مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الأحد، 27 يناير 2013

قبلة سوداء فوق القميص الابيض !!!!ا





أود ان أنــام لــــحظـــة ،
لحظـــة ، دقيقـــة ، قـــرنا
على أن يعرف الجميـــع
اني لم أمت
و أني الرفيــق الصغيــــر
للريــح الغربيـــــه
و إنــــي الظــــل المــديــــد
لــدمـــوعـــي

لوركا 


  
ربما نحن في بدايات النهار او في وسطه او اخره !!!
الوقت لايهم ولا الساعة !!!
في هذة الثانية التي ستقرأ فيها تلك الاحرف ، سيخترق اذنك صوت عويل وبعض النحيب !!! 
صوت طلقات بعيدة ، ربما رصاص ، خرطوش ، مطاطي ، مدافع جرينوف ، هاون ، هذا كله لايهم  !!! 
قرأن بصوت الشيخ محمد رفعت ينبعث من مذياع عتيق "" فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ،خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ,وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ , فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ , رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ , فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ, مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ , بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .. ""
دقات جرس مكتومة يأتي صدي صوتها من برج كنيسة عالي بعيد !!! 

عويل وبعض النحيب !!! 
صوت طرق متتابع ودوي مكتوم ، ربما لطم علي وجه نضر ، ربما خبطات علي الصدر المقهور ، ربما تصفيق حزين باصابع عجوز ترطم كفيها ببعضهما كمثل الندابات ،  ربما تسمع صوت ام كلثوم ، نعم لاتتعجب ، ربما يكون احدهم قد جن او فقد اعصابه او زهق من كل العبث الذي يعيشه فقرر في تلك اللحظه بالذات يتحدي القهرة ويسمع ام كلثوم عله يحلق مع صوتها لافاق ارحب من الوحشة التي تعتقلنا جميعا ، بصرف النظر عن حالته ، فام كلثوم في تلك اللحظه نغمه نشاز جدا ، وربما ليست كذلك !!

عويل وبعض النحيب !!
بضعه رنات لتليفون محمول ، ربما احدهم يبحث عن الاخر ، ربما احداهن تواسي الاخري ، ربما هي تبحث عنه ولايجيبها فيزداد قلقها ، ربما ام تطرد كوابيس النهار وتبحث عن ابنها او بنتها تتمناهم يجيبوها يؤكدوا لهم انهم لم يموتوا بعد !!!  
صوت زغاريد ، نعم لاتتعجب ، زغاريد تخرج من قلب مذبوح تكابر تنكر الحزن وكأنها تزف الحبيب للفرحة ، لاتتعجب ، فقد جنت الناس من كثرة الحزن !!
موسيقي لنشرة اخبار ، صوت رتيب لمذيع يدعي الجدية، صوت كاذب لمذيعة تدعي الحزن ، صوت رتيب كاذب يختلط بصوت نقاط بطيئه من صنبور قديم في عمارة ايلة للسقوط ، وربما تسقط اثناء المشهد فيختلط صوت فرقعه اساساتها وتحطم الابواب والنوافذ وتهشم العظام تحت الانقاض ببقيه الموسيقي التصويرية !!!

هذه هي الموسيقي التصويرية للمشهد الذي ستعيشه معنا ونعيشه معك ونعيشه جميعا ، لايهم متي واين ، المهم اننا نعيشه ، هل مازلت لم تعي مالذي ستقصه الاحرف عليك ، هل لاتصدق الاحرف وتعتبرها جزء من مؤامرة علي قلبك الذي انهكته الحياة ، انت حر تصدق كيفما تصدق او لاتصدق ، لكن حتي تحسم يقينك ، انتبه مع الاحرف للمشهد الذي ستقصه عليك  وانتبه اكثر للموسيقي التصويرية التي تلف المكان والاحرف والمشهد ، ربما يعلو صوت نبضات قلبك فتتداخل نغماتها المضطربه مع بقيه مفردات الموسيقي ، هذا لايهم ، فمن بين كل النغمات التي نعرفها صوت نبضات مضطربه لقلب وجل لم يقوي بعد علي التعايش مع كل مانعيشه ، لايهم حالته اليوم ، غدا سيقوي ويتعايش !!

هذه هي الموسيقي التصويرية للمشهد !!! اسمعوها جيدا بقلوبكم ولتدخلوا معنا المشهد بهدوء وبطء ، بما يتناسب مع جلال الموت العظيم !!!!ا
هل تسمعوا كل تلك الاصوات ، عظيم ، راقبوا المشهد بصمت خاشع ، اتفاقا وجلال الموقف وهيبته !!!

انظروا الان لما حولكم .. افتحوا حدقاتكم جيدا ، لن يلغي كل مايحدث ولن يمحوه ان تقبضوا بجفونكم المرتعشه علي حدقاتكم تدفنوها في تجاويف رؤوسكم ، فمايحدث يحدث ، حتي لو قررت الا تروه !!! اذن سادتي وسيداتي ، افتحوا حدقاتكم جيدا وانظروا لما يحدث وتأملوه بدقه عل قلوبكم تقوي وارواحكم الوجله تستقر وتهدأ والحياه تسير معكم مثلما تسير مع غيركم !!!

جثة دافئة علي منضدة خشب مرتعشه الارجل وسط الحجرة ....
الاضاءة شاحبه صفراء رمادية كلون الجثة ..
اللمبة تتدلي من سقف الحجرة العالي بسلك لالون له يتراص عليه الذباب عاده وقت المغرب ، يتراص عليه حتي التصق به وصار جزءا من السلك يوصل الكهرباء والشحوب والكأبة ..
الدماء المتجلطه فوق جبهه الجثه حمراء داكنة ومع الوقت تسود وتسود ..

هذا ماستراه بعينيك فور تدخل الحجرة !!
وان لم تدخلها ستراه بقلبك !!!
وان لم تراه فقلبك مات فعلا اما من كثرة الحزن او من شدة الحماس لافكار حمقاء تظنها منتهي العقل والحكمة جعلتك تري الموت حدثا عاديا ولا تتاثر به ، وكانك ، فقدت انسانيتك !!!
ماعلينا .... انسانيتك وانت حر فيها !!!

حين تدخل الحجرة ، وتري الجثه الشاحبه فوق المنضده المرتعشه كروحك ، ستخنقك رائحه غريبة !!!
نعم ، هناك رائحه غريبه تخيم علي المكان ..
ربما رائحه الدم المسفوح يتعطن ...
ربما رائحه الجثه وانسجتها تتحلل والبكتريا تعقرها وتلتهم خلاياها المتحللة بوحشية وبسرعة ..
ربما رائحة الفورمالين التي رشتها الممرضه فوق الجثه في المشرحه متصورة انها تداري رائحه الموت فزادته تألقا ..
ربما رائحه غازات افلتت من مؤخره الرجل العجوز الباكي منزويا في طرف الحجرة ..
نعم هناك رجل عجوز يبكي في طرف الحجرة سنعود له فيما بعد ونقص عليكم حكايته ربما تهمكم وربما لاتهمكم ، فكل شيء لايهم !!!
نعود لرائحه المكان ..

رائحه غريبه تخيم علي المكان ...
ربما رائحه الطعميه الصاعده للنافذه من البائع الجائل تحت البيت المتهالك ..
ربما رائحه الموت المباغت حين يفاجيء الجثه التي كانت انسان ويخطفها بسرعه لناحيته قبلما تودع الاحباء وترتب الوصايا وتسدد الديون ، وقتها يكون للموت المباغت رائحه القسوة !!
لاتعرف رائحه القسوة ؟؟؟ عجبا لك وكأنك تعيش في عالم وردي وحيدا ، رائحه القسوة هي رائحه البشر الرائحين الغادين حولك يبتسموا لك بعيون زجاجيه وقلوب مطاطيه ومشاعر موحشة وملامح تشبه الحيوانات الاسيرة ، هؤلاء ينبعث منهم رائحه القسوه كمثل رائحه الموت المباغت !!!

ماعلينا ......
نعود لرائحة المشهد ، هي رائحه غريبه تخيم علي المكان ..
ربما رائحة الحزن الازرق الراسخ فوق الصدور ..
ربما رائحه الدموع المنهمرة ، هل للدموع رائحة ؟؟؟؟
ربما رائحة طبق الخبيزة الذي نسيته الست والدتك علي السفرة حتي برد وتجلد وخرجت منه روائح كريهه !!!
ربما كل تلك الروائح معا ، في مزيج مروع من الاختناق القاتل ..
المهم ، هذا المزيج او اي من عناصره القابضة سيخنقك ويكبس علي انفاسك وقتما تدخل الحجرة .....
وربما نفس تلك الروائح هي التي قتلت الجثة وازهقت منها النفس الاخير ..
نعم ؟؟ سؤال بريء خطر لبالي فجأ ..
هل ماتت الجثه التي كانت لشاب جميل ، هل ماتت وقتما القاها المسعفون فوق المنضده الخشبية المرتعشة وسط تلك الرائحه فسعلت الجثه من رئتيها بقايا الحياه وتنشقت مقدمات الموت المريح فاختارته ورحلت راضية !!! 
احتمال وارد جدا ، لكنه لايؤثر فيما ستراه وتعيشه داخل الحجرة اياها ، نعم اياها ، لن اقص عليك اين هي ولا شكلها ، كل هذا لايفرق، يكفيك اقول لك الحجرة اياها حتي تفهم انك مع الجثة التي كانت لشاب جميل وكثيرا ماتكون لشابة جميلة ، لايفرق!!!
ماعلينا ...

الجثة مازالت دافئة ... وبقايا الدم المتجلط فوق الجبهه الزرقاء تسود وتسود..
والرجل العجوز ينوح وينوح في ركن الغرفة !!! 
والموسيقي التصويرية تلف المشهد بهيبة الموت ورعبه !!! 

فجأ ..
فتحت الباب شابة ملتاعة ، صرير الباب الخشبي الثقيل فوق الارض المسحولة من كثرة الخطي ، مزعج جدا ، حتي للجثه التي كانت لشاب جميل ، مزعج لحد فكرت فيه الجثه تموت مرة اخري فرارا من صوته المنفر ، هرعت الشابه الملتاعه لوسط الحجرة ، صوب المنضدة المرتعشة ، اشفقت عليها الجثة التي كانت لشاب جميل من كسرة النفس وقتما تموت مرة ثانية وتتركها تتأسي للموت المزدوج للشاب الذي كان جميل ولم يعد ...

هرعت الشابة الملتاعه صوب المنضده المرتعشه كقلبها الصغير ، لمحت الرجل الباكي ينوح مقرفصا في ركن الحجرة ، يدلي رأسه بين ساقيه ويرطم جمجمته باصابعه المرتعشه فوق رأسه ، ربما ابتسمت وهي تحييه ، ربما هزت راسها وكأنها تقرءه السلام ، الارجح انه بادلها السلام والابتسامه ، عبست الجثه جبيبنها غاضبه ، اليوم انا البطل وانتم الكومبارس ، لاتنشغلوا بحياتكم وانتبهوا لموتي ، خلعت الشابه الاقنعه الباسمة من علي وجهها والقتها للرجل العجوز كانها تقول له تصرف فيها ومعها كيفما تشاء والقت بنفسها فوق الجثه تحتضنها ...

تململت الجثه ، رائحة الشابة وعرقها نفاذ ، تتفاعل وبسرعه مع بقيه الروائح القابضه علي الموت في الحجرة ، تمنت الجثه لو تزيح الشابه من فوق صدرها بعيدا ، ابتسمت الجثه ساخرة ، الا تشاهدي التلفزيون ، الا تعرفي مزيلات العرق التي تبقي الانطباعات الاولي وتلون الحياه بالفراشات الخضراء !!!
ربما تكون الرصاصه التي اخترقت جبهتي صنعت من عرقك النفاذ وذرات تراب الشارع الذي لايغادر خصلات شعرك وبقايا دموعك التي لم تفلحي تمنحيني الا غيرها ، سألت الجثة التي كانت لشاب جميل نفسها وبسرعة ابعدت السؤال وكل اجاباته المحتملة عن عقلها الميت ، عليه يستمتع بلحظات الوداع الاخير وحضنه ، عليه يبعد عن رأسه كل الاسئله التي عاش ومات لم يجد اجاباتها ، الان هي لحظه الوداع الاخير ، جثه في حضن حبيبة باكيه ، ياله من مشهد جميل ، غضبت الجثه لانه مشهد تكرر كثيرا حتي فقد رومانسيته ، تمنت الجثه لو هي الجثه الاولي في طوابير الموت ، وقتها كان الوداع سيكون رومانسيا رقيقا والمشاهدين سيبكوه اكثر واكثر ، لكن مات بعد كثيرين وسيموت بعد كثيرين ولم يعد للوداع معني ولا رومانسية !!!

ابتسمت الشابه وهي تحتضن الجثة الدافئة ، حبيها هو ، تمنت من سنوات ان تنتزع حضنه لها وحدها ، لكنه كان مشغول عنها بأشياء كثيرة ، ربما اكل العيش وربما زياره امه وربما متابعه مبارايات الكورة والاهم المكوث في الحمام ساعات طويله ، حضنه دائما كان موصد في وجه احلامها ، اليوم فقط وجسد جثته مازال دافئا يفتح حضنه لها وحدها ، ابتسمت وتمنته مات مائه مره قبل اليوم ، تمنته مات وعاد للحياه ومات وعاد للحياه ومات وعاد للحياه ، تمنته جثه دافئه تفتح لها حضنها وتترك كل العالم الفان خلفها كلما ارادت هي تحتمي بحضنه من العالم الموحش الذي يعيشا فيه ، ضحكت الشابه ، هي فقط من تعيش اما الشاب الجميل الذي كان يعيش معها مات وجثته ملقاة امامها علي المنضدة المرتعشه !!

عبست الجثه غاضبه ، راعي مشاعري ولاتصفيني بالميت ، لاتعايريني بحياتك وتقهريني بموتي ، راعي مشاعري ، واغلق حضنه بعيدا عنها ، لم تنتبهي ابدا لمشاعري ، فقط كنت تشكو من حضني الموصد في وجهك لكنك تجاهلت مشاعري لحد رفض حضني يفتح مزاليجه لكي ، انت المخطئة ياحبيبتي ، واليوم تذكريني بموتي وتعايريني به وتتباهي بحياتك وكأنك تقوي علي الحفاظ عليها ، في مدينتنا الحياة رخيصه وانهاءها سهل ، لاتصدقيني ، اسالي كل الجثث التي سبقتني في رحله رحيلها ، كلها كانت لبشر يتمنوا الحياة لكن الموت السهل انهي حياتهم في لمح البصر ، لاتتباهي بحياتك ربما تصيبك رصاصه لاتعرفي مصدرها فتموتي بسرعه وربما يسعدك حظي ونسير معا في جنازه واحده ، مثلما كان نسير معا ونحن عائدين من الجامعه محلقين فوق الارض من جمال الاحلام ، احلمي وحدك ودعيني اموت بهناء الا اذا اسعدك حظك لتموتي الان فورا فنخرج لمقابرنا معا نعشين متلاصقين وكانها رحلتنا الاخيرة ...

سعدت الجثه بالجنازة الرومانسية الجديدة ، نعم هذا مشهد جديد ، قليلون من يسعدهم الحظ وسط الموت الكثير ليرسموا بموتهم مشهد جديد ، ليتك ياحبيبتي كنتي معي وقتما هشمت الرصاصه الطائشة راسي ، ليتك كنتي معي ، وخرجت الرصاصه من جمجمتي لجمجمتك وهوينا في نفس اللحظه معا ، تلاحمت اجسادنا علي الارض معا وسار نعشينا في الجنازة معا ، وقتها كنا سنرسم مشهد جديد في كتاب الموتي يمنح موتنا معني جديد ، لكنك للاسف كنتي في عملك وكنت انا عائدا للمنزل ومعي الصحف البغيضه وصفحات الوفيات الكثيرة وورقه بها عناوين سرادقات العزاء التي يتعين علي اعزي اهل ميتيها وزجاجه خمر اعد نفسي احتسيها دفعه واحده لانسي كل مااعيشه ، لكني مت بسرعه ، مت برصاصه طائشه حطمت جمجمتي ، ربما احدهم ينظف سلاحه من كثرة القتل ، ربما احدهم يجرب نفسه بعد دروس القتل الكثيرة التي اخذها ليتعلم كيف يقتل ، ربما احدهم لم يعجبه منظري وتربص بي وبزجاجه الخمر خاصتي وقرر يخلص منا لسبب لااعرفه ، مت بسرعه موت مباغت ، فلم اذهب لسرادقات العزاء ولم اقرا الصحف ولم احتس الخمر ولم انسي ولن !!!   

اسودت الدماء السائله من المخ المبعثر بالرصاصه اللقيطه التي اختارت الجثة التي كانت لشاب جميل  دون كل الاخرين الواقفين علي الرصيف لتمنحه الموت الرخيص ، اسودت الدماء السائلة اكثر واكثر ولابد ان ، لابد تصبح دماء سوداء لزجه ثقيله مثل دم امها الثقيل الذي طالما افسد ايامه مع الحبيبه التي لم يمنحها وقت كاف ليعيش معها ويعيشها حتي مات ، الدماء السوداء لابد تصبح لزجه وثقيله ثم تتحول لتراب اسود ليس تراب ربما بازلت اسود ربما الدماء الممزوجه ببقايا خلايا المخ المبعثر تتحول بعد الموت لماده اسمها الحزن سوداء ثقيله لزجه ثم تتيبس كمثل الجثه ، الوقت يمر والجثه صارت جثه وستتيبس بسرعه والدماء لابد لها تصبح سوداء مثل كل ايام الحياه التي عاشتها الجثه وقتما كانت شاب جميل ، الدماء اسودت اكثر واكثر وتفقد سيولتها لزوجتها  وتتحول لشيء خشن مثل المشاعر المجروحه من الايام الكريهه التي عاشها الشاب الجميل غاضبا حتي انتقته الرصاصه اللقيطه فقتلته !!!!

اسودت الدماء اكثر واكثر ورسمت لوحه حزن بديعه لو عرضت في متحف دولي لحازت علي جائزه عالميه كبري ، هو الحزن ، شاب كان جميل ، بعثرت رصاصه لقيطه مخه وكسرت عظام جمجمته فتحول من حبيب وزوج لشابه بعرق نفاذ ، تحول لجثه مازالت دافئه لكنها ستبرد بسرعه وتتيبس بسرعه وتفوح منها رائحه الموت والبكتيريا !!!! 

مازالت الشابة الحبيبة رابضه بجسدها اللدن فوق الجثه الدافئه ، تتمني تسرقها وتمارس معها الحب مره واحده اخيرة قبلما تبرد ، تشعر شوقا للحبيب الذي كان ، انتفضت الجثه لان الشاب الذي كان جميلا احب شابة مجنونه تتمني تخلع ملابسها داخل كفنه وتمارس حبه معها للمره الاخيره ،  تتمناه يضاجعها بكل الشوق الذي قهره ولم يعيشه معها ينتظر الايام الاجمل التي لم تترك الرصاصه العابثه فرصه لها وله ، اعجبته الفكرة ، لكن رائحه عرقها النفاذ تقتله مرة جديدة ، انتفضت الجثه وكادت تزيحها بعيدا ، تحممي ياامرأه وتعالي ، تعالي نغتسل معا ، انا للقبر وانت للحزن ودعينا نرتدي كفنا واحد ، نعيش معا اخر لحظات وجودي علي وجه الارض قبلما اودعك وادفن وتودعيني وتبكي !! تحممي وزيلي عرقك النفاذ واحضنيني الحضن الاخير واتركيني اضاجعك بكل الحب الممكن وغير الممكن وامنحك العشق الذي طالما حلمت به وبخلت علينا به الايام والحياة!!!!

الجثه تتمني والشابه الحبيبه تتمني والموت جعل الامنيات مستحيله ، قميصها الابيض طبعت عليه الدماء السوداء بصمتها، كادت تلعقها بلسانها ، هي قبلته الاخيرة ، قبلة سوداء جافة ، ابتسم ، لاتلعقيها وتتوحشي وتلتهمي بقايا دمائي بشفتيك الجميلتين ، لم يخلقا لقبلات الموت ولم افلح امنحهما مايستحقاه من قبلات الحياة ، هذه هي قبلتي الاخيرة ، هي بطعم الحزن الاسود ، بطعم المباغته الحمقاء ، بطعم الفورمالين ، قبلة سوداء ، اتركها لك مجرد ذكري علي قميصك الابيض الذي احبه ، عديني الا تغسليها واتركي دماءك فوق صدرك وشمه حب !!!وقبلة لاتنتهي  

ومازال الرجل العجوز يبكي !!! 
انتبهت الشابه لوجوده ، صوت نحيبه عالي يفسد عليها رومانسيه الوداع الاخير ، حدقت فيه خجله ، كانه ولج داخل راسها وقرأ كل افكارها الفاضحه وعرف امنياتها ورغباتها المكبوته وكأنه تسلل داخل الكفن معها والجثه الحبيبه وشاهدهم يمارسون الحب والحياه للمرة الاخيرة ، حدقت فيه تتسائل هل اعرفك ، هز العجوز رأسه ، لاتعرفيني ولااعرفك ، همس لها فازدادات حيرتها ، طب حضرتك مين ؟؟ رفع الرجل العجوز رأسه غاضبا لانها افسدت عليه نواحه ، انا اي حد بيعيط ، يفرق معاكي ، هزت كتفيها بصراحه لا ، ماتركزيش معايا وخليكي في نفسك ، همس لها وعاد يسقط رأسه بين ساقيه ويبكي !!!

الجثة التي كانت لشاب جميل تؤنبها ، مالك وماله انت ، واحد بيعيط مايعيط ، سالته ليه ، ضحكت الجثه ، ليه ازاي لاي سبب محزن ، في مدينتنا مليون سبب للبكاء ، من لايبكي ابتعدي عنه وتحاشيه وخافي ، بليد قاسي وربما مجنون مجرم ، الذي لايجد من بين المليون سبب واحد فقط ليبكي ابتعدي عنه فراسخ وخافي منه ، الحزن اليوم ياحبيبتي التي كانت المعني الوحيد للانسانيه المتبقيه في مدينتنا !!!

صوت النحيب يعلو ورائحه الفورمالين تطغي ودموعها تفور كالبراكين الثائرة والجثه تتأرجح فوق المنضده المرتعشه !!!

نظرت في ساعتها ، عليها تعود لعملها ، ساعه الاذن مضت ، ودعت الجثه ، اشوفك علي خير ، همست الجثه وماله ، اوصت الرجل ، خلي باله منه ، هز رأسه ، حاضر ، تحركت صوب الباب ، انتبهت انها لم تقبله قبله الوداع ، تخشي من مديرها يخصم منها راتب اليوم لانها تاخرت اكثر من المأذون لها ، تمنت لو مات مديرها قبلما تصل لمكان عملها ، تمنت لو تملك رفاهيه البقاء بجوار الجثه حتي تشيعها لمثواها الاخير ، ستعيد تقليد اندثر منذ خيم الموت علي المدينه التي كانت لاتعرف الموت ، ستصاحبه لمقبرته وتبكي عليه هناك وتروي الارض المنزرعه بالجماجم بدموعها علها تثمر ريحانه تنبه الخدرين لما يحدث في مدينتهم ، لكن مديرها لم يموت ، ولو مات سيحل محله نائب المدير ويخصم لها اليوم واكثر ، الموت صار لايستحق احتفاء ولا طقوس ، الموت حدث عادي ، احدهم ربما لايعرف الجثه ولايعرفها سيصاحبه لمقبرته في رحلته الاخيرة ، احدهم استأذن من عمله وقت تشييع الجنازه ، لايخاف مديره ولا خصم راتبه ، سيصاحبه لمثواه الاخير بلا رومانسيه ولا حزن ،ربما في الطريق للمقابر يستشري فطيره بالعجوه يسلي نفسه باكلها وربما يدعو الجثه لقطعه صغيره وربما تستجيب له الجثه وربما لاتستجيب زاهده في الحياه بكل تفاصيلها حتي قضمه العجوة وتتمني تكتشف وبسرعه تفاصيل الموت الذي تعيشه دون تدري ..

قبلت الشابه الجثة التي كانت لشاب جميل ، لوحت له باصابعها تودعه ، لازم امشي وبسرعه لاني تأخرت جدا ، تفهمت الجثه مبرراتها ولم تغضب منها ، يعرف ان احدهم سيصاحبه للمقبرة المكدسه بالجثث التي لم توصلها الحبيبات العاشقات لرحلتها الاخيرة ، احدهم سيوصله ، ربما حبيبة لاخر لم تلحق تودعه لظروفها وقت موته فقررت تنتقي موتا غريبا يتناسب مع ظروف عملها ووقتها  وتصاحب جثته لمثواها الاخير ، ربما يصاحبه شاب مثله جميل ، يعمل لاخرته ، يصاحبه لمقبرته متمنيا ان يبقي له عمله الطيب وحين يموت لاي سبب عبثي ، يجد من يصاحبه لمقبرته وربما يذرف عليه بعض الدمع !!!

تحركت صوب الباب وهي تلوح للعجوز الذي ينوح ، تمنت تساله ، مات امتي وليه ، طيب مات ازاي ، مين اللي جابه هنا ، وانت هنا ليه ، لكنها كلها اسئله عبثية لاطائل منها ، الموت في مدينتنا لايحتاج مبررات ولا فهم ، الموت عبثي يزهق الارواح مللا من الوحشة التي تخيم علي المدينه ، المدينه المقهورة بالصمت ، لاتنطق الا في الجنازات ، تصرخ وتهتف وتتوعد بالقصاص وسرعان ماتنسي وتنشغل في البكاء حتي يأتيها عزيز جديد يلزم دفنه في الارض الطيبه ، وقتها تعود المدينه للهتاف وكأنها تتشبث بالحياة والمطالبه بالقصاص وكأنها مازالت تملك كرامه واراده وسرعان ماتنسي ثانية !!!

لن تسأل العجوز شيئا ، ولو فعلت مااجابها ، مل العجوز من ذات الاسئله التي يسمعها كل يوم عشرات المرات ، حبيبات يبكين الحبيب ، امهات يبكين الغاليين ، اشقاء ينعون شقيقهم  ، الكل يسأل ، مات ليه وامتي، طيب مات ازاي ، لايرد عليهم العجوز القابع في ركن الحجره يبكي وينوح ، لايرد عليهم ، ليس تكبرا بل لانه نفسه لايعرف الاجابه ، حين مات ابنه منذ سنوات بعيده سال نفس الاسئله ولم يجد من يريح قلبه ويجيب عليها ، انتظر الموت يأتيه فلم يأتي ، زهد الحياة وفقد معناها ، فكيف يعيش الاب بعدما يموت ابنه الغالي امام عينيه ، يموت حيا زاهدا في الحياه ، يبحث عن كل الابناء ليبكيهم ، زهد الحياه فقرر يحتجز نفسه في الحجرة مع كل الغاليين ، يخصوه او لايخصوه ، غاليين برضه ، يحتجز نفسه في الحجرة ويبكيهم ويبكي ابنه ويبكي نفسه مقهورا لان الاسئله التي لم يعثر عليه اجابتها مازالت تقصف اعمار الشباب ، اختار يبكي علي الموت ويجدد احساسه بالموت كل لحظه بدل بلادة الخنوع التي ارتسمت ملامحها علي قلوب اهل المدينه فاعتادوا الموت ولم يهابوه ولم يبحثوا عن مبرره ولم يحزنوا بسببه فتحول الموت لحدث تافه مثل كل تفاصيل حياتهم التافهه ...

 قرر العجوز يتمرد علي البلادة ويحتفظ للموت بهيبته ووجعه ، اختار حجزا اختياريا في الحجرة التي لانعرف اين تقع والتي تأتيها الجثث تنتظر وداع الحبايب من كل صوب وحد ، العجوز قرر يلعب دور كل الحبايب ، يبكي الجثه التي كانت لشاب جميل او فتاه جميلة ، يبكيها وكأنها تخصه ، وحين يحضر ذويها حبيبة او عشيقه او ام مكلومه يخرس صوت نحيبه مفسحا لها المجال لتودع من يخصها وبسرعه قبلما يرفعوا الجثه من فوق المنضده الخشبية المرتعشه ويأتوا باخري تحتاج بعض الشفقه والرقه والدموع !!!
انا من قررت ابكي من لااعرفهم ، فمن يعرفهوهم صاروا عاجزين عن البكاء ، انا سابكي بدلا منكم جميعا ، فانا من مازلت اتأثر بالموت باعتباره حدثا جلل وانتم من اعتدت عليه حتي فقد معناه والحياة ايضا ..

خرجت الشابة من الحجرة ومسحت دموعها من علي وجهها وكأن الجثه الملقاه فوق المنضده المرتعشه ليست لشاب جميل كان حبيبها ، اسرعت صوب عملها تخاف خصم راتبها ونسيت كل ماحدث !!!

و..........................
مات الرجل العجوز مكانه ، مات علي حالته التي عاش عليها، قدميه القرفصاء ورأسه مدلي وسط ساقيه ودموع عينيه سياله لاتكف ، مات ، دخل الحجرة شاب صغير لم يأتيه الموت بعد ، قرأ علي الجثة التي كانت رجلا عجوزا السلام ، جلس مكانه واخذ ينوح ، لوح للرجل العجوز وجثته مودعا ، واستعد للنواح علي الجثة الجديدة التي ستأتينا حالا قبلما انتهي من كتابة هذا السطر !!!

و...............................
صرير مزعج يخرج من الباب العتيق ، تتوجع الجثة التي كانت لشاب جميل او شابة جميلة من صخب الباب ، تنتبه لنحيب وبكاء ، تجد الشاب الذي كان صغير قد صار عجوزا هرما ومازال جالس مكانه في ركن الغرفه ، جالس القرفصاء وراسه مدلاة بين ساقيه ، تجده مازال ينوح ويبكي .....

و..............
مازالت الموسيقي التصويرية هي هي !!! قرأن واجراس كنائس ونداءات الباعه الجائلين وصوت قطرات المياه من الصنبور الخرب ودوي المدافع وصوت الرصاص ولطم الحريم علي وجوههم ...

ومازالت الرائحه الخانقة القابضة هي هي !!! رائحة الدم يتعطن والدموع تنهمر والفورمالين وبكتيريا الجثث ورائحه الطعمية والخبيزة الحمضانة والموت المباغت ....
والجثة التي كانت لشاب جميل او شابه جميله مازالت تتارجح فوق المنضده المرتعشة ، تنتظر من يقرأها السلام ويودعها لقبرها ويبكي عليه دموع تثمر توت وريحان ونعناع اخضر واشجار حياة ....

ومازالت الحياة مستمرة في المدينة التي مازالت تقهر اعداءها رغم كل الموت الذي يباغت ابناءها كل ثانية منذ سنوات بعيدة !!!

ومازلت انا اكتب ومازلتم انتم تقرأون !!!
لو احدكم باغته الموت ونامت جثته التي كانت انسان فوق المنضده المرتعشة قبلما ينتهي من قراءة هذه الاحرف عليه يطمئن ، فهذه الحدوته تحكي عنه ايضا لكل من لايعرفه !!! 
جميعنا ابطال هذة الحدوته و...... سعيكم مشكور !!! 


في الأقاصي البعيده 

يترك الأنين المتعالي 

ظلال جنائزية 
(وددت لو ابقى مع الحقل وحيدا لأبكي)
تتحطم الأشياء في هذا الكون 
و لايبقى بداخلنا سوى الصمت 
(وددت لوابقى وحيد ا مع الحقل لأبكي )
افق بدون ضياء 
تنهش اطرافه نار جمر 
لقد قلت لكم مرارا دعوني 
مع الحقل وحيدا 
لأبكـــــــــــــــي

لوركا 


هناك 5 تعليقات:

مها العباسي يقول...

انه الموت الذى اصبح ثالثنا اورابعنا
انه الموت الذى اصبح احد افراد المدينه يتجول فيها ويجلس الى جوار كل فرد منها
الأن فى مدينتنا اصبح الموت رفيق والدم حبر الاقلام

عائشه الحيوان يقول...

رائـــــعه

Carol يقول...

عشت مع حكايتك
كنت داخل تلك الحجرةاحلق فوقها
اراها من أعلى
أسمع الاصوات، و اشم الرائحة و ارى الألوان
شعرت بالموت و الجثة .
الموت الذي أصبحنا نتقابل معه كل يوم نلتقي به، نتخبط فيه ، يصادفنا ، يحاصرنا
بتفاصيله المختلفه و مشاهده المتعددة.

أحببت أسلوبك جدا :)

أسامة جاد يقول...

مش هقول ان فيه نقلة عبقرية في نسج السرد بالصورة .. أن الجمل وحدها محتشدة بمشهدايات فيها الملمس والرائحة واللون والمذاق أحيانا .. انت عارفة ده وحريصة عليه .. هقول انكك النصوص الأخيرة التي قرأتها لك فيها براعة مسرحية مدهشة: تشكيل للبلاتوه والإضاءة والسينوغرافيا المترتبة على تموضع الشخصيات وحركتها .. أحسنت هنا اختيار المشهد وتفاصيل وحشته .. فيما كانت الحواريات بلسان الجثة فانتازيا سوداء يرفع كافكا القبعة أمامها بتقدير واضح .. كما كانت عبثية حوار الحبيبة .. وتيار الوعي حول عملها ومديرها موظفين بسخرية بارعة تنتقد العصر والتحولات الإنسانية المعاصرة في تروس الآلة وتطبيقاتها الوظيفية .. أما النهاية فجاءت سحرية وهي تحيل لحالة التطابق بين كل الجثث: الميتة بالفعل .. والتي تنتظر ...
لعلي أختلف مع التدخل المباشر للراوي العليم في سرديتك السحرية .. هو المخرج في تقديري .. والذي لم يمانع في مخاطبتنا نحن القراء مباشرة بضمير الخطاب .. هو خيار لا أجد ما يمنعه .. ولكنني أؤثر استخدامه بحذر، كونه الحل الأسهل لعمليات المونتاج القصصي في مناطق "القطع المونتاجي" الضروري .. أحب أن يكون الحل أكثر نعومة وصعوبة في الوقت نفسه .. أكثر إبداعية من استخدام تكنيك مطروق .. وتكراره أكثر من مرة
أختلف أيضا مع النهاية بعد النهاية التي أراها تمت عند جملة "لوح للرجل العجوز وجثته مودعا ، واستعد للنواح علي الجثة الجديدة التي ستأتي" .. غير أن حرصك على "فهم" القارئ للقصد والحبكة دفعك، في رأيي لتأخذي بيده، وأنت تخبرينه:ومازالت الحياة مستمرة في المدينة التي مازالت تقهر اعداءها رغم كل الموت الذي يباغت ابناءها كل ثانية منذ سنوات بعيدة..
كنت أفضل لو تركت القارئ يكتشف تلك النتيجة وحده .. ليشارك في متعة صنع النص الخاص به عبر انعكاس نصك في مرآة معارفه الشخصية ..
استمتعت بتنوع الأسلوب في النص وبرشاقة اللغة والإيقاع الذي ولدته شعرية الجمل بما احتشدت به من دلالات تصويرية بالغة التأثير

غير معرف يقول...

كالعاده..نثرت الموت برائحته و لونه حتى لامسناه من صدق التصوير..ثم غمرنا الحلم فجاءت الحياه هادره لا تتوقف..
كالعاده ..تفاجئينا من زاويه جديده و تفرض روحك على المكان امل و تصدى للواقع دون كلمات....
اتمنى اقرا لك قريب روايه طويله قريب يا اميره..اعلم قدر الاستمتاع من الآن:)
عبير مطر