بير مسعود .................. فونتانا دي تريفي
الاسكندريه .......... روما
رحله التمني والامنيات !!!
الأسكندرية
( 1 )
لاتذكر من اسكندريه الا بير مسعود !!!!
كل شيء في ذاكرتها لا ينمحي ، كل شيء كانه حدث امس ، كل التفاصيل الرائحه اللون توتر الروح ارتعاشه الجسد ، كل شيء تذكره كانه مازال يحدث ..... مازالت تعيشه !!! كانت طفله صغيره تقبض امها علي كفها وتصحبها هناك .... تقف امها امام البير ، تخرج من حقيبتها عمله فضيه لامعه ، تخبرها سرها وامنيتها ، تلقيها بامل كبير ، يحقق اشباع لرغباتها في الوصول لامنياتها المؤجله !!! مازالت تتذكر امها في تلك اللحظه ، تتشاجر مع زوجها ، تبكي بصوت مكتوم ، تسحب حقيبه يدها بسرعه وتغطي راسها بايشارب حريري وتقبض علي يديها وتهرول صوب البئر ، تسير الطريق للبئر بدموع تنسال فوق وجنيتها بلا صوت ، رياح البحر العاتيه لاتقوي علي بعثره شعرها التي اعتقلته تحت ايشاربها الحرير ، حياتها مثل شعرها معتقله في سياج حريريه لكنها قابضه وخانقه !!!
( 2 )
مازالت تتذكر امها ، تنسال دموعها فوق العمله المعدنيه اللامعه التي ستستأمنها علي اسرارها وامنياتها ، بكل قوتها تلقي امها بالقطعه المعدنيه داخل البير ، بير مسعود !!! طفولتها .......... اسكندريه ،سيدي بشر ، ميامي ، الكورنيش المزدحم برواده ، الصخره الكبيره التي حولت الشاطيء لماء مغلق ، رؤوس تلمع تحت الشمس ، زحام مروع علي الرمال ، شماسي كراسي بشر كثيرين اطفال ، رمال متناثره ، مياه مالحه تقفز من البحر الكبير لعينيها ، امها لاتترك يدها ، تلعب تحت الشمسيه امام ناظريها ، تاخذها للبحر لتملأ الجردل ، تسير معها علي الشط تبحث عن بائع الفريسكا ، تظل امها امام البحر حتي يبتلع ماءه الاسود قرص الشمس الاحمر ويخيم السواد علي الدنيا ، تسحبها امها من ذراعها للبيت ، يتحمما وينزلا ثانيه ، يسيرا علي الكورنيش المظلم ، كانت تخاف البحر ، كانه وحش سيبتلعها ، كل الاطفال تخاف من ظلمه البحر وصوته الهادر ، هي مثلهم جميعا تخاف منه ، بالذات حين تسحبها امها في نهايه الليله للبير المظلم ، تقف امامه تكلمه ، ترمي نقودها فيه ، تتمني امنيات مؤجله لاتتحق ، لم تفهم ابدا مالذي تفعله امها ، لماذا ترمي النقود في البير المظلم !!!!
( 3 )
قفزت في بير مسعود ، هكذا قالت لامها التي سخرت منها ، قالت لصديقاتها اللاتي لم يصدقوها ، لم تكترث بمن صدقها ، هي تعرف انها صادقه ، نعم قفزت في بير مسعود ، قفزت فيه وخرجت منه سالمه ، في صيف قائظ ، اصابتها حمي في مقتل ، ارتفعت حراراتها اربعين ، تري الوجوه اثنين وخمسه ، تتلاعب امامها الخيالات ، يفيض منها العرق شلالات تفسد ملابسها وملاءه فراشها ، لاتعرف ليل من نهار ، تنام وتنام وحين تتصور انها استيقظت تكتشف انها كانت تحلم انها استيقظت وهي مازالت نائمه ، في احد الليالي التي طالت ، وقفت هي امام بير مسعود ، لم تكن امها معها مثلما اعتادت ، كانت وحيده ، لم تكن صغيره كماهي ، كانت اكبر ، كانت قلقه تتمني مالم يحدث ، وقفت امام البير ، ستبثه امنيتها المجهضه ، القت فيه جنيه فضي اهداه لها جدها قبل موته ، وهي تخرجه من حقيبه العيد وتلقيه كانت حزينه تكاد تمنع اصابعها تلقيه ، لكن اصابعها لاتطاوعها ، القت الجنيه الفضي في البير ، ثم تذكرت جدها وقت قبلها واعطاها الجنيه ، ستقفز خلفه ، ستنزل في الماء ، ستبحث عن الجنيه ، ستعثر عليه وتخرج مسرعه ، هكذا قررت في ثانيه ، ستقفز بملابسها بحذائها الجديد ، ستنتشل الجنيه الفضي وتخرج مسرعه .... قفزت في البير المظلم ، ارتعدت ، جسدها ساخن يموج بالحراره ، ماء البئر الراكد ارعش بدنها ، لاتعرف انها سخنه تتوجع من الحمي ، لاتعرف انها مريضه تعبه ، لاتعرف انها تحلم وان الماء البارد الذي ارعد جسدها كان في حقيقته كمادات بارده تلصقها امها بجبهتها وجسدها المحموم ، هي لاتعرف انها تحلم ، هي قفزت في البئر ، تغوص فيه وتغوص ، لاتري قاعا ، جبال من العملات الفضيه والذهبيه تسبح في الماء ، عليها اسماء وكلمات ، قبضت علي عمله منهم لم تنجح مياه البئر من افلاتها من بين اصابعها ، تري جيدا وسط ظلام المياه ووحشه الجدران ، قرش صاغ ممهور علي احد وجهيه اسم امرأه وملامح وجهها الحزين وعلي الوجه الاخر امنيه لم تطالها ، افلتته ، قبضت علي غيره اسم انسه وملامح ترقب علي وجهها الشاب وعلي الوجه الاخر امنيه تتمني تحققها .. ادركت وهي تسبح في ماء البئر ان العملات الملقاه في البئر وشمت باسماء وملامح اصحابها وامنياتهم ، في البير جبال من العملات تتكدس في القاع ، احست حزنا لان امنيات كل البشر راكده في البئر ، وهم يعيشون الوهم الخادع ، يتمنوا مايتمنوه ثم يلقوا بعملتهم وينتظروا تحقق الامنيه ، لكن العمله معلقه في حبال الماء لم تهوي للقاع ولم تحقق الامنيه ، مازالت تحلم ، ومازال جسدها سخن ومازالت مياه البئر البارده ترعشها ، اسنانها ترتطم في بعضها ، لاتفهم سر بروده تلك المياه ، وكيف تفهم ان امها تدفن راسها بماء مثلج وقطع ثلج ، هي لاتعرف ان الرعشه من الحمي ، تتمني لوحملت كل العملات الفضيه لفوهه البئر ، تعطي كل انسان عملته ، تشرح له لايملك البئر يحقق الاحلام ، جنياته الطيبه هجرته وبقي مستودعا للامنيات والعملات المعدنيه ، خزانه بنك بلا مفتاح ، تذكرت ماسمعته من شائعات ، فتيات صغيرات انتحرن في البئر ، القين بالعمله الفضيه وانتظرن تحقق الامنيه وحين طال الانتظار واستبد بهن اليأس في ذلك الوقت اليائس القت الصغيرات باجسادهم في البئر.... لكنها قفزت في البير للعثور علي الجنيه الفضي القديم ،لم تقفز يأسا!!!!
( 4 )
مازالت تتذكر تلك الليله الطويله التي قضتها ترتعش بجسدها المحموم وسط المياه البارده والجدران الملساء والليل الموحش في قاع بير مسعود ، يقول الناس ان البير مسكونه بارواح اليائسين ، تعيث فيها الاشباح والعفاريت والارواح الشريره فسادا ، لكنها هنا لاتري اشباحا او ارواحا ، فقط تري تلال من العملات المعدنيه المتراكمه طبقات فوق بعضها ومازالت تتساقط !!! ضحكت وهي تنزلق صوب القاع ، ضحكت ، ارواح اليائسين وامنيات الحالمين ، هذا هو البئر ماءه هواءه جدرانه وجوده !!!! مازالت تهبط تقترب من القاع ، مازال ترتعش واسنانها تصكك ، هل شاهدت دموع معلقه تنهمر فوق العملات المعدنيه ، هل تسمع من العملات المعدنيه نحيبا ، شكاوي ، امنيات مقهوره ، رجاء لم يتحقق ، تفتح ذراعيها تحاول الامساك بالعملات العائمه وسط الماء ، لكن العملات تهرب منها تنفلت من بين اصابعها ، لاتري الجنيه الفضي الذي اسقطته ، تتمني العثور عليه لتخرج مسرعه من تحت ذلك الماء الراكد المحبط المشبع بامنيات المحبطين التي لا تتحقق ، لكن الجنيه تواري منها ، مازالت تهبط صوب القاع ، مازالت ترتعش !!! تتمني تعثر علي عملات امها التي حملتها اسرارها وامنياتها ، نعم مالذي كانت امها تتمناه ، اين العملات المعدنيه التي تحمل اسم امها وامنياتها ، ستصل للقاع ، ستجلس بجوار تلال العملات ، ستفتش فيها ، ستنقب عن امنيات امها ، تتمني لو كان ذلك البئر يملك تحقيق الامنيات ، ربما وقت كفت امها عن البكاء ، ربما جفت دموعها واشرقت ابتسامتها الجميله التي نادرا ما تلون وجهها بالفرحه ، ربما لو جنيات البئر يملكوا تحقيق الاحلام ، لكفت امها عن البكاء ، لكن جنيات البئر تركوا البشر يلقوا باحلامهم في الماء الموحش واعطوهم ظهورهم وناموا....
( 5 )
مازالت تهبط صوب القاع ، القاع يسطع بالعملات ، محيت من عليها الرموز والنقوش والرسومات ، فقط عليها الاسماء والامنيات ، اقتربت من القاع ، اكثر اكثر ، سقطت ، شهقت ، انتفضت ، كان يد قبضت علي انفاسها ، تتعجب انها تتنفس تحت الماء ، لكنها تتنفس ، مخنوقه نعم ، رائحه الماء في انفها يقلب معدتها ، لكنها مازالت حيه لم تغرق ، جسدها يرتعش من البروده ، امها تغير الضمادات البارده ، تسكب عليها ماء اثلج ، ترتعش راسها في الحمي ويرتعش جسدها في الحلم ، جلست علي القاع اللزج العطن فوق طحالب راكده فوق القاع ، جسدها يكره ملمس تلك الطحالب الخضراء اللزجه ، تعرفها ، حين تلتف حول ساقيها في البحر بعد العواصف والامواج العاليه ، يخرج البحر علي المصيفين خيوطا من تلك الطحالب الخضراء اللزجه ، يقشعر بدنها ، كانت تفر منها وتصرخ ، لكنها الان تجلس عليها فوقها ، مازالت العملات المعدنيه تتساقط ، تلال جبال عشرات مئات الوف العملات المعدنيه تتساقط فوق راسها وهي جالسه في قاعه البير ، تسمع الامنيات ، طازجه ، مازالت ذبذباتها ترطم المياه الراكده بمعانيها ، تسمع نحيب لاتحبه ، تسمع ادعيه لاتفهمها ، امها فوق راسها وهي ترتعد محمومه تدعي ربها بشفاء الصغيره ، هاهي عمله معدنيه عليها اسم امها تسقط في حجرها ، هذه امها ملامحها فوق العمله رائحتها اسمها واسم امها ، تقلب العمله المعدنيه ، تطلب لابنتها الشفاء ، تتساءل من هي ابنتها ، امها لها ابنه واحده ، هي ، تعجبت ، هل هي مريضه للدرجه التي ترمي امها تلك الامنيه يأسا في البير ، تصرخ من تحت الماء ، لست مريضه اطمئني ، الماء يتفاعل ينفجر بذبذبات صوتها ، تحس البير يكاد ينفجر ، علي فراشها محمومه تنتفض ، تنطق كلمات غير مفهومه ، امها تزيد الثلوج علي راسها ، تدعو القدير يشفي ابنتها من الحمي التي انهكت بدنها الضعيف ، تصرخ من قاع البير تنادي امها لست مريضه ، تلقي العمله المعدنيه بعيدا ، ليست هذه العمله هي التي تتمني العثور عليها ، تتمني العثور علي كل العملات التي وقفت بعيدا وامها تقذفها في مائه ليله وليله سابقه ، النواح في البئر يزداد ، كل هذه النساء تبكي علي حافه البئر ، الا تمنحهم الحياه املا يعيشوا به بعيدا عن حافه التمني ، الا تحقق لهم الحياه امنياتهم او جزء منها فينسوا خيالات الاماني وحافه البئر المخيف ، غريبه تلك الحياه ، تعيش ابناءها في اوهام يستعذبوها ، علي حافه هذا البئر سكبت دموع حفيدات ايزيس تفيض بمائه نيل جديد ، لكنها دموع مهدره سقطت في الماء المالح وضاعت ، علي حافه هذا البئر وقفت عروسات النيل مستعدات للقفز في البئر قربانا لالهه التمني لتستجيب لاحلام وامنيات الملايين ، لكن الامنيات بقيت راكده في قاع البئر !!!
( 6 )
تبحث عن الجنيه الفضي ، تفر من الطحالب اللزجه ، تتقلب في فراشها ، تنتفض وحراره جسدها تنخفض ، يدفء جسدها في الماء المثلج في قاع البير ، تبحث عن جنيهها الفضي ، تبحث عن عملات امها وامنياتها ، شعاع نور ينسكب من فوهه البئر لقاعه ، الشمس تشرق ، اشعتها تخترق الماء العميق ، تسقط علي تلال العملات المعدنيه في القاع ، تسطع ، تري كل الاسماء كل الامنيات كل الوجوه واضحه جليه ، هذه امها ، مالذي تتمناه من البئر والهته وجنياته الطيبه ، لماذا لاتعرف تقرا امنيات امها ، كل الامنيات واضحه كل عبارات الرجاء والتوسل والتمني صريحه تكشف عن عذابات اليائسات والتي انتهي بهن المطاف علي فوهه البئر ، الشمس توقظ جنيات البئر ، ينظف العملات المعدنيه ، ينظمن الامنيات ، هذه ستتحقق قريبا هذه لن تتحقق ابدا ، جنيات البئر لايدعين قدره او قوه او سحر ، انهم يعرفن مالذي سيحدث ، لكنه عاجزات عن تغيير مسار الاحداث التي ستحدث ستحدث ، وجه امها يبكي علي جدران البئر ، امنياتها القديمه ابدا لن تتحقق ، رجائها بشفاء الابنه تحقق فعلا والابنه شفيت ، هكذا قالت الجنيات ، تكلمن اليها ، سالوها لماذا تقبع في القاع ، بحثوا معها عن الجنيه الفضي ، دفنوه بين اصابعها و اوصوها تقبض علي بقوه ، وقفت تترنح من اثار الحمي وانخفاض الحراره ، تحس نفسها ستسقط ، تسندها امها ، لا تسندها الجنيات ، يدفعن بها لفوهه البئر ، تسبح بسرعه لاعلي والعملات المعدنيه المتساقطه علي راسها توجعها ، تبكي ، لاتهدرن احلامكم امام البئر هو عاجز عن تحقيق اي شيء ، جنياته لايملكن شيئا لكن ، تبكي ، لكن المعذبات بالشوق والموجوعات بالامل الذي لا يتحقق واليأسات يتمنين الموت بين احضان الحبيب ، كل هؤلاء النسوه يقفن علي فوهه البئر يسرن للعملات بامنياتهن ويقذفوها بمنتهي القوه !!!
( 7 )
العملات تتساقط علي راسها توجعها ، تترنح امام فراشها ، الصداع يدق في عروقها وجعا صافيا ، الحراره التي ارتفعت ثم انخفضت كسرت راسها مثل العملات المعدنيه التي تتساقط عليها ، وهي في رحله الصعود من القاع للقمه قررت الا تتمني الا ماتقوي عليه ، قررت ان الامنيات وهم كاذب ، البئر وجنياته لن يصغن مصيرها لن يصنعن حياتها لن يغيرن مسارات وجودها ، لن تقذف ابدا عمله فضيه تمنحها املا كاذب ، قررت ان التمني وهم ولن تلجأ اليه ابدا ، الحمي تنسحب من جسدها والارتعاشه تتوقف ، تقف ولا تترنح ، الشمس التي دخلت من شرفه غرفتها تضايقها لاتعرف كيف تفتح عيناها المغروزتين في الرأس المفتته بالصداع ، الامنيه الوحيده التي تمنتها امها في حلمها تحققت خارج الحلم ، فتحت عيناها علي فوهه البئر ، نساء كثيرات متشحات بالسواد ينتظروها ، تنهمر علي راسها الاسئله مثل المطارق ، لعنه الله علي الصداع ، هل ستتحقق امنياتنا !!!! تغلق عيناها تكره الشمس تحس غثيان ورغبه في القيء ، تنهمر دموعها في حضن امها ، تفتح كفها ، تقبض علي الجنيه الفضي ،لم تكن تحلم ، كانت في البئر فعلا ، سالت امها بصوت وهن ، كنت بتتمني ايه ، قبضت عليها امها في حضنها ، سلامتك ، هزت راسها لاتعجبها الاجابه ، قبل كده بصوت اضعف همست ، احتضنتها امها بقوه وصمتت ....
( 8 )
انتهي الصيف وبعده صيف وصيف عاشت ربيع وخريف وشتاء وصيف وصيف ، ورحل ابيها ونسيت امها البئر والامنيات وتعافت وكبرت وتاهت في دروب الحياه !!!! لكن الليله التي قبعت فيها في قاع البئر لم تغادر راسها ابدا ، تبحث في الشوارع عن الوجوه التي وشمت بها جدران البئر وعملاته ، تبحث في كل الاصوات التي تسمعها عن اصوات الامنيات ، تطالب حفيدات ايزيس بالابتعاد عن فوهه البئر ، لاتضيعين دموعكم هباء ، تصرخ في عرائس النيل ابتعدن عن فوهه البئر فالبئر خالي لاتسكنه الهه التمني ، عاشت في الحياه بواقعيه شديده تغضب من الامنيات المستعصيه والتمني اليأئس ، تسخر من حاله الانتظار والوهم ، الامنيات تتحقق بارادتنا !!! هكذا امنت !!!!
( 9 )
حين مرضت امها ، عجزت عن تقبل حقيقه اقتراب رحيلها ، دعت للرب يشفيها لكن عمرها اوشكت ايامه علي الانتهاء والرب لن يغير القدر والاجل استجابه لدعائها ، عاجزه يائسه ، تقترب من امها من جسدها الوهن من انفاسها الضعيفه المتباعده من عينيها المغلقتين ارهاقا ، تقترب منها تسالها الصمود والتشبث بالحياه ، لكن امها زهدت الحياه التي ارهقتها ولم تحقق امنياتها ، امها ترغب في الرحيل الي البراح حيث الرحمه اساس الوجود ، تسال امها مقاومه الموت والفرار منه ، لكن امها تستعذب الفرار من العالم الموجع ، فجأ تذكرت بير مسعود ستذهب بالجنيه الفضي تلقيه في البئر تتمني عمرا مديدا لامها ، سخرت من الفكره ، لكنها نفذتها ، في جنح الليل تسللت للبئر ، تركت امها تنام علي فراشها وخرجت ، قبضت علي الجنيه الفضي ، باحت له باحزانها تتمني لامها عمرا اطول ، لاتعرف حتي متي ، لكن لاترغب في رحيلها الان ، مازالت تبحث عن حضنها وقت الوحشه ، مازالت تبحث عن كفها وقت الحيره ، مازالت تبحث عن حنانها وقت الجحود ، كيف ستعيش وحيده بلا ام في ايام موحشه !!! قبضت علي الجنيه الفضي وكادت تقفز معه لقاع البئر ، لاتخاف البئر ولا ظلمته ، قضت فيه ليله طويله ، امنح امي عمرا اطول ، غطس الجنيه الفضي في الماء ، كانه ينظر لها ، كانه يبتسم ، لاكانه يبكي ، لامت نفسها علي الوهم الذي قبلت تعيش فيه ، لكن امها تستحق بعض الوهم ، تستحق كثير من الامنيات ... اعطت البير ظهرها وغادرته عائده لامها تنتظر تحقق امنيتها ، لكن رياح الموت استقبلتها علي البوابه العتيقه للمنزل ، رياح البحر تطرق في ليله شتويه البوابه العتيقه ترجها ورياح الموت تخرج بروح امها سعيده محرره ، قبلتها امها علي بوابه المنزل ورحلت للبراح ، حين دخلت حجره امها كان الجسد المسجي يرقد فوق فراشه ساكن بلا روح ، احتضنت الجثه ، لكنها خافت ، كانها سمعتها تهمس ، لاتحزني ، انهمرت دموعها ، هل تثمر الجثث ورودا ، مالها تتصور ان جثه امها تحولت لحوض زرع اخضر تنبعت منه رائحه الرياحين المغروسه في الجسد ، انهمرت دموعها تروي ورود المحبه ، جثه امها تبتسم سعيده ، راضيه بالرحيل ، اخيرا امنيتها تحققت ، تقبض علي كفها ، اصابعها متيبسه مغلقه ، تفتحها ، تعثر علي الجنيه الفضي ، تبكي بقوه ، لماذا ياامي ابطلت امنيتي ، لماذا سرقت العمله الفضيه من جنيات البئر ، لماذا لم تمنحيني وهم الرجاء وامل الانتظار ، الجثه مازالت تثمر ورودا ، اخذت الجنيه الفضي واقسمت الا تشتري به ابدا بعد ذلك اليوم اوهام التمني !!!
( 10 )
رحلت الام والصيف .....
رحل الحنان ....
لملمت ملابسها وكتبها وذكرياتها ورحلت !!!!!!!!!!!!!
مازال بير مسعود يبتلهم الاوهام والامنيات والرجاء اليائس ، مازالت العملات المعدنيه تتساقط في قاع البئر ، مازالت الجنيات في قاع البئر تنام طيله الليل تستيقظ علي دغدغات اشعه الشمس ....
كل شيء مازال علي حاله الا هي .... !!!!
روما
( 1 )
لاتذكر من روما الا فونتانا دي تريفي !!!! لم تزر روما ابدا ، طافت اوربا الا روما ، كرهت لندن وعشقت فينا ، لم تتعرف علي باريس وحين تعرفت علي ميونخ فرت منها ، لم تفهم موسكو ولم تطمئن لجينيف ، طارت فوق الخرائط والمطارات !!! الا روما !!! لم تزر روما ابدا .... لم تعرف لماذا لم تزرها !!! لماذا لم تسعي اليها !!!! لاتعرف !!!
( 2)
حتي ذلك اليوم ، ستسافر لتونس عبر روما ، لم تجد مكان علي الطائره المتجهه لتونس ، عليها تكون في تونس في اليوم التالي علي الاكثر ، ستحضر عرس احدي صديقاتها ، اللعنه كل اللعنه علي الطائرات ، ستذهب لتونس عبر روما ، ستبقي في روما تسعه ساعات حتي تاخد الطائره لتونس ، لاتملك اختيار ، انصاعت لقهر الخطوط التونسيه التي لن تحلق من مطار روما الا بعد تسعه ساعات من وصولها ، اعدت نفسها لقضاء الساعات الطويله في الترانزيت ، كتاب وموسيقي وذكريات تستديعها تؤنسها ، نامت طيله الرحله ، مازالت تحلم بامها ، كانها ذهبت للمطار تودعها ، امها رحلت عن العالم وبقيت في عالمها ، معها طيله الوقت ، تنشط ذاكرتها ، تسرد عليها حكايات الماضي تساعدها علي اجتياز صعوبات الحاضر ، تأتيها في الاحلام الورديه تؤنسها طيله الليل ، وحين تبكي في الاحلام تمسح دموعها ، وحين اجتاحتها الحمي مره ثانيه مثلما كانت صغيره ، عادت صغيره وجلست امها بجوارها تبكي وتمرضها وتدفن راسها وسط الضمادات المثلجه ، هل استجابت الهه التمني لامنيتها حين تمنت عمرا اطول لامها ، لكن الجنيه الفضي عاد لها ، نعم عاد لها لان الامنيه التي كانت مكتوبه علي وجهه تحققت ، رحلت امها عن العالم الزائل ومنحت عمرا اطول واطول لاينتهي ، نامت في الطائره وامها تقص عليها حواديت قبل النوم ، تلك الحواديت التي تهدي روعها في لحظات النوم ، هاهي ستنام مرتاعه كعادتها وهاهي حواديت النوم تطمئنها مثلما كانت تفعل دائما ..
( 3 )
استيقظت قبل الهبوط في مطار روما بنصف ساعه ، بمنتهي التثاقل واللامبالاه مدت اصابعها قبضت علي المجله الملونه المودعه في ظهر الكرسي امامها ، ستتفرج علي الصور ، ستضيع نصف الساعه الباقيه حتي الهبوط ، تفر المجله بعدم اكتراث ، معالم روما السياحيه ، لم تجذب نظرها ، لم تتمني زياره برج بيزا المائل تحسه سيسقط فوق راسها ، لم تحلم بفارس يغني لها في القارب الاثري في احد جنادل فينسيا ، تحلم برجل اسمر يغني لها مواويل صعيديه تحت شراع مركب كبير وسط النيل ، هذه احلامها ، اما فينسيا وبرج بيزا فلم تجذب انتباها ، كادت تلقي المجله بجوارها ، الطائره تستعد للهبوط ، لكن صفحه انزلقت بين اصابعها لا تقصد فتحها ، صفحه تقص اسطوره " فونتانا دي تريفي " النافوره الاثريه العريقه في قلب روما وعذرواتها الثلاث يرمزن للجمال والحق والخير ، تلك النافوره التي بنيت فوق نبع التمني التي كانت تزوره عذراوات روما بحثا عن الحب وامهات روما بحث عن الخصوبه ، تأملت صوره النافوره ، عريقه قديمه بنيت منذ قرون بعيده ، مزارا للعذراوات ونعمه الامومه ، تقف علي حافتها النساء يلقين بالعملات المعدنيه والامنيه التي يتمنين تحققها ....
( 4 )
فونتانا دي تريفي نادتها ، هكذا احست ، الصوره فتحت امام عينيها عنوه ، نافوره التمني والامنيات ، مكان لتجمع النساء يبحثن فيها عن احلامهن المؤجله التي لا تتحقق ، عملات معدنيه تتكدس في قاع النافوره مثلما تتكدس في بير مسعود ، نساء متوسطيات يقفن هنا وهناك ، يحلمن ولايحقق احلامهن ، يتمنين امنيات مؤجله لايعيشوها ، في روما تحرس فونتانا دي تريفي العذروات الثلاث وعلي فوهه بير مسعود تقف عرائس النيل تستعد للتضحيه وتقديم القربان ارضاء لاله التمني!!!
( 5 )
الطائره هبطت في مطار روما ، سارت كالمأخوذه بالسحر صوب باب المطار ، ستخرج منه تقضي وقت انتظارها امام فونتانا دي تريفي ، لن تجلس علي مقعد كريهه تقرا في الكتاب وتسمع الموسيقي ، ستذهب للعذروات الثلاث تبحث عن سر اله التمني الذي غادر الاسكندريه وقبع في روما ، ترك بير مسعود وفوهته لنافوره دي تريفي وحوافها .... لاتتذكر بحق كيف حدث ماحدث ، القت بجسدها في تاكسي ، همست باسم النافوره فانطلق السائق كالسهم في المدينه العريقه ، لم تنظر للمباني لم تنتبه للشوارع لم تري البشر ، فقط فونتانا دي تريفي هي غايتها ، انزلها التاكسي في الميدان اشار لها السائق علي النافوره يشرح لها بلغته الايطاليه ذات الجرس الخاص والايقاع المتلاحق كيفيه الوصول اليها ، شكرته وربما لم تشكره ، اخذتها قدميها لحافه النافوره ، قدماها يعرفها طريقهما ، اله التمني تناديها في بيت اخر من بيوتها ، لم تسمعها في الاسكندريه ربما تستجيب لها في روما ، وقفت امام فونتانا دي تريفي ، تتأمل البركه ، مياهها ضحله ليست عميقه كمثل بير مسعود ، نبتون يقف شامخا فوق النافوره خيول عربته كانها تصهل ، العذراوات الثلاث يحطن به ، سارت حول البركه ، تبحث في القاع القريب عن اله التمني ، علها تمنحها ما رفضت تمنحه لها في الاسكندريه ....
( 6 )
غضبت من الهه التمني ، مالفارق بين الاسكندريه مدينه التاريخ وروما مدينه التاريخ ، لماذا هجرت بئرنا وقبعت في نافورتهم ، عرائس النيل العذراوات مستعدات للتضحيه بانفسهن مثل العذروات الثلاث الحق والجمال والخير ، بحثت عن عمله معدنيه في قاع حقيبتها تسر اليها بامنياتها المحبطه ، لم تجد الا الجنيه الفضي ، اه من جنيهك ياجدي ، اطارده بالامنيات ويعود لي خائب الرجاء مثلي ، نظرت لتمثال نبتون ، كانه يبتسم لها ، كانه يشجعها لتلقي بجنيه جدها الفضي ، كانه يعدها بتحقيق امنيتها التي عجزت عن تحقيقها في الاسكندريه ، هنا في روما تربض الالهه فوق الجبال وسط عبق التاريخ في الاسكندريه احرقت المكتبه بكنوزها واسرار الفراعنه ، اقتربت من حافه النافوره ، قبضت علي الجنيه الفضي بين اصابعها ، اسرت اليه بامنياتها ، كادت تقذفه في الماء ....
( 7 )
امها تجلس امام نبتون لاتوافقها ، امها امتطت عربه نبتون وقادتها صوبها ، الخيول خرجت من اسر احجارها وعادت لها الحياه ، تسير صوبها تكاد ترتطم بها ... امها تقود العربه ، نبتون غاضب من امها التي قادته عربته دون اذنه ، الخيول انصاعت للام وتركت نبتون غاضب ، عجبا ، كل رواد النافوره لاينتبهوا لما يحدث ، انها لحظه تاريخيه ، دبت الحياه في خيول نبتون وتحركت عربته تمطيها امها ، المرأه السكندريه العربيه التي لم يمنحها بير مسعود وجنياته الطيبات عمرا اطول ، انها لحظه تاريخيه ...
( 8 )
الا تنتبهوا ايها المارة لما يحدث امامكم ، التاريخ يتحرك وتدب فيه الحياه ، تماثيلكم تعيش باراده امي ، تقترب منها العربه ، تصرخ امها صرخه توقف جريان الماء في دروب النافوره ، تصرخ لاتلقي بجنيه جدك ، انه كنزك وتراثك ، انه تاريخك ، لاتلقي به في فونتانا دي تريفي ، لقد اعدته لك من بير مسعود لكني لن افلح اعيده لكي من روما ، اقبض عليه ، لاتلقيه في الماء ، صهلت الخيول بصوت عالي ورفعت اجسادها صوب السماء ، وقفت علي اقدامها الخلفيه وصهلت بصوت عالي ، حلقت الطيور الامنه تعيش دهورا فوق حافه النافوره ، حلقت الطيور مرتاعه ، صوت مثل هذه الصهلله لم يسمعه ذلك الميدان منذ تحول نبع التمني لنافوره الامنيات ، منذ حمل المحبين اسرارهم واخفاقاتهم وعذاباتهم ورجائهم واحلامهم لحافه النافوره ينتظروا تحققها ، انه ميدان الهمس ونافوره التمني ، لااحد يصرخ ، لااحد يرفع صوته ، حتي النحيب ياتي خافتا !!!
( 9 )
صهلت الخيول وصرخت امها لاتلقي جنيه جدك الفضي وعودي من حيث اتيت !!! هناك وليس هناك ستتحقق امنياتك ، هنا انت غريبه وستظلي غريبه لاكف حان سيربت عليك مهما اغراك بمعسول كلماته ، هناك انت ابنه الطين الرخو الذي شيدت عليه المدينه العريقه ، انت ابنه ايزيس واليها تعودي ، احتفظي بالجنيه الفضي لجدك ولا تبثيه امنياتك ، فالامنيات لاتحققها العملات المعدنيه ، صرخت امي وصهلت الخيول وافقت والجنيه الفضي في يدي ، رحلت عن فونتانا دي تريفي لم ابثها امنيتي ، امي منعتني ، هي مكان غريب في بلاد غريبه لن يمنحني انا الغريبه عن دمائهم وحضارتهم املا ولا امنيه تتحقق !!!
نهاية الرحلة
( 1 )
لااذكر روما ، لااعرف هل ذهبت اليها فعلا ام هي جاءت لي في الاحلام التي تجلبها امي لنومي تؤنسني حتي تمر ساعاته الموحشه ، لكن الجنيه الفضي مازال معي ، في حقيبتي !!! لااذكر الاسكندريه ، فقط اذكر بير مسعود ، اعتقد ان امنيتي في بير مسعود قد تحققت وامي طال عمرها !!!!
لااتذكر الامنيه التي كنت اتمناها علي فوهه بير مسعود ،
لااتذكر الامنيه التي كنت اتمناها علي حافه فونتانا دي تريفي
كل مااذكره اني في بير مسعود وقت هبطت لقاعه ادركت ان الامنيات لاتاتي بالعملات المعدنيه !!!
كل مااذكره اني في فونتانا دي تريفي وقت وقفت علي حافتها ادركت ان الامنيات لا تتحقق في البلاد الغريبه !!!
كنت اتمني الا تبكي امي علي فوهه بير مسعود ولا في اي مكان !!! كنت اتمناها تعيش احلامها وتتحقق امنياتها فلا تلجأ للعملات المعدنيه ولا تتعذب بالرجاء المتاخر والامنيه التي لاتتحقق!!! حين رحلت امي ، جفف الرحيل دموعها ومنحني عيناها صافيتان بلا غلالات مالحه رقراقه مثلما اعتدت عليها طيله حياتها !!!
( 2 )
ايزيس ... الالهه المصرية القديمه وام الاله حورس !!!!
حفيداتك معذبات بالامنيات علي فوهه بير مسعود ينتظرون الخلاص ، ساعدينا !!! العذروات الثلاث .... الحق والخير والجمال !!! لايقوين علي منح المعذبات بالرجاء مالم تفلح الام ايزيس في منحه لهم !!!
( 3 )
اسكندريه ............. روما بلاد التاريخ بلاد التمني بلاد الحضارة
للاسكندريه التي لااتذكرها انتمي وتحققت امنيتي وطال عمر امي وبقيت معي ومازالت !!!
في روما التي لااتذكرها غريبه انا لاتنبت امنياتي في بلاد الغربه !!!
( 4)
لماذا يخلق البشر الهه للتمني !!!
لماذا يترنموا بتعويذات التمني !!!
لماذا تنهمر دموعهم رجاء والحاح وامل !!!
هل الحياه والواقع كئيب لهذا الحد !!!
هل كنت اتمني حبا !!!
هل كنت اتمني طمأنينه !!!
هل كنت اتمني ونسا !!!
لااعرف ..... لكني اعيش اؤمن ان امنياتي لن تتحقق الا بروحي !!!
مازال الجنيه الفضي معي !!!
ومازالت امي تؤنسني ولاتغادرني ابدا !!!
( 5 )
عجبا تحدثت معكم طويلا ولم اخبركم باسمي ... انا الامنيه !!! نعم هكذا نادتني امي .... الامنيه !!!
هل كنت امنيتها التي تحققت ام التي لم تتحقق !!!!!!!!!!!!
( 6 )
هل كل ماقصصته حلما اجتاحني وقت الحمي !!!
هل حقيقه !!!
هل خيال عشته وانا واعيه بكامل يقظتي وادراكي !!!
لااعرف ولااكترث اعرف ..