مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 28 أغسطس 2009

القوالب نامت .. والانصاص قامت !!!






جلست الهانم العجوزه زوجه الرجل الثري الاقطاعي الكبير في اواخر ايام عمرها قليله الحيله علي فراش مرضها " تشتم " عبد الناصر ، الذي استولي علي مزارعهم وفدادين ارضهم واصاب زوجها البيه " الاقطاعي " الطيب بسكته دماغيه قتلته !!! بكت غاضبه من " الثوره " التي هدت الدنيا فوق رؤوسهم وادعت عليهم كذبا وافتراءا انهم كانوا " ظالمين " قساه القلوب مع فلاحيهم الفقراء وسرقتهم وحرمتهم من العز وميراث الاجداد والسعاده وخنقتهم خنقه سودا و...... تبكي !!!!! ....... تنصت لشكواها خادمتها العجوز صامته لاتنطق !!!
كانت الهانم سيده طيبه متدينه لا تفوت فرضا لاتفهم في السياسه ولا دهاليزها الملتويه لكنها تعرف وبشكل فطري مصالحها جيدا ، لاتعرف من الدنيا الا انها واهلها ينتمون لطائفه الاسياد وان الاخرين الفلاحين ينتمون لطائفه العبيد ، وهذا هو حال الدنيا التي تعرفها ، ونظامها الذي ولدت عليه وعاشت مترفه في ظله ، ثم "القيامه قامت " والدنيا اتلخبطت و" الفلاحين الاوباش " ركبوا الارض التي راكمها في صكوك ملكيه جدها الاكبر وكل م
ن تلاه من ابناء واحفاد فعاشوا جميعا في عز وماتوا لكنها هي التعيسه الوحيده التي عايشت وشاهدت " الاوباش " يسرقون ارضهم و" كله بسبب الراجل الظالم منه لله " وكانت بالطبع تقصد جمال عبد الناصر !!!
كانت مريضه قعيده الفراش لاتغادره بشكل واقعي لكنها تحلق طيله الوقت في ذكرياتها تعود لها وتعيش بهجتها وتكره الحاضر ولاتحبه فهو يذكرها دائما بكل ما اتعسها واتعس اسرتها و" منه لله " !!!! تقضي ايامها في الفراش وتحت رجليها تجلس خادمه عجوز ميراث من ابيها ، فهذه السيده وعائلتها ملكا لها منحها لها ابيها وقت زواجها فخرجت من بيته لبيت الزوج بالعفش والهدوم والصيغه والخادمه الصغيره - وقتها - لتخدمها وهي المرفهه التي لا ولن تخدم نفسها ابدا ، وعاشت الخادمه مع الهانم في منزل البيه الاقطاعي تخدمها وتلبي طلباتها وحين كبرت وفارت وطلبت الزواج اختارت لها الهانم احد اتباعها ومن يعملون تحت امره البيه الاقطاعي زوجا لها ومنحتها ثوبا جديد وحلق وكردان ذهب هديه الزواج وبقيت الخدامه وزوجها ملكا لها وحين انجبت الخدامه اولادها فرحت بهم الهانم خدم جدد في المنزل يعاونوا امهم في اعمال المنزل المرهقه ويسلون اولادها ويلعبوا معهم ويقضوا طلباتهم ....
ومرت الايام علي السيدتين الاقطاعيه والخادمه ، يعيشوها معا ، مات زوج الخادمه فبكت هي وسيدتها واستمر حالها علي حاله ، خادمه فقيره تعيش واطفالها اليتامي في بيت الاسره الاقطاعيه ، وحين مات الاقطاعي الكبير محسورا علي الايام السودا التي عاشها تحت رايه الثوره المباركه ، بكت الهانم زوجته ومعها الخادمه لان الرجل الكبير الذي كان يظللهم بحمايته مات وتركهم !!!!
وتدهورت الاحوال بالهانم وباعت بقيه ارضها قطعه قطعه لتآكل وتلبس الماس وتمنح خادميها نفحاتها الكثيره ولتحافظ علي وضعها الاجتماعي التي لايمكن لها الاستغناء عنه ولو بقيت علي الحديده ثم باعت الماس لتآكل وتشتري الادويه وفي النهايه لم يبقي لها ما تبيعه فعاشت علي قدر ماتسمح لها الظروف القاسيه التي ترفضها بالغوص في الذكريات القديمه ايام العز والارض والبيه اللي كان صوته "يشل" الناس كلها ويحافظ لها علي الهيبه والنفوذ والوضع المتميز فوق اعناق كل البشر !!!
وهرمت الهانم وهرمت الخادمه العجوز ، وعاشتا معا الايام الضنك التي قضتها الهانم حزينه كسيره النفس اما الخدامه فبقيت علي حالها لا تشعر باي فرق فهي تآكل بقايا الطعام منذ طفولتها ايام العز وترتدي الملابس القديمه واولادها يخدمون في المنزل وبيوت الابناء بلا اراده بلا قرار توزعهم الهانم هدايا علي ابناءها لحمل الاحفاد ولا احد يقوي علي الحديث او الاعتراض !!!
ومرضت الهانم وكادت الدائره الشريره تحكم قبضتها عليها ، هي ارمله وحيده مريضه رقيقه الحال بعد زوال العز وايامه ، تعيش في البيت الكبير وحدها مع خادمتها الهرمه التي بقيت تحت رجليها ولم تغادر المنزل مثل ابناءها وبناتها المتمردين اللذي رفضوا حياه العبوديه بعد تغير الدنيا وسافروا للبلاد البعيده يبحثون عن مال يقيهم شر العبوديه ويمنحهم وضعها اجتماعيا جديدا فبقوا سنوات طويله تكفي لنسيان الجميع انها " ولاد انعام الشغاله " وحين عادوا لم تعرفهم امهم الخادمه ونظرت لهم الهانم العجوز نظره ذات مليون مغزي تتآمل ثراءهم وحالها وقلبت شفتيها وهمست " القوالب قامت والانصاص نامت " وهمست لابنتها " نفو ريش !!!" فضحكت ابنتها وصمتت !!!
توقفت الهانم عن البكاء وارتسمت ملامح قاسيه علي وجهها الطيب واسترسلت في الكلام " عبد الناصر ده ابن بوسطجي مايبفهمش حاجه ، ال اقطاع ال ، ده احنا كنا طيبين جدا ، اغنيا اه بس طيبين " تتنتهد وخادمتها العجوز تحدق في وجهها تتابع حديثها " البيه ماكانش فيه اطيب منه ، اللي معاه مش ليه ، الزكاه قبل ميعادها ، واللي يتجوز ينقطه واللي يخلف يبارك له ، يجيوا شويه عيال جعانه يقلبوا الدنيا ، ياخدوا الارض اللي ربنا اداها لينا ويوزعها علي الخدامين والجرابيع والاوجريه " تنظر للخادمه كآنها لاتراها " ده احنا كل زرعه كنا ندي منها الفلاحين ، الغله والدره توصل لغايه بيتهم ، مادبحناش مره الاووزعنا لحمه عليهم " تتنهد الخادمه صامته " ولا ايه ياانعام ؟؟؟؟؟ " تنتظر استحسانا لحديثها .. لكن الخادمه لاتنطق ، تكمل الهانم كلامها " لاعمرنا قلت لفلاح هات اللي عليك ولا عمر البيه خرج حد من ارضه اللي بيزرعها وطول عمرنا اللي في ايدينا مش لينا ... ولا ايه ياانعام ؟؟؟؟؟؟؟ " تصمت الخادمه اكثر لاترغب في الحديث .. تنتبه الهانم لصمتها ، تنهرها " ايه ياوليه اتطرشتي ، بكلم نفسي انا ، ماتردي ردت الميه في زورك ، مت وانت قاعده مكانه ولا ايه ، باسالك مابترديش ليه ، مافيش احترام ولا ايه " تتنهد الخادمه " ايام وراحت لحالها ياست الحاجه " لكن اجابتها لاتشفي غليلها فتنتفض في فراشها تكاد تقفز منه " ياوليه بسالك سؤال تردي علي قده ، حتتساهري معايا وتتكلمي في الايام اللي راحت واللي جت ، مالك انت " تهز الخادمه العجوز راسها " ماانا ساكته وماجبتش منطق وبقول الطيب احسن " تشوح الهانم بيدها في وجه الخادمه " طول عمرك جاموسه مابتفهميش حاجه خالص " وتكمل حديثها " احنا كنا اطيب ناس ، فلاحينا والخدامين بتوعنا بياكلوا احسن اكل ويشربوا احسن شرب ، في رمضان نفطر وفي العيد ناكل ونكسي ونجوز ، ولا ايه ياانعام " تقف الخادمه مكانها تنظر للهانم كآنها ستنفجر من الصمت " اعملك شاي " تنهرها الهانم " شاي ايه ياجاموسه الحكيم منعني منه " تتحرك الخادمه صوب المطبخ تستوقفها الهانم " راحه فين ياوليه وسايباني لوحدي اكلم روحي " تقف الخادمه وتنظر للهانم طويلا " ااقري ياوليه الفاتحه علي روح سيدك البيه الله يرحمك ماكانش فيه حنيه قلبه ولا طيبته .. بسم الله الرحمن .. " تقاطعها الخادمه " ربنا يرحم الجميع ياستي بس يعني البيه كان صعب حبتين ايده طرشه مايحبش حد يقف ريحه او قصاده ، ياما ضربنا بالعصايه وياما ادنا بالشلوت ولعن سنسفيل ابونا علي الفاضيه " انتفضت الهانم " بتقول ايه ياجاموسه انت " اكملت الخادمه " عمره مابعت لينا رغيف عيش صابح ، لما العيش تقرف البهايم تاكله يبعته لينا والاسم كريم " وخرجت الخادمه من الحجره تكلم نفسها " في العيد حتته شغت ملحقفه والاسم بيبعت نوايب لحمه " سارت في طريقها للمطبخ " ياويله وسواد ليله اللي يقوله تعبان ولا عيان ولا جسمي مش شايلني ، لا ميه ولا زاد ولا حفنه غله ولا برشامه مالوش غير العصايه فوق جتته تقطعها " تناديها الهانم " رايحه فين ياجاموسه وسايباني " لا تعود لها " نزرع ونقلع وفي الاخر حجرنا فاضي ، نطبخ في البيوت وناكل العضم احنا والكلاب ، ننضف مطرحكم وننام في الزرايب جنب البهايم ولا كاننا بني ادمين " تصرخ الهانم " ياوليه ياوليه " تجلس الخادمه علي باب المطبخ حزينه كان كل سنوات القهر عادت ومزقتها " ااقوله ياسيدي البيه الواد سخن ااقعد جاره ويقولي ان شالله يموت شوفي ست الهانم عايزه ايه واعمليه " تتساقط دموعها " نفسي هفتني مره علي مانجايه من القفصه اللي ماليه السفره قلت يابت السرقه حرام ملت عليه استرجيته سكعني بالكف وقالي الله يرحم ابوكي الحافي لو دقتي المانجه تفسدي !!! " يعلو صوت بكاءها " ايام سودا وعدت ، مالناش في نفسنا حاجه ، ناخد فضله ايدهم زبالتهم ومطلوب نشكر ونحمد !!! " قامت من مكانها كانها ستغادر البيت " انا المحقوقه علي القعده السودا دي ، كان لازم كلام العيال وامشي واتستت وانسي الزمن الاسود وايامه الغبره " نادتها الهانم بصوت خائف مرتعش " ياانعام ياوليه " كررت النداء كآنه رجاء " ياانعام " جرت ساقيها وعادت وقفت امامها بكل ادب تمسح دموعها كسيره القلب حزينه " رايحه فين ياانعام وسايباني ، ماانت عارفه اني ماليش غيرك " ارتبكت " الدنيا فضيت علينا انا وانتي ، ماتسيبنيش تاني ، ده انا ماليش بركه الا انت " عادت تجلس تحت قدميها ..... ساد الصمت بينهما سيدتين هرمتين تجلسا معا مدركتين تماما ان " الدنيا اتغيرت " وان الزمن الذي كان ، مضي ولم يعد !!!

هناك تعليقان (2):

محمد حويحي يقول...

انا تعبت يا أستاذه
مش عارف اقرا اميره بهي الدين خالص
انت فين فدا كله ؟؟؟؟؟

محمد حويحي يقول...

اسف
كومنت مش في محله