مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

النظرة الكسيرة وبائع الفوانيس ( الجزء الثاني )






( 7 )


قبل الذهاب للشركه ، يعرج علي بائع الفوانيس ويشتري فانوس اخر ، يضعه بجواره علي مقعد السياره ويبتسم ، مااجمل الاحلام البسيطه التي تملك تحققها ، يتذكر حوارات امه وذكرياته معها ..
ابوك مات وسابنا علي الحديده ، بعت الحديده واشتريت بيها اكل تلت ايام وفي اليوم الرابع الناس بطلت تزورنا وبعد اسبوع اهل ابوك نسيونا وبقيت انا وانت لوحدنا ، انا حمل وانت حمل ومين يشيل احمال غيره في الايام السودا اللي محدش قادر يشيل فيه حمله هو ، اوعي تسالني عشنا ازاي ، عشنا زي ماعشنا ، معرفش ازاي !!! هذه الحدوته التي تحكيها له امه كل يوم قبل ماينام ، تبكي بكاءا مريرا يعقبه وصله الرثاء الليلي التي ادمنتها ، يكاد يقاطعها ، لن اسالك عشنا ازاي ، اعرف واتذكر كل التفاصيل التي تلاشت من ذاكرتك ، اعرف كل ماعشناه وكيف عشناه ، مازلت اراك كسيره النفس تسحبيني من ذراعي وتزوري اختك ، مازلت اتذكر النظره التي كان يجحدني بها زوجها ، كانه يسالني جاي تاكل ؟؟؟ مازالت اري النظره الكسيره التي كانت تكسو وجهي ، مازالت احفظ شكل بلاط الارض التي كنت احدق فيه ولاارفع راسي ابدا كأني لست موجود معكي ، مازالت اري اختك تفرش مائدتها امامنا وانت تتشاجري معي كي اكل مما وضعته امامي ، لكني لاارغب في الاكل ، نعم اشعر جوعا لكنه جوع قلب معدتي واصابني بغثيان رهيب ، اكل اختك لن يشبعني ، اكل اختك مثل جمرات النار في جوفي ، يقهرني اكثر مما كنت مقهور !!!

لن اسالك كيف عشنا ، مازلت اتذكر ، المنجد الذي القيتني امام باب محله تستجديه يشغلني في الصيف وقت الاجازه ، كان ابنه زميلي في المدرسه ويجلس معي علي نفس الدكه ، طوال الدراسه نحن زملاء في المدرسه الحكوميه التي لاتعلمنا شيئا ، في الصيف ينام هو حتي الظهيره ويمر علي ابيه في المحل ياخذ مصروفه ويذهب يلعب مع بقيه الاطفال ، اما انا كنت اعتقل داخل المحل وسط الالياف المبعثره والمسامير التي لاارها فتدخل في قدمي من نعل حذائي البالي ، كنت المحه يقترب من المحل فاخجل من نفسي ومنك ومن حياتي واختبيء بعيدا ، تحت جبل من الاسفنج يعده المعلم لحشو انتريه جديد ، احيانا خلف الكنبه القديمه التي تنتظر دورها ويد المعلم لتتجدد ، ابنه كان يناديني ويبتسم يدعوني للعب معه ، كان يحبني ، لكني كنت اكرهه ، الحقيقه كنت اكره نفسي ، ابتسم في ذله واعتذر عن اللعب معه ، ينهره ابيه لانه يعطلني عن عملي ، هذا العمل الحقير الذي كنت امارسه من الصباح حتي الليل ، اكنس المحل مائه مره واجمع المسامير التي سقطت من المعلم واعيدها للعلبه امامه ليسقطها ثانيه ، كنت امزق الالياف التي سيحشو بها المعلم المقاعد واناوله الاسفنج الذي سيبطن به الكنب ، اجري هنا وهناك ، انحني اجمع المسامير واشب علي قدماي اناوله بكر الخيط واعود انحي لاكنس المحل ، وفي نهايه الاسبوع يناول امي اجرتي مبتسما لانه رجل حان يساعدها وتبتسم هي لانه حصلت علي ثمن طعامنا طيله الاسبوع ولااحد منهم يري دموعي ولايفهم انكسار نظرتي !!!


لن اسالك كيف عشنا ، ولماذا اسالك ، اتذكر جيدا ماكنت تفعليه في ، كنت تسحبيني من يدي يوم العيد ، لنسير في الشارع امام الجيران تنتظري العيديه التي سيمنحها لي الاخرون صدقه في صوره عيديه ، كنت تذهبي لاختك لنأكل هناك ، كنت تاخدي منها ملابس ابنها الباليه وتجبريني علي ارتداءها والحقيقه كنت معذوره فلو لم ارتديها لبقيت عاريا ......... كنت تاخذيني للمعلم نعيد عليه ، كنت تعرفي انه سيمنحني امام ابنه زميلي في الفصل ، مبلغا ماليا بمناسبه العيد وكنت اعرف انك ستدعي له بالصحه والستر وربنا يخلي الاولاد ، كل هذا كان يحدث وانا اتمزق خجلا اتمني الموت لكنه اخذ ابي ولم ياخذني وتركني لكي تعذبيني بمرثياتك وبكاءك واصراراك علي اهانتي وحتي ذلك اليوم الذي انفجرت فيكي ابكي اشرح لك خجلي من حياتي وما تفعليه في ، يومها لم تفهمي اي شيء مما قلته ، يومها ضربتيني علي وجهي وبكيت لاني لااقدر جهدك التي تبذليه وماء وجهك الذي تريقه من اجل حياتي !!! لعنه الله علي تلك الحياه !!! يومها صمت وادركت انك لن تفهمي ابدا مااقوله لك ، يومها جحدتك بنظره كسيره من عيني اوجعتك فضربتيني ثانيه وامرتيني الا انظر اليك مثلما انظر ، بكيت وابتعدت عنك وقررت الا انظر اليك ابدا ، لاني لااملك الا تلك النظره لتوجعك !!! وانا لاارغب في ايلامك لانك في الحقيقه بائسه مثلي ويمكن اكثر بؤسا مني !!!!!!!!

