مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 1 مارس 2013

كلمات متقاطعة ... الجزء الرابع

الجزء الرابع



هي تدري أنّنا حين نموتْ ، لا نعودْ ..
لمْ يعدْ يوماً من الموْتِ أحدْ ، لبهوتْ
، رغمَ هذا فالبذورْ ،
ليس تفْنى حينَ تُدفَنْ ،
ربما الإنسانُ أيضاً ..
ليس يفْنى ..حينَ يُدفَنْ ،
ولهذا قدْ يعودْ ،
هو ياسينُ لها ..
ذات يومْ  !ذات يومْ

""نجيب سرور""



( 41 )
سؤال بريء

انت مابتكتبش ليه يايوسف ؟؟ سأله رؤوف ؟؟
ابتسم يوسف وهو جالسا في البار المظلم ، واكتب ليه يارؤوف وعلشان مين، بلد امية متعلمينها مابيفكوش الخط والعيشه صعبه وكلها مشاكل ، مين وسط ده كله حيقرا !!!
اكتب علشان خديجة تخرج والناس تتفرج .. اكتب علشان احنا نمثل ، عشان نفضل عايشين ، احتسي يوسف الكأس مرة واحده ورفع حاجيبه وكأنه اندهش ، وده كمان فايدته ايه يارؤوف ، مالناس اتفرجت علي مسرحيات كتير ، فرق ايه ؟؟؟
رطم رؤوف كأسه في كأس يوسف ، طيب عايش ليه اساسا يايوسف ، ومين قالك اني عايش ، طيب يالا نقوم ننتحر من فوق كوبري قصرالنيل!!!
كوبري قصر النيل !!!!
كوبري قصر النيل !!!
ترددت الكلمه كثيرا في اذن يوسف وتسللت لعقله الخدر وفتحت سراديب الوجع ، هناك ، قتلوا صديقي قصاد عيني ، كسروا رقبته وصرخوا الشرطه بتموت المتظاهرين !!!
انا ، تصور يارؤوف انا ، اللي كنت فاهم نفسي شجاع ، اتخرست ، سمعت صوت رقبته وهي بتتكسر، صوت غريب قوي ، خفت علي رقبتي ، خفت وسكت !!!
انفجر يوسف في البكاء ، همس رؤوف وهو يترك لدموع يوسف العنان ، ناس كتير خافت ، مش انت بس !!! انت بتواسيني كده ولا بتعمل ايه ، انتفض غاضبا اصدر بقوة وعناد صوت موحي من انفه ، انا مالي ومال الناس اللي خافت ، انا صعبان علي من  نفسي ، ازاي اسكت يارؤوف ازاي اسكت !!! انا شفتهم ، عيني جت في عينهم ، عينين بليدة قزاز ، واقفين في وسطينا وكأنهم منا ، شبهنا ومش شبهنا ، شفتهم ، كانت الزحمه مروعه وكلنا متحمسين وعمالين نهتف ، واحد منهم قرب من عمر ، قرب منه قوي ، عمر ابتسم وهو بيقرب منه ، افتكره عايز حاجه ويقدر يساعده فيها ، كان فيه عساكر بتجري وضباط عماله تزعق والمدرعات رايحه جايه رايحه جايه علي الكوبري وامطار من الميه نازله علي نافوخنا من عربيات البوليس ، فجأ ، سمعت صوته رقبه عمر وهي بتتكسر ، بصيت عليه ، لقيته مبتسم ورقبته بتتكسر ، هي مااتكسرتش ، لا لفوها بسرعه وكأنه بيتفرج علي حاجه الناحيه التانية ، لفت وعملت صوت غريب وبس ، مات وهو مبتسم وصرخوا ، كانوا كتير قوي ، صرخوا ، البوليس المجرمين قتلوا عمر ، صرخوا وهما بيجروا وسط الناس ويعيطوا ، قتلوا عمر قتلوا عمر ......... وتخرس الكلمات في حلقه فيبكي ويبكي ، عينيه حمراويتين وشعره اشعث والقهر يلون وجه بازرق داكن وظلال شمعه البار تتراقص علي وجه احمر محتقن و............. وتقولي اكتب يارؤوف !!!
يمسك رؤوف في ذراعه بقوة ، اكتب يايوسف ، ماتكتب الكلام ده يايوسف ، اكتب عن الموقف ده ، وظفه في مسرحيه تكسر الدنيا ، طرق يوسف كأسه في كأس رؤوف ، مش عارف مش قادر مش متأكد اني حاعرف اقول ، وبسرعه حدق في وجه رؤوف وساله ، نفسك تمثل يارؤوف ، اه طبعا ، ايه عيب ؟؟ نفسي امثل بجد ، اقول كلمه نور وسط الضلمه ، كفايه بقي نظريه النحتايه والسبوبة وكل القرف ده اللي احنا عايشين فيه ، نفسي امثل بجد ، شخصيه حقيقه ، تتلبسني فامثل علي المسرح العريق الذي طالما وقف علي خشبته مبدعين كثر ، لست اقل منهم ، الظروف كانت مختلفه اه ، لكن ده مايمنعش اني نفسي امثل ، وعمل بجد ، وكلام بجد ، اكتب يايوسف وكفايه خرس ، يسمعه يوسف بعقل خدر تأتي فيه الافكار وتذهب وتتراكم فيه المعاني وتمحي ويظل فارغ اجوف مثلما كان ، يسأله بوجل ،  والجبن اللي مموتني الي موتني لما سكت وقتها اعمل فيه ايه ؟؟، ده مش جبن يايوسف ، ماتسميهوش كده ، طيب اسمه ايه ، همس يوسف و الخمر يتلاعب بلسانه فيتلعثم !!! اسميه ايه ، معرفش ، ولا فارق معايا ، ايام وعدت ، نادي النادل ، هات زفت تاني ، يصب له كأس نبيذ ، هات شويه نابت ولا سم ، يرص امامه طبقين فيهما حمص وترمس وفول نابت ، يتجاهل يوسف رؤوف وحديثه ، يتجاهله فلايسمعه وتبقي شفتين رؤوف تتراقص بلا معاني ويوسف غارق في الخمر والقهرة والندم ، يلملم رؤوف اشياءه ويلقي بعض النقود للنادل ، حسابه وحسابي ، يلوح ليوسف مودعا ، اكتب يايوسف وبطل سكوت ، ماهو ماينفعش تنزل الشارع تطالب بالحريه وفي النهايه انت شخصيا تكبت حريتك وتتخرس !!! ويخرج من البار ويبقي يوسف غارقا في حزنه يتذكر عمر وابتسامته وقت الموت ويتمني يسأله ، اكتب ولا افضل ساكت ياعمر ، لكن عمر لايرد ولن!!!!

( 42 )
الفصل الاول
المشهد الثالث 

يفتح الستار فيصفق الجمهور ، اضاءه شاحبه علي خشبه المسرح ، الممثلون يقفوا فريقين متقابلين ، الفريق الابيض علي اليمين ، الفريق الاسود علي اليسار ، ومازالت ارض المسرح مربعات سوداء وبيضاء ..
فريقين صامتين ، جنود وجياد ، افيال وطوابي وملك ووزير !!!
يخرج رؤوف من الكالوس الايمن ويشير للممثلين ، دول بيلعبوا ، فريقين بيلعبوا ، في النهايه واحد حينتصر وواحد حيتهزم !!!
همست سيدة من الجمهور ، عادي شطرنج مااحنا فاهمين !!!
يخرج اكرم من الكالوس الايسر ويقف وسط المسرح يشاهد الفريقين ويلوح لهم ويرفع يديه بعلامات النصر ويعطيهم ظهره ويتقدم صوب الجمهور حتي حافه المسرح ، يجلس ويسقط قدميه ويحركهما بمرح ويلوح للجمهور الذي يلوح له فرحا ، مفروض ان ده شطرنج وانه عادي زي المدام ماقالت ، يضحك الجمهور تبقي ممثله مش جمهور ، يضحك اكرم ايوه ممثلة ، هي قالت عادي ، ومفروض انه كان يبقي عادي ، لكن النهارده بقي بالذات مش عادي ، ليه ؟؟
تتحرك سناء من وسط الجمهور صوب اكرم ، تسلم عليه بحراره ، تصعد السلم وتجلس بجواره ، مش عادي لان المخرج معرفش يسيطر علي الفريقين واتخانقوا ، معرفش يخليهم يلعبوا بالقواعد اللي طول عمرهم بيلعبوا بيها فاتفركشت اللعبه !!!!
يظلم المسرح عدا بقعه ضوء علي سناء واكرم ، تصمت الموسيقي وصوت سناء واكرم يتداخل مجدولا ، ايه يعني لما نغير القواعد ، او مايبقاش فيه قواعد اساسا ، يجري ايه !!!
يظلم المسرح تماما حتي شاشه عرض في اخره ، يحدق الجمهور في الشاشه وينفجر ضاحكا لايصدق مايراه ، يظهروا علي الشاشه امام شباك التذاكر يتشاجروا ويتشاجروا ، طابور من الجمهور يتشاتم امام شباك التذاكر ، بضعه رجال يمسكوا بملابس بعضهم البعض امام باب المسرح وينهالوا في بعضهم ضربا وسب ، يضحك الجمهور ويصفق ، حوش ، تقول احدي السيدات في الصف الثاني ، يسبها رجل بجوارها ، انتي اكيد ممثله ومتسلطه تشتمينا ، لا وحياه مامي انا جايه اتفرج علي المسرحيه ، لا انت اكيد ممثله ، يكاد يشتبك معها ، مازال شريط الفيديو يعرض في عمق المسرح ، طابور طويل يتشاجر ، صوت اكرم وسناء يعلق علي الشريط ، لما مايبقاش فيه قواعد يجري ايه ؟؟ يتنقل الشريط وبسرعه لعرض مشاجره عنيفه امام محطه بنزين ، سيارات نقل تقف طابور طويل ، يتشاجر السائقين ، احدهم يخرج مطواه ويطعن بها اخر ، ينفجر الدم علي الشاشه ، يصرخ رجل يجلس في اخر المسرح ، ده تمثيل مش حقيقه ، تصرخ سيده وهي تغطي عينيها ، لا والله حقيقه انا لسه شايفه ناس امبارح بيموتوا بعض في طابور الفرن لان الفران قرر يدي عشرين رغيف لواحده ماكانتش واقفه في الطابور ، الستات موتوها ضرب ّ، خطفوا منها العيش وضربوها علقه موت ، يسأل رجل بجوار السيدة التي تتكلم ، حضرتك ممثله ولا جمهور ، تهمس ممثلة ، يضحك ، لا جمهور ، تضحك ، يرتبك !!! ويصفق الجمهور ، فجأ يصرخ رؤوف ، ايه المسرحيه الغريبه دي ، الله يخرب بيتك يايوسف ، الله يخرب بيتك يايوسف ، ويظلم المسرح تماما وتضاء انوار القاعه ، يرتبك الجمهور ويسأل ايه خلصوا ، تضحك سيده ، لا استراحه مالكم ، انتم نسيتم اننا في مسرح وبنتفرج علي مسرحية !!!!

( 43 )
المخرج

ويكتب ويكتب ....
المخرج ثبت الصورة وبقي الجنود معلقين في الهواء وارجلهم تدور كالتروس الصغيرة وخوذاتهم متأرجحه تكاد تسقط و......... الافيال والجياد في الهواء ، الجياد  تصهل غضبا لانها معلقه في الهواء وكأنها كمثل الراكب الذي اعتادت تؤرجحه وهي تجري ثم تسقط من فوق ظهرها وكأنها لاتقصد ، والافيال تزوم وانوفها الطويلة مرفوعه في السماء ، تتهاوي ثقيله من السماء ، تجدف بانوفها كالبراشوتات لتقلل سرعتها واصطدامها بالارض ، الطوابي تتبعثر باحجارها الثقيله وبواباتها الحجريه وسراديبها العميقه تحت الارض تتبعثر في الهواء وتخاف ترتطم بالارض وقتها ستتهد الاسوار وتنهار الابراج وتتحطم البوابات وتتحول لكومه من التراب الذي لن ينقذ الملك وقتما يهرع ليختبأ فيه من هجوم الاعداء ، وقتها ستتحول لكومه تراب فوق دماغ الملك لن تنقذه من الهجوم ولن تقيه شر الهزيمه ، الصورة مازالت ثابته والمخرج يصرخ في مساعده الذي يصرخ في معاونيه ، راحت فين الزفت المربعات ، والرقعه متواريه بعيدا عن اعينهم وعدساتهم مختبئه بعيدا ، تكره دورها واللعبه كلها و............... الجنود معلقين في الهواء والجياد والافيال والطوابي ، جميعهم سقطوا من ثقب السماء ولم يصلوا الارض لان الارض التي يعرفوها رحلت وتركتهم و.......... الوزير يجلس علي حافه الثقب يطمئن الملك ، اول ماتتحل المشكله دي يامولاي حابلغ عظمتك والملك يختبيء بعيدا عن حافه الثقب يخشي السقوط المباغت غاضبا من الجيش المعلق في الهواء يسبه ويلعنه ، يختبيء بعيدا عن حافه الثقب ويصرخ في الوزير ، ازاي ده حصل ، لكن لا الوزير ولا المخرج ولا معاونيه يعرفوا كيف حدث ماحدث !!!
فقط ساحه القتال تعرف مالذي حدث ومالذي سيحدث وقتما تتقابل الجيوش في اللعبه بعيدا عن ارضها التي تعرفها بلا قواعد لان الفريقين في البدايه رفضا الاتفاق علي قواعد للعبه !!! هل نسيتم ، اقروا النص من اوله لو سمحتم !!!
وازداد الامر تعقيدا اكثر واكثر واكثر !!!!!!!!!!!!!!

( 44 )
حضن

انتي بتحبيه ياخديجة وانت عارفه ومتأكده !! همست فريدة لخديجة الغائبه مع افكارها !!! انتبهت خديجة ، اللي انا متأكده منه اني مش باحبه ، نظرت لها فريده نظرة غاضبه ، فهمتها خديجه فسارعت تشرح لها ، حتي لو ، حتي لو بحبه ، ايه فايده الحب ده يافريدة ، هو ده وقت حب ؟؟ اه وقت حب ، وايه اللي يمنع انك تحبيه وتسيبه يحبك !!!
يجلسا علي منضده خشبيه عتيقه في الخان القديم ، يحتلا ركنا قصيا في المقهي التاريخي ، تحيط بهم الاطر الذهبيه المحفورة برقه ودقه ، المناضد قديمه والمشربيات متهالكه وفوانيس الاضاءه ملونه لكن ضوءها شاحب كمثل الوانها ، فريدة وخديجة يجلسا معا ، فريدة تنفث دخان النارجيلة وتحتسي شاي اخضر ، خديجة تحتسي شاي بالنعناع باستمتاع كأن كل مايحدث في الدنيا لايحدث !!!
صديقتان من زمن كان يحترم الصداقه وعندما اكل الاصدقاء كبد بعضهما وتشاجروا لكل سبب تافه ، انتبهت السيدتان للطاعون الذي يحرق مدينتهما ، قررتا بوعي ينأيا بنفسيهما بعيدا عن الحمي الضاربه في ارواح مدينتهم ، خديجة خاضت تجربه حب فاشله وزواج قصير وطلقت ولم تتزوج ثانية ، لن اتزوج ثانيه ولن انجب لهذا العالم القبيح اطفالا يقتلهم ، هكذا قالت وخطت شاربا علي  وجهها اظهرته لكل من يتودد اليها ففهموا رسالتها وهرعوا بعيدا عنها ، كلهم توددوا اليها يبحثوا عن انوثتها خلف الشارب الوهمي لكنم لم يجدوا الا مخالبها تهددهم  فيجروا بعيدا ، فقط يوسف لم يقترب من مناطقها المحرمة ، لم يبحث عن انوثتها ، ولم ينتهك خصوصياتها ولم يتلصص عليها وعلي شئونها الحميمة ، لم يسألها كمثل الكثيرين حتتجوزي تاني امتي ؟؟ فهم رسالتها فحافظ علي مسافه بينه وبينها فاقتربا اكثر مما ظن واكثر مما تسمح عادة ، يوسف ، صديقها وكفي !!! الاقرب الادفء الاحن ، كل هذا لايهم ، المهم انها وقتما تدخل في حضنه تبكي لاينشغل  باستداره ثدييها ولا انحناءات وسطها ولا مؤخرتها المغرية ، لاينشغل بكل هذا ولايراه ، بل يهدهد روحها ويستوعب حزنها وحين تدفعه ليبعد ، يبتعد راضيا انه صالحها علي نفسها فلم تعد تحتاجه قريبا منها !!!
و................ انت بتحبيه ياخديجة علشان كده غضبانه من علاقته النسائية الكثيرة !!! همست فريدة ، لا مش باحبه لكن غضبانه جدا ، وانت مالك ؟؟ صديقي ياستي صاحبي باحبه لكن مش الحب اللي بالك فيه ، باحبه وبخاف عليه وشايفاه بيخش في علاقات فاشله لازم تفشل ، شايفاه بيهدر طاقته النفسيه مع ستات ماتستحقش يصبح عليها اساسا !!! ابتسمت فريده بخبث ، طيب ماتعالجيه !!! ضحكت خديجه ضحكات خليعه وكادت تصدر صوتا قبيحا من انفها ، اعالجه ليه وانا مالي ، خليني في اللي انا فيه وحياتي اللي ماشيه بالعافيه في الايام الطين دي !!!! انت بتحبيه ياخديجة يمكن قبل ماتتجوزي سعيد ويمكن بعد مااتطلقتي ولقيته جنبك كتف في كتف وضهره في ضهرك ، يمكن وقتها حبتيه او اكتشفتي انك بتحبيه !!! صرخت خديجه بغضب ، تصدقي انه مجتمع منحط بجد ، حتي انتي يافريده مش قادره تشوفي الفرق بين الحب والصداقه ، اللي بيني وبين يوسف حب عظيم ، لكن مش حب جواز ولا عشق ولا ذكر وانثي ، حبي من نوع تاني ، المجتمع المنحط اللي حضرتك منه مايفهمش الكلام ده ، باحبه يبقي اتجوزه ، بيحبني يبقي يتجوزني !!! تنطق الكلمات وهي غاضبه وتكاد تنفجر ، تحس ضغطها يتعالي واعصابها تحترق ، طيب خلاص ، انا اسفه ماتضايقيش روحك قوي كده !!!
لم تقتنع فريدة بحجج خديجة وكلامها الفارغ والمونولوج الذي القته علي اسماعها وكأنها تقف علي خشبه مسرحها تلقن جمهورها درسا ، كل هذا لم تقنتع به ، لكنها اثرت السلامه ، خديجه علي وشك انفجار عات ، هي تعرفها وقت غضبها المكتوم ، لن تزيد عليها ولن تكمل الحوار ، والايام كثيرة !!!!
انت لسه قاعده ؟؟ سالتها خديجة ، ابتسمت فريدة ، لا يالا نقوم و................. الظلام يحط علي المدينه المخنوقة الغاضبه ، والشوارع مخيفة و........ يالا نروح بقي كفايه كده !!!!
وسارتا في الشارع والضوء الشاحب للفوانيس العاليه يلقي اشعته عليهما فترتسم ظلالهما كبيرة عملاقه مخيفه فوق الرصيف الخالي !!!
خديجه تسأل نفسها ، هو انا بحبه صحيح ؟؟
وفريدة تؤكد لنفسها ، وحياه رحمه امي بتحبه ، بس بتكابر !!!
ويسيرا صامتين وظلالهما تتأرجح علي اسفلت الشارع الخالي تزيد المدينه وحشة !!!

( 45 )
الفصل الثاني
المشهد الاول  

يفتح الستار ، رؤوف في منتصف المسرح ، والفريقين تداخلا الابيض في الاسود والاسود في الابيض ، يشرح رؤوف للجمهور ، هما قرروا يغيروا القواعد اللي بيلعبوا بيها ، لكن ماعرفوش يحطوا قواعد جديده ، فمعرفوش يلعبوا !!!
يخرج ممثل شاب من الكالوس اليمين ومعه بضعه اوراق ، انا مساعد المخرج في المسرحيه ، يصفق له الجمهور ، لا انتم فهمتوني غلط ، انا مش قصدي المسرحيه اللي بتتفرجوا عليها ، قصدي المسرحيه اللي جوه المسرحيه ، انا مفروض مساعد مخرج ، ومفروض اخلي الفريقين دول ويشير للممثلين ، يلعبوا دور عادي زي كل مره ، وملك يعيش وملك يموت وبس خلصنا ، لكن الفريقين فركشوا اللعبه حتي الارض حرنت عليهم ، قالت مش عاجبني ، وهما كمان قالوا مش عاجبني ، اللعبه باظت والمسرحيه كمان ، المخرج ، مش خديجة لا مخرج المسرحيه اللي جوه المسرحيه ، المخرج خصم مني 3 ايام وقالي انت السبب في اللي حصل لانك فاشل !!! وانا مالي
صرخت سيده من الجمهور ، صحيح ، هو ماله !!!
خرج رجل يرتدي عرف ديك احمر فوق ملابسه البيضاء ، انا الملك في اللعبه الزفت دي ، لازم كل حاجه ترجع مكانها ، الارض ترجع مربعات والفريقين يقفوا اماكنهم وخطوه في خطوه يمين شمال قدام ورا بالعدل بالمعووج وكش ملك ، واغلب انا الملك التاني !!!
يحيا الملك يعيش الملك ، يهتف الفريقين !!!
يخرج رجل يرتدي عرف ديك احمر فوق ملابسه السوداء ، انا اللي حاكسب ، انت فاهم غلط ، انا اللي حاكسب ، الجنود عندي اقوي من جنودك ولما حنلعب ، انا اللي حاكسب !!!
يحيا الملك يعيش الملك ، يهتف الفريقين !!!
يظلم المسرح ، يعرض شريط سينمائي في عمق المسرح ، نري كوبري قصر النيل والمظاهرات الحاشده ، نري اللهب يتعالي في جسد الجندي فوق مدرعته ، نري جسده يحترق وملامح وجهه تتألم ولانسمع صوته ، نري بعض المتظاهرين يصرخون ، يحملون زميلهم لايصدقوا موته المفاجيء وسطهم ، رقبته مكسوره تتأرجح وهم يجروا به وسط الجموع يحاولوا اسعافه ، نري المتظاهرين يهتفون وشريط الصوت مغلق ، يصرخ الفريقين علي خشبه المسرح ، يعيش الملك يحيا الملك هتافات منتظمه وكأن الصوت صوت المتظاهرين !!!
يعلو الصوت بقوة ، قول ماتخافش ، يعيش الملك يحيا الملك ، قول ماتخافش ، يعيش الملك يحيا الملك ..................
فجأ نري جنازة في الشريط السينمائي ، ام باكيه ، سيدات ينوحن خلف النعش وشباب كثر ورجال يهتفون، هتاف لانسمع صوته ، ملامحهم غاضبه واكف ايديهم ترتفع وتهبط كأنهم يتوعدوا قاتليهم!!!
يضيء المسرح فجأ ، نري نعشين وسط المسرح ، نعشين كمثل الذين كانا في الجنازه ، يخرج منهما جنيديين ، جندي يرتدي ابيض وجندي يرتدي اسود ، ملابسهما مغرقه بالدماء ، يقفا وسط المسرح ، واحنا ليه نموت علشان يعيش الملك ولا يموت ، ليه احنا نحميه وهو يعيش واحنا نموت ، اللعبه كلها مش عاجبانا ومش لاعبين !!!
يتقدم جندي اثنين ، خمسه سبعه ، عشرة من الفريقين صوب حافه خشبه المسرح ، يتقدموا نحو الجمهور ، احنا مش حنلعب علشان الملك ، اللعبه مش عاجبنا ، عايز يحارب هو يحارب ، لكن احنا مش حنلعب !!!
فجأ يصرخ صوت من اخر القاعه ، قول ماتخافش الملك لازم يمشي ، قول ماتخافشي الملك لازم يمشي ، يرد الجنود خلفه الهتاف ، قول ماتخافشي الملك لازم يمشي ، قول ماتخافشي الملك لازم يمشي !!!
تصدح الموسيقي عاليه ، اغاني وطنيه ، هتافات للمتظاهرين تتداخل مع اصوات هتافات الجنود علي خشبه المسرح ، قول ماتخافشي الملك لازم يمشي قول ماتخافشي الملك لازم يمشي !!!!
فجأ ................................ يظهر رؤوف وسط المسرح !!!
ياجدعان وربنا انا المخرج ، انا صاحب المسرحيه ، كده اللعبه باظت والمسرحيه كمان ، يالا بيتك بيتك ، كله بيتك بيتك ، المولد انفض والهيصه خلصت ، انا المخرج ، الجنود ترجع جنود والملك يرجع ملك واقفلوا الشريط الزفت اللي ورا ده وخلونا نشوف شغلنا ونرجع لقواعدنا سالمين وعاش الملك مات الملك وبلاش دوشه !!!
وحيدا وسط خشبه المسرح يتكلم واحدا لايسمعه ، المسرح يمتلأ بالممثلين من الفريقين ابيض واسود ، الشريط السينمائي يدور ومظاهرات كوبري قصر النيل صاخبه عاليه والهتافات تتصاعد من الصاله والشريط السينمائي ومن فوق خشبه المسرح ، قول ماتخافش الملك لازم يمشي !!!
وتغلق الستاره ورؤوف مازال يتحدث ، لازم نرجع للقواعد علشان نعرف نلعب ، يتداخل صوته بصوت الجنود ، احنا مش حنموت علشان الملك بتاعك يكسب ، اصوات متداخله متداخله ، ماينفعش نعيش من غير قواعد ، مين اللي قال ، قول ماتخافش ، الملك لازم يمشي !!!!!!!!!!!!!!!!! وتضاء القاعة ، الجمهور كف عن الضحك ، سيده هنا وهناك تمسح دموعها ، يسألها رجل بجوارها ، انتي ممثله ولا جمهور ، جمهور !! وتبكي وتبكي !!!

( 46 )
وعد

ومازال يوسف علي كوبري قصر النيل يبكي عمر الذي قصفت رقبته ومات مبتسما قبلما يعيش اللحظه التي انتظرها طويلا ، مازال يبكيه عاجز عن الصراخ ، مش البوليس اللي قتله ، يتمني يصرخ ويشرح للجميع ان من قتله احدهم يشبهنا جميعا لكن عيونه بليده لاتشبه عيوننا المتقده بالفرحه والحمراء من كثره البكاء ، عاجز او خائف ، لايعرف يوسف مالذي به فعلا في تلك اللحظه ، لكنه حزين ، علي نفسه وعلي عمر وعلي الوطن الذي يموت اجمل ابناءه غدر وهو يهتف ، يوسف عينيه صوب السماء وهو يحتضن جسد عمر ورقبته المقصوفه تتأرجح بين ذراعيه ،يرفع عينيه صوب السماء وكأنه يبحث عن روح عمر ، يسأله السلام لكل الشهداء في جنه الخلد ، يسأله عمر ، متي سيتحدث التاريخ يايوسف ؟؟ يصمت يوسف ويبكي ، يرجوه عمر ، لو مااتكلموش اتكلم انت يايوسف ،اتكلم انت ، اوعي تسكت يايوسف اوعي تسكت .. اوعدني يايوسف !!!
يبكي يوسف وتتلعثم الكلمات في فمه ورقبه عمر المتدلاة علي صدره تتأرجح بيه ذراعيه ويهمس ، اوعدك ياعمر ، اوعدك !!!ا

 ( 47 )
الصراع

ويكتب ويكتب .......................
الجيشين معلقين في السماء والملك مختبيء في ثقب السماء والرقعه انسحبت من اللعبة والمخرج يصرخ ويسب في مساعده الذي لايفهم كيف يحدث كل مايحدث !!!
صرخ طفل صغير وهو يحدق في السماء ، عصافير !! همست عجوز صاحبة خبرة ، جراد !!! رفع صياد فقير رأسه للسماء يتمني الرزق وهام طويلا فيما يراه وسخر منه ، اشباح !!!
صرخ المخرج ... محدش شايف صح !!!
همس مساعده .... وحيشوفوا ازاي ؟؟
سأله المخرج ، ايه الصعب يعني ماكل حاجه واضحه !!
ارتبك مساعده يخشي توبيخا ، ابتسم المخرج ليطمئنه ، يحتاج الان بالذات كلماته ، تشجع المساعد ، ساعات الحاجات بتبقي واضحه قوي لكن الناس تخاف تشوفها وحتي لو شافتها بتخاف تصدق اللي شايفاه عينيها !!!
مازالت الجنود معلقه في السماء وخوذاتها تكاد تسقط ، مازال الافيال بانوفها المرفوعه كالبراشوتات في السماء ، مازالت الجياد تصهل والطابيات تتبعثر تكاد تتحطم واحجارها تهبط للارض تحطم العقول الراكده والعيون البليدة ، الصورة واضحه جدا ، جيشين بلا ملوك يهبطا من السماء ولم يهبطا بعد !!!
هرعت قرويه لبيتها واغلقت بابه عليها وهي تستعيذ من الشياطين والارواح الشريرة لان العفاريت جايه تركب البلد وناسها ، ترك مدير البنك حجرته ونبه علي الموظفين بااغلاق الفرع مبكرا والتأكيد علي سلامه الاقفال علي الخزانه الكبري وهو يشرح لهم ، فيه حاجه غريبه قوي بتحصل ، مش فاهم ، مش مهم ، لغايه مانفهم ، ااقفلوا وروحوا و........ قفز في سيارته وهو ينبه علي السائق ، علي البيت عدل ، يبحث في جيبه عن قرص مهديء يهدء روحه فلا يتصور مالا يمكن تصوره ، جيوش معلقه في السماء لاتهبط ولاتختفي وكأننا اختطفنا لعالم وهمي من الجنون !!! همس له القرص ، هديء روعك ياسيدي ، ماتراه حقيقه والجيوش معلقه في السماء تنتظر ارضا تهبط عليها ، صفق له المخرج ، اشرح له من فضلك ، ساحه الحرب تمردت علي جيوشها والجيوش سرجت خيولها وتحركت والموقف مجمد ينتظر لحظه مناسبه لتبدأ الحرب !!! اشرح له من فضلك ، همس له القرص ، لن يفهم ياسيدي اي شيء ، لايفهم الا في الارقام ومؤشرات البورصه ومايساعد علي ارتفاعها للسماء والجيوش تخيف مؤشرات البورصه وتهبط بها لاسفل السافلين وفيرتفع ضغطه ويتوتر ويأتي دوري لاخدره حتي تتغير الحياه!!!

( 48 )
اللعبة

وقفت علي خشبه المسرح وسط الممثلين ، وزعت عليهم الادوار وجميعهم عرف مالذي سيفعله ، اشارت لهم علي صاله المسرح ، صفاء واكرم حيقعدوا وسط الناس ، صفاء حتلبس ابيض واكرم حيلبس اسود ، حيثيروا شغب وسط المسرح ، كل شويه حد منهم حيتكلم والناس حتزعق فيه ، انا متوقعه طبعا ان الناس حتزعق فيه ، اسكت ، حيسكت شويه واول ماياخد " الكيو " من زميله علي خشبه المسرح حيتكلم تاني وعاشر !!!
احنا عايزين نقول للجمهور ، انكم بتمثلوا معانا ، او احنا بنلعب معاكم ، او احنا وانتم حاجه واحده ، نصنا لابس ابيض ونصنا لابس اسود ، دي مش مسرحيه ، دي حكايتنا كلنا !!!
اول مالستاره تترفع في الفصل التالث ، صفاء حتقف وتبتدي تعيط ، عارفه طبعا ، تسال صفاء ، فتهز رأسها ، حتعيطي وتشرحي للناس انك مش عايزه تتخانقي ولا تحاربي ولا تكوني جزء من صراع مش فاهماه!!!
وقتها يااكرم انت حتقوم ، تقول وانا كمان ، احنا مااخترناش نكون في الصراع ده ولا في الخناقه دي ، حتبدلوا اماكنكم ، الاضاءه حتغير هدومكم ، ليه باغير الوان الهدوم ، علشان اقول ، قصدي يوسف بيقول ، ان كل واحد فينا ممكن يبقي في مكان التاني ، الابيض يبقي اسود والاسود يبقي ابيض !!!
نظرت لرؤوف ، انت المخرج يارؤوف ، انت حتشرح للناس ان الفريقين كلهم بيتخانقوا علشان الملك ، حتي الوزير اللي عامل فيها مهم برضه بيتخانق علشان الملك ، لكن الملك مايفرقش معاه اي حد لا الجندي الصغير ولا الطابيه ، كلهم بالنسبه له مجرد حاجات تموت لصالحه وتحميه بحياتها علشان مايسمعش اكتر كلمه بيخاف منها ،كش ملك !!!!
الشاشه اللي حتبقي في عمق المسرح ، حتعرض افلام وثائقيه كتيره ، محدش حيقول ليوسف اننا حنعرض فيلم اتصور من علي كوبري قصر النيل ، احنا حنعرض الفيلم ابيض واسود ، الناس ابيض واسود ، مش نظريه عسكر وحراميه ، لكن نظريه كلنا في خدمه الملك ، المستفيد الوحيد من اللعبه وان فيه ملك حنقوله كش ملك ، علشان ملك تاني يقعد علي نفس الكرسي ويبقي الملك !!! في لحظه ما حتصرخ صفاء بجد وتنادي علي عمر ، حاثبت الصورة علي الفيلم ، اكرم حيقول واشمعني عمر ، فيه ميت عمر ، كل جندي من جنود اللعبه اللي بيموت علشان الملك هو عمر ، و................. تنفجر صفاء في البكاء فتاخدها خديجه في حضنها وهي تهمس ، عارفه اني باوجعك قوي ، لكن احنا لازم نخلد عمر ونهزم الموت اللي خطفه ، وماعنديش حد حيكون صادق بجد قدك ، لانك انتي بجد اللي فقدتي عمر !!! وتنهمر دموعهما معا !!!!
تشرح لهم خديجه بعيون باكيه، احنا بنلعب وحنلعب ، ويمكن وقت المسرحيه وفوق خشبه المسرح ، كل حاجه تتغير ، حسب الظروف ، اللي بنقوله هنا احتمالات ، لكن ممكن نغيرها كلها وقت الجد !!!
ابتسموا ، وانا عارفه ان انا وانتم حنقدر نعرض اللي يوسف كتبه بالضبط !!!!
ابتسم عمر يراقب صفاء وهي تبكي ويتسلل لجسدها يحتضن روحها ويقسم ، وحياه دموعك الغاليه دي لاالحياه حتتعدل وان طال الزمن ، ماتعيطيش بقي !!!

( 48 )
طابور رابع واخير

ويكتب ويكتب ..................
كل ماحدث قبل هذا اليوم كوم، وماسيحدث اليوم كوم اخر !!!
هكذا قالوا لانفسهم ، سنخرج ونقول لا ، لا للملك الذي سرق العرش ، لا للحاشية التي ستسرق الوطن ، لا للعيون البليدة التي قتلت الشهداء ، لا للاستبداد والظلم الذي قاومناه وانتصرنا فراوغنا وعاد يجثم علي قلوبنا بوجه جديد واسم جديد ، سنقول لا ، وخرجت الملايين طوابير طويله امام الصناديق ، لاتبيعوا ضمائركم ووطنكم ، لا تبيعوا المستقبل بثلاث خردلات ، لاتبيعوا الشهداء ثلاث مرات قبل صياح الديك ، سنقول لا!!!
وتسلحت الطوابير باقلامها ، لن يفلحوا يزيفوا ارادتنا باقلامهم السحرية ، تسلحت الطوابير بغضبها وارادتها و........... قالت الصناديق نعم !!!
وتصور الملك القابع خلف اسوار قصره العاليه انه قد انتصر للابد علي الطوابير التي قهرها وقهرها ، تصور الملك القابع خلف اسوار قصره انه سرق المستقبل وتمطع فرحا واعد الولائم للاحتفال ، كل هذا تصوره الملك القابع خلف اسواره العاليه متصورها تحميه من الطوابير وارادتها ، رفع صوت الموسيقي ورقص وتنحنجل وصفق فرحا وهو يكافيء زبانيته علي منتهي شرهم الذي مكنه وسيمكنهم للابد من سرقه العرش !!!
صوت الموسيقي كان عاليا ، فلم يسمع هدير صراخ الطوابير الجديدة التي وقفت دون دعوة ودون اجراءات وهي تقول كلمة واحده لم تقل ولن تقل غيرها ، كش ملك !!!! كش ملك !!!

( 49 )
تصفيق

يدخل المسرح الخالي وقاعته الباردة ، يتجول بين جنباته ، يتأمل الجدران ورسوماتها العتيقة ، يتأمل اثار الاقدام الرشيقة فوق خشبة المسرح ، هنا تبختر عظماء وفنانين حقيقين ومبدعين ، هنا تليت كلمات ونصوص ، هنا بكوا من قلوبهم وصفق الجمهور بحماس ، هنا اناروا قناديل ونجوم تشع للحياة وعيا وادراكا وبصيرة ، هنا انحنوا للجمهور العظيم يحيوه فوقف يصفق لهم يحيهم ، هنا المنارة التي اهدت الحائرين في يالليل البهيم وساعدت التائهين يرسوا علي الشطئان الامنة ، هنا قبس من نور ، خير عقول الامة وخيرة مبدعيها ، صرخوا وهتفوا وضحكوا ورقصوا وسخروا وبكوا وانتقدوا ورحلوا وبقيت كلماتهم موجات فوق موجات رابضة علي الجدران والارض وسقف المسرح البعيد ، بقيت تسكن كل المكان وكل تفاصيله بروحها ووجودها ، لو دارت ابرة الجرامافون فوقهم لنطقوا صرخوا قالوا وقالوا تختلط اصواتهم بهمهمات الجمهور وصدمته ودهشته واعجابه وتصفيقه .. مازال يتجول بين جنبات المسرح مأخوذا في حضرة تاريخه لايصدق ان كلماته ستمتزج بكلمات العظماء ومشاعره ستختلط بمشاعرهم وروحه ستخط مع ارواحهم علي جدران المعابد رسائل النور وسط ظلمات الجهالة والوحشة ، لايصدق ماسيعيشه !!!
يجلس علي مقعد في الصف الاول ، يدوي في اذنه تصفيق ات من زمن بعيد ، علي تلك الخشبه عرضت مسرحيات عظيمة لجمهور عظيم لمبدعين اكثر عظمة وعطاء...
مازال يتذكر اكتظاظ قاعه العرض بجمهورها ، رائحه العطر تفوح من ابدانهم وكأنهم تحمموا في نهر الكوثر ، يتذكر ضحكاتهم الحقيقية وهما يتابعوا الممثلين يتحركوا علي الخشبة امامهم يحولوا الكلمات لبشر ومواقف وصراعات وكوميديا موجعه ودموع حقيقية ، مازال يتذكر ذلك الزمن وحلاوته !!!
هل انتهي هذا الزمن بلا رجعه ؟؟ سؤال حيره كثيرا !!!
مافائده مايكتبه ؟؟ ماقيمته ؟؟ سؤال مرير يتقافز طيلة الوقت علي شفتيه وفي وجدانه ..
الناس لاتجد خبزا ويموت احبائهم فوق الاسرة القذره في المستشفيات العامة التي هجرها الاطباء بعدما عجزوا عن علاجهم وشفائهم بسبب نقص الميزانيات وضرورة تبديل اجهزة التكييف في مكاتب وكلاء الوزارة ، القمامه تملأ الشوارع والمشرحه مليئه بالقتلي المجهولين والاهالي تبحث عن ابنائهم لاتجدهم ، هل هذا وقت كتابه وتمثيل ؟؟
انتهي من كتابه مسرحيته ، سلمها لخديجة واستراح ، خديجه ستخرجها علي خشبه المسرح مثلما كتبها واروع ، ستمنحها بعض روحها وجنونها وفنها ، ستحول الكلمات الخرساء لابطال يقولوا ويقولوا ، ليس قلقا علي نفسه وعلي كلماته ، يثق في خديجة وفنها وجنونها ، لكنه يتسائل سؤال اعمق كثيرا ، هل هذا وقت تمثيل ومسرحيات ؟؟ الم يكن اجدي به ان يبحث عن حل للشعب المعذب لينهي عذاباته ويجد قوت يومه ويستريح من نضالات الحياة اليومية التي قتلت روحه !!
وحيدا في صاله المسرح ، كل المقاعد خاليه ، خشبه المسرح امامه خاويه ، الانوار مطفئه ، الستائر تعاني اهمالا موجعا والاتربة وخيوط العناكب تفسد في نسيجها الوهن ، الموت يحتل المسرح والقاعه و...........اوشك يحتل المدينة فهل هذا هو وقت مسرحيات ؟؟؟ هل هذا وقت مسرحيات يايوسف ؟؟ هل هذا وقت مسرحيات يايوسف ؟؟

( 50 )
الفصل الثاني
المشهد الثاني   

يفتح الستار ، صفاء وسط المسرح ، ترتدي ثوبا ابيض ، خلاص ياجماعه ربنا يهديكم ، صلوا علي النبي كده واستهدوا بالله ، لازم نرجع القواعد ونرجع نلعب تاني ، اللعبه من يوم مااخترعوها وهي زي ماهي ، ماينفعش تيجوا انتم النهارده تغيروا القواعد ، ال ايه زهقانين ، ال ايه مش عاجبكم !!!
ينضم لها اكرم ، قولي لهم حضرتك !!
ينضم لها رؤوف ، انا متشكر لك جدا ، مش عارفاني ، انا مخرج العرض اللي عايز اللعبه تبتدي علشان المسرحيه تبتدي ، متشكر ليكي جدا !!!
تخاطب صفاء الفضاء ، وكأن جمهورا ينصت لها !!!
تصفق لهم بكفيها ، برافوا عليكم ، مبسوطه منكم قوي انكم رجعتم تسمعوا الكلام وقبلتم ترجعوا تلعبوا بالقواعد والنظام اللي طول عمره موجود، تصفق بكفيها ، برافو والله ليكم جدا !!!!
تنطفي الانوار ، وبسرعه تعود
خشبه المسرح هي رقعه اللعب ، مربعات بيضاء وسوداء ، فريقين يقفا علي جانبين المسرح ، فريق ابيض ، فريق اسود !!!!
نلمح دموعا تنساب علي وجوه بعض الجنود في هذا الفريق وذاك !!! يتقدم رؤوف منتفخ الاوداج وسط الفريقين ، خلاص ، حنلعب ، كلاكيت عاشر مرة ، صور !!!!
تنطفيء الاضاءه الا من الشريط السينمائي ، نري طوابير طويله امام اللجان الانتخابيه ، مشاهد متقطعه ، وجوه الناخبين مبتسمه ، مشهد نهاري ، مشهد ليلي ، نري اللجان تغلق ، نري لقطات من البرامج الاخباريه والتقارير عن الاستفتاء ، و................. قالت الصناديق نعم !!!!
صخب علي خشبه المسرح ، فرحه ، تصفيق !!!
تصرخ سيده من الجمهور ، ده تزوير وانتم عارفين !!!
يتقدم الملكين بعرفيهما الاحمر فوق رؤوسهما ، لا مش عارفين !!!
وتنزل الستار !!!!

( 51 )
المساكة

ويكتب ويكتب .............
ومازال الثقب مفتوح في السماء ، ومازال الوزير يطل منه ينتظر رقعة اللعبه تعود لرشدها وتمنح الجيوشا المتحاربة ارضا ليلهوا عليها ويموتوا في اللعبة ، ومازال الملك يختبيء بعيدا عن حافة الثقب الكبير ويسأل الوزير بملل ، خلاص ، يرد عليه الوزير بمنتهي الوقار ، لسه ، خلاص ، لسه ، خلاويص ، لسه ، خلاويص ، لسه!!
يضحك الاطفال في القرية القريبة من ثقب السماء ، هي قريه مهجورة لم يصل لها الماء الحلو في عهد اي حكومه ولم تبني فيها مدرسه ولا مستوصف طبي ورجالها يبيعوا الطين ويسافروا للعمل في بلاد الذل ، والذل اهون من الحاجه وقصر الايد ، والنساء باقيات في القرية يقتلن الوقت بالاحلام والانتظار وضرب الاطفال ، والاطفال يقتلوا الوقت باللهو البريء ولعبه الاستغمايه وعسكر وحرامية واهل النجع والمطاريد وخلاص ، لسه ، خلاص ، لسه ، خلاويص ، لسه ........... يضحك الاطفال في القريبه القريبه من ثقب السماء وهم يروا ، وعجبا مايروا ، الملك والوزير يلعباه المساكه ويصرخا خلاويص لسه ، خلاويص لسه !!!

نهايه الجزء الرابع  ويتبع بالجزء الخامس  

ليست هناك تعليقات: