مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

زهور وردية واغنية عشق وبعض الوجع ( الجزء الرابع )




( 21 )
1965
منيل الروضة

رشدي ياحبيبي ، انا مقدرش اخليك تقعد معايا في بيت انكل مراد ،   انكل مراد بيحبك طبعا و................ نخرج ونتفسح و........... ..
عائدا من المدرسه بعدما انهي امتحانات اخر العام ، يفكر في المصيف الذي سيسافر اليه مع امه مثل كل عام ، لم ينتبه ان هذا الصيف يختلف عن كل السنوات السابقه ، امه لم تعد ملكه فقط ، صارت زوجه لانكل مراد ، ستترك قصر ابيها وتذهب للمعادي لتعيش مع زوجها الجديد ، لاحظ وهو يذاكر طيله العام ، اشياء غريبه تحدث في السراي لم يفهمها في البدايه ورفضها وقت فهمها وغضب واكتئب ..
لاحظ وسمع مشاجرات خاله شوكت مع امه لانها جلابه فضايح ، سمع سبابها له ، سمعها تقول له انها حره وتتصرف زي ماهي عايزه ، سمعها تقول انها ستتزوجه تتزوجه بموافقتهم او عدمها ، مامي حتتجوز ، هكذا فهم سر زيارات انكل مراد للقصر والحلوي التي كان يحملها له والدراجه التي وعده بها بعدما ينجح ، اخيرا فهم سبب فرحه امه والابتسامه التي لاتفارق شفتيها والمكالمات الليليه الطويلة ، خاله لايحب انكل مراد ولا جدته ايضا ، امه لم تكترث بهم ولا باعتراضاتهم ، عاجبني وحاتجوزه !!!
يأس شوكت من كثره الشجار معاها ، كان يتمناها تعود لزوجها السابق دكتور اناضولي ، تربي رشدي وتنجب اخوه له وتستأنف حياتها وكأن ماحدث لم يحدث ، خلال السنه التي مرت علي طلاقها ، اتصل به الدكتور اناضولي كثيرا وترجاه يتوسط لها عندها لتعود المياه لمجاريها ورشدي يتربي وسطنا ، لكنها مجنونه لم تقبل كلام شوكت ولا نصائح امها وركبت راسها تحطم الفازات واطارات الصور غضبا لان هذا " الواطي " لسه بيفكر يرجعني لعصمته وكأنه ماغلطتش ولافضحني ولا قهرني ولا علقني اربع سنين مستنيه اتطلق ، تنصحها امها ان الست مالهاش غير بيت جوزها وهو فاتح بيته وكتر خيره ، وينهرها شوكت لانها سايبه وعلي حل شعرها وداخله وخارجه تعمل فضايح لاسم ابوها واسم العيله ، مش كفايه متطلقه ، كمان بتشربي سجاير وتخرجي وتسهري وتتأخري وتجرئي علينا كلاب السكك يجيبوا سيرتك ، جوزك كتر خيره مستعد يرجعك و............ ليس زوجي ولن اعود له وارحموني بقي ، وتصرخ وتشد في شعرها وتصرخ وتصرخ .....
وتستعد امه لحفل زواجها ،  وتستعد لشحن ابنها رشدي لبيت ابيه ، طبعا لن تأخده معها بيت زوجها الجديد ، لن تكبل نفسها باعباءه ولن تحمل زوجها الجديد همه ، ستعوض كل فشلها السابق مع مراد ، الزوج الجديد ، يكفيها مالاقته من زوجها الاول وابيها واخيها والعائله التي خنقتها بعاداتها وتقاليدها وقيودها الثقيله ...
رشدي ، انت عارف اني بحبك و................... ويتباعد صوتها في اذنه ، وكأنها تحرك شفتيها ، لاتخدعه الرقه المصطنعه في صوتها ولا الحنان الذي تدعيه ، ببساطه هي سترميه بعيدا عن حضنها ، كعادتها لاتفكر فيما يريده ، فقط تفكر فيما تريده هي ، طلقت من ابيه رغم ان جده كان يتشاجر معها الا تفعل ، انتهزت موت جده وطلقت من ابيه ، تنادر عليه زملائه في المدرسه لانه امه مطلقه رغم انها ست محترمه ، بكي حتي احمرت عينيه ، اخفي عنها كالعاده سبب بكاءه وادعي انه وقع علي سلم المدرسه ورجله توجعه ..
كيف يقنعها تبقيه في حضنها ، كيف يقنعها الا ترسله لابيه في منزله الخاوي المظلم المخيف ، كيف يقنعها انه بيحبها اكتر من اي حد في الدنيا حتي انكل مراد ، كيف يقنعها انه يخاف من كل شيء بعيدا عنها ، يخاف ابيه والظلام ومدرسه الفصل والمربيه العجوز والاشباح وحقنه التمرجي ، وانها الوحيدة التي تطمئنه وتهدء رذوعه ، بس يامامي انا مش عايز اروح عند بابي ، يهمس خائفا ، تحضنه وتهمس ، ليه ياحبيبي ده بابي بيحبك وانا كمان ، وده خلاص موضوع انتهينا منه ، شويه وخالك حيوصلك لبيت بابي و.................... تضحك ساخره ، لو استخبيت عند شجره المانجة حنلاقيك برضه !!!
و بسرعة حمل الخادم حقائبه وسحبه خاله من يده بعدما ودع امه وسار قليل الحيله صوب بيت ابيه ، في السياره اخذ يبكي ويبكي ، لايفهم ولم يفهم ولن سبب ابعاده عن امه وحضنها !!! و.......... انت بتحبيني يامامي؟؟

( 22 )
2010
جاردن سيتي

طرق علي باب حجرتها طرقات صغيرة ، صرخت بالفرنسية ادخل ، فتح الباب مبتسما ، مازالت علي فراشها ، يدخل وخلفه فاطمه ، انا قلت اشرب الشاي معاكي قبل ماانزل ياانة ، ابتسمت ، طول عمرك حنين يامراد ، ارتبكت فاطمه وكادت صينيه الشاي تسقط من يدها ، تجاهل ناجي ماسمعه واقترب منها قبلها فوق رأسها وامر فاطمه تفتح الستائر والنوافذ وتدخل الهواء النقي للحجرة ..
تعالي اقعد جنبي ياناجي ، لا ، تعالي انتي ياانة اقعدي معايا في الفراندة ، صففت شعرها المبعثر وطلت شفتيها ببعض الروج الوردي واحكمت روبها الستان علي وسطها وخرجت للشرفة ...
انت اجازه النهارده ياناجي ، لا ياانة ، بس واخد اذن اتأخر شويه ، قلت نشرب الشاي سوا وتاخدي ادويتك اللي بتعذبي فاطمه علشان تاخديها ، بحثت عن فاطمه لتنهرها لانها افشت اسرارها لناجي لكن فاطمه خرجت مسرعه من الغرفه ، ناولها اقراص الادوية وكوب البرتقال وصب لها الشاي في فنجانها المحبب وشغل الجرامافون علي اسطوانة الحياة الورديه لمطربتها المحببة ايديت بياف ، ابتسمت ، يااه ياناجي ، انت بتتصرف زيه بالضبط ، زي مراد مرعي بالضبط ، هو كان بيعمل كده ، يصبحني علي صوتها وينيمني في حضنه علي صوتها ، كان يشرب معايا الشاي ويرغي معايا حبه قبل مايروح الشغل ، الله يرحمه كان حبيبي ..
صامتا يترك لها عنان الحديث ودفته ، انت عارف اننا اتجوزنا وانا عندي خمسين سنه ، ضحكت ، بعد حبيبي مراد مامات ، انتبهت اقصد السفير مراد مش جدك طبعا ، ضحك ناجي ، فاهم طبعا ، بعد حبيبي مراد مامات تصورت خلاص ان حياتي انتهت ، جوزي الاول طلع زفت ، اناضولي زفت ، وجوزي التاني الجميل اسعدني ومات ، قلت خلاص ، حاعيش علي ذكراه وبس ، ماتصورتش ابدا ان ربنا حيبعت لي مراد مرعي لكن ربنا بعته !!!
سألها ناجي ، حبتيه ياانة ، طبعا ، الحقيقة في الاول ماكنتش باحبه ، ماكنتش اعرفه ياناجي ، اتاريه هو عارفني وبيحبني ومستني من غير جواز علشاني ، مااحبوش ازاي بقي ....
ضحكت وصمتت ، بقي ناجي يحدق فيها صامتا ، يتمناها تحكي وتحكي ، يتمني تنشط ذاكراتها فتنتصر علي خرف الشيخوخة التي تحاصر حيويتها وتوهن عقلها وتذهب بوعيها لمكان سحيق بعيد ، يتمناها تحكي ....
مراد جدك كان راجل منحط ، اه منحط ، ماتزعلش مني ، انا عارفه انك بتزعل من الكلام ده وابوك كمان بيزعل ، لكن اعمل لكم ايه ، هو منحط ، يبتسم ناجي ، انت بتزعل من كلامي عنه ، يهز ناجي رأسه نفيا ، اه كويس ماتزعلش ، يرضيك اللي عمله فيا ، يرضيك يخوني انا نبيله هانم مع الشغاله الجربانه ، يرضيك ينجس بيتي وابني نايم جوه مع شغاله حقيرة ريحتها فنيك وجاز ، يرضيك ؟؟ تتوتر ويرتفع صوتها بعصبيه وغضب ، عمري ماسامحته ولا حاسامحه ، جدك اناضولي بهدلني وفضحني ، يرضيك ياناجي ؟؟
مازال صامتا ، لن يدافع عن جده ولن يقص عليها ماحكاه له جده ، لن يقص عليها شكواه منها وهي المتعجرفه المتعاليه التي لم تحبه بل طالبته بحبها وتدلليلها ، صغيره مدلله ، عين ابوها وقلبه ، لاتملك ماتعطيه له وتطالبه طيله الوقت بالحب والتدليل والشوق والغرام ، لن يقول لها شيئا فتلك السيرة تفقدها صوابها ...
عارف اكتر حاجه زعلتني ايه ياناجي من جدك المنحط ؟؟ ضحك ناجي ولم يرد ، انه غير مميز ، الراجل اللي متجوز نبيله الكرملي ويروح يخونها مع شغاله جربانه يبقي مش عارف قيمه نبيله الكرملي ولا معني جوازه بيها ، عارف ياناجي ، انا حسيت لما شفته مع الشغاله الجربانه اني خساره فيه اه والله ، خساره فيه ، علشان كده لاقبلت الصلح وصممت ماارجعش له ، ارجع له ليه اذا كان مش فاهم قيمتي ، انا خساره فيه ...
ناولها فنجان الشاي ، خلاص ياانه بقي ايام وراحت لحالها ، هزت رأسها تأسيا ، عمر الايام مابتروح لحالها ياناجي ، انت اناضولي وابوك اناضولي ، يبقي راحت لحالها ازاي ، وقف بصفاقه ياخد عزا ابويا ، واسمه نزل في النعي ،يبقي راحت لحالها ازاي ، ابوك اسمه الدكتور اناضولي وكأنه صمم يفكرني بابوه المنحط ، مش بس ابنه ، مش بس شايل اسمه الزفر ، لا وكمان دكتور زيه ، يبقي الايام راحت لحالها ازاي ، اسمع ياناجي ... انصت لها جيدا ، انت لازم تحب صوفي ، تحبها وتدلعها ، تخلي بالك منها ، الراجل المحترم يراعي مراته حبيبته ، يخلي باله منها ، الراجل المحترم زي جدك مراد مرعي والحقيقه كمان زي مراد السندسي ، الاتنين كانوا محترمين وبيراعوني ويدلعوني وخلوا بالهم مني ، لازم تبقي زيهم ، راجل محترم زيهم ، مش منحط زي جدك !!!!
انفجر ناجي ضاحكا ، حاضر ياانه ، صمتت وكأن ذكرياتها تأتي وتداهمها ، تراه وكأنه جالسا امامها علي مقعده الوثير ، تراه وكأنه يناولها بحب فنجان الشاي ، تراه وكأنه يضبط الجرامافون ويضع لها الاغنيه المحببه LA VIE EN ROSE  ، تراه يحدق فيها بتيه وعشق ، تراها تبتسم له وكأنها تشكره ، تسمع صوت العصافير التي كانت تغرد فوق رأسيهما مثلما كانت ، تسمع حفيف الاشجار والهواء البحري يلاطمها مثلما كانت تسمع وقت وجوده ، تري الزهور الورديه تتبعثر من فروع الاشجار وتنسج ارضا ورديه تحت قدميها مثلما كانت وقت وجوده ، هاهو سيلتقط زهره ورديه ويدسها بين خصلات شعرها ويقبلها ويبتسم ويودعها ويذهب عمله...
يتابعها ناجي صامتا ، يلتقط زهره ورديه ويقدمها لها ، تضحك ، انت علي فكره حفيد مراد مرعي ، ايوه ، حفيده هو ، انت زيه بالضبط ، لازي ابوك ولا زي جدك المنحط ، فاكر مراد مرعي ياناجي ، ضحك طبعا ياانة فاكره كويسه ، انت حفيده هو ، جدك اناضولي ماسابش لك والحمد لله اي حاجه تشبهه ، انت حفيد مراد مرعي ياناجي ، ضحكت وضحكت ، تصدق انا كده انبسطت قوي ، قوي .... فجأ عبست جبينها وهمست ، المشكله الوحيده انك ناجي اناضولي !!! وصمتت فانفجر ناجي ضاحكا لايصدق مايسمعه ، ودعها ليلحق بعمله وبقيت مكانها في فقاعه ورديه من الذكريات الجميله ، همست تودعه ، خلي بالك من نفسك يامراد .... ياحبيبي .....

 ( 23 )
1965
الجيزة

خرج من المصعد يصاحبه خاله شوكت ، صامتين لم ينطقا منذ تحركت بهما السيارة من المنيل وحتي وصلا لهناك ، تقدم شوكت خطوتين صوب باب الشقه ثم نظر لرشدي وهمس له انت كبرت يارشدي وحتخلي بالك من نفسك ، ينتظره يرد عليه باي رد لكن رشدي لايمنحه الا الصمت الموجع ، يكمل كلماته المتعثره ، وانا موجود وتقدر تكلمني في اي لحظه ، صمت شوكت مرتبكا تتلعثم الكلمات في ذهنه وهو يحاول يرتبها لتبدو لطيفه في تلك اللحظه القاسيه التي خرج فيها رشدي من جنة امه بعدما اوصدت ابوابها في وجهه وعاشت لنفسها لاتكترث به ولا باسرتها ولا بالفضائح التي اوقعتها علي رؤوسهم جميعا ، يشعر شوكت بعض الخجل والضيق ، لايعرف مالذي سيقوله لمراد وقتما يسلمه ابنه بعدما تزوجت اخته والقت بأبنها في الشارع ولم تنكفيء عليه لتربيه كمثل كل بنات العائلات المحترمه ، يشعر شوكت بالضيق والخجل ولايعرف باي وجه سيقابل مراد ويلقي له بابنه وحقائبه وهو الذي طالما اكد له ان نبيلة في النهايه ومهما تدللت وعندت ستعود لعصمته وتربي ابنها في حضنه ولن تقبل ابدا تدخل رجل غريب عليه ، لم يصدقه مراد ابدا وطالما سخر منه وهاهي الايام ونبيله يخذلاه ويفضحا تراخي قبضته علي ارادتها  ، هو وعده بما لم يفي به ولم يقدر يجبرها تفي هي به ..
يدق شوكت الجرس ، يتواري خلفه رشدي وكأنه يتمني يهرب ويعود للمنيل ، يتواري خلفه مرتبكا لايعرف كيف سيعيش في تلك الشقه التي خرج منها صغيرا وسط الليل ولم يعد لها الا اليوم ، بعد سته سنوات ويزيد ، وجل خائف غريب منبوذ ، هكذا احس رشدي في تلك اللحظه وللابد ..
فتح مراد الباب مبتسما فرحا بعوده ابنه لحضنه وبيته ، ازاح شوكت احتقارا وكأنه لم يراه وجذب رشدي لحضنه ، اهلا يابطل ، جذبه لداخل الشقه وكاد يغلق الباب ، تمتم شوكت ببعض كلمات اعتذار عن الموقف السخيف ، خرج السفرجيه يحملوا حقائب رشدي بيه كما يسميه ابيه ، ابتسم مراد ببرود في وجه شوكت وترحم علي الباشا اللي كانت كلمته سيف علي رقبه الكل ، يعاير شوكت بعجزه مع شقيقته وعصيانها له وفضائحها وتخليها عن ابنها وزواجها باخر غير ابيه الذي سعي لرضاها حرصا علي ابنه الوحيد ..
اتفضل ياشوكت بيه ، تلعثم شوكت وهو يعتذر ، يقبل رأس رشدي ويحتضنه ويؤكد عليه تليفوني معاك ، كاد مراد يغلق الباب في وجهه وهو يؤكد له ان رشدي في بيته وسط اهله وحيكون بخير و......... بارك للست اختك ياشوكت بيه و............ مع السلامة واغلق باب الشقه بقوة كأنه يقول صفحتكم طويت وصرنا غرباء ..
ده بيتك وكان طبيعي انك تيجي تقعد معايا من زمان من ايام مالست والدتك و............يصمت مراد اشفاقا علي رشدي ويبتسم ، بس اهي كل حاجه بوقتها ، شرح للسفرجيه والخادمين ، طلبات رشدي بيه اوامر و............. دي اوضتك ، اشتريت لك موبيليا جديده وان شاءالله تنبسط هنا وتركه وحقائبه في الغرفه واغلق عليه الباب و.......... جلس رشدي مرتبكا علي طرف الفراش يحدق في السقف غريبا ضائعا يبحث عن دموع تهون وجع روحه لايجدها ، ينصت لصوت الخطوات الكثيرة في الشقه الواسعه محاولا فهم ما يحدث خلف باب غرفته و........... يفتح مراد الباب ، انا رايح العيادة وحأتاخر ماتستنيش علي العشا و...... بنسوار ياحبيبي ، بنسوار يابابي ..
و............ يدوي صوت اغلاق الباب في روحه يرجها ، الان صار وحيدا في الشقه التي هي بيته وسيعيش فيها مع ابيه وحيدين ، الان صار وحيدا ويتمني يبكي ، يتمني يتصل باامه يتشاجر معها لانها القت به كملابسها القديمه من الشرفه ، لكن تحذيرات ابيه تدوي في اذنه ، انت بقيت راجل وكبرت والست والدتك اتجوزت راجل تاني وماعملتش حسابك ، ماتصغرش نفسك وتلاحقها ، سيبها تعيش حياتها واحنا نعيش حياتها ، كل كلمه من كلمات ابيه كان تمزقه وتكشف وجعه وتفضح خزيه اكثر واكثر ، نعم مامي اتجوزت ، يشعر وقع غريب للكلمه ، سيعايره زملائه في المدرسه ويسخر منه جيرانه ويهمزوا ويلمزوا ويتهامسوا عن فضيحته ، يتمني الارض تنشق وتبلعه لتعفيه من كل الحرج الذي يشعر به والفضيحه التي ستلاحقه ، لكن الارض لاتنشق ولا تبلعه وتتركه يواجه حياته الجديدة وفضحيتها المدوية التي طاردته طويلا ..

( 24 )
1965
منيل الروضة

زغردت الخادمه بصوت عالي بعدما تبادلت الاسرتين التهنئة بالزواج السعيد وهي توزع كاسات الشربات عليهم ، انتفض شوكت غاضبا من الخادمه ونهرها لتخرس وكفانا فضائح ، يشعر خجلا من كل مايحدث ، يحمل هم ماسيسمعه من الدكتور مراد تعليقا علي زواج طليقته وام ابنه والسفير مراد ويخجل من اعاصير النميمة التي ستنفجر في سرايات منيل الروضة وكبائن ميامي تمزق اخته وسمعتها وتصرفاتها الحمقاء وتنالهم جميعه وسمعتهم التي لم يتجرأ كلب علي التقول عليها الا بسبب نبيلة هانم وفضائحها ، كان يتمني زواجا بلا احتفال وقران بلا مدعوين ، لكن السفير صمم علي حفل استقبال له ولعروسه التي يحبها ويفخر بالزواج منها ، اجبر شوكت علي قبول كل مايحدث حوله ، اتصل به الدكتور مراد قبلها بيومين ثلاث  وساله غاضبا ، هو اللي بيتقال ده صحيح ، الست اختك حتتجوز ، صمت شوكت ، طيب مش حتعزموني في الفرح ، بقولك ايه ابني يكون عندي بعد ساعه والا مش حيحصل طيب ، ضحك ضحكات ساخرة مريرة ، ولا ناويين يمشي في زفه امه ... و اغلق السكه في وجهه بمنتهي قله الادب وتركه يتلظي بخجله ..
نبيلة سعيده بالحفل والسفير مراد سعيد بها والمدعوون سعداء يرصدون كل تفاصيل الحفل استعدادا لامسيات النميمة ، شوكت غاضب مقهور ،  يجحدها بنظرات ناريه لانها لم تفكر لا في ابنها ولا في عائلتها ، انانية فكرت فقط في نفسها ورغباتها الحمقاء ، حاول يثنيها عن عزمها بالزواج ، ترجاها تعود لعقلها وتقبل اعتذارات زوجها وابو ابنها وتعيد المياه لمجاريها وكفاها فضائح ، لايعرف شوكت انه استفزها واستنفر جنونها ، سيرة مطلقها تفقدها صوابها ، تذكرها بالفضيحه التي كسرت قلبها ، تذكرها بجبروته وتعنته معها وقتما تركها معلقه في بيت ابيها اربعه سنوات رافضا تطليقها ، تتذكره فوق الخادمه وفحيحه يدوي في اذنها وفحشه يخجلها ويكرهها فيه اكثر واكثر ، صرخت في شوكت انها ابدا لن تعود له لو كان الرجل الوحيد في الدنيا و.............. كان لها ما اصرت عليه وتزوجت السفير مراد السندسي و............. لاتفكر الا في نفسها وسعادتها وليذهب ابنها وعائلتها والعالم كله للجحيم ....

( 25 )
بيت الجيزة
يتحدث ....

شاركت الدكتور اناضولي حياته الطويلة منذ اشتراني له والده الباشا ليسكن مع عروسه الجميل وحتي مات واتت مطلقته وام ابنه الوحيد للعزاء ففتحت مصر كلها عيونها اندهاشا ...الحق اني انا شخصيا اندهشت جدا من حضورها ، كنت اظن انها ابدا لن تحضر عزاء الدكتور مراد وانها ستترك ابنها وحيدا مع عائلة ابيه يتلقوا العزاء في الدكتور اناضولي الذي عاشت تسبه حتي مات ومازالت تسبه حتي الان ...
مازلت اذكر جيدا اليوم الذي غادرتني فيه نبيلة هانم ، ومن ينسي ذلك اليوم ، وطبعا اذكر يوم عادت وقت وفاه الدكتور اناضولي ..
طبعا انا اعرف والعماره وكل الجيران وسائس الجراج والبوابين ، جميعنا نعلم الفضيحه التي فجرتها السيدة نبيلة وقتما خرجت وسط الليل تجري في الشارع كالمجنونه وقادت سيارتها كالسكاري وكأن وحش عقور يطاردها لينهشها ، يومها انتبهنا جميعا لان شيء غريب حدث في تلك الساعه التي دخلت فيها نبيلة الصالة عائده من الاوبرا وحتي خرجت منها تجري كالمجنونة ...
احد الجارات قالت انها سمعت صراخها وانها تصورت ان الدكتور اناضولي تصرف كالغجر والسوقه وضربها لانها عادت متأخره من الاوبرا ، بل قررت الجاره ان الدكتور اناضولي صرخ فيها وكأنه لايصدق انها كانت في الاوبرا وانه لايعلم من اين اتت متأخرة في هذه الساعة !!! يومها حدق فيها البواب لايصدق ماتقوله وكدت انا انفجر من الغيظ واهدم جدراني غضبا واهيل ترابها فوق رأس الجاره الكاذبه التي الفت قصه كاذبه لم تحدث وروجتها في مجتمعات النميمة حتي ظهرت الحقيقه وكذبتها ..
سائس الجراج قال انه فوجيء بالسيدة نبيلة تنقض علي السيارة التي كان قد انتهي لتوه من تنظيفها بعد عودتها من الخارج ، وانه تصورها مريضه وتبحث عن طبيب وعرض عليها يساعدها ويصاحبها حيث تذهب ، كانت شاحبه والعرق يتصبب من جبهتنا ودموعها تنهمر كالشلالات ، قال السائس انها اشاحت له بيديها ليبعد عن طريقها وهي تدوس بقوه علي دواسه البنزين وتجري بالسيارة كالسكاري ، بل قال سائس الجراج ان رائحه غريبه كانت تفوح من فمها وحين ادرك انها ليست مريضه ظنها سكرانة وانه حين علم بالفضيحه وحقيقتها غضب من نفسه وصام ثلاث ايام يطلب من ربه مغفره عن ذنبه في حقها ...
العماره كلها انتبهت علي صوت بابي يرتطم قويا وقتما خرجت الخادمه تحمل ملابسها وسط الليل ، يومها طرقت الباب خلفها غضبا ، انتبهت العمارة كلها لرحيل الخادمة في تلك الساعه المتأخرة من الليل ، لم يعرف احد غيري ، ان الدكتور اناضولي تلقي تليفونه من الباشا حماه وانه امره يطرد الخادمه ، يومها هرع الدكتور اناضولي لغرفتها ودفع بابها بقدمه وامرها تجمع ملابسها وترحل ، لم يسمع غيري ماقالته له الخادمه التي اخذت تبكي وتدعو عليه لانه قطع عيشها وتسبب في طردها من عملها وتوسلت اليه يبقيها للصباح لكن كلمات الباشا كان ترن في اذنه فاصر علي رحيلها ، لحظتها انقلبت الخادمه لنمرة هائجه واخذت تسبه وتبكي وتلطم علي وجهها وتبكي وهددته تخطر اهلها في القريه انه اعتدي عليها ولوث شرفهم ، يومها كان الهواء بين جدراني مفعما بالغضب والجنون ، الخادمه جنت وهي تهدد الدكتور الكبير باهلها في القرية ، وهو جن جنونه وقتما سمع كلامها ولعن ابيها وابو اهلها وابو قريتها وهددها يخفيها حيث لايعرف له احد مكان جرة وانها حشره يفعصها تحت قدميه وانها صايعه وضايعه ووضيعه والزمن اكل عليها وشرب وسخر من شرفها الذي تتحدث عنها ، لاانتي بنت بنوت ولا قطه مغمضه ، انت دايره وصايعه وبنت كلب ، ان كنتي فاكراني حاخاف من كلامك تبقي ماتعرفنيش ، ده انا ادفنك مكانك واقول عمرنا ماشفناكي ، الدكتور مراد اناضولي جن ، يقول لها كلام لايليق بمن مثله قوله ، يهددها ويسخر منها ويكيل لها السباب والالفاظ الخارجه ، اخرج من جيبه عشره جنيهات والقاها في وجهها وطالبها بالرحيل لانه لايقوي علي مواجهه الباشا وغضبه ، اخبرها انه سيمنحها عشره دقائق للرحيل وبعدها سيطلب لها الشرطه ، كنت اراقب الحوار والمشاجره ولااصدق مااراه ، الخادمه افاقت من جنونها وادركت مصيرها الاسود لو وقفت في وجه ابن الاصول وايده الطايلة ، لملمت ملابسها وهي تبكي وخرجت في الصاله وطالبته بنقود اكثر ، يبدو انها كانت تبتزه او تهدده ، فهم نبرة كلامها فجن جنونه لان شوارعيه مثلها تتجرأ وتكلمه بتلك الطريقه ، كدت اقول له  انه منذ ساعه واحده كان يمتطي تلك الشوارعيه ويمارس معها فحشا طالما تمني يمارسه مع بنت الاصول التي لم تسمح له ابدا بذلك ، كدت اقول له انه مفتري ظالم ، ظلم نبيله هانم بخيانتها وظلم الخادمه بطردها ، كدت اقول له ذلك ، لكني خفت من لكماته المجنونه التي اعتاد يرطم بها حوائطي وقتما يستبد به الغضب ....
غادرتني نبيلة الكرملي منذ تلك الليله ولم تعد ابدا حتي مات مطلقها وابو ابنها ، يومها عاد الدكتور اناصولي من العيادة وخلع ملابسه والقي بدنه علي المقعد الوثير في الصالة ، بعدها بعشره دقائق دق سائقه الجرس يحمل حقيبته واوراقه ، دق الجرس مره واثنين وعشره وبعدها بساعه دخل رشدي بمفتاحه للشقه بعدما اتصل بيه السائق واخبره ان ابيه لايفتح الباب رغم انه كاد يكسره من شده الطرق عليه ، دخل رشدي وزوجته للشقه وصدمه جسد ابيه الملقي علي مقعده شاحب بارد ، تصوره فقد الوعي او جاءته غيبوبه سكر او جلطه في المخ ، لكن الذراع المتهاوي والفك المتهدل والحدقتين الزجاجيتين اكدا لابنه ان ابيه قد مات ، انفجر رشدي في البكاء وزوجته ايضا واجري تليفونات عديدة احدهم لامه وبعد ساعه اتي زوار كثر لصالتي واضيئت الصالونات وانبعث القرأن من جهاز التسجيل وعلم الجميع ان الدكتور اناضولي مات بسبب ازمه قلبيه مفاجئة ...
في النهار الحزين اللاحق ، خرج جثمان الدكتور اناضولي من بين جدراني التي بكته ومن بابي الذي حزن عليه وخلفه مشيعين كثر ............ وفي اليوم الثالث للعزاء ، دلفت نبيلة هانم للمرة الاولي منذ الليلة الحزينه البعيدة من بابي المفتوح علي مصراعيه تتأبط ذراع زوجها المهندس مراد مرعي ، اسرة الدكتور اناضولي وبالاخص شقيقاته غضبن غضبا شديدا منها ، وكادت واحده منهم تنفعل عليها لانها لم تحترمهم جميعا فاتت تواسيهم في فقيدهم بصحبه زوجها الثالث وان تصرفاتها لاتليق ببنات الاصول والاسر الكريمة ، رشدي توتر جدا حين احتضنه زوج امه وهمس في اذنه بأن البقيه في حياته ، رشدي توتر جدا وارتبكت مشاعره مابين امتنان لزوج امه الذي حضر يعزيه وبين غضب من امه التي جلست بارده بعيون زجاجيه وكأن ابيه كلب ومات ...
كدت اميل عليها واحكي لها عن حزن الدكتور اناضولي لفراقها ، كدت اقول لها انه قضي ليالي طويله لاينام ولايغفل له جفن حزينا لانه تسبب بنزوة عابرة في تدمير اسرته وتشريد ابنه وفقدانها ، كدت اقسم لها انه كان يحبها وغضب من نفسه لما اقترفه في حقها ، لكن ركب رأسه وعند بعدما فضحته وشهرت به ، كدت اقول لها انه ذات ليله سوداء انهال لكما في الجدار الملاصق لباب الشقه حتي كاد يهشمه وان اصابعه كسرت من شده الضربات وقوتها وانه زعم وقتها انه انزلق في الحمام فانكسرت يده ، كدت اقول لها انه يستحق بعض دموعك وحزنك ، وانتي وقتما انفعلتي وغضبتي كنت صغيرة رعناء ولو فكرت اليوم في كل ماجري لسامحتيه ومنحتيه فرصه اخري ليثبت لكي كم كان يحبك وكم تمني رضاكي ، كم كان يحبك ومازال .....
كدت ارجوها تمنح الدكتور اناضولي بعض حزنها ، فهو رفض يتزوج بعدما طلقها ليس انحرافا كما اشاعت عنه وليس رفضا للقيد والمسئولية كما اكدت لابنه ، بل رفض يتزوج رغم كثرة العرائس وجمالهن لانه كان يحبها وينكر ، يحبها ويتعالي ويتكبر علي مشاعره ، يحبها ويحبها ويحبها ......
لاحظت نبيلة ان صورة زفافهما هي والدكتور اناضولي مازالت مكانها في صدر الصالون ، لاحظتها واضطربت وكادت دمعه صغيرة تنحدر من طرف عينيها ، لكنها سرعان ماذكرت نفسها بالفضيحه وفحيحه فوق جسد الخادمه وانكسار نفسها ، ذكرت نفسها بكل هذا واكثر و............اشعلت سيجارتها وزفرت دخانها في الهواء وتمنت الرحيل عن الجدران التي لوثتها انفاس اناضولي الخائن .....

( 26 )
1968
سليمان باشا

تجلس علي مقعد غاطس في عيادة الاسنان ، خلعت ضرسها وبقيت في صالة العيادة تنتظر زوجها ، ستترك سيارتها وتعود معه للمنزل ، المخدر المنتشر في نصف وجهها الايمن اشعرها بالدوار ، شفتيها معوجتين ووجنتها اليمين ايضا ، تشعر وكأن لعابها سيسيل من بين شفتيها وهي عاجزه عن منعه والاساءه لرونقها الجميل ، تخاف تقود سيارتها وهي في تلك الحاله ، اتصلت بزوجها ليأتيها في العياده ، ربع ساعه حاكون عندك ، جلست تنتظره ، امسكت مجله فرنسيه ملقاة علي المنضده وتصفحت صفحاتها بسرعه ، اقتربت منها الممرضة وهمست ، نبيلة هانم ، الدكتور مراد مستني حضرتك تحت ، السواق بيقول انه مستني حضرتك تحت  !!
انتفضت نبيلة ، ده مش الدكتور مراد !!!
ارتبكت الممرضه ازاي ياهانم ، السواق بيقول ان جوز حضرتك مستنيك تحت ، زفرت نبيلة انفاسها ساخنه من بركان يموج في روحها غاضبه من فضول الممرضه ودس انفها الكبير في شئونها ، هو جوزي فعلا مش الدكتور مراد ، ده سعادة السفير مراد بيه وبس !!! بردون ياهانم !!! همست الممرضه وابتسمت صامتة لاتفهم شيئا ..
لوحت لها نبيلة وهي تطرق باب العيادة غاضبه ، وكأن كل الاسماء انتهت حتي تتزوج ثانيه من مراد ، نعم هو مراد اخر ، لكنه مراد ، وكأنها لم تطلق من زوجها المستبد ولم تتخلص من لقبها المعروف ، مدام اناضولي ، كأنها مازالت حرم الدكتور مراد ، تبتسم ، تحب زوجها مراد وتكره الاخر الذي طلقت منه فور وفاه ابيها الباشا ، تحب مراد زوجها الثاني وتكره مراد زوجها الاول ، لكنها مازالت في نظر الجميع ، مدام اناضولي !!!!
دخلت السيارة وجلست بجوار زوجها ، علي البيت يااسطي ، همس زوجها ، توصلنا وترجع تجيب عربيه الهانم ، نظر لها حانيا ، مالك ياحبيبتي ، ولا حاجه يابيبي ، سلامتك ، الله يسلمك ، بس تصدقي قمر ، تضحك ، ببقي المعووج ، ولاشفته ، يربت علي يديها ، الف سلامه عليكي ياحبيبتي ، الله يسلمك يامراد !!!
الاسم بين شفتيها يختلف تماما ، هذا المراد احبه فيخرج اسمه رقيقا موسيقيا ، تغمض عينيها والموسيقي الكلاسيكيه تلفها داخل السياره التي تمرق مسرعه وسط شوارع القاهره صوب المعادي ، فيلا سعادة السفير مراد عبد الرحمن السندسي زوجها الثاني !!!!

( 27 )
1971
المعادي

علي مائده الطعام ، يجلس رشدي مع نبيله وزوجها ، بعدما صمم سعادة السفير يدعوه للغذاء احتفالا بنجاحه في الثانويه العامه ، سأله مراد ، ونويت تخش كليه ايه بقي يارشدي ، الطب ياانكل ، انتفضت نبيله والقت الشوكه من يديها علي الطبق الصيني فدوي رنينها في الفيلا الهادئه ، برضه طب ، مافيش فايده فيك ...
بهدوء ابتسم لها مراد وكأنه يتمني امتصاص غضبها ، مالها الطب يانبيله ، يخش الطب ويطلع دكتور كبير زي باباه ، يفهم مراد ما وترها ، يفتح الجرح القديم بدبلوماسيته المعهوده ، كأنه يقول لها الامر لايعنيك ، ترتعش شفتيها غضبا وتكبح جماح عصبيتها ، تتمني تصرخ في زوجها ، ماهي دي المصيبه ، انه عايز يطلع زي ابوه ، دكتور زي ابوه ، دي المصيبه انه مصمم يكون زي ابوه ، ابوه اللي بهدلني وفضحني وكأنه بيغيظني ، تتمني تقول هذا وتصرخ في رشدي ، لكن هدوء مراد لم يسمح لها تعبر عن جنونها ، تعرف انها لو تفوهت بحرف واحد مما يعتمل داخلها ، سيترك لها مراد السفره ويغادر المنزل ولن يعود الا في منتصف الليل ، سيخاصمها طويلا وحين تتذلل له وتصالحه ويقبل بعد هجر طويل اعتذارها سيوبخها لانها مازالت تفكر في زوجها الاول وتهين مشاعره ورجولته وتجرح كرامته ، سيوبخها لانها مازالت غاضبه من زوجها الاول ولم تنساه رغم كل محاولاته لاسعادها ، سيوبخها لان حياتها معه رغم حبه الجارف لم تعالج الجرح الغائر الذي تركه زوجها الاول في قلبها ، سيوبخها لانها تذكره دائما بأنه زوجها الثاني الذي فشل يعالج وجع وجروح زوجها الاول ، سيوبخها لانها احرجت ابنها امامه وسبت ابيه امامه وبنات العائلات الراقيه لا يفضحن مشاعرهن ولايجرحن اولادهن ولا يهن ازواجهن بمثل مافعلت ، كل هذا تعرفه واكثر ، لذا كبتت غضبها وهمست من بين اسنانها المطحونه تحت بعضها ، مبروك يارشدي !!!
مسح رشدي فمه بالفوطه واستأذن من مراد وترك المنضده قبلما يفرغ من الغذاء ، هرع رشدي للحمام ليبكي براحته ، لم تفرح له ولم تفرح به ، كل ماتفكر فيه ابيه ، كل ماتفكر فيه ابيه ووجعها منه ، لم تفرح بنجاحه لانه سيمكنه يسير علي درب ابيها ، تتصوره يغيظها فتكرهه وتكره ابيه ، اسند ظهره علي القيشاني الفاخر وانفجر في البكاء ، يتمناها لو فرحت به واخذته في حضنها ، انا ابنك يانبيله هانم مش ابن الدكتور الاناضولي بس ، لكنها لاتراه الا ابن الاناضولي الذي اوجعها ، يبكي وتنهمر دموعه اكثر واكثر ، لم يفرح بهديه النجاح التي اشترها له ، تمناها تأخذه في حضنها ، تفرح به ، تحسه سيشرفها ويفرح قلبها ، لكنه في حياتها الندبه التي تذكرها بوجعها واسرها واهانتها .. سيطر رشدي علي مشاعره وغضبه  وحزنه بعدما لفظ الاكل من جوفه واغتسل وخرج ثانيه للصالون ليجلس مع امه وزوجها ، ابتسم ببرود لها وقتما سألته ، مالك فيك ايه ، ابتسم وكأنها يقول لها ، مالكيش دعوه ، بارك مراد اختياره وهنأه علي المستقبل الباهر الذي ينتظره واستأذن ليغادره لميعاد ضروري مع طبيب الاسنان وتركه صامتا مع امه التي اخذت تنفث دخان سيجارتها بعصبيه وتحدق فيه وكأنها تتمني تتشاجر معه ، احس الوقت ثقيلا والهواء ايضا ، كاد يختنق ، تمناه تطرده فتريحه من حبها الذي يوجعه ، تمناه تخبره حقيقه مشاعره فيحاول يكرهها لانها ام ظالمه اخذته بجريره ابيه وذنبه ، لكنها تبقي صامته لا تفصح عن مكنونها المتراقص واضحا علي ملامحها وتنظر في ساعتها كأنها تطالبه الرحيل ......... يقبلها ويودعها ويتوعدها الا يزورها ابدا بعد اليوم ، لكنه للاسف لم يفلح ، واكم من مرات حاول يقاطعها و لم يفلح فبقي حبه في قلبها شوكه توخزه ، وقبلما يصل لباب الفيلا يصله صوتها عصبيها متوترا ، وناوي بقي تبقي دكتور جراح زي باباك ؟؟ يبتسم ويهز رأسه نفيا لا ، ويغادر الفيلا ، فلم يسمعها وهي تهمس ، تفرق ايه المهم انك حتبقي برضه الدكتور الاناضولي !!!! وتزفر انفاسا غاضبه تكاد تحرق الدنيا لان الدكتور الاناضولي كان ومازال يعيش في بيتها ويطاردها بوجعه!!!

( 28 )
1978
المعادي

تململت في فراشها ، الشمس ودفئها يملأ الحجرة ، فتحت عينيها ببطء لاتصدق ماتشعر به ، مراد لم يوقظها من نومها كعادته بقبلته الحانية ، لم يدلك ظهرها ويعبث بشعرها ، لم يفتح النافذه ليدخل الهواء النقي يداعب وجنتيها ، لم يأمر الخادمه تعد لها الشاي ويحمله بنفسه لفراشها ، في السابعه يوقظها وفي الثامنه يغادر المنزل للنادي كعادته النهاريه ، وتبقي  ساعات في الفراش حتي تحتل الشمس فراشها مثل تلك اللحظة ...
تفتح عينيها ببطء وفزع ، ستجده غادر الغرفه ونسيها ، لاول مره من تاريخ زواجها ، لاول مره نسي يوقظها ، مالذي حدث له لينساها ، هذا اخر مافكرت فيه وهي تفتح عينيها ببطء ، تصورته غادر المنزل للنادي ولم يوقظها ولم يقبل وجنتيها مودعا ولم يلوح له باصابعه وهو يخرج من الحجره وهي مستلقيه علي فراشها كسلة ، تفتح عينيها وتدور بحدقتيها وكأنها تحاول تفهم مالذي حدث في هذا النهار الغريب لمراد ، ثلاثه عشر عاما يوقظها ويحنو عليها ويدللها ويصب لها الشاي الساخن في فنجانها الانيق ويشعل لها السيجاره ويدسها بين شفتيها المكنزتين ، كل هذا لم يحدث اليوم ..
و...........انتبهت في لمح البصر ان مراد نائم بجوارها وصرخت ، هذا ليس نوما ، النوم لم يمنعه ابدا يوقظها ، ولم يسرق وعيه حتي تلك الساعه المتأخره من اليوم ، و.............. انهمرت دموعها شلالا تبكيه بعدما ايقنت رحيله المفاجيء وموته الموجع ، لاتحتاج طبيب يؤكد لها هواجسها ولا تحتاج تدفن راسها في صدره تبحث عن ضربات قلبه تؤكد لها كذب هواجسها ، تبكي وتبكي حزينه و............. ايوه ياشوكت ، مراد مات ، مراد مين ازاي ، مراد جوزي و..............تغلق السكه بعصبيه وهي تسب وتلعن في اخيها الذي تصورها تتكلم عن زوجها الاول ، غاضبه منه ومن غباءه ، وهو الزفت ده لو مات حاعيط عليه ولا حازعل حتي فتفوته زعل و.........تبكي وتبكي وهي تحدق في وجهه الطيب الذي غادرته سمرته الجميل واحتله شحوب اصفر يؤكد لها ان قصه الحب الحقيقيه التي عاشتها مع الرجل الذي احبها وراعاها ودللها قد انتهت و.......... الله يرحمك ياحبيبي وتبكي وتبكي !!!
ورحل سعادة السفير بهدوء واناقة مثلما عاش تماما ...


نهاية الجزء الرابع ويتبع بالجزءالخامس 

هناك تعليقان (2):

manoola يقول...

أميره
بعض الناس يعيشون بأناقه ويرحلون بأناقه
والبعض الاخرين... وهم كـُثر...
يعيشون بوقاحه... ويرحلون بكوارث فادحه
ويبقى سؤال يحيرني
لماذا تستعبدنا موروثات بلا معنى
هل من المعقول انه لمجرد انها من اسلافنا صارت ناموسا لنا؟

تعبت شخصياتك
واتعبتنا يا صديقتي
لكني لا استطيع الا ان ابحث عن الجزء التالي

منال أبوزيد

Unknown يقول...

خلاص كفايه آمنت ان المرأه تغفر اي شئ
الا ان تري زوجها يعتلي من هي اقل منها
لكن في الحياه أشخاص اخري تستحق ان نهتم بها
انتظر في الجزء القادم معرفه سبب مافعله الزوج