مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

عواء الروح في ليالي التمني ... ( الجزء الثالث والاخير ) ...



الجزء الثالث


لا تلتفت إلى الوراء
فالشَّظايا تضحكُ خلفكَ
في جنونٍ
والهاويةُ تطارِدُك

اترك قلبكَ في البيتِ 
ولا تلتفت لحمايةِ رأسِكَ دائمًا
فالموتُ أكثرُ سكينةً
من جروحٍ ساطعةٍ
تعوي
في روحِك


قصيدة
(اترك قلبك في البيت )
اسامة جاد




( 23 )
الخادمة ..

لماذا تزوج ابي هذه الخادمه ؟؟؟  سؤال سأله زكريا لنفسه الف مره ، عرف من امه انها كانت تخدم في منزلهم ، وتزوجت وطلقت بعدما اشاع زوجها انها عاقر لاتنجب ، عادت لبيت ابيها كسيره النفس مقهورة ، شرحت الحاجه سعيدة لابنها ، البت صعبت علي بقيت اجيبها اكتر عندي واديها فلوس صدقه يعني ، اتاريها حنش ، دخلت البيت وعينها علي الحاج الكبير ، ازاي بلفته وخطفته ، معرفش ، وازاي ابوك اللي يرحمه غلط معاها كده ، الله اعلم ، لكن هي حتته خدامه في الاول وفي الاخر ، حتي لو خد مزاجه منها او شاف كيفها معها ، عادي ، ياما بهوات وبشوات نفسهم تروح علي الخدامين المقشفين ، مش معني كده انه يخلف منها ويساويها بي ويساوي ابن الخدامه بولاد الهانم!!!!
لم يتأتي لزكريا يسال ابيه عن سر زواجه بنعمة  ، لانه لم يعرف السر الذي حرص الحاج طويلا علي اخفاءه حتي مات ، لو عرف قبلما يموت لساله ولو سأله لسمع منها اجابه لاترضيه لكنها الحقيقه ...
امك كبرت يازكريا والزمن عدي عليها وهدها ، والبت كانت صبيه زي كوز العسل ، متطلقه ومالهاش طلبات ، صبيه ومليحه وبتخدم في البيوت ، متعايره بحالها ، نصيبها خلص ومافيش جدع حيقرب منها ، لما شفتها في البيت مره واتنين ، خيلتني ، اه ، خيلتني ، انت راجل وتفهم كلامي ومعناه ، خيلتني وصحت في اللي امك موتته ، حسبتها بسرعه ، حيحصل ايه يعني ، اتجوزها اخد شهدها ولما ازهق منها ارميها زي قشر البطيخ للوز ، كلمت ابوها ماصدقش نفسه ، فرح وقالي اللي تؤمر بيه ، اجرت لها شقه في المنصورة بعيد عن البلد وعن امك ، عشت معاها ايام ماشفتش زيها ، صبيه ومليحه وشقيه ولسه بخيرها ، فهمتها لافيه خلفه ولا فيه عيال ، وافقتني ، بقيت انزل من البلد عليها وارجع من شغلي عليها ، كانت مرة ولا كل النسوان ، كان ممكن اعيش معاها العمر كله ، لكنها غدرت بروحها وبسعادتي، اليوم اللي قالت لي انها حبلي ، كان يوم اسود ، طلقتها ومن غير تفكير ، رميت لها قرشين حلاوة الايام اللي سعدتني فيها وقلت لها تنساني و.............ونسيتها يازكريا وكان موضوع وخلص !!!!
لايقبل زكريا مبررات ابيه ، وانت ياحاج مافكرتش لقدام ، معملتش حساب يوم اسود تخش عليك بابنها وتقولك شيل ياحاج ، ولاعمرها كانت تستجري ، كانت عارفه اني ادفنها في الزريبه وسط البهايم ولا حد يسأل عليها ، اللي معملتش حسابه انها تجيب ابنها وتخش عليكم تفضحكم زي ماعملت ، لو كنت اعرف ان الواطيه حتعمل كده ، كنت خنقتها بايدي وكتمت علي الخبر ميت ماجور !!!
وهو الواد ابنك بحقيقي ياحاج ، يهز الحاج رأسه ، طبعا يازكريا ابني ، لكن هو كمان ابن الخدامه ، انا لما قلت لها سقطي نفسك ، كان همي علي الواد ، اللي حيعيش ويموت ابن الخدامه ، ايش جاب لجاب خلفه الهوانم لاولاد الخدامين ، هي اللي ركبت راسها وجابت الواد للدنيا تعذبه ، ينتفض زكريا ، تعذبه ، دي عذبتنا احنا ياحاج ، هي عذبتنا وانت عذبتنا اكتر ، الحاجه مموته روحها من العياط وبتدعي عليك ليل ونهار واخواتي محدش مصدق ، والواد شكله بجد زي اولاد الخدامين لايشبهنا ولا بيجري دمك في عروقه ، انت عملت لينا مشكله ياحاج ، انت اللي غلطان بصراحه !!!!
يهمس زكريا لنفسه ويتمني يسمعه ابيه ، انت اللي غلطان وورطتنا كلنا ، الواد شايل اسمك لكن اسمه ابن الخدامه ، لو خدناه وسطنا يعرنا ولو طردناه يعرنا اكتر ، انت بليتنا ياحاج ببلوة مالهاش قوة ، لاعارفين نخلص منه ولا نحاجي عليه !!!
هز الحاج حسن رأسه متأسيا لعذاب زكريا ، يتمني يعود به الزمن فيمحو نعمه وابنها من حياته ، ماحسبتهاش كده يازكريا ، ماحسبتهاش كده ، الحق ياحاج انت ماحسبتهاش خالص ، انت شفت مزاجك وروقت نفسك وسبتنا نتحرق !!!
زكريا يلوم ابيه ، والحاج حسن يلوم نعمة ، وسليم يلوم نعمه ، ونعمه تلوم الايام السوده اللي بهدلتها وبهدلت ابنها ، و.......... الحساب تقيل تدور رحاه علي رقاب الجميع ... مين اللي حيدفع الحساب ده كله ، كلكم ، ضحك الحاج حسن وهو يلوح لزكريا يودعه ، كلكم ، كل حي حياخد نصيبه ، من الورث ومن الفضيحه، واللي مش لادد عليه الفضيحه يسيب الورث بفضيحته ويعيش علي دراعه !!! نظر له زكريا لائما ، ماكانش العشم ياحاج !!!
وانتهي الحوار العبثي بين الابن المعذب بالفضيحه والاب الميت لايكترث باي شيء الا حساب الملكين !!!


( 24 )
حياة جديدة

اين انت ياسليم ؟؟ انا هنا وكبدي الجديد ننام معا فوق فراش معقم في مستشفي عظيمه افلح اطبائها في انقاذ حياتي التي كادت تنتهي ، زرعوا كبدا جديدا بعدما انتزعوا الكبد المتليف القديم الذي كاد يصحب روحي في رحله رحيله الاخيرة ...
تجتاحه غصة في القلب ، كبد من هذا الذي منحني الحياة ، رجل انت ام امرأة ، كيف مت في لحظه مناسبه لتمنحني كبدك يكمل معي مشوار حياتي .. مااصعب ان تستمر في الحياه لان اخر رحل وبسرعه في وقت مناسب لك .. امتنان يشعر به لصاحب الكبد الذي منحه له في وقت مناسب !!!
تذكر ابيه وتحولت الغصة في قلبه لحزن وغضب ، هاهم الغرباء ياحاج يمنحوني بسخاء جزء من جسدهم لاعيش وانت بخلت علي بنظره عطف !!!
لمح نظره عتاب في عيني حنين ، كف عن لوم ابيك وتقدم خطوات في الحياه ، يوافقها ولا يقوي تنفيذ علي نصيحتها ، ساكف عن لومه ياحنين ، حاضر ، يكذب ، تعرف ، لن اكف عن لومه ابدا ، تسمع صوت غضبه ،تتمناه يصفح عن ابيه ويطوي صفحاته الموجعه ، القلوب المحبه تصفح وتسامح ، تهمس له ، تتمناه يطوي صفحه ابيه ليحبها بحق ، انت حاجه وهو حاجه ، يجيبها دائما ، لايعجبها رده ولايقوي يعدها بمالن يحققه!!!
الكبد الذي زرعه الاطباء البارعون منحه حياة جديدة ، حياته التي يعرفها كادت تنتهي ويفارق الدنيا لعالم المجهول بين يدي الرحيم ، حياته كادت تنتهي ، لكن الكبد المنزرع في جسده منحه حياة جديدة ، هل ستعيش الحياة الجديده فعلا ياسليم ، ام ستبقي اسير حياتك القديمه بكل مشاكلها ، سمع صوت حنين وكأنها تهمس في اذنه ، عيش بقي ياسليم ، استمتع بالفرصه التانيه اللي ربك منحها لك ياسليم ، حياه تانيه بعدما افسدت البلهارسيا والهم حياتك الاولي ، استمتع بحياتك ياسليم ، حياتك الجديده ، حياتك الثانيه ، محظوظ انت ياسليم ، كم مريض بداء الكبد مثلك منحه ربه حياه ثانيه ، قليلون وانت منهم ، لاتفسد حياتك الجديده وفرصتك الثانيه باستكمال المعارك واجترار الهم والالام !!!
سمع حنين وكأنها تهمس له بتلك الكلمات ، امتن لربه الذي منحه الفرصه الثانيه وابتسم لانه تذكر طيبه حنين ورقتها وفجأ عبس جبينه ، الحياه الثانيه لاستكمال المعركه التي بدأتها وكاد موتي يفسدها ، هذه حكمه ربي ، منحني حياه ثانيه للقصاص من هؤلاء الظالمين ، هذا عدل ربي وقدري !!!
اغمض عينيه وصمت ..
تصور انه يري لوم في عيني حنين !!
صمت فصمتت !!!
انت وعدتني ياسليم ، ووعد الحر دين عليه ، وعدتني تنسي !!
هز راسه مهزوما ، لااقوي علي النسيان ياحنين ، سامحيني !!!
وادركت حنين مصيرها الموحش مع رجل ضاع قلبه المحب وسط المعارك وانيابها السوداء !!!
منحني الله عمرا جديدا لاقاتلهم لانتقم منهم لافسد حياتهم مثلما افسدوا حياتي ، منحني الله عمرا جديده لاكمل انتقامي !!!
انهمرت دموع حنين ، خساره ياسليم !! خسارة !!!
وافقتها نعمة ، ياضنايا ارحم روحك ، وعيش !!
ضحك سليم ضحكات شريرة ناقما علي امه وعلي حياته ، وهو كان مين رحمني ياامه علشان ارحم روحي ، سيبني ياامه اعيش حياتي زي مااتكتبت لي ، لافيها رحمه ولا فيها نسيان !!!
الحساب تقيل ياامه ولسه مااتسددش كله !!
ليه ياضنايا مش خدت نصيبك في الميراث !!!
طيب ونصيبي في الاسم اللي حرموني منه والبيت اللي منعوني اخشه والعيله اللي طردتني والفضيحه اللي طاردتني وبهدلتك واسمك وسيرتك اللي علي كل لسان ، والايام السوده اللي عشناها ، كل ده ياامه حسابه عند مين !!
مش بقولك ياامه ، الحساب تقيل ولسه مااتسددش !!
اشاح لحنين مقهورا ، مامنيش رجا ، اتكلي علي الله عيشي حياتك ، انا لسه ورايا حروب ورا حروب وعلي مااخلص مش حانفع في اي حاجه !!!
واشاح لامه ، روحي ياامه استريحي انتي وسيبيني اكمل اللي ورايا ، لازم لازم اعلمهم الادب علي كل اللي عملوه فينا !!!
انفجرت نعمه وحنين في البكا ء، العمر الجديد لامعني له ، سيبدده في الانتقام مثلما بدد عمره الاول !!!
واخرتها ياسليم ؟؟
مالهاش اخر ياام سليم ، مالهاش اخر !!!!!!!!!!
يأست حنين ويأست امه ، لكن هدي راهنت علي حياته الجديده تمحو الوجع القديم ، من منهما ستنتصر ، هدي بطيبتها ام قسوة الايام البعيده بوجعها ، من سينتصر ياسليم ، اختر ، اليوم انت تملك الاختيار ، ان اخترت الحرب ، فهو اختيارك ، وانت اخترت تعيش حياتك الجديده بدل التي بددتها في الهم والمعارك ، فهو اختيارك ، وفي الحالتين انت من ستعيش اختيارك !!!
ابتسم سليم وهو في غيبوبه التخدير تحت يد الجراح الفرنسي الماهر ، ابتسم ، دلوقتي اختار ، بس زمان انا مااخترتش !!
صرخت النسوه جميعا ، حنين ، نعمه ، هدي ، ماقلنا ننسي زمان !!! مازال الجراح يشق في بدنه والدماء تسيل والهم ايضا ، طيب هو انا لو نسيت الزمان  ، هو كمان حينساني ويحل عني ؟؟؟
ومازال الجراح الماهر يوصل الاورده والشرايين بالكبد الجديد ، مازال يوصل في عمر سليم بايام جديده لم يلوثها الهم والوجع والحزن والكل يدعي ربه يستيقظ من غيبوبته في حياته الجديده بنية الحياة وليس بنية الحرب !!!


