انها تكلم الاشباح !!!! هكذا قالوا عنها !!!
امها قالت ان صغيرتها كانت تكلم الاشباح ، تفهمهم ، تقضي وقتا طويلا تخاطبهم وتضحك علي نكاتهم !!!
امها قالت انها كانت تنزل الحديقه بعد غروب الشمس ، وتجري خلف الارانب البيضاء وتلوح لهم مودعه وقت النوم ، وحين تستيقظ في النهار لاتبحث عنهم ولا تنتظرهم ، واقسمت الام ان تلك الارانب البيضاء ليست الا احجار صماء تبقي ساكنه طيله النهار وتدب فيها الحياه بعد غروب الشمس !!!!
امها قالت انها اعتادت الفرار من الباب الخلفي للحديقه والنوم تحت شجره الجميز العجوز ، تلك الشجره الوارفه التي تظلل مقابر البلده كلها ، قالت الام ان صغيرتها اعتادت النوم تحت تلك الشجره في الليالي القمريه ، وكانت تخاطب الشجره وتكلمها ، والاغرب ان الشجره كانت ترد عليها ، واقسمت الام ان كثيرين نقلوا لها ان صغيرتها غريبه الاطوار تكلم الشجره والشجره ترد عليها !!!!!!!!!
انها تكلم الاشباح !!!! هكذا قالوا عنها !!!!
كانت فتاه صغيره جميله ، تتميز بعيون واسعه كحيله لامعه ، هي فتاه ذكيه تسطع مقلتاها بالعبقريه ، او بالجنون كما يحلو للبعض وصفها ، لها نظرات ثاقبه ، وقد تكون مخيفه ، عيونها مفتوحه دائما ، تنتبه لكل مايحدث حولها ، تسال بذكاء وتسمع بذكاء وتتكلم قليلا وبمنتهي الذكاء!!!
لكن قريناتها الصغيرات كن يخافن منها ولا يلعبن معها ، ربما سمعن مايتردد عنها من انها تكلم الاشباح ، ربما خفن من نظراتها الثاقبه ، ربما احرجن من ذكاءها وتفوقها عليهن ، ففي كل لعبه يلعبوها معا هي المتفوقه ، تفهم قانون اللعبه بسرعه وتهزمهم شر هزيمه ولا تصرخ فرحه مثلما يفعلن ، بل تبتسم ابتسامه شاحبه ، كانها حزينه انها تهزمهم كل مره !!!!
متي قالوا عنها انها تكلم الاشباح !!!
كانت فتاه صغيره ، تعيش مع امها في بلده ريفيه ، منذ سنوات بعيده ، في تلك السنوات البعيده ، كانت الفتيات الرييفيات يتعلمن الطبخ واشغال الابره وتريبه الاطفال ويحلمن بالزواج ، لكنها ، هذه الصغيره بالذات ، دون كل شقيقاتها ، كانت تستيقظ تجري خارج المنزل ، تجلس تحت الشجره الهرمه علي مدخل حديقتهم الواسعه ، تكره الطبخ وتفر من امها وتتحمل الضرب والشتم وكافه صنوف العقاب ، لكنها ابدا لا ترضخ لاوامر امها الصارمه ولم تتعلم من وقفتها الاجباريه الطويله في المطبخ اي شيء ، كانت تراقب الاطفال الذكور يذهبون للمدرسه فتبكي ساعات طويله تتمني ذهاب المدرسه ، لكن امها لم تطاوعها ، وضربتها مره واثنين ، وحلقت شعرها الطويل الناعم بالموس مره واثنين لانها ترفض الاعداد الاجباري للدور الوحيد المقبول في بلدتهم لفتاه مثلها ، امها لم تطاوعها وهي لم ترضخ ، لم تذهب المدرسه ولم تتعلم الطبخ ، هكذا كانت الحياه بينهما قاسيه شاقه ، امها عاجزه عن التعامل مع ذكاءها ، وهي عاجزه عن الرضوخ لقواعدها الصارمه .....
ولانها لن تتعلم الطبيخ ولو وقفت في المطبخ مائه يوم ، ولانها لن تتعلم اشغال الابره وتفصيل الملابس ولو جلست بجوار امها مائه سنه ، ولانها لاتحلم بالزواج مثل كل الصغيرات ، بل تحلم بحياه اخري لاتعرف شكلها ، اعتبرتها امها وشقيقاتها فتاه غريبه الاطوار ، وخافت منها قريناتها في شوارع البلده ، فلم يلعبن معها ، ولم تتحدث معهم عن احلامها الغامضه ، لم يتبادلوا معها خبراتهم في طبخ الباميه ومحشي الكوسه وغرزه رجل الغراب ، هي غريبه الاطوار خارج عوالهم الراسخه التقليديه ، هي غريبه ومغتربه !!!
متي قالوا عنها انها تكلم الاشباح !!!!
هي فتاه صغيره غريبه الاطوار متمرده بالفطره علي قواعد مجتمعها الصارمه ، راضيه بالوحده وسط صخبهم لانها لن تكون مثلهم ولن يكونوا مثلها ، امها حاربت غرابتها وعاقبتها عليها ، لكن النظرات الثاقبه التي تمطر بها امها وهي تضربها بعنف وقسوه لانها حرقت الاكل او قطعت الخيط ، تلك النظرات الثاقبه توتر الام ، بل يمكننا نقول ان تلك النظرات كانت تخيف الام ، تحس امام صغيرتها انها بلاسلطان ، فالابنه لاترتعش وقت تهدد بالضرب ولا تصرخ وقت تضرب ولا تستسمحها لاعفاءها من ضرباتها المتلاحقه ، فقط تحدق فيها بنظرات مخيفه ، تكاد الام معها تخزق عين الصغيره ، فنظراتها الثاقبه بجاحه في ذاتها تستحق عنها عقابا اضافيا !!!
اين الاب ..... كان ابو الصغيره بائع جائل صاحب تجاره صغيره راسمالها السمعه الطيبه والابتسامه والترحال ، يجوب القري والبلدان الصغيره يحمل بضاعته ، يغيب عن منزله اياما واسابيع ، يترك صغيراته مع امهن القويه تعلمهن الطبخ واشغال الابره وتعدهن للزواج ، وعندما يعود هو لمنزله بعد طول غياب ، يعود لهن محملا بالهدايا وبالنقود وبالحكايات ، كانت صغيرتنا ، التي يقولوا عنها انها تكلم الاشباح ، كانت تحب ابيها كثيرا وتفتقده كثيرا وتتمني التجول معه في بلاد الناس كما يقول لها ، تبيع معه البضاعه وتشتري معه الهدايا وتسمع مثله الحكايات ، لكنها صبيه صغيره لايليق بابيها اصطحابها لمثل تلك البلاد البعيده ، والا وقف سوقها وبارت ولن تتزوج ابدا فتبقي علي قلب امها كالحجر الراسخ يذكرها بفشلها الذريع في اعداد صبيه لدورها العظيم ، لذا لن تتعلم ، ولن تسافر مع ابيها وستضرب حتي تتعلم الطبخ واشغال الابره ، هذه حياتها وهذا قدرها ولايوجد اي اختيارات اخري!!!!!
ادركت مبكرا انها غريبه ، ادركت مبكرا انها مختلفه ، ادركت مبكرا انها ليست مثلهم ، شاهدت بعينها خوف امها منها ، امها اعتادت من شقيقاتها الرضوخ والانصياع ، لكنها مختلفه لاترضخ ولاتقبل ولاحتي تخاف من كثره الضرب والعقاب ، احست بوضوح نفور قريناتها منها ، لاتتحدث مثلهن ولاتفكر مثلهن ولا تطبخ الباميه مثلهن ، ادركت انها تحب ابيها وحكاياته ، انه يجول في الدنيا الواسعه ، يختفي فتره ويعود بعدها اخر جديد ،ليس الذي سافر ، ليس الذي كان ، يعود جديدا ، طازجا ، نظراته مختلفه ، حكاياته متنوعه ، هي تحب ابيها وتتمني تحلق مثله في السموات البعيده ، تتمني تبعد عن البحيرات العطنه الراكده التي تجرها امها للغرق فيها كل لحظه ، تتمني تختفي مثله وتعود بعد فتره صغيره اخري غير التي تعرفها ، صغيره جديده بمشاعر جديده بحكايات جديده ببشر جدد ، لكن امها لم تسمح لها وابيها لم يدعم رغباتها المجنونه ....... ادركت مبكرا انها غريبه ومختلفه لكنها لاتملك الا التعايش مع البحيرات العطنه التي تحيطها ، ادركت مبكرا انها لن تغادر تلك البحيرات العطنه الا روحا بغير جسد ، الجسد سيبقي اسير المنزل والام والبامية وحلم الزواج الذي لاتحلم به ، اما روحها فملكها هي ، لن يقوي احد علي اسرها او احتجازها او حصارها ..... ادركت انها تملك روحها باجنحتها العفيه القويه المحلقه ستحملها بعيدا عن البحيرات الراكده العطنه وطحالبها اللزجه ، ادركت ان قدرها التحليق بعيدا عن هذا المكان ، نعم ستحلق بعيدا عنه ، ستفر منه ، ستهرب ، ستغادره كل ثانيه تستطيعها ، لن تبقي معهم الا بجسدها الذي لايلزمها ، لكن روحها لن تقع في شراكهم واسر حياتهم ، في تلك اللحظه اشفقت علي نفسها وادركت مصيرها وقدرها وعذاباتها ..... هي مختلفه غريبه عنهم ، ستبقي جسدها اسيرهم وروحها طليقه منهم ، هذا قدرها ولافكاك منه !!!!!!!!!
في تلك اللحظه ، ايقنت امها انها تكلم الاشباح ، تتسلل من فراشها في منتصف الليل وتجلس في الشرفه تحدق في السماء ، تبتسم والنجوم تسطع ، تبكي والقمر يغيب ، ترقص علي نغمات الريح العاتيه ، يرتسم علي وجهها تعبيرات غريبه لاتعرف امها الطيبه معانيها ، تنزل الحديقه في منتصف الليل ، تسير بجوار جدول الماء الصغير ، تضحك بصوت عالي كان احد يمازحها ، تغني بصوت حنون تكاد تبكي من رقته ، تجلس علي حجره كبيره وتخاطب الارانب ، تخاطبهم تحكي لهم احلامها الملعونه ، تؤكد امها انه لاتوجد ارانب بيضاء وان ابنتها الصغيره تكلم الاشجار تكلم ذرات تراب الارض تكلم السماء والنجوم .... تناديها لا تسمع ، تلح عليها الدخول لدفء المنزل من برد الحديقه ، لكن الصغيره لاتشعر بالبرد ، سعيده بالليل والنجوم وتمايل النخيل واللهو مع الارانب البيضاء !!!
كانت الصغيره تفر من دفء المنزل الخانق تتنفس هواء الحديقه البارد الطازج ، وتحكي للاحجار كل الحكايات التي قالها ابيها ، كل الحكايات التي سمعتها من ابيها باهتمام وحرص ، سمعتها وحفظتها ، تحكي عن الولد الصغير الذي سار خلفه كل رحلته السابقه يعاونه في اعماله ورفض اي مقابل للخدمه الشاقه الا محبته ، تحكي للنخيل المتراقص في الريح العاتي ، انها احبت الولد الذي لم تعرفه ، ومنحته محبتها مثلما طمع في محبه ابيها ، لكنها لاتكتفي بحكي قصه الولد الصغير ، بل تتصوره امامها ، نعم هي تراه ، تعرفه ، تعرف شكله وجهه ابتسامته الطيبه ، تعرف ملامحه طيبه قلبه ، تفهم وحدته غربته ، تكلمه كثيرا ، تشكره علي مساعدته لابيها ، يخجل من الشكر ويفر من الثناء ، هو لاينتظر من الحياه الا محبته ، يحكي لها عن رحلاته في البلاد هائما علي وجهه ، تساله عن اسرته ، لايعرفها ، ادرك وقت انتبه للحياه انه ابن الحياه بلا اسره ، هكذا تحكي لاشجار الخوخ ، وتكاد ترسم وجه الولد علي جذع الشجره ، امها تصرخ فيها عودي ، لكنها لن تعود ، امها ترتعد من الظلام تحذرها من الوحده ، لكنها ليست وحيده ، هي تلهو مع الولد الصغير ابن الحياه الذي خدم ابيها ولم يحصل الا علي المحبه اجرا وزادا ومكافأه ، صارت صديقته ، تخاطبه تتكلم معه ، يفهم هو حديثها ، همومها ، شجونها ، يدرك سر عذابها واغترابها عن حياه تأسرها في المطبخ وهي تحلم بالجبال العاليه تتسلقها وبالسحب البعيده تسكنها ، وصفه ابيها بانه جميل كالبدر ، وافقته ، نعم يوسف جميل كالبدر ،يوسف هو اسم الصغير الذي لايتمني الا المحبة ، وحين يسطع البدر تضحك ، يوسف يزورها ويسطع بجمال روحه ليس فقط في حياتها بل علي الحياه كلها ....... مازالت روحها تحلق وتحلق ، وامها تخافها ، تحاول السيطره عليها وتفشل فتخافها اكثر !!!
البنت مخاويه الاشباح وبتتكلم معاهم ....
هكذا اقتنعت امها وشقيقاتها والبلده كلها ... تكره النهار وتحب الليل ، وفي الليل تحدق في السماء وتكلم القمر وترقص علي نغمات الريح العاتيه !!!
واحكي لي يابا عن اللي شفته ، يقص عليها ليله المداحين ، كنت في بلد بعيده ، وكان المولد قرب ، البلد نصبت الخيم وعلقت الكهارب ، وقالوا بعد صلاه المغرب ان المداحين حيكون في دوار العمده بعد العشا والكل معزوم ، وبعدين يابا ، رحت يابنتي مع كل اللي راحوا ، وزعوا علينا قرفه شربت ، قالوا صلوا علي النبي صلينا علي الحبيب المصطفي ، قالوا العشا بعد المديح ، ماكنتش جعان ، وغني المداحين يابنتي وقالوا اللي يشرح القلب الحزين ، صلوا علي سيدنا النبي ، اللهم صلي عليك يانبي ، وخدونا لبلاده البعيده ، طفنا وزرنا وحجينا ، ياسلام يابا ، ايوه ياهنا ، وبعدين يابا ، خدونا عند قبر سيدنا النبي وحطيت ايدي علي شباكه ، ياسلام يابا ، ايوه ياهنا ، وهناك عيطت واتطهرت ودعيت لكم كلكم ، وانتي بالذات دعيت لك كتير قوي ، قلت ايه يابا ، قلت يارب هنا بنت عبدك طيبه واديها علي قد طيبتها ، تلمع عيونه بالدموع ، زرت قبر النبي وطفت حوالين الكعبه ووقفت علي كتفي حمامه من حمام الحما ، تلمع عيون هنا بالدموع ، كان نفسي اسمعهم يابا ، يضحك ابيها ، دول مداحين في حب النبي طوافين في البلاد لاليهم مرسي ولا دار ، سالت دموعها ، كان نفسي اسمعهم يابا ، المره الجايه تاخدني معاك ، يضحك ابيها ، تاني ياهنا ، مش كنا فضينا الموضوع ، امك يابنتي عارفه مصلحتك !!!! تنظر له بلوم وتصمت !!!! تحب المداحين وتحلم بحمام الحما والحريه ومازالت وحيده غريبه لايفهمها احد !!!!
مازالت روحها تحلق وتحلق ..... بعد الغروب تخرج من دارها ، تفر من الدفء الخانق ، تجلس تحت شجره الخوخ ، تكلم الثمار الطازجه ، هن صديقاتها التي لايحلمن مثلها الا بالتحرر ، هن صديقاتها لايتمنين الزواج والاطفال والمنازل الدافئه كامها ، ثمار الخوج صديقاتها يحلمن مثلها بالحب والونس والتحرر وركوب الريح ، تجلس تحت الشجره وتحكي عن الارمله اللعوب التي حاولت اغواء ابيها في رحلته منذ عامين ، سمعته يحكي لصديقه من خلف ظهر امها انه كاد يقع في شرك الارمله اللعوب ، هكذا وصفها الاب لصديقه ارمله لعوب ، سمعته يصفها لصديقه وهما يجلسان بعيدا عن المنزل واذن الام ، قال ابيها لصديقه ، كانت سيده جنيه مسحوره اجمل مما تتحمل عيناك ارق مما يتحمل قلبك اشهي مما تقوي رغباتك عليه ، هي تتذكر ملامح وجه ابيها والاعجاب الساطع في عينه ، هي ارمله مات زوجها وترك لها طفلين يقول ابيها ، لكن البلده فرت منها ، هي تسحر الرجال ، لايراها رجل الا ويهيم علي وجهه تحت شباكها ، خافت منها النساء ، وضعف امامها الرجال ، يضحك صديقه لايصدقه ، تحكي لشجره الخوخ ، ابيها غضب من صديقه ، انها لاتفهم ، لاتعرف ، لم تشم رائحه انفاسها ، لم تسمع رنين وحنين صوتها ، لم تري انفراجه شفتيها لاتقصد اغواء لكنها تقتلك من شده الاغواء ، لم تلمح تقاسيم جسدها المثير وهي تتدثر بملابسها الطويله لكن جسدها اللعين يناديك ويصرخ من تحت الملابس الواسعه ، يقسم الاب انها منحته شربه ماء سكر بعدها ، خدر ونسي عمله وجلس تحت شباكها يغني مواويل الحب ويصرخ من الوجد ويبكي يتمناها تظهر من الشباك لكنها اوصدته ودخلت للمنزل ، يقسم ابيها انه كاد يكسر الباب ويقتحم الدار ويمزقها من شده حبه وعارم رغبته ، وفجأ يظلم وجه ابيها ، نعم هي شاهدت وجهه اسود وكل الفرحه في صوته والحماس في قلبه انطفئت جذوتهما ، شاهدت كل هذا واشفقت عليه مما اصابه ، يظلم وجه ابيها وهو يحكي لصديقه ، انه خاف منها مثلما خاف كل الناس ، ستخرب بيته وتشرد اطفاله وتفضحه في الناحيه ،فر منها ، بكي في حبها حتي اعتل قلبه ثم فر منها ، كادت تصرخ وقتها ، هكذا قالت لشجره الخوخ ، كادت تصرخ وتلوم ابيها لانه قتل جذوه روحه ، لانه اطفأ بيديه نيران ووهج نفسه ،كادت تصرخ تطالبه بالرجوع للارمله الجميله التي سحرته بحبها ، كادت تأخذه من يده عنوه وتجري به علي منزل الارمله ، لكنها صمتت وكتمت انفعالاتها بداخلها ، ستضربها امها لو القت بابيها في حضن امرأه يحبها وتحبه ، ستضربها امها وربما تقتلها ، تقول لشجره الخوخ ، لكني اشفقت عليه من قيوده واحماله ، اشفقت عليه من اختيارات حياته ، رجل مغترب ، يجري في الحياه لصالح زوجته وبناته ، يعود بالهدايا والملابس والنقود ، لكنه تعيس ، خافت من مصير ابيها ، خافت من تعاسته ، لن تعيش مثله مغتربه تعيسه ، هكذا قالت لشجره الخوخ ، اسرت للثمرات الجميله صديقاتها ، انها احبت الارمله الجميله ، وتمنت لو نجحت في اختطاف ابيها ، كان سترد له روحه وتفك قيوده وتهون احماله وتسعده ، ضحكت الثمرات صديقاتها وهمسوا اخفضي صوتك حتي لاتضربك امك ، ضحكت معهن ، حتي لو ضربتني ، هي تضرب جسد لااكترث به ولاتقوي علي كبح روحي التي حررتها من اسرها ،تمنت لو نجح ابيها الذي تحبه في تحرير اسر روحه من قبضه امها التي لاتفهم الا في الباميه والضرب ، مازال وجه يوسف يسطع في السماء بدرا ، تلوح له وتسره بافتقاده ، تبقي طيله الليله تكلمه تحكي له عن احلام يقظتها وامنياتها التي سياتي يوما تعيشها !!!
مازالت هنا ، هذا اسمها ، تعاني عسف امها التي لم تفهمها ابدا ... مازالت تحلم بالمدرسه والقراءه والشعر ، مازالت تردد مواويل ابيها التي ياتي بها من الاماكن البعيده ،تردد كلمات المداحين ، تبكي وتتلعثم وهي تبوح بشوقها لحمام الحمام وشباك قبر النبي ، تتمني تبكي هناك فتغتسل روحها من سموم امها وحياتها ، تتمني تهيم علي وجهها تقابل المداحين وتسير معهم تغني وتبكي ، مازالت تمنح يوسف محبتها فيسطع في ليلها بدرا ساطعا ، مازالت تحب الارمله الجميله وتشفق عليها من بلده نساءها يرتعدون من عدم الامان ورجالها ضعفاء جبناء لايقون حتي علي النظر في وجهها الجميل الاخاذ ، تمنت لو تعيش مع الارمله الجميله ، تمنت لو ذهبت مع يوسف للارمله الجميله التي تغني وتقرا الشعر وتجدل المواويل بالبكاء بالفرحه بالنواح ، لكنها لن تذهب ، امها لن تسمح لها ...
حين عاد ابيها من رحلته الاخيره ، صاحبته كظله ، احكي لي يابا عن اللي شفته ، يبعد عنها امها وضرباتها الموجعه ، ويحكي لها ، كنت ماشي في ليله ضلمه ، سالته ويوسف ماظهرش لك ، لم يفهم ابيها ولم تشرح له ، خرجت عليه معزه بيضا بتعيط ، وبتعيط ليه ، كانت تايهه ، وعملت ايه ، خدتها وطبطبت عليها وسقيتها واكلتها ، وبعدين يابا ، مشيت وفضلت ماشيه ورايا ، وعند باب الجامع وقت الفجر دخلت اصلي ، وقت تستاني ، ولما خرجت من الصلاه لقيتها برضه مستنياني بتضحك ، بتضحك ليه يابا ، علشان مابقيتش خايفه ، اصل الخوف وحش ياهنا ، الخوف عجز وقهر وذله ، المعزه البيضا مابقيتش خايفه ، اتطمنت لي ، زي يوسف كده يابا ، لم يفهم ولم تشرح له ، ومشيت ورايا الرحله كلها ، انا الف وهي ورايا ولما ااقعد تقعد جاري ولما انام تستناني ، وبعدين يابا ، ولا قبلين !!!
طيب احكي لي يابا عن اللي شفته تاني ، يضحك الاب ويحكي لها ، كان فيه راجل عجوز دائما قاعد علي راس الجسر ، ماسك ناي ، يعزف الحان تخلي القلب يعيط ، ليه يابا ،معرفش ياهنا ، لكن نفسه في الناي يوجع وصوت الناي يشكي ويتوجع يوجع ، وعملت ايه يابا ، سالته ، مالك ياحاج ، قالي الدنيا مافهمتنيش ، ياحرام يابا وبعدين ، قعدت جنبه يابنتي ، الناي يتوجع وانا اعيط ، وساعه الفجر ما طل ، كنت استريحت ، من ايه يابا ، مش عارف لكن عياطي ريحني ، غسلني خفف حملي ، لمحت علي وجه ابيها نظره شوق للارمله الجميله ، كادت تساله عنها ، لكن عينيه انطفأت وخفت سطوعها ، ادركت انه مازال يكابد الشوق ويعاني ، وبعدين يابا ، ولا قبلين ياهنا ، رحت اصلي ورجعت مالقيتش الراجل سالت الناس عليه قالوا محدش كان موجود ، ضحكت هنا وبعدين يابا صدقتهم ، هز راسه نفيا ، اصدقهم ازاي ، الراجل كان موجود علي راس الجسر وبيعزف علي الناي وانا اعيط ، الناس بس مابقيتش بتحس بحد تاني ، كل واحد مشغول بنفسه وبس لدرجه انهم لاشافوني ولاشافوا الراجل واحنا قاعدين علي الجسر ، كادت هنا تحتضنه ، انا مصدقاك يابا ، سالها ليه ياهنا ، ابتسمت مرتبكه ، معرفش لكن حسيت كده اني مصدقاك ، احضتنها الاب بحب وحنان ، فرت دموعها واطمئنت وتمنت تنام في حضنه ، لكن امها لن تسمح لها !!!
فرت من حضن ابيها لشجره الجميز العملاقه ، نامت تحتها ، كان القمر ساطعا مبتسما ينام فوق الشجره ، احست نفسها في حضن الشجره وحضن يوسف ، اطمئنت وتمنت لو ترحل مع ابيها ، وبلاد تشيلهم وبلاد تحطهم ، لكن امها لن تسمح لها بالرحيل ، شكت للشجره العجوز من امها المستبده ، اتمني اطير مثل الهداهد واروح واجي واشوف بلاد الله وفي النهايه ارجع انام في حضنك ، تضحك الشجره العجوز وتطمئنها ، كل حاجه بوقتها وميعادها ....
مرت ايام وايام ، وهنا علي حالها ، بل ازدادت وحده واغتراب بعدما اشيع في البلده الريفيه الصغيره ان الصغيره التي لم تعد صغيره ، اشيع ان هنا ، جنت ، تخاطب الاشباح وتكلم الاشجار وتكره النهار وتتوهج في الليل وقت تخرج الاشباح من مخابئها ، اشيع في البلده الريفيه الصغيره ان هنا تخاطب الاشباح وتفهمهم ويحبوها ، ازداد اغترابها عنهم ووحدتها ، لكنها لم تكترث ، صارت فتاه جميله في الخامسه عشر ، لم يأتيها خطاب مثل شقيقاتها ، من هذا المجنون الذي يخطب فتاه خايبه لاتطبخ ولاتفهم في اشغال الابره وتخاطب الاشباح ، كانت اجمل شقيقاتها لكنها مختلفه !!!
مازالت تضحك مع ثمرات الخوخ ، ترقص علي نغمات الريح ، تكلم القمر ،تبكي مع كلمات المداحين ، تنادي المعزه البيضاء التي اطمانت فابتسمت ، تجري خلف الارانب الفاره في الليل من سكون الاحجار ، وتؤلف الشعر وتغني المواويل الموجعه ، تتذكر عازف الناي العجوز وتبكي علي الحانه التي تسمعها ، تتذكر الارمله الجميله وتشفق عليها من جمالها ووحدتها ، تتذكر يوسف ابن الحياه وتمنحه محبتها .......... ومازالت امها تتشاجر معها وتضربها وتخاف منها ، ومازالت بائره لاياتيها خطاب ولا عرسان ولا سيده تسالها في الشارع عن اسمها واسم ابيها لزيارتهم في المنزل مثل كل الفتيات !!!
و........... مازالت تحلم بالمدرسه والقراءه ، وتحلم بالتحليق والفرار ، وتتمني لو كانت فعلا تخاطب الاشباح كما يشيعوا عنها ،لو كانت تخاطبهم لرجتهم يخطفوها بعيدا ،وتتمني لو هامت علي وجهها مع عازف الناي ، وعاشت مع الارمله الجميله ولعبت مع يوسف واسمعته كلماتها التي تبوح فيها بمكنون نفسها ، تتمني ترتحل مع المداحين وتزور قبر سيدنا النبي ، تتمني لو تحط علي كتفها حمامه بيضا من حمام الحما ويارب توعدنا ، مازالت روحها طليقه حره لكن جسدها اسير الواقع والظروف والبلده والتقاليد وامها والمطبخ ،مازالت تحلم لكن ميعاد تحقيق الاحلام لم ياتي بها كما قالت لها شجره الجميز العجوزه .....
و....... تزوجت شقيقاتها ورحلن عن المنزل ، وعشن حياتهن مثل كل النساء ، رجل واطفال ومطبخ وطاعه وتقاليد كبروا عليها ويربوا اولادهم عليها ، عشن حياتهن مثل كل النساء ، عبيد الدائره المغلقه واسيراتها والمحافظات علي اسرارها وكهنوتها وطلاسمها !!
وبقيت هي تخاطب الاشباح ... تسمع حكايات ابيها وتخاطب الاشباح والاشجار والقمر وتنتظر ميعاد تحقق احلامها ...
........................................................... ........................................................... .............................................................
هل لو قلت لكم ان احلامها تحققت ستصدقوني ؟؟؟؟؟!!!!
في يوم غريب ، بعدما فقدت امها الامل في زواجها ، بعدما يأست منها وبكت علي حالها المعوج ...
في يوم غريب طرق باب منزلهم طارق غريب ، فتحت هنا ، صرخت ، لا لم تصرخ ، صرخت بلا صوت ، كان يوسف كالبدر يقف امام بابها ، تمالكت نفسها وسالته مالذي يريده ، تعرف عليها ، انت هنا الابنه المتمرد للرجل الطيب الذي منحني محبته ، ارتبكت ، فيوسف الذي عرفته وتسايرت معه كان طفلا صغيرا ، لكنها لاتعرف الرجل القوي الذي يقف علي عتبه باب دارهم يلاحقها بنظرات مربكه !!!
دخل يوسف ورحب به الاب واحتفت به الام وانزوت هي بعيدا عن نظراته المربكه ، فرت في الليل لشجره الخوخ تصرخ مع ثمارها فرحه يوسف الذي لم تنساه قصه من كلمتين قالهم الاب منذ سنوات الان رجلا حقيقيا لحم ودم ومشاعر ، فرت قبل الفجر لشجره الجميز تسر اليها بفرحتها ، يوسف ياخاله في دارنا ، تضحك شجره الجميز وتتمايل افرعها واوراقها ، كل حاجه بميعاد يابنتي ، ونامت نوما عميقا وحلمت كل الاحلام الجميله ، ومازال يوسف ضيفهم وسيرحل غدا ... انها تكره الغد وتكره رحيله ، تتمناه لو يبقي !!!
وفي الليل نادها ابيها ، يجلس مع يوسف في الحديقه ، شرح لها يوسف جايي يخطبك ، كادت تصرخ موافقه ، بس هو يابنتي ماحيلتوش الا المحبه يقدمها لك ، لاشبكه ولا مهر ولا فرح ، هزت راسها بالموافقه ، ابتسم يوسف فرحا فسطع القمر وتمايلت الاشجار فرحا ..
و......................
كانت صغيره مختلفه ، وكان ابن الحياه ..
كانت تحلم بروحها حره طليقه ، وكان لايملك الا المحبه ولايتمني غيرها ..
وكانت تعرفه وتحبه من قصص ابيها ، وكان يحبها من عشق ابيها لها ..
وكان القدر والنصيب يدبرا لهما لقاءا وتوحد ......
...........................
ودعت ابيها وامها وشقيقاتها .. الليله سترحل مع يوسف لبلده بعيده ولاتعرف متي ستعود .. ودعتهم وسارت مع يوسف والقمر يسطع فوق رأسهما ..
سارت حتي شجره الجميز العجوز ، وفي حضنها بكت من الفرحه واشارت علي يوسف وقالت للشجره ، يوسف ياخالة .. راجلي !!!
هنئتها الشجره العجوزه وباركت لها ، يازين مااخترتي يابنتي ، ودعت هنا الشجره ، انا ماشيه ياخاله ، رايحه مع يوسف لداره بعيد ، لم تودعها الشجره العجوز ، مع السلامه يابنتي لكن مهما رحتي او بعدتي انتي هنا في حضني انت ويوسف !!!
ابتسم يوسف فسطعت نجوم السماء وهب نسيم الليل عليل منعش !!!
ومازالت امها تقسم انها تكلم الاشباح !!!!!!!!!!
امها قالت ان صغيرتها كانت تكلم الاشباح ، تفهمهم ، تقضي وقتا طويلا تخاطبهم وتضحك علي نكاتهم !!!
امها قالت انها كانت تنزل الحديقه بعد غروب الشمس ، وتجري خلف الارانب البيضاء وتلوح لهم مودعه وقت النوم ، وحين تستيقظ في النهار لاتبحث عنهم ولا تنتظرهم ، واقسمت الام ان تلك الارانب البيضاء ليست الا احجار صماء تبقي ساكنه طيله النهار وتدب فيها الحياه بعد غروب الشمس !!!!
امها قالت انها اعتادت الفرار من الباب الخلفي للحديقه والنوم تحت شجره الجميز العجوز ، تلك الشجره الوارفه التي تظلل مقابر البلده كلها ، قالت الام ان صغيرتها اعتادت النوم تحت تلك الشجره في الليالي القمريه ، وكانت تخاطب الشجره وتكلمها ، والاغرب ان الشجره كانت ترد عليها ، واقسمت الام ان كثيرين نقلوا لها ان صغيرتها غريبه الاطوار تكلم الشجره والشجره ترد عليها !!!!!!!!!
انها تكلم الاشباح !!!! هكذا قالوا عنها !!!!
كانت فتاه صغيره جميله ، تتميز بعيون واسعه كحيله لامعه ، هي فتاه ذكيه تسطع مقلتاها بالعبقريه ، او بالجنون كما يحلو للبعض وصفها ، لها نظرات ثاقبه ، وقد تكون مخيفه ، عيونها مفتوحه دائما ، تنتبه لكل مايحدث حولها ، تسال بذكاء وتسمع بذكاء وتتكلم قليلا وبمنتهي الذكاء!!!
لكن قريناتها الصغيرات كن يخافن منها ولا يلعبن معها ، ربما سمعن مايتردد عنها من انها تكلم الاشباح ، ربما خفن من نظراتها الثاقبه ، ربما احرجن من ذكاءها وتفوقها عليهن ، ففي كل لعبه يلعبوها معا هي المتفوقه ، تفهم قانون اللعبه بسرعه وتهزمهم شر هزيمه ولا تصرخ فرحه مثلما يفعلن ، بل تبتسم ابتسامه شاحبه ، كانها حزينه انها تهزمهم كل مره !!!!
متي قالوا عنها انها تكلم الاشباح !!!
كانت فتاه صغيره ، تعيش مع امها في بلده ريفيه ، منذ سنوات بعيده ، في تلك السنوات البعيده ، كانت الفتيات الرييفيات يتعلمن الطبخ واشغال الابره وتريبه الاطفال ويحلمن بالزواج ، لكنها ، هذه الصغيره بالذات ، دون كل شقيقاتها ، كانت تستيقظ تجري خارج المنزل ، تجلس تحت الشجره الهرمه علي مدخل حديقتهم الواسعه ، تكره الطبخ وتفر من امها وتتحمل الضرب والشتم وكافه صنوف العقاب ، لكنها ابدا لا ترضخ لاوامر امها الصارمه ولم تتعلم من وقفتها الاجباريه الطويله في المطبخ اي شيء ، كانت تراقب الاطفال الذكور يذهبون للمدرسه فتبكي ساعات طويله تتمني ذهاب المدرسه ، لكن امها لم تطاوعها ، وضربتها مره واثنين ، وحلقت شعرها الطويل الناعم بالموس مره واثنين لانها ترفض الاعداد الاجباري للدور الوحيد المقبول في بلدتهم لفتاه مثلها ، امها لم تطاوعها وهي لم ترضخ ، لم تذهب المدرسه ولم تتعلم الطبخ ، هكذا كانت الحياه بينهما قاسيه شاقه ، امها عاجزه عن التعامل مع ذكاءها ، وهي عاجزه عن الرضوخ لقواعدها الصارمه .....
ولانها لن تتعلم الطبيخ ولو وقفت في المطبخ مائه يوم ، ولانها لن تتعلم اشغال الابره وتفصيل الملابس ولو جلست بجوار امها مائه سنه ، ولانها لاتحلم بالزواج مثل كل الصغيرات ، بل تحلم بحياه اخري لاتعرف شكلها ، اعتبرتها امها وشقيقاتها فتاه غريبه الاطوار ، وخافت منها قريناتها في شوارع البلده ، فلم يلعبن معها ، ولم تتحدث معهم عن احلامها الغامضه ، لم يتبادلوا معها خبراتهم في طبخ الباميه ومحشي الكوسه وغرزه رجل الغراب ، هي غريبه الاطوار خارج عوالهم الراسخه التقليديه ، هي غريبه ومغتربه !!!
متي قالوا عنها انها تكلم الاشباح !!!!
هي فتاه صغيره غريبه الاطوار متمرده بالفطره علي قواعد مجتمعها الصارمه ، راضيه بالوحده وسط صخبهم لانها لن تكون مثلهم ولن يكونوا مثلها ، امها حاربت غرابتها وعاقبتها عليها ، لكن النظرات الثاقبه التي تمطر بها امها وهي تضربها بعنف وقسوه لانها حرقت الاكل او قطعت الخيط ، تلك النظرات الثاقبه توتر الام ، بل يمكننا نقول ان تلك النظرات كانت تخيف الام ، تحس امام صغيرتها انها بلاسلطان ، فالابنه لاترتعش وقت تهدد بالضرب ولا تصرخ وقت تضرب ولا تستسمحها لاعفاءها من ضرباتها المتلاحقه ، فقط تحدق فيها بنظرات مخيفه ، تكاد الام معها تخزق عين الصغيره ، فنظراتها الثاقبه بجاحه في ذاتها تستحق عنها عقابا اضافيا !!!
اين الاب ..... كان ابو الصغيره بائع جائل صاحب تجاره صغيره راسمالها السمعه الطيبه والابتسامه والترحال ، يجوب القري والبلدان الصغيره يحمل بضاعته ، يغيب عن منزله اياما واسابيع ، يترك صغيراته مع امهن القويه تعلمهن الطبخ واشغال الابره وتعدهن للزواج ، وعندما يعود هو لمنزله بعد طول غياب ، يعود لهن محملا بالهدايا وبالنقود وبالحكايات ، كانت صغيرتنا ، التي يقولوا عنها انها تكلم الاشباح ، كانت تحب ابيها كثيرا وتفتقده كثيرا وتتمني التجول معه في بلاد الناس كما يقول لها ، تبيع معه البضاعه وتشتري معه الهدايا وتسمع مثله الحكايات ، لكنها صبيه صغيره لايليق بابيها اصطحابها لمثل تلك البلاد البعيده ، والا وقف سوقها وبارت ولن تتزوج ابدا فتبقي علي قلب امها كالحجر الراسخ يذكرها بفشلها الذريع في اعداد صبيه لدورها العظيم ، لذا لن تتعلم ، ولن تسافر مع ابيها وستضرب حتي تتعلم الطبخ واشغال الابره ، هذه حياتها وهذا قدرها ولايوجد اي اختيارات اخري!!!!!
ادركت مبكرا انها غريبه ، ادركت مبكرا انها مختلفه ، ادركت مبكرا انها ليست مثلهم ، شاهدت بعينها خوف امها منها ، امها اعتادت من شقيقاتها الرضوخ والانصياع ، لكنها مختلفه لاترضخ ولاتقبل ولاحتي تخاف من كثره الضرب والعقاب ، احست بوضوح نفور قريناتها منها ، لاتتحدث مثلهن ولاتفكر مثلهن ولا تطبخ الباميه مثلهن ، ادركت انها تحب ابيها وحكاياته ، انه يجول في الدنيا الواسعه ، يختفي فتره ويعود بعدها اخر جديد ،ليس الذي سافر ، ليس الذي كان ، يعود جديدا ، طازجا ، نظراته مختلفه ، حكاياته متنوعه ، هي تحب ابيها وتتمني تحلق مثله في السموات البعيده ، تتمني تبعد عن البحيرات العطنه الراكده التي تجرها امها للغرق فيها كل لحظه ، تتمني تختفي مثله وتعود بعد فتره صغيره اخري غير التي تعرفها ، صغيره جديده بمشاعر جديده بحكايات جديده ببشر جدد ، لكن امها لم تسمح لها وابيها لم يدعم رغباتها المجنونه ....... ادركت مبكرا انها غريبه ومختلفه لكنها لاتملك الا التعايش مع البحيرات العطنه التي تحيطها ، ادركت مبكرا انها لن تغادر تلك البحيرات العطنه الا روحا بغير جسد ، الجسد سيبقي اسير المنزل والام والبامية وحلم الزواج الذي لاتحلم به ، اما روحها فملكها هي ، لن يقوي احد علي اسرها او احتجازها او حصارها ..... ادركت انها تملك روحها باجنحتها العفيه القويه المحلقه ستحملها بعيدا عن البحيرات الراكده العطنه وطحالبها اللزجه ، ادركت ان قدرها التحليق بعيدا عن هذا المكان ، نعم ستحلق بعيدا عنه ، ستفر منه ، ستهرب ، ستغادره كل ثانيه تستطيعها ، لن تبقي معهم الا بجسدها الذي لايلزمها ، لكن روحها لن تقع في شراكهم واسر حياتهم ، في تلك اللحظه اشفقت علي نفسها وادركت مصيرها وقدرها وعذاباتها ..... هي مختلفه غريبه عنهم ، ستبقي جسدها اسيرهم وروحها طليقه منهم ، هذا قدرها ولافكاك منه !!!!!!!!!
في تلك اللحظه ، ايقنت امها انها تكلم الاشباح ، تتسلل من فراشها في منتصف الليل وتجلس في الشرفه تحدق في السماء ، تبتسم والنجوم تسطع ، تبكي والقمر يغيب ، ترقص علي نغمات الريح العاتيه ، يرتسم علي وجهها تعبيرات غريبه لاتعرف امها الطيبه معانيها ، تنزل الحديقه في منتصف الليل ، تسير بجوار جدول الماء الصغير ، تضحك بصوت عالي كان احد يمازحها ، تغني بصوت حنون تكاد تبكي من رقته ، تجلس علي حجره كبيره وتخاطب الارانب ، تخاطبهم تحكي لهم احلامها الملعونه ، تؤكد امها انه لاتوجد ارانب بيضاء وان ابنتها الصغيره تكلم الاشجار تكلم ذرات تراب الارض تكلم السماء والنجوم .... تناديها لا تسمع ، تلح عليها الدخول لدفء المنزل من برد الحديقه ، لكن الصغيره لاتشعر بالبرد ، سعيده بالليل والنجوم وتمايل النخيل واللهو مع الارانب البيضاء !!!
كانت الصغيره تفر من دفء المنزل الخانق تتنفس هواء الحديقه البارد الطازج ، وتحكي للاحجار كل الحكايات التي قالها ابيها ، كل الحكايات التي سمعتها من ابيها باهتمام وحرص ، سمعتها وحفظتها ، تحكي عن الولد الصغير الذي سار خلفه كل رحلته السابقه يعاونه في اعماله ورفض اي مقابل للخدمه الشاقه الا محبته ، تحكي للنخيل المتراقص في الريح العاتي ، انها احبت الولد الذي لم تعرفه ، ومنحته محبتها مثلما طمع في محبه ابيها ، لكنها لاتكتفي بحكي قصه الولد الصغير ، بل تتصوره امامها ، نعم هي تراه ، تعرفه ، تعرف شكله وجهه ابتسامته الطيبه ، تعرف ملامحه طيبه قلبه ، تفهم وحدته غربته ، تكلمه كثيرا ، تشكره علي مساعدته لابيها ، يخجل من الشكر ويفر من الثناء ، هو لاينتظر من الحياه الا محبته ، يحكي لها عن رحلاته في البلاد هائما علي وجهه ، تساله عن اسرته ، لايعرفها ، ادرك وقت انتبه للحياه انه ابن الحياه بلا اسره ، هكذا تحكي لاشجار الخوخ ، وتكاد ترسم وجه الولد علي جذع الشجره ، امها تصرخ فيها عودي ، لكنها لن تعود ، امها ترتعد من الظلام تحذرها من الوحده ، لكنها ليست وحيده ، هي تلهو مع الولد الصغير ابن الحياه الذي خدم ابيها ولم يحصل الا علي المحبه اجرا وزادا ومكافأه ، صارت صديقته ، تخاطبه تتكلم معه ، يفهم هو حديثها ، همومها ، شجونها ، يدرك سر عذابها واغترابها عن حياه تأسرها في المطبخ وهي تحلم بالجبال العاليه تتسلقها وبالسحب البعيده تسكنها ، وصفه ابيها بانه جميل كالبدر ، وافقته ، نعم يوسف جميل كالبدر ،يوسف هو اسم الصغير الذي لايتمني الا المحبة ، وحين يسطع البدر تضحك ، يوسف يزورها ويسطع بجمال روحه ليس فقط في حياتها بل علي الحياه كلها ....... مازالت روحها تحلق وتحلق ، وامها تخافها ، تحاول السيطره عليها وتفشل فتخافها اكثر !!!
البنت مخاويه الاشباح وبتتكلم معاهم ....
هكذا اقتنعت امها وشقيقاتها والبلده كلها ... تكره النهار وتحب الليل ، وفي الليل تحدق في السماء وتكلم القمر وترقص علي نغمات الريح العاتيه !!!
واحكي لي يابا عن اللي شفته ، يقص عليها ليله المداحين ، كنت في بلد بعيده ، وكان المولد قرب ، البلد نصبت الخيم وعلقت الكهارب ، وقالوا بعد صلاه المغرب ان المداحين حيكون في دوار العمده بعد العشا والكل معزوم ، وبعدين يابا ، رحت يابنتي مع كل اللي راحوا ، وزعوا علينا قرفه شربت ، قالوا صلوا علي النبي صلينا علي الحبيب المصطفي ، قالوا العشا بعد المديح ، ماكنتش جعان ، وغني المداحين يابنتي وقالوا اللي يشرح القلب الحزين ، صلوا علي سيدنا النبي ، اللهم صلي عليك يانبي ، وخدونا لبلاده البعيده ، طفنا وزرنا وحجينا ، ياسلام يابا ، ايوه ياهنا ، وبعدين يابا ، خدونا عند قبر سيدنا النبي وحطيت ايدي علي شباكه ، ياسلام يابا ، ايوه ياهنا ، وهناك عيطت واتطهرت ودعيت لكم كلكم ، وانتي بالذات دعيت لك كتير قوي ، قلت ايه يابا ، قلت يارب هنا بنت عبدك طيبه واديها علي قد طيبتها ، تلمع عيونه بالدموع ، زرت قبر النبي وطفت حوالين الكعبه ووقفت علي كتفي حمامه من حمام الحما ، تلمع عيون هنا بالدموع ، كان نفسي اسمعهم يابا ، يضحك ابيها ، دول مداحين في حب النبي طوافين في البلاد لاليهم مرسي ولا دار ، سالت دموعها ، كان نفسي اسمعهم يابا ، المره الجايه تاخدني معاك ، يضحك ابيها ، تاني ياهنا ، مش كنا فضينا الموضوع ، امك يابنتي عارفه مصلحتك !!!! تنظر له بلوم وتصمت !!!! تحب المداحين وتحلم بحمام الحما والحريه ومازالت وحيده غريبه لايفهمها احد !!!!
مازالت روحها تحلق وتحلق ..... بعد الغروب تخرج من دارها ، تفر من الدفء الخانق ، تجلس تحت شجره الخوخ ، تكلم الثمار الطازجه ، هن صديقاتها التي لايحلمن مثلها الا بالتحرر ، هن صديقاتها لايتمنين الزواج والاطفال والمنازل الدافئه كامها ، ثمار الخوج صديقاتها يحلمن مثلها بالحب والونس والتحرر وركوب الريح ، تجلس تحت الشجره وتحكي عن الارمله اللعوب التي حاولت اغواء ابيها في رحلته منذ عامين ، سمعته يحكي لصديقه من خلف ظهر امها انه كاد يقع في شرك الارمله اللعوب ، هكذا وصفها الاب لصديقه ارمله لعوب ، سمعته يصفها لصديقه وهما يجلسان بعيدا عن المنزل واذن الام ، قال ابيها لصديقه ، كانت سيده جنيه مسحوره اجمل مما تتحمل عيناك ارق مما يتحمل قلبك اشهي مما تقوي رغباتك عليه ، هي تتذكر ملامح وجه ابيها والاعجاب الساطع في عينه ، هي ارمله مات زوجها وترك لها طفلين يقول ابيها ، لكن البلده فرت منها ، هي تسحر الرجال ، لايراها رجل الا ويهيم علي وجهه تحت شباكها ، خافت منها النساء ، وضعف امامها الرجال ، يضحك صديقه لايصدقه ، تحكي لشجره الخوخ ، ابيها غضب من صديقه ، انها لاتفهم ، لاتعرف ، لم تشم رائحه انفاسها ، لم تسمع رنين وحنين صوتها ، لم تري انفراجه شفتيها لاتقصد اغواء لكنها تقتلك من شده الاغواء ، لم تلمح تقاسيم جسدها المثير وهي تتدثر بملابسها الطويله لكن جسدها اللعين يناديك ويصرخ من تحت الملابس الواسعه ، يقسم الاب انها منحته شربه ماء سكر بعدها ، خدر ونسي عمله وجلس تحت شباكها يغني مواويل الحب ويصرخ من الوجد ويبكي يتمناها تظهر من الشباك لكنها اوصدته ودخلت للمنزل ، يقسم ابيها انه كاد يكسر الباب ويقتحم الدار ويمزقها من شده حبه وعارم رغبته ، وفجأ يظلم وجه ابيها ، نعم هي شاهدت وجهه اسود وكل الفرحه في صوته والحماس في قلبه انطفئت جذوتهما ، شاهدت كل هذا واشفقت عليه مما اصابه ، يظلم وجه ابيها وهو يحكي لصديقه ، انه خاف منها مثلما خاف كل الناس ، ستخرب بيته وتشرد اطفاله وتفضحه في الناحيه ،فر منها ، بكي في حبها حتي اعتل قلبه ثم فر منها ، كادت تصرخ وقتها ، هكذا قالت لشجره الخوخ ، كادت تصرخ وتلوم ابيها لانه قتل جذوه روحه ، لانه اطفأ بيديه نيران ووهج نفسه ،كادت تصرخ تطالبه بالرجوع للارمله الجميله التي سحرته بحبها ، كادت تأخذه من يده عنوه وتجري به علي منزل الارمله ، لكنها صمتت وكتمت انفعالاتها بداخلها ، ستضربها امها لو القت بابيها في حضن امرأه يحبها وتحبه ، ستضربها امها وربما تقتلها ، تقول لشجره الخوخ ، لكني اشفقت عليه من قيوده واحماله ، اشفقت عليه من اختيارات حياته ، رجل مغترب ، يجري في الحياه لصالح زوجته وبناته ، يعود بالهدايا والملابس والنقود ، لكنه تعيس ، خافت من مصير ابيها ، خافت من تعاسته ، لن تعيش مثله مغتربه تعيسه ، هكذا قالت لشجره الخوخ ، اسرت للثمرات الجميله صديقاتها ، انها احبت الارمله الجميله ، وتمنت لو نجحت في اختطاف ابيها ، كان سترد له روحه وتفك قيوده وتهون احماله وتسعده ، ضحكت الثمرات صديقاتها وهمسوا اخفضي صوتك حتي لاتضربك امك ، ضحكت معهن ، حتي لو ضربتني ، هي تضرب جسد لااكترث به ولاتقوي علي كبح روحي التي حررتها من اسرها ،تمنت لو نجح ابيها الذي تحبه في تحرير اسر روحه من قبضه امها التي لاتفهم الا في الباميه والضرب ، مازال وجه يوسف يسطع في السماء بدرا ، تلوح له وتسره بافتقاده ، تبقي طيله الليله تكلمه تحكي له عن احلام يقظتها وامنياتها التي سياتي يوما تعيشها !!!
مازالت هنا ، هذا اسمها ، تعاني عسف امها التي لم تفهمها ابدا ... مازالت تحلم بالمدرسه والقراءه والشعر ، مازالت تردد مواويل ابيها التي ياتي بها من الاماكن البعيده ،تردد كلمات المداحين ، تبكي وتتلعثم وهي تبوح بشوقها لحمام الحمام وشباك قبر النبي ، تتمني تبكي هناك فتغتسل روحها من سموم امها وحياتها ، تتمني تهيم علي وجهها تقابل المداحين وتسير معهم تغني وتبكي ، مازالت تمنح يوسف محبتها فيسطع في ليلها بدرا ساطعا ، مازالت تحب الارمله الجميله وتشفق عليها من بلده نساءها يرتعدون من عدم الامان ورجالها ضعفاء جبناء لايقون حتي علي النظر في وجهها الجميل الاخاذ ، تمنت لو تعيش مع الارمله الجميله ، تمنت لو ذهبت مع يوسف للارمله الجميله التي تغني وتقرا الشعر وتجدل المواويل بالبكاء بالفرحه بالنواح ، لكنها لن تذهب ، امها لن تسمح لها ...
حين عاد ابيها من رحلته الاخيره ، صاحبته كظله ، احكي لي يابا عن اللي شفته ، يبعد عنها امها وضرباتها الموجعه ، ويحكي لها ، كنت ماشي في ليله ضلمه ، سالته ويوسف ماظهرش لك ، لم يفهم ابيها ولم تشرح له ، خرجت عليه معزه بيضا بتعيط ، وبتعيط ليه ، كانت تايهه ، وعملت ايه ، خدتها وطبطبت عليها وسقيتها واكلتها ، وبعدين يابا ، مشيت وفضلت ماشيه ورايا ، وعند باب الجامع وقت الفجر دخلت اصلي ، وقت تستاني ، ولما خرجت من الصلاه لقيتها برضه مستنياني بتضحك ، بتضحك ليه يابا ، علشان مابقيتش خايفه ، اصل الخوف وحش ياهنا ، الخوف عجز وقهر وذله ، المعزه البيضا مابقيتش خايفه ، اتطمنت لي ، زي يوسف كده يابا ، لم يفهم ولم تشرح له ، ومشيت ورايا الرحله كلها ، انا الف وهي ورايا ولما ااقعد تقعد جاري ولما انام تستناني ، وبعدين يابا ، ولا قبلين !!!
طيب احكي لي يابا عن اللي شفته تاني ، يضحك الاب ويحكي لها ، كان فيه راجل عجوز دائما قاعد علي راس الجسر ، ماسك ناي ، يعزف الحان تخلي القلب يعيط ، ليه يابا ،معرفش ياهنا ، لكن نفسه في الناي يوجع وصوت الناي يشكي ويتوجع يوجع ، وعملت ايه يابا ، سالته ، مالك ياحاج ، قالي الدنيا مافهمتنيش ، ياحرام يابا وبعدين ، قعدت جنبه يابنتي ، الناي يتوجع وانا اعيط ، وساعه الفجر ما طل ، كنت استريحت ، من ايه يابا ، مش عارف لكن عياطي ريحني ، غسلني خفف حملي ، لمحت علي وجه ابيها نظره شوق للارمله الجميله ، كادت تساله عنها ، لكن عينيه انطفأت وخفت سطوعها ، ادركت انه مازال يكابد الشوق ويعاني ، وبعدين يابا ، ولا قبلين ياهنا ، رحت اصلي ورجعت مالقيتش الراجل سالت الناس عليه قالوا محدش كان موجود ، ضحكت هنا وبعدين يابا صدقتهم ، هز راسه نفيا ، اصدقهم ازاي ، الراجل كان موجود علي راس الجسر وبيعزف علي الناي وانا اعيط ، الناس بس مابقيتش بتحس بحد تاني ، كل واحد مشغول بنفسه وبس لدرجه انهم لاشافوني ولاشافوا الراجل واحنا قاعدين علي الجسر ، كادت هنا تحتضنه ، انا مصدقاك يابا ، سالها ليه ياهنا ، ابتسمت مرتبكه ، معرفش لكن حسيت كده اني مصدقاك ، احضتنها الاب بحب وحنان ، فرت دموعها واطمئنت وتمنت تنام في حضنه ، لكن امها لن تسمح لها !!!
فرت من حضن ابيها لشجره الجميز العملاقه ، نامت تحتها ، كان القمر ساطعا مبتسما ينام فوق الشجره ، احست نفسها في حضن الشجره وحضن يوسف ، اطمئنت وتمنت لو ترحل مع ابيها ، وبلاد تشيلهم وبلاد تحطهم ، لكن امها لن تسمح لها بالرحيل ، شكت للشجره العجوز من امها المستبده ، اتمني اطير مثل الهداهد واروح واجي واشوف بلاد الله وفي النهايه ارجع انام في حضنك ، تضحك الشجره العجوز وتطمئنها ، كل حاجه بوقتها وميعادها ....
مرت ايام وايام ، وهنا علي حالها ، بل ازدادت وحده واغتراب بعدما اشيع في البلده الريفيه الصغيره ان الصغيره التي لم تعد صغيره ، اشيع ان هنا ، جنت ، تخاطب الاشباح وتكلم الاشجار وتكره النهار وتتوهج في الليل وقت تخرج الاشباح من مخابئها ، اشيع في البلده الريفيه الصغيره ان هنا تخاطب الاشباح وتفهمهم ويحبوها ، ازداد اغترابها عنهم ووحدتها ، لكنها لم تكترث ، صارت فتاه جميله في الخامسه عشر ، لم يأتيها خطاب مثل شقيقاتها ، من هذا المجنون الذي يخطب فتاه خايبه لاتطبخ ولاتفهم في اشغال الابره وتخاطب الاشباح ، كانت اجمل شقيقاتها لكنها مختلفه !!!
مازالت تضحك مع ثمرات الخوخ ، ترقص علي نغمات الريح ، تكلم القمر ،تبكي مع كلمات المداحين ، تنادي المعزه البيضاء التي اطمانت فابتسمت ، تجري خلف الارانب الفاره في الليل من سكون الاحجار ، وتؤلف الشعر وتغني المواويل الموجعه ، تتذكر عازف الناي العجوز وتبكي علي الحانه التي تسمعها ، تتذكر الارمله الجميله وتشفق عليها من جمالها ووحدتها ، تتذكر يوسف ابن الحياه وتمنحه محبتها .......... ومازالت امها تتشاجر معها وتضربها وتخاف منها ، ومازالت بائره لاياتيها خطاب ولا عرسان ولا سيده تسالها في الشارع عن اسمها واسم ابيها لزيارتهم في المنزل مثل كل الفتيات !!!
و........... مازالت تحلم بالمدرسه والقراءه ، وتحلم بالتحليق والفرار ، وتتمني لو كانت فعلا تخاطب الاشباح كما يشيعوا عنها ،لو كانت تخاطبهم لرجتهم يخطفوها بعيدا ،وتتمني لو هامت علي وجهها مع عازف الناي ، وعاشت مع الارمله الجميله ولعبت مع يوسف واسمعته كلماتها التي تبوح فيها بمكنون نفسها ، تتمني ترتحل مع المداحين وتزور قبر سيدنا النبي ، تتمني لو تحط علي كتفها حمامه بيضا من حمام الحما ويارب توعدنا ، مازالت روحها طليقه حره لكن جسدها اسير الواقع والظروف والبلده والتقاليد وامها والمطبخ ،مازالت تحلم لكن ميعاد تحقيق الاحلام لم ياتي بها كما قالت لها شجره الجميز العجوزه .....
و....... تزوجت شقيقاتها ورحلن عن المنزل ، وعشن حياتهن مثل كل النساء ، رجل واطفال ومطبخ وطاعه وتقاليد كبروا عليها ويربوا اولادهم عليها ، عشن حياتهن مثل كل النساء ، عبيد الدائره المغلقه واسيراتها والمحافظات علي اسرارها وكهنوتها وطلاسمها !!
وبقيت هي تخاطب الاشباح ... تسمع حكايات ابيها وتخاطب الاشباح والاشجار والقمر وتنتظر ميعاد تحقق احلامها ...
........................................................... ........................................................... .............................................................
هل لو قلت لكم ان احلامها تحققت ستصدقوني ؟؟؟؟؟!!!!
في يوم غريب ، بعدما فقدت امها الامل في زواجها ، بعدما يأست منها وبكت علي حالها المعوج ...
في يوم غريب طرق باب منزلهم طارق غريب ، فتحت هنا ، صرخت ، لا لم تصرخ ، صرخت بلا صوت ، كان يوسف كالبدر يقف امام بابها ، تمالكت نفسها وسالته مالذي يريده ، تعرف عليها ، انت هنا الابنه المتمرد للرجل الطيب الذي منحني محبته ، ارتبكت ، فيوسف الذي عرفته وتسايرت معه كان طفلا صغيرا ، لكنها لاتعرف الرجل القوي الذي يقف علي عتبه باب دارهم يلاحقها بنظرات مربكه !!!
دخل يوسف ورحب به الاب واحتفت به الام وانزوت هي بعيدا عن نظراته المربكه ، فرت في الليل لشجره الخوخ تصرخ مع ثمارها فرحه يوسف الذي لم تنساه قصه من كلمتين قالهم الاب منذ سنوات الان رجلا حقيقيا لحم ودم ومشاعر ، فرت قبل الفجر لشجره الجميز تسر اليها بفرحتها ، يوسف ياخاله في دارنا ، تضحك شجره الجميز وتتمايل افرعها واوراقها ، كل حاجه بميعاد يابنتي ، ونامت نوما عميقا وحلمت كل الاحلام الجميله ، ومازال يوسف ضيفهم وسيرحل غدا ... انها تكره الغد وتكره رحيله ، تتمناه لو يبقي !!!
وفي الليل نادها ابيها ، يجلس مع يوسف في الحديقه ، شرح لها يوسف جايي يخطبك ، كادت تصرخ موافقه ، بس هو يابنتي ماحيلتوش الا المحبه يقدمها لك ، لاشبكه ولا مهر ولا فرح ، هزت راسها بالموافقه ، ابتسم يوسف فرحا فسطع القمر وتمايلت الاشجار فرحا ..
و......................
كانت صغيره مختلفه ، وكان ابن الحياه ..
كانت تحلم بروحها حره طليقه ، وكان لايملك الا المحبه ولايتمني غيرها ..
وكانت تعرفه وتحبه من قصص ابيها ، وكان يحبها من عشق ابيها لها ..
وكان القدر والنصيب يدبرا لهما لقاءا وتوحد ......
...........................
ودعت ابيها وامها وشقيقاتها .. الليله سترحل مع يوسف لبلده بعيده ولاتعرف متي ستعود .. ودعتهم وسارت مع يوسف والقمر يسطع فوق رأسهما ..
سارت حتي شجره الجميز العجوز ، وفي حضنها بكت من الفرحه واشارت علي يوسف وقالت للشجره ، يوسف ياخالة .. راجلي !!!
هنئتها الشجره العجوزه وباركت لها ، يازين مااخترتي يابنتي ، ودعت هنا الشجره ، انا ماشيه ياخاله ، رايحه مع يوسف لداره بعيد ، لم تودعها الشجره العجوز ، مع السلامه يابنتي لكن مهما رحتي او بعدتي انتي هنا في حضني انت ويوسف !!!
ابتسم يوسف فسطعت نجوم السماء وهب نسيم الليل عليل منعش !!!
ومازالت امها تقسم انها تكلم الاشباح !!!!!!!!!!
هناك تعليقان (2):
قصة رائعة كدت أصدقها يا اميرة
لقد أحتضنت الوقت من الخلف وراحت معه ..عندما كان الأوائل من أجدادنا يتحاورون ويتفاعلون مع الأشياء المحيطة بينا.. أرادت أن تخلق لنفسها حالما خاصا بها لا يعنيها ما يقولون وسوف يقولون عن كلامها الليلى مع الكائنات الموجودة حولها ..فالجميع واهم أنها كائنات متجمدة لا تحس ولا تتألم ..قليل ممن هم قادرين على التواصل معها والتحاور معها .وصفوها بأنها مخاوية وصفوها بأنها مجنونة وصفوها بأنها تكلم الأشباح وليكن ما يكون المهم أنها كانت هناك جعلت من هذه الأشياء جزء لا يتجزأ منها يشاركها الحياة ويتفاهل معها ..ترقص على نغمات الريح تبكى والقمر يغيب تغنى بصوت حنون تمازح القمر تخاطب الأشجار ..تريد أن تستنشق هواءا نقيا ..زادت غربتها لم يكونوا قادرين على فهم طيبعتها الحالمة لم يكونوا قادرين على فهم أن البشر ليسوا كأسنان المشط ..كلا منا له عالمه الخاص وحكايانه اليومية ..لقد جاء أخيرا فارس الأحلام ليأخذها الى عالم الحب والحياة ...وكعادتك أستاذة دائما مبدعة متألقة لديك قدرة على التقاط الحكايات الأكثر عذوبة ورقة لنجد أنفسنا مشدودين وهائمين الى عالم ملئ بالحب والتواصل بين البشر ..تحياتى لحضرتك ومزيد من الابداع والتميز
إرسال تعليق