ولا فرح يحلي بدون ما نتألم
واحنا ونس بعض اما ليلنا يطول
بتهون جراحنا لما نتكلم
( 12 )
اللحظة المناسبة
يجلس ادهم في حديقة منزله الجديد ، يراقب البستاني وهو يقلم الورود الحمراء التي تزين السور الحديدي المشغول بالرسومات الدقيقة ، الم يحن الوقت ياادهم لتمحو الماضي كله من ذاكرتك ؟؟ سؤال يساله لنفسه وهو يحتسي قهوته في فنجان قديم اشتراه من احد المزادات بعدما شرح البائع للجمهور ، انه فنجان الاميرة التي اعتادت تحتسي فيه قهوتها ، مشغول علي ذراعه الصغير الاحرف الاولي من اسمها ، وقع ادهم في اسر الفنجان ، ياحظها تلك الاميرة ، ماتت من سنوات بعيده وبقي فنجانها والاحرف الاولي لاسمها علي ذراعه خالده تقول للبشريه هنا عاشت صاحبة السمو وفي هذا الفنجان المنمنم كشفتيها كانت تشرب قهوتها ، اصر ادهم يشتري الفنجان وزايد عليه بلا عقل ودفع فيه ثمن باهظ واحتضنه وقتما اصبح ملكه ، يعامله معامله ملكيه مثل صاحبته التي كانت وصاحبه الذي صار ، يعد قهوته بنفسه ويصبها في الفنجان الاميري ويشرب القهوه في الحديقه وبعدما يفرغ يغسل الفنجان بنفسه ويداعب سمو الاميرة والاحرف الاولي من اسمها ويضع الفنجان في المكان الذي خصصه له حيث لاتطاله يد ، الم يحن الوقت ياادهم !!! الم تأتي بعد اللحظه المناسبه للصفح والغفران والسماح؟؟؟؟
عشره سنوات بعد تخرجك من الجامعه ، وظيفه مرموقه ، سياره فارهه ، بيت جميل ، ملابس انيقة ، سفريات خارج الوطن الذي كنت تتمني تطفش منه ، سفريات تستمتع فيها بحياتك وتعود لمنزلك الفاخر الذي تحبه ، اصبحت حياتك رغده ولم تعد الطفل الصغير الذي كانت تجره امه من ذراعه وهو يبكي ، صالح نفسك ياادهم وامحو الماضي ووجعه !!!
انتفض ادهم غاضبا من حواره ، كيف امحوه وهو لاينساني ، كيف امحوه وجسدي مثخن بالجراح ومازالت جروحي تئن قيحا يذكرني بكل التوحش الذي صادفته وعشت ايامه السوداء !!! انتفض وكاد الفنجان الاميري يسقط من بين اصابعه ، انتفض غاضبا ، هاهو الماضي يعود لينزع من بين اصابعه فرحته وزهوه ، يذكره بوجعه فينسي فرحه الحاضر وسعادته ...
قبض علي ذراع الفنجان وكأنه يخنق عنق الاميرة التي كادت تفر من بين اصابعه بفنجانها وتترك له في ذاكرته الفنجان الابيض الكالح بذراعه المكسور الذي كان يشرب فيه ابيه قهوه الصباح من البن المغشوش الرخيص الذي اعتاد يشتريه !!!
هذا ليس عدلا ، يفر من واقعي الفنجان الاميري ولايترك لي الا الفنجان الحقير بذراعه المكسور !!!
مازال يراقب البستاني يقلم اشجار الورود الحمراء ويهمس لنفسه ، هذا منزلي وهذه ورودي وهذا الفنجان الاميري ملكي ، افق ياادهم واستمتع بحياتك الجديده وانس القديمه !!! وكيف انسي ؟؟
اقتربت منه امنية ، من اين اتت ، هي غاضبه منه منذ فتره ولا تكلمه ، غاضبه منه لانه تعمد يقسو عليها ويرفض دلالها ، يتمناه لكنه يرفضه ، لو استجاب لدلالها لغرق في حبها وضعف وهذا ليس وقت الضعف !!!
اقتربت منه امنية ، من اين اتت ، ربما خرجت من تلك الورده الحمراء القانيه بلون شفتيها ، ربما هبطت عليه من قرص الشمس البرتقالي ، ربما هي الاميرة صاحبه الفنجان الرقيق ، انسي ياادهم وعيش !!!
سابكي هذه المره بين يديها ، سافصح لها عن ضعفي ، مش قادر ياامنية مش قادر ، مش قادر اسامحهم ، مش قادر اصالحهم ، ينفجر في البكاء وهي تقترب منه وتضع ذراعها علي كتفه وراسه فوق صدرها ، مش قادر انسي ، اصلي ماعملتش فيهم حاجه ، مااذيتش حد منهم ، عمري مافهمت ليه عملوا معايا كده ، تهمس في اذنه ، هما كمان غلابه وحياتهم بايظه ومليانه مشاكل ، هما كمان ضحايا زيك بالضبط ، يبكي وتسيل دموعه فوق صدرها وتبلل ملابسها ، تنهمر دموعها تشاركه البكاء ، صدقني ، هما كمان غلابه ، وانا مالي ، انا مابقولش انك عملت حاجه تستحق عليها العقاب ولكن .......... ينتفض ، كلماتها تعيد الوعي المشحوذ كالسكين لرأسه ، انا اتعاقبت من غير ذنب وهما لازم يتعاقبوا علي كل ذنوبهم وجرايمهم في حقي !!!! ايوه هو ده العدل ، هو ده العدل ، هو ده العدل ، هو ده العدل .................. هذه اخر كلماته التي كان يرددها وقتما ايقظه البستاني من النوم ، ياباشا الليل دخل والجو بقي برد ، اتفضل حضرتك جوه ، فتح عينيه بصعوبه ، جفنيه يلتصقا ببعضهما وجسده متعب وروحه منهكه ، مازال يقبض علي الفنجان الصغير وكانه يخاف يسرق منه ، يقبض علي كل تفاصيل حياته الجديده التي صنعها بالشقاء بمنتهي القوة ، صوت البستاني يتردد في اذنه وكأنه يأتيه في نفس الوقت من الحلم ومن الحقيقه ، اتفضل حضرتك جوه ، مازال جالسا علي مقعده الاثير في الحديقه ومازال البيت الجميل بيته ومازالت الورود الحمراء وروده ، الحياه الجميله صارت واقعا والحياه القابضه القاسيه صارت ماضي ، لكنه ماضي لا يتركه ولن يتركه الا بعدما يصفي حساباته مع الجميع ، يعاقبهم علي جرائمهم وخطاياهم ويقيم العدل في دنياه الصغيرة !!!
يهمس وكأن امنية تسمعه ، يهمس بمنتهي الاصرار ، هو ده العدل ، هو ده العدل ياامنيه ، الحساب والعقاب ، وغير كده ابقي ظلمت نفسي للمره المليون زي ماكلهم ظلموني !!!!
وتحرك بخطوات سريعه صوب البيت والدفء وهو مازال قابضا علي فنجانه الرقيق والاحرف الاولي للاميرة تئن تحت ثقل اصبعه الذي يقبض علي اذن الفنجان بمنتهي القسوة !!!!ا
( 13 )
المشهد الثاني من المسرحية !!!
ليلة العيد
ينفتح الستار وام كلثوم تغني بصوت خفيض ، ياليله العيد انستينا وجددت الفرح فينا .... رائحه الكعك تنبعث من قلب المسرح وصوت الصاجات تهتز فوق بعضها ، يري امه تجلس في عمق المسرح ، تدندن بكلمات الاغنيه ، تخرج الكلمات من فمها طيبه لكن نشاز بلا نغمات ، اين هذا المكان ، لايذكر اين هذا المكان ، لا يهم ، لن يوضح اين المكان ، ليس مهم المكان ، المهم ماحدث فيه ....
يري طفل صغير يبكي ملتصق باحد الجدران البارده ، يعرف صوت هذا النحيب ، يعرفه جيدا ، انه صوته هو ، وقتما يشعر بالقهر ولايملك منه فكاكا ، لماذا تركوه يبكي ولااحد يكترث بحزنه !!!
اشمعني انا ، هكذا همس ، فضربته امه مائه قلم علي شفتيه ، ماتقولش اشمعني انا دي ابدا ، ده عيب ده كفر ده سخط ، ارضي باللي ربنا قسمه لك ....... لايفهم شيئا مما تقوله ، لايفهم الا انها ضربته حتي اوجعته ، اشمعني انا ، لايفهم سر غضبها من تلك العباره البسيطه ، عايز بنطلون جديد زي محمد وجزمه جديده زي رضا وشرز احمر زي بتاع الواد بليه ، انهالت عليه ضربا ، تضربه وتبكي ، ماتبصش لحد ، لايفهم لماذا تضربه ، الان فهم لماذا تضربه ، يقهرها بكلامه ، يفهم سر دموعها ، يقهرها فتقهره ودائره القهر تحكم قبضتها علي ارواحهما معا ....
بيجامه كستور مقلمه ، هذا ماقويت علي شراءه ، حذاء بالي اشترته من سوق الجمعه ، اصلحته لكن مازال بالي ، لماذا هو دون كل العيال في شارعهم الذي سيعيد ببجامه كستور مقلمه ، ابو محمد اشتري له بنطلون جديد وام رضا اشترت له حذاء جديد وبليه صبي الميكانيكي ارتدي شرز احمر جديد ، ووقفوا في الحاره يضحكوا ، يتباهي بملابسهم ، الا هو ، خرج وقف وسطهم بالبيجاما الكستور وسرعان ماسخروا منه ، خجل طاغ اجتاحه ، هو كان سعيد مثلهم ، لكن سخريتهم قهرته ، امك ضحكت عليك ، قال بليه وهو يسخر منه ، امك ضحكت عليه لانك عيل مقطف ، لايفهم كلماته بدقه لكنه يعرف انه يسبه ، لماذا ضحكتي علي ياامي ، ده قماش التومين ، امي قالت كده ، همس محمد ، لا ده قماش الكساء الشعبي ، قال بليه ، المتر ببريزة والبيجاما واسعه والجزمه ملسوعه في بوزها ، وانت عيل مقطف !!!!
كم كان عمرك ياادهم وقتما سخروا منك كل هذه السخريه ، اي عيد هذا الذي عشته مقهور ، لاتقل لي كل الاعياد ، اي عيد هذا الذي ارتديت البيجاما الكستور المقلمه الخضراء ، شبه المساجين ، شبه المجانين ، امك ضحكت عليك !!!!
كم كان عمرك ياادهم ؟؟؟ ثمانيه سنوات ، اقل اكثر ، كيف تذكر كل تلك الاوجاع ، الم تنسي !!!
مازلنا علي المسرح ، امه تدندن وهي ترش السكر الابيض علي وجه الكعك ، وهو ملتصق بالحائط يبكي !!!!
لن اخرج من البيت ، لن احتفل بالعيد ، لن اكف عن البكاء !!!
ابكي معي وعلي !!!! مالذي كان سيحدث لو اشتريتي لي بنطلون مثل محمد او شرز احمر مثل رضا !!!
...............
صرخ ادهم ، اغلق الستار !!!
لم يكتب هذا المشهد ، ليس مهما بكاءه وليس مهم بكاء امه !!!!
المشهد الذي كتبه يختلف عما خرج علي المسرح امامه !!!
-----------------------
فتح الستار ثانية ....
علي المسرح ثلاث اطفال ، يعطوا الجمهور ظهرهم ، يرتدوا جميعا بيجامه كستور خضراء مقلمه !!!
البيجامات واسعه عليهم ، مثيره للضحك وكأنهم مهرجين في السيرك ، ارتدوا ملابسهم ليضحك الناس عليهم !!!!
يقف خلفهم طفل صغير ، يمسك في يده كرباج ، يضرب به الهواء ، يصدر صوتا مخيفا ، اجساد الاطفال الثلاث ترتعد !!!
نسمع اغنيه ياليله العيد انستينا ، خلفيه لمشهد الرعب الذي نراه علي المسرح ...
الطفل الصغير يرتدي بنطلون جديد وشرز احمر وحذاء لامع !!!!
يضرب الكرباج في الهواء يصدر فحيحا مخيفا !!!
كلما ارتعد بدن الاطفال ضحك بسعاده وجنون !!!
يقترب منهم ، يركب لكل منهم ذيل طويل ، يقلب علي راس كل منهم " مقطف " باذنين ، يهمس في اذنهم بكلمات لانسمعها !!!
ترتعد اجسامهم اكثر واكثر ..
ينهال علي ظهورهم بالكرباج ، ينهال علي وجوههم بالكرباج ، ينهال علي اذرعتهم بالكرباج ..
يصرخوا ويضحك ، يصرخوا اكثر واكثر ويضحكوا اكثر واكثر ...
( 14 )
يونيكورن ( 1 )
يغرق ادهم في ظلمة فراشه وبرودته ، يغرق في جب النوم المخيف الموحش ، لايرتاح في نومه بل يكمل معاركه ويبدأ التي لم تبدء ، في الحلم يصارع ويقاتل ويحارب وينتظر لحظه اليقظه ليعيش احلامه التي طالما عاشها مع عقله الباطن ، يغرق في جب النوم وتأتيه الاحلام تصارعه وتصرعه وتوجعه وتبعثره وتهدهده وتفتح له ابواب العتق من عذابات اليقظه ........... في الحلم توحد مع " يونيكورن" احتل جسده وامتطي روحه وتقمص شخصيته ، يري نفسه براس حصان وجسده وذيل اسد وقرن وحيد مسنون فوق راسه ، يحمل سيفا بتارا ، يحارب ويحارب ، يصارع ويصارع ، يقتل ويبتسم ، يقتل وينتشي ، يري نفسه قوي عنيف عنيد عتيد وحشي متوحش ، يصارع ويصارع ، يحاول الاعداء المجهولون الذين لم يري وجوهم حصاره لكنه يفلت منه ومن سهامهم ورماحهم ومن بطش سيوفهم ، " يونيكرون " في حلبه الصراع وساحه النزال وارض المعركه ، لايقوي عليه احد و.......ينتشي ادهم في الحلم ، هو انا ذلك اليونيكورن ، انا ذلك المحارب العنيد القوي ، انا من سيحقق انتصارات تضاهي انتصاراته ويقهر خصومه بهزائمهم مثلما فعل و........ يشتد الحصار ولا يستسلم اليونيكورن بل يزداد شراسه وقوه وبطش و................. ينسحب الاعداء من حوله ويتركوه وحيدا وكأنهم قبلوا هزيمتهم وانتصاره وقبلما ينتشي من نصره وهزيمتهم ، قبلما يستوعب لحظه الفرحه وفجأ ......... تتسلل لارض المعركه وساحتها الدامية ، تتسلل انثي عذراء ، يشم رائحتها ومسكها ، يصرخ مرتعدا ، الهزيمه قادمه لامحال ، يعرف نقطه ضعفه ، يعرف سبيل هزيمته ، ان لمسته تلك الانثي انهارت قوته ، لن يسمح لها تقترب منه ، سيهرب ، يسب " يونيكورن " انت السبب ايها اللعين ، ايها الكائن الاسطوري الخرافي ، انت السبب ، وقتما تلبست روحي وامتطيت جسدي وحملتني بقوتك ونقطه ضعفك ، لن تلمسيني ، يصرخ في وجه الانثي العذراء ، يصرخ ، لن اسمح لكي تقتربي مني ، يجري ادهم في ارض المعركه فارا من سطوة عذريتها وقوة براءتها وجمالها ، يجري يهرب منها ومن لعنه "يونيكورين" ونقطه ضعفه التي اورثها له ، يجري ويجري و...............يفر من ربة القمر ومن الهه الجمال ومن ايزيس ومن الحب والبراءة والعشق والانوثة ................... و....... يستيقظ وسط الظلام الدامس متلاهث الانفاس قطرات العرق البارد تبلل جسده وفراشه ، يعرف نقطه ضعفه ، الانثي التي تجتاحه ، تلمس روحه ، توهن قوته ، لن يسمح لها تكسره وتمكن الاعداء والخصوم والدنيا من روحه ومن قوته ، لن يمنحها روحه فتأسره وتمكن الاخرين من الانتصار اليه!!!ا
يفتح حدقتيه في الظلام كأنه يلتمس سبيل نجاة ، يبقيه في ارض المعركه بلا نقطه ضعف مشرع السيف قوي الروح بارد الدم يقاتل ويصارع بلا هوادة ، يفتح حدقتيه في الظلام فلايري الا امنية تأتيه بطغيان انوثتها وجمال روحها ، ينتفض قلبه بين ضلوعه ، جبارة ، تأتيه بقدميها حتي لاوحش لياليه المظلمه تتحداه ، كأنها تقول له لااكترث بهروبك ولا رفضك ولا عذابك ، انت لي وانا لك ، لمسه روحي لروحك ستبرأك ياقلبي من كل الاوجاع ، سلمني روحك ولاتقاومني !!!!
يفتح حدقتيه مرتاعا وكان الجيوش الغازيه حطمت جدران خلوته ونزلت قبره لتحيه وتميته ، لن اسمح لك ياامنيه تكسريني ، كفاي هزائم و........... يغرق في جب النوم والقلق ينهش قلبه وروحه ومخاوفه تسارع دقات قلبه وتخنق انفاسه و........... في الحلم زارته امنية ، انتفض ، ابعدي انت دلوقتي، مش وقتك خالص ، ابوس ايديك ابعدي ، انت نقطه ضعفي وانسانيتي ، مش وقتك خالص ، لازم ابقي حقير كلب متوحش ، وجودك حيلجمني حيكسرني حيقيدني ، ده مش وقتك خالص ، ابعدي ........ وبعنف ازاحها بذراعه بعيدا وصرخ فيها وفي الكون ، انا ادهم نور يادنيا وده وقتي !!! ازاحها بذراعه بعيدا فسقطت علي الارض وبكت ، انتفض خوفا عليها ، انهمرت الدموع من عينيه فازداد غضبه وجنونه ، كده ياامنيه ، كده عايزه ترجعيني انسان وبيحبك ، كده عايزه تهزميني ، كده عايزاني ابقي حبيبك وانت حبيبتي وبس ، وخلاص ، ابعدي ياامنية مش وقتك خالص ، ابعدي ، وانفجر في النحيب وهي ملقاه علي الارض امامه لم يمد يده لينقذها ...
و............. استيقظ من نومه - او هكذا خيل له - حانقا عليها !!! اشعل المصباح الصغير ، فتح خرائطه ، اخذ يحدق فيها وفي معركته الكبري ويرسم في عقله المرهق الخطط الحربيه التي ستوصله للانتصار الكبير !!! ويهز راسه مرات متلاحقه كانه يطرد منها امنية وانسانيتها ، فهذا ليس وقتها !!!!
ابعدي ياامنية ابعدددددددددددددددي !!!!ا
يغلق الخرائط وينفجر في البكاء والليل مازال طويل وموحش ومخيف !!!!!!!!!ا
ومازال اسير حلمه واسير امنية !!!
( 15 )
الرحلة
جلس امام مقود سيارته الفاخرة ، حدق في المرآة ، ابتسم معجبا بنفسه ..
قادها بسرعه ، يطلق صفافيرها مختالا باناقته واناقتها ...
هذه السياره تساوي سنوات من عمره ، عمل طويلا وادخر كل ماله ، تعذب في المواصلات ، وحلم بالحبيبه التي ترضيه ووقتما اكمل ثمنها ، اشتراها واحبها اكثر من اي شيء اخر في الدنيا ..
يقودها كل ليله طويلا قبلما يعود لمنزله ... يجوب الشوارع بسرعه ويرفع صوت الاغاني ومعها عقيرته منتشيا سعيدا
يلف في الشوارع ساعه واثنين ، يغلق تليفونه المحمول ، لايريد مكالمات تفسد سعادته ..
لن يسمح لاحد يشاركه تلك اللحظات السعيده ، انه اول الحلم واول الواقع ...
الدرجة الاولي في سلم الوجود ... لايشاركني ولن يشاركني احد فيها !!!!
ادهم نور ، من حقك يارجل تكون مثلما تحلم ، من حقك تمحو التاريخ الموجع ، من حقك تغير اتجاه الاحداث الدرامية التي غرستك وسط تفاصيلها ، نعم ، انت ابن الرجل الفقير والسيدة ذات الجلباب الاسود ، نعم انت هذا الرجل ، لكنك لم تخضع لواقعهم المرير ولم تنكسر نفسك مثلهم ولم تضع روحك مثل ارواحهم ، انت ابنهم لكنك تمردت عليهم وعلي حياتهم وواقعهم وكل تفاصيلهم !!!
بار انا بكم يااهلي ، لكني لست ابنكم ..
الابن يرث ابيه وافكاره واقعه وحياته وظيفته وجذوره ، وانا لم ارث منكم شيء ، لامنك ايها الحاج المنكسر ولا منك ايتها السيدة قليله الحيله ، انتم قانعون بحياتكم ، قانعون بما قسمته الدنيا لكم ، قانعون ببيتكم الصغير ورائحه الهواء العطن المحتجز بين جدرانه ، انتم تبحثوا عن الستر في الدينا وفوق الارض وتحت الارض ويوم العرض ، وانا ابحث عن الوجود والسعاده والقوه ، ابحث عما استحقه ، انتم اخذتم ماتستحقوه وتقووا عليه وانا ابحث عما استحقه واليق به ...
هذا الفارق بيني وبينكم وسع بيننا المسافات ، زاد الفجوات بيننا ، لست ابنكم اذا كانت البنوة تعني الخضوع لكل القيود التي ترزحوا تحت اثقالها ، بار انا بكم لكني لست ابنكم ولن اكون ...ووقتما تمنحني الدنيا كل ماارغب فيه واستحقه ، لن انكركم ، ولن اتبرء منكم ولن اقاطعكم ، سابقي بار بكم لكني لن اكون منكم مثلما انا الان ، لست منكم !!!
يلمح وهو يقود سيارته بسرعه دموع امه المعلقه بين جفنيها ويسمع تمتات ابيه وهو يفرك السبحه بين اصابعه ، يستشاط غضبا ، لاافهم ابدا لماذا لا تفهموني ... الست ابنكم وبار معكم وتحبوني ، تمنوا لي الخير والسعاده وانا اعرف اين اجد خيري وسعادتي ، لاتتمنوني مثلكم لاني لن اكون ، ادعو لي من قلوبكم لباب السما اجد ماابحث عنه ومااستحقه !!!
دعوني وشأني ....... فالماضي ملككم وقد مزقتموه ومزقتوني قد ماقويتم ، اما الحاضر فهو لي معكم وانا امزق خيوط الوصل بواقعكم وانسج خيوط الوصل باحلامي ، والمستقبل لي ولاولادي الذي ساقيهم شر عذاباتي ولن ارتكب معهم جرائمكم ولن ابعثر امانهم ولن احرمهم من كل ماحرمت منه ولم افقدهم كرامتهم مثلما حاولت معي ، المستقبل لي ولاولادي ، عظيما مشرقا كما نستحق انا وهم !!!
ويضغط بكل قوه علي بدال البنزين في سيارته الفارهه فتجري تنهب الشوارع المزدحمه ويحلق بها فوق السحاب !!!!
انها اول الحلم واول الواقع !!!!!!!!!!!
ويتذكر امنية .......... صديقتي الجميله وحشتيني ، لم اتصل بك منذ فتره ولم ارد علي مكالماتك ، يهمس في خياله وكأنها تسمعه ، يهمس بصوت اخفض ، حبيبتي ، اوحشتك ؟؟ اعرف اجابتك واعرف انك لن تقولي لي ابدا ماتحسيه وتنتظريني حتي اقول انا ، ساقول والله في يوم قريب وحتي يأتي ، انت صديقتي الجميله التي افتقدها جدا جدا .................
ويضغط علي بدال البنزين اكثر واكثر وتحلق السياره الفارهه في الشوارع اسرع واسرع !!!!!!!!!!
ومن مصر الجديده للمعادي ومن المعادي لمصر الجديده يكتب تاريخه الجديد ويمحو كل التاريخ القديم والجلباب الاسود !!!
( 16 )
اسطورة ..
يحكي ان شابا جميلا في الازمنة البعيدة ، شاهد وجهه علي سطح البحيرة فاعجب به ، تصوره امرأه جميله تداعبه من قلب الماء ، بقي كل يوم يذهب لحافة البحيرة يتأمل وجهه معجبا به ، وفي ليلة قرر يمد يده للوجه الجميل يلمسه ، تعكر الماء واختفي الوجه الجميل من سطحه ، حدق الشاب الجميل في سطح الماء وصدم لغياب الوجه الذي احبه ، بقي علي الحافه يبكي حتي مات كمدا .... مكانه علي حافه البحيرة نبتت زهره النرجس تقص للحياة مأساة المحب لذاته الذي لم يري في كل الحياه الا وجه ليعشقه !!!!ا
اغلقت امنية الكتاب وقذفت به بعيدا وقررت انها لن تقرأ في الاساطير اليونانية مرة اخري ...
امسكت هاتفها المحمول وطلبت ادهم ، تتمني يترك نفسه لها اليوم وفقط !!!
لايرد عليها .... ابتسمت ، ادهم بيحارب طواحين الهواء كالعاده ، تتمناه يصالح الدنيا ويصالح نفسه ، تتمناه يصفح عن كل من اوجعه ، ظروف حياته تغيرت وماضيه الذي يوجعه ليس الا ماضي ، عليه يعش الحاضر سعيدا راضيا عن كل ماوصل اليه ...
مازال لايرد عليها ...... اغلقت الخط واخذت تحدق في الشاشه صامته !!!
صديقها الاقرب ، ادهم ، هي التي اختارت الصداقه بينهما ، او هكذا اقنعت نفسها ، لاتقوي علي حبه او هكذا قررت ، متقلب المشاعر لدرجه تستعصي علي التحمل ، لايوجد بيننا الا الصداقه ، وافقها سعيدا ، يحبها ولايقوي علي حبها ، هي جزء من منظومه القهر التي افسدت حياته ، ليست هي بالضبط ، لكنه ابيها وتاريخ اسرتها والثراء والبيوت العريقه ، كل هذا جزء من قهره ، لو قالت له احبك لفر منها ، لايتحمل تقهره بعطاءها الفياض ، يحبها لكنها صديقته ، هكذا قرر ، صديقها وسيبقي صديقها ، هكذا قررت ، وسارت العلاقه بينهما طويلة مابين شد وجذب ، مابين اقتراب وبعد ، مابين حب وصداقه ، سارت مثلما سارت لكنها بقيت بينهما ، تربط بينهما بخيط رفيع يحرص كل منهما الا يقطعه ابدا ...
هل صدق ادهم انها اكتفت بصداقته ، هل صدقت هي ان ادهم اكتفي بصداقتها ؟؟
لم يصدق اي منهما اكاذيب الاخر ، لكن كل منهما قنع مؤقتا بما قاله الاخر ، ليس مهم من طلب الصداقه ومن قبلها ، المهم انهما الاثنين وبعد سنه واكثر من علاقه غامضه بلا تعريف جمعت بينهما كل يوم ، بعد سنه واكثر وهي تحدق في روحه تسالها اانت بقيتي ؟؟ وهو يفر من حنانها لوحشته ينتظر اتمام مهمته الرئيسيه في الحياه رافضا تفسير سلوكه وهروبه وعذابه ، بعد تلك الفتره قررا يكاشفا بعضهما برغبتهما في تلجيم مشاعرهم في اطار الصداقه !!!
الصداقه ستبقي والحب سيزول ، هكذا قرر كل منهما لنفسه قبلما يخبر الاخر ..
الصداقه امنة والحب جامح ، هكذا طمئن كل منهما نفسه مبررا عزوفه او رفضه او خوفه من حب الاخر !!!
لكن زايوس لم يقبل قرارهما ولم يكشف لهما ان كل منهما نصف الكائن الذي لن يكتمل الا بالنصف الاخر !!!
زايوس ترك لهما ساحه اللعب ليلعبا ، يهربا ويقتربا ، يتخاصما ويلتصقا ، يبكيا ويضحكا ، يتمسكا بالصداقه وهما لايشعرا الا بالحب ، زايوس ترك لهما ساحه اللعب ليلعبا ، منتظرا ادراك كل منهما بلا وحي ولا الهام ان الاخر نصفه الذي لن يكتمل الا به ، لكنهما حتي الان ، وبعد كل تلك السنوات ، مازالا يلعبا وكأنهما لايحبا بعضهما ولا يدركا ان كل منهما النصف الاخر ، وزايوس يراقب اللعبه وصبره عظيم عظيم!!!!
طلبت امنية ، ادهم مره ثانيه ، ليتك ترد علي ، ليتك اليوم فقط تترك لي نفسك ، تدخل في حضني وتبكي ، ليتك اليوم فقط تتحرر من قهر ماضيك وتعش معي لحظه واحده نفسك ، لو تركت ماضيك علي عتبه بابي ودخلت حضني ساعالج اوجاعك ، لاابغي منك قبلات ولا ممارسه للحب ولا جنس ولا غرام ، اتمني اشفيك بمشاعري التي تهتم بك من وحشه كل الايام التي اوجعتك ، تعال ياادهم!!!همست وهو لايرد عليها تتمناه يسمعها ...
عادت بخيالها للاسطورة ، من قال ان هذا الرجل كان يحب نفسه وجماله ، كان وحيدا لدرجه رهيبه لم يجد الا وجهه ليؤنسه ويبدد وحشه ايامه ، الزهره التي نبتت مكانه لم تخلق تخليدا لعشقه لذاته بل خلقت رساله ونس للبشريه ، لاتتركوا احد وحيدا لهذه الدرجه ، لاتتركوا بعضكم وحيدين فلاتجدوا الا وجوهكم تحدقوا فيها كالمجانين ، ابتسمت اعجابا بتفسيرها الجديد للاسطورة ، كلنا "نارجيس" لانجد من يؤنسنا الا وجوهنا ، نحدق فيها علنا نكتشف مالانراه في انفسنا ... كلنا " نارجيس " ياادهم ، مش العلاج انك تحب روحك اكتر العلاج انك تلاقي اللي يونس روحك !!!
طلبته للمره الاخيره ، تتمناه يرد عليها لتخبره باكتشافها الجديد ، انت لاتعشق روحك ياصديقي ، انت وحيد لدرجة مؤلمه ولاتجد الا روحك تؤنسك ، تعالي اعتقك من اسرك داخل نفسك واهون عليك !!!! لكنه لايرد عليها كالعاده وقتما يكون منشغل بنفسه لدرجه يذهب معها كل العالم للجحيم !!!ا
تتمناه يسمعها ، لكنها لاتسمع نفسها ، هو وحيد ، وهي وحيده ، هو منشغل بنفسه وهي هاربه من نفسها ، هو نصفها وهي نصفه لكنهما لايعلمان ، اه لو يعلمان !!!!ا
( 17 )
بقية المشهد الثاني من المسرحية
علي المسرح ثلاث اطفال محمد ، رضا ، بلية ، يعطوا الجمهور ظهرهم ، يرتدوا جميعا نفس البيجامه كستور خضراء مقلمه!!!
نري ادهم ينهال علي اجسادهم النحيله ضربا بالكرباج ..
يسالهم بصوت بارد ، ليه طيب ، انا ماكنتش عملت لاي حد فيكم حاجه ، وكنت مبسوط وراضي ، وكانت البيجاما الخضرا عاجباني ، ليه اتمألزقتم علي ، ليه سخرتم مني واتريقتم علي ، ليه كرهوتني في عيشتي السوده اللي باكرهها اكتر !!!
الاغنيه تعلو وتعلو .... ليله العيد بلا سعاده ..
الاطفال تبكي ، تنتحب ، يضحك ادهم وهو يضربهم بالكرباج علي ظهورهم ، يضحك ويغني ، العيد فرحه واجمل فرحه !!!!
والاغنيه تعلو وتعلو وصراخهم يعلو ويعلو و.......... ضحكاته تعلو وتعلو !!!!
...........................
وسط المتفرجين ، ثلاث رجال ينفجروا في البكاء
احدهم يتسلل من مقعده سائرا علي اربع يحاول الخروج من باب المسرح
الثاني ، يغمض عينيه ويتمني الا يعيش المشهد ، سيرجوا ادهمه يرحمه ، لكن ادهم لم يفعل ، يزيد الضرب علي ظهره ويساله ، ليه يارضا تعمل في كده ليه ، ده انت كنت بتقول اني صاحبك !!!!
الثالث ، يحاول القيام من فوق الكرسي ، لكن بنطاله ملتصق بالمقعد ، يحاول اقوي واقوي ، يتمزق البنطال رقعه ملتصقه فوق الكرسي ، لو تحرك سيري الجميع مؤخرته ، لن يفعل ، سيبقي ملتصقا بالمقعد ويري بعينيه جسده والكرباج يمزقه ، اختر يابليه ، تغادر المسرح عاريا مفضوحا اوتبقي ملتصقا بالكرسي تضرب بالسياط وتتوجع ولا تملك فكاكا !!!!ا
-----------------------------
بسيارته الفارهه زار المعلم بليه في ورشه تصليح السيارات التي يملكها
وقف امام باب الورشه يتشاجر مع المعلم ، عربيتي اتسرقت وهي عندك ياسيد الاسطوات ، سلمتها لصبيانك كامله ولما استلمتها لقيتها ناقصه ، لايمسح للمعلم يناقشه ، انا البيه صاحب العربيه وانت حيالله حته صنايعي ، بتحلف انه محصلش ازاي ، انا كداب ، العف ازاي ، اعمل ايه بحلفانك ، انت راجل مهمل ، وصبيانك بيستغفلوك ، اللي يضحك عليه الصبيان مايستحقش يكون معلم!!!!
يري ادهم بليه بالبيجاما الخضراء المقلمه واقفا امامه علي باب الورشه ، يضحك علي منظره ، بنطاله واسعه والجاكته بلا ازرار وكفوفه سوداء من الشحم والزفت والجاز ، يضحك علي منظره ولايفهم المعلم بليه مايضحك ادهم بيه الذي كان جارهم في الحي ثم غادره سنوات وعاد يصلح سيارته عنده ، تصوره يصون ايام الطفوله ولم يفهم انه عاد لينتقم !!! وكيف يفهم بليه الدوافع الشريرة لادهم بيه وهو لايتذكر طبعا انه وقتما كان طفل صغير يلعب في الشارع وفي ليله من ليالي العيد سخر منه وقهره وكسر نفسه ، لايتذكر بليه تلك الواقعه ، كان طفلا بريئا يتصرف مثل الاطفال بقسوه غير مقصوده ، لايتذكر ماحدث فلايفهم مبرر صراخ ادهم وسبه امام باب ورشته وامام صبيانه ، لايتذكر ما حدث ، لكن ادهم يتذكر كل ندبه شقتها الايام السوداء القاسيه في قلبه ، يتذكر كل ندبه ويشعر وجعها ويعرف كيف سيبرأ روحه من اوجاعها!!!!
------------------------------------
بقي طويلا يحدق في الاوراق امامه ، يتجاهل ضيفه العزيز ، رضا ، يتنحنحن ليذكره بوجوده ، يبتسم ابتسامه بارده ، ثانيه يارضا بس حاكون معاك حالا ، يرد علي التليفون ، يعود للاوراق ، تدخل السكرتيره لتذكره بميعاد اجتماع هام مع مديره ، يلملم اوراقه ويخرج مسرعا من الحجره ورضا مازال جالسا مرتبكا ، يعود له ، قول لصفاء علي اللي انت عايزه يارضا ، سكرتيرتي ماتتكسفش منها ، يرطم الباب خلفه ويغيب عن عيني رضا المرتبك ، ااقول لها ايه بس ياادهم ، قصدي ياادهم بيه ، يعرف ادهم سبب زياره رضا ، يبحث عن عمل يقبله بعدما فقد ذراعه تحت عجلات القطار ، يبحث عن عمل بعدما اعيته الحيل ، لم يذهب لادهم الا بعدما الحت عليه امه يذهب لادهم بيه ، انتم اصحاب طول العمر وعمره ماحيتأخر عليك ، مبتلا بعرق الخجل والحسره ، بذراع واحد ملقي بجواره وفجوه سوداء تحت كتفه تذكره بالالم الحارق الذي مزق اعصابه وذراعه ، لولا امه ماغرق في عرق الخجل مثلما يحدث له الان ، لولا احتياجه للعمل ليفي باحتياجات اولاده التي تعايره زوجته كل يوم بعجزه عن الوفاء بها ، ماذهب لادهم بيه وجلس امامه كالذبابه التي لاتجد من يهشها !!! و............... لملم رضا بقايا كرامته وخجله وخرج من الحجره بخطوات مبعثره ، وقف امام صفاء هانم وكاد ينطق لكن انشغالها بتليفون طويل زاد حرجه فرحل واذياله خيبته تجرجر خلفه ........
يضحك ادهم وهو يري الذيل الطويل الذي ركبه لرضا في مؤخرته فوق بنطلون البيجاما الخضراء وهو واقف يرتعد علي خشبه المسرح ، يضحك ادهم ويضحك ورضا يبكي ويبكي !!!
-----------------------------------
انت مش جدع علي فكره !!! قالها محمد بتحدي رهيب لادهم !!!
يقف محمد امام باب لجنه الامتحان ينتظر ادهم الذي خرج بعدما انتهي كل الوقت !!
انت مش جدع علي فكره ، كنت عارف كل الاجابات ومارضيتش تغششني ولا سؤال ..
ضحك ادهم ولم يرد عليه ، كنت حتخسر ايه لو غششتني ، ساعدتني يعني ، هو احنا مش اصحاب !!!
نظر له ادهم بتعالي ، لا مش اصحاب ، مش عدل اغششك ، لو مش مذاكر تسقط !!!
نظر له محمد طويلا وكاد يبكي ، رفع ادهم صوته ، اللي يغش يبقي زي الحرامي ، بياخد اللي مش من حقه ، انت ماذاكرتش تسقط !! لايصدق محمد ما يسمعه ، هل يجيب عليه ويذكره بكل افضاله وافضال اهله عليه ، تمنحه امه حضنا دافئا وقتما يضربه ابيه ، يحفظه ابيه الايات ليله امتحان الدين ، يمنحه اخيه الاكبر ملابسه وقتما يرفض الخروج من المنزل لان ملابسه باليه ولاتجد امه فائضا تشتري له به ملابس اخري ، وقف محمد مصدوم لايجد كلمات يرد بها علي ادهم !!!
يحدق فيه ادهم بغيظ ، عايز حاجه تاني ، هو يااغششك واديك مجهودي وتنجح علي قفايا يااما مانبقاش اصحاب !!! طيب ياسيدي احنا مش اصحاب و......... يتركه واقف مكانه محروق الدم لايجد كلمات يرد بها علي نداله ادهم !!!
يضحك ادهم ، ويتذكر منظر محمد وقت البسه مقطف مقلوب علي راسه علي خشبه المسرح
يضحك ادهم ، هذا اقل ما تستحقه ، عايرتني يوما بالبيجاما والحذاء البالي وتباهيت بعز ابيك التاجر الكبير وتصورتني اسير افضالكم ، كنت غبي ، كنت مقطف ، كلما تذكرت فضائلكم كرهتكم اكثر، ايام الفضل التي كنتم تعايروني بها انتهت ، اليوم انت تلميذ فاشل تحتاج للغش وانا ذاكرت ولن امنحك مجهودي ، هذا ليس فضلا ارده لك ، هذا مستقبلي الذي اريده افضل من مستقبلك ولن امنحك مجهودي لتتفوق علي ، كفاك كل ماتفوقت علي به !!! ابيك وثرائكم واخيك وامك الحانيه وملابسكم القديمه ، كفاك تفوق ، حان وقتي انا !!!
و................... تصفيق حاد من خشبه المسرح
تنطفيء اضواء المسرح ويبقي نحيب الاطفال الثلاث وصوت عواء الكرباج عاليا
ويضحك ادهم ويضحك ويضحك ...........
( 18 )
امنية
امنية .... ها ؟؟
انتبهت ان اسمها يخرج من فمه مختلفا ، انا مقدرش علي حبك !!!
ابتسمت ، كانت تنتظر تلك اللحظه وواثقه انها اتية !!!
شهور طويله نُسجت العلاقه بينهما غامضة بلا ملامح ، تفاصيل كثيره لم تفلح ترسم صوره مفهوم ، نعم يتقابلا وكثيرا ، هو غامض غريب ، لكنها منجذبه اليه ، لايقل لها اشياء كثيره عن نفسه وهي لاتساله ولا تكترث ، تحكي له كل شيء عن حياتها ماضيها وهو يصغي ، تلمح بعض انكسارات الالم في عينيه وهي تحكي عن حياتها الرغده وابيها المشهور وطنط رقيه ، لاتفهم مبرر تلك الالام لكنها لاتكف عن البوح وهو لايكف عن الاصغاء ..
يكلمها وتكلمه ، تقابله بعد العمل ويخرجا ، يفاجئها دائما باختياراته المبهرة ، تاره يخطفها في مركب شراعي صغير وقت الغروب ، وتاره يعتلي بها برج القاهره ويحتضنها بسعاده والعالم كله تحت قديمه ، تاره ينبه عليها ترتدي اانق ملابسها ويسهرا تحت سفح الهرم يسمعا لاوبرا عايده فيبكي صامتا وتراقب دموعه لاتفهم قدر المه ، وتاره يسير بها وسط الاهرامات وهو يقص عليها رغبته في الخلود والحياه الابديه ، هل كانت ساذجه او عبيطه ، هل لم تنتبه انه ابدا لم يبثها عواطفه بوضوح ، لم يقل لها انه يحبها ، او انه يتمني يتزوجها ، لم يطالبها تشاركه بقيه عمره ، لم يقاسمها اسراره الخفيه ، لم تكن ساذجه ولا عبيطه ، كانت مدركه انه يختلف عن كل من عرفتهم ، يخفي سرا دفينا لن يقوي علي الاقتراب منها بحق الا ان كشفه وهو لن يكشفه ، الالم الذي يطل من عينيه احيانا كثيره يكشف لذكاءها عن سر لاتعرفه ، سر طلسمته الايام والقت بشفرة تفسيره في البحر ومهما بذلت معه مجهودا لن يكشفه ، فلما تفعل ، تكره الهزائم ، ستنتظره ، ربما يقترب اكثر وربما لايقترب ، ربما يختفي ، لن تؤرق نفسها بالاسئله المستحيله ، هي سعيده بصحبته وهو سعيد بوجودها ، والايام بينهما ....
سبق وسالته عن ابيه ، عن البلدة التي تقيم فيها امه ولماذا لا يزورها ، نظرت له بخوف ذات يوم وقالت له انت قاسي قوي لما تفضل سنين ماتشوفش مامتك تبقي مابتعرفش تحب ، يومها لم ينطق ، لم ينفي عن نفسه التهمه ، صمته اخافها اكثر ، وراءه اسرار مخيفه وامه بطلة السر ومفتاحه !!!!
يومها عاد بيته الانيق والقي بجسده علي فراشه الوثير وادرك انه اعجز من مكاشفه امنيه باسراره ، لن تفهم ، ستفهم لكن لايرغب في كشف لثام ماضيه امامها ، كيف ستراه وقتها ، هل ستحتفظ بنظرتها له ، الرجل الانيق الوسيم مالك البيت الذي اعجبها والوظيفه التي يبذل فيها جهدا كبيرا ، ام ستراه الطفل الصغير الباكي الذي يمسك بجلباب امه الاسود ، ستتغير نظرتها له ، لن يقبل تعاليها المكتوم ، سيمزقها غضبا ، ستدخل في قائمته السوداء ، ستنضم لكل من جرحوه بمنتهي اللامبالاه ، يحبها لدرجه انه يخاف عليه من قسوته ومن ظلمه ، ربما لو كشف لها سره قالت اي كلمه بشكل عفوائي تحكم انشوطه الاعدام حول رقبتها ، لايهزر في ذلك الموضوع ولايقبل فيه استخفافا ، ربما ستقول كلمتها بغير قصد وتوجعه بغير قصد ، لكنه لن يصفح عنها ولن يقبل منها اعذارا او مبررات ، وهل كل من ذبحوه كانوا يقصدوا ، وهل كل من اهانوه كانوا يقصدوا ، وهل كل من اوجعوه كانوا يقصدوا ؟؟؟ لم يقصد احد قتله لكنه مات الف مليون مره ، وانتقامه حاضر وينتظر وقتا مناسبا ، لن يضمها لقائمه اعداءه ، عليه يبتعد عنها ويبقي اسراره دفينه قلبه ، لن اقترب اكثر ياامنيه ولن احبك ، سابتعد خطوات وساعديني ، من شده حبي لكي اخاف عليك ، ساعديني ابتعد ....
دعاها للعشاء وارتدي بذلته الانيقة ومنحها ابتسامته وهمس امنية .... اسمها يخرج من فمه مختلفا ، انا مقدرش علي حبك !!
ضحكت وتنفست الصعداء ، اخيرا نطق بما كانت تتمني تقوله ، لااقوي علي حبك لانك لاتمنحني كل نفسك ، لم تقل له العبارة التي رددتها علي مسامعها الاف المرات ، لااقوي علي حبك ، هذا قراراها لن اقوي علي حبه ، اتخذت القرار وعجزت عن اعلانه ، لكنه هو يعلنه ، مقدرش علي حبك ، لم تساله لماذا ، لم تغضب ، لم تتشاجر ، لم تبكي ، لم تصرخ لكني احبك ، لم تقل اي شيء الا جمله واحده كان يتمناها فقالتها له دون طلب ، لكن تقدر علي صداقتي ، ابتسم سعيدا لانها ذكيه ولم ترهقه باسئلتها ، تفهمه هذه السيده بقدر ماسمح لها ، اذكي من قابلهم فهونت عليه قراره الصعب ، همس ممتنا ، طبعا والحقيقه مقدرش استغني عنك ولا عن صداقتك و.... كاد يكمل ولا عن وجودك في حياتي ، لكنه صمت ، لكنه صمت البليغ اوصل لها مارغب في قوله واخرسه ، ابتسمت وخبطت كفها في كفه وهمست ، احنا حنفضل اصدقاء علي طول ، اتسعت ابتسامته اكثر واكثر ....
المياه تجري في السبل السهله ، والمشاعر بينهما تتحرك في مناطق الامان ، اوضح موقفه بسهوله وتمسك بها ، قبلت موقفه ببساطه وتمسكت به ، وصارا اعز صديقين اوهكذا قررا او هكذا ظنا !!!................
من فيهما اتخذ القرار ، من اعلنه ، الاثنين معا ، كل علي حدة اخذ القرار ، لانقوي علي هذا الحب !!! هو مرهق وهي ذكيه ، هو موحش وهي وحيدة ، هي تتمناه كله وهو يتمناها تنتظره حتي يعود لها كاملا ، هي بذكائها فهمت فراره وهو بفراره دفعها لقرارها ، علاقه شائكه ومتشابكه ، كليهما اتخذ قرار غريب ، انه لايقوي علي حب من يحبه !!! كليهما زيف مشاعره وادعي انه يكتفي من الاخر بصداقته ، كأن كل منهما ودون وعي قرر يدخر الاخر للحظه مناسبه تمكنه من حب الاخر !!!
حتي هذه اللعبه ، لعبه الصداقه بينهما ليست الا لعبه يراقبها سيد الالهه زايوس فوق ساحه اللعب ، مازال النصفين يلعبا ولم يدركا ان كل منهما نصف الاخر وشطره التائه !!!! ومازال الصبر عظيم عظيم !!!!ا
( 19 )
القائمة
اغلق باب مكتبه جيدا ، نبه علي الساع مجاهد الا يطرق عليه الباب ، اتصل بالبنك وعرف الارقام الثابته في حسابه ، احتسي رشفه كبيره من فنجان القهوة الموضوع امامه وسحب ورقه بيضاء وحدق فيها وانفجر في الضحك ...
سلامة ............ مدرس الالعاب و............ اسمين ثلاثه عشره خمسين مائه .....
كتب قائمه طويله بابطال مسرحيته ...
لايهم من مات ومن عاش ، لايهم من يعرفه ومن لايعرفه ، لايهم من يذكره ومن لايذكره ...
المهم انه يعرفهم ويذكرهم ويعرف كيف سينتقم منهم ...
خمسين مائه الف مائة الف ........... حدق في الاسماء وانفجر ضاحكا ...
لقد جننت ياادهم ، جننت فعلا ...
مائه الف اسم كتبتهم ، ورقه اثنين الف ، من اين ستأتي بالوقت الذي يكفي لكل هذه المشاهد ، من اين ستأتي بالمسرح الذي يكفي لوقوفهم معا في المشهد الاخير ، تعقل ياادهم ، تعقل واختر منهم ما يهدء روعك واترك الباقين لحالهم ، امحي من ذاكرتك وانساهم
حدق ادهم في الاوراق والاسماء وانفجر ضاحكا ....
فتح النافذه ، مزق الاوراق ، بعثرها في الهواء واشعل سيجاره الفخم واخذ منه نفس عميق وصمت تماما ...
سحب ورقه بيضاء اخري وكتب اسم واثنين وعشره ....
سلامة .......... مدرس الالعاب و.........رضا ، محمد ، بلية .......... اسم عشره مائه وقذف بالقلم بعيدا ..
اكتب ماتريده ياادهم ، ثم انتق منهم في النهايه مايكفيه وقت مسرحيتك !!!!
طرق مجاهد الباب واخبره بنية الرحيل ...
حدق في وجه بعيون زجاجية واضاف اسمه في نهايه القائمه ساخرا من غباءه ..
انا مش قلت له مايخبطش علي ، ايه الراجل الغبي ده ، نظر لاسمه في نهايه القائمه ثم شطب عليه وهو سعيد بتسامحه مع الاغبياء!!!
ومازال يقرأ الاسماء يحذف منها ويضيف اليها ..............ويبتسم فرحا بذاكرته السوداء القوية التي منحته فرصه للانقضاض علي كل من اوجعوه ليرد لهم الصاع صاعين !!!!ا
( 20 )
امنية
في السنه الاولي تاهت ... قضت سنه مع ادهم ، تقابله كل يوم وتكلمه عشرة مرات في اليوم ، تتحدث ولاتكف عن الكلام وتحكي له وهو ينصت وصامت واحيانا متألم واحيانا يرسم نصف ابتسامه علي وجه الجامد ساخرا من القسوه التي تحكي له عنها ولسان صمته يقول لها ياابنه المرفهين انك لاتعرفي القسوة ، لم تفهم وقتها سر نصف ابتسامته ، في السنه الاولي تاهت في دروبه وتفاصيل صوره ومناطق غموضه وصمته !!!
في السنه الثانيه كذبت علي نفسها ووافقته علي الصداقه عنوانا للعلاقه بينهما ... انت صديقي وانا صديقتك ، هكذا قالت لنفسها وله ، صديقي لااحبك ولااغار عليك ولا اكترث بعبثك مع اللاهيات لكني لااطيق عنك بعدا ، في السنه الثانيه بكت كثيرا وارهقت صداقته روحها ، الف مره تمنت تصرخ ارفض الصداقه المزعومه لاني احبك ، لكن كبريائها وعندها اخرساها فمنحته سلاحا يوجعها به ويريق دمائها بلا ديه وبلا عتاب ، انت صديقتي ، بل انت صديقي ، هكذا قرر ، لن يتخلص من سطوه انوثتها الا اذا رسم لها شاربا فوق الوجه الجميل والشفتين المكتنزتين ، انت صديقي ، يقص عليها عبثه مع العابثات والقبله التي اختلسها من الشفتين الرفيعتين اللاتي لايعجباه والثدي الكبير الذي القي بعينيه وسطه حين فتحت له احدي الساقطات فستانها تغريه علي ممارسه الجنس معها ، شرح لها ، صدرها كبير قوي ، لما شفته جريت ، دي تموتني ، ضحكت وهي تكاد تبكي تقول له انت اللي موتني ، هل كان يوجعها ويتمناها تنطق انها تحبه وانها زهدت لعبه الصداقه ؟؟ لو سالناه سينكر وسيقول ببراءه ليست بريئه لقد صدقتها وقتما اكتفت بصداقتي!!!!
وفي السنه الثالثه ، قررت تبعد عنه ، تعطي حياتها مساحات خاصه بعيده عن الصديق ، لكن الصديق التصق بها ، مازالت كل الاسئله مفتوحه ولم يجب عليها فاربكها اكثر مماهي مرتبكه ، ايه حكايتك ، ماعنديش حكايه ، ابوك ، ماقلت لك مات ، وليه مابتزورش والدتك ، ظروف شغلي مش سامحه ، ليه بتقول عليها والدتي ، مابتقولش ماما ، ماهم نفس المعني ، لا مش نفس المعني ، والدتي فيه بعد وماما فيها حنان ، سخر منها ، اول مره اخد بالي ، لكن حاخد بالي بعد كده واقول عليها ماما ، وانفجر ضاحكا فغشي قلبها الحزن ، شيء مايوجعه ولايبوح به ، لو تكلم لبرأ من وجعه لكنه لايتكلم !!!! امها ماتت قبلما يتسلل الوعي لعقلها لكنها تفتقد امها ، كيف لايفتقد امه التي علي قيد الحياة !!! سؤال لاتعرف اجابته ، ولو عرفت لاستراحت ، لكن من قال ان ادهم يريح احد يعرفه !!!! انه الغموض الموجع حتي الثماله !!!!
( 21 )
المسرح
وقف ادهم في الكواليس يراقب من خلف الستائر ضيوفه وجمهور عرضه الخاص ، ارسل لكل منهم دعوة خاصه والحاح بالحضور ، يعرف فضولهم ، جميعهم سيحضروا المسرحيه ، كل منهم يأتي بذكرياته التي تصور نسيان ادهم لها ، كل منهم سيأتي وكأنه لم يفعل شيئا يوجعه ، جميعهم قتلة ، يقتلوا القتيل ويمشوا في جنازته ، كل منهم ارتدي اانق ملابسه وتعطر وحضر للمسرحيه ، يتصور انه سيسير للمره المليون في جنازه ادهم ، ومن هذا الادهم الذي يعمل اي منهم له حساب ، كان طفل فقير ابن جاره فقيرة ، طفل صغير باكي في يد سيده فقيره بجلباب اسود كالح ، من هذا الذي سيعملوا له حساب ، نعم حياته تغيرت اليوم وصار يشبه البهوات ، لكنه ليس بيه ولن يكون امامهم ، ربما سينخدع البعض بهيئته الجديده ، ربما يصدق البعض تاريخه الجديد الذي كتبه علي حساب امه التي هجرها وابيه الذي انكره والحي الفقير الذي خرج منه ، لكن امامنا نحن لن يقوي يكذب ويصدق كذبه ، هكذا قال الجمهور لنفسه ، نعم من عشنا معه التاريخ وصنعناه ، امامنا سيظل الطفل الصغير الباكي الذي لايكف ابيه عن نهره ولاتكف امه عن لطشه علي وجهه وهي تجره من كفيه تستجدي عملا وخبزا وحياة....
يعرف ادهم كيف يفكروا ، انتقاهم بدقه ، كتب اسمائهم في القائمه ورتبهم حسب خستهم وسمك جلدهم ووحشيتهم وقسوتهم ، انتقاهم بالدقه ، رتب جلوسهم في مقاعد الصاله وفقا لنظام لايعرفه الا هو ، احد منهم لن يعرف جاره ، كل مجموعه عاشت معه حقبه زمنيه من حياته ، لو بعثرهم لفقدوا الفهم والاحساس ، لن يعرف مدرس الالعاب في المدرسه الابتدائية ، زميله في الجامعه الذي تباهي بسيارته الفارهه وبنطلونه المستورد وقهره امام الفتيات في الجامعه ، لن يعرف بائع الفول الذي اعتاد يلسعه علي قفاه وقتما ترسله امه ليشتري لها بقرش فول كل نهار ، لن يعرف الفتاه السمجه التي سخرت من حذائه امام بقيه زميلاتها في المدرسه الثانوي ، لن يعرف ناظر المدرسه الاعداديه الذي طالبه امام الطابور باحضار ولي امره بعدما ضبطه يسرق الكتاب الخارجي لزميله فاشاع سره وفضحه امام كل التلاميذ ، لن يعرف السيده المتعجرفه التي كانت امه تصحبه لمنزلها فتجلسه علي مقعد عالي حتي لاينزل للارض وتتركه طويلا حتي تفرغ امه من تنظيف منزلها ، لن تعرف جارتهم التي سلمت امه خطابها العاطفي ، لن تعرف الطفل السمج ابن عمته الثريه الذي اتهمه انه ياكل كثيرا وقتما يزورهم فرفع طبق الفاكهه من امامه ، هو فقط يعرف كل منهم ويعرف جريمته التي ارتكبها في حقه ، هو الذي احتفظ في ذاكرته الشريره باسمائهم وتفاصيل الوجع الذي نسجوه مصيده لروحه فسودت جوفه وصدره وخياله بدخان اسود من الماضي ، وهو الذي كتب اسمائهم في قائمته وهو الذي منحهم ادوار البطوله في مسرحيته وهو الذي وزعهم علي المقاعد غرباء لايعرفوا بعضهم البعض !!!!
وقف ادهم في الكواليس يراقب ضيوفه وجمهور العرض الخاص ، هذه السيده التخينه التي تجر في ذيلها اطفال ثلاث هي نفسها الجميله التي كتب لها خطابا يبثها عواطفه ، كانت رقيقه وكان يحبها ، كانت اجمل من عشق في خياله ، تمناها تسير معه من المدرسه للشارع الرئيسي في الحي ، تمناها تصبح بطله احلامه التي ينام علي صدرها المرمر وينفس عواطفه في شفتيها المكتنزين ، ارسل لها خطابا يبثها حبه ، تمناها ترد عليه وتبادله مشاعرها ، لكنها بمنتهي الغباء سلمت الخطاب لامه ، مازال يذكر الفضيحه التي فجرتها امه وقت وقفت امام باب البيت تنتظره عائدا من المدرسه وحين دخل الحاره الصغيره ومعه زملائه ، صرخت فيه تسخر من عواطفه ، ياسي عبد الحليم حافظ ياسي رشدي اباظه ، لم تكترث بضحك زملائه ، لم تكترث بالنظرات المتلصصه للجيران ، لم تكترث بالضحكات المكتومه التي اخترقت قلبه تأتيه من سطوح البيت المجاور ، كل هذا لم تكترث به ، وقفت تسبه وتلعنه وتلعن البطن اللي شالته وهو سايب دروسه وعامل فيها حبيب ، اهي البت طلعت مؤدبه وفضحتك ياعين امك ، بدل ماتذاكر لك كلمتين ، بدل ماتقدر ظروفنا وتشتغل بعد المدرسه ، بدل ماتبقي محترم وتراعي بنات الجيران كأنهم اخواتك ، بدل ماتراعي شيبه ابوك وكرامتي، عامل فيها صايع ومخربش وبتكتب جوابات غراميه لبنات الناس ، ياصايع ياضايع يافاسد ياتلفان ، لو فلحت ابقي تعالي طرطر علي تربتي !!!! هل ضربته امه بالقلم امام زملائه وهو عائد من المدرسه ، لايذكر ، عجيبه ياادهم كيف لاتذكر ، نعم ، بالنسبه لامه محي بعض ذكرياتها السيئه حتي يبقي لها مكانه في نفسه ، لو تذكر كل اوجاعه بسببها لانتحر او قتلها ، نعم قتلها ، واكم من شباب مراهق اهوج قتل امه علي اهون سبب ، لكنه لن يفعل ذلك ، هو يحبها لا ليس مهم يحبها ، لكنها امه فسينتقي اوجع ما وشمت به روحه ويسقطه من ذاكرته ، يكفيها الصورة الضبابيه التي لاتفارقه ، وقتما سارت بجلبابها الاسود تجره خلفها وهو يبكي وهي لاتكترث ، تلك الصوره اقامت بينها وبين حاجز لايمكن هدمه العمر كله ، لايتذكر لاين كانت تاخده ولا ماذا كانت تفعل ، لكن الصورة طغت علي كل الصور وبقيت وحدها تشكل ذكرياته عن امه ، لذا لايذكر هل ضربته ام علي وجه امام زملائه ام لم تضربه ، لايفرق القلم هنا ، لان كرامته اهينت وزملائه سخروا منه وصار ردح امه وشتيمتها النشيد القومي الملازم لوجوده في المدرسه وفي الشارع ومنحه زملائه لقب الصايع الضايع وتمنوه ينجح ليطرطر علي قبر امه وتمنوه يفشل حتي لا ينجس قبرها وصارت فضيحته بجلاجل ، كل هذا بسبب الفتاه التي كتب لها خطاب غرامي ، هي ذاتها تلك السيده المكعبره التي تجر في ذيلها صغار ثلاث ، هل انت ايتها الدميمه التي سببتي لي كل تلك الفضيحه ، كيف لم انتبه لانفك الكبير وشفتاك الرفيعتين ، نعم شفتيك رفعتين زي السطر المايل علي صفحه الكراسه ، كيف لم انتبه لرقبتك القصيره وقدميك المفلطحتين ، كيف لم انتبه للون وجهك الترابي الكالح كالدقيق المخلوط بالتراب ، هل كنت تستاهلي خطابي وعباراته المنمقه التي قضيت ليله افكر فيها علي نغمات الاغاني ، اقف في النافذه افتح صدري للهواء البارد واعود لاكتب لكي من بنات افكاري كلمات منمقة وابيات شعر وحكم ، هل كنت تستاهلي القبلات الصغيره التي لثمت بها الورقه قبلما اضعها في المظروف الازرق وارسله لكي مع احدي زميلاتك في المدرسه ، الحقيقه لاتستاهلي شيئا من كل ماحدث ، لاتستاهلي كلماتي الغراميه ولا ابيات الشعر التي ارسلتها لك ، هي المراهقه اللعينه وهرموناتها الحمقاء التي دفعتني اتغزل في دميمه مثلك ، وانا ايضا لااستاهل كل ماحدث ، مراهق كتب خطاب لمراهقه ، حدث عادي يتكرر ملايين المرات ، لكنك كنت سخيفه ومجنونة وسلمت الخطاب لامي ، وانا كنت فقير ابن فقيره لا تفهم في نفسيه الاطفال ولا رهافه المراهقين ولاكرامتي امام زملائي في المدرسه والحي ، انت سلمت الخطاب لامي وتندرتي علي عباراته مع زميلاتك ونسيتي الموضوع ، لكني لم انساه ولن انساه ، واليوم سارد لك القلم الف والصاع مليون والعين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم !!!!ا
ومازال ادهم يقف في كواليس المسرح يراقب جمهوره ومدعوووووه ويعيد ترتيب المشاهد التي سيعرضها امام اعينهم ويقتلهم مثلما قتلوه ............ ابتسم سعيدا راضيا عن نفسه وهمس البادي اظلم!!!!
ورن جرس التليفون ، فقام من مقعده الوثير وامسك السماعه بتثاقل ، فسمع صوتها ، صوت امنيه ، ارتجف قلبه بين ضلوعه واحسها كشفت ستر سفالته ، الو ، صوتها جميل ، وحشتني ، وانت ياامنية ، بصوت رتيب رد عليها ، فهمت انه مشغول ، مشغول ، جداااااااا، طيب لما تفضي كلمني ، بكره بقي لاني مشغول جدا النهارده ، اغلقت الخط ، سمع حزنا في صوتها ، سيصالحها بعدين ، امتي ، بعدين ياادهم ، لما تخلص من كل الي وراك ، و........عاد بخياله للمسرح وجمهوره وقاتليه !!!!ا ومازال يفكر في ترتيب مشاهد المسرحيه وكيف سينتقم منهم!!!!ا
( 22 )
امنية
ايه حكايه ادهم ياامنية ؟؟ ببساطه سالها ابيها عن ادهم ..
لم يعتاد يتطفل علي حياتها ولم يعتاد يتدخل في شئونها ، لكنها متعبة !!
هذا مالاحظه الاب ، ابنته العاشقه متعبه بعشقها ، شاحبه غاضبه عصبية وكأنها في معركه !!!
في الشرفه البحريه وهما يحتسيا الشاي وقت الغروب وقبلما ينزل لعيادته ، سالها ، ايه حكايه ادهم ياامنية !!
سؤال عام يسمح لها تجيبه بالطريقه التي تفضلها ..
ابتسمت بارهاق ، تنتظر السؤال ولم تعد له اجابات مسبقه ..
مشروع مش راضي يكمل وصديق متعب !!!
هكذا قالت لابيها واختصرت السنوات الاربع التي عاشتها مع ادهم ، هو مشروع عاطفي لايكتمل ، لايقتربا ولا يبتعدا ، وصديق مرهق اوجع راسها بغموضه واسراره التي تحاول بدأب شديد حل الغازها ..
اكملت لابيها الذي يصغي لكلماتها بمنتهي الانتباه ، قالي نبقي اصدقاء ، وانا وافقت علي طول ، كده اريح !!
لم يسالها لماذا ولم يسألها متي ، تركها تسترسل ، شرحت له ، ماسالتوش ليه ، هز ابيها راسه يوافقها ، احسن ياامنيه ، جايز وراه سر مش عايز حد يعرفه ، هزت راسها ، وراه مليون سر يادكتور لكن كل حاجه حتبان في ميعادها ، بتحبيه ؟؟ سالها ابيها ، بحبه لدرجه اني حافضل صديقته اللي عمرها ماتستغني عنه ولا يستغني عنها ، وده كفايه ؟؟ مبدئيا !!!
لكن انت مش مستريحه !!! عادي يادكتور مين في الدنيا مستريح !!!!
اخذها الاب في حضنه ، طول عمرك عاقله ، ضحكت ، عاقله اه ، لكن كمان مجنونه قوي لو لزم الامر ............ لو بعد عنك حيوجعك !! عمره ماحيبعد يابابا ، طيب لو اتجوز حيوجعك ، لاتنكر احاسيسها ، غالبا او احتمال ، ساعتها ابقي اقرر حاعمل ايه مانيش مستعجله علي حاجه !!!
كادت تقول لابيها انه لن يتزوج ابدا ، لن يسلم روحه للغير ، فار من الاخرين لاخر مدي ، كادت تقول لابيها انه لن يتزوج ابدا ولو فكر يوما في الزواج لن يجد غيرها تحبه وتتحمل جنونه وحمقه وتمرده واسراره الدفينه ، كانت تقول لابيها كل هذا لكنها اثرت الصمت الذي يكون كثيرا بينها وبين ابيها ابلغ من كل الكلمات !!!
( 23 )
المشهد الثالث من المسرحية
المسرح مظلم وموسيقي حالمة تنبعث من خلفيته البعيده ..
بقع ضوء تتساقط علي جنبات المسرح ، نري صاله واسعه في منزل انيق ، لوحات علي الجدران ، بيانو ابيض في الركن البعيد ، تخرج من الظلام لمقدمه المسرح سيدة انيقة بانف حاد وعيون صغيرة ، ترتدي روب حرير وشبشب وردي بفرو صغير متطاير ، النهار مازال في اوله ، جرس الباب يدق بقوة ، تتثائب وتنظر في ساعتها ، تتجه صوب الباب وتفتحه وتعطيه ظهرها ، ستدخل سعاد الخدامه وتعود هي لفراشها ، تتحرك خطوتين بعيدا عن الباب ثم تنتبه فجأ ان المشهد اليومي الذي تعرفه مختلف عن كل يوم ، سعاد تقف علي الباب ولم تدخل ، تقبض في كفها علي صغيرها الباكي ، صوت نحيبه يكسر صمت البيت الانيق بازعاج مقيت ، تلف السيده بملامح قاسيه وتحدق في وجه سعاد لاتصدق ماتراه ، فيه ايه ؟؟ ولا حاجه ياست هانم ، اصل الواد عيط وشبط في ، عيل وصعب علي ، قلت اجيبه معايا بس والختمه ماحيعمل حاجه !!! صوت ذليل تسمعه السيدة صاحبه المنزل ويسمعه ادهم الصغير ، يزداد بكاءه ، امه تكذب علي السيده ، هو لم يشبط فيها ، هي التي ايقظته من نومه وجرته مغصوبا عليه ليذهب معها لعملها ، اخرجته من تحت البطانيه المهترئه الدافئه والبسته ملابسه وسكبت سطل ماء بارد فوق راسه ، النهارده تيجي معايا الشغل ، تاكل لقمه نضيفه وجايز تصعب علي الست تديك فلوس ، وجايز لما الواد ابنها يشوفك يديك لعبه القديمه ، اهي اي مصلحه وخلاص ، الست من زمان مابعتتش حاجه لك معايا ، شكلها نسيتك ، قوم وبطل تلامه ويالا تعالي معايا ، كيف يفهم طفل صغير لايتجاوز الخامسه كل تلك الكلمات الغريبه التي تقولها امه ذات الجلباب الاسود ، كيف يفهم مبرر ايقاظه مبكرا واغراقه بالماء البارد وجره باكيا خلفها ، سار خلفها حتي تكسرت قدميه صوب الاتوبيس ، وفي زحمه الاتوبيس شم روائح تشبه رائحه كنيف المنزل تخنقه ، نزل من الاتوبيس باكيا ، لطمته امه علي وجهه ، بطل عياط وقر ، انا عايزه مصلحتك ، شندوتش مربي ، كوره مقطوعه ، قميص ومنطلون مالهمش عندهم عازه ، بطل قر ، لطمته امه بقوه فازداد بكاءه ، سارت مسرعه تجره خلفها ، دخلا الحي الراقي ، اوقفته في بير السلم ومسحت دموعه و" ملست " علي شعره لينام ، همست في اذنه ، تبقي مؤدب لاموتك ، تسمع الكلام علشان مااعلقكش في السقف ، ماتتحركش من مكانك علشان ماانسلش جسمك بالخرطوم ، اللي تقوله الست الهانم تقول عليه حاضر وبس ، فاهم يامخفي !!! لكن المخفي لم يكن فاهم اي حاجه ، كان يرغب في النوم تحت البطانيه المهترئه ، يرغب في اللعب في الحاره مع اصحابه يصرخوا بصوت عالي ويقذفوا بعضهم بالاحجار والزلط وذرات التراب ، هذه حياته التي يحبها واصحابه الذي يجد نفسه وسطهم ، اما بيت الست الهانم والادب وسطل الماء البارد فوق راسه ووجه في عز الشتا فهذا كله يكرهه جدا ...
مازلنا علي المسرح ، ومازالت السيده الانيقه تحدق في الخادمه وابنها الصغير ، تسيطر علي غضبها بصعوبه ، وده ينفع ياسعاد يعني ، تجيبي ابنك معاكي الشغل ، حيعطلك ومش حتعرفي تشتغلي منه ، تهز سعاد راسها نفيا ، ابدا والله ، حيقعد مكانه تقوليش صنم ولاحيتحرك من مكانه ، ولاحينطق ، تنظر لادهم الباكي وتزغر له ليتوقف عن البكاء ، عيل ياست هانم ومعرفتش اكسر نفسه ...يضحك ادهم من كواليس المسرح ، ضحكات غاضبه ساخره مجنونه ، تكسري نفسي ايه ياامه اكتر من كده ، حرام عليك ياامه ، منك لله !!!!ا
ترتبك امه علي المسرح وكأنها سمعت صوت ضحكاته ، تتجاهله وتكمل حديثها ، والنبي ياست هانم لحيكون مؤدب خالص ولا حيتحتح من مكانه ، السيده الانيقه مازالت غاضبه ، سعاد تقرر " تقلب " الترابيزه علي راسها ، خلاص ياست ان كان الواد مضايقك قوي ، اروح بيه واجي بكره ، سعاد تعرف ان السيدة الانيقة تنتظر ضيوفا ولن تقبل من سعاد تعود لبيتها وتترك الصالونات الانيقه " معفرة " باتربه العاصفه التي ضربت في سماء المدينه وتركت قذارتها علي الاوبيسون ومفارش الاورجنزا والفازات السيفر والمورانو .... تراجعت السيده الانيقه عن بعض غضبها ودفنت البعض الاخر ، بس حيقعد مؤدب ، ابتسم سعاد ، طبعا ياست هانم ولاحتحسي بيه ، دخلت سعاد تجرب ابنها الباكي صوب المطبخ ، حافطره بس واخرج انضف علي طول ، تأففت السيده الانيقه وكأنها تقول لها وكمان حتأكليه ؟؟ ابتسمت ابتسامه كاذبه وهمست ، بالهنا والشفا !!!
يتذكر ادهم ذلك الصباح الكئيب في حياته ، ملئت امه الطبق امامه بسندوتشات مربي وقشطه وجبنه ، همست له كل علي قد ماتقدر ، دي مربي عمر ابوك ماكلها ، لايرغب في الاكل لكنه لايقوي يقول لها ، يتمني لو تركته من يديها يتجول في المنزل الانيق الواسع ، لايصدق ان كل ماحوله ليس الا منزل يعيش فيه اطفال مثله ، من قال انهم مثله ، انهم اطفال مختلفين لان اهلهم مختلفين، هل ابن سعاد الخدامة بجلبابها الاسود مثل شريف وعاطف اولاد السيدة الانيقة صاحبه المنزل الانيق ، هل من تربوا علي المربي والقشطه مثل من يفطر ببقايا الطبيخ البايت الذي احضرته امه الخادمه من منزل مخدومتها ، هل من يذهبوا للمدرسه الاجنبية في اتوبيس انيق كمثله من يذهب المدرسه الاميري بالمريله الصفرا الكالحه ، الطينه غير العجينه ، مازال صوت امه يهمس في اذنه ، اوعي تتحرك من مكانك ، اوعي تروح هنا ولا هنا ، ماتقطعش عيشي وتخرب بيتي لاموتك من الضرب ، وقبلما تخرج امه من المطبخ دخلت السيده الانيقة واشارت لها بتأفف ، قعديه هنا ، يسير بعينيه مع اصبعها المتعالي ، مقعد عالي لو جلس عليه لن يطال الارض ، قعديه هنا علشان ماينزلش من مكانه ويعطلك ، اطاعتها امه بخضوع ومذله ، حملته واجلسته علي المقعد العالي ، انت كده باشا ، ضحكت امه تداري خجلها ، لم يضحك وخاف ، صرخ باكيا بصوت عالي ، يخاف من المقعد العالي ، اجلسته امه عليه ، قدميه لاتطالا الارض ، وضعت امامه طبق السندوتشات وهي تبتسم خجله لصاحبه المنزل ، خليهم قدامه وقت مانفسه تجيبه ياكل بالهنا ، لم ترد عليها السيده الانيقه وخرجت من المطبخ اكثر تأففا ، يبكي ويبكي ، المطبخ واسع ومظلم ولااحد يسمع بكاءه ، لايرغب في الاكل ، عايز اروح ، يهمس لنفسه ولااحد يسمعه ، عايز اروح ، يحرك ساقيه المعلقين في الهواء ويشعر رعبا ، ياامه ، ياامه ، يناديها بصوت اخرس ولاتسمعه ولا ترد عليه ...........
مازلنا نري السيدة الانيقة تتحرك علي المسرح تصدر اوامرها للخادمه ، يالا خلصي اللي وراكي ، خشي علي الصالونات الاول وبعدها تلمعي السفره ، تنزلي علي الارض وتنضفي بذمه ، يسمع ادهم في المطبخ معلقا علي المقعد العالي ،يسمع الاوامر الموجه لامه ويسمع تمتمات خضوعها ، ياامه ياامه ، يناديها ولا تأتي ولا ترد عليه ، يسمع السيده الانيقه تنبه علي اطفالها شريف وعاطف ، محدش يخش المطبخ علشان سعاد جابت ابنها معاها ، ماحدش يقرب منه جايز عيان ولا حاجه ، مالكمش دعوه بيه ، مفهوم ؟؟
يبطيء الايقاع علي المسرح ، نري خيال سعاد تتحرك تنظف الارض علي ركبتيها ، نري خيال السيده الانيقة وهي تجلس في شرفه منزلها تحرك ساقها المعلقه فوق ساقها الاخري بعصبيه وتوتر ، لانري الا ادهم معلقا فوق المقعد العالي، نراه يكلم نفسه ولانسمع صوت همسه ، نري طبق السندوتشات امامه لم يمد يده عليه ، نري دموعه تتساقط علي الارض وعلي صدره ولايمسحها ، هل تلك الملامح علي وجه خوف ، فزع ، وحده ، قهر ، لم يقل لنا وكيف يقول وهو صغير ابن خمس سنوات لم يفهم بعد الحياه وكل مشقتها ، نسمعه ينادي امه كل فتره وكأن يؤنس نفسه في وحدته والمطبخ البارد المظلم ، امه ، ياامه ، نسمعه يناديها ولااحد يرد عليه و............... يبطيء الايقاع اكثر واكثر ويكاد الجمهور ينام في المسرح ، ويزفر احدهم انفاسه الساخنه مللا ، اففففففففف ..
يبتسم ادهم في الكواليس ، افلح يحقق مايريده في جمهوره الحبيب ، هل زهقتهم ، هل زهقتم مثل الطفل الصغير المعلق علي المقعد العالي ، هل زهقتم مثله ام اكثر ، انتم كبار تفهموا معني الزهق ، لكنه صغير مرتعد لايعرف سبب عقابه معلقا علي ذلك الكرسي العالي ، هل زهقتم مثله ، هل ترغبوا في الرحيل والعوده لحياتكم الطبيعيه مثله ، هل المقاعد الملتصقه بمؤخراتكم والقيود الحديديه التي تقيد اقدامكم في ارجل الكرسي توجعكم تزعجكم تخيفكم ، هل تعرفوا الان احساسه الموجع المخيف المهين ، لستم احرار مثله تماما ، لن تعودوا لحياتكم وستبقوا مقييدين في مقاعدكم مثله بالضبط ، هل زهقتم من المشهد الطويل والموسيقي الرتيبه التي تسمعوها ، الموسيقي الرتيبه التي تخنقكم مثل الصمت الذي كان يقبض علي روحه ويرعبه !!!!
تصرخ فجأ سيدة من وسط الجمهور ، وبعدين ؟؟؟
يضحك ادهم في الكواليس ، ويكاد يقفز من خلف المسرح لمقعدها ، ياهانم انا اللي كنت حاسالك وبعدين ، لما حبستيه في المطبخ وصلبتيه علي الكرسي العالي ومنعت امه ترد عليه ، كنت حاسالك وبعدين !!! لكنه لم يفعل ، قرر يترك السيده الانيقة تشاهد باستمتاع بقيه المشهد ، علها تفهم وبشكل عملي اجابه سؤالها " وبعدين " !!!ا
ياامه ، امه ، ياامه ، امه ، ياامه ، امه و....................... ماء يسيل من بين فخذيه علي بنطاله القصير علي ارجل المقعد علي الارض ، يختلط بدموعه وبقايا كرامته ، كيف افلحتم تهينوا صغير لم يتجاوز الخامسه وتجرحوا كرامته ، يرتعد وحيدا علي مقعد عالي يخاف ينزل منه علي الارض البعيده ولو افلح ونزل دونما تكسر ساقه ولا ذراعه الي اين سيذهب ؟؟ حيتصير فين ، سؤال لم يجد له اجابه ، تصور نفسه فرافيروا ،سيقفز من فوق المقعد العالي ويجري من المطبخ البارد المظلم ويذهب لبيت الراحه ويتصير !!! لكنه لن يفعل اي شيء !!! هكذا قال لنفسه وهو يبكي وينادي امه ، عايز افك حسره ، لاتسمعه ولن تأتي ، مثانته توجعه وبطنه ايضا ، يبكي ويبكي ، عايز افك حسرة ، امه لاتسمعه ، فهي جاثيه علي ركبتيها تنضف ارجل منضده السفرة وترفع ذرات التراب عن خشبها الغالي ، عايز افك حسرة و.................... يسيل الماء من بين فخذيه ويتمني يموت ، يختبيء تحت المقعد ، يختبيء في السحارة ، اتصيرت علي روحي ياامه ، يرتعد ورائحه الصنه تملآ المطبخ ، يرتعد ويعرف مصيره ، ستمزقه امه بالخرطوم ، ستعلقه في الجانش في الصاله ، ستضربه علي فخذيه وتمزقهما مثلما كانت تفعل وقتما توقظه من نومه صباحا وتجد فراشه مبلل بدفء الليل وصنته ، ياامه ياامه ، اتصيرت علي روحي ياامه !!!
تمسك السيدة الانيقة في صاله المسرح انفها قرفا ، فجأ رائحه الصنه تنتشر في المسرح ، وكأن امطار من محطات الصرف الصحي انسكبت فوق رؤوس الحاضرين ، افففففففففف ، يحاول الجمهور الهرب من الرائحه لكن احد لايقوي علي مغادره مكانه ، يهمس شريف لاخيه عاطف ، ماهو برضه مش غلطان كان حيعمل ايه يعني ، يتذكر شريف صراخ ادهم وقتما دخلت امه المطبخ فوجدته جالسا فوق المقعد العالي وبركه البول تتسلل فوق رخام المطبخ ، يتذكر شريف صراخ ادهم وقتما انهالت امه عليه ضربا وهي تصرخ فيه لان الست حتقطع عيشها ، ياابن الفقريه يابو شخه ، تضربه وتصرخ ، وقتها دخل شريف المطبخ وشاهد ادهم يبكي وماء بوله تحت المقعد خرج متأففا وهو يضحك ، وتبعه عاطف الذي صعب عليه ادهم وتمني لو يخلصه من ايدي امه وهي تمزقه ضربا ، لكن عاطف ابن مطيع لايخالف تعليمات امه التي نبهت عليه الا يقترب من ذلك الطفل القذر ، خرج يرجوها ، حرام يامامي عماله تضربه بشكل فظيع ، الام لاتبالي بشفقه ابنها ، تكره سعاد وصغيرها القذر ، تنهر اولادها ، علي اوضكم يالا مالكوش دعوه انتم بكل اللي بيحصل ، مازال يتذكر السيده الانيقه وقت دخلت المطبخ تنهر امه وتنظر له بقرف واستعلاء ، خدي ابنك وروحي ياسعاد وانا حادفع لك اليوم برضه ، يتذكر امه التي جثت علي ركبتيها تنظف ارض المطبخ وتمسح بوله وتبكي ، يتذكرها وقت ارتدت جلبابها الاسود وحملته مبللا بقاذوراته علي كتفها ، يتذكرها وقت اصرت تاخذ معها سندوتشات المربي بالقشطه ، لفتها بورقه قديمه من جريده كانت ملقاه في الزباله ، حملته علي كتفها وبللت ملابسه جلبابها واختلطت رائحه البول بالمربي بالقشطه بدموعه وغضبها .............
يهمس عاطف لشريف ، ماانا قلت لمامي وقتها تنقذه من ايد امه المجنونه اللي نزلت فيه ضرب لكن مامي قالت مالناش دعوه، نظر له شريف باسي ، والله كان عندك حق ، اصل بجد يعني كان حيعمل ايه !!!!
سمع ادهم همس شريف وعاطف وقرر يمحو من المشهد ماكان قد كتبه لهما انتقاما بلا مبالاتهم ناحيته ، اليوم اكتشف ان عاطف اشفق عليه وتمني امه الانيقه تنقذه لكنها رفضت ، اذن المشهد كله للام الانيقة ، والبادي اظلم ياهانم !!!
ملتصقه بمقعدها ، ساقيها مقيدتين في ارجل المقعد ، رائحه الصنه تخنقها ، لكنها دون عن كل الجمهور اختصتها الامطار البوليه بقطراتها ، قطره اثنين علي كتفها علي وجهها ، هل تشعري خجلا ياهانم ؟؟ هل تشعري قرف وارتباك ياهانم ؟؟ ولسه !!!!
ارتفع مقعدها قليلا قليلا عن الارض ، ضحكت في البدايه ثم صرخت ، يرتفع المقعد اكثر واكثر عن الارض ، تصرخ وتنادي اولادها ينقذوها ، لكن ادهم اغلق الصوت فلم يسمع احد صراخها ، شاهدوها تلوح بايديها وترتفع لاعلي واعلي فظنوها سعيده واخذوا يصفقوا لها ، كل الجمهور يصفق لها ، تصرخ وتستغيث لكن احد لا يغيثها ولا ينقذها ، وترتفع اكثر واكثر فوق الارض ، ينقلها ادهم من وسط الجمهور لوسط المسرح ، يغرس مقعدها العالي وسط الصاله الانيقه ، هي عجوز انيقه يزين انفها الحاد تجاعيد السنوات التي مرت ، تنظر لها السيده الانيقه علي المسرح باستغراب ، شبابها ينظر لشيخوختها باستغراب ، فيه ايه حضرتك ، تسالها الانيقه الشابه ، تصرخ من فوق مقعدها العالي تطلب انقاذها ، لكن شبابها لايسمع صراخها ، يتركها ادهم فوق المقعد العالي كثيرا حتي تنساها السيده الانيقه الشابه ، لكن رائحه الصنه المنتشره حولها وفوق ملابسها الانيقه تخنق انفاس السيده الشابه الانيقه ، تنادي سعاد لتنضف ، لكن سعاد رحلت بابنها الباكي ، تخنق انفاسها باصبعها هربا من الرائحه النفاذه التي تتسلل من خلف اصابعها لروحها تخنقها ، قرفانه ياهانم من نفسك ولا من ايه ، ماقلت لحضرتك البادي اظلم !!!
فجأ ، تتمدد مثانه السيده العجوز ، وتمتلاء بكميات كبيره من البول ، عجوز لاتقوي علي امساك نفسها ، تصرخ ، بليز بليز نزلني ، لكن ادهم لايسمع صوتها ولا احد من الجمهور ، تتمدد المثانه اكثر واكثر والبول يزداد اكثر واكثر و................. تهطل الامطار فوق راس السيده الانيقه وفوق مفروشاتها القيمه ، فوق منضده السفره التي جثت امه علي ركبتها تنظفها ، فوق الصالون الاوبيسون ، فوق الفازات المورانو والارض الرخام ، تشهق السيده العجوز لاتصدق مايحدث فيها ، تشهق السيده الانيقه الشابه لاتصدق مايحدث فيها ، القذاره والرائحه العطنه وقطرات البول يوسخوا منزلها الانيق ، تصرخ وتنادي ، سعاد الحقيني ياسعاد ، لن تلحقك ياهانم ، سعاد خلاص بطلت خدمه في البيوت ، نضفي مطرحك بنفسك ، مش انت طردتيها هي وابنها من البيت قرفانه منهم ، نضفي انت بقي وساختك بنفسك او عيشي فيها براحتك و........................ تبكي السيده العجوز فوق مقعدها العالي وتبكي السيده الانيقه الشابه لاتصدق ماتعيشه ، الغريب ان ادهم ببراعه رهيبه افلح يجعل دموعهم قطرات من بول تزيدهم غضب وقرف وقذاره!!!!
ينفجر الجمهور في التصفيق لايصدق المشهد المسرحي البارع الذي شاهده !!!
ينفجر شريف وعاطف في البكاء ، يصدق ادهم دموعهم ، ضحايا مثله للقسوه باشكالها المختلفه !!!!
يغلق ستاره المسرح ويجري وسط السيدات الباكيات وهو يصرخ فيهن ، ايه القرف ده !!!!
ويضحك ويعود للكواليس ليجهز المشهد الجديد من مسرحيته !!!!
( نهايه الجزء الثاني ويتبع بالجزء الثالث )
هناك تعليقان (2):
يسعدنى انا اكون اول من يلق عليها ان كتباتك نهر عذب ننهل منه واكثر ما يعجبلنى هو التفاصيل الصغيره لحياه ابطالها مثل المنمات فى اللوحه الفنيه وكعادتك الحللاووه تشعرينا ابطال هذه القصه هم اصدقاؤك شكرا لك اميره
مجدي السباعي
الان فهم لماذا تضربه ، يقهرها بكلامه ، يفهم سر دموعها ، يقهرها فتقهره ودائره القهر تحكم قبضتها علي ارواحهما معا ....
الي لقاء اخير في الجزء الثالث
إرسال تعليق