( 25 )
مكالمة تليفون

جلس سليم علي مكتبه ينتظر مكالمه تليفونيه هامه !!!
ينتظر ارقاما تضاف لحسابه في البنك ... باعوا البيت وقسموا ثمنه وقبلها هدموه وباعوا الانقاض وقسموا ثمنها واودعوا له نصيبه في البنك ، هكذا قالوا له ، ينتظر اتصالا من البنك يؤكد له ادعاءاتهم ، نعم هي مجرد ادعاءات حتي يتاكد منها بنفسه !!!
حين سيعرف ان نقوده قد اودعت في البنك ويتطمئن ان رغبته الدفينه قد تحققت ولم تعد مجرد امنيه موجعه في الصدر بل صارت واقعا حقيقيا ، في تلك اللحظه فقط ، سيتنازل عن كل القضايا ويغلق هذا الملف ويعود لحياته !!!!
ضحكات مجنونه ضحكها سليما صامتا دوت في رأسه وروحه ، اين هي حياته التي سيعود لها !!! لايعرف اي حياه غير تلك المشاكل والقضايا والغل والامنيات حبيسه الصدر !!!!
هذا ليس وقته !!! ليس وقت محاسبه نفسه علي حياته وكيف بددها ، ولا حساب امه علي مافعلته فيه ، هذا وقت اغلاق الحساب القديم المفتوح معهم ، مع الاخرين الذين لفظوه ففرض نفسه عليهم حتي تمنوا الموت ليفروا منه ، اغضبهم لحد الجنون وفقدان الصواب والطيش ، فكان له مااراد ، قادهم امامه في طريق موحش سار فيه وحده سنوات طويله !!! واليوم ، الارجح اليوم ، سيتحقق له ماكان يحلم به ويتمناه !!!!
بيع البيت وهدمه وتحويله لنقود حقيره تافهه تودع في حسابه بالبنك !!! سيعملوا له كل مايريده ليوقفوا اذاه الذي افسد حياتهم وحياه ابنائهم واحفادهم ........ اما اكون واحد منكم واما لن تكونوا !!! هذا هو القانون السهل المستبد الذي سطره له ولهم !!!
ومازال ينتظر التليفون الذي لا يرن !!!
ينتظر اتصال من البنك يؤكد صحه ادعاءاتهم ، خلاص الموضوع خلص ، خلصنا انت كمان بقي !!!
لكنه لايخلصهم ، وربما يتمني الا يخلص الموضوع والا ينتهي !!!
ربما عذابهم راحته وانتهاء الموضوع عذابه !!!!
في البنك رجل تابع له ، يراقبهم ، يراهم في مكتب مدير البنك  ، مرتبكين يحملوا حقائب النقود الثقيله ، يعرف انهم يودعوها في حساب سليم ، ويواليه بالاخبار لحظه بلحظه ، لكن سليم لايطمئن لكلامه فقط ، ينتظر اتصالهم ، ربما هذا الاتصال الذي يعلن له هزيمتهم الكامله وخضوعهم لرغباته المستبده ، ربما هذا الاتصال هو ماينتظره سليم ليبرء من اوجاعه واحقاده وغضبه!!!!
لم يكتف سليم بما يصفه له تابعه في البنك ، ينتظر ماسيقوله له الاخوه الاعداء !!!
يضحك ويضحك ، لم يشعر باخوتهم ابدا ، كل مااحس به هو العداء الذي استشري في روحه فرده لهم فاسودت ايامهم جميعا !!!
هل اودعت النقود بالبنك ؟؟؟
هذا هو سليم ، لايثق في اي شيء حتي يتأكد بنفسه !!! لماذا صار مثلما صار !!! لم توجعه الحياه لحد يحتاط من الثقه في اشخاصها ، او هكذا يظن ، هو  طبعه الذي ولد به وستغادر روحه الجسد الفان ويبقي طبعه لصيق به ، او هكذا يظن !!!!
رن التليفون ، خلع النظاره والقي بها امامه ، حدق في شاشه المحمول ، نعم هذا هو الرقم الذي ينتظر اتصاله ، الصق التليفون باذنه ، سمع ماكان يحب سماع ، يهز راسه بلا انفعال ، يغلق التليفون ويلقيه امامه علي المكتب ويشعل سيجاره الفاخر ويصمت تماما !!!
يفتح الدرج ، يخرج صوره ابيه ، الحاج حسن ، صوره عتيقه للاب الذي مات وهو طفل في المدرسه لم يخلع مريلتها بعد ، حدق في الصورة وابتسم شامتا ، هذه الابتسامه التي ادخرها منذ زمن بعيد لصاحب الصورة الذي مات وتركه يتيما تتلاعب به الايام ، كاد يعايره ، بعت البيت الذي تصورته اثرا سيبقي شاهدا علي وجودك وعائلتك ، بعت البيت ياحاج حسن !!! ابتسامه شامته تتسع اكثر واكثر ، القي الصورة في الدرج واطفيء السيجار بعصبيه واختطف نظارته وغادر مكتبه يبحث عن هواء بارد يخرج من رئتيه وذاكرته رائحة الاتربة التي التصقت بروحه وقت زيارته الاخيرة للبيت القديم ، تلك الزياره التي لم ينساها ابدا !!!!


( 26 )
الزيارة

مازال في بيت هدي ، تحتضن كفه بكفها الصغيرة ، اليوم ميعاد لقاءه بالاسرة التي لفظته ، رتبت هدي اللقاء ورجته يأتي ، اتعرف عليهم ياعمي ، يتعرفوا عليك ، وافق بعد الحاح كثير منها ، دي مجرد زياره تعارف ، جايز تحل المشكله ، ضحك في نفسه ولم يجرحها ، مشكله ، هل تصفي العمر الذي ضاع في حروب ضروس بكلمه مشكله !!!!
مازال يقف في بيتها يرتعش ، كمثل كان صغيرا في كف امه وابيه واعمامها يكيلوا فوق رأسهما الشتائم ، تلك الشتائم التي لم يفهمها صغيرا وفهمها وقتلته الف مره طيله الحياة ..
اتفضل ياعمي ، همست هدي .... في الصالون الكبير ، وجد اناس كثر ، شابات وشباب ، رجال ونساء ، بدأت هدي تعرفهم به ، طبعا ده عمنا سليم ، كلكم عارفينه ، همهمات لايفهم معناها ، تشاور له علي الناس وتعرفه باسمائهم ، لايتذكر اي اسم ، يراقب التعبيرات والوجوه ، يكرهوه جميعا ، هم ابناء ابائهم ، قابلوه لان هدي ضغطت عليهم ، قابلوه لان قضاياه ومشاكله تفسد حياتهم ويتمنوا ينهو تلك المأساه التي افسدت حياتهم ، لايحبوه ولن يحبوه !!!! ابتسامات بارده ونظرات فاحصه هذا كل مايمنحوه له ، يرد له البرود باكثر ، ويمنحهم بدل النظرات الفاحصه نظرات كراهيه وغضب و........... يشرب القهوه وهو مطرق الرأس وصوره ابيه وجدهم الاكبر تزين صدر الصالون ، يشرب القهوه بسرعه ويودعهم ، تجري خلفه هدي للباب تاخذه في حضنها ، يرد له الحضن بادفء منه ، يعتذر لها ، بجد ياهدي مافيش فايده ، اسفه ان كنت احرجتك !!!!
تهز راسها بمنتهي الاسي ، مافيش حاجه حتتحل في مره واحده ياعمي ، كل حاجه عايزه وقت ، دول عشرين سنه واكتر ، عايزهم يتحلوا في ربع ساعه !!! لايجد مايرد عليه به ، كان يتمني يرحبوا به من قلوبهم ويفسحوا له مكانا وسطهم ويحبوه فيمحوا الذكريات الموجعه من قلبه وتبرأ روحه ويعود لحضن اسرته ، لكنهم لايحبوه ولن يحبوه ، هو بالنسبه لهم غاز يقتنص من ثرواتهم مالا يستحقوه ، يطاوعوه منصاعين لاحكام المحاكم  ، لكن هل ستحكم عليهم اي محكمه بالحب ، لن يحدث ، خذ نصيبك من الثروه وابعد عنا !!! هذا مايقولوه له ، لن ابعد عنكم حتي لو انفقت الثروة كلها لمضايقتكم !!! هذا مايقوله لهم و............. هدي حائرة متألمه بينهم ، تتمني عاقلا يحل المشكله ، لكن العقل والثروة في عائلة الحاج ابو حسن لايجتمعان !!!
خرج من منزلها متسارع الانفاس ، اكثر تصميما علي المضي في رحلته الموحشه !!!
وبعد اسبوع ، وصل لكل منهم اعلان من المحكمه بتحديد جلسه لبيع البيت الكبير بالمزاد العلني !!!!
واصبحت فضيحه عائله الحاج حسن بجلاجل !!!!!!!
وليه ياجدي عملت فينا كلنا كده ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ سؤال تساله هدي لنفسها وهي تبكي ولاتسمع اجابه !!!!


( 27 )
ساعة الحساب

جسد مسجي في غرفه العنايه المركزة ، جسد عليل تمزق الخراطيم اوردته وشراينه ، يتنفس بصعوبه ووجه ازرق !!!
في غرفه العنايه المركزة في اكبر مستشفيات القاهره ، يرقد زكريا يعاني من جلطات تمزق صدره الما ، الزياره ممنوعه والوحدة رهيبه والموت يداعبه وكأنه يتعجله ليرحل ....
دخلت هدي علي ابيها ، قبلت يده ومسحت دموعها ....
همس ، ادعي لي ياهدي ، همست ، ربنا يشفيك يابابا ...
هز رأسه ، مافيش وقت للدعوه دي ياهدي وانت عارفه ، انا خلاص مروح ، ادعي لي ربنا يرحمني !!!
قبضت علي اصابعه وقلبها يعتصره الالم ، ربنا يرحمك ويسامحك يابابا ..
تنفس بصعوبه وروحه اختجلت في جسده العليل ، كانها تتمني ربها يستجب لدعاء الابنة !!!
يابابا ، بقالنا سنين كتير  في مشاكل من يوم ماجدي مات ، مش كفايه بقي ، قول لعمامي يدوا عمي سليم حقوقه وخلينا نقفل الصفحه دي!!!!
ارتبك الجسد المسجي قليل الحيله علي فراش الموت ، وصمت!!!
صمت وصمت وصمت وهدي بجواره تنتظر يرد عليها ، والله يابابا ده اللي حيخلي ربنا يسامحك ، الورث ده حقوق ربنا ، هو ليه نصيب حياخده مهما طال الزمن ، اخلص من الحمل اللي علي قلبك ده يابابا وكفايا ظلم !!!!
تمنته يوافقها ويأمر اخوته يعطي اخيهم غير الشقيق ميراثه ونصيبه في تركه الحاج حسن !!!
وفجأ ، احست الصقيع يسري في جسدها ، نظرت لابيها فلم تجده ، رحلت الروح وتركت الجسد واهن ازرق فوق فراش الموت!!!
انفجرت هدي  في البكاء ، مات ابيها قبلما يفتح في وجه روحه ابواب الرحمه !!!
سمعت صوت سليم في اذنها يصرخ في ابيها واشقائه ، مهما تسرقوني الحق راجع ، بس حتروحوا من ربنا فين ؟؟؟؟
ارتعش بدنها وارتج ، ابيها الان بين يدي الحق ، سيبدأ حسابه عن اعماله ، مالذي سيقوله للعادل عن سليم وظلمهم له ..........
وصفرت الاجهزه الموصله بجسد ابيها تعلن رحيله وارتفع نحيب هدي خائفه عليه من اعماله ....
حتروحوا من ربنا فين ، حتروحوا من ربنا فين !!!!!


( 28 )
الزيارة

اتصل بالمحامي واخبره يتخذ اجراءاته لبيع البيت بالمزاد العلني ، اخبره ان كل محاولاته في التصالح مع الاسرة فشلت وانهم لن يكفوا عن اذاه حتي " يمرمغ " انوفهم في الوحل ، وافقه المحامي وبدأت الاجراءات، وطرق المحضرون ابواب الاسرة وورثة الحاج حسن يخطرهم بجلسه البيع !!!
تمني سليم لو اتصلوا به يرجوه الا يهدم البيت ، ربما لو توسلوا اليه ماهدمه ، ربما طغي وقتها ورفض رجائهم وصمم علي المضي قدما في كل اجراءاته ، لكنهم لم يتصلوا به ولم يتوسلوا اليه ، فقط ارسلوا هدي له برساله اخيره ، علشان خاطري انا ياعمي ، كفايانا لغايه كده ، لما حنبيع البيت ، هيدوك كل نصيبك في الميراث ، في البيت وغير البيت ، حيدوك كل اللي ليك عندهم ، كفايه قضايا ، اوعدني انا وعلشان خاطري انا ، لما يحطوا لك فلوسك في البنك ، تقفل باب القضايا وتسيبهم بقي يعيشوا حياتهم وكفي المؤمنين شر القتال !!
وافقها بسرعه ، ارهقته القضايا والتأجيلات وجلسات الخبراء والكذب المتبادل ، ارهقه المحامين والقضاه والاحكام ومواد القانون ، افسدوا حياته ، حنين تنتظر حبه ولاتجده ، وامه تنتظر بره ولا تراه ، وهو لايري نفسه الا فارس يحمل سيفا مسلولا يقف علي اهبه الاستعداد طيله الوقت للمعارك المتلاحقه !!
حاضر ياهدي علشان خاطرك انت ، احتضنه وقبلته ، كادت دموعه تنهمر ، الحنان يقتله ، الحنان الذي حرم منه يضعفه ويوهن قلبه ويأسره !!!
وقرر سليم ان يذهب للبيت الكبير في زياره اخيره قبلما يهده ويبع انقاضه وارضه ويمحوا تاريخه من فوق وجه الارض التي ظلمته ولم تمنحه مع بقيه الاسره تاريخا ولا وجودا ولا املا !!!
هي الزياره الاخيرة ، دخل البيت منتصرا ، البيت متهالك يتهاوي ، يجوب بين جدرانه متأففا ، وكأن البيت الذي يحتضر يلفظه بعيدا ، لست ابني ولاحق لك تشاركني لحظاتي الاخيرة ، يسمع همس مرير في اذنه وكأن البيت يغلق بوابته في وجهه !!! يسمع عواء روحه علي عتبات البيت تتمناه يفتح لها ابوابه ، لكن ليالي التمني طالت وطالت وظل الباب موصد في وجهه ... 
يتوتر ، يتمني يلكم الجدران يحطمها ، انا ابنك الذي اغلقت ابوابك في وجهي ومازلت تغلقها ، انا ابنك الذي لم تترك لي مقعدا ولم ترسم علي جدرانك لي ضحكه ولم تحتفظ لي بذكري ، انا ابنك الذي ظلمته بقلب بارد فذبحك بقلب ابرد ، يضحك سليم ، ياحاج حسن ماكان الطيب احسن ، اهو ، الايام مرت وعدت وانا اللي بعت بيتك وهديته ، انت اللي بديت بالظلم ، والبادي اظلم ، انا بارد لك وجعك ، مش صحيح ياحاج حسن انه مش فارق معاك ، مش صحيح ، فارق معاك ، انا شايفك بتتعذب في اخرتك ، بتتعذب لان ظلمك بيترد لك ياحاج حسن ، كفر عن ذنوبك تجاهي لو تقدر !!!
يهمس سليم وهو يتجول في البيت الذي عاش سنوات طويله لايتمني الا يقترب من بوابته العاليه يفتحها ويدخل مبتسما منتصرا ، انا سليم ابو حسن من اولاد البيت ، لكن البوابة لم تفتح له ابدا ، مازال يتذكر امه تقف امام البوابه وهو في يدها صغيرا ، ترسل للحاجه واولادها المراسيل ، ابنكم ربوه وسطيكم ، انسوني وخدوه ، لكن الحاجه لعنتها واهانتها واغلقت البوابه في وجهها ووجه صغيرها ، لو اخذناه لاعترفنا بك ، لو اخذناه لذكرنا بك وبالفعله الشائنه التي انجبته ومنحتك صفه لاتستحقيها ، نعم هو ابن الحاج لكنه الابن المنبوذ الملفوظ الذي لامكان له ، ليس من  حقه الا اسم في الاوراق الرسميه ، اسم يمنحه حقوق لكن لايمنحه عائله ولا نسب ولا انتماء !!!!
مازال سليم يدور بين جنبات البيت المتهالك ، ويضحك ويضحك ويضحك ، يدخل غرفه نوم ابيه ، هنا كنت تنام ياحاج حسن ، هل هذا فراشك ، كنت اتمني ادخل في حضنك ، اجلس تحت قدميك مثل بقيه اخوتي ، ضحك سليم ، ليسوا اخوته ، لم يعترفوا به ولم يعرفهم ، كنت اتمني انام في حضنك مثل كل الصغار ، لكنك اوصدت حضنك وبيتك وعائلتك في وجههي ، وابقيت البيت الكبير حكرا علي ابناء الحاجه واغلقته في وجهي ووجه امي ، وهاانا ادفعك الثمن وارد لك صاعك الف صاع وابيع بيتك وبيتك ابناءك واهدمه وامحو اثرك وذكرياتك من علي وجه الدنيا ، حاولت محوي من حياتك وسايرك اولادك ومحوني من عائلتهم ، وحان الوقت لارد عليكم جميعا ............ مازال يضحك ويضحك !!!
يخرج للصاله ، يتأمل العصا الابنوس الملقاة علي الحائط ، هل هذه عصاك ياحاج حسن ، كنت تتكأ عليها لتسير وتتحرك ، وانا ، لما لا تتكأ علي ، لما لم تسند علي كتفي ، لو اعترفت بي صغيرا لراعيتك كبيرا ، وكنت احن من العصا الابنوس ، لكنك فضلت عصاك علي ، واتكأت عليها ولفظتني ، ساكسرها ياحاج حسن ، ساكسرها ، لا لن افعل ، سأتركها ملقاة باهمال علي الحائط ، غدا او بعد الغد سيبعها المشتري في سوق الكانتو ويكسرها احد الحمقي ويحمي به فرن بيته ، ستحترقي بنفس النار التي احترقت انا بها ، احترقت بنار الاهمال والكراهيه ، وهاانا اشعل نيراني في البيت والجدران وفي العصا الخشبيه وفيكم جميعا ياعائلتي الحبيبه ، عائله الحاج ابو حسن !!!!!!!!!!!!!
ويغادر البيت و.................... يمحوه واصحابه من علي وجه الارض !!!ا

( 29 )
كراهية

في صاله السفر احتضنته هدي بحب ، دموعها تنهمر سخيه ساخنه ، خلي بالك من نفسك ياعمي ، يحتضنها بحب ، خلي بالك انت من نفسك ومن حنين ، يسافر بكبده العليل صوب المستشفي التي ستمنحه كبدا جديدا يمنحه حياة اخري بعد حياته التي فسدت وصحته ايضا ....
تمني لو حضرت عائلته وودعته ، لكن العائله التي هدم بيتها ومحي تاريخها لم تصفح عنه ، لم تلتمس له الاعذار ، لم تقبل مبرراته في افساد حياتها ، همست ابنة عمتها ، ان شالله يموت مايرجع ، وهمس ابن عمها الاكبر ، ربنا ينتقم منه علي اللي عمله فينا ، قالت عمتها الهرمه ساخره ، عايزاني اروح اودعه واقوله ترجع بالسلامه ، ولاعمره يحصل ، لكن لو مات ، ندر علي استقبله في المطار بزفه دمياطي !!!
بكت هدي لقسوة عائلتها علي عمها ، بكت حزينه ، مبسوط ياجدي ، اشعلت النار في العائله فاقتسم ابناءها الكراهيه ، كلهم ضحيه وكلهم مجني عليه ، كلهم قاتل وجان ، كلهم ضعيف وشرير ، اوجعتهم الايام فامسكوا الانصال يمزقوا قلوب بعضهم البعض ، لاينتبوا ان كل الدم المراق علي الارصفه وقاعات المحكمه هو دمهم جميعا ، دم عائله الحاج حسن الذي اراقه الابناء ببلاده وقسوه وكراهيه غير مكترثين بالعذاب الذي يتعذبه كبيرهم في قبره وهو يري ابناءه واحفاده يتقاتلوا بكل هذه الشراسه والقسوه والكراهيه !!!
تذكرت هدي كل مشاجراتها مع ابيها بسبب سليم وبسبب جدها حسن ، تشاجرت مع ابيها وقت نهرها لانها تلتمس لجدها الاعذار فيما فعله، تشاجرت مع ابيها وطالبته يصفح عن ابيه الذي بين يدي الرحمن لايستحق نقمتهم وغضبهم !!! يومها زأر ابيها في وجهها بصوت مخيف واخرسها ، لم يفتح معها الموضوع ابدا بعد ذلك اليوم و..............ماتت جدتها مقهورة غاضبه ، لم تفلح كل الايام تصالحها علي زوجها الحاج حسن الذي غدر بها وقت حياته ولم تعرف وبقيت تحبه حتي مات وحين مات اكتشفت غدره وخديعته فغضبت منه وخاصمته ولم تسامحه طيله حياتها ، فوضت امرها لربها وشكته للمنتقم الجبار .............. وماتت لم تسامحه وافصحت لابنائها ان ربها سيقتص من ابيهم علي مافعله فيها وخديعتها و.... ماتت !!!
ومات ابيها ثم مات عمها الحبيب محمود بعدما اصابته جلطه مفاجئه اقعدته واخرسته حزينا مقهورا ، ومات البيت الكبير والذكريات وتغيرت الحياة التي كانت تحبها !!!
ليه ياجدي ، عملت في نفسك كده ، وعملت فينا كده ؟؟؟
سؤال اتاها مباغتا من طفولتها ، اتاها بريئا ساذجا مثلما كانت تحسه وهي طفله !!!لكنك ياهدي كبرت وعاركت الحياه وخابرتيها وعرفتي ضعف البشر وحمقهم ونزواتهم !!!
الن تسامحي ياهدي ؟!!! مازالت تبكي،سامحتك ياجدي سامحتك لكني واحده وسط قبيله الحمقي الذي انجبتهم من صلبك وتجري دمائك في دمائهم ،جميعهم لم يصفحوا ولم يسامحوا ولم ينسوا ، وجميعنا انا وانت وهم وسليم والبيت الكبير ندفع الثمن !!!!!!
من الذي سيدفع الثمن ياجدي ؟؟؟
ومازالت في حضن عمها في المطار تودعه وتتمني عودته سالما وتأمل في الايام القادمه خيرا لاتعرف شكلا ، كفانا قتال !!!
و.............. سافر سليم وترك خلفه هدي وحنين يتمنيا عودته سالما وبقيه عائلته تتمني موته لتشتمت فيه عن كل مافعله فيهم و................ الله يرحمك ياجدي ويسامحك علي كل اللي عملته فينا !!!


( 30 )
شماتة

يقف سليم امام باب العماره العاليه التي يحتل مكتبه دورها الثالث ، يقف امام العماره يملأ رئتيه بالهواء البارد لليل يناير ، ويرتجف ، وكأنه حزين !!! عجيب سليم ، يشعر بالشماته والفرحه والاحساس بالانتصار علي ابيه الذي مات منذ عقود بعيده ، لكن احساسه بالشماته يوخز قلبه الذي مازال رغم كل شيء يحمل مشاعر حب اوجعته للاب الذي رحل مبكرا عن حياته دونما يعترف به او يضمه في حضنه ،  فصارت مثلما صارت !!!!
خلاص ياحاج حسن ، البيت اتباع واتهد والانقاض اتباعت ، والعفش القديم الكهنه اترمي وعصايتك الابنوس في النار زيك بالضبط !!!!!!!!!! وادفع ياحاج حسن الثمن !!!!


( 31 )
الافاقة

الجدران شاحبة ، الجسد مسجي ، الوعي مخدر ، الاطباء يحيطوا الفراش يراقبوا المريض الملقي فوقه مراقبه دقيقه ، تقرأ الشاشات كل المؤشرات الحيوية ، النفس بطيء ضعيف ...
العملية انتهت منذ فتره قصيرة والمريض مازال في لحظات الافاقه الصعبه ، الكبد الجديد تجري في اوردته وشراينه دماء الحاج حسن وعائلته ، كلهم يجروا في اورده وشرايين الكبد الفرنسي الذي كان لرجل طيب يتزحلق فوق الثلوج فهوي ، غيبوبه يعرف معناها الاطباء ، موت جذع المخ وسكون يدفعهم للبحث عن بطاقه التبرع التي يحملها الفرنسين بين طيات ملابسهم ، انها بطاقه منح الحياة الجديدة لسليم ، الرجل الفرنسي الطيب منحه الحياه ورحل فرحا لان عمره امتد في عمر الرجل الذي كاد العمر يرحل عنه ويتركه وينهي ايامه ..
يأتيه الحاج حسن في خيالات الافاقه ، يتحدث فرنسيه يتعجبها سليم ، يقبله علي جبينه بحنان لايفهمه سليم ولايفهم مبرره ، لكن دموع الصغير المقهور تجري علي جبينه تبلل شيبه الاب العجوز القاسي ، حمد الله علي سلامتك ياابني ، ينتفض جسد سليم فتئن الشاشات تكشف عن عرض لايفهم الاطباء الفرنسين مبرره ، ينتفض سليم ، لايعرف فرحا ام غضبا ، اخيرا بقيت ابنك !!
ينهره العجوز ، يابني انا جاي اقولك كلمتين ابرك من ميه ، انت انكتب لك عمر جديد ، ماسالتش نفسك ليه ، ليه ربك رضي عليك ومد في عمرك ، لجل تكمل حرب ومناقرة ، لجل تنتقم من ولادك وتسود ايامهم ، اولادي ، هما مش ولاد اخواتك ، يبقوا ولادي ، من امتي، من اليوم اللي قررت فيه تحارب علشان تلاقي لروحك في وسطيهم مكان ، بس هما عمرهم مافسحوا لي ، غلطانين زيك ، لا انت اللي غلطت فينا كلنا ، هز العجوز راسه ، موافق ، انا غلطت ، لكن مافيكوش عاقل ، مافيكوش عاقل رمي علي نار الحريق مية المحاياه وقال نعيش ، كلكم نفختم فيها ، ينتفض الجسد الخدر فتعود الشاشات لسكينتها وينتظم النفس والنبض ، ماكانش قصادي حل ، مش حاقولك غلطان لان العايط علي الفايت قله عقل ، ماكانش قصادك حل ، واللي بدك فيه حصل واكتر ، هديت البيت وبعته ورميت عصايتي للنار تاكلها زي قلبك ، وسودت ايامهم وايامك ، كفاياك بقي ، العمر الجديد اللي ربك اداه لك مش علشان تبعتر ايامه في الحرب ، الراجل الطيب الي اداك حته من جتته له حقوق عليك ، تشكر ربنا علي نعمه وتشكره انه مد في ايام عمرك ، ماتخليهوش يلعن ابو اليوم اللي وصل ايامك بايامه ، ماتخليهوش يقول كان خساره فيه الكبد والعمر ، كفاياك بقي ، كفاياك ياابني .. مازال الجسد مسجي علي فراش المستشفي والعقل خدر والغيبوبه ترحل والكلمات تتبعثر من فم سليم هذيان بالعربيه احيانا وبالفرنسيه احيانا اخري والاطباء مبتسمين سعداء ان العمليه نجحت والمريض يوشك يفيق ويعود للحياه ، انا غلطت وانت غلطت وكلكم غلطتم ، مافيكوش عاقل ولا رزين ، مافيكوش حد عرف يطفي نار الحرب ، كلنا دفعنا تمنها ، انت حياتك ضاعت وهما حياتهم اسودت وانا اتمحي اسمي وتاريخي واتهد بيتي ومابقاش فاضل غير عضم الترب ترموه لكلاب السكك تاكله ، خلاص ، كفايه كده عليكم كلكم ، عيش بقي ياسليم واشكر ربنا علي كل نعمه ، يلوح له مودعا ، انا حامشي ومش حاجي تاني ، بس الكلمتين اللي عندي قلتهم ، عيش ياسليم ، انا عشت بالطول وبالعرض وانت ماعشتش !! لو فضلت علي اللي في راسك انت الخسران ياسليم ، انت الخسران !!!
وفتح سليم عينه فابتسم الاطباء وهمسوا ينهنئوا بعضهم بسلامه المريض الذي منحه الكبد الجديد فرصه جديده في الحياة..


( 32 )
حسن

شرح سليم لحنين وهما عائدين من عند الطبيب الذي اخبرها ان في رحمها جنين صبي ، شرح لها ، حأسميه حسن علي اسم ابويا ، ابتسمت حنين، اخيرا اعترف سليم بان حسن ابيه ، الايام غيرته فعلا ، اكمل لها وهو يحتضنها بعينيه انا المره دي اللي حأمد جدري في الارض يطرح عيله وعزوة ، ابتسمت حنين وهمست ، والله الراجل الفرنساوي اللي اداك كبده ده اكيد كان راجل طيب ،اكمل كلامه كأنه لم يسمعها ، ولما  تجيبي بنت حاسميها هدي !!!
ابتسمت حنين واحست بسعاده جارفه تجتاحها ..وسليم ايضا..


قصيدة (اترك قلبك في البيت ) للشاعر اسامة جاد
منشورة في ديوان ( الجميلة سوف تأتي ) ...



نهاية الجزء الثالث والحدوتة

ليست هناك تعليقات: