مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



السبت، 29 أغسطس 2009

امانه عليك توديني البحر !!!!!!!!!!!!





كانت طفله صغيره .. برئيه .. اكملت عامها السادس قبل رحله الهجره الاخيره من بلدتها للغربه ، انتزعت من حضن امها للقاهره .. لطموها علي وجهها حين بكت خائفه وافهموها " ده انت حتعيشي في عز " ..
واختفت امها للابد ولم تري ابيها الا مرتين في العام حين ينزل لسادتها يقبض مرتبها المتراكم لديهم ويمنحها كفه لتقبلها ويرحل ، دخلت البيت الواسع وجله ، استقبلها اناس لا تعرفهم ، نزعوا من حضنها العروسه الباليه القذره التي تحتضنها والقوا بها في الزباله ، انتزعوا ملابسها القديمه التي اتت بها من البلده ومزقوها ،والقوا بها تحت المياه الساخنه والصابون الحارق ومزقوا جسدها لينضف من " الجلخ " قصوا شعرها الطويل واغرقو فروه رآسها بالجاز مره واثنين حتي تآكدوا ان الحشرات التي قطنت جدائلها رحلت وللا
بد .. البسوها ثيابا واسعه فبدت كآن " بوصه " ترتدي " شوال " مهرول ، افهموها مهمتها ، خادمه للساده الكبار ، تفتح الباب ، تناولهم طلباتهم ، تلاعب الاطفال الصغار حين يزوروهم ، وتنام تحت السفره !!!
عاشت ايامها الاولي تائهه غريبه لاتفهم المطلوب منها ولا تعرف كيف تنفذه ، تصرخ كلما صرخوا في وجهها ، ترتكب كلما نادوا اسمها ، تبكي حين يسخروا منها ومن شعرها المتناثر ومن قدميها الحافيتين ومن جلبابها الفضفاض ، تجري تختبيء منهم تحت السفره ، تتكور علي نفسها تتمني لو ماتت او عادت للبلده تلعب " الحجله " و" السبع طوبات " مع العيال في الحاره ، لكنها لا تعود ولم تري القريه ثانيه الا بعد عشر سنوات ، نسيت اللعب وغناء الافراح ورائحه الحقول واسم امها ووجوه اخوتها ، يوما بعد يوم اعتادت علي اعمالها السخيفه ، تستيقظ فجرا مع الحاجه الكبيره وحين يدق المنبه تجري علي غرف الاطفال لتوقظهم وتعود للمطبخ تعد الساندوتشات ولاتنسي ان تآكل قطعه جبن او " لقمه عيش " من خلف ظهر الجميع وتعود للاطفال تناولهم الشرابات والجزم و حين يفضي البيت تعود " للحاجه " تعد قهوتها وتنادي بائع النعنان من الشباك بصوتها "المسرسع " وتقف امام الحوض بعد الغدا تشطب الاطباق وهي تغني ، "
تشب " علي قدميها وتفتح الباب ثم تفتح الباب ثم تفتح الباب حتي اطلقوا عليهم جميعهم ساخرين " عليه فتح الباب " وفي المساء تجلس بصحبتهم امام التلفزيون ، تشاهد مايشاهدوه ،حتي تنام علي نفسها وتستيقظ علي لكزات الخادمه العجوز " قومي ياحزينه عماله تشخري زي المعزه قومي " وتنام تحت السفره فراشها الخاص ومكانها المفضل ،تلقي بجسدها فوق سجادته ، تتحس باصابعها تبحث عن لقمه عيش او حبه بسله او شويه رز من اثر العشا ثم تبحلق في خشب المنضده تتآمله حتي تنام ..ومرت الاعوام لاتعرف عددها ، عيد صغير ثم عيد لحمه ، شتا ثم صيف ، رمضان ثم السته البيض ، ايام متشابهه ، تكبر قليلا ، تستطيع النظر من الشباك بسهوله ، تطال " المطبقيه " العاليه ، مازال شعرها قصير كلما طال جذوه من جذوره والبسوها فوقه منديلا ابيض شاش يخبيء تناثره ، مازالت ترتدي الملابس القديمه لفتيات الاسره ، هذا ضيق ، هذا طويل ، هذا مهرول وحين ضبطوها تنظر في المرآه ضربوها ضربا مبرحا واحالت الخادمه العجوز حياتها لجحيم بشتائم من اقذع الالفاظ " يامايصه ، ياصايعه بتصبي في المرايه ليه يامعووجه ، اياكش نفسك تحطي احمر واخضر ، اياكش نفسك تتذوقي " فتبكي وهي لاتفهم معظم كلمات سبابها لكنها تدرك بقلبها انها شتائم قصد منها اهانتها وتبكي وتصمت !!!
في احد الايام نامت امام التلفزيون تحت مقعد " الحاجه " ثم استيقظت علي صوت هادر لا تعرفه ، خافت ، سالتها " خير ياستي " فلم تفهم ، فكررت سؤالها " هما بيعملوا ايه " فضحكت العجوز وقالت لها " هما مين يافتح الباب ، قصدك اللي في الفيلم ، بيعوموا في البحر يابت " وخجلت تسآلها " هو ايه يعني ده، رياح زي حدانا في البلد " ضحكت الحاجه العجوز وشرحت لها " ايش جاب لجاب يابت ، حتيجي البحر يابت للرياح ، ده البحر يابت البحر ، عمري ماشفتي البحر " هزت راسها نفيا فضحكوا جميعا ووعدتها الحاجه " كلها كام شهر يابت وتشوفيه ، اياكش بس تغرقي " يومها لم تنام ، قضت الليل كله تفكر في البحر ، كبير اكبر من رياح بلدهم ، تمنت لو تقفز فيه بملابسها ، ونامت وصوت الموج يؤنسها !! البحر!!!!
وحين استيقظت في الصباح كانت " علية " اخري غير التي نامت ، فتحت الباب وغسلت الاطباق ونامت امام التلفزيون كل هذا واكثر لكنها لا تفكر الا في البحر !!! و " حنروح امتي ياستي " فلا تفهم الحاجه العجوز " قصدي يعني البحر " تضحك وتنتهرها " ايه يابت اتندهت ، حنروح وقت مانروح " وتمر الايام ولا يذهبوا وهي لا تفكر الا في " البحر " نسيت امها وابيها والشتائم التي تنهمر فوق راسها من الخادمه العجوز ، نسيت الارهاق والتعب والنوم تحت السفره والحمام الاجباري اخر الاسبوع وضربها علي راسها حين تتباطيء في اعمالها او تتآخر في الشارع ، نسيت ملابسها القديمه وشعرها المقصوص ، نسيت كل شيء ولا تفكر الا في البحر !!!!!!
وفي يوم حار استيقظت من النوم وجدت نفسها في سياره مزدحمه ومعها الخادمه العجوز تشتمتها " نايمه للضهر ياعين امك " ففتحت عيناها بصعوبه لتجد الليل مازال منسدلا وهي وصره ملابسها ملقاه في السياره فوق الصناديق والشنط والسياره تجري في طريق لا تعرفه ، خافت تسآلها " رايحين فين " وطمآنت نفسها " شويه وحنعرف " نام وشخرت واخرجت ريحا من جوفها فلكزتها الخدامه العجوز " قومي ياحزينه ان شالله تبتليك نصيبه قومي عمتينا " فتحت عينها لاتفهم ثم نامت ثانيه ، استيقظت والشمس تسطع ساخنه في صدر السماء ، نزلت من السياره مترنحه مرتبكه لاتعرف مكانها ، وجدت الطاهي العجوز يحمل الصناديق ويدخل منزل لاتعرفه ، تحب ذلك الرجل الطيب الذي قررت بينها وبين نفسها انه ابيها ، هرولت خلفه ، شالت الصندوق من بين كفيه وسالته " احنا فين ياعم مصطفي " لم يجيبها واشار لها بطرف عينه " خشي يابت وبطلي دوشه " دخلت ، شقه لاتعرفها ، تسطع بالضياء ، وضعت الصندوق وهرولت خلف مصطفي للشرفه ، سمعته يصرخ في الخادمه العجوز " اطلعي ياوليه " القت بجسدها فوق سياج الشرفه ، شاهدت البحر !!!!! صرخت من السعاده ، ازرق ازرق ازرق ، كادت تطير كادت تلقي بنفسها من الشرفه ، صرخت من الفرحه ، قبض الطاهي علي ذراعيها " حاسبي يابت حتقعي " البحر !!! هذا الازرق الساطع ، نزلت الشارع مسرعه ، تحمل الصناديق والحقائب ، تكاد تغني ، لاتسمع شتائم الخادمه العجوز وترجوها " نروح والنبي ياخالتي ، خصيمك النبي ماتكسفيني ، ابص وارجع علي طول " وتضحك عندما تنهرها الخادمه العجوزه ، تضحك ولاتفكر الا في البحر و............ في المساء حضرت العائله ، لتجد علية سعيده مبتسمه نظيفه تجلس بجوار الباب ، اخذت تقص عليهم شكل البحر وصوته وانها مشيت حافيه فوق رماله وخافت من الموج ثم اعتادت عليه وشرحت لهم انها ساعدت الخادمه العجوز في التنظيف وساعدت الطاه في تنظيم المطبخ وذهبت معهم وقت المغرب للبحر ، وصفته لهم " كبير كبير ازرق قوووووي صوته ولاصوت وابور الطحين مالح زي المش " وتضحك سعيده !!! وسرعان مامرت شهور الصيف وانقضت وعادت الاسره ومعهم علية دامعه للقاهره ، يوم السفر فرت منهم علية للبحر ودعته غسلت وجهها بمياهه مره واثنين وبكت فقدرها الرحيل الموجع !!!!!
وبعد خمسه عشر عاما .... خمسه عشر عاما كامله قضتهم علية في الخدمه في البيوت ، تزوجت من ابن المكوجي الذي طاردها في الشوارع يبثها حبه ، تزوجته وتركت سادتها وخدمتهم ...... وفي ليله الدخله وحين احتضنها العريس نامت في حضنه سعيده وترجته " امانه عليك توديني البحر !!!" فتح عينه مندهشا فوجدها سعيده راضيه فلم يسمع بقيه حديثها " هو انا ماقلتش لك علي البحر وجمال البحر .. سااااقع ... ماااااااالح .... مالوش قرار"!!!!!!!

ليست هناك تعليقات: