضيحه ، عايزه اتطلق ،
همست لابيها ، جحدها الباشا بنظره ناريه ولم يوافقها ، بلاش كلام فاضي وطبعا لم
يوافقها ، ارسل المربيه العجوزه لتأتي برشدي بيه ، البيه الصغير الذي نسيته نبيلة
وهي تفر من الفضيحه ، نائم في فراشه فلم يشعر بكل ماحدث حوله ، ارسل الباشا
المربية لتأتي برشدي للسرايه الكبيرة ، استيقظ رشدي من عز نومه وسط الليل وحمل
ملابسه ولعبه لبيت جده الباشا ، لم يعترض الدكتور علي امر الباشا له بارسال رشدي
عندنا لغايه مااعصاب نبيلة تهدي !!!
افاقت وابنها بسنوات عمره الست يجلس مرعوبا علي طرف فراشها وحولها الطبيب
والمربيه العجوز ، حين شاهدته جن جنونها ، ابنها نعم ، لكنه ابن ابيه ، يحمل اسمه
القذر ، يذكرها بكل عذاباتها معه ، صرخت ومزقت شعرها ، خرج رشدي من الحجره مع
المربيه بعدما امر الباشا ان يرسل لبيت خالته يلعب مع اولادها ، لكن رشدي لايرغب
في اللعب ويرغب في النوم في حضن امه ، لكن
امه تبكي وتصرخ وهو خائف مرعوب ...
تفتح عينيها وترجو ابيها ، عايزه اتطلق ، اعتبرها الاب الباشا مجنونه طائشه
، هي نزوه ، مجرد نزوه ، لاتخرب البيوت ولاتهدمها ، امر الباشا زوجها الدكتور بطرد
الخادمه ، اتصل به بعد منتصف الليل فادرك مراد الاناضولي ان شيئا غريب يحدث ،
حابعت السواق تبعت لي رشدي وتطرد الخدامه دلوقتي حالا وبكره تيجي نشرب القهوه سوا
، ادرك الدكتور ان نبيله عرفت نزوته مع الخادمه ، لم يتصور انها شاهدته يعوي فوق
جسدها ويفح بفجر ، اطردها ياباشا ولو انها ماعملتش حاجه لكن امرك ياباشا ، بكره
تجيني يادكتور نشرب القهوه سوا ، امرك ياباشا !!!
منحها الطبيب بعض المهدئات واوصي بمنع الزياره عنها ، الهانم عندما انهيار
عصبي ، امر الباشا الطبيب بتكتم الامر ، دي سمعه عائلات وانت عارف طبعا ، طبعا ...
ارسل الباشا رشدي لخالته ، اتصل بابنته الصغري ، رشدي جايلك ، خليه عندك ،
يلعب مع اولادك علي مانهدي اختك الرعناء ،
هي مالها نبيلة ، سألته الابنه فلم يجيبها الباشا ، ولا حاجه مافيهاش حاجه ، بكره
حتبقي كويسه ...
وصل رشدي بيت خالته فزعا ، وحيدا في منتصف الليل في السيارة التي تنهب
الطريق من جاردن سيتي للمعادي ، وحيدا في الظلام علي الكنبه الخلفيه ، لايجد حوله لاامه ولا ابيه ولا مربيته التي
يحبها وهي تحكي له حواديت امنا الغوله والنداهة وست الحسن والشاطر حسن ، لم يسأل
رشدي مالذي يحدث ولو سأل مافهم ، فقط بقي الاحساس بالفزع محتلا روحه طيله العمر ،
انها اللحظه الاولي التي تعلق فيها في الهواء بلا جذور ، لايعرف مالذي سيحدث له
ومالذي يحدث اساسا !!!
ومازالت نبيلة جالسه وسط المعزيات والصخب ونم النساء ، تبكي ابيها وتتذكر
كل تفاصيل الليلة السوداء !!!
( 11 )
2010
جاردن سيتي
تصبحي علي خير يامامي ، تمتمت وكأنها ترد عليه وهي تمضغ الكلمات لتصبح بلا
معني ، لايعجبها انه سينام وزوجته التي لاتحبها في غرفه الضيوف ، لايعجبها وهو
يعرف ويتجاهل مشاعرها الموحشة ، تمنت لو اخذ زوجته العقربة وعاد لمنزله ، لكنه قرر
خوفا عليها وهي متوعكه كما اسرت له خادمتها ، قرر خوفا عليها ينتقل للاقامه المؤقتة
معها هو وزوجته التي قبلت علي مضض خوفا من كراهيه امه ومشاعرها الكريهة، تصبحي علي
خير يامامي ، همس وقبلها علي رأسها وتسلل خارج غرفتها وهو يؤكد عليها ، لو احتجتي
اي حاجه اندهي عليا ، لم يسمع ردها بأنها لاتحتاج منه اي حاجه ولن تناديه ابدا ...
القي ببدنه المتعب علي الفراش واغمض عينيه وسرعان ماغرق في النوم ، استيقظ
فجأ وجري من الغرفه صوب الحديقه ، جري صوب شجره المانجو الكبيرة واحتضنها واختبيء
خلفها ، صمت طويلا حتي لايعثروا عليه كاكل مرة ، صمت طويلا حتي ظن انه نام ، يري
نفسه نائما ويري نفسه يراها ، كأنه انقسم شخصين ، نعم يري نفسه راقدا خلف شجرة
المانجو الكبيرة يختبأ ، يحفر في الارض الطينيه باصابعه الصغيرة وكأنه يتمني
تبتلعه فيستريح من كل مايعانيه ، لماذا يتشاجرا ؟؟ لماذا تبكي طيله الوقت ؟؟ لماذا
لايعودا لمنزلهما لغرفته لكتبه لعرائسه الخشبيه للكورة التي اشتراها له جده يوم
عيد ميلاده ؟؟ لماذا ستبقي في السراية وحدها وترسله للشقه الخاويه الباردة المخيفة
؟؟ لماذا ستعاقبه وهو الذي يطيعها ويسمع اوامرها وينفذها ؟؟ نعم حينما ترسله لبيت
ابيه الخاوي تعاقبه علي ذنب لايعرفه ، يحفر في الارض الطينيه اعمق واعمق ، يحفر
اخاديد صغيرة وكأنه يبحث عن دوده صغيره يلعب معها ، يبثها همومه ، يشكو لها كل
العبث المروع الذي يعيش فيه ، مازال يختبيء خلف شجرة المانجو ، يخاف الظلام كاكل
ليله لكنه يخاف يعثروا عليه اليوم اكثر من خوفه من الظلام ، سيحمله السائق العجوز
للشقه الخاويه لاشباحها المخيفه لصدي الصوت الذي يخلع قلبه في الحمام الكبير لصوت
الخطوات المخيفه التي يسيرها ابيه وقت عودته من الخارج قرب الفجر ، لماذا تفعلي بي
ماتفعليه ، لم اختر لك زوجك ولم ادفعه ليخونك وربت علي كتفيك وقت بكيتي وخاصمته
وقتما اغضبك ، لماذا تفعلي بي ماتفعليه ، الست ابنك ؟؟ الستي تحبيني كمثل كل
الامهات اللاتي يحببن اطفالهن ، كيف تحبيني وتعاقبيني بالطرد من حضنك مثلما تفعلي
بهذه القسوة ، ساكرهك ، نعم ، لو ارسلتني للشقه الخاويه ساكرهك ، ساخاصمك للابد ،
لن ااتيك وقت الاجازات ، لن احبك ، لن اطيع اوامرك ، سازعم لاصدقائي انك متي ،
واني صرت يتيما ، ينفجر في البكاء ، لكني احبك واخاف تموتي وتتركيني صغيرا يتيما
لاينتبه لوجوده احد ، لماذا تعاقبيني بهذه القسوة ؟؟ ويحفر في الارض الطينيه ويحفر
وتعوي الذئاب بصوت مخيف ، ينتفض في مخبأه ، متي احتلت الذئاب حديقه جدي ، يرتفع
صوت الذئاب اكثر واكثر ، تحاصره في مخبأه ، تلتفت حول شجره المانجو وعيونها
الحمراء تسطع مخيفه في الظلام ، تقترب منه وهي تعوي وتعوي ، يتصبب عرق ويشل مكانه
، سيصرخ يناديها ، مامي مامي ، ستهرع له وتاخذه في حضنها وتبعد عنه الذئاب الجائعه
، يصرخ ، مامي مامي ، لكن صوته لايخرج من حلقه ، يتحشرج فوق احباله الصوتيه ويبقي
اسيرها ، يصرخ بصوت اعلي واعلي ، مامي مامي ، مازال صوته حبيسا وصوت عواء الذئاب
اعلي واعلي ، يتصبب عرقا ويتصور جسده الصغير ممزقا بين الانياب المتوحشه يتصبب عرقا وتنهمر دموعه مرتاعه فزعه ، مامي
مامي ............... وتهزه ليلي لتوقظه من كابوسه المخيف ، رشدي ، اصحي يارشدي
ويتسلل صوتها الحاني لكابوسه المفزع يعلوا علي صوت الذئاب المخيف وعواءها المرعب ،
اصحي يارشدي ، تربت علي كتفيه وتمسح بكفها علي وجهه الغارق تحت طوفان العرق البارد
يتصبب من جسده ، اصحي يارشدي ، و.......... يفتح عينيه مرتبكا يبحث عن مكانه وعلي
اي فراش ينام ، هل مازال خلف شجره المانجو ؟ علي الفراش البارد في الشقه الخاويه
المسكونه بالاشباح والكراهيه ؟ في حضنها الموصد في وجه بنوته ؟ يلمح وجه ليلي
وسط الليل مرتاعة خوفا عليه ، اصحي يارشدي ، يفتح عينيه الوجلتين ، تناوله
كوب ماء بارد ، يتجرعه دفعه واحدة ، يتمتم وكأنه يعتذر لها لانه يزعجها وسط نومه
كمثل كل ليلة ، تربت علي وجهه بحنان كأنها تقول له لامبرر للاعتذار ، تشفق عليه من
ماضيه الذي يلاحقه ويفسد حاضره ومشاعره ، تشفق عليه من ماضيه الذي يؤرق لياليه
ويحيلها لعذاب موحش ، يصمت خجلا ، تقترب من جسده وتغلق عليه ذراعيها ، تأخده في
حضنها وتهدهده وكأنها تغني له ، يغلق عينيه فارا من كوابيسه ومن خجله منها ، يتمني
لو حلم بها يراقصها في لحظه فرح بدل شجره المانجو التي صارت وعذابه قرينان
لايفارقا خياله وقت النوم الذي كرهه ، هالات سوداء تحيط بعينيه الجميلتين ، ماضي
يرسم ملامحه علي وجهه هالات سوداء وارق ووجع لم يبارحه و............... مازالت
تهدهده لكنه يتمني للاسف لو كانت هي التي تهدهده ، امه ، التي لم تهدهده ولم تسعده
ولم تمنحه الا عذاباته يقظا ونائما والتي احالت حياته لكوابيس لاتنتهي ،
ومازال ليلي تهدهده ومازال يتمناها هي التي تهدهده
و.......... يغلق عينيه بقسوه كأنه يطردها من حجرة نومه وحضن حبيبته ويتوعدها بأنه
سيأتي يوما ولو تأخر سيتحاسبا علي كل الوجع الذي منحته له ولم تمنحه غيره ،
وناااااااااام وانفاسه منتظمه هادئا راضيا لانه يوم الحساب سيأتي حتما ....
( 12 )
1958
منيل الروضة
انتي عايزة الناس تاكل وشنا ، يقولوا ايه ، انك مش طايقه ابنك ، بترمية في
الشارع ، همست لامها ، تاكل وشنا احنا ، ليه ، وبعدين ارميه في الشارع يعني ايه ،
هو لما اوديه لابوه ، ابقي بارميه في الشارع ؟؟
قررت نبيلة ترسل رشدي لابيه ليعيش معه ، مش راضي يطلقني ال ايه علشان اربي
الولد ، طيب بلاش تطلقني لكن مش حاربي الولد ، خلي الخدامين اللي انت مرافقهم
يربوا ابنك ومش مهم الطلاق !!!!
سنتين في بيت ابيها تطالب زوجها بالطلاق ولايستجيب لها ، ينهرها ابيها
وتتشاجر معها امها لانها تخرج عن التقاليد العريقه ولانها لاتعود لمنزل زوجها
وتقبل الصلح الذي يعرضه عليها كثيرا ولانها عنيده وجلابه فضائح ، سنتين تبكي وفي
النهايه قررت وفي لحظه حمق تعاقب زوجها وترسل له ابنه ليعتني به ويربيه بدل الوقت
الطويل الذي يبدده في مطارده الغواني والنساء الساقطات والفضائح المستمره وكسر
نفسها ، سترسل له رشدي ليعتني به ويربيه !!
لايفهم رشدي مالذي سيحدث له ، امرته امه يستعد للذهاب لبيت ابيه ، حتروح
تعيش مع بابي ، يتمني يسألها ، حتيجي معايا ، لايقوي ينطق ، الخادمه ترتب ملابسه
في الحقيبه وامه تبكي وجدته ايضا ، لن ابقي معها ، لن انام في حضنها ، لن العب في
حديقه القصر ، لن يمنحني جدي مصروفا كبيرا ولن اقبل يده كل نهار ، بابي ؟؟ لايتذكر
رشدي ابيه ، الدكتور مراد ، شاهده مرتين في السراي ، يأتي لجده ويغلقا عليهما غرفه
المكتب ، يتهامسا ، يخرج ابيه من السراي غاضبا بعدما يقبله قبله بارده ويودعه ،
تبكي امه بحرقه بعدما تعرف ان المقابله بين ابيها الباشا وزوجها الحقير لم تفلح
تنهي اسرها وان الدكتور يرفض تطليقها وان الاب وعده يقنعها تعود لمنزلها ، جده
الباشا يهتم بابنته ، والابنة تهتم بالطلاق ، والاب يرفض تطليقها ولااحد يفكر فيه
!!!
يعني مش جايه معايا يامامي ، لا يارشدي ، يعني حاعمل ايه ، حتعيش مع بابي ،
لوحدي ؟؟ يرتعد رشدي ويجري باكيا بعيدا عنها ، يختبيء خلف شجرة المانجو الكبيرة في
الحديقه الشاسعه للقصر ، لن تحضنه وقت النوم ولن تقص عليه الحكايه ، لن توقظه
بقبلاتها ولن تحممه وهي تغني ، ستتركه مع ابيه الذي لايتذكر الا صراخه فيه
ومشاجراته معها ، يبكي رشدي ، يتمني يموت قبلما يذهب لابيه ، البيت هناك خالي مخيف
والاب في العمل طيله النهار ، سيبقي مع الخادمه التي تنهره طيله الوقت لانه لايهمد
، وفي الليل سينام وحده في الظلام بعدما يغلق عليه ابيه باب الحجره والنور ويتركه
يتصارع مع اشباح الخوف ، يختبأ خلف شجره المانجو الكبيرة ، لن يعثروا عليه ليرسلوه
لابيه ، سيبقي خلف الشجره حتي ينسوه ، نعم ينسوه ، لن يعثر عليه الخدم النوبيين
ولا المربيه الهرمه ولاجده الباشا ، امه لن تكترث بالبحث عنه ، هي تبكي طيله الوقت
وستظل تبكي ، تشتمه وتشم ابيه وستظل تشتمه ، و............... نام رشدي مكانه ، في
الحلم ضربه ابيه لانه كتب علي جدران الصاله اسم امه ، نهره وامره الا يأتي بسيرتها
مره ثانيه ، هي سابتك ومشيت وانت عمرك ماحتجيب سيرتها ، ضربه ثانيه لانه قال له
انه يحب امه ، ضربه ثالثا لانه قال له انه لن ينساها ابدا و............... بال
رشدي علي نفسه وهو نائم رعبا من كثره الضرب وحين حملته المربيه الهرمه علي ذراعيها
لفراشه اغمض عينيه بقوه خائفا من جده وعصاته السوداء التي طالما ضرب بها الخدم ،
اغمض عنيه بقوه خائفا من بيت ابيه الذي سيرسلوه له وحيدا يتيما ، نام طيله الليله
والكوابيس تنهش في روحه ، يبكي وكأن امه ماتت ، يبكي وكأنه ابيه لايكف عن ضربه ،
يبكي لانه ملابسه في الحقيبه التي سترسل لبيت ابيه ، تصور الخادمه ستحبسه في
الحقيبه وتغلق عليها اقفالها الكبيرة ، و................... في الصباح ، عرف من
المربيه انه لن يذهب لابيه وان جده نهر امه وسبها لانها جنت وترمي ولدها ضناها في
الشارع ، عرف انه سيبقي معه ، وبقي فعلا ، لكن احساسه بالضياع لم يفارقه ابدا منذ
اختبأ خلف شجره المانجو وحتي يومنا هذا وقتما ماتت امه ورحلت عن الحياة ، كان
ومازال ضائعا يتمني يسألها سؤال واحد يلح عليه طيله حياته ، انت بتحبيني يامامي ؟؟؟
( 13 )
2010
جاردن سيتي
انه وقت الغروب ، والشمس تنزلق صوب وجه النيل الفضي لتحيل ماءه سبائك ذهب
مصهور ، انه وقت "ايديت بياف" والشاي الاخضر والسكينه في الشرفه الهادئه
، انه وقت الذكريات الحميمه التي تستدعيها كل يوم لتؤنسها في وحدتها الموجعة ، تدندن
مع النغمات وتسترجع تفاصيل قصتها مع مراد ، تقصد مراد مرعي ....
في البدايه لم تصدقه عندما اتصل بها يعزيها في التليفون ، البقيه في حياتك
يالولو ، انزعجت واحست نفسها تخون زوجها الحبيب الذي لم يمضي علي موته الا اياما معدودة
، كادت تتشاجر مع المهندس مراد الذي منح نفسه حقوقا لايستحقها ، لست زوجي ولا
حبيبي ولا من اصدقائي حتي تدللني ، الحقيقه انا لااعرفك اساسا حتي تقول لي يالولو
، اجابته ببرود وصلادة ، متشكره لحضرتك يافندم ، تبني جدرانا عاليه بينها وبينه ،
هي لاتقصده شخصيا ، لكنها تبني جدرانا عاليه بينها وبين كل الغرباء مثلما تربت
وكبرت ووعيت تعاليم اسرتها وابيها الباشا ، بصي يالولو ، انا حاوصل مصر الاسبوع
الجاي وعايز اتكلم معاكي ضروري ، افندم حضرتك بتقول ايه ؟؟ وقطع الخط وانتهت المكالمه ولم يعاود الاتصال
بها ...
تضحك نبيلة وتحتسي شايها الاخضر وذكرياتها تلفها في دوامات من الونس
والبهجة ، مازالت تتذكر احساسها وقتها بذلك الفضولي المتطفل الذي ينتهك خصوصياتها
ويدللها بغير اذن ولا حق ، ويطلب رؤيتها وهي لاتعرفه ويلح عليها بالحديث معها غير
عابيء باحزانها ووجع رحيل زوجها الحبيب ، يومها احست غيظا وغضب ، لاتعرف رقم
تليفونه حتي تعيد الاتصال به وتتشاجر معه وتمنحه مايستحقه ، مين ادي حضرتك الحق
تقولي لولو ، وتكلمني في وانا مالي تيجي ولا ماتجيش ، لو تعرف رقمه لاتصلت به
وكيلت له فوق راسه كل غضبها ، لكنها لاتعرف رقمه ولاتطاله يديها لتفش فيه غضبها ..
تغير الاسطوانه وصوت ايديت بياف مازال يصدح والشمس تسقط ببطء ببطء في النيل
والسماء تكتسي بالوان الاحمر والبنفسجي والازرق المتوهج ، شكته لشوكت ، صاحبك قليل
الذوق اتصل بيا وقالي يالولو ، حقك علي يانبيله انا حاكلمه واقوله يلم نفسه ، احست
بموضوع لاتعرفه يتواري خلف رد شوكت عليها ، هو فيه ايه ماله صاحبك ده ، ممالوش
يانبيله ، خلينا في حزننا لما نروق نبقي نتكلم ...
تبتسم ابتسامه واسعه وهي تتذكر مراد مرعي وحبه وغرامه وعشقه ، تبتسم
ابتسامه واسعه فرحمه الله عليه منحها السعاده التي لم تعشها مع غيره ، لكن وقتها ،
وقت تلك المكالمه الغامضه لم تكن تعرف عنه اي شيء ، لم تكن تعرف حكايته وروايته ،
لم تكن تعرف قدرها عنده وكيف تعرف وبينها وبين فارق توقيت باعد بينهما رغم انفه
...
تتذكره علي شاطيء ميامي وهو يلوح لها وتبتسم ، تتذكره في ليله مأتم ابيها
وتبتسم ، تتذكره يوم التليفون الغريب وتبتسم ، تتذكره في كل تلك المواقف وغيرها
وتتعجب من غباءها وعدم فهمها لرسائله التي حاول يوصلها لها عبر كل تلك السنوات
الطويله ، ياحبيبي يامراد ، ويجتاحها الشوق له والحزن لرحيله ، عشره سنوات واكثر
مات مراد مرعي وهي مازالت حزينه عليه ، فعلا كنت الاخير يامراد ياحبيبي الله يرحمك
وتبتسم وتبتسم ، وتحسه في جنته سعيدا لانه فعلا كان الاخير ، نعم تمني يكون الاول
والاخير ، لكنه ليس كل مايتمناه المرء يدركه ، الله يرحمك ياحبيبي الله يرحمك ...
نهاية الجزء الثاني ويتبع بالجزءالثالث
هناك تعليقان (2):
أميره
كم هي غريبه "سرادقات العزاء"
تقلب ما في القلب والروح
تهرب دموع كثيره
يظن من يراها انها على الفقيد
لكنها على الاغلب تكون على من يبكي على الفقيد
كم عانت ... وكم شقيت
شقاء الروح تشيخ له الاجساد
طبيعي ان يفقد الطفل الامان لو نزع من حضن امه
لكن دعيني اسألك
هل تشعر النساء فقدان الامان عندما تنزع من احلامها
رائعه يا اميره
سرقتيني من كل شيء
القاكي في الجزء الثالث
منال أبوزيد
وصفك لمشهد الدكتور والخادمه كان اكثر من مميز
وهذه اول مره بالتشبه لي اقرأ لكي مثل هذا الوصف
ما السر في "مراد" ياتري هيئات في الأجزاء القادمة
برعاية في وصف كل الأشخاص الزوج والزوجه والابن والجد
حتي جعلتنا نحس انهم معنا
إرسال تعليق