مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الخميس، 9 سبتمبر 2010

متناثرات .. من كراسة مدفونه في درج سري ( الجزء الثاني )


الجزء الثاني


(11 )
العجوز الهرم
1999

مازالت الهلاوس تمزق بقايا ذاكرة العجوز .. يوسف !!!

ذراع الاخطبوط ..هذا ماكنته طوال سنوات طويلة ، ذراع الاخطبوط ..كنت انا ومعي اخرون كثيرين ، مائه ، الف ، مليون ذراع اخر ، نتحرك صوب هدف واحد ، كلنا نتحرك كل في مكانه ، لكن كلنا نتحرك معا وجسد الاخطبوط صوب هدف واحد تنعرفه .... حمايه هذا الوطن من السوس !!!
ياه ......... ياه يايوسف لو كنت تعرف ان المشوار اخرته كده ، هل كنت ابتديت ؟؟!!!
ميت مره كنت عايز اعيط ، عايز اشتم ، عايز اتخانق ، عايز اهاجر واطفش وامشي وافقد الذاكره واعيش حياتي عادي!!!
عايز اكسر الطوق اللي نبيل حطه في رقبتي واتحرر من كل حاجه !!!
ميت مره فكرت اختفي وقلت عمرهم ماحيلاقوني ، حاروح البلد اعيش هناك ، في بيت جدي في الفلاحين ، انا ابن الاكابر ولوعشت وسط الفلاحين عمرهم ماحيفتنوا علي ولا يوصلوا حد لمكاني ، حاروح اعيش في البلد وهناك استرد نفسي شويه شويه ، ايوه ، ارجع زي ماانا مش زي ماهما عايزين ......
مين هما ........ هما العيله اللي اتكتب اسمي في شجرتها بالدم ، قلت اه ، انا ذراع الاخطبوط ، واحد منكم !!!
اللي مطلوب مني بسيط جدا ، اخلي الناس تحبني وتحترمني واخليهم يحبوا البلد !!!
انا تصورتها مهمه بسيطه ، كنت شاب صغير مليان حماس ، اخلي الناس تحب البلد ، طب ماهم بيحبوها فعلا !!!
سهل قوي ... سهل و كمان يخلي الواحد فخور بنفسه ، فخور بنفسه لانه عاش وحيعيش حياه ليها قيمه ، مش عايش لنفسه بس ، عايش لصالح البلد اللي بيحبها ....
اتاريها مهمه صعبه قوي قوي ........... اخلي الناس كل الناس تحبني ، صعب لكن مش مستحيل !!!
اخليهم يحبوني من غير ماامثل عليهم ، لان الناس ذكيه وبتفهم في اللي بيمثل عليها وبيكذب !!!
لازم اخليهم يحبوني لاني استحق الحب !!!
اتاري الموضوع قصه صعبه ومعقده قووووووووي !!
انا بني ادم عادي ، او كنت !!!
بني ادم عادي ... في مميزات وفي عيوب زي كل الناس !!!
عيوبي طبعا حتخلي ناس تكرهني ، تكرهني انا واللي خلفوني !!!
لكن لو كرهوني خلاص ابقي فشلت في مهمتي !!!
ماينفعش يكرهوني ........... لازم يحبوني !!!
طبعا الحب مش بالعافيه ، لكن لازم اخليهم يحبوني بالذوق والود !!!
يادي المصيبه !!!!
ايه اللي عملته في نفسك ده يايوسف ...
المصيبه اني كنت عارف اني لو اختفيت عمرهم ماحيدورو علي ، كلب ومات ، او كلب واختفي ، ما هو انت لما تقرر تتخلي عن رسالتك محدش يدور عليك ، ماتستاهلش حد يدور عليك !!! وانا محبش ابقي كلب ومات ، طيب مش حاختفي وحاكمل اللي مفروض علي اعمله!
يتذكر كلمات نبيل ، انا مابجندكش في تنظيم سري ولا في جهاز امني ، لا حاطلب منك معلومات ولا حاطلب منك تكتب تقرير ولا تبلغ عن حد ولا تتابع حد ..
قاطعه يوسف .... امال حضرتك عايز ايه مني بالضبط
انفعل عليه نبيل .... يابني ادم افهم ، عايزك تحب البلد وتخلي الناس تحبها ، صعبه دي!!!
يتذكر يوسف صمته التام وقت ساله نبيل ذلك السؤال .... صمت وقتها لكن الان يستطيع يقول ، ايوه كانت صعبه قوي يانبيل مع كل اللي حصل وكل اللي عشناه !!!
ومازالت الهلاوس تعصف ببقايا عقل يوسف ..

( 12 )
القاهرة
1957

وسط البلد

في شقه مظلمه في بنايه قديمه في وسط البلد ، كان يجلس سعيد مهموم ، اعماله كثيره ووقته قصيره واحساسه بالذنب لايضاهيه احساس اخر ...دخل عليه رجل اخر ، حياه التحيه اللائقه ... ااقعد يا نفيس وقولي عايز ايه بسرعه ، الوقت قصير وانا مرهق ..
ابتسم نفيس .... عايز اعمل عيله كبيرة !!
نظر له الرجل نظرة تحمل مائه علامه استفهام ...
يافندم .. عايز اعمل عيلة كبيرة يكون لها وظيفه واحدة ، تخلي الناس تفضل تحب البلد ..
اعتدل الرجل وتنهد ، عايز ايه يانفيس !!!
يافندم ، شغلنا فيه مليون حاجه مهمه ، احنا بنفكر في افريقيا وفي العرب ، احنا بنفكر في الاخوان المسلمين واسرائيل ، احنا بنفكر في الجامعه وفي المصانع ، دايما حاسين ان فيه خطر لازم ننقذ البلد منه ..
وبعدين يانفيس .
انا عايز اعمل حاجه تانيه ، عيلة ، مش وظيفتها تنقذ البلد من الخطر ، وظيفتها تحمي البلد من الخطر قبل ما يقع ، اي خطر مهما كان كبير مالوش اي تاثير لو الناس بتحب البلد وبتنتمي ليها ، الناس هي اللي حتشيل البلد وتحميها في عينيها وتخرجها من ازماتها ، عايز اعمل عيلة ، ناس كتير ، في كل موقع ، في كل مكان ، احملهم رساله حب البلد ، انت انبياء ، اصحاب رسالة ، وظيفتكم وانتم عايشين حياتكم العاديه خالص ، انكم تخلوا الناس يعرفوا يحبوا البلد ، تعرفوا تخلوا الناس مهما كانت المخاطر او الصعوبات او الازمات او المشاكل ، مهما واجهوا ومهما قابلوا ، يفضلوا يحبوا البلد ويحموها !!!!
انتبه سعيد لما يقوله نفيس ... كلامه له معني كبير علي غرابته !!!
تشجع نفيس واكمل .... انا مش حاعمل تنظيم ، ولا حاجند ناس ، ولا حاخرجهم من حياتهم ، لا ... انا حاتواصل معاكم ، اكلمهم ، اقنعهم بالرساله الساميه اللي عايزيهم يعيشوا بيها ، البلد دي تستحق نحبها ونفضل نحبها ، كل البلاد مرت بازمات ومشاكل ، كل البلاد بتحارب وتغلب وتتغلب ، ظروفها الاقتصاديه تتحسن تتنيل ، تواجه مشاكل حصار حرب ، تواجه حاجات محناش عارفينها دلوقتي ، تخلي الناس تكفر بالبلد وتكرهها وتزهق منها وتبقي عايزه تطفش ، العيلة دي وظيفتها تربطهم بالبلد تخليهم يعذروها يتعاطفوا معاها يحبوها!!
صمت نفيس .. ينتظر رد فعل سعيد !!!
اشعل سعيد سيجاره وصمت طويلا ...
قصدك يانفيس ، نخليهم يحبوا الثورة ؟؟
لا يافندم ، البلد موجوده قبل الثوره وحتفضل موجوده بعدها ... الثوره حدث سياسي له مؤيديه ومعارضيه ، ناس مع وناس ضد ، انا مش عايز اعمل تنظيم سياسي له وجه نظر سياسيه ، لا العيلة بتحب البلد بصرف النظر عن السياسه ، تدافع عن الثوره لو ده حيخلي الناس تحب البلد ، وتهاجمها لو ده حيخلي الناس تحب البلد اكتر ، وانا باقصد بالحب ، الحب والانتماء والعطاء ، مش حب وبس !!!
اعجبت الفكرة الغريبه سعيد لكنه قرر يشاكس نفيس ويخرج كل ما في قلبه !!!
هما حذروني منك وقالوا عليك مجنون ، لكن ماكنتش فاهم انك مجنون للدرجه دي !! وانفجر ضاحكا !!
جامله نفيس وضحك ضحكتين واكمل ..... يافندم ، انا مجنون فعلا ، لاني بافكر بطريقه غير تقليديه ، لكن حضرتك قلت لي قبل كده انك بتكره التفكير التقليدي و.... انفجر ضاحكا ...
يافندم ، انا بحب امي ، تتخانق معايا احبها ، تخاصمني احبها ، تعاقبني احبها ، عمري ماكرهت امي ولاحاكرهها ، تغضب علي تحبني ازعل منها ازعلها ، هي امي وحتفضل امي ، لما ابوس ايدها لما اخش في حضنها تبقي الدنيا ومافيها ، انا بحب البلد زي امي واكتر والناس كلها بتحس ان البلد دي امها وحضنها وامانها ، عايز اخليهم دايما فاكرين انها امهم ، انهم امانهم ، انها سترهم ، انها حضنهم!!
نظر له سعيدا طويلا وانفجر ضاحكا .......... ده انت شاعر بقي !!!
لم يضحك نفيس .... يافندم ... انا جاني الاحساس ده امبارح ، كنت قاعد في صوان عزا ابن عم ابويا ، العيله قاعده حواليا عزوه وقوة ، العيله بتعمل كل اللي مطلوب منها من غير ماحد يقول لها حاجه او يطلب منها حاجه ، العيله عارفه اللي عيلها وبتعمله ، البلد دي ، الوطن باللغه العربية ولغه الشعراء ، محتاج شعبه يحبه بمميزاته وعيوبه ، مش يحب الثوره ولا الحكومه ولا اي حكومه جايه ، يحب الوطن ، لو حبينا الوطن عمره مايتهزم ، عمره ما يتكسر ، دايما يطلع لقدام ، زي الام اللي بتحب ابنها ، بتقعد جنبه تراعيه وتذاكر له وتسنده ، العيله حتبقي ام الوطن والوطن امها ، هي تسنده وتدافع عنه وهو يكبر بيها وبالناس اللي العيله حتخلي الوطن طول الوقت في قلبهم !!!
يسمعه سعيد بكل اهتمام ...
يشعل سعيد سيجاره وينسي اعماله الاخري ...
بص يانفيس ، كلامك غريب قوي ، دي حاجه لاحد عملها قبل كده ولا حيعملها من بعدنا
ابتسم نفيس ، سعيد تحمس للفكره ووضعها موضع التنفيذ ...
فكره جديده جدا ، لدرجه اني ااقولك ان القياده السياسيه لما حتسمع عنها حتستغرب جدا ، قاطعه نفيس ، لا يافندم ، القياده السياسيه مش حتستغرب ، القياده السياسيه حتفهم جدا احنا بنقول ايه وحتتحمس له ، احنا بنخلق للوطن عيلة تحبه مهما حصل له !!!
غاب سعيد مع دخان سيجارته ... وده يتعمل ازاي عندك فكره ، فكرت بالتفصيل يعني ولا ايه !!!
ضحك سعيد ، ايوه يافندم فكرت وحطيت تصور مبدئي ... انا عايز كل النماذج الناجحه في البلد تخش العيلة ، كل واحد منهم حينجح في موقعه وهو ابن العيله حيشرفها ، كلامه حيبقي له مصداقيه وتاثير علي الناس ، كل النماذج الناجحه المشرفه هي ولاد العيلة ، اللي عايزه منهم يفضلوا يحبوها ويحببوا الناس فيها ............... وانهمك الاثنين في حديث طويل !!!!!!!!!!

( 13 )
يوسف
1999

في مكانه المعتاد ، علي نفس المقعد ، والشمس تستعد للغروب

وصوت ام كلثوم تشدو ........ ولو كنت اقدر احب تاني احبك انت !!!
تعود اليقظه لبقايا عقل يوسف رويدا رويدا ...
تذكر نبيل والعيلة ...
سنين كتيره قوي عدت بعد المقابله اللي قلت لنبيل فيها اه
يحاول يوسف يتذكر عددهم لكنه في تلك اللحظه يفشل تماما في عد السنوات !!!
انا موافق .... كلمتين وبدأت الرحلة ...
قبلها قضيت ليله طويله افكر ، لو قلت اه يعني ايه ؟؟ ولو قلت لا يبقي ليه؟؟
فكر كويس يايوسف مجرد قرار واحد يغير حياتك للابد
مهندس متخرج من كليه الهندسه سنه 1960 باحلم بالسد العالي اشتغل فيه اسافر اسوان اكون جزء من ملحمه وطنيه!!
ومين عارف جايز اعرف عن طريق عمي احصل علي بعثه لموسكو ، ماهي البعثات كلها بتسافر موسكو ، اسافر اعمل دكتوراه وارجع اطبق العلم اللي اتعلمته هنا ، صحيح انا بكره الروس ومحدش يقولي ليه ، يمكن لان عمي وهو بيشتغل في السفاره هناك بيكرههم جدا وبيقولوا شيوعين اجلاف ، صحيح بكره الروس ، لكن مش مهم ، هما شاطرين جدا في العلم وده المهم ، والحب في القلب بقي !!
قلنا حنبني وادي احنا بنينا السد العالي .... انا واحد من اللي حيبنو السد العالي ...
وحاحب مهندسه زميلتي ونعيش في اسوان و.........ارفع راسك يااخي انتهي عهد الاستعمار !!!
لكن كل ده اتغير ..............
بحسم اوضح له نبيل ، ماينفعش تروح اسوان ... تتنفي في اخر الدنيا ... فيه في البلد ميت الف مهندس شاطر زيك واحسن لكن احنا محتاجينك هنا ..يعني يافندم ..... ؟؟ ايوه ، ماينفعش تسافر ، لاتروح اسوان ولا تروح اسكندريه ، انت ابن القاهره وعارفها وحافظها ، اهلك وناسك ومعارفك هنا ، في اسوان حتلاقي ميت واحد من العيله عاجنها وخابزها وجحا ادري بشعابه ، انت تفضل في القاهره ، القهوه اللي بتقعد عليها ، الجامع اللي بتصلي فيه ، النادي اللي ابوك عضو فيه ، زمايل المدرسه الثانوي ، جيرانك ، بيت عمتك اللي في حلوان ، بيت خالك اللي في المنيل .... انت مكانك الطبيعي القاهره ولازم تفضل فيها !!!
اول معلومه اتقالت واحسها قيد علي ....
ضحك ضحكات متتاليه ، ماهو طبعا حيبقي فيه قيود عليك ، قيود ان صوتك مش حيبقي من راسك ، حيبقي من قلبك ، وقلبك مضبوظ علي توقيتنا احنا ، مره واحده حنظبط الساعه وهي بعد كده عارفه طريقها ...
لما تبقي ابن العيله بتاعتنا ، عمرك ماتسيب مكانك ، ده خط النار بتاعك ، الجندي عمره مايسيب مكانه ويروح حته تانيه مايعرفهاش ، هو حافظ موقعه وعارفه ، لو راح حتي تانيه يبقي غريب والغريب اعمي ولو كان بصيره !!
هل لاحظ وقتها اندهاشي وترددي ..... اشرب القهوه واديني بندردش مع بعض وحاعتبر ان قرارك النهائي بعد الدردشه!!! شربت القهوه ....
مافيش اسوان ، لكن طبعا مش حتعتقل في القاهره ، حتعيش عادي زي الناس ، تروح بلدكم ، تسافر تبع شغلك هنا او هناك ، حتصيف زي كل الناس ما بتصيف ، حتصيف في الحته اللي اتعودت تصيف فيها كل سنه ، ولو غيرت مكانها تختار مكان تاني تروحه كل سنه ، تبقي عمده ، عمده في حتتك في قهوتك في مصيفك ، عمرك ماتبقي غريب ، الغريب مالوش تأثير ، الغريب عايز اللي ياخد بايديه وانت مفروض تاخد بايد الكل ..........
طار حلم اسوان والسد العالي يايوسف ، دور لك علي حلم تاني !!!! همست لنفسي !!!
ابتسم نبيل .......... وصمت ينتظر استوعب ماقاله لانبدأ دوره جديده من المناقشه !!!
يحاول يوسف معرفه كم سنه مرت علي ذلك اللقاء لكنه لا يستطيع !!!
لعن المرض وذوبان عقله ووعيه المؤقت الذي يلتهمه المرض بسرعه وقسوة !!!
هامش .................... 2
ماينفعش افضل اتكلم كلام غامض كده ، دي ماتبقاش حدودته ، ده يبقي لغز !!!
لازم افسر شويه ...
دي عيلة .... عيله كبيرة ، ويمكن كمان اكبر عيله في مصر ، عيلة اتكونت بقرار جريء من سعيد بسبب فكره مجنونه من نفيس ، عيلة كبيرة قوي ، مافيهاش نسب وستات ومين خلف ومين اتجوز ، ناس تانيه اتجوزت وخلفت والعيله دي خدت افلح العيال علي الجاهز ، مره زمان حد تصور انهم بينقوا العيال الفالحه من وهما في المدرسه الابتدائي ، بيحطوا عينهم عليهم ويتابعوهم ولما يبقوا خلاص استووا وطلبوا الاكاله يفاتحوهم !!! ده كلام مش حقيقي ، سببه بس ان اختياراتهم كلها بديعه جدا ، كل الشباب والبنات اللي دخلوا العيله يفرحوا القلب ، زينه شباب مصر ، متنقيين علي الفرازه ، ادب واخلاق ودين واصل ، عيال ذكيه وحلوه ولماحه وشاطره واهم حاجه قلبهم بجد علي البلد ......
عيلة ......... مسلمين ااقباط ، يهود كمان ، بنات رجاله ، ولاد فلاحين ولاد اقطاعيين ، عيال اتعلمت بره ورجعت ، عيال عمرها ماسابت البلد ولا تعرف تخرج منها ، علي كل لون ياباطسته ، المهم ان كلهم كشفوا دراعهم واتشرطوا وكتبوا بالدم شهاده ميلادهم الجديدة ونسبهم للعيله دي ، كل واحد وواحده كتبوا بالدم اسمهم علي الشجره وخضروا فرعهم وعاشوا العمر كله يسقوا الشجره دي بعرقهم واخلاصهم وحبهم !!!!
عيلة كبيرة ، كان بيمثلها وقت المقابله مع يوسف واحد من اذكي ولادها ، اه ماهي العيله لما سمعت عن يوسف واتحطت المعلومات بتاعه قصادها ، المعلومات اتدرست واتحللت واتفهمت ، عرفت العيله ان يوسف صعب ، شكله سهل لكن صعب ، راسه ناشفه وصوته من راسه ومالوش ممسك ، حبله علي ضهره و حر ومتمرد ، لكن لما بيؤمن بحاجه بيموت نفسه علشانها ، مين بقي اللي حيعرف يقنع يوسف يخش العيله ويتحمس لشغلها ، مافيش غير نبيل ...
ماينفعش احكي حكايه نبيل دلوقتي ، ماهي حكايه نبيل زي حكايه يوسف ، حد رشحه للعيله وحد اقنعه بيها وغير حياته كلها ...
يبقي انا باحكي عن عيله وشجرتها ..........
واللي قابل يوسف نبيل !!!
نرجع بقي لحكايه يوسف !!!


( 14 )
نبيل
1960

مجرد تليفون صغير و..... مقابله صغيرة !!!

حتقابل شاب جميل لكن متمرد قوي يانبيل !!!
ضحك نبيل وهمس لنفيس .... مين اللي بيتكلم يانفيس !!!
ابتسم نفيس وهمس ... اه التمرد ميزه كبيرة لكن لازم حد متمرد اكتر منه يعرف يخليه يقتنع ويصدق وينتمي ويدينا حياته!!!ابتسم نبيل وهو يودع نفيس ... خليها علي الله وغادره يفكر في يوسف وكيف ستكون المقابله بينهما !!!
نبيل واثق من نفسه وقوي الشخصيه وفي نفس الوقت بسيط ولطيف ، حاسم وقت مايلزم وعنيف وقت مايلزم ، لكن طيب وبيعذر الناس كلها ، هو نبيل اللي يقابل يوسف ....جابوا نبيل من اسكندريه ..... نبيل قاعد في اسكندريه ومالوش في المقابلات دي خالص عملها مرتين تلاته وقالهم ماتحطونيش في الموقف ده تاني ، قالوا له حاضر ، لكن هو كان عارف وهما عارفين انهم لو احتاجوه يجيبوه وهو كان عارف انه حيقول حاضر ، واهو اللي كان متوقع حصل ، تعالي يانبيل ، حاضر ، نبيل اسكندراني صح ، بيعشق ماريا وترابها ، روح اسكندريه كلها جواه ، من البحر الميت للقلعه من ابو القير لسيدي العجمي ، حافظها شبر شبر من الانفوشي لزيزنيا من لوران للمعموره من كامب شيزار لسان استيافنو .... لازم تيجي يانيبل تتكلم مع يوسف ، ولازم يوسف مايحسش انك اسكندراني ولازم تسيطر عليه وتقنعه ، وهي قعده واحده ولا اتنين ، لو طول عن كده ماينفعش ، يوسف متمرد وذكي ولو حس اللي بتقوله حيسلم علي طول ...
نبيل ركب الديزل وساب نبيل الاسكندراني في اسكندريه ، لبس وش القاهره ، مابيحبهاش لانها زحمه وعمره ماانتمي ليها ، لكن يوسف لازم يحس انه من حواري القاهره من الدرب الاحمر او مصر العتيقه ، لو حس انه اسكندراني دماغه حتروح لبعيد واحنا مش عايزينها تروح لبعيد ...........ركب نبيل الديزل وقام لماري مراته ، ان عنده واجب عزا في مصر وسافر ، ماري ماسالتش مين مات ، هي مااتعودتش تسال ، اللي بيقوله نبيل صح وخلاص .........

( 15 )
نجية
1972

هو يوسف بيشتغل ايه يانجية !!
ضحكت نجية وقالت لشقيقتها ... انت اتهبلتي يانجيه ، يوسف مهندس ماانت عارفه !!!
كتمت نجية وضحكها وصمتت فزوجها ابو يوسف مات من يومين وهي ترتدي ملابس الحداد وجميعهن حزاني !!!
عارفه يانجيه طبعا انه مهندس ... لكن في وقت الجنازه كنت مستغربه قوي ، ولادي قالوا لي كمان ان الناس في الصوان كانت ياما ، من كل شكل وصنف ولون ، بهوات وافنديه ، عمال بشحمهم وناس الا فرنكه ، مهندسين وغيرهم ، تصدقي استغربت وقلت اسالك جايز فيه حاجه مش عارفاها !!
نظرت لهم نجية بعتاب .... الناس بتحبه يافردوس بتحبه ، اللي ربنا يحبه يحبب فيه خلقه !!! ايه علاقه الشغل بالموضوع ، يوسف طيب وقلبه طاهر والناس بتحبه ، لما عرفوا انه ابوه مات جم يقوموا بالواجب ، ولادك بيبصوا ليوسف علي محبه الناس ليه يافردوس ؟؟؟
ارتبكت فردوس ، مش القصد يانجيه خالص ، يقطعني ، انت فهمتيني غلط !!!
هزت نجيه راسها تعجبا وتركت فردوس في الصالون وقامت ، حاروح اصحي يوسف يافردوس وانت شغلي القرأن ...
سارت نجيه في الطرقه الكبيرة تفكر ... صحيح الواد حبايبه كتير قوي ربنا يزيدهم ...
لاتعرف نجيه مالذي فعله يوسف في حياته حتي تحبه كل هذه الناس !!!
كثير من الوجوه التي جلست في الصوان منذ اول الليله لاخرها لايعرفهم يوسف ، جاملوه وشدوا علي يده بقوه وصدق ، احتضنه بعضهم ، التأثر الذي وجهه علي وجوههم ، كثيرين بقوا بجواره حتي اختتم المقريء الليله الطويله بالادعية ...وحين غادر كثير من الناس الصوان واوشكت الليله تنتهي ، التفت يوسف ليشكر الغرباء ويسالهم من انتم ، لكن احدا منهم لم يكن موجود !!!
لمعت الدموع في عينيه وتذكر نبيل !!!
اشمعني نبيل !!! لانعرف لكنه تذكر نبيل !!!!


( 16 )
يوسف
1961

ناده ابيه ، يايوسف يايوسف ، خرج من غرفته نصف نائم بالفانله الداخليه ، عمك بعت وقال خلاص ربنا يسهل قدر يلاقي لك مكان في الجامعه ، مش في موسكو بالضبط ، في كييف ، معهد دراسات الكترونيه عالي و.......... قاطعه يوسف ، خلاص يابابا انا صرفت نظر ، لم يفهم الاب ، صرفت نظر عن البعثه ، اه ، شغلي عاجبني ومش عايز اذاكر تاني !!! حدق فيه الاب يكاد يساله ، ليه يايوسف ، لكنه لم يعتاد يساله عما لا يقوله ، يعرف ابنه ، لو رغب في الشرح لشرح له مبرراته ، يايوسف ، انا حابعت جواب لعمي اشكره لكن خلاص انا صرفت نظر خالص ....

التحق يوسف بشركه مقاولات كبيره ، تقدم من ضمن الالاف للوظيفه فاختاروه ، شركه كبيره مليئه بالعمال والمهندسين ، لها مائه موقع في الجمهوريه وخارجها ، امه سعدت بتعيينه ، وابوه فكر قليلا ثم قال له ، ربنا بيحبك يايوسف ، مكانك ده يتمناه ملايين ، ومحدش بيتعين فيه الا بالواسطه ، ربنا كان واسطتك ، ابتسم يوسف ونعم بالله يابابا ......
اول مره سافر خارج القاهره سافر لاسوان ، شهرين في موقع الحفر ، ابتسم قبلما ينام ذات ليله وهمس ، انا عارف والله انك اللي بعتني هنا ، عايز تقولي اللي نفسك فيه حنعمله لك ، ماهي مش صدفه اول مره اخرج من القاهره اروح اسوان اللي كان نفسي اروحها !!
كان يعلم ان نبيل او اي نبيل من العيله توسط له او اصدر اوامره ليتعين في الشركه الكبيره وليسافر اسوان ، العيله تساعده دونما تفصح ، لكنه يحس باصابعهم تتدخل احيانا وتغير مسار عجله القياده ، تحرف سيارته يمينا او يسارا ، الكل يري مايحدث لكن لااحد يفهمه الا يوسف ، ابتسم يشكر نبيل !!! كان نفسي اشوف اسوان والسد وهو بيتبني !!! شكر نبيل واحس شوقا ليتكلم معه !!!


( 17 )
نبيل
1981

اغلقت ماري التلفزيون وانفجرت في البكاء ..
تنظر لنبيل تنتظر منه اي كلمه لكنه صامت تماما ..
لايجوز عزل الانبا شنوده ، هذا ليس منصب رسمي ولا وظيفه ، انه البابا !!
اطفأ سيجارته واحتضنها ، ترتج في حضنه ، همس ، ماتخافيش !!
التليفون لايكف عن الرنين في منزلها ، صديقاتها وبنات عمومتها ، يعرف مالذي يقولوه لها ، اغلقت السماعه ونظرت له ، تريزا مصممه تاخد بناتها وتسافر عند عمها في كندا ، الناس خايفه قوي يانبيل ، مش كفايه اللي حصل في الزاويه الحمرا واللي بنسمع عنه ، كمان البابا ، ده كتير كتير قوي!!!
نبيل غاضب ولا يتكلم ... مايحدث خطأ كبير يفسد كل عمل العيلة سنوات طويلة!!!
حين تقرر تريزا تاخذ بناتها وتهاجر لن تكون الاولي ولن تكون الاخيرة ...
انها لاتشعر بالامان ، والوطن الذي لايشعر اهله بالامان ليس بوطن ...
تذكر كلمات نفيس له ..... السوس يانبيل السوس ، السوس مابياخدش اذن علشان يفترس جسد الضحيه ، زي السرطان محدش يحس بيه الا لما ينتشر وتكون الدنيا باظت ، اضبط قلبك علي بوصلتي ، اللي تحسه سوس يبقي سوس ، انت في مكانك اكتر واحد عارف فين السوس اللي حيخوخ البلد ويخليها تنهار ، لما تحس بالسوس هاجم عليك ، صدق احساسك واتصرف واتعامل مع الموقف ، المهم ، ان الناس تفضل تحب البلد ، اي حاجه تخلي الناس تبطل تحب البلد تبقي سوس لازم تقاومه ...
مازالت التليفونات ترن بصخب في المنزل ومازالت ماري تبكي !!!
سالها ، تيجي نقعد علي البحر !!!
نظرت له لاتصدقه ... دلوقتي يانبيل ، اه دلوقتي ، البحر موجود ياماري علي طول وحيفضل موجود ، مين قال نروح له واحنا مبسوطين ، تعالي نروح نعيط هناك ، البحر زي مصر ياماري ، كان موجود وحيفضل موجود ، لما بتحصل نوة او فيضان او الموج بيعلي الناس بتخاف ، لكن بسرعه البحر بيرجع لحالته الطبيعيه تاني ، تعالي ياماري نروح نقعد علي البحر ، نشكي له همنا ، وتاكدي لما النوة حتخلص البحر حيرجع لطبيعته !! نظرت له ماري بعيون تملئها الدموع وابتسمت ، فهمت رسالته وخوفها تناقص وسيتناقص !!!
لم يكن يقصد يلقي عليها محاضرة ، لكن هذا مايحسه بالضبط في تلك اللحظه !!!
هو خائف اكثر منها ، لكنه خائف علي مصر كلها وعليها ، خائف لكنه لن يكتفي بخوفه ويصمت!!!!
البحر في سبتمبر وبدايات الخريف له شكل خاص ، ليس ازرق وليس رمادي ، يموج بالالوان ، جلس نبيل وماري يحدقا في البحر ، صامتين ، كثيرا ما يبقوا صامتين ، لايحتاجا كلمات ليتواصلا ، كان يفهم غضبها وكانت تفهم احاسيسه ، حدقا في البحر وصمتا !!!
الله يرحمك يابابا ، تذكر ابيه وقت ساله حتتجوز مسيحيه يانبيل ، ضحك نبيل ، حاتجوز مصريه يابابا بعد اذنك طبعا ، هي البنت ما تتعيبش بس مسيحيه ، ضحك نبيل ، بس مصرية ، بص يانبيل ، ماري زي فاطمه مافيش فرق بينهم كلهم مصريات بس مين اللي يفهم بقي ، ابتسم نبيل بادب ، انا فاهم يابابا كويس اللي انت بتقوله ، ضحك الاب ، بس انت مش عايش لوحدك ماري مسيحيه وده جايز يعمل مشاكل في المستقبل ، يتذكر نبيل رده علي ابيه ، مش مفروض يعمل مشاكل خالص لا دلوقتي ولا في المستقبل ، صمت ابيه احتراما لارادته وبارك زواجه من ماري !!...
تزوج نبيل ماري الانسه الرقيقه التي احبها واخذته من ذراعه ودخلت به في كل مجتمعاتها ، الكنيسه والنادي واحتفل معها بعيد القيامه وعيد الميلاد ودق بنفسه افرع القمح الجافه علي باب بيته في عيد الغطاس و........... احيانا يسال نفسه ، هل يحب ماري فعلا ام تزوجها من اجل العيلة ، تزوجها ليقول للناس جميعا مصر وطن لكل المصريين فاحبوه بصرف النظر عن ديانتكم ، هل تزوج ماري لانه يحب عينيها اللامعتين وجسدها النحيل وخصلات شعرها الكستنائيه ام لانه كانت مفتاحه لدائرة تمني لو يدخلها وكان يستحيل دخولها الا بصحبتها ... يحدق نبيل في عيني ماري اللامعتين ويشعر بالذنب من اسئلته السخيفة ، تزوجها لانه احبها وهي تستحق الحب .. لكن هاتف داخله يهمس وعلشان العيلة كمان ، يبتسم نبيل لماري التي تبادله الابتسامات الطيبه ويحدق في البحر !!!
الله يرحمك يابابا ، همس نبيل فسالته ماري ، بتقول ايه يانبيل ، ابتسم يطئمنها ، بقولك ماتخافيش !!!
يتردد في اذنه صوت نفيس ، السوس يانبيل السوس ، يتردد في اذنه كلمات ابيه ماري زي فاطمه مافيش فرق بينهم ، يهمس نبيل ولازم يفضلوا مافيش فرق بينهم وحدق في البحر وعلي وجه تصميم شديد لما سيفعله دفاعا عن كل ماري وفاطمه !!!


( 18 )
يوسف
1999

سالته ابنته ، تدخل جوه يابابا ، تعجب انه فهم سؤالها ، هز راسه نفيا !!!

يحب البلكونه والليل ... اليوم ذاكرته متقده خلافا لايام كثيره سابقه ، سينتهزها فرصه ليستمتع باجواء يحبها ويعرفها وكان نسي مذاقها مع كل شيء اخر نسيه ....
ابتسمت ابنته تحبه وتشفق عليه من ضياع عقله ، طلب منها الراديو وعلبه السجائر !!
هذا ليس ابيها المريض ، هذا ابيها الرجل القوي الجميل الذي كان !!!
قررت تعطيه علبه السجائر لاتكترث بمخاوف امها علي صحته ، لم يعد يملك وقتا طويلا لتضيع صحته اكثر ، فليستمتع بحياته وكل لحظه يقبض فيها علي عقله الفار ...
فتحت له الراديو فانطلق صوت ام كلثوم يغني ، عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يازمان ، اشعل سيجاره وابتسم لحبيبة قلبه وشكرها ، دخلت من الشرفه وجلست علي طرف الكرسي تراقبه بطرف عينها تخشي يداهمه النسيان فيؤذي نفسه !!!
يااااااه يايوسف ... كانك رجعت تلاتين سنه لورا ..
منه لله صلاح ، دخلني في لعبة عمري ماكنت اتصور اني حالعبها ..
ورقه وشقه في وسط البلد ومقابله واحده والحياه كلها تتغير ، كلها كلها تتغير !!!
ان كان علي الحب القديم ، ان كان علي الجرح القديم ، ستاير النسيان نزلت بقالها زمان .............
يااه يايوسف .... ستاير النسيان بتلفك وتاريخك وحياتك والزمان خلاص مش حيرجع !!!
تومض ذاكرته بلقطات من شريط سينمائي ، مشاهد عاشها زماااان ...
يسطع وجه نبيل بملامحه القوية في شرفه يوسف والنسيم عليل ....
ساله يوسف مستنكرا كمان موسكو لا ؟؟!! فرد عليه نبيل بحسم وطيبه ، طبعا لا !!!
اشفق عليه نبيل من القيود التي تفرضها العيله عليه لكنه لايملك له حلا ، اما يقبل القيود اما يرفض الموضوع كله ، موسكو ايه يااخ انت ، اذا بقولك اسوان لا وتفضل مكانك علي خط النار حتقولي موسكو ، طبعا لا ، انت تعرف موسكو ، سافرتها قبل كده ، اتربيت هناك ، حنعمل ايه بيك في موسكو ، حتبقي واحد تايه ماتلزمناش ، موسكو ليها ناسها ، ناس اتولدت هناك وعاشت هناك ، عارفه الخماره بتفتح للساعه كام وتعرف تصطاد بنات باللغه الروسيه ، ضحك يوسف ، بتضحك ، بس هي دي الحقيقه ، انت لو رحت موسكو حتتعمي وتبقي عايزنا نسحبك من ايدك ووقتها ما تلزمناش !!
رضخ يوسف واستغني عن اسوان وعن موسكو ، عرف نبيل وقتها من الذي يجلس معه ، شخص مستعد للعطاء بالفطره بلا صخب بلا شعارات !!
مازال صوت ام كلثوم يصدح ومازالت ذاكرته متقده ومازالت حبيبة تراقبه !!!
ايه اسعد ايام حياتك يايوسف !!!
يوم مااتعينت في الشركه ... يوم ما عرفت ان حبيبة بتحبك .... يوم ماسافرت اسوان وحسيت ان نبيل واخد باله منك ومش حيسيبك ... يوم ما عبرنا القناه في تلاته وسبعين ... يوم مااتجوزت سعاد العروسه اللي اختارتها لك امك بعد ماغلبتها وفضلت قاعد من غير جواز ، يوم ماحبيبة ودعتك وهي بتعيط لانها بتحبك ومتعذبه ببعدك ... ايه اسعد يوم في حياتك يايوسف .... يوم ما شلت حبيبة علي ذراعك وهي لسه مولوده وشفت فيها حبيبة الحبيبة ، يوم ما اتخانقت مع رئيسك البيرقراطي في العمل لانه كل قراراته متخبطه وبيكره العمال في الشركه وفي حياتهم ، يومها اتخانقت معاه خناقه كبيرة ومن غير خطب قلت له ان الشركه مش بتاعته وانها بتاعت كل الموظفين فيها وقدمت فيه شكوي لانه فصل اتنين عمال فصل تعسفي وبعدها رئيس مجلس الاداره شاله وانتصرت انت والموظفين والعمال عليه ، يومها الناس حبت الشركه اكتر وحبت الوطن اكتر وصدقوا ان الشركه بتاعتهم والبلد بتاعهم ..... ايه اسعد يوم في حياتك يايوسف ... اسعد يوم لما رفعنا العلم المصري فوق سينا بعد الجيش ماعدي ، في اليوم ده نمت نوم طويل ، اول مره تنام بعمق بعد هزيمه سبعه وستين ، في اليوم ده الاثنين اللي جواك اتوحدوا في واحد بس نام نوم عميق ، في اليوم ده ومن سنين طويل قبلها ما حسيتش بحاجه وقلت حاجه تانيه ، ماضحكتش وانت نفسك تعيط ، لا في اليوم ده ماقلتش حاجه لان الجيش عدي والعلم المصري اترفع وحب البلد انفجر في نفوس كل الناس واتوحدوا ، يومها حسيت ان ملكش لزمه وتقدر تنام بجد !!!! ده اسعد يوم في حياتك يايوسف ، اوعي تنسي !!!!
مازالت ام كلثوم تشدو ....
والنار بقت دخان ورماد ..... وبقينا بعاد بعاد والنار النار بقت دخان ورماد !!!
اسود يوم عشته يوم خمسه يونيو سبعه وستين !!
واكتر يوم وجعني يوم ماحبيبة ودعتني ومشيت وهي بتعيط !!!
باتفكر ليه وبافوق ليه ....
مازال يوسف يشرب السيجاره علي وجهه تعبيرات متناقضه !!!
ذاكرته حين تتقد وتعود اليه تاتي بالحلو والوحش ولايملك وقتها ينتقي منها ما يعجبه ويمحو ملا يعجبه !!!
طالت ليالي الالم .... واتفرقوا الاحباب اتفرقوا !!!
اه ياحبيبة !!!
ليتني لم اراك ... وكفايه بقي تعذيب وشقا ودموع في فراق ودموع في لقا ..
تعتب علي ليه انا بايديا ايه .....
اه ياحبيبة !!!
ماكانش في ايدي حاجه ، اي حاجه !!!!
وحشتيني ياحبيبة .... وتسللت الذاكره من عقله بذكرياتها كالرمال الخشنه توجعه وتتلاشي !!!!

( 19)
حبيبة
1965

اتصلت حبيبة بيوسف وطلبت تقابله !!!
حاول يتنصل من مقابلتها لكنها اصرت !!!
اربعه شهور مرت منذ اللحظه الاولي التي قابلها في منزل عمته !!!
اعجب بها لكنه قرر يبتعد عنها فكل افكارها وكلامها يستفزوه بشده ، وجودها وحديثها يدفعه دفعا لتمزيقها ، لكنه يشفق عليها ، وجودها يحرجه ، يشعره بانه ليس ابنا مخلص للعيله التي انتمي اليها ، واجبه العائليه ان يناقشها ويهزم افكارها ويمزقها لانها تهرب من الوطن الذي لاتستحق الانتماء اليه ، هذا ماهو مقتنع به ، لكن حبيبه لجمت لسانه واخرسته ، وحين خرس قرر يبعد عنها ...
حين اتصلت به للمره الاولي ، اندهش وكادت امه تزغرد من الفرحه ، اهو انت مش راضي تاخد الخطوه الاولي البنت خدتها ، البنت قمر وبنت اصول ومسافره برضه وتقدر تسافر معاها وتدرس انت كمان هناك ، انت مش كنت عايز تسافر ، يضحك يوسف ، كنت ياماما وخلاص قفقلنا الموضوع من زمان ...
تلومه امه ، يايوسف البنت قمر و عروسه جاهزه وانت معجب بيها يايوسف بطل مكابره ، لم يرد علي امه واخد السماعه وانصت لها ، انت مستغرب اني اتصلت بيك ، لا ابدا حضرتك ، نعم هو يبني سدودا بينه وبينها ، اصلي حسيت انك كنت عايز تقولي حاجه ما قولتهاش ، ضحك متوترا ، كيف احست بما تصور انه كتمه داخله ، انا مسافره بعد شهر ، عندك مانع نشرب قهوه ، في الامريكين ، اوكي ، باي!!
جلس يوسف في البلكونه يفكر ، عايزه ايه ياحبيبة ، عايزه مني ايه .....
سالته امه ، خير يايوسف ، ابتسم خير ياماما وصمت تماما ...
اربعه شهور مرت بين المقابله الاولي واليوم ، يوم المقابله الاخيرة ، حبيبه ستسافر بعد يومين ، هو فر من وداعها لكنها اصرت عليه ، وها هو سيقابلها اليوم للمره الاخيرة ، مالذي تنتظره منه ، هل تنتظره يبوح بحبها ويطلب منها الزواج ، هل ستتشاجر معه لانه ضيع الاربع شهور في صمت افقدها صوابها ...
سيقابلها ويودعها ولن ينطق !!!
تذكر نبيل ......... احس وجعا في قلبه ، مبسوط كده حضرتك ؟؟؟
تذكر صلاح ..... الله يخرب بيتك ياصلاح منك لله !! قال جملته الاخيره وضحك موجوعا !!!
ودخل الحمام لياخذ دش بارد فوق راسه الساخن !!!


( 21 )
يوسف
1999

العجوز يجلس في البلكونه يدخن سيجاره ...
النجوم تسطع في السماء والقمر صغير يجاهد ليشق لنفسه مكانا بين السحب الكثيفة ، نسمات بارده تحرك الاشجار امامه..
مثل ذلك اليوم الذي قابل فيه حبيبه لاول مره ...
جلس علي ترابيزة في الامريكين ينتظرها ، يحدق في كل انثي تدخل من الباب الزجاجي ، كانه نسي ملامحها ، يحدق في الباب حتي لاتدخل ولاينتبه لوصولها .... غاب مع افكاره ، عايزه ايه ياحبيبه عايزه مني ايه !!
انتبه وهي تقف امامه مبتسمه ...
سلمت عليه وجلست بتلقائيه شديده ، كانها تعرفه منذ الف عام
سالته وهي لاتكترث بالاجابه حقا ، استغربت لما اتصلت بيك ، عيب مايصحش مش كده ؟؟
هز راسه نفيا ، لا خالص ، الدنيا اتغيرت !!
طلب قهوه وطلبت ايس كريم
اصلي حسيت انك كنت عايز تقولي حاجه وماقولتهاش ..
وقبل ان يجيبها ، باغتته ، انت ايه رايك في الثورة واللي حصل في البلد ؟؟؟؟
وضع الجرسون القهوه فمنح يوسف ثوان يفكر فيها في الاجابه التي سيقولها لها ..
اخذ يردد كلاما يؤمن به بمنتهي الحماس عن الملك الفاسد والشعب والديمقراطية والفلاحين ...
ابتسمت وهي تسمعه ، انت بتقول كلام مش حاسه يايوسف ..
ضحك ضحكات متتاليه ... سيغازلها عابثا بالعمد ، لست انا من تتصوريه !!
بقولك ايه ياانسه ، مازال يضع الحدود وهي تكسرها ، ماتيجي نتعرف !!!
انا مسافره يايوسف بعد شهر بالكتير ومش راجعه تاني ، وماحبيتش اسافر من غير مااسمعك ، انت جواك كلام مابتقولوش وقلت جايز نفسك تلاقي حد تتطمن له فتقوله !!!
لو تملك بصرا ينفذ بين ضلوعه لشاهدت قلبه يهوي من مكانه ، هي المرأة الذكيه التي كان يتمني الارتباط بها !!
لكني لست الرجل الذي يملك امر نفسه فيرتبط بك وانت تكرهي البلد التي احبها ، ولن اضيع وقتي معك حتي تحبيها ... هكذا همس لنفسه!!
تبادلا حوارا غريبا ، كلمات متناثره ، الامر الواضح لكليهما انهما احبا اللقاء بينهما اما غير فهذا فكل ما بينهما لن يجمعهما ابدا !!
نظرت في ساعتها وقررت تنهي المقابله ، يبدو اني حسيت غلط يايوسف ، ده رقم تليفوني لو حسيت انك عايز تتكلم انا مستعده اسمع!!!
احنا اصدقاء مش كده ، سالها يوسف ، مازال يبني السدود بينهما ، ببرود هزت راسها توافقه ، طبعا !! باي يايوسف ...
اشعل العجوز سيجاره تانيه ....
وابتسم ، احبته واحبها منذ اللحظه الاولي للقاء لكن الاقدار فرقت بينهما بقوه وحسم منذ اللحظه الاولي!!!
كره العجوز ذاكرته ..
كل شيء وهن وكل شيء غاب وكل شيء تلاشي الا حبيبة !!
كان وجعها لن يبارحه الا وقتما تبارح روحه الجسد الوهن !!
اه ياحبيبة !!!


نهايه الجزء الثاني
ويتبع بالجزء الثالث

هناك تعليق واحد:

أسامة جاد يقول...

البلد موجوده قبل الثوره وحتفضل موجوده بعدها ... الثوره حدث سياسي له مؤيديه ومعارضيه ، ناس مع وناس ضد ، انا مش عايز اعمل تنظيم سياسي له وجه نظر سياسيه ، لا العيلة بتحب البلد بصرف النظر عن السياسه ، تدافع عن الثوره لو ده حيخلي الناس تحب البلد ، وتهاجمها لو ده حيخلي الناس تحب البلد اكتر ، وانا باقصد بالحب ، الحب والانتماء والعطاء ، مش حب وبس !!!
تذكرت هنا مقالة لمحمد المنسي قنديل حول مجاعة وقعت في مصر في نهايات العصر الفاطمي .. أظن أيام المستكفي أو هو المستنصر .. بلغ فيها الأمر أن البعض كانوا يخطفون الناس في الشارع من على أسطح المنازل بخطاطيف وكلاليب ليقتلوهم ويأكلوا لحومهم .. باعت امرأة عقد جواهر ثمنه ثلاثمائة ألف دينار لتشتري حفنة دقيق صنعت بها ثلاثة أرغفة وأرادت أن ترفعها للخليفة لتخبره .. ولكن الأهالي تخطفوها منها قبل وصولها .. وانتشر الطاعون نتيجة تراكم الجثث وعدم اهتمام أحد بدفنها .. وقالوا إن البلد ماتت .. قال قنديل: ثم فاض النيل .. غمر الجهات كلها .. وجرف الجثث وخصب الأرض .. وظهر الفلاحون .. من لا مكان ظهروا .. وبدأوا يغرسون الحبوب ويستنبتون الزرع كما كانوا يفعلون منذ 7000 سنة .. وعاشت مصر
مصر دائما .. أيا كان النظام الحاكم وأيا كان التوجه والأيديولوجيا .. مصر دائما يا أميرة