يصل لمقر الشركه ، يترك السياره للمنادي ويحمل الفانوس في يديه ويتجه للمصعد !!!
كانه يسير بجوار امه وكفه في كفها ، لكنه اليوم سعيدا ، خلافا لكل المرات التي سار بجوارها وهي تقبض علي كفه كانها تخاف فراره !!! يؤرجح الفانوس فينتعش ، يتارجح الفانوس في كفه بحريه مثل التي تمني يشعر بها وقت كان يسير بجوار امه !!! ليه كده ياامه ، كنت بتعملي في كده ليه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وتسطع النظره الكسيره امام عينيه فيغشاه الحزن !!!

( 8 )


متكئا علي فراش عشيقته يدخن سيجاره بلا استمتاع ، يمارس معها جنسا ناجحا يسعدها لكنه لايسعد بها ، تحبه لكنه لايحبها !!!
تضع راسها علي كتفه فيتململ ويضيق بها !!! كان يتمني سعيده تنام علي كتفه ، لكنه حرم نفسه من سعيده وبقي كتفه فارغا مثل قلبه وحضنه لايستحق اي امرأه ولا حتي تلك العشيقه التي تمنحه عواطفها وجسدها !!!

مازال يذكر المره الاولي التي خان زوجته ، يضحك ، خان زوجته !!! لايشعر الامر كذلك ، انها المره الاولي التي انتصر عليها ، قهرته مثل الفقر مثل الهم ، لكنه هزمها وانتصر عليه ، الانتصار عليه سهل جدا ، امرأه لاتساوي شيئا يمنحها عواطفه التي لم يمنحها لزوجته ، اشترته نعم لكنها لم تقوي عليه كله ، اشترته لكنها لم تشتر عواطفه ، مازال يملك ما يهزمها به !!!!


فر من المنزل بعد مشاجره عاصفه ، جلس في بار احدي الفنادق الكبري ، الوقت متأخر والبار شبه خالي الا من بعض رواده الغائبين عن وعيهم ، جلس امام كأسه يتمني يبكي ، يسترجع كلمات زوجته الجارحه ، كالت له سبابا موجع ، ذبحه من الوريد للوريد ، تعالت عليه وصرخت في وجهه ، فوق لنفسك ، انت مين وانا مين ، تمني لو يضربها ، تمني لو يمسكها من شعرها ويرطم رأسها بالحائط ، لكنه امسك اعصابه ، لو ضربها لاجبره ابيها علي تطليقها ، سيخسر الجلد والسقط ، باع نفسه لها ولابيها من اجل هدف لم يتحقق بعد ، لن يباع بثمن رخيص ويلقي مثل القاذورات علي سلم الخدم ، سيتحمل حتي يصل لهدفه ، مازالت تكيل له الكلمات الجارحه ، ارتدي حذاءه وجاكتته وصفع باب الفيلا وخرج ، لماذا تتشاجر معه تلك المرأه ، لم يتذكر سبب غضبها ، كانا في حفله معا ، لم يغازل النساء في وجودها ، لكن وجودها لم يردع النسوه عن مغازلته ، تغار عليه من النساء الجميلات لكنه لا يغازلهن ، انت بتفتح لهم الطريق ، ضحك من عباراتها ، احس نفسه عسكري مرور في شارع مزدحم ، غضبت من ضحكه ، احسته يسخر منها ، رفعت حده المشاجره وسخونتها ، انت فاكر نفسك مين ، انتبه ، الاسطوانه المشروخه التي لاتكف عن حصاره بها ستبدأ ، ماتشوف نفسك ولا نسيت ، ليتني انسي ياامرأه ، لو نسيت ماكان هذا حالي ، انت نسيت انا مين وانت مين .......

صفع الباب وخرج ، قاد سيارته غاضبا ، لماذا يري عيني امه تلومه ، انت ياضنايا اللي عرضت نفسك لقله ادبها ، لو هي من توبك كنت سفختها قلمين يفوقوها ، كنت عملت قعده رجاله وخليت اهلها يربوها ، انت ياضنايا اللي مكنتها من رقبتها وكسرت عينيك ونفسك قدامها ، يكاد يصرخ ، بس ياامه ابوس ايدك ، عارف انا عملت ايه وليه ، اصبري ياامه بكره يجيي يوم اديها بالجزمه !!! لاتقبل امه كلماته ، تصمت تماما وتترك له نظره لوم تصاحبه ليل نهار ، يهمس سانتصر عليها في وقت ما وحين يأتي هذا الوقت كفي عن لومي !!! تنظر له بحزن وتصمت فيصمت !!! ....


يقود سيارته مسرعا ، يقف امام احد الفنادق الكبري ، يلقي بالمفتاح للمنادي ويدخل الفندق لايعرف اين يذهب ، سيستأجر غرفه ينام فيها حتي تهدأ الزوبعه المشتعله في مسكنه ، لو نام خارج المنزل لاشعلت الدنيا اكثر واكثر ، سيجلس حتي يهدأ ويعود بعدما تنام !!!

ودخل البار .............
سميحه هي التي اقتربت منه ، نبهته لوجودها ، شابه وقوره ، نعم وقوره ، بملامح طيبه ، اقتربت منه ، جلست بجواره ، بدأت تتكلم ، تحكي قصصا مختلفه ، لم ينتبه لها في البدايه ثم منحها اذنه ، باكلمك وانت مابتعرفنيش ولا حتعرفني ، لاني عايزه افضفض ، بعد الليل مايخلص كل واحد منا يرجع لحياته وننسي كل اللي اتقال واتسمع ، انا مش وحشه زي ماانت متصور ، انا طيبه والله ، انا بس مشيت في سكه اللي يروح مايرجعش ، يسمعها بلا مبالاة ، اصل اهلي كانوا ناس علي قد حالها وانا ماكانش عاجبني حالهم ...... يري شفتيها يتحركان ولا يسمع قصتها ، اعرف مالذي ستقوليه ، جميعنا ابناء الفقر وتمردنا عليه ، جميعنا قررنا نبيع انفسنا هربا من الفقر ونشتري حياه ارغد ، لايهمني التفاصيل ، ربما تكذبي ، لااكترث بكل ما قلتيه وما ستقوليه ، منح سميحه اذنه فمنحته وقتها فتكلمت مثلما ارادت ، كسرت الحواجز بينهما ، لم يعودا اثنين غرباء ، قصتها عن نفسها قربتها منه ، سخر اكرم من نفسه ، وقتما قالت لي انها ساقطه عرفت اني مثلها ساقط ، هي تشبهني وانا اشبهها ، كانت بارعه سميحه فيما فعلته معه ، نعم اسمها سميحه ، تصورها في البدايه سيده وحيده ، وبعدما قضي ليلته معها وبعدما قابلها مره واثنين ، عرف انها تمتهن اسعاد الرجال التعساء مثله ، لكنها لا تعرض عليهم جسدها ولا متعه الجنس ، بل تمنحهم اذنها واهتمامها ، بتلك الطريقه نجحت مع عشرات الرجال غيره ، وانت بقي حكايتك ايه ، هل حكي لسميحه حكايته ، لا ، حكي لسميحه القصه التي قرر انها قصته ، حكي لسميحه عن تعاسته مع زوجته الغيوره الشكاكه ، لم تنقب سميحه عن الحقيقه ولا تهمها ، سمعت منه كثيرا وقبل ما ينهي حكايته قررت تقوم ، لكنه يحتاج لها ليكمل كلامه وقصته ، لايعرف من الذي عرض علي الاخر امكانيه قضاء الليله معه ، ربما عرض عليها ووافقت ، ربما اوحت له ففهم ايماءاتها ، لكنهما خرجا من البار معا ، هي في ذراعه وهو لايكف عن الكلام وهي تسمعه باهتمام حقيقي !!!
لماذا احس بصدق سميحه وقتما كانت في حضنه ، لماذا صدقها او تمني يصدقها ، هي فعلا طيبه !!! سخر اكرم من خيالاته وهو يغادر منزلها ، طيبتها جزء من طريقتها في العمل ، بتلك الطيبه تسرق عطف الزبائن ، ترك لها مبلغا كبيرا بجوار المرأه ، اعجب بطريقتها في التسويق ، ضحك اكرم ، لو كانت محترمه لمنحها في شركاته وظيفه مدير التسويق ، ستختلق قصص كاذبه تفلح بها في الترويج لبضاعتهم ، غادرها وهو يؤكد عليها انه سيعود لها حتما !!! منحته لحظات من السعاده والصدق ، لا الصدق المزيف ، منحته لحظات عجزت ثريا في كل السنوات التي عاشوها معا ان تمنحه بعضها !!! ليتها بارعه في الكذب والزيف مثل سميحه !!!!

كانت الخيانه الاولي ، التي فتحت له طريق لم يصل بعد لنهايته ، كلما تتشاجر معه ثريا يهينها بخيانتها مع اخري ، كلما تصورت انها انتصرت عليه ، هزمها وانتصر عليها ومنح جسده وعواطفه لاخري ، وفي نهايه الليل يعود لها بكل اثار الخيانه لايكترث برد فعلها ، انت تهينيني ياامرأه وانا اهينك ، والبادي اظلم !!!!

ارتبط بسميحه فتره طويلة وعندما مل منها عثر علي اخري ورابعه وعاشره ، استجاب لمغازلات النساء وهوي في احضانهن ، كلهن يعرفوها ويكرهوها ، يغازلوه كيدا لها وهو يطارحهن الغرام اهانه لها ، وحين تدرك انه منح جسده لغيرها ، تصر علي ممارسه الحب معه ، تمزق جسده باظافرها وتحسسه بضعفه امامها وتتعالي عليه كانها تتمناه يتوسل اليه حتي في تلك اللحظه فقط ، لكنه لايمنحها ماتريده ويعطيها ظهره ويتركها تتلظي بغيظها ........... و .. لو حياتي مش عاجباك ياثريا نتطلق !!! يرتعش خائفا ان توافقه ، يلعب معها لعبه قمار كبيره ويلقي بكل كروته بحمق علي المنضده ، ثوان يخاف فيها يخسر كل شيء ، لكنها لاتوافقه وتتشبث به اكثر واكثر و........ تستمر بينهما اللعبه الكريهه !!!


اطفأ السيجاره واستعد للرحيل ، اقتربت منه العشيقه وطلبت منه البقاء ، ماينفعش ياسعيده !!!
لا ليست سعيده زميلته في الجامعه ، هي رفضت تخبرها اسمه وطلبت منه يختار لها اسم ، اختار لها اسم سعيده ، سال نفسه ذات مره لماذا سعيده ، للنساء اسماء كثيره ، اشمعني سعيده ، ربما يتمني في عقله الباطن ان تشاركه سعيده السقوط ، هو باع نفسه لثريا ويتمناها تكون باعت نفسه لمن دفع او سيدفع اكثر ، يتمناها مثله باعت نفسه لتخرج من الفقر ، حين يراها في خياله زوجه سعيده لرجل بسيط وام لاربعه اطفال يكرهها ، يتمناها تعيسه تبكي حزينه لانها باعت نفسها اما لزوج اشتراها او لرجال كثر اشتروا بعض وقتها !!!


صفع الباب خلفه ونزل السلم بتثاقل ، النظره الكسيره تلاحقه ، لوم امه يدوي في اذنه ، حتي ياابني البت الغلبانه ماسبتهاش في حالها ، ليه كده ياضنايا ، مش كفايه انت بعت نفسك ، عايزها هي كمان تبيع نفسها ، يهمس يكلم نفسه ، ايوه ياامه ، الفقر بيخلي الناس تبيع نفسها باي طريقه ، تبيع نفسها للي يدفع اكتر ، بلوم اكثر وحزن اعمق تساله امه تستنكر كلماته ، مين قال كده ياضنايا ، انا ياامه اللي قلت وبقول ، لا يعني ايه ، لا يعني ايه ، لا الفقر بيخلي الناس تبيع نفسها ولا هو يعني اشمعني انا !!!!!!!

يركب سياره ويسير صوب الفيلا الفاخره التي يعيش فيها مع ثريا غاضب من امه ومن سعيده التي لم تبع نفسها مثله !!! واثق هو انها لم تبع نفسها !!!! يشعر رغبه جارفه في البكاء !!!
نفسي اعيط ياامه .... ويصل الفيلا !!!!!


( 9 )

كان الظلام حالكا .... والبرد شديد ... الظلام حالك والسماء قاتمه ، النجوم بعيده متواريه خلف سحب الامطار الكثيفه التي تنتظر دورها لتتخفف من احمالها .... الفانوس فوق المقبرة والشمعه التي كانت فيه تكاد تتلاشي ، لم يبق من خيطها الا قصيره ولم يبقي من جسدها الا نحيله ، ذابت فوق الفانوس وشاهد المقبرة ... الهواء يصرخ في الفراغ يدوي ، تقاومه الشمعه النحيله ، تصمد في مواجهه نفخاته العاتيه ... كادت الشمعه التي تنصهر لمصيرها المتلاشي ، كادت تصرخ ، تقاوم الليل القابض بشعاعها الهش وتقاوم الهواء العاتي بصمودها المتعب ، كادت تصرخ ، ارهقتني الحياة !!!

يتقلب اكرم في فراشه ، كانه محموم ، مثله مثل الشمعه ، خلق ليقاوم ، اعاصير البرد والريح والوحده والوحشه ، يقاومها ولا يستسلم ، لايتحمل الاستسلام ، هو موته الحتمي والمقاومه وجوده ومبرره ، يتقلب في فراشه ، كانه يصرخ ، اصمدي!!!


يفتح باب الفانوس ، يخرج منه اكرم صغيرا ، مغطي بالشمع الذائب ، محروق باللسعات المتلاحقه للشمع المنصهر ، يخرج من باب الفانوس ، يراها تجلس فوق شاهدها ، هي امه مثلما يعرفها ، لكنها تبتسم بلا دموع ، دموعها جفت وقت عتقت من عذابات الحياه بالرحيل للبراح ، تجلس فوق شاهدها ، شعرها طويل ناعم ، فكت جدائها ، مبتسمه ، يصرخ يناديها ، ياامه ياامه !!! تفتح حضنها وتضمه ، تغني له بصوتها الخفيض ، ياضنايا ياحته من قلبي يافرحتي وفرحه كل عمري ، تنسال دموعه بلا صوت ، تضم ذراعيها عليه ، تحتضنه اقوي واقوي ، وحشتيني ياامه ، وانت ياضنايا وحشتني خالص ، خلي بالك علي نفسك ، اوعي لروحك ، صعبان علي ياقلب امك ، سايباك في الدنيا لوحدك ، لااب يضم ولا عم يشيل هم ولا خاله تاخدك في حضنها ولا عمة تمسح دمعتك ، صعبان علي ياقلب امي ، سايباك في الدنيا لوحدك ، معاك ربنا يسترك ويحميك ، مازال اكرم الصغير يبكي ، الشمعه في الفانوس مازالت تشع ضوء حان مثل حضن امه ، خليك مع ربنا ياضنايا يحفظك ويحميك ، مازالت دموعه تنهمر ، تمسح دموعه باصابعها ، بتعيط ليه ياقلب امك ، باعيط ياامه علي نفسي ، تبتسم امه ، بكره ياواد الدنيا تصالحك بس اطهر واستحمي وارمي ذنوبك ورا ضهرك ، بكره ياقلب امك الدنيا تديك علي قد صبري وتكرمك علي قد ماكسرت نفسك ، مازال يبكي ، امتي ياامه تعبت ، نظرته الكسيره تكسو وجهه ، تقبله راسه وتحضنه ، اللي زيك ياضنايا مالوش يتعب ، اللي زيك ياضنايا مالوش يكل ، مكتوب عليك الشقا واخرة المشوار الصعب ربنا حيكرمك ، مازال يبكي ومازالت تحضنه ، يتمني لو تبشره بالراحه لكنها تضن عليه بالبشاره ، تسمع امنيته التي لم يقلها فتصارحه ، يابني الراحه موت واسالني انا ، مش مكتوب لك راحه لكن اخره مشوارك الدنيا حتصالحك ، يرفع عينه مكسوه بالدموع ويسالها ، ولغايه ماتصالحني ياامه حاعمل ايه ، تبتسم ، حتعافر في الدنيا وتشد حيلك وتصلب طولك وتوعي لروحك ، لاتخلي ندل يخونك ولا كلب يعضك ولا حنش تأمن له يسمك ، واخره المتمه ، حتتطهر وتستحمي وترمي ذنوبك ورا ضهرك وربنا حيكرمك ..........

وانطفأت الشمعه فاختفت الام و..................
صرخ اكرم يناديها ياامه ياامه .... واستيقظ من نومه !!!!


( 10 )

حين تخرج اكرم من الجامعه ، اوفت امه بندرها لام هاشم ووزعت عيش ونابت وزغرطتت ورقصت في الشارع ، اخره مشوارها الطويل فرحه وشهاده كبيره ، تتمني ترتاح من كل الهم الذي قضم وسطها ، تتمناه يبتسم بعد كل الدموع التي شرب ملحها ، ترقص وتزغرد ، يلون وجهها فرحه لم تعتادها ، تعبها جه بفايده والشجره طرحت والحرت ماطلعش في البحر و....... انتظرته يعثر علي عمل يناسب تفوقه وشهادته الكبيرة ، لكن يوم مر والثاني والعاشر وهو جالس امامها في المنزل ، يفتش في الجرائد ويكاد اخر النهار يمزقها ويزداد اكتئاب ، قررت تعاونه بطريقتها مثلما اعتادت تفعل ، سالت جارهم عن وظيفه في المصلحه التي يعمل بها ، وعدها خير لكنه لم يملك ابدا يوفي بوعده ، وبعد شهرين من الانتظار المر طالبته يقبل اي وظيفه تعرض عليه والسلام ، لكنه لم يقبل ، سينتظر العمل الذي يناسب طموحه ويتناسب مع ارهاقه ، ياامه اللي بيبتدي صغير بيفضل صغير وان عشقت اعشق قمر !!!

وشهرين ثلاثه وهو مازال يجلس امامها ، الفرحه التي لونت وجهها انطفت وندمت لانها وزعت العيش والنابت علي الغرباء ، كانت هي اولي ، فابنها وقره عينيها يجلس بجوارها علي الكنبه مهموم عاطل لايجد عمل !!!!

استيقظت يوم تعبه مرهقه من الكوابيس وقله الهواء في الشقه القبليه التي يعيشوا فيها ، وجدته متأنق يستعد للخروج ، سيتقدم لوظيفه عثر علي اعلانها في الجريده ، سيذهب مبكرا عله يقتنصها ، دعت له لاتصدق انه سيفوز بها لكنها تمنت له التوفيق !!!

علي باب الشركه الكبيره التي وقف اكرم امامها احس ان حياته ستبدأ في تلك الشركه ، هذه البوابه الكبيره العاليه هي بوابته لتحقيق الاحلام ، ربما كان يهذي لكنه كان واثقا من مشاعره ...
دخل للمقابله الاولي مبتسما ، احس نظرات تتفحصه ، لم يبحث عنها ، جلس في المقابله يتحدث بطلاقه ، يشرح طموحاته ، امنياته ، حين سال عن ظروفه الاجتماعيه بسرعه وبصوت منخفض افصح عن موت ابيه وقفز متعمدا فوق الامر وعاد للحديث عن احلامه وامنياته والعيون التي تفصحه مازالت تفصحه !! خرج من المقابله مع وعد بالاتصال والرد عليه بسرعه !!!

كان واثقا من فوزه بالوظيفه ، حين خرج من باب الشركه التفت ينظر لمدخلها ، هذه شركتي التي ساقضي فيها حياتي و.... لم يطل انتظاره ، مبروك ، انت خدت الوظيفه ، الباشا مستنيك بكره ، زغرطت امه لكنها لم توزع عيش ونابت وندرت توزعهم حين يقبض اول راتب له!!


في اليوم التالي قابل الباشا صاحب الشركه الذي هنأه بالانضمام لفريق العمل ووعده بمستقبل باهر اذا ما بذل الجهد الذي تحتاجه الوظيفه ، ابتسم وكاد يغادره ، لكن ثريا دخلت من الباب مبتسمه ، يعرف هاتين العينان ، هما اللاتي فحصاه وقت المقابله الاولي ، قبلت ابيها وحيته بايماءه من رأسها ، ابتسم ابتسامه صغيره مرتبكه ، لا ليست مرتبكه لكنه قرر تبدو مرتبكه ، هي ابنه الباشا صاحب الشركات ، يري في عينها الاعجاب الذي كان يراه من زميلاته في الجامعه ، يعرف تلك النظره ، بادلها اعجابها باعجاب لايحسه بحقه ، لكن هذه الثريا هي التي سترفعه للسماء السابعه ، هي تستحق يعجب بها بصرف النظر عن لونها القاتم وعيناها الصغيرتان وفمها المتسع وبدنها المتكور وساقيها القصيرتين ، هي التأشيره التي لن يغادر قهر الفقر الا بعد الحصول عليها ، ودع الباشا ومد يده ليودع ثريا ، حين قبض علي كفها بين اصابعه ضغط عليه ضغطه صغيره ، لن يلحظها الباشا لكن ثريا ستفهمها !!!

التحق اكرم بالوظيفه وبذل كل الجهد الذي يقوي عليه ليشعر الباشا بوجوده في الشركه ، لاحظت امه عليه تغييرات لاتفهمها ، سالته عن حاله ، طمأنها علي حاله ووظيفته ، سالته عن قلبه ، افهمها ان قلبه موصد ، لم تطمئن لكلامه لكنه كان مطمئنا !!! تتمناه يحب ، لكنه يعرف انه لن يحب ، فالوحيده التي احبها ، قهرته دون تدري ، اكدت له ان الحياه منحته وجهها القاسي ولن تمنحه غيره !!!

سالته امه ، مالك يااكرم ، ابتسم مرتبكا ، سلامتك ياامه ، انا كويس !!! لاتصدقه فيفر من عينيها ويخرج من المنزل يفكر في وظيفته الجديده وفي ثريا !!!


( 11 )

باحبها ياامه ، بس هي زي القمر العالي !!!
مليحه وجميله وكل الشباب تتمناها !!!

ابتسمت امه ، خلص مذاكرتك واشتغل وحوش ونروح نخطبها !!

نظر لها نظره لوم ، هو القمر العالي حد يوصل له ياامه ، ولا هو القمر العالي يستنناني ياامه ، بحبها لكن عمري ما حلمت بيها ، تمنيتها لكن عمري ماحاوصل لها ، بقولك قمر عالي ياامه !!!

تساله امه ببراءه ، ليه ياابني ابوها مين، يضحك المشكله ياامه ان ابوها ولا حد ، وانا ولا حد ، ولو اتقفل علينا باب حيكون تالتنا الفقر ياامه ، ترضيها لي ، تجادله امه ، يابني الفقر مش عيب ، يضحك ساخرا من كلمتها الجوفاء ، هل سيذكرها بمعاناته بعمله عند المنجد ببكاءه في المدرسه بطوابع معونه الشتاء هل يذكرها بدموعها وقهرتها بعد موت ابيه ، هل يذكرها بالذل الذي احسه في منزل اختها والنظرات التي كان زوج خالته يجلده بها ، هل يذكرها بالملابس القديمه بالحديده التي باعتها ، يشفق عليها من اوجاعه واحزانه ، لن يذكرها بشيء !!!


بقولك اايه ياامه ، انا بحبها لكن عمري مافكرت اتجوزها ولا اشيل حملها ولا عايز اتجوز اساسا !!! يكذب علي نفسه وعلي امه ،يتمني يتزوجها لو كانت ابنه رجل اخر ، ينتشله من فقره وقسوه الايام ، لكنها ابنه ابيها والفقر الذي يعرف مراره ايامه ، هي جميله بل اجمل الجميلات لكنها اكثر منه فقرا ، لن يعتقل نفسه في دوامه الفقر الي الابد ، يحب سعيده لكنه لن يقترب منها ولن يتزوجها ولن يشاركها رحله الفقر الابدي المكتوبه علي جبينهما ، يحبها لكنه سيفر منها والي الابد !!! دندنت امه ، كلنا بنحب القمر ، لكن القمر بيحب مين !!!

اكتسي وجهه بحزن وغشت عيناه النظره الكسيرة التي يكرهها لكنه لايقوي يتخلص منها !!!! دفن رأسه في كتبه مهموما يفكر في اليوم التالي ، حين يذهب للكليه ويري سعيدة ، هل سيرتبك مثلما يرتبك كلما مره تقع عينه عليها ، يتمني تعرف انه يحبها ولا يطمح فيها ، يتمناها تعرفه ، لكنه بعيد عنها مثلما تبعد الارض القفراء عن القمر المشع ، لايقوي علي منحها اي شيء الا قلبه ، ومن قال ان البنات الجميلات يكتفين بالقلوب ونبضاتها وهي لن تمنحه الا حبها ومشاعرها ومن قال ان ماتملكه يكفيه ، هو يحلم باكثر من هذا ، يحلم بسكين يمزق انشوطه الفقر من فوق رقبته ، يحلم يتنفس هواء بارد مشبع بروائح الزهور ، وسعيده لن تمنحه الا حضنها وفقرها وهواء مكتوم في شقه صغيره لاتري الشمس وهو استكفي من الفقر وقسوته ، سيفر منها الي الابد !!!

يجلس امام كتابه ، يقرأ السطور لا يفهمها ، تتلاعب امام عينه الكلمات والاحرف ، يري ابتسامتها نار تحرق الصفحات ، يري عيناها الجميلتين يقفزا من بين السطور والاحرف ، يجلس فوق المكتب يحدق في الكتاب لكنه لايري الا وجه سعيدة ، من حقك تكوني سعيده ياقمر الليالي ، من منحك الاسم انصفه ، انت السعاده التي تستحق يتمناها الاخرون ، سعيدة ، تلك الفتاه منمنمه الملامح رقيقه المشاعر ورديه الخدين ناعسه العينين ، قمر عالي في السماء ، جميله لكنك فقيره وانا مثلك فقير ، انت قمرعالي ، وانا حجر في الارض ، تدوس عليه الايام وتفتفته ، كل مابيننا يجمعنا ، وكل مايجمعنا يفرقنا ، لن امنحك قلبي تجذبيني للقاع ولن اقوي احملك للقمه ، ابحثي عن رجل يمنحك امانه ودفتر شيكاته ، وسابحث عن انثي تمنحي جسدها ومالها ، سابعد عنك ، فكل مابيننا يبعدنا و.... اه ياسعيده !!


يغلق الكتاب وعيناها معه ويغمض عينيه وينام فيحلم بها تصافحه ، يرتج جسده فوق الفراش ، كهرباء تسري من اصابعها لقلبه ، يتمني فقط يصافحها يبتسم في وجهها فتبادله الابتسام !!! سعيده ، ياقمر الليالي ، ياقمر العلالي !!!
زميلته في الكليه ، لكنه ابدا لم يقترب منها ، حين سطع محياها في المدرج ارتبك ، اعجب بها لحد اشفق علي مشاعره معها ، لو ترك لها عنانه لقتلته ، لو استسلم لحبها لغرق في بحار فقره حتي يموت ، لن يحبها وسيعيش بعيدا عنها ، هكذا قرر لنفسه ، اعجب بها وقرر يبعد عنها وعندما صمم علي الابتعاد احتلته وسكنت روحه ، يري عينيها ابتسامتها فيرتبك ويبعد ويحبها ويفر منها !!!

اه ياامه بحبها قوي ، بحبها وبس ، لابحلم بيها ولا عايزها ولا اقدر عليها !!!
تجادله امه ، ماتستقلش بنفسك ، يسخر منها ، قلب الام اعمي ياامه مابيشوفش ، انا وهي ما ننفعش بعض !!!! في ايدي ايه ااقدمه ليها ، لاحاطول السما ولا حاعرف اجيب لها منها حته !!! انا علي قد حالي ياامه وانت ست العارفين !!! يكسي وجه امه الحزن اللعين فتكسو عينيه النظره الكسيره ويدركا بلا شرح معني قسوه الايام وعذاباتهما المستمرة !!!!

ياسعيده !!! ياقمر الليالي العالي كان نفسي اكون حد تاني علشان ااقدر اقرب منك ، لكني انا ياسعيده ، انا اللي مش ممكن يقرب منك ولايستجري !!!! وتخرج من الجامعه وابعدت بينهما الدنيا ، لم تعرفه فلم تفتقده ، ولم ينساها فلم يسترح !!!!

و............... يحدق في الفانوس يؤرجحه في يديه !!!
ويتمني يخرج منه جني طيب ، يعيد لامه الحياه فيمنحها بثراءه مالم تقوي علي الحلم به !!! جني طيب ، يعيد سعيده لحياته فيدخل في حضنها ويبكي !!! لكن الجني رحل عن الفانوس وتركه خاويا تصفر في جوانبه الريح مثلما يدوي صدي صمته في نفسه وروحه !! و.......... متي ساابكي ياامي ؟؟؟؟!!!

( 12)


قابل ثريا مره او اثنين امام المصعد ، لاحظ نظراتها الخجله التي تجحده بها من تحت لتحت ، تعمد يغرقها بنظرات ذات مغزي ، سال عليها وعرف انها وحيده ابيها والوريثه الوحيده لشركاته ، عرف انها مازالت انسه رفضت كل الخطاب الطامعين في مال ابيها ، قرر يغزوها شخصيا ، لا يهمني مال ابيك ولا ثروته كل مايهمني انت ، هذه خطته البسيطه التي سينفذها وينجح فيها ويفوز بقلب ثريا وشركات ابيها !!!

هل يري عيني سعيده تراقبه ، هل يري عيني امه ، هل يري نظرته الكسيره تطارده ، يفر من كل العيون ومن حياته وذكرياتها والقسوه ، ساصنع حياه اخري بلا نظره كسيره بلا سعيده بلا قسوه !!! هي ثريا التي ستنقذه من ماضيه ومن قسوه حياته !! و...ساغزوها وانجح !!!

امه مازالت تراقبه ، تستشعر قلقا عليه ، يحاول يطمئنها لكنها لاتطمئن !!! انت ناوي علي ايه ياابني !!! لايرد عليها ، لن تعجبها ردوده ، تضيق عليه الخناق ، تلح ، تحاصره ، ناوي علي كل خير ياامه ، نبراته الكاذبه لاتطمئنها !!!!
هل نجح في خطته ، نجح وبسرعه ، لن احلم بالزواج منك انت نجم عالي في السما ، يعرف وقع الكلمات عليها ، انا فين وانت فين ، يقول كلماته ويهرب بعينيه بعيدا عن عينيها ، يتعمد يعذبها بعزوفه ، لكنها تصدقه ، ماكانت تحلم بمثل ذلك الرجل ليحبها ، وسيم انيق طول بعرض وهي ، نعم هي تعرف نفسها ، جميله الروح لكن جمال الوجه حرمها الله منه ، جميله الروح تحتاج رجل مرهف مثله ليصل لشغاف روحها ويفهمها ويحبها ....

صدقته ثريا لانها قررت تصدقه ، يناسبها وسامته وفقره ، تحتاج للفجوه الواسعه بينهما ، فلولا تلك الفجوه واحلامه التي ينكرها والثراء الذي يحلم به عن طريقها ، لولا هذا مانظر في وجهها ولا منحها ادفء كلماته ، كليهما يحتاج الثاني ليعيش سعيدا ، هي ليست غبيه ، لكنها تحتاج حضن رجل تنام فيه حتي لو كان ذلك الفقير اليتيم الذي يحلم بصعود السلم دفعه واحده ، يكره تبديد بقيه ايام عمره في الصعود درجه درجه وبعدما تنفذ ايام العمر يكتشف انها مازال في الدور الاول ولن يصعد ابدا لقمه البرج ، هي تحتاجه لتنام في حضنه وهو يحتاجها لتمنحه الرفاهيه التي ضنت عليه بها الدنيا ..... صفقه متكافئه وقبلتها بسرعه .....


تشاجرت مع ابيها ليوافق علي زواجهما ، وتشاجر مع امه لتقبل تخطبها له ، يابني دي مش توبك ، عارف ياامه وعلشان كده عايز اتجوزها ، عايز اغير توبي ياامه ، ياابني كده حتبيع نفسك ليها ولفلوسها ، ياامه عندي ايه تاني ابيعه ، ياابني لاحتسعدك ولا حتسعدها ، ياامه فلوسها حتسعدني ، وهي ياابني ، كده انت حتظلمها معاك لابتحبها ولا حتحبها ، مين قال ياامه ، حاحبها واحب فلوس ابوها وعزها ، ياابني انا مش موافقه ، ياامه ماتقفيش في طريقي ، ياابني طريقك اخرته وحشه ، يضحك ساخرا مجنونا ، ياامه انا كده كده اخرتي وحشه ، معنديش حاجه تخلي اخرتي حلوه ، فلوس ابوها حتحلي حياتي ، ياابني انت بتكتب علي روحك التعاسه ، تكسو النظره الكسيره عيناه ويعاتبها ، ياامه انا معرفتش في الدنيا دي غير التعاسه ، بس خدتها متغمسه في الفقر ، سيبني اجرب طعم التعاسه متغمسه بالبقلاوه والعز واكل الوز !!!

كان حاسما ، رضخت الام لاصراره حزينه ، بكره افكرك لما تتعس ، سخر منها ، اتمني لي الخير ياامه اتمني لي الخير!!!
اشتري لها عباءه جديده واسورتين ذهب وحذاء لامع واشتري بدله جديده واخذ امه وعلبه شوكولاته غاليه الثمن وذهب منزل ثريا ليخطبها!!! ارتبكت امه وقت دخلت منزل العروسه ، تمنت لو تتواري خلف ظهره ، عبائتها الجديده والاسورتين الذهبيتين لم يمنحاها ذره ثقه امام تلك العروسه وابيها وقصرهما المنيف ، ارتبكت وخافت لكن اكرم لم يخاف ، دخل وسط الضيوف واثقا من نفسه ، يكاد يقول لهم اشكروني اني اضحي بنفس مع تلك الدميمه ، ابنتكم البائرة التي لم تفلح في شراء زوج رغم ثرائها ، و..... تزوج اكرم وثريا وبكت امه بقوه حزينه علي ابنها الذي باع نفسه !!! ....

وفي ليله زفافهما الاولي ، لم يقو علي الكذب ولم تفلح في خداع نفسها وعزفت اجسادهما عن بعضها وعرفا العذاب الذي اختاراه رباطا مقدسا بينهما ، لم يغضب من نفور جسدها منه ولم تحبط من عجزه معها ، قررا يتعايشا ، كانت تسخر منه لانه افشل من ان يمنحها ارتواءا كاذبا ، كان يستقبل سخريتها ببساطه ، انت لاتشجعين حتي علي الكذب ، لكننا سنعيش معا !!!!


وبسرعه الصاروخ ، صعد اكرم لقمه البرج ونجح في عمله وقدم لابيها كل ذكائه وبراعته وتعلم منه اسرار العمل ودهاليزه و..... حين مات الاب ، الت التركه لثريا والسطوه والقوه لاكرم وقبله ماتت الام غاضبه علي مصير ابنها الذي اختاره لنفسه ، قبلما تموت همست له في انفاسها الاخيره ، وانت عيل كان مكتوب عليك الشقا لكن انت دلوقتي اللي اخترت الشقا لنفسك و... ماتت وتركته ................. هكذا صارا مثلما صارا !!!


عاش مع ثريا ، تدوي كلمات امه في اذنه ، يمارس معها جنسا باردا وتمنحه جسدا متيبسا وحين ينتهي عذابهما الليلي ، يعطيا ظهرهما لبعض ويصمتا ، تتذكر هي ابيها وتترحم عليه لانه كان يفهم كل مايحدث ، ويتذكر هو امه التي ماتت مشفقه عليه من اختياره القاسي وحين تشرق شمس اليوم الجديد ، يبتسما ويكملا تمثليتهما الهزليه ويدفن نفسه في العمل وتهرب منه لحياتها وصديقاتها تكذب عليهن انه يحبها موت ويعشقها ، تعرف انهن لا يصدقوها لكنها لا تكترث ، تقول لهم بعينيها الصامتتين ، انها اشترت رجلا تتمني كل منهن نظره منه لكنها لاتحصل عليها !!!

فقط رحمها وماءه رفضها تمثليتهما وكذبهما ، لم يخصب رحمها ولم تمنحه ابن يحمل اسمه ، عاف رحمها ماءه وكره ماءه رحمها ولم تثمر تلك العلاقه اطفال ، اثمرت نجاحا ومال وشهره واسهم وممتلكات ، لكنها لم تثمر اطفال وبقت صحاريهما جدباء ، هو لم يغضب ، لايريد ابنا من تلك الدميمه وهي لم تغضب لاتريد ابنة من هذا الوضيع و................ في الليل يقهرا جسديهما علي الالتقاء وبعدما يتبعثرا ويلتقيا ويتنافرا ويبعدا ويقتربا ، لايروي عطشها ولا تؤكد رجولته ، وتفكر في ابيها ويتذكر امه !!!

وحين ينام تصكصك اسنانه ويعود يتيما فقيرا مقهورا ينادي امه ويبكي ويوقظها من نومها فتتشاجر معه ليصمت ، وحين تنام تتشاجر معه وتسبه باقذع الالفاظ وترمي ملابسه خارج قصرها وتمزق وجهه باظافرها وتبكي بصوت عالي يوقظه فينهرها لتخرس ، لكنه لايكف عن الكلام ليلا وهي لا تكف عن البكاء وتمضي كل لياليهما كئيبه حتي تشرق الشمس فيرتديا اقنعه السعاده المزيفه ويعيشا حياتهما !!!


واصبح رجل اعمال مشهور ناجح يشار له بالبنان لكنه مازال محروم يتيم مقهور يبحث عن العتق ، واصبحت هي ابنه رجل الاعمال المشهور وزوجه رجل الاعمال الذي حافظ علي مسيره النجاح والشهرة ومراكمه الاموال ، لكن رحمها جدب وحضنها بارد ومازالت تبكي بالليل !!!


حين يستيقظ وسط نومه علي صوت نحيبها يحسدها ، هي تبكي ليل نهار ، دموعها تنهال بسهوله ، عكسه يبكي بلا دموع وبلا صوت ، يتذكر امه وقتها فيسالها .... متي سابكي ياامي .......... متي ساابكي !!! ستبكي في حضن امرأه تحبك وتطمئن لها !!! ومتي ستاتي ياامي .... ستأتي وقتما يكون قلبك طاهر مثلما كنت في رحمي !!! لكني طاهر ياامي وقلبي طاهر ..... ليس مثلما كنت في رحمي !!! اخلع ملابسك وتحمم وارمي ذنوبك خلف ظهرك وانتظرها !!!!

يتقلب في فراش، يلمح ثريا بطرف عينه علي طرف فراشها تكاد تسقط علي الارض ، يشفق عليها من مشاعره الموحشه ، ممتن لها لكنه لايحبها ، يتمني لو كانت سعيده ، تلك الفتاه الجميله التي احبها في الجامعه ولم يجروء علي التصريح لها او البوح ، سعيده ، كانت فتاه جميله بل اجمل فتيات كليته ، لكنها اكثر منه فقرا ، لو اقترب منها سيبقي معها في الوحل طيله الحياه ، هي جميله لكنها شديده الفقر وثريا ثريه لكنها دميمه ، سبحانك يارب ياموزع الارزاق ، لايمنح الانسان الا بعض نعمه ويحرمه من بقيتها !!!!


يسال نفسه ، هل ثريا نعمه ، ثريا باموالها وثرائها وشركاتها نعمه !!! هي لاتسعده ولن تسعده ابدا !!! هل سعيده نعمه ، بجمالها بحنانها برقتها بنظره عينيها الكسيره الشقيه ، هل لو باح لها بحبه وتزوجها ، كانت ستسعده !! ربما ، لا يظن ، هي جميله لكن فقرها مضاف لفقره كان سيقتلهما معا ، يعود لثريا ينظر لها بطرف عينه ، يشعر تجاهها عواطف جياشه ، لقد انقذته من مصيره الحتمي، يتمني يقبلها وياخدها في حضنه ، واثق انها لو منحته مشاعرها في تلك اللحظه ، سينجبا طفل جميل ، ابن لحظه الامتنان ولاحب ، لكن ثريا نائمه تعطيه ظهرها وتبكي في الحلم ورحمها لايحبه وامومتها لن تتحقق من صلبه ، مهما طال الزمن بينهما هما غرباء كانا وسيظلا !!! وفينك ياامه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ يري النظره الكسيره تلاحقه في الظلام ، فينك ياامه ، نفسي اعيط في حضنك !!!!

يتبع بالجزء الثالث ..

ليست هناك تعليقات: