الجزء الثاني
( 14 )
الدكتور منسي
جالسا في غرفه البحث البحرية
بشرفتها الواسعة فوق مكتبه القديم الذي اشتراه من احد الباعه الذين يفرشوا بضاعتهم
في شارع هدي شعراوي ، ذلك الشارع الذي خصصه بائعيه لبيع الانتيكات والمفروشات
القديمه ، كان عائدا من النادي سيرا علي الاقدام كعادته ، يمر من الشارع مثلما
يفعل كل يوم من اربعين سنه ويزيد ، شد بصره ذلك المكتب القديم ملقي علي الرصيف ،
شد بصره ؟؟ ليس هذا هو الوصف الدقيق لما حدث للدكتور منسي ، المكتب القديم اختطف
بصره ، خلع قلبه ، احسه وكأنه يناديه ، وقف امامه مشدوها ، يفكر اين شاهد هذا
المكتب او مثله ، تلك النقوش البديعه فوق الخشب ، تلك المنمنمات الصغيرة ، تلك
المقابض الداكنه ، سطح المكتب الكبير ، اين شاهد مثل ذلك النحت الدقيق فوق وجه
الخشب ، ربما في بيت جده قبلما يهوي منهارا اسقفه فوق جدرانه بعدما بقي شامخا
سنوات طويله قرن او قرنين من الزمان ثم دب فيه الهرم والقدم والعجز والشيخوخه
شروخا رقيقه دقيقه هدمت بدنه قبلما تهيله اكوام عاليه من التراب ، هل مكتب جده كان
يشبه ذلك المكتب ؟؟ لايتذكر منسي بدقه شكل مكتب جده ، لكن صورا ضبابية تتراقص امام
مخيلته تشبه ذلك المكتب ، ربما شاهد ذلك المكتب في بيت المعلم اليوناني صديق جده ،
ربما شاهده وقتما اصطحبه الجد وهو صغير لزياره صديقه اليوناني ، معلم معه في نفس
المدرسه ، يتكلم المصريه بلكنه خاصه ، تصور منسي وهو صغير ان المعلم اسمه (الخواجه الجريجي ) ولم يكترث بغرابه الاسم ،
لكنه بعد سنوات طويله فهم معني تلك الكلمات الغامضه عليه وقت طفولته لكن نسي اسم
الرجل الذي لم تحتفظ به ذاكرة طفولته فبقي الرجل في عقله اسمه (الخواجه الجريجي )
!!!! نعم ، في بيت (الخواجه الجريجي ) شاهد مثل ذلك المكتب القديم الملقي باهمال علي الرصيف ، مازال يذكر وقتما
دخل منزل الخواجه برفقه جده ، جده مدرس لغة عربية والخواجه مدرس لغه انجليزية
وزميلين في المدرسه الكبيرة التي يديرها " البير روديريكو " بزي
رهبانيته الاسود .... جده والخواجه الجريجي اصدقاء ويقضيا مع بعضهما وقتا طويلا
يتجاذبا احاديث صعبه يشق علي الطفل الصغير فهم اغوارها ...
الصور الضبابيه تتضح ملامحها وتفاصيلها
اكثر واكثر ، يتذكر منسي المرة الاولي التي دخل فيها بيت الخواجه وجده يقبض علي
يده ويطالبه يقبل يد الخواجه احتراما ، في ذلك اليوم اصطحبهما الخواجه لغرفه
مكتبته ، مازال منسي يتذكر تلك الغرفه بكل تفاصيلها مكتب خشب عريق ومكتبه كبير
وكتب تصل من الارض للسقف ، يومها منحه الخواجه الجريجي كتابا ملونا ووعده باخر لو
تعلم قراءه احرفه وقص عليه موضوعه في الزيارة اللاحقة ، الخواجه الجريجي اول من حبب منسي في القراءة
، ومنحه كتبا كثيرا بعد ذلك الكتاب ، منحه كتبا كثيرة ومنحه دافعا للقراءة
والكتابه والتعلم والغوص في بحار الثقافه والعلم ، وحين مات الخواجه وقررت زوجته
ترك البلده الصغيره التي كانوا يقيموا فيها والعوده للقاهره التي ولدت فيها وعاشت
شبابها حتي تزوجت الخواجه وصاحبته في رحله التعليم من قريه صغيره لمدينه اصغر ،
حين قررت الزوجه ، الابلة ريكا ، بيع المكتبة والكتب ، اشتراهم منسي وبحث عن
المكتب ليشتريه لكن الابلة ريكا اخبرته انه منحته هديه لابن صديقتها الست ام صفوان
لانه وقف بجوارها كل ايام حزنها وساعدها علي العوده للقاهره وحمل منقولاتها في
العربات الكبيرة وباع كل ماترغب في بيعه ، وقتها قررت تكافئه فمنحته المكتب القديم
العريق العتيق ملك الخواجه جريجي زوجها وهي تتمني له حظا جميلا مثل زوجها الذي عاش
ومات سعيدا في حياته بكل تفاصيلها جوالا بين القري الصغيرة والمدن الاصغر تاره في
حضن الجبل والصحراء وتاره علي ضفه النيل ، يعلم الصغار اللغه الانجليزيه وفنون
نطقها وكتابتها والاحساس برنين الاحرف وقت قراءتها وسماعها ... اشتري منسي المكتبه
والكتب وبقي المكتب ضالا مع ابن الست ام صفوان صديقه الابله ريكا ، حتي عثر عليه
ملقي علي الرصيف فانتعشت روحه وقرر يشتريه مهما كلفه ، و.............. سرعان
ماافلح بائع الانتيكات المحنك في اقناعه بدفع الفين جنيه في ذلك المكتب القديم
بعدما اقسم له انه اشتراه من سرايه كبيره في الزمالك يبيع الاحفاد فيها مفروشات
الاجداد بكل الاسي غاضبين من الحياه القاسيه وارتفاع الاسعار التي اجبرتهم علي بيع
كنوزهم وكنوز اجدادهم !!!
اشتري منسي المكتب العريق وزين به
غرفه مكتبه مع المكتبه والكتب واحس سعاده لان روح الخواجه الجريكي طافت فوق المكان
وهي تهمس مثلما كان يهمس الخواجه وقتما تستبد به السعاده ، تمام حبيبي تمام !!!!
جلس منسي فوق المكتب يبحث عن مفتاح الحياة ، عن السطر الناقص في بحثه ، يستلهم روح الخواجه الجريجي وروح جده وطقوس الصعيد ونقوشات المعابد واسرار الحضارة العظيمه ويبحث بمنتهي الدأب عن فك الطلاسم التي يعيشها ويعيش فيها ، مالذي يجري في هذا الوطن ومالذي مس روحه ؟؟
المكتب العريق والخواجه الذي لم يعد وصار مصريا وجده الذي حثه يقبل يده بنفس الاحترام والحب ومعابد ايزيس ودموعها والحضارة العظيمه التي حافظت الاف السينين علي اخضرار الوادي وخصوبته وحفظت العلم وكهنوته ومنحت ابناءها واحفادها الروح ليعيشوا ،كل هذا ونصف البلد والاوبرا الخديويه ونبض الشارع وروحه وهمسه المنقوش فوق الجدران وعلي الارصفه يحكي ويبوح عن اسرار المدينه ، كل هذا يعتمل في خياله ووجدانه بحثا عن السطر الناقص !!
جلس منسي فوق المكتب يبحث عن مفتاح الحياة ، عن السطر الناقص في بحثه ، يستلهم روح الخواجه الجريجي وروح جده وطقوس الصعيد ونقوشات المعابد واسرار الحضارة العظيمه ويبحث بمنتهي الدأب عن فك الطلاسم التي يعيشها ويعيش فيها ، مالذي يجري في هذا الوطن ومالذي مس روحه ؟؟
المكتب العريق والخواجه الذي لم يعد وصار مصريا وجده الذي حثه يقبل يده بنفس الاحترام والحب ومعابد ايزيس ودموعها والحضارة العظيمه التي حافظت الاف السينين علي اخضرار الوادي وخصوبته وحفظت العلم وكهنوته ومنحت ابناءها واحفادها الروح ليعيشوا ،كل هذا ونصف البلد والاوبرا الخديويه ونبض الشارع وروحه وهمسه المنقوش فوق الجدران وعلي الارصفه يحكي ويبوح عن اسرار المدينه ، كل هذا يعتمل في خياله ووجدانه بحثا عن السطر الناقص !!
سؤال فكرية يتردد في اذنه ، بجد يامنسي ليه المكان ده
بالذات ؟؟ سالته له منذ وقت طويل قبلما يهيم مع افكاره ونسي يجيبها ونسيها ، بجد
يامنسي ليه المكان ده بالذات ؟؟
مش عارف ، اجاب الدكتور منسي علي
زوجته !!
تجلس علي المكتب امامه تتصفح مجله
بغير تركيز ، تنتظر اجابته التي تأخرت كثيرا !!!
مش عارف يافكريه !!!
هزت راسها لاتعجبها اجابته ، مش
اجابه دي يامنسي ، مش كل ماتقرر تهرب من اسئلتي تقولي مش عارف !!! ابتسم منسي ،
مازالت فكريه تغار عليه ، اربعين سنه زواج واكثر قضتها معه لكنها مازالت تغار عليه
بشده مثلما تغار عليه منذ اليوم الاول لزواجهما !!!
ابتسم منسي فاغتاظت فكرية وقبلما
تصرخ فيه ، همس برقه ، يافكريه ، شيلي الافكار دي من راسك ، انا بحب المكان ، له
روح خاصه كده ،روح بتفكرني يمكن بالخواجه اجريجي والابله ريكا ، يمكن بتفكرني
بطفولتي لما كنت باروح مع جدي عندهم ، اسمع مزيكا وقتها كانت مختلفه خالص عن
المزيكا اللي بنسمعها ونعرفها ، يمكن المكان بيفكرني بيهم ، يمكن بيفكرني بمصر !!!
تسمعه فكريه باهتمام كعادتها ،
مصر ؟؟ سالته لاتصدق ماتقوله ، نادي فيه رقص وشرب وبنات ليل ، بيفكرك بمصر يامنسي
؟؟؟ سرح طويلا قبلما يرد عليها ، تصدقي اه يافكريه ، فيه روح تشبه روح مصر ، يمكن
فيه شخصيتها او وجه من اوجه شخصيتها ، اصل مصر ليها ميت روح وميت شخصيه ، باحب
المكان زي مابحب الغوريه وحاراتها الضيقة وريحه التوابل ، زي مابحب زنقه الستات
والغوايش البلاستيك ، زي مابحب حلقه السمك بعد الفجر والقراميط لسه صاحيه ، زي
مابحب بيت جدي وبيت الخواجه اجريجي ، زي مابحب الجربي ولسانه في راس البر و ريحه السمك
المشوي ، المكان فيه جزء من روح مصر وجزء
من شخصيتها ... واكمل مسرعا ، المكان بناسه كمان يافكريه ، زي كل مكان ماله ناسه ،
وهو وناسه جزء من مصر ، يمكن النادي وناسه جزء من مصر ووجه من وجوها وملمح من
ملامح شخصيتها ... يمكن ، معرفش بالضبط ومافكرتش بحبه ليه ، لكن الاكيد يافكريه
اني بحبه !!!
وهام مع افكاره والبحث الذي انهكه
وقت فكر فيه وكتبه ، شخصيه مصر!!!!
بقيت فكريه امامه صامته طويلا ثم
تحركت صوب الصاله فهمس ، القهوه يافكرية وماتنسيش تحطي مزهر في المية !!! هزت
رأسها ولم تنبس بكلمه !!!
قهوه بوش تقيل وميه بمزهر
و............ يغوص الدكتور منسي في افكاره وابحاثه وتلاميذه وشخصيه مصر والخواجه
الجريجي !!!! وايه اللي حصل يامصر ليكي ولشخصيتك !!!!
وتتسلل نسمه هواء بارده من الشرفه
البحريه تدفع الستارة الملونه امامها وتطير الاوراق والشعيرات القليله الباقيه في
راس منسي وهو مستغرق في تفكيره ...
( 15 )
ليلة عادية
الليل مازال في ساعاته الاولي ،
اصحاب المحلات يجردوا البضاعه القليلة
التي بيعت طيلة اليوم الراكد ، والنقود الاقل التي في الخزانه ويستعدوا للاغلاق بعد يوم عمل ممل وطويل ..
الشارع مزدحم وكأننا في منتصف
النهار ، مليء بالمارة والمتسكعين ، يقتلوا الوقت بالسير في الشوارع والتلطع امام
المحلات والفاترين ، لكن احدا لايشتري شيء !!!
دور السينما ودعت جمهور حفلة
السادسه وتنتظر جمهور حفله التاسعه وتتوق لجمهور حفلة منتصف الليل ..
باعه الصحف ينتظروا سيارات
التوزيع تأتيهم بالطبعه الاولي لكل الجرائد ..
الشابات في الشارع ينظرن في
ساعتهن قلقا من تاخرهن عن عودتهن للبيوت في الميعاد المحدد لهن من اسرهن خوفا
وقلقا وتحفظا علي بقائهن خارج البيوت حتي " انصاص الليالي " ...
الشباب يغازلوا الفتيات بكلمات
خارجه ويضحكوا بصخب لايكترثن باحراجهن ولا احساسهن بالضيق ولا بالشتائم اللاتي
ينلهن بها همسا فوق رؤوسهم ..
العجائز يبحثوا عن جرائد اليوم
القادم ليشتروها قبلما يعودا لمنازلهم يغلقوا الابواب بالمفاتيح ويحكموا اغلاق
النوافذ خوفا من اللصوص واولاد الحرام ..
النساء في المنازل ، يطبقن الغسيل
ويجهزن طعام العشاء وينتظرن المسلسل التركي ..
المراهقين يتبادلوا الرسائل
التليفونيه ويحلموا بالحب والغرام ..
والطلبه تذاكر دروسها وتحلم
بالاجازه الصيفيه والامتحانات علي الابواب بتوترها والخوف من نتيجتها ..
المدينه العتيقه العريقه تعيش
ليلة عادية مثل كل لياليها .. او هكذا يبدو!!!
لكن هذه الليله ليست عادية مثل
غيرها ولن تمر علي المدينه مثل كل الليالي السابقة !!!!
هل كان الدكتورمنسي يعرف ، ان تلك
الليله لن تكون ليله عاديه مثل آلاف الليالي التي مرت عليه وعلي المدينه التي
يحبها !!! بالطبع لايعرف !!!
هل كان يعرف ان الزمن سيقف ويمنح
الموت للمدينه الا بعض عابري شوارعها !!! بالطبع لايعرف !!!
هل لو عرف مانعرفه نحن ، كان
سيترك زوجته فكريه جالسه امام التلفزيون ويذهب للنادي كعادته منذ سنوات طويلة وهو
يؤكد عليها انه لن يتأخر كثيرا و" لو اتأخرت ماتستنيش زي كل يوم ونامي "
!!!
اظنه كان سيفعل ، بالعكس ، لو عرف
مانعرفه نحن ، لتحمس اكثر للذهاب للنادي ، يعيش طقس الموت مع كل رواده اصدقاءه
رفاق لياليه الطويلة ، لو عرف مانعرفه نحن لاصر علي الذهاب وعيش لحظه توقف الزمن
والموت المؤقت في النادي ، ربما وقتها تتفك الطلاسم وينقشع السحر ويفهم مااستعصي
عليه فهمه ؟؟؟
مالذي حدث في تلك الليلة الغريبة !!!
( 16 )
المايسترو
يصعد ناجي السلم بخطوات مرتعشه
صوب النادي الذي صار بيته ووطنه وصار هو ابنه وشعبه !!!
و..........تخرق اذنه اصوات عالية
نشاز !!!
تتعالي وتتعالي ............
تتعالي وتتعالي ...............
وكأنها تحيط بالعماره العالية ،
كانها تقف امام البوابه ، كأنها ستدخل للسلم ، كانها ستحتل العماره والنادي وحياته !!!
صخب نشاز وصراخ ، نبرات غاضبه
وكأنها تتمني تحرق الدنيا بصراخها!!!
لايلتفت خلفه ، لو داهموه
فليقتلوه براحتهم دونما ينظر لملامحهم الغاضبه التي تتصوره عدوهم الوحيد!!!
لايلتفت خلفه والاصوات العاليه
النشاز تحاصره وتعلو وتعلو وترتفع وترتفع .......
ويدفع باب النادي بكل قوته ويدخل
مسرعا كأنه يحتمي بعالمه الذي يعرفه من العالم الموحش الذي يطارده ويهدده في حياته
ووظيفته ووجوده كله !!!!!!!!
يدخل المكان مسرعا ، يدور بحدقتيه
المتسارعتين علي كل تفاصيل المكان ، نعم هذا هو النادي الذي يحبه ، النوافذ
الكبيرة والمناضد المبعثرة ، فانوس يضحك مع احد الزبائن والخواجه يجلس علي منضدته
القريبه من ساحه الرقص يحتسي البيرة المثلجة وياكل ترمس وفول نابت ، البيانو مكانه
لم ينزعوه ولم يكسروه ، الاضواء الخافته توحي بالونس والدفء والطمأنينة ، يدور
ناجي بعينيه بسرعه علي المكان يطمئن انه مازال جميلا علي حاله ، تتسارع انفاسه
فزعا من خاطر مر سريعا وغادره ، ماذا لو صعدوا لهذا المكان وحطموه ، حطموا الجدران
، مزقوا المفارش البيضاء ، كسروا المناضد وضربوهم بارجلها الخشبيه ، ماذا لو صعدوا
وفتكوا بالزبائن والرواد ، ماذا لو خنقوا نوفي وضربوا فانوس كسروا له اسنانه ،
ماذا سيفعل وقتها الدكتور منسي وضيوفه ، كيف سيشعر رجال منظمه اليونيسكو الذين ادمنوا
موسيقاه بعدما زاروا النادي صدفه في اجازه قصيره يقضوها في القاهره وهم المقيمين
في الصعيد يوزعوا الكتب الملونه والاقلام الطباشير والاوراق لاطفال النجوع الحفاه
يعلموهم الرسم والرهافه ويشرحوا لهم النقوش التي تزين المعابد التي ورثوها من
اجدادهم الفراعنه وهم لايعرفوا قيمتها ، كيف سيشعر رجال اليونيسكو وقتما يروا
هؤلاء يحطموا المكان بتاريخه ويضربوهم لانهم كفار زنادقه بارجل المناضد واعناق
زجاجات البيره المكسورة ، ارتجف ناجي ، سيحطموا البيانو ويفقئوا عيونه باصابعه
البيضاء السوداء ويخنقوا عنقه بالاوتار التي طالما عزف عليها اجمل الحانه وروحه ،
ارتجف ناجي لن يحدث ، لن يحدث ، كل تلك الخواطر المزعجه لن تحدث ، دار بحدقتيه علي
المكان وتمالك روحه رويدا رويدا ، اقترب من البيانو وحسس عليه برقه وحبه وكاد
يقبله !!!
هل هذا الفزع هو ذاته الفزع الذي
احس به وقتما صرخوا فيه وهو يعزف موسيقاه ، الاوبرا بتتحرق ، يومها احسن طعنه
غادره شقت جنباته ، احس روحه تزهق من جسده ، الاوبرا بتتحرق ، وقتها النيران
اشتعلت في اصابعه ، احس حريقا يلتهم اصابعه ، لن يعزف ابدا بعد اليوم ، هكذا ظن
واصابعه تحترق ويذوب جلدها وتتفحم عظامها وتتساقط امام عينيه ، الاوبرا تحترق ، الاوبرا
التي تمني سنوات طويله يلتحق بالاوكسترا الذي يعزف فيها اجمل الموسيقي ، الاوبرا
الخديويه تحترق !! لايصدق ، يومها ترك البيانو وهرع مع الكثيرين من اهل وسكان وسط
البلد صوب الاوبرا ، يومها وقف بعيدا والسنه النيران ترتفع للسماء والدخان الاسود
يخنق انفاس القاهره ، الاوبرا الخديويه تحترق ، الملابس التي ارتداها اعظم
الفنانين ، الالات الموسيقيه التي عزف عليها المبدعين البارعين ، النوت الموسيقيه
التي تحمل بين طلاسمها اجمل الانغام لفيردي وتشايكوفسكي وكافاليريي وموتسارت ، كل
هذا احترق ، الاوبرا الخديويه مناره الابداع في مصر ، التي شهد مسرحها اعظم
الاعمال الفنية ، اوبرا عايده كسارة البندق واروح الباليهات بحيرة البجع سندريلا ،
الاوبرا التي جلس في مقاعدها ارهف البشر واكثرهم حبا للحياة والجمال ، الاوبرا
التي انشأها الخديوي اسماعيل وهو يسحب مصر من بقايا الخمول والبلاده المملوكيه
لافق الرحابه والفن والتحضر اسوة باوربا التي قرر ابو السباع استحضار اجمل مافيها
لعاصمة المحروسة ، كل هذا يحترق امام عينيه ، يبكي ناجي والنيران تلتهم روحه وقلبه
، تمني لو انضم للاوكسترا الذي يعزف في رحاب الاوبرا الخديوية ، امنية وحلم صبروه
كثيرا علي كل مصاعب حياته ، عازف بيانو صغير في نادي مغمور يعزف للاجانب والسكاري
، نعم الان هو عازف صغير ، لكن غدا ، نعم غدا ، سيأتي اليوم الذي يجلس فيه وسط
كبار العازفين في الاوبرا الخديويه لتنساب من بين اصابعه اعظم النغمات واصدح الجمل
الموسيقي ، غدا سيأتي مهما تأخر ، هكذا يقول ناجي لنفسه سنوات وسنوات ، يمر امام
دار الاوبرا ويتأملها ويعدها ، سيأتي يوما انضم لفريق مبدعيك و........اليوم الذي
حلم به ناجي لم يأتي واحترقت الاوبرا والحلم ، يومها احترقت اصابعه ، تيبست عظامها
، فقدت طريقها للنغمات ، يومها ظن انه شل لن يعزف ثانيه ، لولا الخواجه ، زاره في
البيت وهو محموم يبكي ، طالبه يأتي بالحانه الجميله التي كان يتمني عزفها في
الاوبرا لرواد النادي ، الاوبرا ليه جمهوره حبيبي مايسترو ، عشره ميه خمس ميه ،
لكن النادي زي الشارع ناس ناس ، اعزف ليهم هما ، هات الاوبرا لغايتهم حبيبي
مايسترو ، واستمع لنصيحه الخواجه وصار يعزف بعض المقطوعات الكلاسيكيه كل يوم ، هنا
في النادي الذي لايعرف الكثيرين اسمه ، يعزف المايسترو موسيقي كلاسيكيه ، يعزفها
ويبتسم ويتصور نفسه في حضرة الاوبرا الخديويه ومن ضمن فنانيها ....
هل ماتحسه اليوم ، هو ذاته
مااحسسته يوم احترقت الاوبرا ياناجي !!!
هز ناجي راسه نفيا ..
وقتها احسست فزع ثم حزن ، اليوم
الااشعر الا بالفزع !!!
همس له هامس في اذنه ، وقتها
احسست فزعا ثم حزن ، اليوم تشعر فزعا لكن من ادراك مالذي سيأته خلفه ، حزن ام فرح
؟؟؟ انتبه ناجي لما يسمعه وتمني يصدق الصوت الذي يهمس في روحه ليطمأنه ، مين عارف
، ربما !!!
مازالت ملامحه متوتره وانفاسه
متلاحقه والفزع يلون وجهه بقسمات غير معتاده !!!
يلمحه النادل ، يساله ملتاعا ،
مالك يامايسترو ، يهدء انفاسه عامدا ، ولا حاجه السلم والصحه ، يكذب وهو يعلم ، لن
يقول للنادل ان الاصوات الغاضبه اخافته ، لايخاف يقتلوه ، بل يخاف يتركوه حيا في
عالمهم الموحش !!! لم يقل للنادل شيئا وتسلل ببطء لمقعده الخفيض امام البيانو
العتيق ، كاد يحتضنه ، اغمض عينيه وهو يتلمس اصابعه كأنه يتعرف عليه
و............. قرر يتناسي كل مايحدث خلف تلك الجدران ويعيش حياته كأن شيء لم يحدث
!!!! ابتسم ورفع ظهره وكاد يرفع عصاه ويمنح فرقته الاذن بالبدايه
و................. اصوات ناعمه تتسلل من البيانو وكأنها تطهر الدنيا من النغمات
النشاز واصوات الغاضبين خلف الجدران !!!!!
وبدات السهرة المرحة !!! او تصور
ناجي انها ستبدأ ....
( 17 )
الدكتور منسي
" ايزيس !!! كيف يمكن فهم
الشخصيه المصرية دون فهم لايزيس ؟؟""
سطر وحيد كتبه الدكتور منسي منذ
ساعات طويله ، يتأمله ويفكر فيه ويهم وكأنه سيكتب سطرا اخر ثم يلقي قلمه ويعود
لتأمل السطر الوحيد الذي كتبه !!!
مازال علي عتبات البحث ، يزركش في
المقدمه بالمحاور الرئيسيه التي سيغوص فيها شرحا وتشريحا للشخصيه المصرية ...
الشخصيه المصرية ، كتب عنها
الكثيرون ، جمال حمدان ، كتب عن عبقرية المكان والزمان والشخصيه المصرية ، كتب لحد
تصور كل علماء الاجتماع انه لم يترك لهم مايكتبوه ..
لكن الدكتور منسي لم يرهبه ماكتبه
الدكتور جمال حمدان ،قرر ينهل من ذات العين ، يغوص في بحار الشخصيه المصرية يكتشف
اغوارها حسبما يمكنه ..
ايزيس ... ايزيس هي مفتاح الشخصيه
المصرية حسبما يري منسي ..
ايزيس .. يهمس منسي لنفسه بصوت
فخيم يحاول يعبر به عن احساسه بقيمتها ..
يحدق في السطر الوحيد الذي كتبه
ويطيل النظر لاحرفه و يسأل نفسه ، ايزيس ، السيدة الاسطورة ، من انتي ؟؟
يبتسم الدكتور منسي وهو حائر يكتب
بحثا عن الشخصيه المصرية ، يسال نفسه ، هل لمصر شخصيه واحده ؟؟يسخر من سؤاله
الساذج ، لمصر الف الف شخصية امتزجت وانصهرت وتضافرت عناصرها لتصنع الشخصيه
المصرية الوحيدة والحقيقية التي يبحث في ماهيتها منذ شهور طويلة !!!
يعرف هذا جيدا ... يعرف ان لمصر
الوف الشخصيات لكن ايزيس تبقي من وجه نظر الدكتور منسي هي مفتاح السر ، مفتاح
الحياة في مصر...
ايزيس ...
ايزيس .... اسطورة تقول انها بكت
اوزوريس حتي فاض النيل !!!
واسطورة تقول انها لملمت اشلاءه
وبعثت فيه الحياه من جديد !!!!
واسطورة تقول انها انجبت من الميت
بعدما بعثت فيه الحياه وصار ابنها ملكا انتقم لابيه الذي عذبها وفرحها وابكاها
ومنحها الخلود بقصتها في البحث عنه واصرارها علي استعادته !!!
نعم .... صرخ الدكتور منسي !!!
نحتاج لايزيس ، تلملم الاشلاء
المبعثرة وتبعث فيها الروح من جديد !!!
مازال يحدق في السطر الوحيد الذي
كتبه في مقدمه بحثه ....
لانحتاج دموعها ؟؟ سال نفسه ؟؟
وكيف نحتاج ايزيس ولانحتاج دموعها
، دموعها ووجعها كان الخير الذي منحته لمصر فيضانا سنويا احتفل به المصريين معها
كل سنه في ليلة الدموع !!!
عجبا لكي ياايزيس ، دموعك خير
وحزنك خير !!
كل مامنحتيه لمصر هو الخير ،
منحتي الوطن دموعا فاضت خيرا سنويا ، ومنحتيها وجعا وشتات اثمر ملكا عادلا حكم مصر
بعدله وانتقم لابيه من قتلته !!!
همس لنفسه .. ايزيس ... من انتي
ياسيدتي ؟؟
صرخ صوت في اعماقه .. ياايزيس
ياربة السماء ياالهه الخصوبة والامومة والخير انقذينا انقذينا !!!!
انتبه الدكتور منسي للصوت الصارخ
في قلبه ، تراتيل في معبد ربه السماء يناديها يستجديها يستعطفها ياربه الحماية
احمينا ، ياربة السحر فكي الطلاسم والسحر والاعمال واحفظينا !!!
مازال يحدق في السطر الوحيد الذي
كتبه ...
احس نفسه تائها في دروب الحيرة ،
يصاحبها رحلتها ، رحله البحث عن يقينها ، عثر معها علي الاشلاء المبعثرة ، معها
يجمع الشتات ويلملمها ، معها ينفخ من روحه في الشتات فتعود حبيبا ، تتساقط دموعه
مع دموعها شلالات خير فيضان يمنح الحياه الخير !!!!
يصاحبها رحلتها بين الاسطورة
والالوهيه والحياه ومصر !!!!!!!!
ويعود لسطره الوحيده يحدق فيه
....
" ايزيس !!! كيف يمكن فهم
الشخصيه المصرية دون فهم لايزيس ؟؟""
( 18 )
صخب
صخب صخب .. ضجيج ضجيج ... صراخ
صوت عالي ...
الصوت اعلي مما اعتادت فكريه علي
سماعه في مثل ذلك الوقت من الليل ...
منهمكة مع برامج السهره المسائية
، تتابع الاحاديث والتحليلات وتسمع الاراء ولايعجبها شيء ، يتكلموا كثيرا ولا
يقولوا لها ماتتمني سماعه ، لايطمئنوها ورغم هذا لاتفوت حلقه ولا برنامج ، تتابعهم
بادمان البحث عن النشوة التي لا يمنحوها لها ، لكنها نشوه المقامرين وقتما يخسروا
كل شيء وهم يتمنوا المكاسب ، يتمنوها وينتظروها فيخسروا اكثر واكثر ..
وقتها يضيع امام الشاشه اسيره
" الريموت كنترول " تتقافز بين المحطات ، لم تمسك كتابا منذ شهور ، تعذر
نفسها بأن رأسها مشغول ومش " فايقة " !!!
تتابع البرامج وهي تتمني يفاجئوها
ذات يوم ويسعدوها باي شيء يقولوه ، لكنهم لم يفعلوا !!!!
اخترق سمعها صخب عالي ، ضجيج ،
صراخ عالي !!!
في نصف البلد ، هذا ليس وقت
الصراخ ، هي لاتعيش في ميدان التحرير حتي تتوقع صخبا وصراخ في اي لحظه من لحظات
الليل او النهار ، تسكن في وسط البلد في عماره عتيقه قرب " كازينو صفية
" كما كان يقول حماها وقتما يزور ابنه ، كان حماها يحكي لها ولابنه عن "
كازينو صفيه " وسهراته الحمراء والبهوات والبشوات الذين كانوا يسهروا هناك ،
لكن "كازينو صفيه" ذهب مثلما ذهبت اشياء كثيرة في المدينه التي كانت
تموج بالحياة ، تعيش فكرية ومنسي في عماره عتيقة في وسط البلد قرب " ميدان
الاوبرا " في نهايه شارع عدلي ، نعم ، هنا ميدان الاوبرا وتمثال "
ابراهيم باشا " ، وكانت هنا الاوبرا الخديوية التي شهدت افتتاح
قناه السويس وحضور الامبراطوره اوجيني ، كانت الاوبرا الخديوية تزين قلب القاهرة
قبلما يأكل مبناها العتيق حريقا عاتي ، يومها وقفت فكرية في شرفتها تصرخ وتبكي
ومنسي يتابع الحريق وكأن النار تأكل بدنه هو والدخان الاسود يملأ سماء القاهره
ويخيم علي مبانيها العريقة ، فكرية تصرخ
وتبكي ومنسي يبكي والنار تحرق التاريخ امام اعينهم ... ماعلينا ، هذا ليس وقت التاريخ
ولا الجغرافيا ، هذا وقت برامج السهرة والقفز بين الفضائيات ، لكن الصخب والضجيج
الذي اخترق سمعها وترها ، اول مافكرت فيه منسي ، اين هو الان من هذا الصخب ،
وبسرعه فكرت في اولادها ، الكبير في دبي منذ سنوات طويله وكادت تنسي ملامحه هو
وزوجته واولاده من طول غيابهم ، والاوسط في امريكا يتشاجر مع زوجته الامريكيه حول
اولاده التي لم تراهم منذ ميلادهم والذين منعته المحاكم الامريكيه من الاقتراب
منهم بعدما حاول يعود بهم لوطنه رغما عن انفها ، والصغير في الاسكندريه يقضي
اجازته الاسبوعيه مثلما اعتاد لسنوات طويله ، فكرت في منسي واولادها وخافت عليهم
جميعا ، الصخب والضجيج يتعالي ويتعالي ، قفزت من فوق مقعدها الوثير للشرفه لتفهم
مالذي يحدث ، هل انهار المبني القبيح الذي بني مكان الاوبرا الخديويه بعد احتراقها
، هل انهار الكوبري الملتوي بين المباني المكدس بسياراته طيله الوقت ، هل تكدست
السيارات في النفق فاغلقته مثلما حدث مرات كثيره فتنفجر السيارات بالصراخ غضبا
واحتجاجا ويصرخ السائقين خوفا من انهيار النفق فوق رؤوسهم ، مالذي حدث اليوم
لينفجر هذا الصخب والضجيج !!
تخرج لشرفتها ، فتري تحت بصرها
مالم تفهمه بسهوله !!!
مظاهره ضخمه كبيرة يزأر اعضاءها بالصراخ ، تعلو فوق رؤوسهم اعلام
سوداء !!!
لاتفهم فكريه ماتراه ..
صخب ، ضجيج ، صراخ !!!
عجبا للغه التي كثيرا ماتعجز عن
وصف مايحدث بكلمات دقيقة ، نعم فمايحدث لاتصفه كل الكلمات التي وصفته ، صخب ، ضجيج
، ، صراخ ، كل هذا لايعبر عن مايحدث !!!!
عشرات ، مئات ، الاف البشر
صفوف متراصه متشابكه الايدي
متلاصقه الاجساد ، كانهم كتله واحده ضخمه عملاقه تتحرك معا !!
رجال ونساء ، جلاليب بيضاء
وعباءات سوداء وطرح وعمم ودقون شعثه واطفال صغار يتعثروا وسط الزحام الغاضب ...
اعلام سوداء فوق الرؤوس تشبه لون
وملامح الغضب المرسومه علي وجوههم
بعضهم ملثمين والبعض الاخر يكشف
تعبيراته القاسيه للاخرين وكأنه يتعمد يخيفهم
يصرخون بصوت عالي ، هتافات عاليه
، غاضبه ، اصواتهم الهادرة تخرج من احشائهم
يتحركون بخطوات بطيئه ، صوت
خطواتهم يرج الارض تحتهم ، يسيرون في الشارع التجاري الواسع ..
لاين يسيرون ؟؟
من اين جاءوا ؟؟
لااحد يعرف !!!
تحدق فكرية في المظاهرة وتهيم
بخيالها مع الاوبرا الخديوية وعصا المايسترو والنغمات الرقيقه التي كانت تنبعث من
مبني الاوبرا فترسم الابتسامات علي الوجوه ، او هكذا كانت تظن او تشعر !!!
تتسمر في الشرفة ، الشارع الذي
طالما حمل رواد الاوبرا للفن الجميل ، يحتلهم المتظاهرون باعلامهم السوداء يصرخون
غضبا ...
يتجهون صوب تمثال ابراهيم باشا ،
هل ستدب الحياه في التمثال ويحاربهم وينتصر عليهم !!!
خاطر جال سريعا في عقل فكريه ، لم
تتمعن في معناه ، لو منسي لاطال التفكير وسرح بخياله طويلا ، لكن منسي استاذ
اجتماع يبحث عن شخصيه مصر وهي ربه منزل تفرغت لتربيه الاطفال ومشاهده التلفزيون ،
هو غيرها ، لذا لم تطيل التفكير فيما تراه ، فقط احست بالخوف يدب في قلبها وتمنت
لو عاد منسي من النادي وجلس بجوارها يشاهدا التلفزيون ، لكن منسي لن يعود الان
وستبقي في البيت وحيده ، عليها تروض افكارها ومخاوفها و............ دخلت من
الشرفه واحكمت اغلاق زجاجها وعادت للشاشه تراقب مايعرض عليها وصوت ضيوف البرنامج
عالي وصاخب مثل صخب وصراخ المتظاهرين ، الكل يصرخ في بعضه ولااحد يسمع غيرها ،
تتمني تغلق اذنيها وتصرخ مثلهم ، تصرخ فيهم كفاكم اقتتال ، لكنها لن تصرخ ، وستصمت
مثل ملايين المشاهدين وهم يشاهدون برامج السهره اليومية و................ مازال
الصوت يأتيها من الشارع عاليا واعلي منه الصوت المنبعث من شاشه التلفزيون ، ومازالت
الطمأنينة غائبة وبعيدة !!!!
( 19 )
النادي
لااحد يعرف بالضبط من صاحب النادي
ولا جنسيته ، المالك الحالي للنادي ورثه من ابيه الذي اشتراه من خواجه قرر السفر
خارج البلاد بعد حركه الضباط ، الخواجه قلق من الضباط وحركتهم وسلاح الفرسان الذي
حاصر رئيسهم في مكتبه ثم حدد اقامته ، ارتعب الخواجه وقرر يعود لبلاده فالحركه
التي تحدد اقامه رئيسها لا امان لها ، باع النادي بتراب الفلوس وهرب بامواله
للخارج قبلما تمنع الحركه الاجانب من السفر ومن تحويل الاموال الوطنيه للخارج !!!
احتفظ المالك الجديد للنادي
بمذاقه ومناضده وشموعه والبيانو والعاهرات الانيقات اللاتي لا يفسدن المكان ولا
يجلبن له بوليس الاداب ، فهذا مكان راق ، يأتيه الاجانب والخواجات للمتعه والسعاده
، اكل جميل وموسيقي ناعمه ونساء لطيفات ، العاهرات لايمارس عهرن داخل النادي ،
بالعكس بين جدرانه يتصرفن كبنات الاسر الراقيه ، الخواجه يري كل مايحدث حوله ،
لكنه لايعلق عليه ولاكأنه يراه ، والعاهرات يتصرفن برقي وشياكه حتي يخرجن من
النادي بصحبه الاصدقاء الذين سيقضوا معهن السهرات الحمراء ، لكن بعيدا عن النادي ،
قد ترقص العاهره وقد تضحك وقد تتشاجر مع "الصديق" لكن النادي ومالكه
والجرسونات والبيانيست العجوز جميعهم لايروا شيءا ، المهم سعاده الزبون صاحب
المكان !!!
حركه الضباط انقلبت لثورة
والاجانب سافروا او معظمهم ، وبقي النادي وكأنه مهجور ، لكن المصريين ،
الارستقراطيه التي اعطتها الثوره ظهرها ، سرعان ماحلت محل الاجانب ، وكأنه الشوق
لوجودهم ، سرعان ماامتلآ المكان بالمصريين اصحاب البذلات البيضاء والاحذيه اللامعه
والبرانيط الصغيره ، سرعان مااحتلوا مكان الاجانب وتصرفوا في المكان مثلهم ،
الموسيقي الاجنبيه الصاخبه ومقارعه الكوؤس ومصاحبه العاهرات والسكر السريع
والمشاجرات ، من يسب الثوره ومن يسب قائدها ومالك النادي يطلب من المايسترو رفع
صوت الموسيقي والسماعات حتي تطغي علي صوت الحوارات السياسيه!!
والمهم " الناس تنبسط خبيبي
" ويرفع المايسترو ناجي صوت الموسيقي والسماعات اعلي واعلي !!!
( 20 )
نوفي
تسير نوفي في الشوارع المظلمه
والمطواه تحت اصابعها والقلق ينهش صدرها ، لم تعد المدينه كمان كانت ولم يعد
الامان كمان كان ، تخاف تسير وحدها لان الصيع في الشوارع كثر لايجدون مايفعلوه الا
التحرش بها ...
تشاجرت مع احد الصيع مرة ، طاردها
بعباراته الخارجه ، خدش حياءها ، ترنح وكأنه مخمور واخذ يلقي بجسده فوقها ، يدس
اصابعه في ثنايا جسدها كأنه لايقصد ،دفعته بيديها بعيدا لكن لم يبعد ، سبته وكالت
له من الالفاظ ماتخاف تقوله ، اخرج من جوفها المرأة العاهره التي لاتقبل ان تدوسها
الاقدام ، رفعت صوتها عليه وسبته بالفاظ مخيفه ، تراقصت في الشارع وعايرته برجوله
منقوصه ، لو راجل بحق كنت دورت علي مرة وتقفل عليكم باب ، لكنك خيخه ومدلدل ومالكش
غير في شغل الاتوبيسات والتلزيق ، ياعره ياناقص ياهايف و......... شتائم اقذع مما
يمكن كتابته مصحوبا بحركات منفلته لاصابعها وحاجبيها وهز وسطها ، لم يرتدع وبدا
وكأنه مخمور او " شامم كوله ياروح خالتك ولا ضارب راسك صراصير وجاي تسرح بيها
علي جتتي " بليد لايبالي بكل ماتقوله ، يبتعد عنها وكأنه خاف وسرعان مايعود
ويرتطم بجسدها وينهشه باصابعه ، وقتها رفعت عليه مطواتها ولعنت ابيه وامه وكادت
" تعلم " علي وجهه بنصل غضبها ، تكالب عليها اصدقاءه ممن يقفوا علي
ناصيه الشارع المظلم ينتظروا انثي ليتحرشوا بها او زبون يشتري منهم المزاج الواطي
" كودافين وصراصير وكافه شيء " ، انتبه اصدقاءه لسبابها وفضيحه صديقهم ،
تكالبوا عليها وتجرؤا علي جسدها ومزقوها بالسنتهم المعووجه " وحتعملي علينا
شريفه يامسح البلاط ياتوك توك بيتركب من غير بنديرة " ورفع واحد منهم مطواته علي
رقبتها وهو يصرخ فيها ، عايزه يابنت الحرام تعلمي علي وشه ، تكسريه ، يقولوا ايه
احبة وفردت قلوعها عليه ، يابنت الحرام ده انت مالكيش سعر ولا دية ، يلوح بالمطواه
في وجهها يرعبها ، اعلم علي وشك يابت فتبوري وياكلك الدود وانت مطرحك الناس تقرف
تهوب منك ، ولا اجزك يابت ويقولوا احبه وماتت ، وصوته وفحيح نبراته والغضب المنبعث
من عينيه الحمراويين ونصل المطواه يصعد ويهبط امام عينيها ، كل هذا ارعبها ،
وارعبها اكثر الرجال الذين تدافعوا حولها يمزقوا ملابسها وصراخها وسبابها يزيد
اثارتهم وجنونهم حتي كادوا يغتصبوها في الشارع ، فكرت تتوسل لهم يتركوها لكنها لن
تفعل ، لو توسلت لهم لضاعت للابد ، سيستهينوا بها ويستقصدوها في الرايحه والجايه
ويعملوا عليها حفلات زفره تكرهها في نفسها وفي حياتها ، لن تستجديهم يتركوها ،
ستصرخ عل احدهم يشفق علي حالها وينقذها من بين ايديهم ، سرعان ماوثب عمال الجراج
وبوابين العمارات التي تمر عليها كل يوم و انقذوها من ايديهم بعد معركه قصيره
انتبه طرفيها لضرورة انهاءها وبسرعه قبلما تظهر الحكومه فتلمهم جميعا وفين يوجعك
لغايه مايبان لهم صحاب ، انقذوها وحذروها ، الدنيا اتغيرت ياست نوفي ، خلي بالك
علي نفسك و...........عادت لمنزلها يومها تبكي واغلقت الباب عليها يومين لتتمالك
نفسها التي تبعثرت في الشارع وسط الليل ... تركت تلك الحادثه في روحها ندبة عميقة
من الخوف الذي لم تكن تشعر بمعناه ولا يؤثر فيها ، نعم يومها خافت وارتعبت ، نص
البلد لم تعد مثلما كانت ، لم تعد مكان راق لاصحاب المزاج ، الشمامين والعواطليه
والصيع عششوا فيها زي الوطاويط مايبانوش الا لما الدنيا تغمق وتضلم ، نص البلد
مابقيتش هي خالص ، فكرت نوفي بعد تلك التجربه الصعبه تستاجر حارس شخصي يصاحبها في رحلتها اليوميه ،
لابد من راجل طول بعرض يعلم السبرسجيه يلموا نفسهم ويقتصروا ناحيتي ، فكرت في
استئجار حارس شخصي ، لكن الايراد قليل والعملاء اكتئبوا فابتعدوا والنادي يعاني من
قله زبائنه والايام سوده ، عدلت عن الفكره رغم وجاهتها ، لن تقتطع من دخلها القليل
راتب لحارس شخصي ، والحارس هو الله ، قررت تعيش وكأن شيئا لم يحدث وقررت تنسي او
تتناسي الحادث الاسود في اليوم الاسود ، نعم ذلك اليوم ترك في قلبها وجل وارتعاشه
لاتشعر بها الا بعدما تصل للنادي ، تتشاهد لانها وصلت بالسلامه وتعيش اليوم بيومه !!!!
ومازلت تسير بخطوات مرتبكه في
الظلام واصابعها تقبض علي الحقيبه والمطواة و....... تتمني تصل للنادي بسرعة !!!
( 21 )
النادل
منذ ثلاثين سنه وهو يرتدي الجاكت
الابيض ورابطه العنق السوداء ، هو والمكان والخواجه وعازف البيانو لم يتغيروا وكل
شيء تغير حولهم ، رواد المكان تغيروا وطبيعه المناقشات التي يتحدثوا فيها ،
الاغاني تغيرت ولون الستائر وشكل زجاجات البيرة واطباق المزه ، كل هذا تغير ويتغير
الا فانوس والخواجه وناجي عازف البيانو ، علمتهم الايام كيف يفهموا الريح التي
ستهب عليهم ، لايكترثوا بالسياسه ولا حكاياتها الا بقدر ماستؤثر علي عملهم واكل
عيشهم ، لكن هذه الايام سوداء ، الريح عاتيه وكأنها ستخلعهم جميعا من جذورهم ، هي
الحكايه حتخلص علي ايه ؟؟ يسال نفسه دائما وتجرأ مره وسال الخواجه ، ضحك الخواجه
علي اي حاجه مش مهم حبيبي ، شفنا كتير عبد الناصر والتأميم ، السادات ومعاهده كامب
دايفيد ، حسني مبارك والوقفات الاحتجاجيه علي سلالم نقابه الصحفيين ، في كل وقت من
هذا كانت الريح تهب عاتيه علي وسط القاهره التي كانت كوزموبولتنيه ولم تعد ، جروبي
اشتراه الحاج "لقمة" وتوقفوا عن بيع البيرة والجامبون ، وقتها تصور
البعض ان البلد ستتغير وانهم سيمنعوا البيرة نهائيا ، لم يحدث ، جروبي توقف عن بيع
البيره فصعد رواده لنادينا بحثا عن البيرة ، ايام السادات امتلئت وسط البلد
بالاسرائيلين ، تصور البعض ان المناضلين اليساريين سيكفوا عن التردد علينا احتجاجا
وغضبا علي الوجود الاسرائيلي الكثيف لكن المناضلين سبوهم وغضبوا منهم وسرعان
مانسوا وجلسوا جميعا يحتسوا البيرة المثلجه بلا مناقشات وتجاهل كل منهما الاخر ،
ماتخافش فانوس ، اللي يحصل حايحصل ، احنا زي مااحنا ، سقع البيره سقع فانوس واستعد
لسهره الليلة !!!
يصل للنادي في ميعاده اليومي كمثل
كل يوم ، في الخامسه مساءا ، يخلع ملابسه ويرتدي الجاكت الابيض والبنطلون الاسود
والببيونه السوداء ، يرص البيره في التلاجه وفوقها التلج ، يراجع بنفسه المناضد
والمفارش والشموع التي تزركش المكان بوهج دافء جميل ، في الثامنه يفتح النوافذ
للهواء النقي الطازج وفي الايام الحارة يفتح التكاييف ، سيبدأ الرواد في الوصول
للمكان سريعا ، علي التاسعه ونصف ستصل نوفي وصديقاتها ، سينثرن البهجه في المكان
رقص وضحك وميوعه لطيفه ، في العاشره سيصل الدكتور منسي واصدقاءه ، سينزووا في
منضدتهم التي لايغيروها ، صوت احاديثهم منخفض وضحكاتهم هامسه ، مجموعه من الرجال
يحسهم فانوس وكأنهم مجلس اداره شركه ضل طريقه لناديه ، ليسوا مثل الرجال الاخرين ،
لايبحثوا عن نكته خارجه ولا يرقصوا مع نوفي ويلصقوا اجسادهم في جسدها اللين
منتهزين فرصه الظلام ليعبثوا به قدر ما يستطيعوا ، ليسوا مثل الرجال الاخرين ،
تحسهم في مأموريه علميه ، نعم بعضهم يشرب البيرة واحيانا يحضروا معهم زجاجه ويسكي
فاخره ، في بعض الاوقات النادره تراهم مبسوطين وتتراقص اجذاعهم مع موسيقي
المايسترو ، لكنهم في اغلب الاحيان يجلسون كالصقور يراقبوا مايحدث بكل انتباه....
( 22 )
الدكتور منسي
عندما بكت ايزيس بحثا عن مليكها المغدور
ازوريس ، فاض النيل وفاض...
من حزنها صنعت لمصر الخير ، ليس
عاما ولا عشره بل مئات القرون ، من حزنها ودموعها كان الفيضان ، ماءا احمر مشوبا
بالطمي ونثرات القلب وشذرات الحب المعذب بالفراق والغدر ، من هذه الدموع التي فاضت
من ينابيع الحزن كان النيل وكان الفيضان ..
هكذا امن المصريين القدماء ، بأن
ربه السماء والهه الحكمه هي التي صنعت واديهم وحضارتهم ، واحتفلوا بدموعها كل سنه
في شهر بؤونه من كل عام ، احتفلوا بليلة الدموع ، التي تأتي بالخير والفيضان
والحياة لمصر !!!
انهي منسي الجملة وترك القلم واخذ
يتأملها ومعانيها ومابين السطور!!
يسال نفسه ، الحزن في مصر القديمه
لم يصنع شقاءا بل صنع فرحة وسعاده وخير ونماء !!
عجبا لهذا البلد وشخصيته وروحه
!!!
يعود منسي لايزيس التي بحثت عن
زوجها الممزقه اشلاءه في ارجاء مصر ، بحثت عنه وهي تبكي ، اضناها البحث وصاحبه
الحزن بدموعه الوفيرة ، منحت ايزيس مصر من دموعها نهرا خالدا وفيضانا سنويا يروي
الظمأ والارض ومنحتها مليكا عظيما وقتما لملمت الجسد المبعثر واعادته بسحرها
للحياه وحملت منه ابنها حورس ملكا اشاع العدل وانتقم لموت ابيه بقتل اله الشر !!!
فقرة ثانيه كتبها منسي وهو يبحث
عن شخصيه مصر وروحها ...
هل كان الملك اوزريس ملكا لمصر
مزقته قوي الشر فلملمت ايزيس اشلاءه ، ام كان اوزريس في تلك اللحظه متوحدا مع
الوطن الذي يحكمه ، الوطن الذي مزق اشلاء مليك الشر ، فماكان من ايزيس الا لملمة
الوطن والجسد والملك من البعثرة والتمزق واعادت لهم الحياه بسحرها ومنحهتم ملكا
عظيما اشاع العدل وحكم به وقتل الهه الشر !!!
هذا الوطن يحتاج لايزيس تمنحه
روحها وتلملم اشلاءه المبعثرة وتبعث فيه الروح بسحرها وتمنحه ملكا عادلا ... اين
انت ياايزيس ؟؟ اين انت ياايزيس ؟؟
ترك القلم والاوراق واطفأ المصباح
الصغير الذي يلقي بضوءه بقعا مضيئه فوق الاسطر واسند رأسه فوق ذراعه وتصور انه نام
!!!!
ضحك الرجل الجالس فوق السحابه
البعيده بجوار القمر ، لست نائم يادكتور منسي ، بل وقف الزمن عندك ايضا ، الزمن
توقف دولاب عجلته في مدينتكم المسكونه بالوحشة ، لن يعود الزمن يادكتور ولن تعودا
للحياة حتي تستحقوا الحياة !!!
نم في هدوء وزوجتك وجيرانك واهل
مدينتك ، الان صرتم من الضعف والهزال الذي لايليق بكم معه الا النوم ، ناموا حتي
يعود الزمن لحركته فتعود ارواحكم الضاله اليكم والحضارة والقوة !!!
وافقته ايزيس وهي تبكي !!
سالها الرجل لماذا تبكي ياربة
السماء ، هل فقط لتجهزي لهم الفيضان الذي ستنهمر امطاره علي روؤسهم من السماء تعيد
لهم الحياه والانتباه !!! هزت راسها نفيا ، حينما القوا بجسد اوزوريس في البحر
بعدما دفنوه في صندوق محكم ، كنت ابكي ، كنت اعرف مالذي سيحدث له ولم امنعه ، كان
لابد له يغرق ولابد له يمزق ولابد لي اتعذب وابحث عنه وابكي واعثر عليه والملم
اشلاءه وابعث فيه الحياه ليمنحني ملكا عادلا ، الملك العادل الذي سيقتل اله الشر
لايأتي في لحظة سعاده ، يأتي من منتهي الشقاء والعذاب والوجع والدموع ، ابكي لاني
اعرف مالذي سيحدث لاوزوريس مجددا ، سيتمزق وتتبعثر اشلاءه ويجف الضرع والنيل
وتنتشر الخرافات والاوهام وتتصحر الاراضي الخصبه الخضراء وانا ابكي ووقتما يجهز
الفيضان للانهمار ماءا احمرا يبدوا دما نظيفا طاهرا يجدد الحياه والروح ويطرد
السموم ستنهمر الامطار وتتوقف الاحزان ، هل فهمتني ، قدري وقدرهم البكاء والحزن
!!!
ابتسم الرجل الجالس فوق السحابه
البيضاء ، لكن الدكتور منسي كتب ان حزنك منح مصر السعاده !! هزت راسها ، اوافقه
جدا ، سامنح مصر السعاده التي تستحقها لكن الحزن قدري وقدرها !!!
ومازالت التظاهرة باعلامها
السوداء تسير في الشوارع المظلمه الموحشه والكل نيام !!!!
ماتت المدينه او تظاهرت بالموت
ولم تترك للمتظاهرين الا الشوارع الخاليه والوحشه ليسيروا فيها لايسمعهم احد ...
ماتت المدينه او تظاهرت بالموت ومازالت ايزيس تبكي والرجل الجالس فوق السحابه
البيضاء البعيده بجوار القمر ينتظر لحظه الفيضان هو وملايين النائمين الموتي لتدب
الحياه مره اخري في الوطن الذي مرت عليه الاف السنين وبقي حيا لم يموت !!!!
( 23 )
النادي
ايام حرب السويس قرر مالك النادي
اغلاقه بعدما اغلق الشبابيك بالورق الازرق ليمنع اضواءه تتسلل للشارع فتجعل ناديه
هدفا سهلا للطيارات الانجليزية الفرنسية التي تجوب سماء القاهره كالصياد تبحث عن
فريسه تفح فيها غل الامبراطوريات التي تمردت عليها احدي المستوطنات ، اغلق الخواجه
النادي ومنح العمال رواتبهم وبقي في البيت مرتبكا لايعرف من الذي سينتصر في الحرب
، وهل سيعود الانجليز والفرنساويين وايام العز ، ام ستنتصر الحركة وضباطها ويبقي
الارستقراطيين المصريين يسكروا ويبكوا ايام العهد الجميل البائد الذي رحل وتركهم
اسري حركه الضباط !!! "شعارنا اننا سنقاتل ، سنقاتل ولن نسلم ، دا شعار كل فرد في القوات
المسلحه ودا شعار كل فرد في الشعب ، النهارده دا شعار كل مصري ، اذا كانت بريطانيا
بتعتبر انها دوله كبري وفرنسا بتعتبر انها دوله كبري احنا شعب مؤمن حيكون شعارنا
دائما الله اكبر ، الله يقوينا والله ينصرنا ، نعتمد علي الله وعلي انفسنا وسنجاهد
ونكافح ونقاتل وسننتصر باذن الله والله اكبر والله اكبر " و انتصرت الثوره ففتح الخواجه ابواب النادي واضاء انواره ووزع "
شربات " احتفالا بالنصر !!! سرعان ماعادت الحياه للنادي بعدما رفع الخواجه
الورق الازرق من فوق الشبابيك الكبيرة و............. اهي ايام وبتعدي !!!
( 24 )
المنادي
القي ببصره بعيدا ، لايري سيارات
، الشارع مزدحم بالماره والبائعين الجائلين و" نصبه " البضاعه التي
يفترشوا عليها بضاعتهم الصينيه الرخيصه القبيحه ، لم تعد وسط البلد مثلما كانت ،
لم تعد المحلات فاخره ولا الزبائن ارستقراطيين ولا الشوارع مزدحمه بالسيارات
الفارهه!!
تغيرت الدنيا يارجب وانت لسه علي
حالك ، همس لنفسه ، اخرج سيجاره واشعلها ، القي برأسه علي قمه عكازه ، هائم مع
افكاره ، يسمع صوت الهتافات تقترب منه ، لايخاف منها طبعا ولا من راياتها السوداء
، من هم ليخيفوني ، شويه عيال ولا ليهم لزمه اساسا ، اي عيل منهم يخرج من وسط
المظاهره يتقطع ، لكن مستقويين ببعض ، يتذكر رجب هتافاتهم العاليه وصراخهم العصبي
واعلامهم السوداء، وكل ده ليه ، عايزين ايه ، عايزينا نعرف ربنا مااحنا عارفينه ،
محموقين كده ليه وعلشان ايه ، امسك يوما احد الصبيه في المظاهره ، امسكه وانهال
عليه ضربا ، ساله ، مين ياواد اللي مسرحك ، يوميتك كام ، رد علي عدل ، انهال عليه
ضربا يتمناه يبوح بما يحدث ليفهم ، نعم كل مايؤرق رجب انه لايفهم مالذي يحدث حوله
، لايفهم الدنيا الجديده التي فرضت نفسها عليه وعلي حياته ، مين دول ، انطق ياد
انت مين ، لم ينطق الصبي الذي سرعان مافقد الوعي ، انتظره يفيق ، والختمه ماحضربه
تاني ، يتكلم بس علشان افهم ، لكن الصبي يفيق ويجري ، والبوابين وبائعي الجرائد
يحيلوا بين رجب ومطاردته ، عايز منه ايه يارجب ده من دور عيالك ، عايز افهم
ياجدعان ، راسي حتتفرتك زي ايام الشقاوه لما سبت البودره وقلت اتوب ، ايامها كنت
باهرش واصوت واعيط واضحك وراسي بتغلي زي ماتكون باستله فوق وابور الجاز ، افهم بس
، مين دول ، مين اللي سرحهم ، مين اللي لمهم ، عيال عمرها ماخرجت من الحواري
ولاشافت دنيا ولا همها حاجه غير لبوه يزنقها في الضلمه وسيجاره ملفوفه وسندوتش طرب
وكده رضا ، مين اللي طلعهم من الحواري واداهم الاعلام السوده وفهمهم ان ربنا مستني
" هبلهم " ضربوا دقونهم وكشروا وكرهوا الدنيا ، افهم بس ياجدعان ، افهم
، يومها فر الصبي من تحت يده ولم يفهم رجب شيئا ، سنه كامله واكثر وهو يراقب كل
مايحدث ، العيال اللي كانت بتخاف من الحكومه اتجرأت عليها ، كانت تجري من ضلهم
وتتستخبي بقت بتروح لحدهم وهاتك ياشتيمه وقله ربايه وضرب وسفاله ، مين اللي جمد
قلبكم كده ياولاد الحرام ، مين اللي راسكم علي الدور وخلاكم تخرجوا من الحواري
وتهجموا علي وسط البلد اللي عمركم ماكنتم تستجروا تقربوا منها ، افهم ياناس ، افهم
بس ، سنه واكثر ورجب لايفهم ، يراقب مايحدث ويتمني يفهم !!!
سأل الدكتور منسي ذات يوم وهو
يصعد للنادي، الا ياباشا هو ايه اللي بيحصل ، ابتسم منسي ، تاني يارجب تاني حتقولي
ياباشا ، ماهو ياباشا العين ماتعلاش عن الحاجب وانا حيالله منادي وانت استاذ
الاساتيذ وبتطلع في التلفزيون ، المهم ، سيبك مني ياباشا وقولي ايه اللي بيحصل ،
يبتسم منسي ، محدش لسه عارف ، ازاي ياباشا دول بيقولوا في التلفزيون كلام كبير قوي
وان العداله الاجتماعيه جايه الا هي ايه العداله الاجتماعيه ياباشا ، زي ايام
السادات لما كانت الفلوس بترخ ولا زي ايام عبد الناصر لما نشفها علي الباشوات
فنشفوها علينا ، هي ايه ياباشا ؟؟ ساله منسي ، انت عايزها شكلها ايه يارجب ، ارتبك
رجب ، عايزها شكلها ايه ازاي ياباشا ، عايز كلنا نعيش ، حضرتك يعني سعادتك تعيش
وانا والغلبان والفقير نعيش ، مش هي دي برضه العداله الاجتماعيه ياباشا ، ضحك منسي
، عارف امتي يبقي فيه عداله اجتماعيه ، لما تبطل تقولي ياباشا ، ارتبك رجب وفتح
عينيه اندهاشا وهمس ، يبقي عمرها ماحتيجي ولاحنعيشها !!! وبصوت اعلي ، طيب ياباشا
قولي ايه اللي بيحصل ، لسه محدش عارف يارجب ، بجد لسه محدش عارف ، كلنا بنتفرج علي
اللي بيحصل علشان نفهم ، يؤكد منسي لنفسه كلماته كانه يحتاج يسمعها ، فعلا كلنا
محتاجين نفهم ايه اللي بيحصل ... وتحرك خطوتين ثلاث صوب باب البنايه في طريقه
للنادي وخلفه رجب يرفع كفه علي راسه يضرب له التحيه العسكرية وهو يؤكد عليه ،
مسيرها تقول لنا ايه اللي بيحصل ماتشغلش بالك انت ياباشا ، يقف منسي ويساله ، مين
اللي تقول يارجب ، ضحك رجب الدنيا ياباشا الدنيا ، ماهي ياما قالت ايه اللي بيحصل
وياما فهمتنا ، تقفل شويه وتفتح علي طول ، واللي مش فاهم يفهم ، مساءك عسل ياباشا
!!! ضحك منسي وتركه واخد يصعد السلم وهو يهمس لنفسه ، قولي يادنيا طيب قولي ايه
اللي بيحصل علشان كلنا نفهم ومساءك عسل علي راي رجب !!!
( 25 )
ابراهيم باشا
جالسا فوق فرسه الاصيل واصبعه
ممتدا للامام ..
التظاهره الحاشده تمر من تحت
قديمه باعلامها وراياتها السوداء ، تصرخ غضبا بشعارات اضجت راحته واغضبته ، يحدق
فيها من علي ، يتأمل الملامح الغاضبه والوجوه المحتقنه والعيون البليده ، يتوعدوه
بالانتقام فيتوعدهم بالهزيمه !!! حذرتكم ، لو عدتم عدنا ، وانتم الان تدخلون عرين
الاسد باقدامكم المرتعشه ، تتصورون اعلامكم وراياتكم السوداء ستخيفني ، هل تلاعبت
الصحراء بعقولكم فنسيتم انفسكم ونسيتونا ، خير اجناد الارض ، تتصوروا ان اعلامكم
المرفوعه بايديكم المرتعشه ستنال منا !!!
يصهل حصانه وكأنه يحثه علي القفز
فوق اعناقكم !!!
يبتسم ابراهيم باشا ويهدء فرسه
الاصيل ، لايستحقوا منا معركه ، مهزومين مهما صرخوا ، دع اهل المحروسه في الشوارع
الضيقه يحققوا انتصاراتهم !!!!
يصمت ابراهيم باشا ويرفع اصبعه
بمنتهي العز ويشير لبعيد !!!
يشير للاوبرا الخديوية التي كانت
، ربما ؟؟
يشير لما خلف البحر وكأنه يتوعد
القابعين وسط الصحراء الا يتجرؤا عليه وعلي مصر المحروسة ، ربما ؟؟
يشير للمصريين ليطمئنوا ، ربما
!!!
غاضبا منهم ، يتوعدهم لانهم كادوا
يخذلوه وجيوشه المنتصره وقتما ناموا فطغت الصحراء فوق ضفاف نيلهم كادت تطمس
حضارتهم ، ربما!!!
جالسا فوق حصانه واصبعه ممتدا
للامام وكأنه يخطب في المصريين ..
يخطب فيهم ويتشاجر معهم ، كيف
اصبحتم مثلما اصبحتم ، غرقتم في السبات حتي هلك الزرع في الحقول عطشا ، طغت
الصحراء عليهم التهمت الاخضر واليابس وهدمت المعابد وردمت البحيره المقدسه وحولت
طريق الكباش لدرب للنعاج ، فاضت الرمال من ربعها الخالي وتجرأت علي حضارتكم ، انتم
اصحاب الحضاره كيف غرقتم في السبات واضعتم الحكمه المتوارثه من رؤوسكم حتي ضعتم او كدتم تضيعوا !!!
يخطب ابراهيم باشا في المصريين
يصرخ فيهم ، هل نسيتم من انتم ؟؟؟ خذلتونا ونحن التي بليت سيوفنا في المعارك
وتحطمت علي اجسادنا وماخدشنا فانتصرنا بحضارتنا وهزموا بجهلهم وجهالتهم ، هل نسيتم
من انتم ؟؟ انا لم انسي ، وان نسيت كيف لاتذكرني مدينتكم بحقيقتنا ووجودنا ، هنا
في قلب القاهرة ، مدينه الالف مأذنه والمشهد الزينبي ومشهد نفيسه العلم والمشهد
الحسيني وبركه ال البيت وحبهم ، في نص
البلد الخديويه بمبانيها العريقة العتيقة الموشاة بالمنمنمات البديعه علي ايدي
العماله المصريه الماهره وقتما قرر الخديوي اسماعيل يباهي بالقاهره كل مدن اوربا
الجميله ويتوفق عليها ، في ميدان الاوبرا الخديوية حيث خطت الامبراطورة اوجيني
وتسللت عايده لمقبره راداميش وصدحت الموسيقي العظيمه لفيردي ، هنا الازهر الشريف
قاب قوسين او ادني مناره العلم الوسطي والشيوخ العظماء ، هنا المتحف المصري الحافظ
لكنوز الحضارة العظيمه واسرارها ليس ببعيد ، هنا ، والنفق الحديث يحملكم لنصب
الجندي المجهول ملايين المصريين رعاه الحضاره وحارسيها وقتما حملوا السيوف وامتطوا
الخيول والعربات الحربيه واستشهدوا دفاعا عن وجودكم وحضارتكم ، هنا في تلك المدينه
المحروسه كل هذا واكثر ، كيف نسيتم من انتم حتي تجرأ عليكم الحفاه الجهلاء وكادوا
يخدعوكم بقحطهم ويوهموكم انه الخير والنماء والخصوبة والنهضه ؟؟؟ كيف نسيتم من
انتم فكدت تهزموا !!!
يخطب ابراهيم باشا في المصريين
منفعلا حانقا غاضبا ، وقبلما يكمل حديثه ، يلوح له طفل صغير من بنايه قريبه بعلم
مصر ، يلوح له ويرسل له قبله في الهواء ، يلوح له ابراهيم باشا ويكاد يهمس في اذنه
وقتما تكبر لاتكن مثلهم ، لاتنسي نفسك ولا من انت وشد ضهرك وافخر بمصريتك ، ايها
الصبي الصغير انت حفيد الحضاره العظيمه وسليل القاده العظماء وابن المنتصرين ،
مازال الطفل يلوح بالعلم الصغير مره واثنين وعشره ، علم واحد صغير يلوح به طفل من
بنايه قريبه برد قلب ابراهيم باشا وهدأ غضبه ، نعم مازالت تلك المحروسه ولادة
بابطالها العظماء ، هذا العلم الصغير سيهزم كل الاعلام والرايات السوداء
و......... ارسل له ابراهيم باشا قبله في الهواء وسكن فوق حصانه !!!!
ومازالت التظاهره الحاشده
باعلامها السوداء تشق قلب قاهرة المعز بصراخها وهتافاتها وملامح الغاضبين
و.......... مازال الزمن واقف ودولابه راكد والرجل الجالس فوق السحابه البيضاء
البعيده بجوار القمر مازال ينتظر وايزيس تبكي وتنتظر وانا .... انا مثلكم ،
اشاهد مايحدث ولاافهم !!! انتظر احدهم يشرح لي مالذي يحدث ، ربما الدكتور منسي
سيقول لنا مالذي يحدث ، ربما ستقول لنا الدنيا كما قال رجب ، ربما سنفهم وحدنا
دونما يقول لنا احد!!!
سؤال حائر ، ينتظر الزمن اجابته
ليتحرك ...
مين دول ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مين دول ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
( 26 )
الدكتور منسي
لم يعرف المصريين الهجرات بعيدا
عن وطنهم ..
النيل العظيم والوادي الضيق
والصحراء الشائعه ربطتهم بالارض وضفاف النهر ..
صنعوا الحضارة العظيمة ومنها
اشرقت شموس المعرفه علي العالم كله ..
القي منسي القلم غاضبا ، جمال
حمدان سبقه وقال هذا وعلماء عظماء كثر درسوا حضارات بلاد الانهار وطبيعه شعوبها ،
جمال حمدان سبقه ، وصف دور التاريخ والجغرافيا في رسم شخصيه مصر ، مالذي تأتي به
جديدا يامنسي في هذا الشأن ..
غاضبا من رتابه عقله ونمطيه
تفكيره ، لم تأتي بجديد !!!
اقتربت منه فكريه ، سالته ، مالك
، محتار يافكريه ، فكره في راسي بتدور مش عارف عايزه مني ايه ، ضحكت فكريه ،
يامنسي ، كل سنين عمرك بتجري ورا الافكار اللي بتدور في راسك وفي الاخر توصل لفكره
محدش قالها قبل كده ، وكل سنين عمرك تتخانق مع افكارك ، قوم شويه وبطل تفكير !!!
وافقها منسي ، هي تعرف كيف تروض
روحه وافكاره ، سيترك القلم والاوراق ، سيطلق لافكاره العنان ، سيجلس في الشرفه
ويحتسي القهوه ويهيم مع راسه وتداعيات افكاره ...
اطل من سور الشرفه ، الشارع زحمه
، اقتربت منه فكريه بهدوء ، فاكر الشارع كان عامل ازاي زمان يامنسي ، طبعا فاكر ،
فاضي وكل ساعه عربيه وهسسس !! الدنيا اتغيرت قوي يامنسي ، هز راسه ، عارف والله
وباحاول افهم اتغيرت ازاي ولايه ؟؟ ماانت عارفه ده شغلي طول حياتي ، عارفه !!!
يطيل النظر للشارع المزدحم سيارات
لاتتحرك وصخب وعوادم السيارات تخنق الانفاس !!!
داخلين علي نص الليل والشارع واقف
وزحمه ازاي ، شايف يافكريه وباحاول افهم ليه ؟؟ الناس دي راحه فين وجايه منين ،
زمان كانوا بيناموا بدري ويروحوا شغلهم بدري ويرجعوا بيوتهم بدري ، النهارده كل ده
اتغير ، ضحكت فكريه ، كل حاجه اتغيرت ، مواعيد الشغل اتغيرت والناس بقت بتشتغل
شغلانه واتنين والعربيات ليل ونهار في الشوارع طول السنه كاننا في اجازه صيف !!
يجلس علي مقعده الوثير ويرشف من
قهوته رشفه كبيرة ، البلد كلها بقت عامله زي شارع خالد ابن الوليد في ميامي في اسكندريه في اغسطس ، زحمه علي
الفاضي لاحد بيشتري ولاحد بيبع ولاحد بيتحرك ولاحد بينام !!
جلس علي مقعده الوثير وارتشف من
قهوته وهمس ، نفسي اروح راس البر ، همست فكريه وكأنها تتمني لاتقطع حبل افكاره
واسترسالها ، حتلاقيها اتغيرت هي كمان عن اللي في راسك ، همس وهو يغيب اكثر واكثر
مع افكاره المتناثره ، طبعا ، كل حاجه اتغيرت يافكريه ، حافضل اقولك طول الوقت كل
حاجه اتغيرت ، صرخ فجأ ، المشكله مش ان كل حاجه بتتغير ، المشكله اننا عايزينها
تتغير للاحسن !!!
صمتت وصمت و................. قام
فجأ لاوراقه !!!
المصريين لم يعرفوا الهجرة عكس
شعوب كثيره فحافظوا علي تراثهم وعاداتهم وتقاليدهم واستطاعوا يمصروا كل الافكار
الوارده والثقافات الوافده لبلدهم مع المهاجرين والغرباء ويعيدوا صياغتها لصالحهم
فصارت افكارا جديده تشبه القديمه لكنها افكار مصرية خالصه ...
الهجرة التي عرفها المصريين ،
بخلاف هجرات الحرب التي ترك فيها ابناء مدن خط المواجهه والحرب ديارهم وسرعان
ماعادوا لها بعد انتهاء الحرب ، هي هجرات النوبيين داخل الوطن ، الهجره الاولي
التي تركوا فيها جزء من ديارهم بسبب خزان اسوان والهجره الثانية التي اغرقت فيها
بحيرة السد كل ارضهم ، هجرات الحرب كانت قسريه وغربت ابناءها لكنهم منحوا بهجراتهم
للوطن الام نصرا عظيما ماكان ليتحقق الا بتضحياتهم ، هجرات الحرب منحت الوطن قوة
ولم تتركه خواء كمثل هجرات الشعوب الاخري التي كانت تهجر الارض لاخري يمكننا تعيش
فيها حياه افضل ، هجرات الحرب لم تكن من اجل حياه افضل للمهاجرين بل كانت من اجل
حياه افضل للوطن !!! هجرات الحرب بحزنها ووجعها والمها لابناء مدن خط القنال منحت
من الحزن للمصريين فرحا عظيما !!!
هجرات النوبيين ايضا ، الهجرة
الاولي والثانيه ، الغربة وترك الديار التي غرقت تحت مياه السد العالي ، منحت
المصريين من دموع الابناء المهجرين فرحا وخصوبه ونماء وقوة !!! هجرات النوبيين
كانت قسريه اجباريه لكنهم لم يغضبوا منها ولم يتمردوا عليها ، لم تكن هجره لمكان
افضل او كرها او بغضا للمكان الاصلي ولا فرارا من قسوته بل كانت هجرات قسرية
بمنتهي الود والرضا والسماحه ، تضحيات مقبوله لمنح الوطن الاكبر فرحه لايمكن
تحقيقها الا بتضحيات الابناء ودموعهم !!!
المصريين لايعرفوا الهجرات ، وحين
هاجروا داخل الوطن الواحد من مكان لاخر كانوا يضحوا من اجله هو وليس من اجل اي فرد
فيهم ، هجراتهم كانت لخير الوطن ولصالحه ، لم يفكروا في انفسهم وفكروا فيه وقدموا
استقرارهم فداء له ولقوته !!!
المصريين احفاد ايزيس ، منحوا
الوطن فرحته بدموعهم وقوته بحزنهم ، وحزنوا وبكوا وهم في منتهي الرضا والتقبل ،
فكل شيء يهون لاجل الوطن الذي يعشقوه !!!
ايزيس منحت الوطن الخير بدموعها
وسايرها احفادها فمنحوا الوطن منتهي القوه والنصر بدموعهم والخير والخصوبه بدموعهم
، احفاد ايزيس عرفوا معني الحزن المقدس الذي يمنحوه لرفعه الوطن بمنتهي الحب
...هذه هي روح مصر منذ الاف السنين وحتي الان ...
صفق الدكتور منسي فرحا ، هاهي
الفكرة اتته وتملكها ، سطعت في ذهنه وظهر بريقها !!!
مالذي حدث اذن هذه الايام وكيف
حدث ؟؟
اسئله كثيرة مازال الدكتور منسي
يبحث عنها وهو يسال نفسه مالذي جري للشخصيه المصرية !!!
نهاية الجزء الثاني
يتبع بالجزء الثالث
هناك 5 تعليقات:
ظهور الرايات السوداء والخطر والبلطجة فى المشهد يوازيه فى خلفية القصة ظهور أيزيس المصرية ..التى ستجمع أجزاء مصر المبعثرة ....القصة رغم الأفكار القلقة إلاانها تحتفظ بأيزيس الأمل فى لم الأشلاء الممزقة وأستعادة الحياة ظاهرة بالأمل فى الخلفية
هل كان الملك اوزريس ملكا لمصر مزقته قوي الشر فلملمت ايزيس اشلاءه ، ام كان اوزريس في تلك اللحظه متوحدا مع الوطن الذي يحكمه ، الوطن الذي مزق اشلاء مليك الشر ، فماكان من ايزيس الا لملمة الوطن والجسد والملك من البعثرة والتمزق واعادت لهم الحياه بسحرها ومنحهتم ملكا عظيما اشاع العدل وحكم به وقتل الهه الشر !!!
هذا الوطن يحتاج لايزيس تمنحه روحها وتلملم اشلاءه المبعثرة وتبعث فيه الروح بسحرها وتمنحه ملكا عادلا ... اين انت ياايزيس ؟؟ اين انت ياايزيس ؟؟
كان لابد له يغرق ولابد له يمزق ولابد لي اتعذب وابحث عنه وابكي واعثر عليه والملم اشلاءه وابعث فيه الحياه ليمنحني ملكا عادلا ، الملك العادل الذي سيقتل اله الشر لايأتي في لحظة سعاده ، يأتي من منتهي الشقاء والعذاب والوجع والدموع
عايز افهم ياجدعان ، راسي حتتفرتك زي ايام الشقاوه لما سبت البودره وقلت اتوب ، ايامها كنت باهرش واصوت واعيط واضحك وراسي بتغلي زي ماتكون باستله فوق وابور الجاز ، افهم بس ، مين دول ، مين اللي سرحهم ، مين اللي لمهم ، عيال عمرها ماخرجت من الحواري ولاشافت دنيا ولا همها حاجه غير لبوه يزنقها في الضلمه وسيجاره ملفوفه وسندوتش طرب وكده رضا ، مين اللي طلعهم من الحواري واداهم الاعلام السوده وفهمهم ان ربنا مستني " هبلهم " ضربوا دقونهم وكشروا وكرهوا الدنيا ، افهم بس ياجدعان
لم يعرف المصريين الهجرات بعيدا عن وطنهم ..
النيل العظيم والوادي الضيق والصحراء الشائعه ربطتهم بالارض وضفاف النهر ..
صنعوا الحضارة العظيمة ومنها اشرقت شموس المعرفه علي العالم كله
أحاول اقتباس فقرات محورية من النص فأجدني سأضطر لاقتباسه كاملا يا أميرة .. كل فقرة فيها تفصيلة مضافة مهمة .. ربما لأنك شئت أن يكون النص رغم تقسيمه المقطعي أشبه بالضفيرة .. التي تنفصل فيها كل خصلة عن الأخرى لتعاود التعانق في الشكل النهائي بما لا يسمح بتحديد كل جزء وحده .. أو هو أوزوريس توزع في النص جزءًا في كل إقليم من أقليمه ((فقراته) وكأنما هو تجلي الأسطورة في بناء النص كاملا .. يدهشني دائما إمساكك بالخيوط مشهديا .. وتحويل المقولة النظرية إلى شخوص وكائنات تتحدث بلسانها ومشهديات حقيقية من حياتنا اليومية .. حوارية نوفي والبلطجية مثالا .. بتفاصيل المشهد على جمالها السينمائي .. أو حوار المنادي مع طفل الشارع .. فيما كان ظهور العلم الصغير في مشهدية إبراهيم باشا أشبه بلقطة "فكس كادر" بإضاءتها المدهشة .. وجمالها الرومانتيكي الذي يجلب البكاء في سهولة سينمائية محببة .. هل قلت من قبل إنك تملكين قدرة مبهرة على نسج التفاصيل المنمنمة الصغيرة .. ليس بأسلوب الفسيفساء وإنما بطريقة التعاشيق الأرابيسكية التي هي ذاتها من جوهر الهوية المصرية التي تشغل الدكتور منسي .. هل قلت إن المشهديات صالحة جدا للتصوير الدرامي كفيلم سينمائي شاهق الإنتاج بمجاميعه ومشاهد تصويره الخارجية . وبهيبته الكلاسيكية التي استدعت آلهة مصر في السماء على سحابة .. وفي الزمان بعيدا .. عندما كانت الأرض بكر .. هل قلت إن ثقافتك التاريخية المدهشة تجلت أجمل ما يكون في اكتشافك لجوهر الداء في القصة .. وأنت تطرحين الأسئلة هكذا على ألسنة الشخصيات كلها في عادية مدهشة ..؟ .. استمتعت بالأجواء والإضاءات والحركة .. وبالوعي الدرامي الذي لا يحاور الشخصيات قيميا .. وإنما يطرح أسئلتها كأسئلة وجود .. ليس أكثر .. فسؤال الوجود دائما هو الجوهر الصميم الذي لن يمكن كسره ... ممتع لأقصى حد .. ربما عانيت بعض الشيء من طول المونولوجات التي ربما ستقصر في الكتابة الأخيرة .. ولكنه طول لم يخل بالبناء .. بالضفيرة البديعة .. ما زلت أتابع القراة وأستمتع ...
بداية انا مش ناقد ادبى و لا افهم فى اصوله لكن اقدر ادعى انى قارئ لا بأس به . و اقدر اقول انى قدام عمل احترافى من طراز راقى و رفيع لا يقل ان لم يزيد عن كثير من روايات قرأتها لكبار الكتاب .
نيجى للتفاصيل :
- بداية القصة بانشودة الفيضان من متون الاهرام بداية اكتر من رائعة اسرتنى تماما و خلتنى غرقت فى القصة من اول حرف لاخر حرف . فكانت مثابة مغناطيس جذب روحى للقصة من اول لحظة.
- استدعاء ابراهيم باشا و ما يمثله من قوة العسكرية المصرية . و كذلك استدعاء ايزيس و ما تمثله من كلمة سر للشخصية المصرية و مفتاح الحياة لمصر و المصريين (كما جاء فى الرواية) و ادخالهم فى السياق الدرامى للقصة سحرنى .
- لخصتى التطور الاجتماعى فى تاريخ مصر الحديث ب(النادى) . رصد رائع بجد .
- نيجى بقى لرسم الشخصيات بداية بالدكتور منسى و نزولا حتى نوفى و لغة الحوار على لسان كل شخصية حسب بيئتها و خلفيتها الثقافية بجد غير طبيعى (شكيت فيكى بصراحة هية الست الهاى كلاس دى بتقعد فين بعد الضهر و لا بتشوف الناس دى فين ههههههههههه). ده خلانى اعيش جو القصة صوت و صورة و يمكن رائحة كمان .
- اسلوب القفز عبر الزمان و المكان و العودة مرة اخرى عايز ذهن متفتح تماما من القارئ و تركيز غير طبيعى . مثلا فى الفصل 9 و حريق الاوبرا الخديوية نجد تلميح الى رجل و امرأة يبكيان فى الشرفة و نجد الاجابة فى الفصل 18 و فكرية تسترجع ذكريات بكاءها مع منسى فى ذلك اليوم (انا باحب الاسلوب ده جدا).
و كذلك الفصل التالت و المشهد العبقرى فى الاوبرا الخديوية بعد توقف الزمن .. فانتازيا عبقرية انطلق فيها كل الخيال .. التظاهرة السوداء تمر من امام الاوبرا الخديوية اثناء الاستعداد لاوبرا عايدة . اسود اسماعيل تركت اماكنها على الكوبرى الشهير و تدخل لحماية الاوبرا من الهمج . ابراهيم باشا فى الخارج يراقب و يبتسم و هو يرى الرايات السوداء العملاقة تتنكس امام العلم الصغير فى يد الطفل و تتلاشى الاصوات النشاذ الخارجة من الحناجر الكارهة الكريهة خلف صوت الاوركسترا و هى تصدح بأجمل النغمات .
و تستكملى المشهد فى الفصل 34 (حرام عليكى نهجت هههههههه) و حديث منسى الحالم مع ايزيس و حديثه الكاشف مع ابراهيم باشا الذى انار له الطريق ... بجد رائع يا أ اميرة . و باعتبر المشهد ده كليماكس للرواية و كذلك مشهد الخطبة العاصفة لابراهيم باشا و الذى مازال صوته يرن فى اذنى الى الان .
نقطة الضعف الوحيدة هى النتيجة التى توصل اليها منسى فى النهاية (فهى نتيجة مرصودة و معروفة لنا جميعا) بصراحة كنت منتظر شىء مختلف .
- نهاية القصة :
حلم جميل و اتمنى يكون نبوؤة . و اعتقد انه نبوؤة باذن الله و ان كان التمن كبير .
باختصار شديد : انا عشت مصر فى قصتك و اكيد خرجت منها ابدا مش زى ما دخلتها .
من امتع و اروع ما قرأت فى حياتى .
يسلم عقلك و تسلم ايدك يا عبقرية .
كأنك يا أميره عندما تستدعى الشخصيات..بتردى على كل خوفنا...ايزيس بتلم أشلاء الحبيب و الوطن و ما أحوجنا لها....الحركه و الانسيابيه ميزه فى كل أعمالك للحق و لكن هنا طغت الروح والوجع...أميره الحكايات ذات القلب المهموم:الوطن بيجرى فى عروقك !!
انها ايزيس السر المصرى الابدى التعويذة السحريه التى تأتى فى وقت احتاجنا لها لتلقى بتعاويذها وتلملم اشلاء الحبيب "الوطن" ليعاد بعثه من جديد
مازالت مصر الوطن تحمل سرها بين ضلوعها ومازال المصرى عاشق لارضه فالمصرى يعشق الوطن يكرة الغربه لا يميل لها يرحل ويرخل ليسارع بالعوده للارض والوطن
كالعاده جمعتى كل تفاصيل ايامنا ونسجتيها بانسيابيه فى حكايه رمزيه تجمع مابين تفاصيل ايامنا وماضينا انها الحياه فى سطور
إرسال تعليق