مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 6 أغسطس 2010

ابو التاريخ وحبيبته صفية !!! الجزء الاول !!!!



الجزء الاول
ابو التاريخ وحبيبته صفية !!!


***

ذهب الشباب وسوف اذهب مثلما .... ذهب الشباب وماامرؤ بمخلد
ان الفناء لكل حي غاية محتومه .... ان لم يكن فكأن قد
( الامام البوصيري )

***
يافؤادي ليه بتعشق الحبيب قاسي علي
قلبه ظالم لم بيشفق وانا صابر علي الاسية
خايف اشكي من صدوده يفرحوا عزالي في
( من اغنيه لسيد درويش )


***

يالى أنت علي البر أيه اللي رجعك تانى
وجاب رجلك وجابك فى الغويط تانى
( موال صعيدي )





( 1 ) علي الرصيف

لماذا يجلس مكانه دائما لايتحرك ............... في اي وقت تمر في الشارع ، تجده جالسا مكانه ، رجل هرم عجوز ، طويل الذقن اصلع تتناثر بعض الشعيرات البيضاء فوق اذنيه ، ذقنه الطويله بيضاء ناصعه البياض ، حاجبيه الكثيفين بهما بقايا شعر داكن لاتعرف لونه اسود ام بني ، حرقت الشمس جلده من طيله الجلوس تحت اشعتها اللاهبة ، يرتدي ملابس لاتعرف ماهيتها ، ربما بنطال طويل ، او كان طويل ، حذاء يبدو انه كان اسود ، كان له رباط لان الثقوب السته علي واجهه الشيء الذي يرتديه في قدمه تفصح عن حذاء برباط ، لكن الرباط بلي وبقيت الثقوب تشير لتاريخ واصل ذلك الشيء !!! يرتدي قميص كانه له ياقه ، ربما كانت نفس لون القميص ، لانعرف لالون القميص ولا لون الياقه ، فتراب الشارع وعوادم السيارات كست ملابسه مثلما كست وجهه وملامحه ، كل مايمكنك الانتباه اليه فقط ، انه رجل عجوز هرم !!!!
اذا مررت في ذلك الشارع الذي يصعد بك لكوبري التاريخ ، ستلحظه جالسا قبيل مطلع الكوبري ببضعه خطوات ، ارجوك لاتقل لي ان مكانه خطير وانه معرض ان تفرمه سياره مسرعه لاينتبه سائقها لوجوده فوق الرصيف ، لاتقل لي هذا ، لان حديثك غير منتج ، فقد حاول معه الكثيرين يبعدوه عن ذلك المكان لكنهم فشلوا ، احضروا له كرسي مريح تركه وعاد للرصيف كانه ملتصق به ، اعطوه مخده مريحه ليجلس عليها و" ابعد شويه ياحاج عن الشارع " يبتسم ويشكرهم ويرفض هبتهم ويبقي مكانه !!! وعندما يأس منه الماره والجيران واصحاب المحلات ، تركوه لمصيره ، ينتظروا بين كل لحظه صوت فرمله قويه تفصح عن تمزيق جسده تحت عجلات السيارات اللوري الكبيرة التي تمرق فوق الكوبري ليل نهار يقودها سائقين ادمنوا غياب العقل والمكيفات ، لكنه بقي ربما سنه عشره خمسين مائه لم تصدمه ايه سياره ، بالعكس تحول لمعلم من معالم ذلك الطريق ، يمر عليه السائقين يحييوه وبعضهم يعطيه طعام وبعضهم يمنحه زجاجه مياه بارده ربما ترطب جوفه المشتعل من قيظ الشمس وحرارتها !!!
ارجوكم لاتفهموني بشكل خاطيء ، هو ليس احمق ولا مجنون ولا مجذوب ، هو رجل عادي ، مايميزه امرين ، الاول انه يجلس في ذلك المكان علي عتبات كوبري التاريخ منذ سنوات بعيده لم يغادره ، والثاني ، انه طيله الوقت يمسح رأسه وصلعته بنصف ليمونه !!! ومالذي يضحك في هذا ، نعم ليل نهار يمسح رأسه بنصف ليمونه يخرجها من جيب بنطاله ، مقسومه لنصفين ، يمسح راسه بالنصف الاول ثم الثاني وحين تمنحه الليمونه اخر قطراتها فوق راسه ، يعيدها لجيبه ، بالطبع كل يوم يأتي بليمونه جديده ، حتي لاتفهموا كلامي انه ساحر او حاوي وانه طيله سنوات طويله لايعرف احد عددها يمسح راسه بنفس الليمونه وانه يعيدها لجيبه معصوره ثم يخرجها سليم تتقافز منها القطرات اللاذعه ، انا لم اقل هذا وليس لكم اي حق تفهموا مالم اقوله ....
في يوم قائظ وقفت بجواره سياره لوري كبيره بمقطوره طويله ، اخرج السائق له زجاجه ماء وليمونتين ، ابتسم في وجه وطلب منه الدعاء بالسلامه ، كان في طريقه للجمرك ، يعرف ان ليلته طويله ، وقف امام الرجل وساله الدعاء ، رد له الرجل الماء والليمون خلافا للعاده ونهره ليعود لمنزله ، بصوت رخيم اتي من بعيد كان يخرج من مغاره او بئر ، نهر السائق وبصوت حاسم امره ، روح لعيالك ، ضحك السائق والتباع ، الرجل العجوز يخرف ، هما في اول النهار ، سيحملا كونتيرات من الجمرك لسوهاج ، واجرهما كبير والعيد علي الابواب والخراف ارتفع سعر لحمها ، ضحك السائق للعجوز يداعبه ، اروح مين ياعم ورانا شغل كتير والضاني غلي ، هز العجوز راسه وبحسم واصرار اكثر صرخ في السائق ، روح لعيالك يااسطي مافيش عيد السنه دي ، ضحك التباع والسائق وانصرفا في طريقهما للجمرك و........... ولم يمر يومين حتي عرفت المنطقه كلها ان الللوري بمقطورته انقلبا فوق الطريق وان التباع مات والسائق اصيب اصابات بالغه والبضاعه التي كانت فوق السياره تبعثرت في الطريق و............ افاق السائق في غرفه العنايه المركزه يشكو كسورا رهيبه والنيابه العامه تنتظره للتحقيق معه والتباع رفيق العمر مات ، ومر العيد بلا عيد !!! حين سمع العجوز بالحادثه هز راسه تأسيا وهمس لاحدهم ، وهو لايعرفه ولايعرف من هو ، ماسمعش الكلام !!!
سري الهمس في الشارع والمنطقه ، ان الرجل العجوز مبروك ، يعلم الغيب قبل حدوثه ، لكن احد السُنية وهو خارج من الجامع بعد صلاه الفجر نهر جاره في الصلاه وقت اشاد بالعجوز ، نهره واخبره هامسا ، ان العجوز مخاوي ، لان الرجل المبروك لايعلم الغيب الذي هو من عند الله ، فقط من تسكنه العفاريت وتحتله بدنه هو الذي يعرف من الذي سيحدث ويكشف الغيب المجهول لانه من اهل النار ، ارتعد الرجل وهو عائد لمنزله بعد صلاة الفجر وخاف من العجوز ، بل وقص علي زوجته قصه العجوز المخاوي الذي عرف ان سائق اللوري لن يحتفل بالعيد وكانه عرف بالحادثه قبل وقوعها !!! بالطبع زوجته ، تلك المرأه الثرثاره لم تكدب خبر ، وانتظرت فور خروج زوجها الموظف من المنزل صباحا ونادت جارتها واخبرتها عن الرجل المخاوي ، ضحكت جارتها ولم تصدقها ، لكنها سالت زوجها الذي كان مازال نائما لانه يعمل في المصنع القريب في النوبطشيه المسائيه ، سالته ، الا بالحق الراجل العجوز مخاوي ؟؟ سبها الزوج لان عقلها فارغ مثل كل النساء وتهتم بالخرافات ، وقرر ينسي الموضوع ، لكنه حين مر امام العجوز الرابض مكانه يمسح راسه بالليمون ، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ونظر للرجل نظرات غريبه ، فساله الرجل ببراءه ، عايز ليمونه ومد له يده بنصف الليمونه التي كانت فوق راسه ، ارتبك العامل اكثر واكثر واسرع الخطوات ، وحين لحقه زميله في المصنع وهو يعبر الطريق ، ساله ، لماذا تسرع في خطواتك وكأن عفريت يطاردك ، شرح له ان الوليه قالت ان الراجل مخاوي والراجل بص لي بصه مرعبه و................ وقبل صلاه الفجر اللاحقه ، كانت المنطقه كلها قد عرفت ان الرجل العجوز مخاوي !!!!!!!!!!
( 2 ) في انتظار اللقاء والرحيل !!!!

لااعرف لماذا قلت لسائق النقل ما قلته ، مافيش عيد السنه دي ، كنت حاسس كده ، ان العيد حيجي لغايه بوابته ويرجع ، شكله كان بيقول كده ، لا شكل التباع اللي كان بيقول كده ، شكل التباع كان بيقول مافيش عيد ، يشرح العجوز لنفسه ، احسست من وجه التباع باحساس خاص ، كاني رايت عيناه تودعني ، شفت ليفه الغسل بتلعب علي وشه ، عرفت خلاص ان ايامه خلصت ، وهو كمان عرف ، نظرته بتقول انه عرف ، الحقيقه نظرته كانت بتقول انه كانه كان يعرف انه سيموت وقرر يفصح لاحد غريب عنه ، ان اجله قد دنا وعمره قد انتهي ، وجه التباع افصح لي عن موت محقق سيسرقه من وسط اطفاله قبل العيد ، انا استقبلت وفقط ماارسله لي !!! انا فهمت رساله التباع وقلت ابلغها للسواق ، يرجع بيه بيته ، يودع عياله ، ماسمعش كلامي ، واللي قاله التباع حصل ، ومات غريب في ارض غريبه وسط ناس غريبه !!!
لست مبروك كما يقول الناس ولست مخاوي كما قرروا ، البركه لاولياء الله الصالحين ولست منهم ، ولست بالطبع مخاوي ، لماذا تخاويني العفاريت ، لماذا تخاوي رجل مثلي قليل الحيله ، يجلس علي الرصيف من خمسين عاما ، ينتظر مالن يحدث !!!!
تنهد العجوز مللا ، مال البشر حشريين ، مالهم لايتركوني في حالي ، اجيال كثيره تعاقبت علي وانا اجلس علي الرصيف ، في عين كل منهم مائه سؤال ، من انت لماذا تجلس مكانك !!! مالذي يهمهم في امري ، مالذي يفرق معهم لو كنت امير او غفير ، رجل عجوز ملقي علي الرصيف باهمال مثل القمامه التي لايكترث احد برفعها من الشارع ، لماذا لايتركوني في حالي ويمضوا لحالهم !!! انا قمامه السنوات ونفايتها ، مرت علي سنوات الانتظار وحولتني لقمامه ملقاه فوق الرصيف!!!!


انا رجل عجوز وكفي ، احمل فوق كتفي مئات السنين ، هذا لايعني ان عمري مئات السنين ، عشت سنوات كثيره وحملت مئات فوق كتفي ،حملت الهم والقصص والتاريخ والحكايات ، كل الشجن والدموع ، كل الوجع ، هذا الرصيف قاسمني وجعي وحزني وذاكرتي ، هذا الرصيف قتلني مائه مره ومد في عمري علي احجاره ، رائحه البحر تهل فوقه كاني في البحر ، صخب المينا يصلني مكاني كاني اجري علي ارصفتها ، هذا الرصيف بيتي الاخير وملاذي وسابقي عليه حتي اموت مكاني ، اتمني اموت مكاني ، اتمني لا يضن علي احد بامنيتي الاخيره ، هنا ، في هذه البقعه الخاصه جدا الصغيره جدا من العالم ، اتمني اموت ، انا الرجل الهرم الذي ينتظر الموت من سنوات طويله لكن الموت يضن عليه بالراحه ويتركه يتلظي بالم انتظاره فوق الرصيف !!!!

لعنه الله علي الرجل السني الذي وصمني بما يخيف الناس مني ، لم اعد اخيف احد ولاارغب ، زمان منذ عشرات السنين ، حين تشاجرت مع الرجال في الغرزه ، خافوا مني وكدت ابطش بهم ، لكن تلك الايام ولت ومضت ، ومات الرجال خائفين مني ونسيتهم ونسيت حكايتهم ، لكن ذلك الزمن مضي وعدي وفقد الناس الذاكره مثلي تماما ، من كان يعرفني مات ومن كان يتذكرمأساتي مات او نسي واندثرت كل القصص ولم يبقي الا الرجل العجوز ملقي علي الرصيف تحت الشمس يستجلب شفقه الماره والعابرين ، حمد لله ان الناس نسيت ماكنت عليه وتتذكر فقط ماصرت اليه ، لعنه الله علي الرجل السني ، متقول كاذب ، ولعنه الله علي النساء اللاتي لا يقوين علي الصمت ولايفهمن الا في الضجه والصخب والفضائح ، النساء من نافذه لنافذه ومن فم لفم ، اشاعت في المنطقه اني مخاوي عفاريت ، واهل منطقتنا طيبين يصدقون اي شيء ولايفكروا في اي خبر او اشاعه يسمعهوها ، بل الاشاعه تتحول لحقيقه في عقولهم وتغير تصرفاتهم لان مافيش دخان من غير نار ، والرجل السني اطلق الدخان فتصورني الناس نارا مشتعله وخافوا منها وفروا !!!!

علي الرصيف ، اسمع صوتها ، كانها تكلمني ، حين اتحرك بعيدا عنه تصمت ولاتنطق ، تغيب ، ترحل ، وانا لااتحمل رحيلها ولا غيابها ، سابقي في المكان الوحيد الذي تكلمني فيه ، هنا شاهدتها واحببتها واحتضنتها وبكيت عليها ، هي تحب رائحه البحر وكوبري التاريخ وصخب المينا ، وتحبني ، نعم تحبني ، وايه ذلك انها رحلت ولم ترحل ، بقيت علي الرصيف تنتظري وانتظرها ، وستأتي ، نعم واثق انا انها ستأتي وتكلمني وتعود لاحضاني وستاخذني معها ونرحل سويا ، كفاك غياب يامياسه يابلطيه ، احترقت وانا انتظرك ، ياملاك الموت تعالي انقذني من انتظارها وارحمني !!!!

انسالت في الظلام دمعتين فوق اخاديد الزمن التي رسمها الهم علي وجه العجوز .... مازال يتذكر ومازال يبكي ومازال في الليل يناديها ومازالت في الليل تأتيه فقط فوق ذلك الرصيف ........... سالت دموعه حين همست في اذنه وكلمته " ياسلامه ياابو الغريب حرص علي نفسك " يشتاق اليها ولايقوي علي التصريح بشوقه ، يصمت ويعاني ويبكي وقت يستره الليل بظلامه وينتظر بفارغ الصبر والشوق ميعاد اللقاء وميعاد الرحيل !!!!
و.............. ساظل مكاني حتي اموت ، فنرحل معا انا وهي من فوق الرصيف وحتي نرحل انا باقي مكاني!!!!!!!!!!

( 3 )
ابو التاريخ !!!

من هذا الرجل ..... لااحد في المنطقه يعرف ، كل من فيها ، فتح عينه علي الدنيا فوجد ابو دقن مكانه علي الرصيف قبل كوبري التاريخ ، حتي صاحب القهوه العجوز ، ساله صبيه القهوجي عن سر ذلك الرجل ، ابتسم صاحب القهوه مرتبكا واخبره انه سال ابيه الله يرحمه عن الرجل فشرح له ابيه انه سال ابيه عن الرجل فقال ان جده هو الذي كان يعرفه وبعدما مات لايعرفه احد ، ضحك القهوجي بخفه دمه المعتاده وصرخ في معلمه ، يعني جد ابو ابو ابوك كان يعرفه ، ايوووه ياجدعان ، ده مش ابو دقن ، ده ابو التاريخ سخصيا !!! وبسرعه ذاعت دعابه القهوجي بعدما رددها معلمه تندرا عليه وعلي خفه دمه ، وبسرعه رددها جمهور المقهي وضحكوا علي الرجل العجوز الذي لايعرفه احد الا جد ابو ابو المعلم صاحب القهوه ، وحين خرج المصلين من صلاة الجمعه وصادفوه خارجا من الجامع يرتدي حذاءه بصعوبه وجسده يرتعش من الكبر ، اقترب احدهم من وناشده ، اسند علي ياابو التاريخ ، لم يفهم العجوز الدعابه ، لكن جمهور المصلين ضحكوا ، لم يفطن العجوز للامر ، لكن بائع الليمون وقت اقترب منه ناشده ، خد الليمون اللي معايا كله اصل الجو حر وعايز اروح ، كان يحمل شبكتين ليمون ، رفض العجوز وطلب منه شراء خمسه ليمونات واخرج من جيبه جنيها ورقيا باليا ناوله للبائع الذي رد له الجنيه واعطاه شبكتين الليمون يمازحه ، خلي عنك ياابو التاريخ و.......... فهم الرجل العجوز انه صار ابو التاريخ !!! والتصق الاسم به مثلما التصق هو بالرصيف الذي يجلس عليه منذ سنوات بعيده !!!
لايسالني احد من اين ياتي العجوز بامواله ، المحسنين كثيرين ، صاحب القهوه يعطيه نفحه شهريه ، وسائق التاكسي العجوز يعطيه بضعه جنيهات كل اسبوع ، نعم لايعرف احد عددها ، لكن سائق التاكسي لاينسي ابدا في نهايه الاسبوع وقت تسليم ايراد السياره لمالكها ان يمنح العجوز بضعه جنيهات موضحا لزوجته ، ربنا يكفينا شر الشيبه وبهدلتها !!!!

ومازال ابو التاريخ جالسا علي الرصيف امام الكوبري ، يمسح راسه ووجه بالليمون وينظر له الماره والجيران بحذر قلق يتسائلون ، هل هو حقا مخاوي و........ بسم الله الرحمن الرحيم اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا الراجل السني افترا عليه ، لكن قلقهم لا يعيدهم معه لحالتهم الطبيعيه ، ربما فعلا هو مخاوي ، يبقي ابعد عن الشر وغني له و........... بصوت مرتعش وبارتباك شديد ، يلقي علي ابو التاريخ احد الماره تحيه الصباح او يرد تحيه المساء ويسرع بعيدا.......!!!!


( 4 )
العمر الثاني !!!
من انا ؟؟؟؟ انا اللي كنت لما الايام كانت ، ومابقيتش لما الايام رخصت ومعدش ليها قيمه ومعني !!! يظن العجوز كثيرا ان ذاكرته لم تعد له حقا !!!!
يعرف انه افاق ذات ليله بعيده جدا وجد نفسه ملقي علي فراش بارد في عنبر مظلم في مستشفي حكومي ، يومها ولد للمرة الثانية ، ولد بلا ام بلا ذاكره ، احس وقتها انه طفل كبير ، ولد من رحم حادثه متوحشه القته علي وسط الطريق تكاد كل السيارات تمرق عليه تمزق جسده ، لكن عمره الذي مازال له بقيه انقذه من الموت تحت العجلات المسرعه !!! قبل ذلك اليوم لايعرف كيف كانت حياته ، حياته بدأت من تلك الحادثه !!!
افاق علي فراش بارد ، جسده ممزق من الحادثه وخراطيم كثيره مغروزه في ذراعه ، هنأوه بالسلامه فلم يفهم ، هو لايعرفهم ولايعرف نفسه والسلامه لاتعنيه ، لااحد قلق عليه ولا انتظر يفيق من غفوته ، طلب مرأه كبيره وحين طالع وجهه فيها تعجب ، لايعرف تلك الملامح لاتذكره باي شيء ، الحقيقه هولايتذكر اي شيء ، ساله الطبيب باستهتار وصوريه عن صحته ، لم يعرف يجيبه ، هو تعجب انه يعرف يتكلم ، يتكلم لكن معاني الكلمات غائبه من عقله ، اوضح له الطبيب ان ربنا كتب له عمر جديد ، ابتسم ساخرا لانه لايعرف كيف كان شكل عمره القديمه ، من انا ؟؟؟؟؟؟؟ سؤال التصق بالرجل الذي كان في منتصف العمر وصار في اخره ، يسال نفسه من انا ويسالوه الجميع من انت وهو يبتسم ولايرد ، يتصوره خبيثا يتذاكي عليهم ، لكنه عاجز عن الاجابه ........... من انا ؟؟؟
خرج من المستشفي بعد شهور طويله وحين برأت الجروح ورفعت الخراطيم ولم يعد لوجوده هناك مبرر ، رجل في منتصف العمر او في اخره لايهم ، رجل لايعرف اسمه ولا عمره ، ربما هو شاب عجوز ، ربما هرم شاب ، ربما ملامحه ستخدعه وتخدع الاخرين لانها لاتقول عن السنوات التي مرت عليه قبل الحادث ، لكنها في الاغلب سنوات كثيره ، الشعيرات البيضاء المتناثره بين الشعيرات البنيه تفصح عن سنوات كثيره مرت ، هو بلا اوراق ، بلا هويه ، بلا ذاكره ، بلا تاريخ ، يرتدي بنطال اسود وقميص كاروهات وحذاء اسود ، خرج من المستشفي للبحر مباشرة .........
نصحه الطبيب يتجول في المدينه عله احد معالمها يشع في ذاكرته اي تفاصيل ، نصحه الطبيب يراقب وجوه الاخرين ، ربما احدهم يذكره بما يستعصي عليه تذكره ، وعده ينفذ نصائحه وساله عن ايه ادويه تساعده ، لكن الطبيب ابتسم وهز كتفيه عجزا ......... ودعه الرجل الذي بلا ذاكره بلا اسم بلا تاريخ لايعرف نفسه وقبل مايخرج من باب المستشفي ساله ، احنا سنه كام ، ابتسم الطبيب ساخرا ، وهي تفرق يابا علي العموم احنا سنه 1970 !!! رقم لايعني للرجل اي شيء !!!
من انا ................... سال البحر الصاخب بامواجه في نهار شتوي بارد !!! من انا ، رعشه لذيذه تسري بجسده وهو واقف علي الكورنيش يحدق في البحر ، من انا ....... البحر الصاخب يقول كل شيء الا من هو !!! تعرفني ، صياد انا ، بحار انا ، كنت جاي اسكندريه زياره ، عايش هنا من ايام مااتولدت ، امتي اتولدت !!! الرجل يسال والبحر يرغي ويزبد ولا يجيبه !!!
وقف امام البحر فاحبه ، قرر انه ابن تلك المدينه التي لايعرفها ، وقت احب البحر بدأ تاريخه الجديد ، الذي صنعه بنفسه ، اختار ينتمي للاسكندريه ، تلك المدينه العريقه ، قرر انه احد ابناءها ، هذا هو السطر الاول في تاريخه الجديد !!! انا ابن الاسكندريه !!! وقف امام البحر يحدق في القلعه القديمه البعيده ، يعرفها ، نعم يعرفها ، لكنه لايتذكر اسمها !!! ربما وقت ماتعود اليه ذاكرته يتذكر اسمها !!!
سار بغير هدي ، علي الكورنيش ، لايعرف اين سيذهب ولا من اين جاء ، يتعجب ، لااوراق في جيبه ، لانقود ، كيف ضاعت ذاكرته واوراقه ، هل قصد قبل الحادث يتخلص من شخصيته وتاريخه ، هل القي باوراقه بعيدا ومعها ذاكرته ، وحين افاق في المستشفي اكتشف نجاح خطته في التخلص من ماضيه القديم !!! سخر الرجل فاقد الذاكره من افكاره ، اعجبه ذكاءه لكنه سخر من افكاره ، لماذا اقرر قبل الحادثه اتخلص من ذاكرتي ، من انا لاخطط لضياع الاوراق وفقدان الذاكره ولذلك الحادث المروع الذي ارقد بسببه شهورا طويله في المستشفي المنحطة !!!
مازال يسير علي البحر .... كيف وقعت الحادثه التي ادخلته المستشفي !!! سؤال مهم ساله لنفسه ، غدا سيبحث في الامر ، اما اليوم ، عليه يبحث عن مأوي ياكل وينام ويعيش مثل البشر الذي لايعرف كيف يعيشوا بالضبط !!!! مازال علي البحر يحدق في القلعه التي لايعرف اسمها .... عبر الرصيف ، ابتعد عن رزاز الموج الذي اغرق ملابسه بالبرد ، سار تحت المباني الكبيرة تطل علي البحر لكن لا تتلاشي تحت بطش رزاز امواجه ، يرتعش من البرد ، يتمني كوب شاي ووجبه ساخنه وفراش ببطانيه وثيره مثل التي ............... ومضه من الذاكره تعود اليه ، ارتعاشه جسده حفزت ذاكرته ، يتمني يتدثر ببطانيه مثل التي كانت تضعها عليه جدته وقت كان صغيرا ، كان تشعل نارا لتدفئه وتلقي عليه بطانيه صوفيه وثيره ، خشنه نعم ، لكن تدفئه !!! لمعت في عينيه الدموع ، ياجدتي التي لااذكرك ولااذكر نفسي ، احتاج لدفئك وبطانيتك !!!!!!!!! ووقف يرتعش علي الرصيف وحيد بردان بلا ذاكره وبلا هوية !!!!!!

( 5 )
العمر الاول

ابو التاريخ ، هكذا اطلقوا عليه ، لو يعرفوا انه فعلا ابو التاريخ ماصدقوا انفسهم ، القهوجي اطلق عليه ذلك الاسم سخريه ، لكن العجوز ابو التاريخ ، عاش قدر ماعاش وشاهد احداث كثيره هو نفسه لا يذكرها ، بعضها قبل ميلاده الثاني وبعضها بعدما خلق لنفسه تاريخ وذاكره جديده ، لكنه ابو التاريخ فعلا ..........
هو لايذكر انه كان في ميدان المنشيه يسمع خطاب جمال عبد الناصر وقت اطلق عليه الرصاص ، كانت ايام غريبه ، المدينه تموج وتغلي ، الحركه التي صارت ثوره تثبت اقدامها والشعب يصفق للزعيم الذي اخرج الانجليز بعد سبعين عاما من الاحتلال ، دخلوا من بوابه البحر في الاسكندريه واخرجهم جمال عبد الناصر من نفس البوابه ، صالح المدينه التي دكت بقنابل الاسطول الانجليزي قهرا لمصر ، صالحها حين اعلن من اكبر ميداينها وسط الغوغاء والعامه والصيادين والبائعين الجائلين والافنديه اللي ماكانوش قبل الحركه افنديه ثم صاروا بعدها افنديه ، اعلن عن الجمهوريه والجلاء وخروج الملك ......... ليس مهما انه قال كل هذا الكلام في ميدان المنشيه ، لكن ضرب بالرصاص في ذلك الميدان ، احدهم قرر يتخلص من الزعيم ومن الثوره ومن فرحه الشعب الذي تخلص من الملك والانجليز في ضربه واحده !!! ابو التاريخ كان يقف في ذلك الميدان في ذلك الوقت ، شاهد جمال عبد الناصر بام عينه ، سمع كلماته ، سمع طلقات الرصاص ، صرخ خوفا مثل الكثيرين ، لكنه لايذكر كل هذا !!!! لايذكره ، فالتاريخ الذي كان له واندثر مع الذاكره التي ضاعت محي من تلافيف عقله بكل احداثه!!!!!!!!!
ابو التاريخ هو ........... كانه عاش في ابي قير القديمه التي غرقت في البحر منذ 2500 سنه ، سكندري اصيل ، يحب البحر الميت في ابي قير ، يحب الجلوس علي شاطئه يحدق في المياه الساكنه ، تحتها يرقد الاسطول الفرنسي الذي اغرقه الاسطول الانجليزي دفاعا عن سطوته وهيبته في مصر ، كنز الكنوز التي تشاجرت عليها الامبراطوريات العظيمه تسعي لاحتلالها واحتوائها ، هنا ، تحت تلك المياه الراكده يتحدث التاريخ ، يسرد قصص عن عظمه المدينه التي كانت ثم غرقت بكل كنوزها واثارها فرعونيه رومانيه يونانيه بطلميه ، هنا يرقد الاسطول الفرنسي مدججا باسلحته التي اعدت لغزو مصر ، فرد الكيد علي المعتدين واغرقوا في مكانهم لم يضربوا طلقه علي مصر التي حماها الله وسلط الظالمين علي الظالمين !!!!
نعم هو ابو التاريخ .......... جلس علي البحر يبكي سنه 67 ، حين اعلن عبد الناصر التنحي ، قبل الهزيمه التي لايمكن نقبلها ، كيف يخرج الانجليز من مصر تلك الامبراطوريه التي لاتغيب عنها الشمس ثم يستسلم لهزيمه اليهود بعد حرب تلت اربع ساعات ، جلس علي البحر يبكي ، لم يخرج مع الناس التي ملئت الشوارع والازقه تصرخ تناشده يبقي ليحاربوا ، لم يصرخ معهم يرفض الهزيمه ، لقد هزمه جمال عبد الناصر حين فكر يتخلي عنهم وعن المعركه ويرحل ويتركهم في مهب الريح ، جلس يبكي يعاتبه ، يختلط دمعه مع زراد البحر في يوم قائظ ، الشوارع كانت خاليه قبل الخطاب ، جلس علي مقهي يتفرج علي الريس وصوته المرتعش وملامحه الكسيره ، ليس هذا هو الريس الذي نعرفه ، نظره عينه المنكسره ليست نظره الريس ، لكن الصوت المرتعش افصح عن تجرع الهزيمه حتي الثماله ، قام بسرعه من المقهي ، لايرغب احد يري دموعه ، علي البحر جلس يشكو همه لله ، يلعن في عبد الناصر وجيشه الذي نام وقت ضرب اليهود المطارات وحطموا الطائرات علي الارض ومعها هيبه الجيش والوطن ، جلس يلعن في اذاعته التي باعت الوهم للناس وروجت لانتصارات مزيفه كاذبه صدقها الناس وصفقوا وفرحوا حتي انكشف المستور وعادت فلول المحاربين الذين لم يحاربوا من الصحراء ، عادوا مهزومين منكسرين حزاني لانهم هزموا بلا حرب ، هل الاسلحه الفاسده التي ارتدت لصدور محاربينا في 48 عادت لتضرب في صدورنا في 67 ، لكن بعد 48 غضب الناس وغضب الجيش لكرامته وتمرد علي الملك و...... كان ماكان ، مالذي حدث بعد 67 ، غضب الناس لكنهم لم يتمرودوا علي الملك الذي بقي علي عرشه !!! كان يبكي لان عبد الناصر خذله ، هو امن به وبالثوره وهو خذله وقت قرر يتنحي وحين عاد عن قراره كان ابو التاريخ قد انكسر وهزم ولم يعد يؤمن به !!!!
لكنه لايذكر اي شيء ، لا يذكر انه بكي يوم 9 يونيو امام البحر ، كان البحر خاليا من مصطافيه والشوارع خاليه من الماره والجميع يبكي في منازلهم ، يومها تذكر وقت دك الاسطول الانجليزي شواطيء الثغر ، خلي البحر من المصطافين واختبأ الناس في بيوتهم من القنابل ، واليوم ، يختبيء الناس من الهزيمه ، وفي اليومين احتلت مصر وضاعت الكرامه وانكسرنا !!!


( 6 )
صفية !!!!

اسمع ياابو الغريب ماتناطحش معاهم ، لاانت قدهم ولا هما حيرحموك !!! حذرته صفية من فتوات المينا والبلطجيه والشبيحه ورجاله المعلم نفيس ، لكنه لم يسمع تحذيرها ولم يقبل كلامها وقرر انه لايملك مايخاف عليه وانه في تلك المعركه ياقاتل يامقتول !!! ابو الغريب ، هذا اسمه الذي منحته له الايام ، لايعرف من اول من اطلقه عليه ، لكنه قبل الاسم وعاش به سنوات وسنوات ، ولد من جديد باسم ابو الغريب ، رجل يسير بلا هدف في مدينه صاخبه تخاف الغرباء رغم انها محطتهم ومحط ترحالهم ، تخاف الغرباء ، فمابال غريب بلا تاريخ لايعرف شيء لا عن نفسه ولا حياته ولا المدينه !!!!
ايام عاشها حتي وجد نفسه بجوار صفيه علي الرصيف ، صفيه تملك نصبه شاي علي الرصيف قبل الكوبري ، كوبري غريب لايعرف اسمه قالوا عنه كوبري التاريخ ، يطل علي المينا ومعبر كل السيارات لبواباتها ، صفيه بت جدعه ، مره اسكندرانيه جدعه ، قاعده علي الرصيف بميت راجل ، عندها نصبه شاي للسواقين وميه ساقعه للحرانين وقلب يسمع الهم والشكوي للمعذبين مثله ، حين قابلها لاول مره احس سعاده لايفهم مبررها ، سالها كوب شاي فناولته له بسرعه ، اجمل كوب شاي شربه في حياته حسب مايتذكر ، شكرها وحاسبها ، ابتسمت فكادت الدموع تسيل من عينه ، سالها ، انت تعرفيني قبل كده ، لم تفهم كلماته المرتبكه بطريقه خاطئه ، هزت راسها نفيا ، مااتشرفت ياابا والله ، كاد يقوم ، استبقته ، الوقت ظهيره والسائقين علي الطريق والماره عادوا لمنازلهم يتغدوا ، وهي علي الرصيف وحيده مثله تماما ، استبقته ، شكلك عندك حكايه ، هز راسه ، ضحكت ببراءه وانا عندي وقت اسمع ، ارتبك ، صفيه تجلس علي الرصيف امام نصبه الشاي والماره ينظرون لها وله بفضول لم تكترث به ....

انا صفيه من بحري ، ابويا مات من زمان في البحر ، خرج زي كل يوم مارجعش ، كنا 4 بنات ، امي لطمت وقالت اربع مصايب ، قلت لها تلت مصايب وراجل وانا الراجل ، ضحك الرجل ، بتضحك ليه وعلي ايه ،ماهو ياكنت ابقي راجل ياكانت كلاب السكك نهشتنا واستقوت علينا ، انا راجل ياام البنات ، وخرجت السوق ، الابط فيه ويقاوحني ، في الحلقه وقفت ابيع وافاصل ، علي بوابه المينا شرحت للناس تروح فين وتعمل ايه ، سرحت ببليله وفول في الفجريه ، الناس تخرج من جامع البوصيري تلاقيني واقفه مجهزه البليله السخنه في عز البرد ، كنت راجل فعلا ، لبست منطلون وطاقيه وصديري ونسيت اني حريم وامي نسيت واخواتي نسيوا والحته كلها نسيت ، بطلوا يعيطوا علي ابويا اللي مات من غير راجل ، اترحموا عليه لانه ساب راجل وتلت بنات ، انا كنت الراجل ، حاربت واكلت اخواتي وبعد الاكل علمتهم وبعد العلام جوزتهم وامي ستتها وفرشت بلاط فسحتها بالكلمه الصوف وطمنتها علي اخواتي وشلت نظره الرعب من عينها ، كانت مرعوبه علي بناتها وعلي حياتها وخايفه من الدينا والفلس والقهر والذل وغدر الزمان والبحر اللي كل جوزها لحم ومارماش عضمه حتي وسابها ارمله من غير شهاده وفاه ، اصل الحكومه مارضيتش تديها شهاده وفاه لجوزها ، قال ايه ده مش ميت ، ده مفقود ،والمفقود لسه مارجعش ومسيره يرجع ، ومافيش له شهاده وفاه لانه ماماتش !!!

ضحكت صفيه .......... انا سبت امي تناقر في الحكومه والحكومه تناقر في امي واترحمت علي ابويا وخرجت اسعي علي البنات وامهم ، نزلت زنقه الستات ابيع غوايش وطرح وملابس ولامؤاخذه تحتانيه ، مالقيتش نفسي في المكان ده ، لا ليه تقل علي الحريم ولا مياصتهم ، يمر اليوم وانا واقفه زي عمود السواري لابعت ولا حد عبرني ، شويه بشويه اكتشفت ان النسوان بتشتري من البياعين ، ضحكه ونظره ونكته وخفه وتشيل البضاعه كلها ، النسوان نازله السوق تستنشق علي نظره لو البياع شاطر ومفطط وابن حرام ، يشيلها علشان النظره دي البوئجه كلها !!!!
ضحك ابو الغريب وهو يسمع صفيه ، التي طلبت تسمعه وحين جلس لم تكف عن الحديث !!!!
اه والله ، اسالني انا عن النسوان ، ماعلينا ، مالقيتش روحي في السوق ولاعرفت اقف فيه ولا جبت منه خردله واحده ، كنت ارجع لامي معيطه وقفايا مقمر عيش الفرن كله ، قلت لها ماليش في الزنقه ونسوانها ، رحت حلقه السمك ، قبل الفجريه دخلت ، لسه السمك صاحي وبيلعبط ، وقفت محتاسه ادور علي ايد تتمد لي تساعدني اكل عيش ، شقيق لابويا شافني ، نادني ، تعالي يابنت الغالي ، اترحمت علي ابويا ووقفت معاه ، اشيل الطول نازله من المراكب وارص التلج واكنس الميه تحت النصبه وارزقنا ياللي رزقت الدوده في الحجر ، تقولش السمك زاد ، السمك ينزل من المركب ميه نبيع الف ، ويوم ورا يوم الراجل امن لي ووثق فيه وساب لي النصبه ، ابيع السمك واحاسبه اخر النهار واروح لامي بشروه سمك ، نقلي ونشوي والجعان ياكل وامي تعيط علي ابويا المفقود واخواتي يناموا وانا ارجع حريم ، اقعد في الشباك اسمع الراديو واغني معاه !!!

ضحكت صفيه ، اصلي ياابو الغريب صوتي حلو ، لكن عمري ماسمعته لحد ، اصل لو غنيت حيقولوا الراجل مات وساب تلت بنات وغازيه وانا عايزه احافظ علي اسم الراجل وهيبتنا ، غمزت له صفيه بخبث ، مره كده علي رواقه ، اغني لك !!! ارتبك الرجل ، اصلي يعني معرفش ليه يعني ولامؤاخذه يعني ارتحت لك ..............
وعرف الرجل صفيه ، لكنها لم تعرفه ولم تهتم بمعرفه ماضيه وتاريخه ، هي ارتاحت له وهذا يكفيها !!!!

( 7 )
ابو التاريخ

هو ابو التاريخ ، هل كان يعرف الشيخ سيد قبل مايموت ، كثيرا ما يأتي له هذا الخاطر ، حين يدندن بالحانه ، يشعر دفئا لا يفهمه ، سال نفسه كثيرا ، هل قبل ما يفقد الذاكره كان يعرف الشيخ سيد درويش ، هل قابله ولو مره واحده ، ربما كان طفلا صغير ذهب مع ابيه للمرسح وسمع الحان سيد درويش ثم بعد انتهاء الحفله صعد مع ابيه للكواليس ليسلم عليه ، لماذا هذا الدفء الذي يجتاحه حين يسمع الحان سيد درويش ، ابو التاريخ لايعرف عمره ، حين افاق في المستشفي بعد الحادث كم كان عمره سنه 1970 ، خمسين عام ، ستين ، لايظن ستين ، ليس هرما لهذا الحد ، حين شاهد وجهه في المرأه لم يري ملامح رجل ستيني السنوات ، نعم ليس شابا لكنه ليس كبير لهذا الحد ، اذا كان عام 1970 لم يصل للستين كيف يكون قابل سيد درويش الذي مات سنه 1923 !!! بالطبع لم يراه ، يستحيل يكون قابله ، ربما في حياته الاولي التي ضاعت منه كل تفاصيلها كان موسيقا يعزف الحان سيد درويش ، ربما هذا هو السبب انه يحب ذلك الرجل والحانه ، ربما تلك المعرفه السابقه بالالحان هي السبب في الدفء الي يجتاحه وقت يتذكرها !!!
لايصدق انه لم يراه ، ذهب بنفسه لكوم الدكه ، سار في ازقتها وشوراعها ، بحث عن عائله سيد درويش ، عائله سيد درويش البحر ، بقاياها ، بحث عن عجائزها ، انا ابو الغريب اللي مش عارف انا مين ، حد منكم يعرفني ، تصور لحظه ان دماء تلك العائله تجري في شراينه ، انا حاسس كده والله اعلم اني منكم ، واحد منكم ، يبتسم الشيوخ والعجائز ويرحبوا به لكنهم ينفوا اي صله بينهم وبينه ، مازال يسير في ازقه كوم الدكه يبحث عن مايشحذ ذاكرته ، ربما كان احد الجيران ، ربما كان صديق لابنه في الكتاب ، ربما كان احد الالاتيه في تخت بيعزف علي البحر يوم العيد اغاني الشيخ سيد ، لكن شيئا لا يشحذ ذاكرته ولا يستنفرها لتعثر علي المدفون في تلافيها ، لاشيء يبرر الدفء الذي يجتاحه وقت يدندن بالحان الشيخ سيد !!!!
يجلس علي البحر يحدق فيه ويساله نفسه ، هل صحيح ( ماما ترايزا ) تلك السيده اليونايه القديمه التي عاشت في تلك البقعه من المدينه وكانت حكيمه وصاحبه راي وباب مفتوح يلجأ لها الناس للشكوي وحل المشاكل ورد المظالم ، هل تلك السيده هي التي منحت اسمها لذلك الحي العريق ( الازاريطه ) هل تحولت ( ماما تريزا ) علي السنه السكندرين الطيبين للازاريطه ، هل بقي اسمها ونسيت قصتها ، قرر ابو التاريخ وقت كان شابا يحب الاسكندريه في ميلاده الاول الذي انتهي بميلاده الثاني ، قرر ينقب في الامر ويبحث عن مدي صحته ، جاب شوارع الازاريطه ، يسال الكبار والشيوخ والعجائز ، مصريين من كل مله ودين ، يوناني روماني مسيحي مسلم ، ايه حكايه ماما تريزا ، لكن احد لايعرف عنها مايسال عنه ابو التاريخ ، بعضهم يمازحه ويقول ، ماما تريزا ماما تريزا ، وبعضهم يتشاجر معه لترديده خرافات وخزعبلات ، الازرايطه كلمه يونانيه او رومانيه تعني الجبانات ، وكان هذا الحي في البدايه جبانه كبيره دفن فيها الخواجات الوافدين علي المراكب من البحر امواتهم ، ويوما بعد يوم ، انتقلت الجبانات لمكان اخر وبقي اسمها للحي الذي نعيش فيه ، ابو التاريخ لم يحب تلك القصه ، قصه ماما تريزا اكثر انسانيه ودفء ، قرر يصدق ان الازاريطه هي التحوير المصري السكندري لماما تريزا التي بقي يترحم عليها كلما سار في اي شارع من شوارع الازرايطه !!!!!!

( 8 )
ام محمد

مازال يجلس علي الرصيف ، يمسح راسه بالليمون ويبتسم في وجه الماره والعابرين ، بعضهم يلقي عليه التحيه متلعثما ، بعضهم يخاف منه لانه مخاوي ، بعضهم لايصدق فيه مايقوله الرجل السني عنه ، تقترب منه احدي النساء ، تمنحه فطيره بالسكر ، ياخذها مبتسما ، بعيون حائره يسالها عايزه ايه ، بصوت مرتعش تساله ، حاجيب الولد ولا حاتطلق ؟؟؟؟ كانت تنجب اناث لزوج ينتظر الذكر يحمل اسمه وتجارته ، تحمل جنين في احشائها تتمناه ذكر ينقذها وبناتها شر الضره والتشريد ، يحدق في عيونها في ملامحها في انفها الذي تضخم ، يبتسم مطمئنا ، اللي في بالك حتنوليه ، ابنك دكر ابن دكر ، رسم وشك وملامحك بشكل جديد ، عمرك ماكنت وحشه كده يابت ، كادت تصرخ من الفرحه ، ابو التاريخ قال واللي قاله سر والسر في بير لكنها تصدقه ، ندر علي لو صدقت لاكسيك واطعمك من ايدي العمر كله ، ضحك لايكترث بكلامها واخذ يمسح راسه بالليمونه التي في يده !!!!
وبعد سته شهور ، ذبحت الذبائح وارتفعت الزغاريد وانجب المعلم رشدي صاحب وكاله الخرده ولد بعد اربعه بنات !!!
واقسم السني ان الراجل العجوز المتلقح علي الرصيف مخاوي اشباح وبيعرف الغيب وحذر الناس منه ، لكن ام محمد نزلت من فراشها نفسه وذهبت له بوليدها علي الرصيف تطلب البركه ومنحته مبلغ مالي كبير يقسم البعض انه يتجاوز العشره الاف جنيه وقبلته فوق صلعته وهددت الجميع بان اللي حيجيب سيرته بالرضي مالوش عندها غير الشبشب !!!
وصدقت ام محمد في وعدها ، كسته ملابس جديده ارتداها يومين وفي الثالث عاد لبنطاله القديم وحذائه المكلح ، واخذ يوزع الاكل الذي ترسله له كل يوم علي الصبيه الذين يشموا الكوله تحت الكوبري لكنها لم تتوقف ابدا عن تنفيذ ندرها له ، وحين اوغر البعض للمعلم رشدي ان زوجته تقبل الرجل العجوز علي صلعته فتشاجر معها ، يومها تحولت لنمره متوحشه ، دافعت عن نفسها وعن الرجل واكدت انه مبروك وانه السبب في مجيء محمد للدنيا وخاصمت زوجها وهجرته حتي اعتذر لها علي سوء ظنه وفي نفس الوقت نزلت الشارع وخلفها بناتها الاربع ومحمد علي ذراعها وخلعت حجابها واطلقت شعرها في الهواء وربطت الطرحه علي وسطها واخذت تردح بصوت عالي وتسب وتلعن في الناس الواطيه الناقصه اللي بتجيب سيره اسيادهم الشرفا وسيره الراجل البركه اللي ربنا بعته للحته من حبه في ناسها الطيبين ، في ذلك اليوم ، بقيت ام محمد ثلاث ساعات في الشارع تتوعد الخسيس الناقص الواطي اللي جاب سيرتها واخذت بناتها ومحمد علي ذراعها وذهبت للعجوز قبلت راسه ويده وطلبت منه ، والنبي يابا تبارك محمد وترقيه واعلنت ان مابينها وبين ابو التاريخ هو الدم ، هو ابيها وهي ابنته واللي حيقرب منه بيدوس علي طرفها واللي يزعله يزعلها وكل واحد عقله في راسه يعرف خلاصه !!!!!!!!!!

( 9 ) مهرة !!!
ياصفيه يابنت الناس ، لاانا قدك ولا قد نظره عينكي ، انا راجل عجوز وانت مهرة شديده عايزه خيال ومش اي خيال ، لا خيال خيال !!! في احلامه تأتيه جميله مغريه كحيله العينين ، بضه الجسد مثيره النظره ، تأتيه في احلامه تذكره برجولته التي نسيها ، تمنحه احلي ليالي غرامه وترحل ، في النهار يخجل منها ، يكاد يمر عليها لا يلقي عليها السلام ، تناديه ، ياابو الغريب الصباح لله ، نظره عينها تقول انها تعرف مايبعده عنها ، شايك جاهز يابا ، يقترب منها خجل مرتبك ، هي الانوثه التي صار يعرفها في الدنيا ، في حياته الاولي التي نسيها كان رجل بتاع نسوان ، كل النساء التي مرت عليه تذوق شهدها ، كان رجلا تتمناه النساء وتسعي اليه ، كل هذا لا يذكره ، في ميلاده الثاني لم يقترب من النساء ، انشغل بالبحث عن هويته وتاريخه ونفسه ....
في حياته الاولي كان رجل بتاع نسوان ، ياسرهن بنظرته العميقه يسرق قلوبهن من الازواج والاباء ، اكم من واحده القت بنفسها للتهلكه وفرت من بيت ابيها لحضنه ، وحين منحها ليلته الوحيده بقيت مجذوبه بحبه ، وحين هجرها جنت ولم تعد لابيها ، اكم من ضحيه ضاعت بسببه ، كان يعمل شيال امام اكبر الفنادق في الاسكندريه ، وهناك شاف البشوات والبهوات ، وعرف افخر السيارات وسمع احاديث في السياسه والدين ، فندق يدخله رجال السياسه متنكرين لقضاء ليالي العشق ، كان يحمل الحقائب ولا يعرفهم ، يدخل الحقائب لصاله الفندق ولا يعرفهم ، بل يعرفهم ويدعي انه لايعرفهم ، حين تصل سياراتهم الرسميه يرحب بهم وينحي احتراما وحين يتسللوا تحت جناح الليل لمقابله النساء ، يرسم علي وجهه تعبيرات غبيه حتي يصدقوا فعلا ان ذلك الشيال لم يتعرف عليهم !!!

كان بجسد ضخم مفتول العضلات ، له نظره عميقه وابتسامه ساحره ، صعيدي رحل من الجنوب للثغر ، فر شابا من بلدته البعيده ، من نجع لايعرف احد اسمه يتبع قريه لم ترسم علي اي خريطه ، زملائه قالوا وقتها انه فر من ثأر يطارده ، استنتجوا فراره من الثأرلانه قدم للثغر مقطوع من شجره ، وحيدا بلا عائله ، لااحد يزوره ولايسال عليه ، اصدقائه من البلده البعيده لم يتوافدوا عليه مثلما يفعلوا مع بعضهم دائما ، عزلته اكدت انه هارب من الثأر ، سالوه لم ينفي ولم يؤكد ، سالوه صمت واعتبروا صمته قرينه علي فراره ، صعيدي بجسد ممشوق وسمره مثيره وعيون كحيله كانه فار من احد المقابر الفرعونيه ، سماره وجسده ونظره عينيه اوقعته في شرك النساء ، اسرته في احضانهن ، لايملك اي شيء يمنحه لهن الا عواطفه وجسده ورجولته ، وهن لايبحثن الا عن مايملكه ، لايرغب في مال ولا ملك ولا زواج ولااسره ولا اطفال ، فقط حضنه ورجولته مايحلمن به !!!!

اكم من فتاه مرت عليه امام الفندق غازلته واكم من سيده طرقت بابه في منتصف الليل تعرض عليها جسدها وشهوتها ، واكم من سيده فرت من زوجها المتحكم لحضنه الحاني مستعده لخساره كل شيء من اجل حضن ذلك الرجل ، وعاش مع النساء قدر ماعاش ، لم يتزوج لم ينجب اطفال لم يكون اسره لم يكن له بيت دافء ، فراشه هو فراش الغرام ، تنام عليه النساء وترحل وتبقي رائحتهن في المخده التي يسترحن عليها ، فراشه يشهد علي فحولته وقوته وحنانه وغرامه ، لكنه لم يسلم قلبه لواحده تدفئه ، هو ملك كل النساء ويملكهن جميعا ، لكنه لم يعثر علي الانثي التي تقنعه بالكف عن العبث باجساد النساء ، لم يعثر علي الانثي التي تشبعه بنظرتها وترويه بلمستها فيجلس تحت قدميها صاغرا طائعا يسلمها قوته ومشاعره !!!!

لكن كل هذا محي من ذاكرته ، نسي النساء والفراش الذي تركه في الغرفه المؤجره وحيدا حتي مل صاحب العقار فرفع عليه قضيه وطرده منها ، القي الفراش في الشارع ، الفراش باعمدته النحاسيه اخجل الكثير من النساء ، كانه شاهدن ليالي العشق في حضن الشيال امام عينهن ، بعضهن بكيت حين رات الفراش ملقي في الشارع وترحمت علي صاحبه الذي اسعدها ، واحده منهن عرضت علي صاحب العقار تشتريه وتسدد له كل الاجره القديمه ، هنا نمت في حضن اجمل رجل ، هنا ارتويت بعد طول ضني ، هنا احسست بالفرحه ورجعت امرأه بعدما كنت رحم ينجب من رجل قاسي اكرهه ، لم تندم علي فضيحتها ولا طلاقها ، لم تندم علي اطفالها الذي زرع ابيهم في صدرهم كراهيتها ، فقط تتذكر ليلتها مع الرجل الذي منحها الفرح وعوضها عن كل الحرمان ، اشترت الفراش ونامت علي المخده تقبلها وتحلم به كل ليله !!!

لكن ابو الغريب ، الرجل الشيال الذي حمل ذلك الاسم الجديد ، لم يقابل بعدما انتهي عمره الاول وبدأ عمره الثاني ، لم يقابل اي امرأه من اللاتي سعدن في حضنه ، ولو كان قابل ايهن لتعرفت عليه وردت اليه ذاكرته ووصلت عمره القديم بعمره الثاني ، لكن الله لم يرد له وصل ، اراد يخلقه من جديد ويمنحه عمر جديد وذاكره بيضاء وانساه كل مامر عليه حتي النساء والفراش والفحوله !!!!
حين اصبح ابو الغريب ، لم يقترب من النساء ، خاف منهن ، انشغل بنفسه والبحث عن هويتها !!!

يتبع بالجزء الثاني !!!!


هناك تعليقان (2):

noha gamal يقول...

اسمحيلى فى البداية اهنيكى على الهوامش الرائعة للمدونة .استمتعت بشدة بقصة ابوالغريب وواقعه المرير على رصيف الكوبرى رجل مشرد بائس مهلهل الثياب قد نراه كثيرا فى شوارعنا ولكنه لم يداعب خيالنا مثلما حدث معك فنسج خيالك قصته فصورته كشاهد على العصر "ابو التاريخ" مرت عليه احداث ووقائع سطرت فى التاريخ بعضها عاشها مثل النكسة وخطاب التنحى وحب الجميع لناصر..وبعضها سمع عنها وتأثر بها مثل معركة ابو قير وسيد درويش.ولكنها احداث لم تترك فى ذاكرته المفقودة اثرا كما ترك االزمن فى جسده المتهالك .
لم تتركي ابوغريب كشخصية خاوية بل اثريته بقصص شخصية وفلاشات من ماضيه المجهول له فلم يكن اصم كأبي الهول ولكنه انسان عادى يملك فطرة وفطنه من هم فى سنه من يرون نظرة الموت فى الوجوة ويرون نوع الجنين من تغيرات الجسدية للام نعم اصريت طوال الوقت انه رجل عادى نعم انه كذلك ومثله كثيرين نراهم ونمر عليهم ولكنك انتى فقط من حولتيه بكلماتك الى قصة رائعه استمتعت بها جدا واشكرك على التاج

أسامة جاد يقول...

مع نهاية الجزء الأول كان شعور الدوار المحبب هو المسيطر عليّ .. شيء يشبه انتشاءنا في الطفولة لحظة توقف الأرجوحة الدوارة، تلك الدوائر المتصلة التي دخلتها حرا في البداية، ثم لم أملك سوى الاستسلام لقلمك وهو يأخذني من مشهد لمشهد، من قصة لأخرى، وأنا لا أملك سوى الاستمتاع .. الاستمتاع فقط، فكرت في تفاصيل كثيرة، وطار عقلي إلى جودو صمويل بيكيت، إلى عبثيات بريخت الخالدة .. وتفاصيل دورينمات الساحرة، ولكن الدائرة التالية أنستني ذلك كله وأنا أشاهد تغير المجتمع المصري عبر عقود مختلفة ..وألتفت إلى لحظات عميقة في تاريخنا المعاصر، سيد درويش وكوم الدكة .. المينا .. وحلقات السمك .. الأزاريطة .. ومدن الأسكندرية المتراكبة مدينة فوق أخرى، الأم تيريزا وقصص الغزو من البحر، البحر الميت في أبو قير .. والبحر الحي الذي ابتلع كل القصص وحده واحتفظ بها، مكنونة وخالدة .. وقادرة على الظهور في لحظات تناسبها لتقول: لسة عايشين.
تابعت أبو التاريخ .. وبحثت معه عن ذاكرته المفقودة .. وحلمت معه بأن نعرف من هو .. من أين .. وكيف استطاع أن يقرأ ما وراء المشهد ويحذر السائقين .. أو يخبر أم محمد عن مولودها الذكر .. أم محمد ذاتها .. وشخصية الأنثى السكندرية تحديدا، التي على دلالها الساحر تستطيع أن تكون في لحظة لبؤة غاية في الشراسة، مع زوجها .. ذات الزوج الذي خشيت طلاقه .. عندما مس ولو من طرف بعيد شرفها .. وعلى من سولت له نفسه أن يخوض في عرضها .. تابعت نساء أبو التاريخ .. وقصصهن معه .. وقصصهن الخافتة التي ألقتهن إلى حضنه قبل أن يدخل في غيابات الذاكرة .. استمتعت بالدوار جدا .. وشعرت، وأنت توقفين العجلة الدوارة في النهاية بدفق الأدرنالين في عقلي فيما كانت صفية تبدو في ظلال المشهد صورة سلويت تشي بأنوثة شاهقة .. أستعير وصفك لها "مهرة جامحة" تدخل للبحر في كامل اعتدادها وتحديها ... أسابق الوقت لالتقاط أنفاسي .. كي أعود، بإرادتي الحرة، إلى عجلتك الدوارة من جديد .. وأنا أمني النفس بالنجاة .... بديعة لأقصى حد