مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 1 مارس 2013

كلمات متقاطعة ... الجزء الثالث

""الجزء الثالث""



هي تدري أنّنا حين نموتْ ، لا نعودْ ..
لمْ يعدْ يوماً من الموْتِ أحدْ ، لبهوتْ
، رغمَ هذا فالبذورْ ،
ليس تفْنى حينَ تُدفَنْ ،
ربما الإنسانُ أيضاً ..
ليس يفْنى ..حينَ يُدفَنْ ،
ولهذا قدْ يعودْ ،
هو ياسينُ لها ..
ذات يومْ  !ذات يومْ

""نجيب سرور""


( 32 )
هدية  

يكتب يوسف ويكتب ...........
سيدتي الدوقة هذه هديتي لك لتصنعي منها موجه ثانيه من الجنون !!! هذه الاوراق موجتي الاولي ومسرحيتك الموجه الثانيه ... تتسائلين عن الموجه الثالثه والاخيرة ، هذا مانأمل انا وانتي ان يصنعه الجمهور المتفرج ، يشحن بجنوننا ويخرج من مسرحك ليحطم كل شيء ويصرخ ويهتف ويضحك ويرقص ويستيقظ من سبات غيبوبه اهل الكهف والموت و............ يصنع الموجه الثالثه من الجنون ويعيش !! نعم سيدتي الدوقه ، الحياه ذاتها الحياه بحق التفاعل الاندهاش الاحساس الغضب الفرحه ، الحياه ذاتها صارت الجنون الاكبر !!! اتمني سيدتي الدوقه تفلحي تصنعي من احرفي عالم من الدهشه يخلق الموجه الثالثه والاخيره من الجنون الجميل !!!
يسمع يوسف صراخ خديجه في اذنه فيضحك ويعطيها ظهره ويكتب ويكتب !!!
الاوراق تنتفض وتغضب وتنبسط وتسعد وتتلون بحالته وتتلوي تحت سن قلمه يحفر فيها وعلي سطحها معان معقده !!!
القلم يصرخ في الاوراق ، امنحوه ارواحكم فيمنحكم خلودا ، انتم مجرد حفنه اوراق لاقيمه لها الا بكلماته وروحه ، فررتم من مصير موحش ، من يد بائع الخضار وهو يلفكم قراطيس لبضاعته  ، فررتم من مؤخره كلب ضال يختاركم ليقضي حاجته فوق اسطركم ، فررتم من اصابع خادمه بارعه تنظف بكم زجاج البيت ، منحكم القدر دورا عظيما لتكونوا ساحه فخر تسجل كلمات ذلك الفنان المجنون ، اشكروا القدر واشكروه وامنحوه ارواحكم منبسطه ليكتب ويكتب !!!
تبتسم الاوراق ممتنه للقدر وللكاتب الذي سيخلدها بكلماته وتفسح له صدرها وتفتح له ذراعيها ليكتب ويكتب !!!

( 33 )
الجمهور

مازالوا يتشاجروا امام شباك التذاكر !!!
بعضهم افلح يدخل المسرح رغم الزحام ، الكثيرين مازالوا يتشاجروا ...
خديجه مازالت تصورهم بكاميرتها وتبتسم !!!
طابور طويل امام شباك التذاكر ، الناس تسب وتلعن ، للحكومه التي رفعت يدها واهتمامها عنهم وعن حياتهم  ، لمدينتهم المزدحمه المجنونة الحمقاء ، للبوليس لايتدخل الا في المشاكل الكبري  وغير هذا من امور امن حياتنا اليوميه ومشاكلها ينأي رجاله بانفسهم من وسط الجنون والغضب ... الجمهور يقف طابور طويل ، السيدات يقبضن علي حقائبهن تحت ابطهن يخشين السرقه متوترات يخشين التحرش ، الرجال يتحسسوا جيوبهم يخافوا السرقه متوترين يخشوا التثبيت والاهانه وقهر الرجوله ، وكأن المدينه احتلت بالاعداء الغرباء الذين لاهم لهم الا افساد حياتها وحياة مواطنيها!!
صرخت سيده ، خلصونا بقي ، هي عيشتنا السوده اتقلبت كلها طوابير!!! كاد رجل اشيب يشرح لها ان الطوابير علامه التحضر كمثل اوربا ، لكنه صمت وعينيها تطقا شرار !!!
ابتسمت خديجة وهي تصور وتصور !!!
تذكرت وهي تشرح للممثلين في بروفات الترابيزة !!!
الحياة اتحولت لطوابير ... فيه طوابير ابيض وفيه طوابير اسود !!!
طوابير لصالح الملك ده ، وطوابير لصالح الملك ده !!!
مره طوابير استفتاء ومره طوابير انتخابات ، ومره طوابير عيش ومره طوابير سولار ، مره طوابير علشان نخرج من بوابات الرسوم علي الطرق السريعه ومره طوابير علشان نخش السينما !!!
احنا حنعمل في المسرحيه ميت طابور ، في كل مشهد كل موقف فيه طابورين ، واحد ابيض وواحد اسود !!! المصيبه ان الطوابير زيها زي الجيوش اللي نازله من السما ، مش لاقيه ارض تقف عليها ، وحنبتدي المسرحيه بطوابير الجمهور قدام شباك التذاكر  ، حنصورهم وهما بيتخانقوا ، حنسألهم بتتخانقوا ليه ، ده انتم خارجين تتفسحوا وداخلين مسرحيه ، يعني لااكل ولا شرب بتتخانقوا ليه ، عارفين ليه ؟؟
الممثلين ينصتوا لها ، بيتخانقوا لانهم مش لاقيين الارض اللي يعرفوا يقفوا عليها ، مش لاقيين الارض اللي عارفينهم ، بيتخانقوا لانهم متعلقين في الهوا ومش عارفين يرسوا علي بر !!! ده اللي يوسف عايز يقوله ، لما الناس لما الجيوش في اللعبه متلاقيش الارض اللي تعرف تقف عليها ، اللي حافظاها اللي عارفه قواعدها ، لما ماتلاقيهاش تتخانق !!! لما يرفضوا القواعد المعروفه والمفهومه ، في الاول ينتظروا يفهموا وبعدين يتوتروا وفي الاخر طبعا يتخانقوا !!
صرخ اكرم ، بس القواعد قيد !! عظيم يااكرم ، هو ده ، القواعد قيد ، بلاش قواعد ، بلاش قيد ، خلينا اخر حريه من غير قيود ، ايه اللي حيحصل ؟؟
همس عمر حيث يعيش مكرما سعيدا ، اللي حيحصل هو الايام السوده اللي انتم عايشينها ، وافقته خديجه ، الايام السوده ياعمر ، طيب امتي الايام البيضا ، انتبه اكرم ، اه صحيح ، امتي الايام البيضا ؟؟ ده السؤال اللي حنساله للجمهور ياعمر ، امتي الايام البيضا ؟؟؟؟
مازالت خديجه تصور مايحدث امام المسرح وتبتسم ، عبقري الواد يوسف ده ، رسم اللي احنا عايشينه كل يوم من غير ماناخد بالنا ، رسمه بس بعين جديده فظهرت المصيبه اللي الكل عايشها ومش فاهم هو مش طايق روحه ليه !!!!
ومازال الصخب يتعالي من الطابور والمشاجرات تزيد ، الجمهور يقف في الطابور لايعجبه حاله ، تمردوا علي كل القواعد حتي طابور شباك التذاكر !!!! عبقري يايوسف ياابن اللذين !!!

( 34 )
سيدتي الدوقة  

ليه مابتتجوزهاش يايوسف ؟؟
في كازينو علي النيل يجلسا يسمعا ام كلثوم ويبكيا !!!
سنوات كثيرة مرت علي مظاهرات الجامعه واعتصامها ، سنوات كثيرة مرت علي السجن ، الاعتقال والافراج  ، سنوات كثيرة مرت واحباطات اكثر ، بعض الشباب ولي وبعض الشيخوخه اتت ، كتب نشرت ومسرحيات ، حب واحباط ، ثورة ويأس ، امل في مستقبل لايأتي ، يسمعا ام كلثوم ويبكيا !!
اتصل به عمر ، تعالي نتقابل يايوسف ، نفسي اعيط !!!
ضحك يوسف ، بتعزمني علي العياط ياعمر ..
لا حاعزمك علي بيره ساقعه وريش ضاني وقعده زي ايام زمان لما كنا بنتقابل ونتكلم ونرقص في الشارع زي المجانين ونجري ورا البنات نعاكسها ونضحك !!!
خاف يوسف ، انت متخانق مع صفاء ؟؟
لا ، صفاء عند امها وحماتي عيانه ، وانا زهقت من العيله والواجبات وماما وبابا والبيت ومصروفه ، زهقت ، عايز اقلع الحياه دي كلها ساعتين تلاته ، ارجع صعلوك ، اسكر واتدهول ، اعاكس بنت حلوة فتضحك وتنبسط وتمشي، اقعد علي النيل ، اسمع ام كلثوم ، تعالي يايوسف ، نتقابل زي زمان ..
وافقه يوسف ، نتقابل بس انت اللي حتدفع انا مفلس والقرشنتين اللي معايا ليهم ميت باب غير اني اخرج معاك !!!
واتلقيا ، تعانقا بحب رهيب ، وكأن سنوات طويله مرت علي اخر لقاء ، تعانقا وفي حضن بعضهما احس كل منهما ان سنوات الشباب التي ذهبت باحلامها الطازجه والامل ، احسا انها عادت في قلوبهما نبضه حية قوية ، وام كلثوم تصدح وتصدح والبيرة الساقعه وشويه عياط وشتيمه في الدنيا والبلد ووزراه الثقافه والامية ورؤساء تحرير الصحف التي يكتبوا فيها والدنيا الي مش مدياهم حظهم !!!
كل هذا استدعي عندهما معا وفي نفس اللحظه سعيد !! صرخ عمر ، شفت سعيد ابن دين الفاصوليا ، بقي ليه مكتب وسكرتيرة ومواعيد علشان تقابله ، ضحك يوسف ، وتقابله ليه الحيوان ده ، يااخي باحكي ظروفه ، بقي باشا واحنا لسه صعاليك ، بندور علي حد ينشر لنا وبندور علي مسرح نعرض عليه مسرحياتنا وهو بقي باشا ، مرضي عنه وكل يوم يطلع في التلفزيون ، وكل زباله يكتبها يتعمل حواليها هيصه وتترجم ميت لغه !!!
ضحك يوسف والبيرة الساقعه " تلطش " في وعيه ورأسه وتذهب به وتعود ، كلب ، ده زمن الكلاب ياعمر واحنا مالناش في الهوهوة !!! انفجر عمر في الضحك ، تصدق تنفع اسم مسرحيه !!! ماتكتب يايوسف ، احنا مالناش في الهوهوة !!! وانفجرا ضاحكين ..
كل مابسمع عنه بتصعب علي خديجه ، اتخدعت فيه واتجوزته ، لسه بتتكسف من الموضوع ده لما بتيجي سيرته ، بتحس انها كانت عبيطه لما ماقدرتش تفهمه ، بتحس حقارته وسمعته الوسخه شتيمه لسه لازقه فيها ، همس يوسف ، بجد بتصعب علي ياعمر ، ماكنتش تستاهل تتجوز الجوازه الزباله دي !!!
يضحك عمر ساخرا ، النهارده الحريم بتجري وراه ، باشا وسكرتيرة ومجله ثقافيه ومواعيد ومقابلات الوزير وسفريات وهلمة!!! ينتفض يوسف ، بس خديجه مش زي كل الستات دي ، خديجه حاجه تانيه ياعمر وانت عارف !!!
يعلو صوت ام كلثوم اكثر واكثر .. فتتمايل الرؤوس والاجساد والارواح طربا وبهجه !!!
يحدق فيه وجهه عمر ويسأله ، ليه مابتتجوزش خديجة يايوسف !!!
هز يوسف رأسه ، سألت نفسي السؤال ده الف مرة ، قبل ماتتجوز سعيد ولما عرفت انها حتتجوزه ولما اتطلقت ، ليه ماابتجوزش خديجه ،كل شيء منطقي يقول اننا لازم نتجوز !!
طيب ايه ؟؟ساله عمر ، عمري مالقيت اجابه ، يمكن باحبها قوي لدرجه اني خايف عليها مني ، يمكن بينا شيء غالي مش عايز ابوظه بالجواز والبيت والقرف ، هام يوسف مع افكاره ،  يمكن خايف منها ياعمر !!
خايف ؟؟ اه ياعمر ، خايف منها من حضورها الطاغي من جنونها خايف ابقي اسير ليها ادور في فلكها خايف تسرقني من روحي ، تقيدني بحبها ، تطفي روحي !!!
ياه ياعم يوسف ، ده كلام كبير قوي ، مش انت بتسالني وانا باحاوبك ، طيب وبعدين ، ولا قبلين ولا اي حاجه ، هي حبيتي وحتفضل حبيبتي ، طيب مابتتنيلش تتجوز اي واحده تانيه ليه ، ولا حتفضل كده عم العيال ، تجيب للولاد شوكولاته وتتسرمح طول النهار واخر الليل تسكر وتتخمد !! ضحك يوسف وام كلثوم تلاحقه باهاتها ، وانت زعلان ليه ، مش انت متجوز ومبسوط ، مالكش دعوه بيه بقي ، انا مبسوط كده !!!
ضحك عمر ، مبسوط ، علي عمر يايوسف ، انت تعيس وبائس ولاسعيد ولازفت ، مضيع روحك مع المكن والموزز والبنات الكسر وبتيجي قدامها وتتنح وتتخرس وتسكت !!!
طيب ، انت مصمم بقي تبوظ ام الليله ، وتفوقنا ، انت حتدفع تمن الزفت البيرة اللي شربناها لانك فوقتنا ، اتفقنا ، حتدفع حاتكلم مش حتدفع يبقي اتنيل اسكت وسيبني اسمع ام كلثوم برواقه ومزاج !!
ضحك عمر ، حادفع والله، انت نسيت ، انا اللي عازمك !!!
طيب ... انا بجد بحبها ، لكنها سيدتي الدوقة ، بتفكرني بالبلاط الملكي ، بتفكرني بالستات اللي بيعيشوا في البلاط ده ، ستات كاملين حلوين فيهم كل حاجه عظيمه ، مين انا بقي ياصعلوك علشان اقرب لسيدتي الدوقه ، علشان احبها ، علشان اتخانق معاها ، علشان الطشها قلمين !!! ضحك عمر ، قلمين ، اه وعشره كمان مش مراتي مش جماعتي مش تبعي وستري وغطايا علي راي امي ، الطشها قلمين وعشره ، تفتكر ينفع !!!
لا طبعا ماينفعش ، خلاص ، تبقي حبيتي وتفضل حبيتبي وبس ، ولما الاقي واحده ينفع اضربها قلمين حاتجوز !!! وانفجر ضاحكا هات بيره كمان واخرس بقي خلينا نسمع الست بمزاج  !!!!
سيدتي الدوقة ، سيدتي الدوقة ، احبك يامولاتي !!!
واحتسي كوب البيرة المثلجه مره واحده وهو يضحك ويضحك ، سيدتي الدوقه ، سيدتي الدوقه !!!

( 35 )
كذب

مازال عمر وروحه يحلقا فوق المشهد علي كوبري قصر النيل ، صراخ عالي ، البوليس قتل عمر ، صراخ عالي عالي ، وفجأ تحلق كتله نار مشتعله القتها يد مدربه علي الرماية والقنص ، القتها علي رأس الجندي ومدرعته ، اشتعلت النيران في جسد الجندي ، النيران تلتهم جلده ولحمه ، النيران تحرق اعصابه وادميته ، النيران تسيح ملابسه فتتحول لصلب حارق ينهمر فوق جسده النحيل يفتت عظمه ويحيله لنثرات الم ، الجندي يحترق وهو محتجز وسط المدرعه الحديد ، يصرخ ويصرخ لكن النيران تستعر بين شفته وفي فمه الما لايقوي علي الصراخ ، يبكي جلد سائح ولحم ممزق ينهمرا من عينيه لوجه الذي تعري النيران عظامه من لحمها وجلدها، جفونه تحترق ، رموشه تحترق ، النيران تتسلل تحت البدله الميري لقلبه تحرقه ، عمر يراقبه ويصرخ ، تعالي تعالي ، ينادي الروح لتخرج بسرعه من ذلك الجسد المحترق ، لكن الروح مازالت اسيرة الوجع والحريق ، يناديه عمر تعالي تعالي ، تحاول الروح الفرار من الجسد المحترق ، تحاول انهاء ذلك الوجع المخيف ، يتمني عمر لو يحتضنه كبطانيه قديمه تمنع الهواء يشعل النيران ويزيد الحريق ، يتمني لو اختطف الاعلام من ايدي المتظاهرين ولفها حول الجندي ، يتمني ينقذه ، لكن في تلك اللحظه بالذات لااحد يقوي ينقذ نفسه ولاغيره مما مقدر لهم ، الصراخ يتعالي ، البوليس قتل عمر ، تتداخل الاصوات مع بكاء يوسف مع صراخ صفاء مع صوت الجسد الحي وهو يحترق وتأكله النيران ، يصرخ عمر ، هو ده ، يشير علي العيون السوداء البليدة والشعر الاشعث ، يشير اليه ، ده اللي قتلني وحرق العسكري ، ده اللي بيقتلنا وحيقتلنا ،هو ده امسكوه ، لكن احد وسط الهتاف والصراخ والصخب لايسمعه ، المتظاهرين لايعرفون من القي المولوتوف علي الجندي فحرقه وحرق المدرعه ، ولايعرفون من قتل عمر ، ولايعرفون ان وسطهم اناس تشبهم نفس ملامحهم نفس ملابسهم بعيون بليده زجاجيه ، اندسوا وسطهم فقط للقتل !!! المتظاهرين لايعرفون ولن يعرفوا الا بعد سنوات طويله وقتما يحكي التاريخ ويتحدث ويقص علي الاحفاد واحفادهم تفاصيل تلك الساعات فوق كوبري قصر النيل !!!
همس عمر وروحه المحلقة فوق المشهد كله ، متي سيتحدث التاريخ ويحكي للناس كلها حقيقه ماحدث ؟؟
غادرت روح الجندي المحترق جسدها المشتعل ، غادرتها وحلقت بسرعه صوب عمر ، احتضنه عمر وبكيا معا ، يشعرا خطرا من المندسين وسط المظاهره يقتلوا المتظاهرين ويحرقوا الجنود ويصرخوا البوليس بيقتل المتظاهرين !!!
تلاقت الارواح الطاهره في براحها الامن ، لانك لاتعرف شيئا ولان التاريخ لم يتحدث بعد ، ستظن انت ولانك جاهل بكل الحقيقه ، ستظن ان روح القاتل والقتيل تصالحا ، انت جاهل ولاتعرف الحقيقه مثلنا كلنا ، فقط اقول لك ، ان الاثنين ضحايا ، عمر والجندي الذي لانعرف اسمه الاثنين ضحايا لعيون بليدة وايدي مدربه علي القتل والغدر ، وصلت بر مصر في عز الليل لتقتل وتحرق !!!!
متي سيتحدث التاريخ ، صرخت روح عمر وهي تحتضن روح الجندي الذي احترق وهو لايحمل الا رصاص فشنك ، احترق وهو يسب ويلعن لانه قاتل وفي الحقيقة هو بريء ولم يقتل احدا ولم ينوي ولا يستطيع ابدا !! تبكي روح الجندي لانه امه في البلد حتزعل قوي ولان ابوه مالوش غيره وبقيه خلفته بنات ، ولان الارض في البلد حتبور ولانه ماعملش حاجه علشان يتحرق كده والختمه الشريفه يافندي !!! تحتضن روح عمر روح الجندي ويصرخا معا ، متي سيتحدث التاريخ ؟؟؟؟

( 36 )
حرة

حاتطلق يايوسف ، خلاص قررت !!!
يغيب يوسف عنها ويعود لسعيد ، يعود لزواجهما الكريه ، نعم كره يوسف تلك الزيجه منذ عرف من خديجه انها ستتزوج صديقه ورفيق نضاله ، سعيد !!!
يعرف يوسف كل شيء ، يعرف ان تلك الزيجة محكوم عليها بالفشل ، حينما اخبرته خديجة انها ستتزوج سعيد ، هنئها واكتئب ، سعيد لايحبها ولن ، سعيد يحب نفسه وفقط ، خدع خديجة بمعسول كلماته لكنها ستفيق وبسرعه ، ستتزوج خديجه من المناضل البطل ، لاتعرفه لكنها ستعرفه بسهوله جدا وقتما تعاشره وتقتحم رائحته النتنه انفها وقلبها ، تمني لو أتته الجراءه ليبوح لها برأيه في سعيد ومعلوماته عنه وعن شخصيته ، يعرفه جيدا ، زميل نضال ورفيق مظاهرات وناما معا علي "برش " واحد ، في السجن تتعري النفوس ، يظهر النبلاء ويسطع نبلهم ويظهر الحقراء وتتدني حقارتهم اكثر واكثر ، السجن كاشف للروح والنفس ، انت محبوس بين اربعه جدران ، كأنك فأر في المصيدة ، فريسه وقعت في كمين الصياد ، لاتتجمل ولا تكذب ، تعيش نفسك مثلما هي ، الاناني تزداد انانيته والكريم يتجلي كرمه والكاذب يكذب اكثر واكثر والجدع جدع والجبان جبان ، يوسف عاش مع سعيد في زنزانه واحده اربعه شهور ، قبض عليهما في مظاهرات الطلبه بعدما انفض اعتصام الجامعه ، في تلك الايام ترك يوسف المعهد ومحاضراته واندمج في المظاهرات والاعتصام واللجنه العليا للطلبه واعداد البيانات كمثل زملائه من جميع الكليات في جامعه القاهره ، نسي دراسته ومعهده وشكسبير وطالب بالحرب كمثل ابناء جيله الغاضبين من الهزيمه والعار ، في تلك الايام تعرف علي سعيد ، يدرس في كليه الاداب مع كثيرين من زملاءه ، تعرف عليه متحمسا ثائرا ، اختلف معه كثيرا في مناقشات نظريه ومواقف عملية وتفاصيل كثيرة ، لكنه اختلاف لم يفسد للود ولا النضال قضيه و................. فض الاعتصام في قاعه الاحتفالات الكبري وطاردت امن الدوله المعتصمين والمتظاهرين وقيادات الحركه ، فر من فر واختفي بعيدا عن اعين امن الدوله من اختفي ، يوسف تعامل مع الامر ببرود فلم يكترث بالفرار ولا اجراءات الامان و......
خرج يوسف من الجامعه صوب منزله فتتبعه المخبرون وقبضوا عليه ، في عربه الترحيلات شاهد سعيد احتضنه بفرح وضحك ، كده نكمل مناقشاتنا بقي علي رواقة ، احتضنه سعيد وكأنه سعيد بوجوده !!!
وكشفت ايام السجن حقيقة سعيد ، اناني لايهتم الا بنفسه ، كثير المشاجرات عصبي ، سطحي تافه ، يتشدق بالكلمات الكبيرة التي لايعرف معناها ، بخيل ، يخفي زياراته التي تأتيه من اسرته وخيراتها ، ويتطافس علي زيارات الزملاء وكأنه لايقصد ، في المره الاولي والعاشره تساهلوا معه ، ادخلوه الحياه العامه معهم ، لكن لاحظوا انه ينام فوق سجائره المستورده ويأكل الفاكهه التي تأتيه من امه سرا من خلف الزملاء ، يتشاجر مع زميل علي ليفه الحمام ، وضرب الاخر في وجهه لانه اخذ سيجاره من سجائره دون اذنه ، وتهامس الزملاء سرا وسرعان ماتناقشوا جهرا عن طبيعه زميلهم الذي لم يعرفوه بحق الا وهو زميل "البرش" انتهازي اناني اشترك في المظاهرات من باب الوجاهه الاجتماعيه واعتصم مسايره لزملاءه دون اقتناع حقيقي باي قضيه و" ياما الحركه بتلم" علي رأي عمر !!!
و.............. مرت ايام السجن بحلوها ومرها ووقتما اصدر القضاء حكمه بالافراج عنهم بعد اربعه شهور كامله ، اجتمعوا ليله الافراج وتعاهدوا يحفظوا كل اسرارهم والا يكشفوا ماشاهدوه وماعرفوه عن بعضهم البعض للاخرين وان ايام السجن صعبه وعلينا كما قال زميلهم الصعيدي "نكفي علي الخبر ماجور" ومانفرحش امن الدوله فينا !!!
التزم يوسف بما تعاهدوا عليه واخفي حقيقه سعيد عن كل الناس ، حتي عن خديجه وقتما اخبرته انها ستتزوج سعيد ، لم يفكر لحظه وهي صديقته الاقرب وهو صديقها الاعز ، لم يفكر لحظه يكاشفها بحقيقته وعيوبه، كانت عينيها تسطعا بوهج الحب الكاذب فلم يرد كسر قلبها وتحطيم فرحتها ، ببساطه اعتبر يوسف زواجها بسعيد تجربه ستنتهي سريعا ، تجربه ستزيد شخصيتها صلابه وروحها قوة و.................. حاتطلق يايوسف !!!
تنفس الصعداء وادرك ان توقعاته من صديقته العزيزه في محلها ، ستعيش بعض الوقت سعيده بالحب الجارف وسرعان ماستري قبح سعيد وشخصيته الانانيه وذاتيته المتضخمه وتفاهته وعيوب شخصيته ، ستحاول اصلاحه وتقويمه وعندما تتيقن انها لن تفلح ، ستنجو بنفسها وتتطلق !!!
عامين تزوجت فيهما خديجه من سعيد ويوسف ينتظر خبر الطلاق السعيد ، واخيرا اخبرته بما كان يتمني سماعه !!!
طيب لما تتطلقي فعلا قولي لي علشان احتفل معاك بحريتك !!!
ضحكت خديجه ، حوش علشان نحتفل ، لاني بكره او بعده بالكتير حابقي حرة !!
همس بغيظ ، انت طول عمرك حره ياخديجه ، كنت ومازلت حره ، مش انتي اللي تفقدي حريتك لاي سبب ولو كان جوازه خايبه زي جوازتك بسعيد افندي !!!
كان يتكلم بغيظ وغضب وكأنه يلومها لانها تزوجت سعيد ، انتبهت لنبرات صوته وغضبه و............... انت عندك حق فعلا يايوسف ، انا طول عمري حرة ، اضاف بحسم ، وحتفضلي ياخديجه حره طول العمر ............... وتمنت لو دخلت في حضنه وتمني لو محي من ذاكرتها وذاكرة ومن علي وجه الدنيا هذين العامين الذين قضتها خديجة زوجه لهذا السعيد افندي !!!!

( 37)
ثقب في السماء

ويكتب ويكتب .....
جيشين سقطا من السماء يبحثا عن الاربعه وستين مربعا ليتصارعا ، لكنهما لايجدا الا الفراغ ينتظرهما !!! لايجدا رقعه اللعبه ومربعاتها ، الارض خاليه بلا مربعات وبلا قواعد !!! بضعه جنود وحصانين وفيلين وطابيتين ووزير وملك !!! احدهما ابيض ناصع شاهق البياض والاخر اسود قاتم غطيس ، تأمل منظرهما وهما يسقطا من السماء ..
الجنود كالعاده تتقدم الصفوف ، دمها رخيص وعددها كثير وخلقت للموت فداء للملك الغالي العزيز الذي خصه القدر بمكانه عاليه من اجلها يموت الكثيرين حمايه له ولمكانته !!!
الجنود تتقدم الصفوف ، تسقط من ثقب مفتوح ، تحلق في الهواء بلا اجنحه ، متشابهه الملامح متماثله القسمات وكانها صبت من قالب واحد ، قالب الجندي ، ملح الارض ، رخيص الدم الذي يقتل من اجل الملك ويموت من اجل الملك الذي لايعرف اسمه ولا يتذكر ملامحه ويتفضل ببعض الاوسمه الصفيح والفخر لاسرته عزاء عن موت عائلهم الذي مات ، بصوت فخيم ، دافعا عن جلاله الملك المفدي!!!
الجنود تتساقط من السماء خلف بعضها ، تتناثر خوذها ودروعها وتكاد السيوف تنخلع من اجربتها بعيدا عن اجسامهم ، يتساقطوا خلف بعضهم وارجلهم تحلق في الهواء وكأنها تروس صغيرة في ماكينه كبيرة ، تلف وتلف ، وتقترب من الارض ، تبحث عن اماكنها المحفوظه ، المربعات التي ستقف عليها وجهها للموت وظهرها للملك الذي يختبأ خلفهم ليحموه ، الجنود تقترب من الارض اكثر واكثر و............. تثبت الصورة !!!

( 38 )
انتصار

يحدق في الاوراق والاسطر مبتسما !! انتصاره الاول بعد كل الهزائم اوشك يرفع راياته !!! قوله الطاغي بعد خرس طويل ارهقه ، يتكلم طيله الوقت في عقله ولايكتب ، وحين يكتب لايكتب ، ويزاداد الخرس ويطول الصمت ، فقط اليوم ، قرر يحاول يكتب، وافلح !!!
لماذا اليوم ، هو يوم عادي مثل كل الايام التي مرت كثيرة في السنوات السبع التي خرس فيها وعجز عن الكتابه ، انه يوم عادي اسود مثل الايام الكثيرة السوداء التي عاشها في السنوات السبع معذبا بالخرس ، يوم عادي ، بضعه حرائق هنا وهناك ، شابه فقدت زوجها تحت عجلات القطار الاحمق وهو يعبر قضبانه مختالا ليزف لها حصوله علي عمل بعد طول بطالة ، قتال ضروس في طابورالمخبز بين جائعين يقتلوا بعضهم بدم بارد من اجل بضعه ارغفه يمنحوها لاطفالهم بكل حب ، ظلام تام بعدما توقفت محطات الكهرباء عن العمل لاضراب العمال ونقص السولار ورفض الجمهور سداد فواتير الكهرباء العاليه فعجزت الشركات تدفع المرتبات واطفئت النور واستراحت واراحت المدينه من ضوء يكشف وجعها وفضائحها ، زحام شديد في الميادين انتظارا لخطاب جديد سيقوله الملك الذي يستحي من شعبه فلا يخاطبه ولا يكترث به وينغمس اكثر واكثر في الاستغفار عن ماتقدم من ذنب وما تأخر ، لماذا اليوم ، هو يوم عادي مثل كل الايام التي تعيشها المدينه ثقيله وهواءها ثقيل !!
لايعرف يوسف لماذا اليوم قرر يعيد المحاوله ولايعرف لماذا افلحت محاولته الالف بعد المائه الاف !!!
ربما الطفله الصغيره التي ابتسمت له احيت في قلبه احساس تصوره تلاشي ، كان يعبر الطريق هائما مع افكاره ، سيذهب للمسرح ويجلس مع خديجه ويحتسيا القهوه ويسبا في الحياة مثلما اعتادا يفعلا منذ زمن ، يائس هو وهي اكثر يأسا ، كان يعبر الطريق ، انتبه فجأ لعينين بريئتين يحدقا في ملابسه الرثه وشكله الغريب ، طفله صغيرة تقبض علي اصابع امها وتعبر معها الطريق ، اجتاحه احساس غريب ، تمني لو يقبلها ، تمني لو احتضنها ودفن رأسه المتعب في حضنها ، تمني لو عادت امه للحياه لتاخده في حضنها وتمنحه بعض امانها مثلما تمنحه تلك الام الطيبه لصغيرتها!!!
هل افلحت ابتسامه الصغيرة تعيد لروحه بعض حيويتها ، هل شحذت انسانيته المتواريه خلف تلال الهم ، لايعرف يوسف !!!
هل ذكرته تلك الصغيرة بعمر !!! هل تلك النظرة في عينيها مثل النظره التي احبها من عمر ، وقتما يرتد طفلا مندهشا يعيش الحياه ببهجة الاطفال وروحهم المرحه ، ربما ذكرته بعمر وقتما قبضت علي اصابع امها ، لو عمر طفلا لقبض علي اصابعه وكأنه ابيه وامه وامانه مثلما فعلت تلك الطفله !!!
عمر !!!!!!!!! اكتب ياعمر ؟؟ سؤال سأله لعمر مئات المرات ، لم ياتيه ابدا رد ، لكنه اليوم ، سأله ، اكتب ياعمر ، فكأنه رد عليه وكأنه سمع صوت اخر غير صوت الموت ، كأنه سمع عمر يهمس له ، يااهل مدينتنا انفجروا او موتوا !!! فهم يوسف الرساله وتحمس قليلا ليكتب !!!
لماذا اليوم ، ربما بائع النعناع العجوز الذي اقترب منه علي باب المسرح ومنحه باقه من الاوراق اليانعه وهو يتوسل اليه يمنحه ثمنها لانه حمله ثقيل واولاده كثر واحفاده مات ابيهم في المظاهرات والحكومه لم تمنحهم تعويضا لانه ليس شهيدا كما قرر الموظفين المحترمين في حكومه الشعب والثورة، رائحه النعناع اخترقت انفه وتسللت لروحه توقظها من غيبوبتها  ، رائحه النعناع اعادته لطفولته وقتما كانت العصافير تحلق في السماء امنه ان خرطوشا لن يقتلها عبثا مثلما يقتل البشر ، رائحه النعناع جلبت من عينيه دموعه ظنها تحجرت وتكلست مثل روحه وقلبه ، ايقظت في روحه حنان جدته التي طالما قصت عليه حواديتها واكدت عليه ان الشاطر حسن حيتجوز بنت السلطان بعد ماصمم يتجوزها وحارب علشانها واتحدي ابوها الملك والدنيا كلها ، وبشرته بأن الدنيا اتبسمت في وش ناعسه بعد ماصبرت علي البلا والهم ومرض ايوب ، رائحه النعناع التي يوزعها الرجل العجوز علي شوارع المدينه المسممه بعطنها ايقظت روحه ، اشتري كل النعناع وقرر يعود لمنزله سيرا علي الاقدام عله يري في المدينه التي شاخت بعضا مما لم يراه من قبل فيحفزه ليكتب !!!
رائحة النعناع تشبه عمر ، كان طازج حي عاشق للحياة ، كان ابن موت ، اللعنه علي اللغه العربيه وكان واخوتها !!!
لماذا اليوم ، وهو مثل كل الايام التي تعيشها المدينه في قهر تنتظر معجزة تنتصر لها علي القرده والخنازير الذين احتلوا المدينة وعبثوا فيها فسادا وافسادا ، يهدموا اثارها ويقضوا حوائهم في حدائقها التي ماتت زهورها ويصرخوا في اطفالها يخلعوا قلوبهم رعبا ليعلموهم الادب والطاعه ويكسروا الالات الموسيقية التي يسكنها الشياطين فتعوي بالاغواء والخراب !!
هو يوم عادي كئيب !!!
لكن ابتسامه الطفلة الحانية ورائحة النعناع وحواديت جدته والحنين للمدينة التي يحبها واختفت معالمها تحت تلال القمامة ، وهمس عمر لروحه ، انفجروا او موتوا ، والحنين للحياة كل هذا حفزه ليكتب و............... اعتذر لخديجة عن اللقاء وعاد لمنزله وهو مبتسم كالابله بلا سبب في شوارع نسيت الابتسامه وجلس علي مكتبه و............... اخرج اوراقه وقلمه وسطر في وسط الصفحه ، مصر فبراير 2013 وبدأ يحكي ويكتب و............. يبدو انه افلح او سيفلح !!!

( 39 )
الفصل الاول
المشهد الاول

قاعة المسرح مكتظه بالجمهور ، دوت الدقات الثلاث تفصح عن فتح الستار ، تصفيق حاد ، خشبه المسرح خالية ، انتظر الجمهور دقيقه واثنين وثلاث وفجأ انفجروا في الضحك ، سخريه مريرة تنبعث من تعليقاتهم المتلاحقة ، هما نسيوا ان فيه مسرحيه ، كائنات فضائيه خطفتهم ، سيما اونطه هاتوا فلوسنا و.........
تصدح موسيقي عالية ، يصمت الجمهور قليلا وهو لايفهم مالذي يحدث امامه ، يسلط بروجكتر كبير علي باب المسرح ، يلتفت الجمهور كله للخلف ليري مالذي يحدث ، يتشاجر رجل علي باب القاعه وهو يصرخ ، يعني ايه مادخلش ، يعني اتأخرت ، يعني احترم النظام ، انهي نظام !!!
يصفق الجمهور ويضحك ، بعضهم يصفر تضامنا مع الرجل ، سيبوه يخش وهو يعني حيجري ايه !!!
يدخل الرجل ، يرتدي بذله بيضاء انيقة ، قبعه بيضاء ، يضحك وهو يصفق للجمهور ، انتم قاعدين مستنين ايه ، تتفرجوا علي مسرحيه ، انتم المسرحيه ، احنا اللي جايين نتفرج عليكم !!!
انا رؤوف ، ممثل ، بامثل اني واحد من الجمهور جاي متأخر ، وانتم بتمثلوا انكم جمهور جاي في ميعاده ، كلنا بنمثل !!!
ويصفق رؤوف للجمهور يحيه فيصفق الجمهور لايفهم شيئا !!!!
يسلط بروجتكور كبير ضوءه اصفر علي المسرح ، نري رجل يرتدي بذله سوداء ونضاره سوداء في المنتصف ، انا اكرم ، برضه ممثل ، هو بيمثل انه جمهور ، وانا بامثل اني ممثل ، كله تمثيل في تمثيل ، لكن انا مش زيه ، وهو مش زيي ، هو قرر يمثل جمهور ، وانا قررت امثل ممثل ، هو لابس ابيض وانا لابس اسود ، وانتم بقي تقرروا تلبسوا اللي انتم عايزينه !!!
ارض خشبه المسرح مربعات سوداء وبيضاء وكأنها رقعه شطرنج ، كل شيء من باب القاعه وحتي خشبه المسرح والمقاعد والجدران كلها ابيض واسود ، احنا بنلعب ، وانتم كمان !!!
يشاور اكرم للجمهور في القاعه ، حد يحب يمثل انه ممثل ، يلعب معانا يعني ، يضحك الجمهور ويصفق ، تهمس سيدة لمن تجلس بجوارها ، تيجي نطلع ، تهز السيدة رأسها نفيا ، لا ياختي ماليش دعوه ، دول باينهم مجانين ، توافقها طبعا مجانين ، عمري ماشفت مسرحيه كده ، ولا انا ، تتحرك السيدة من مكانها ، بس عاجبني جنانهم ، لو سمحت لو سمحت لو سمحت ، تتحرك من مقعدها في وسط الصف للممر بين صفين المقاعد ، تتحرك صوب المسرح ، ممكن اجي انا العب معاكم ، يشاور لها اكرم ، طبعا اتفضلي ، تتحرك صوب خشبه المسرح ، ترتدي ملابس بيضاء ، انا صفاء ، ممثله وكنت عامله جمهور ، تضحك السيده التي كانت تجلس بجوارها ، تلوح لها صفاء ، يصفق الجمهور وهو ايضا لايفهم شيئا ، احنا فعلا مجانين يامدام ، بس مش احنا لوحدنا اللي مجانين ، كلنا مجانين ، كلنا ، احنا وانتم ، وهي دي المسرحيه بتاعتنا !!!
يتوتر الجمهور ، يسأل كل منهم جاره ، انت ممثل ولا جمهور ؟؟ انت ممثل ولا جمهور ؟؟؟
تراقب خديجة مايحدث وهي سعيده لان جنون يوسف يتحرك تحت الاضواء وعلي خشبه المسرح مثلما كتب بالضبط !!!
واجمل كمان والله ، همس يوسف في الكواليس وابتسم وبكي في آن واحد !!!!

( 40 )
مساعد المخرج

ويكتب ويكتب .............
لن يتركهم المخرج يقعوا علي الارض تتهشم عظامهم ولايجد هو وهم مربعاتهم ليصطفوا عليه استعدادا للمعركه ، فيثبت الصورة ويصرخ في احد مساعديه ، ايه الهبل ده ، هو جري ايه فين الرقعه التي سيقفوا عليها والمربعات التي يحفظوا اماكنهم عليها ، يرتبك المساعد ، لايجد اجاباته ، قبل بدايه التصوير ، اعد المكان وصرخ في معاونيه ورجال الديكور والاضاءه ليجهزوا ساحة المعركه ، رقعه بمربعات سوداء بيضاء ، يكاد يقسم للمخرج انه شاهدها بنفسه جاهزه لبدء اللعبه والحرب والتصوير ، يكاد يقسم لكن الارض الخاويه الا من اعشابها البريه وعقاربها السامة تكذبه ، والمخرج ابدا لن يصدقه ، سيتهمه بالاهمال كالعاده وانه ينام كالحلوف ويستيقظ متأخر وينسي تفاصيل عمله ويوقعهم في مشاكل كثيرة ، يشعر المساعد بكراهيه للمخرج الذي لايتميز عنه شيئا بل هو اكثر من موهبه لكنه واسطته ادخلته المعهد وبقيت تسانده حتي تخرج وفتحت له البوابات الموصده فالتحق بعمل كريم في شركه تدفع رواتب كثيرة وبسرعه صار المخرج صاحب الامر والنهي ، اما هو فقد فشل والده الموظف الصغير يجد له واسطه تدخله المعهد فاجتاز الامتحانات مرة واثنين وسقط مره واثنين وفي الثالثه اشفقت عليه اللجنه من تفوقه وقله حظه فقبلت اوراقه ، وعندما تخرج بقي جالسا علي المقهي يحتسي الحلبه الحصي والمرارة حتي اتصل به صديق عمره ، هكذا قرر يصف المخرج الذي لايقبله ، اتصل به وعرض عليه ينزل معاه شغل في فيلم اهبل بس اهي سبوبه ووافق دون مناقشه و............... وهاهي رقعه الشطرنج تختفي وتجلب له الشتيمه والهم من صديق عمره !!!

نهاية الجزء الثالث ويتبع بالجزء الرابع 

ليست هناك تعليقات: