مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



السبت، 13 يوليو 2013

حلم مستحيل ..... لن تعيشه !!! ( الجزء الثاني ) ...

الجزء الثاني




يوسف ....
استفت قلبك فى معشوقتك ..
المعشوقة
تعي ان لقلبك بصيرة لا يحدها شيء
وقلبك لا ينيره الا اسمها

منال فاروق



( 12 )
فانوس

تبحث عن فانوسها لاتجده ، تجلس في الشرفه تبكي ، يقترب منها يوسف بحنان ، يمد لها يده بفانوس جديد ، فانوس نحاسي يسطع بالدفء والعراقة ، كل سنه وانت طيبه ياهنا ، وانت طيب يايوسف ، روحه تنير الفانوس بلا شمعه ، خليه معاكي في الضلمه يونسك ، تبتسم ، ولو ان ابتسامتك تنور الدنيا بحالها ، تبتسم اكثر ، كل سنه وانت طيبه ياهنا ، وكأنها سمعته يقول لها ياحبيبتي ، ابتسمت وبكت في آن واحد ، وانت طيب ياحبيبي واستيقظت من نومها وقرآن الفجر يحتويها في فراشها بورعه وخشوعه وتقواه ، الحلم الذي لايغادرها ، والفانوس الذي يمنحه لها يوسف والحب الذي تراه في عينيه ولايصارحها به ، همست كل سنه وانت طيب يايوسف ، اليوم ليله رمضان ، كمثل تلك الليله البعيده التي بحثت فيها عن فانوسها ولم تجده ، كمثل تلك الليله البعيده التي ناداهم فيها الجد ومنح يوسف المفتاح علقه في رقبته ، يومها فرحت بيوسف وبكت لرحيل الجد ولم تفهم ابدا ان ذلك المفتاح سيباعد بينها وبين يوسف مثلما باعد بينهما طيله الحياة ، لو تعرف لترجت جدها يمنحه لغيره ، يمنحه لرؤوف مثلا ، لكنها لو فعلت مااستجاب لها الجد ، فالمفتاح قدر صاحبه ويوسف هو من وقع عليه المقدر والمكتوب !!! ومازال صوت القرأن يخترق جدران غرفتها في المدينه البعيدة عن يوسف وعن البلدة الصغيرة وعن الوطن ، قرأن الفجر يأتي من قلبها وروحها في الغربة المقيته التي سافرت اليها فرارا من يوسف وجفاه بحثا عن الدرجه العلميه التي شغلت ايام حياتها بالحصول عليها ، بعيدا خلف جبال الثلج تنام والليله ليله رمضان وغدا صيام وغرفتها بلا فانوس وبلا يوسف ، لكنه يأتيها في الحلم ولايبارحها ، كانه يوصل حبه لقلبها ويقويها تنتظر انزياح الغمة وهمها وانت ليا وانا ليكي و......... كل سنه وانت طيبه ياهنا ياحبيبتي ، سمعتها الان بلا مواراه ، انا حبيبة قلبه وهو حبيبي والبعد قدرنا حتي تنزاح الغمه ، يارب زيح الغمه وهون علينا ، وتنام تبكي والبكاء في الحلم فرج وفي الحياه فك قهرة و......... قرأن الفجر يعلو صوته ويعلو يغطي علي نحيبها وحيده في بلاد الغربه وحبيبها اسير مسئوليته وقدره وعهده ووعده ووصية الجد !!!

( 13 )
ليلة الرحيل

غادر العم كامل واسرته البيت وسط الليل غاضبا من ابيه المستبد واخيه ابراهيم الضعيف ومصطفي الصامت  ويوسف افندي اللي عمل نفسه كبير وبيتحكم ويتشرط !!!
كدس اولاده في السيارة بسرعه وخرج من البيت في منتصف الليل وجنونه يشعل راسه ويكاد يشعل البلدة كلها حريقا وفضيحه وشجار مروع بين اولاد الحاج يوسف والعيل الصغير يوسف !!!
غادرت هنا البلدة وهي تبكي ، تتمني البقاء مع اولاد عمومتها ليلعبوا ببراءه وفرحه ، تتمني البقاء مع يوسف ليقص عليها حواديته ويرعاها مثلما اعتاد يفعل ، لكن ابيها جذب يدها من قبضه يوسف وحذرها بصرامه لاتستوعب معناها سنوات عمرها الستة انه عليها تنسي يوسف تماما وتنسي هذا البيت وساعة الحساب جايه اكيد ، تبكي هنا طيله الطريق لانها لاتقوي تنسي يوسف ولا البيت ولان جدها منح يوسف المفتاح الصدأ لكن ابيها لايصدقها ولن يصدقها وسيباعد بينها وبين يوسف كلما امكنه وقدر مايقوي!!! هل كانت تقرأ الغيب وقت بكاءها وتعرف ان ابيها سيبذل كل مايقوي عليه لافساد حياتها ، لاتعرف الغيب ولا نحن ايضا !!!
لحظة الرحيل ، تبكي هنا ويبكي كل الاطفال ويبكي يوسف ويبكي المفتاح الصدأ الشاهد علي وصيه الجد وعلي كل شيء فيه هذا البيت !!!
يحاول مصطفي يثني كامل عن عناده وجنونه لكنه يفشل ، يحاول ابراهيم يهدء من روع كامل وان كل شيء له حل لكنه يفشل ايضا ، يصرخ فيهما كامل ، اللي حصل ده عيب ومايصحش وتكبير للعيل الصغير علي حسابنا وكسر رقابينا قدامه ، ولا حاقبل ولا حاسكت !!!
يحاول مصطفي يذكره بحوارات ابيه عن البيت والمفتاح والاصول والتقاليد ، لكن كامل ينهره ولايستمع له ، ماقلنا خليك انت في حالك ، اصلك مش محتاج ولافارق معاك ولاعايش معانا اساسا ، ده كلام فاضي مايلزمنيش !! يصمت مصطفي ويصمت ابراهيم وينسي الجميع رحيل الجد وموته ويغرقوا في حوارات صاخبه حول مفتاح البيت الصدأ وخطأ الجد الكبير الذي اعطاه لاصغر عيل في العيله وكأن العيله مافيهاش رجاله !!!! انا عمري مااحط رجلي في البيت ده طول مالحال مايل كده !!! كلمة قالها كامل وهو في منتهي الغضب ولم يحيد طيله حياته عنها ، وخلي سي يوسف ينفعكم لما رجاله باشناب كده يتحكم في رقابيكم حته عيل لاراح ولا جه ، عمري مااحط رجلي في البيت ده تاني ، كلمه قالها كامل يوم موت ابيه بقيت معلقه في رقبته و حسمت ضده القضيه التي رفعها علي يوسف  قال العم امام القاضي انه لم يدخل البيت منذ وفاه ابيه من ثلاثين عاما ولن يدخله حتي يعود له حقه ، استمع القاضي له جيدا ، استمع لقوله ان يوسف استأُثر بالبيت دون بقيه الاسره ، وخسر كامل القضيه بقوله وحكم القاضي ضده ، وقال ان يوسف هو الحائز للبيت ولايجوز للعم واولاده منازعته في الحيازة ولو ارادوا لرفعوا قضيه جديده بشأن ملكيتهم للبيت والقاضي ليس مختص بذلك الامر ، ازداد غضب العم كامل ورفض يرفع قضايا جديده ومحامين جدد وهم ووجع قلب و............ كسب يوسف الجولة الاولي دفاعا عن البيت الذي حمله جده عبء الدفاع عنه امام اطماع العائلة واحلامها في الثراء السهل !!
ومازالت هنا تبكي ويوسف ايضا والمفتاح الصدأ !!!

( 14 )
جرح

يدخل ابراهيم علي يوسف حجرته وهو منشغل بالمذاكره ، يجلس بجواره علي المكتب ، يناشده ، اخلع المفتاح يايوسف وهاته ، حابيع البيت واشتري لك شقه كبيرة واجوز اختك واسيبك لكم قرشين للزمن الاسود ، حأدي اولاد عمك مصطفي اليتامي حقهم ونصالح عمك كامل ونحل المصيبه اللي احنا فيها دي بقالنا سنين ، همس ابراهيم ليوسف وهو حانق عليه وعلي ابيه الذي اختصه بالمفتاح ، اعطي المفتاح لابنه كي يذله ويقهره ، من صار الاب ومن صار الابن ، كده برضه ياحاج يوسف ماكنش العشم تقوي ابني علي وتساعده علي عصياني وكسر اوامري ..
يشرح ابراهيم لابنه ياابني الحاج ابو سمير خلقه ضاق وانتظاره طال وفلوسه جاهزه ، والعيله مش بالبيوت واحنا كنا وحنفضل عيله كبيرة ، اقولك ، هات المفتاح ، نبيع البيت ونشتري بيت تاني كبير نسميه برضه بيت ال اليوسف ، حارفع اسم العيله عليه ، حارفع اسم العيله علي بيت كبير جديد يشرف مش زي البيت اللي الزمن كله وحيطانه مالت وسقف قرب يقع ، سنتين تلاته ومش حنلاقيه ، حاشتري بيت جديد يايوسف ، هات المفتاح وبطل عند وتكبر ...
يرفع يوسف رأسه من وسط كتبه ، وينظر لابيه نظره يعرفها الاب جيدا ، هي ليست نظره يوسف ، هي نظره ابيه الجد الاكبر ، منح يوسف المفتاح ونظرة الغضب ، ترتعد اوصاله طيله حياته وقت يلمح تلك النظره في عين ابيه وهاهو الاب يورثها لابنه مع المفتاح ، ماتبصليش كده يايوسف عيب انا ابوك واحترامي واجب ، مازالت نظره الغضب تطل من مقلتي يوسف ، لايقصد يغضبه ولا يجن جنونه ولا يفقده صوابه ، لكنها روح الجد التي تلبسته حمايه للبيت والمفتاح ، لايملك فيها شيئا ، انها رساله أل اليوسف من مقبرتهم ، رساله للابناء حافظوا علي البيت الذي حمل اسمنا وفخرنا ، حافظوا علي البيت ولاتفرطوا فيه ولاتنكسوا راياتنا ولا ترفعوا اسمنا من عليه ، انت عارف يابابا حضرتك اني مقدرش اديك المفتاح ، ده مش بتاعي ولا بتاعك ده بتاع العيله اللي البيت بيتها والعيله مش عايزه تبيعه ، يرغي ابراهيم ويزبد ، من انت لتعلمني مالذي ترغب فيه العائله ، سنوات سبع مرت علي موت الجد وابراهيم يحايل ابنه ، يغويه ليمنحه المفتاح ، حاعلمك بره ، حاشتري لك عربيه ، حازود مصروفك ، هات المفتاح ، لكن يوسف محصن بدعوات ال يوسف وادعيتهم ، محصن بارادتهم الحديديه التي سيجت البيت بحمايتهم فلن يقوي يوسف الحفيد ولاغيره علي بيع البيت !!!
انت مين علشان تتحكم في اللي مالكش فيه ، انا اللي شايل المفتاح بتاع صاحب البيت والملك ، اللي اوصاني ماابيعش البيت مهما حصل ، خليه يقولي ابيع البيت وانا ابيعه ، اقوله ازاي ماانت عارف انه مات ، خلاص اوصاني ومات اكسر وصيته ازاي ، يقذف ابراهيم ابنه بكوب زجاجي تطيش عن عينه مسافه صغيره ويخرج من حجرته غاضب مجنون ، العيله دي فيها فرع مجانين وابني ورث جنانهم بيكلم الاموات ويتكلم باسمهم ، الدم يتدفق من جبين يوسف نافوره قانيه ، كأن كل الغضب والقهره يخرجا من وريده ونثيرات الزجاج فوق جبهته وجع مؤلم ، تدخل الام بسرعه لغرفه يوسف ، تكتم جرحه بالبن وتصرخ في زوجها يلعن ابو البيت اللي حيخليك تقتل ابنك ، تبكي وتاخد يوسف في حضنها وهي مشفقه عليه من حمله الثقيل !!! ماتديه المفتاح ياابني ، مقدرش ياماما وانت عارفه هو عارف ، يهمس المفتاح تحت ملابسه مايقدرش ياحاجه ، تهز رأسها كانها تسمع صوت المفتاح ، عارفه والله بس الراجل حيموت ابنه ، يهمس يوسف بصوت جده ، ماتخافيش عليه ، لاحيموته ولا حيقدر عليه ، هوني علي قلبك ، تهمس في اذن يوسف والدماء تلون صدر فستانها من جرحه ، ربنا يهون عليك حمولك يايوسف ويقدرك علي اللي مقدر ليك !!!
ومازال ابراهيم يصرخ يحلم بالثراء ومازال يوسف يحاربه ويحارب العائله كلها وينقذهم دون يدروا ويحافظ لهم علي شرفهم وبيت عائلتهم ، بيت آل اليوسف !!!

( 15 )
هنا

ينتظرها في صاله المنزل قلقا متوترا ، عادت من عملها بالجامعه متعبه بعد يوم طويل القت فيه ثلاث محاضرات  ، القت حقيبتها علي منضده السفرة ،خير يابابا فيه حاجه ، احسته مرتبك ينتظرها ، همس مكسورا ، يابنتي انتي يوسف بيحبك وبيثق فيكي ، امك عيانه ومصاريفها كتير ، البيت زي المقبرة مالوش عازه ولا حد بيستفيد منه ، كلمي انت يوسف يلين راسه ، الراجل المشتري جاهز بفلوسه والبيت طلع علي الطريق ودخل كردون المدينه وسعره ارتفع ، كلميه انت ياهنا!!!
تركته في الصالة ودخلت غرفتها ، متعبه مرهقه ، جلست علي مكتبها تقلب في الاوراق وكأنها مشغوله ، اقترب منها كامل حزين مقهور ، همس كلمي يوسف ياهنا ومش حيرد لك كلمه ، انتفض قلبها غاضبا من يوسف ومن ابيها ، الان بيحبك وبيثق فيكي ، الان بعد مامر كل العمر خلفها ومازالت تنتظره ، واثقه انه يحبها لكنه لايعترف ولن ، الان يوسف بيثق فيكي وبيحبك ، اكلمه اقوله بيع البيت ، بتصدرني في خناقه يابابا وانت عارف موقف يوسف ، بتبتزني بامي ومرضها ، هو انت عايز تبيع البيت علشان تعالج ماما يابابا ، حوار طويل احتبسته هنا في قلبها وهزت رأسها المدفونه وسط الكتب والاوراق ، حاضر يابابا حابقي اكلمه ، يقترب منها باستضعاف مقيت ، نصيبنا في البيت يعالج امك ويسيب لك قرشين ينفعوكي وانت لوحدك لاعيل ولاتيل ، هاهو يبدأ ، يذكرها بحياته ، برفضها لكل العرسان الذين لاتحبهم ولن ، وكيف تحب احدا غير يوسف ، تحبه وتعرف انها لن تتزوجه ولن يتزوجها وكيف يفعل ويكسر جدران القطيعه التي بناها ابيها سنوات خلف سنوات يتشاجر معه ويقاضيه ويشهر به ، دخلت لابيها يوما وطالبته يكف عن مشاجره يوسف ، هو ينفذ وصيه جدي وانا شاهده عليها ، كفايه خناق ومشاكل ، لكن الاب لايسمع نصيحتها ولا رجاها ، نهرها وصمم يكمل طريق الحرب ، تعرف ان يوسف لن يتهزم ولن يصمت ، تعرف ان يوسف سينتصر وابيها وكل من يفكر يقترب من البيت سيهزم ، تعرف كل هذا لكنها تعرف ايضا انها الضحيه الاولي تلك الحرب ، مازالت تذكر قبضه يديه وهو يحوطها برعايته وحبه ، تعرف انه يحبها مثلما تحبه ، كانت تعرف واكد لها حبه في خطابه القديم الذي مازالت تحتفظ به ، تعرف كل هذا لكنها تعرف ايضا انه ابدا لن يضعف نفسه بحبها ولن يقترب منها ، تعرف ان سنوات عمرها تجري وسط الحروب الضروس الفاشله التي يخوضها ابيها لبيع البيت ، قتلها باصراره يبيع البيت وقت اخذته العزه بالاثم ورفض وصيه الجد وتكبر عليها وايه الواد يوسف ده اللي يتحكم فينا ، انتظر موت اخيه ابراهيم ليقاضيه ويشهر بيه وسط بطون العائله وفروعها ، انتظر موت اخيه حتي ينفرد بابنه ويهزمه ويكسره علي ركبته مثل عود القصب الشايخ ، لكن يوسف سنديانه قويه ، لايهزمها تشهير ولا شجار ولا تكسرها ركبه ولا ضربه مطرقه ، هي التي دفعت ثمن تلك الحرب !!!
كلميه ياهنا ، انت عارفه انه بيحبك وبيحترمك !!!
تكاد تنفجر في الضحك والبكاء معا ، دلوقتي بس عرفت يابابا انه بيحبني ، طب ماانا قلت لك انه بيحبني واني بحبه وقلت لك كفايه حرب علشان نعرف نعيش ، وقلت لك سيب البيت في حاله لانه مش حيتباع ولان وصيه جدي ليوسف بقت طوق في رقبته حيموت ولا يكسرها ، قلت لك كل ده واكتر ، وانت عملت ودن من طين ودن من عجين ، تتذكر هنا يوم رجت ابيها الا يرفع قضايا علي يوسف واخوته ، يابابا انسي البيت وبلاش ترفع قضايا ، يابابا انت بتقف في طريقي وطريق سعادتي ، يابابا انت عارف اني بحب يوسف وهو بيحبني لكن عمره ماحيقرب مني وانت مولع الدنيا نار بينا وبينه ، يومها لطمها ابيها بكفه السميك علي وجهها اوقع ضرسها الضعيف ، لطمها وصرخ فيها ، لو اخر راجل عمرك ماحتتجوزيه ، حاكسب القضيه وحبيع البيت وبرضه عمرك ماتتجوزيه ، هي الدنيا فضيت مافضلش غير يوسف عدوي !!!
يومها اوجعتها الكلمه اكثر من القلم الساخن الذي لوح رقبتها ، يوسف عدوك ياابي ، يوسف حبيبي وحبيبي لايمكن يكون عدوك ، يوسف الذي اختاره جدي ليحمل الامانه والعبء عدوك ، هو الذي يحافظ علي شرف العائله وكبرياءها لصالحك وصالح ابناءك واحفادك عدوك ، اوجعتها الكلمه والمعني وصمتت وتركت ابيها ليوسف ليمزقه بمنتهي الشراسه وكيف لايفعل والمفتاح في رقبته عهد ووعد وشرف وواجب ووصيه الجد لايملك يخالفها والا طارده العار في سلساله الزفر طيله الحياة !!! وبقيت هنا معذبه بحب يوسف العازف عن حبها لانه لن يمنحها قلبه لتقتله وتضيع العائله وشرفها ، بعدك ثمنا لشرف آل اليوسف ياحبيبتي وكأن قدري عذابك وقدرك فراقي والثمن غالي والمسئولية اغلي !!!
كلميه ياهنا يابنتي لعل وعسي يرجع عن اللي في راسه ويفك ضيقتنا ، بيأس واسي وحسرة توافقه ، حاضر يابابا !!
سنوات خمس قضتها بعدما عادت من البعثه غارقه في عملها وابحاثها وتفاصيلها الصغيرة ، نست يوسف او هكذا قررت ، تقترب من الاربعين ومازالت عانس تنتظر قدرا يفك الطلاسم ويحررها من قدرها المضني ويقترب بها من حضن يوسف الذي اوصده ابيها في وجهه ، نسيت يوسف او هكذا قررت واليوم ، اليوم بعد كل مامررنا فيه ، تأتيني وتقولي كلمي يوسف ، يوسف بيحبك ، حاضر يابابا ، ستكلمه لكنها تعرف نتيجه الحديث مسبقا ، قدره لايملك منه فكاكا ولاهي ايضا ، حاضر يابابا ، حاضر !!!

( 16 )
البكاء

الليل يوشك يصبغ الافق بظلمته ووحشته ، يقترب يوسف بسيارته الفارهه من سور البيت ، البيت خاوي الا من اشباح الوحدة وذكريات الزمن البعيد الذي كان ورحل وبقيت فقط حواديته تؤنس الجدران المتهالكه وتقويها لتبقي وتصمد ، يقترب يوسف من البيت وعواصف الاتربة تتبعثر تحت عجلات سيارته تذكره بطفولته البعيدة ، وقتما كان يلهو مع ابناء عمومته علي الممرات الترابيه فتثير اقدامهم المرحه عواصف ترابيه تردم عيونهم وشفاهم بطعم الارض التي اشتراها الاجداد وحافظ عليها الاباء فبقيت للاحفاد ثروة وعز وهيبة ، المفتاح الصدأ يتأرجح شوقا تحت قميص يوسف ويكاد يقفز من خلف رابطه عنقه للفتحة الصغيرة في الباب العتيق ، يكاد يقفز وبسرعه من رقبة يوسف للباب يفتح قفله القديم ومزلاجه الثقيل ويدفع الباب ليفتح ، لكن المفتاح لايجروء يقفز من رقبه يوسف ويغادره ادبا واحتراما ، يهمس له ، يالا يايوسف ، يبتسم يوسف وهو يغلق باب سيارته ، هانت !!!
يترحم يوسف علي جده وكل العائلة التي رحلت ويدفع المفتاح الصدأ في الكالون وتك .. تك .. تك .. ويدفع الباب الكبير ويدخل لصاله المنزل التي يكاد المفتاح يقسم انها اضاءت فرحه بلقاء يوسف قبلما يمد يوسف اصابعه علي مفتاح الكهرباء ، يكاد المفتاح الصدأ يقسم ان البيت فرح بلقاء يوسف مثلما فرح يوسف بلقاءه وان ذكريات البيت العالقه علي جدرانه وفوق اثاثه وضحكات العائله وايام فرحهم اضاءت الظلمه وبددت الوحشه ، يكاد المفتاح الصدأ يقسم بما رآه لكن احد لن يصدقه ، فمن يصدق المفتاح ويصدق ان له عينين يرا وقلب ينبض وروح حية لاتموت ولن تموت الا ان خذله هذا اليوسف او اي يوسف وفرط في البيت والشرف والعائلة !!!
يسير يوسف بخطوات بطيئه صوب قلب البيت ، صالته الواسعه ، تلاحقه ذكريات طفولته وكأنه فيلم سينمائي يعاد عرضه ، يسمع سعال جده وصرخات جدته ويسمع صوت شرار المنقد المتقافز وسط القوالح المشتعله يدفيء الصاله الواسعة في لسع البرد وصوت صراصير الغيط وتراتيل القرأن قبل الفجر وصوت العجين الذي تضربه جدته بذراعيها في الماعون الكبير ، وكأن الفيلم تدور احداثه امام ناظريه ، يلمح المفتاح معلق في رقبه جده قبلما يصدأ والجد جالس في الشرفه البحريه ، يحتضن جده ويسأله مفتاح ايه دي ياجدي ، يهمس الجد بصوت يسمعه يوسف ، مفتاح البيت ده يايوسف ، هل فهم الان يوسف نظرة الجد الغريبه التي جحده بها وقتها ، كان صغيرا ، طردته امه من الحجره لتنضفها ، هرع للشرفه يبحث عما يبدد وحدته ، لمح جده جالسا علي مقعده الكبير يراقب الفلاحين في الحقول البعيده ، اقترب منه ، جذبه لجد لحضنه ، كان المفتاح يخدش خده الناعم ، سأل الجد عن المفتاح فاجابه اجابه بسيطه سهله يقوي مخه الصغير علي فهمها وجحده بنظره لم يفهمها يوسف وقتها ، اليوم فهم تلك النظره كأن يقول له هذا المفتاح لك ، هذا الحمل والشرف واجبك وحقك فانت الاصلح من ابناء جيلك لتحمل العبء الثقيل الذي اخترتك له ، فهم الان يوسف نظره الجد ، بعد كل ماخاضه من معارك وحروب مع ابيه وعمه وابناء العمومه دفاعا عن البيت الذي قرروا جميعهم في لحظه انه لايساوي شيء وان بيعه ابرك من تركه كشاهد القبر لافائده منه وان الناموس يطفش الزائرين والتعابين تسكن الشقوق واصحابه ماتوا والحي ابقي من الميت واللي يحتاجه البيت يحرم علي الجامع ، تواطئوا عليه جميعهم ليبيعوا البيت ويشتروا بثمنه مايسعد قلوبهم المشتاقه للثراء البعيد ، تواطئوا عليه جميعهم ليبيعوا البيت ويشتروا اكواخا علي البحر وفساتين للبنات وسيارات للابناء ، تواطئوا عليه وتشاجروا معه ، ابيه لعنه لانه عنيد مثل جده يتشبث بمالاقيمه له ، لانه اخرق مثل جده الذي عاش في ضنك وتحت يديه ثروه رفض يمتعهم باموالها ، تشاجر معه عمه لانه يتحكم فيهم بلا صفه ولاسند ، لان البيت ملكهم هم وليس ملكه ، وانهم احرار في قرارهم وانهم انتهوا لبيع البيت ولاسبيل امامه لمنعهم ، يومها بكي بحرقه ، وتذكره رعشه يد جده وهو يخلع المفتاح الصدأ من رقبته ويعلقه في رقبته هو ، تذكر كلماته وهو يوصيه ويحذره الا يسمح لهم ، وصيه جده واجبه النفاذ لكن الاب والاعمام لايعترفوا بالوصيه والقانون ايضا ، كان صبيا صغيرا منحه الجد المفتاح ولم يشهد علي وصيته مايضمن تنفيذها جبرا علي اصحاب الحقوق الشرعيه ، بكي يوسف بحرقه لكنه لم ييأس وقرر يحاربهم جميعا ، وليقضي الله امرا كان مفعولا ...
مازال يوسف في صاله المنزل ، تحرك صوب حجرة نوم جده ، جلس علي فراشه العتيق ، احس روح الجد تلبسته وتسللت لمسامه وروحه ، احس الجد يحتضنه ويواسيه علي المحنة التي اختاره ليتحملها ، احس الجد يهنئه لانه انتصر علي الفروع المائله من الشجره العملاقه وافلح رغم كل الصعوبات يوقف بيع البيت وهدمه ، سمع الجد في مرقده في مقبرة آل اليوسف يهمس في اذنه براوه يايوسف وانفجرت دموع القهر من عينيه ، تلك الدموع التي طالما خبأها ووارها وانكرها وانكر ضعفه ، انفجر باكيا وكأن صغيرا يوم تصور ان شبحا يطارده في الحديقه ، يومها هرع لحضن جده مرتاعا ، يومها نهره الجد لان آل اليوسف لايخافون من اشباح ولان الاشباح تطارد الضعفاء ولست ضعيف ، ونصحه ، وقت تطاردك الاشباح طاردها ولا تفر منها ستخافك ، هي تخيف الضعفاء الجبناء وانت لست ضعيف ولاجبان ، يومها صدق يوسف جده واطمئن ، بكي في حضنه واطمئن ، اليوم فوق فراش جده يبكي وكأن جده يحضتنه ليطمئنه ، المعارك كتيره والحيل لسه شديد يايوسف ، لاتخاف ولاتضعف ولو الاشباح طاردتك ماتجريش منها اجري عليها وطفشها ، انت الاقوي وهي تخاف من الاقويا ................ ومازال يوسف يبكي وسنوات عمره الخمسين خلف ظهره ينوء بحملها واحداثها لايعرف مالذي تخبئه له بقيه السنوات حتي يرتاح ويعيش مع بقيه آل اليوسف منتظرا جنة الخلد التي وعد بها الكريم عباده الصالحين !!!

( 17 )
مكالمة

رفعت سماعه التليفون بعدما رن جرسه طويلا وتجاهلته امها منشغله في المطبخ وتجاهله ابيها غارقا في صلاته ، رفعت سماعه التليفون فسمعت صوته ، كل سنه وانت طيبه ياهنا ، ارتبكت وكادت تصرخ من الفرحه ، وانت طيب يايوسف ، قلت ماينفعش الليله تعدي من غير مااعيد عليكي ، تتساقط دموعها تخبره انه يوحشها وتفتقده ، يزفر انفاسا دافئه تتسلل عبر اسلاك التليفون وتخبرها انه يحبها ومعذب بحبها ، تيجي اعزمك علي السحور بكره ، يسألها وجلا ، يخاف رفضها ، تبعد عنه بالقصد والعمد ، ابيها يكرهه وهو يعرف ولن يوافق ابدا تتزوجه وهي تعرفه وهي لاتقوي تخالف ابيها وهو يعرف ومابينهما شائك ومعقد ، موافقه ، يهمس بصوت فرح علشان كمان اديكي الفانوس بتاعك ، تتسع ابتسامتها اكثر واكثر ، كل سنه وانت طيب يايوسف وانت طيبه ياهنا ، الساعه 9 حامر عليكي تحت البيت اخدك ، ترتعش ، سيعرف ابيها ، تصمت ، خايفه من عمي ، يقوي قلبها ، ماتخافيش ، ماهو اصلي عمري ماحاخرج معاكي من وراه ، انا مش صغير ولا اقبل اتصرف زي الصغيرين ، اتفقنا ، 9 بالضبط حاكون تحت البيت ، تغلق الخط وتحلم بالغد والتاسعه مساءا حين يمر عليها ، لم تقابله منذ سنتين ، اتصل بها وقت حصلت علي الثانويه العامه وهنئها بمجموعها الكبير وطلب منها تقابله عند مكتب التنسيق ليسلمها هديه نجاحها ، مازالت تحتفظ بالقلم الذي احضره لها ، مازالت تتذكر كلماته وفرحته بها ، ومر عامين ، تشاجر ابيها معها لانها تفكر في يوسف الواد المجنون واوضح لها ضروره ان تبتعد عنه لان لو وقف علي راسه ورجله عمري ماحاجوزك له ، ده مجنون وبيتحدانا انا وابوه والعيله كلها ، اوعديني عمرك ماتشوفيه ، لم تعده طبعا لكنها صمتت احتراما له ، عامين لن تري يوسف والايام ثقيله وزرقاء وسخيفه وموجعه ، تسال نفسها كثيرا ، ليه ياربي خلتني احبه ويكاد المفتاح الصدأ المعلق في رقبته يجيبها قدرك ياهنا ، وكل واحد متعلق في رقبته قدره ممانوش مفر!!!
ولانه قدرها ابتعدت عنه لكنها تحبه ولانه قدرها ابتعد عنها ومازال يحبها ، ربما لن يتزوجها وربما لن تكون نصيبه وحياته لكنها حبيبة قلبه كانت وستظل وتبتسم ابتسامه واسعه لاينساها ابدا ، وفانوس رمضان يأتيها منيرا بروحه فتضعه علي الرف بجوار كل فوانيسه التي حملت ابتسامته وروحه ويقينها بحبه الذي يتواري بسبب البيت والمفتاح والوعد لكنه موجود يؤنس وحشتها ووحشه لياليها البارده و.......... كل سنه وانت طيب ياحبيبي !!!!

( 18 )
بعد الموت

اقترب كامل من يوسف في سرادق اخيه ابراهيم  ، اقترب منه وهو يبكي رحيل شقيقه الاكبر ، البقيه في حياتك يايوسف ، احتضنه يوسف بمنتهي الحب ، سنوات طويله لم يراه ، منذ غضب منه يوم موت جده ورحل عن البيت وقاطعه ، هل نحتاج الموت لنتجمع ياعمي، لا نحتاج العقل ياابن اخي وكفاك جنون ، ادرك يوسف مايخبئه له العم وعرف مالذي سيواجهه ، ربت علي ظهره بحنان وحب وتمني لو نسي البيت وبيعه وفتح له بيته وحضنه وزوجه ابنته التي لايحب غيرها ، لكن كامل لايفكر الا في البيت وبيعه وزواجه بهنا كوم وبيع البيت كوم ثاني ، رفع كامل رأسه والتجاعيد تزركش وجهه وهمس ليوسف ، ماعدش في العمر بقيه يايوسف ، كفايه عند ، حياتك ضاعت وحياه هنا ، البيت ده نكد علينا كلنا ، كفايه نكد !! ارتعش يوسف ، هاهو عمه يذكره بمصيبته وفقده ، يذكره بالحبيبه التي لم يمنحها له راضيا وابت هي تتزوجه رغما عن ابيها فاحترم ارادتها ومرت السنوات عجاف بائسه ، هاهو عمه يذكره بحبه لهنا وحرمانه منها وكأنه يقايضه ، تخلي عن العائله وبيتها والمفتاح الصدأ واساطيره وعش وتزوج وانجب اطفالا سعداء ، سعداء ، من قال هذا ، انجب اطفال تعساء يلاحقهم العار طيله الحياه هم وسلسالهم الزفر ، كفايه يايوسف ، يربت عليه حاضر ياعمي نتكلم اخر الليل ، ياريت ياابني نتكلم العمر عدي ومعدش فيه وقت علشان نتصالح ماتعبتش من الحرب ، سؤال لايقوي يوسف يجاوبه ، لم يتعب من الحرب احد في الدنيا مثله ، دفع ثمن الحرب باهظا ، ابيه خاصمه في اخر  حياته حتي مات وعمه يحاربه ويشهر بيه وحبيبة القلب بعيده لايملك يقترب منها ولايقوي ينساها ، تصور يوسف واهما ان الحرب اوشكت تنتهي لم يعرف مالذي يخبئه له العم لكنه سرعان مااكتشف ، ابوك مات وقبله عمك مات ، يعني انت واخواتك ليكم تلت البيت وانا واولادي لينا تلت واولاد مصطفي ليهم التلت  ، نبيعه ونلم زيتنا علي دقيقنا وتتجوز هنا ونعيش كلنا في تبات ونبات ، او تركب راسك فلا تتجوز ولا تتهبب وبينا وبين بعض المحاكم و.................عرف يوسف مصيره ، انها المحاكم والقضايا والحرمان من حبيبه القلب التي لايسكن ولن يسكن قلبه غيرها هنا و....... امر الله غالب ياعمي !!!

( 19 )
خطاب

ده فانوس رمضان ، ودي علبه شمع ، وده جواب كتبته لك علشان تخليه معاكي مهما الزمن مر !!!
تجلس امامه علي منضده منخفضه في المطعم العريق الذي اختاره ليتسحرا معا ، مر عليها في التاسعه امام بيتها واصطحبها للسحور ، عرف من وجهها انها تشاجرت مع ابيها وانها خرجت بغير اذنه مصحوبه بلعناته لانها تكسر ضهره وتساند عدوه وخصمه وتساعده علي التكبر والافترا وحرمانه من ميراثه الشرعي ، صممت تخرج مع يوسف للسحور وهي تعد ابيها ، ربما تكون المره الاخيره التي اقابله ، لااقويه عليك لانه لايحتاج قوتي ولا اسانده لان عائله ال اليوسف التي نحمل لقبها تسانده ، مهما تشاجرت معه وحاربته لن يرضخ لك والمفتاح في رقبته لن يخلعه ولن يبع البيت ، انت تقوي تحاربني انا وتحرمني من فرحتي ، ساخضع لك لاني ابنتك وحسن الادب وواجبي تجاهك يفرضا عليك طاعتك مهما كان ثمن تلك الطاعه ، احبه وانت تعرف واتعذب ببعده وانت تعرف لكن لن اعصيك ولن اخالف ارادتك ، هذه المره ساخرج معه وربما تكون المره الاخيره ، ربما لكني لست واثقه ، الذي اثق منه تماما اني لن اخالفك ولن اعارضك ولن اتزوجه الا برضاك ، صرخ فيها وهي تخرج من باب البيت ، لن ارضي ولن اوافق ولن اسمح لكي ، بكت وهي تنزل السلم ، اذن حكمت علي بالشقاء !!!
استقبلها يوسف مهللا فرحا ، لمح بقايا الدموع في عينيها ، عرف قصتها وكل ماحدث ، لم يسألها ، قبض علي اصابعها وسار صوب المطعم الذي سيتسحرا فيه ، الشوارع مزدحمه وقرأن التراويح يلف المدينه بالتقوي ، صامته هي وصامت هو ، ينصتا لتلاوة القرآن بخشوع ورهبه ، انه كمثل اليوم الذي رحل فيه جدهما عن الحياه ، صوت القران وقتها امتلك روحيهما ، صامتين عشاق يسيرا في المدينه المزدحمه صوب المطعم العتيق الذي اختاره يوسف ليتقابلا فيه ، المفتاح الصدأ معلق في رقبته قدره وحبه معلق في رقبتها قدرها و............... يرجوا في رحمه ربهما وكرمه ، يتمنيا لو تلاشت كل العوائق بينهما ليتلاقيا بما يستحقاه كل منهما عند الاخر ، لكن رحمه ربنا لم يأتي ميعادها وكرمه لم يفض عليهما بعد ومازالا صامتين !!!
منحها الفانوس النحاسي الذي اعتاد يمنحها له كل عام ، علبه الشمعه ملونه مبهجه ، وقبلما تشكره ناولها الخطاب ، فيه ايه ، ااقريه ، لا قولي فيه ايه ، لا ماينفعش ، لازم تقريه حرف حرف ، ليه ، لاني قلت فيه كل اللي عايز اقوله ، ولاني عايزك تحتفظي بيه طول مااحنا بعاد ، بحزن سألته واحنا حنفضل بعاد كتير ، هز رأسه ، للاسف ايوه ، مقدرش اوعدك بحاجه لان مهرك غالي قوي ، لمعت الدموع في مقلتيها ، بس انا حاوعدك اني ، قاطعها وكتم صوتها براحة كفه ، اوعي توعديني باللي ماتقدريش عليه ، ازاحت كفه ، انا بوعدك بالحاجه الوحيده اللي اقدر عليها ، حاستناك مهما طال الزمن ، سقطت دمعه في كف يده ، وانت حبيبتي وحتفضلي حبيبتي وان طال الزمن !!!
دس الخطاب في حقيبه يدها وهو يرجوها ، ااقريه ياهنا مع نفسك وصدقي كل حرف فيه ، وطلب السحور !!!!

( 20 )
آل اليوسف

اسمع يايوسف ، همس الجد للحفيد ، كلنا حاربنا علشان البيت ده ، اخواتي واخواتك وابويا واعمامك وجدي واجدادك ، كلنا حاربنا علشان البيت ده ، لاانت اول واحد بتحارب ولااخر واحد ، البيت ده بيت العيله اللي بناه الجد الاكبر ، وصل علي الارض لما كانت بور ، زرعها بعرق جبينه وسهر لياليه ، شال الشوك من ارضها ورواها بدمه اللي سال والشوك بيقطع ايده ورجله وقلبه ، زرع الارض وخضرها وكل من خيرها وبني البيت ده طوبه طوبه وحجر حجر ، سنين بيبني فيه ولما اتجوز ستنا الكبيرة ، ساعدته وبنت معاه ، اوضه ورا اوضه وحيطه ورا حيطه ، زرع جنينته نخل وشجر وورد وياسمين ، نعناع اخضر ولوف وعنب وشجر جوافه ، كتب علي البوابة ، آل اليوسف ، وقرر واتعازم يعمل عيله كبيرة خلف كتير ، ولاد وبنات ، الولاد اتجوزت من عائلات غريبه والبنات دخل عليها رجاله من عائلات تانيه ، خاف جدنا الاكبر علي بيته ، جاب عراف من اللي بيهيموا في الصحرا علي وشهم مالهمش محط ولا هدف، قاله اتعزم علي البيت واحرسه ببركه سيدنا النبي وكل الانبيا واولياء الله الصالحين ، اتعزم علي البيت واحرسه وصونه ، العراف قرا القرأن ورش من ميه زمزم علي الحيطان والسور ورمي مفتاح الباب في البحر وقال ان رجع لي يبقي البيت حيفضل لكم كلكم وان طال الزمن ، السمكه بلعت المفتاح ونطت في شبكه العراف بعد سنين ، رجع العراف للجد الاكبر اللي كان قرب يياس ويحس قله حيلته ويتمكن من قلبه الخوف يحمي البيت ويحرسه ويصونه لكل سلساله ، العراف قاله مفتاحكم رجع في جوف مياسة اختارت شبكتي علشان تموت فيها ، مفتاحكم رجع محروس ببركه ربنا وسيدنا النبي ، جدنا الاكبر عيط من الفرحه ، العراف قاله المفتاح هو حجه البيت ، اللي متعلق في رقبته هو مالك البيت ، انتم بقي عليكم تعرفوا تختاروا يتعلق في رقبة مين ، عليكم تعرفوا تختاروا مين اللي حيحافظ عليه ويصونه هو والبيت ، جدنا الاكبر كتب حجه بخط ايده وقال البيت ده بره الميراث ، ده وقف للعيله واسمها ، قال تقدروا تبيعوا كل حاجه وتشتروها وتقسموا الارض وتقبضوا تمنها ، للورثه الشرعيين كل الحقوق علي كل حاجه الا البيت ، البيت لصاحب المفتاح وصاحب المفتاح عليه وعد وعهد يصونه واللي يخون العهد غدار تطارده لعنتنا هو وسلساله الزفر عايش وميت ، يشرح الجد يوسف للحفيد يوسف ، لاانت اول واحد حتحارب ولا اخر واحد ، البيت مطمع ، ارضه طاميه وخيرها وفير وهواه بحري وشمسه دافيه واللي رايح واللي جاي يشتهيه ويتمناه ، واللي يقف قدامه يتخطف يتمني يملكه وهو مالوش سعر ولاثمن ولامعروض للبيع ، لكن تقول لمين بقي ، ياما اولاد طمعت تبيعه وتشتري اللي مالوش لزمه وياما حريم طعمت في نصيبها في الميراث وقالوا حجه الجد ماتلزمناش وياما محاكم حكمت وقالت ده بره الميراث وماينطبقش عليه قواعده والوصيه واجبه ونافذه والحجه عهد علي الجميع ، ياما حاربنا علشان البيت ، بيت آل اليوسف ، زي كل البيوت شبههم ، لكن مش كل البيوت جدرانها مبنيه بالشرف ورجالتها حافظوا عليها زي ماحافظنا احنا عليها ، لما الدنيا تقسي عليك ، افتكر انه واحد من ضمن كتير ، صانوا البيت ولسه حيصونوه ، وانك بتدفع ثمن غالي للشرف والعهد اللي مايتقدرش بتمن ، وانك شايل المفتاح تحافظ عليه وعلي البيت للي جاي من بعدك ، وانك حتتشكر زي كل اللي اتشكروا وتتحمد زي كل اللي اتحمد تعبهم وانك اخترت تكتب اسمك في صفحه الفرحه وقفلت صفحات العار في وش اصحابها ، لاانت اول واحد ولااخر واحد تتعذب بالبيت ، والبيت ده مش حيطان وجنينه ، البيت ده تاريخ وقصه طويله وعرق ودم ورجاله وستات دافعوا عنه واتعذبوا بيه وفرحوا برضه ، اللي مش فاهم يقول حيطان تتهد واللي فاهم يقول تاريخ ممتد والحيطان رخيصه زي اللي عايز يبيعها والتاريخ مالوش ثمن زي اللي بيحافظ عليه ، وانت اختار ، تتكسر ولا تحارب !! يستيقظ يوسف من حلمه وهو يهمس لجده ، حاحارب ياجدي حاحارب ويبكي لان هنا لم تأتيه في الحلم مثل كل ليله ، ابتسم جده في مكانه العالي يواسيه غياب هنا ، ماهو ياابني ياكنت انا اجي ياكانت هي ، والبنت الحق كانت عايزه تيجي لكنها فسحت لي علشان اقوي قلبك ، الحق البنت قلقانه عليك لكن مابيدها حيله ، همس يوسف ، كلنا مابيدنا حيله ياجدي ، لا انت قادر يايوسف ماتخيبش ظني فيك ، همس المفتاح الصدأ المعلق في رقبه يوسف وسط الحلم الذي يخبو ويتواري ويقفز ويستلب عقله ويقظته ونومه ، عمره مايخيب ظنك ياحاج ده راجل ابن راجل من ضهر راجل!!!
يهمس يوسف وهو نائم وكأنه يناديها لتأتيه كأنه يرجوها تسمعه ، ياهنا ، ياهنا ، باحبك ياهنا ، يبتسم الجد يشفق علي يوسف من قلبه الممزق بحبها ، لاهي نصيبك ولاانت نصيبها ، لا ياجدي ، هي نصيبي وانا نصيبها واللقا كمان نصيب وكل حي مسيره يشوف اللي مكتوب علي جبينه !! لاهي نصيبك ولا انت نصيبها ، انتم موعودين والوعد دين والحر يوفي الدين ومايهربش منه ، انتم موعودين !!!
ويستيقظ يوسف من نومه يمد اصابعه مرتاعا يتأكد ان المفتاح ماال معلقا في رقبته ، يربت عليه بحنان وهو قابع في حضنه مستكينا لحمايته ويتمناه هنا ويتمني لو دخل في حضنها لكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه ومازال النصيب ماجاش وقته !!!!

( 21 )
الصورة

جلس يوسف علي مكتبه ، يبعثر في اوراقه يبحث عن خطاب مهم ارسله له مكتبه ، يبعثر في الاوراق المكدسه في الادراج ، فواتير نور وخطابات من البنك وقصاصات من صحف وجرائد اراد الاحتفاظ بها ، يبعثر في الاوراق اكثر واكثر ، انزلقت من بين الاوراق صورة قديمة ، امسكها وحدق فيها طويلا ، هاهو جده قبل رحيله ، وهاهي هنا باسنانها المعووجه وهاهو البيت الذي منحه كل حياته طائعا راضيا سعيدا و............. رؤوف !!!!
حدق في الصورة طويلا واحسها رساله من جده الذي لم يكف عن التواصل معه منذ رحيله تاره في الاحلام وتاره بالافكار وتاره بترتيب الصدف المستحيله لتفتح امامه الابواب المغلقه ... يحدق في الصورة ، نعم هذا رؤوف !!!
ابتسم بحزن ، وقرر يبحث عن طريق يتواصل به مع ابن عمه الغائب خارج الوطن سنوات طويله وترحم علي عمه مصطفي وجده وعلي كل موتي ال اليوسف !!!

( 22 )
السفر

انا حاسافر يابابا ، اوضحت هنا لكامل قراراها الصعب ، عندي منحه من الكليه علشان الدكتوراه ومش حافوتها ، حتسافري وتسبيني ياهنا ، حاسافر اه لكن اسيبك لا ، عمري مااسيبك ، هربانه من يوسف ، هو مافيش غيره في الدنيا ، ياتتجوزيه وتكسريني ياتسافري وتكسريني ، انتفض كامل غاضبا من ابنته ، دخلتي علي التلاتين ولسه عانس ، يهينها ويوجعها مثلما يوجعه سفرها ، تتجاهل المعاني السخيفه لكلماته ، تحملها علي معناها الطيب الذي يواريه ، عايز يتطمن عليها وهي حالها لايسر عدو ولا حبيب ، ياعالم ترجعي تلاقيني عايش ولاميت ، ربنا يديك طوله العمر ، مش كنتي قعدتي معانا انا وامك واخواتك ، ليه تحكمي علي نفسك بالغربه ، كادت تضحك ، غربه اكثر مما تعيشها ، بعد يوسف عنها غربة وحياتها مع ابيها الذي لايكف يضمر شرا لحبيبها غربه والبيت المغلق المسكون باشباحه غربه وسنوات العمر التي تمر عجاف قاحله غربه و............. دول اربع سنين اجيب الدكتوراه وارجع علي طول !!!
غاضب منها ابيها وحانق عليها ، يتمناها لو افلحت تقنع يوسف يبيع البيت ، لكنها تسانده بصمتها ، تسانده بانتظاره الطويل ، لاتتزوج وهو ايضا لايتزوج ، وكأنها ينتظرا موته ، عايز اجوزك قبل مااموت ، تضحك ، يرغب الانتقام من يوسف حيا وميتا ، النصيب لسه ماجاش ، لا انت اللي عنيده وراكبه راسك وميت عريس اتقدم لك وكلهم احسن من بعض ، القلب ومايريد ياحاج كامل ، تسخر منه ، تفهمه بطريقه متواريه ان قلبها مع يوسف وانه لن يقوي يقهرها تتزوج بمن لاتحبه ، انت فاهماه بيحبك ، لو بيحبك كان سمع كلامي وقدم لك مهرك واتجوزتوا من زمان ، لاتجادله ، مابحبنيش ولا حاجه ومسيره يتجوز علشان يريحك ، انا ماليش دعوه بيه انا عايزك انتي اللي تريحيني وتتجوزي !! تصمت ، حاسافر اعمل الدكتوراه ولما يجي النصيب حاتجوز !!!
كلماتها اوجعتها ، هل فعلا سيتجوز يوسف ويتركها تتلظي بغرامه وتحترق بالشوق اليه ، هل فعلا سيتجوز يوسف وينساها ، وينجب يوسف جديد يسلمه المفتاح ويسخره للحفاظ علي البيت ، هل ستنساني يايوسف ، كلماتها اوجعتها وكادت تبكي ، كادت تصدق كلامها الكاذب الذي قررت تسكت به ابيها ، كادت تصدقه ، وقتها انتفض يوسف غاضبا وزجرها ، فوقي ، صرخ فيها لتفيق ، لاتصدقي نفسك وانت تكذبي علي ابيكي ، تعرفي اني احبك ولن احبك غيرك واني لن اتزوج غيرك ولو بقيت العمر كله انتظرك ، كفي عن الكذب ، سمعت وابتسمت ، ربما تستفزه لينطق ، عاتبها لانه حبه ظاهر لايحتاج استفزاز ، حتسافري ، اه ، بالسلامه همس فاطمئنت ، حتزورني ، لا ، لا باستنكار سالته ، لا لاني دايما معاكي والزياره بين الغرباء وبين البعاد ولست غريبا ولست بعيدا فانا معكي دائما تحت جلدك وفي مسامك واسكن روحك وقلبك وانتي ايضا !!!
خلي بالك من نفسك ، همس يوسف وهو يودعها في المطار ، تواري بعيدا عن ابيها وهو يحتضنها وعن امها وهي تدعو لها وعن اشقاءها وهم يذكروها بالهدايا التي ستشتريها لهم ، تواري بعيدا ، وحين خرجوا من صاله السفر اقترب من السياج الذي تقف خلفه ، ولوح لها وهمس خلي بالك من نفسك ، سمعت صوته ولوحت له فاحتضنها بعينيه واوصاها ، تخلي بالك من نفسك وتطميني عليك دايما وسافرت وتركته يحمل مفتاح البيت معلقا في رقبته عهد ووعد ودين ومسئولية !!!ا

نهاية الجزء الثاني ويتبعه الجزء الثالث


هناك تعليق واحد:

ياسر الجوهرى يقول...

عمل جيد ويجب ان تستمرى فى الكتابة القصة مليئة بالرمزية ولكن انا لا استمتع بالقراءة من على الكومبيوتر وافضل الكتاب حتى الان واتمنى لك التوفيق