مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 11 ديسمبر 2009

تصورت وهما انها نسيت كل شيء


اقتربت من الستين ، ومازالت كل الذكريات السوداء تطاردها ، اقتربت من الستين ومرت سنوات كثيره علي الاحداث المؤلمه التي اوجعتها ، لكنها مازالت تستيقظ من النوم هرعه ، كانها ايقظوها عنوة مثلما اعتادوا ، اطالت شعرها حتي كاد يصل لوسطها لكن منظرها حليقه بشعيرات متناثره فوق راسها توجعها تضايقها " تقلب عليها المواجع " صارت جدة لكن طفولتها وسنوات عمرها الاولي تنغص عليها حياتها ولاتذهب عنها ولاترحل وتتركها..........

وقتها ، حين كانت طفله صغيره ، كانت تسال نفسها دائما هل كان لها اب وام مثل كل الاطفال؟؟؟سؤال تعرف اجابته ورغم هذا ظلت تساله لنفسها طيله العمر ؟؟؟؟

هل ولدت في الشارع ، هل وجدوها بجوار الجامع ، هل استلموها من ملجأ ، هل هي ابنه حرام ؟؟؟اسئله كثيره سالتها لنفسها بحثا عن تفسير لتلك الحياه التي عاشتها !!! حين ادركت وتسللت بدايات الوعي لعقلها الصغير ، لم تعرف من هي واين هي حتي اكتشفت انها مجرد (خدامه ) في بيت الست الهانم وسيدي البيه !!!


وقتها كانت هذه هي الحقيقه التي تعرفها عن نفسها ، فتاه صغيره يقصوا لها ضفائرها بقسوه وبلاده مع قصيده من الشتائم المنتقاه حول قذارتها ووساختها هي واهلها التي لاتذكر ملامحهم ، رجل غليظ القلب امسك راسها وكاد يكسر عنقها وبالمقص الذي يقلم به اشجار الحديقه كاد يثقب راسها ، طبعا هي صعبت عليه مهمته وقت رفعت عقيرتها بالصراخ خائفه منه ومن الست الهانم وخائفه من المقص الذي يقترب من طول جسدها النحيل ، لكن المعركه كالعاده مثل الاف بل ملايين المعارك التي ستفرض عليها في ذلك المنزل ، المعركه انتهت لغير صالحها ، كفين علي وجهها وزغده في ذراعها كادت تكسر عظامه النحيله وشعرها يتناثر علي الارض امامها ودموع لاتنتهي و........ بس خلاص!!!!!

هي خدامه صغيره في بيت الست الهانم وسيدي البيه ، بلا شعر ، جميعهم بشعور طويله حريريه ، الست الصغيره التي تقاربها في العمر بشعر طويل وجدائل لامعه وشرائط ستانيه لامعه ، وهي بشعر حليق مثل الخروف قبل الذبح ومنديل شاش ابيض يلف راسها يخفي الخصلات المتناثره المنكوشه التي بقيت لها ، خدامه !!! خدامه !!!!!بقيت تلك الكلمه تدوي في اذنها طيله العمر !!!

خدامه لم تتجاوز الخامسه سنوات ، ليس لها الحق في اللعب مثل الست الصغيره ، ليس لها الحق في النوم براحتها مثل سادتها ، منذ تضربها الخادمه الكبيره بقدمها توقظها وحتي تسقط صريعه تحت اقدامهم وهم يتفرجوا علي التلفزيون ، منذ تلك الساعه وحتي تلك الساعه ، هي تجري في المنزل ، لاتعرف ماهو المطلوب منها بالضبط لكنه تعرف ماهو الممنوع عليها ، ليس لها الجلوس او الراحه او فتح التلاجه او اخد ارواحة من العلبه الفخمه التي تقدم منها للضيوف ، ليس عليها النوم اذا ماتعبت ، ليس لها ان تتعب ، هي خدامه والخدامه ليس من حقها ان تتعب ، تاكل بقايا الاكل التي يتركوها في اطباقهم بدلا من قذفها في الزباله ، تلبس الملابس الباليه التي ترفض الست الصغيره ارتداءها ، تخدم الست الهانم وكل اولادها وبناتها الصغار والكبار ، تطيع الاوامر اي اوامر !!!!! خدامه !!!!

سالت نفسها الف مره وقت النوم حين تغلق عينيها بقوه تخشي يقرؤا تساءلاتها من حدقتيها ، سالت نفسها من الذي احضرها هنا وكيف هانت علي امها وكيف هانت علي ابيها الذي يحضر لزيارتها كل شهرين او ثلاث ياخذ راتبها ويوصيها بالطاعه ويرحل لايقبلها مثلما يقبل سيدي البيه ابنته الصغيره بل لايمد لها كفه يودعها ، يقبض الراتب ويرحل مسرعا !!!

لكن قصه الخدامه هذه لاتعجبها ، هي تحب اللعب مثل الست الصغيره ، التي اكتشفت مع الوقت ان اهم اعمالها في البيت هو تسليتها تلعب معها ، لكن اللعب بشروط ، ان تكسب دائما الست الصغيره تنتصر عليها تهزمها ثم تضحك عليها وتسخر منها ، ان لعبوا عسكر وحراميه هي الخدامه طبعا الحراميه وسرعان ماتمسكها الست العسكر وتنتصر عليها ، ان لعبوا نطه الانجليز هي التي تنحي والست تقفز من فوق ظهرها وكثيرا ومن اجل الضحك فقط تضربها علي ضهرها قلم محترم فتصرخ متأوه فتضحك الست الصغيره فرحه تقلد صوتها وتشتمها الست الهانم علي ميوعتها تصرخ من اجل قلم ضرب علي ضهرها ، ان لعبوا الحجله هي الخاسره وان لعبوا القطه العميا هي التي تمسكها الست الصغيره او اي من صديقاتها اللاتي كن يحضرن للمنزل للعبه معها ، هي التي تخسر كل الالعاب ويسخروا منها لانها هي الخدامه وهن الهوانم وبنات الهوانم وايش جاب لجاب والطينه غير العجينه !!!

قصه الخدامه هذه لاتعجبها ، لاتحبها ، لماذا لم يخلقها الله هانم مثلهن ، اخطأت مره وسالت الخدامه الكبيره ، الا والنبي ياخالتي نوريني ليه ربنا ماخلقناش هوانم ، لم تسمع اجابه لكنها سمعت صوت القلم الذي انهالت به الخدامه الكبيره علي وجهها ، ضربتها وانهالت علي راسها وراس ابيها واسرتها كلها باللعن ، وعايزه تعملي راسك يابنت الغياط الحافي براسك الهوانم ، ايش جاب لجاب يابت ، اصحي ياموكوسه ، ابوكي حافي عويل عايش من عرقك وعرق اخواتك وجايه تقولي لي ليه مااحناش هوانم ، حكمه ربنا يابت ، كافره انت ولا ايه بتعترض علي خلقه ربنا ونظامه ؟؟؟ لكنها لاتصدق الخامه الكبيره ، لاتصدق ان ربها هو الذي خلقها خادمه تضربها الست الكبيره وتسخر منها الست الصغيره ، لاتصدق فربها الذي تشكو له همومها طيله الليل رحيم عادل لايفعل بطفله صغيره مثلها كل هذا!!!

لم تقنتع باجابه الخادمه الكبيره لكنها لم تكرر عليها السؤال ابدا !!!

" اصحي يابت " وزغده في جنبها وممكن شلوت بالراحه في رجلها ، هذه تحيه الصباح التي عاشت طفولتها كلها تعرفها ، الست الكبيره تدخل لحجره الست الصغيره وهاتك يادلع " اصحي ياقمرايه ، صباحك جميل ، بوسه لماما ، اصحي يابطه ياوزه ياقطه " وياعيني علي الغلبان اللي لا محصل بطه ولاوزه ولا اي حاجه ، تسال نفسها لماذا لم تبقيها امها في حضنها وتوقظها كل يوم بذلك الحنان ، لماذا القت بها فوق البلاط البارد للمطبخ ، تحت الترابيزه ، تنام علي بطانيه قديمه ومرتبه " ريحتها وحشه " !!!

تسال نفسها هل عندها ام فعلا ؟؟ تسال نفسها هل عندنها فعلا ام ؟؟؟

لاتصدق ان لها ام تحبها ، فلو كانت تحبها ، لماذا تركتها في ذلك المنزل الذي لايكف اهله عن ضربها طيله الوقت ، عاشت قدر ماعاشت لاتفهم ابدا لماذا يضربوها ؟؟؟ ان كلت موزايه يضربوها علشان لازم تستاذن !!! ان خدت ارواحه من اللي الست الصغيره طول النهار تاكل منها ، وقعتها سوخه ، وليه وليه يابت نفسك هفت علي اللي محدش اداهولك !!! ان نامت وهي بتتفرج علي التلفزيون وبتدعك رجلين الست الكبيره ، يضربوها ، طب ليه بيضربوها ، هي امها جابتها هنا علشان يضربوها !!! وانا عايزه اروح لامي ، ماليش دعوه ، برضه يضربوها ، ولما يجي ابوها يشتكوها له ، وحشه خالص مابتسمعش الكلام ، بتسرق !!! وابوها كفه تخين وعلي وشها سكع وتلطيش ، بتسرقي يابت ، ياحراميه ، حاقطع لك ايديك ، وريني يابت ايدك اللي بتسرقي بيها كده ، وبالشوكه السخنه !!! ماسرقتش يابا ، وكمان بتكذبي ، كان نفسي فيها ، ونفسك ليه ، بتبصي في حاجه الناس ليه ، معنتيش اعمل كده تاني ، هاتي ايديك يايبت ، وبالشوكه السخنه ، واه اه اه اه ، اه يااما اه ، ياسوداي يااما اه ، ويارب ليه خلقتني خدامه اتضرب طول الوقت !!! وتنام باكيه مثل كل يوم تتمني تموت لكن الموت لايرحمها !!!

وتمر سنوات .... وهي خدامه في البيت ، الست الصغيره دخلت المدرسه وهي لا ، الست الصغيره بتاكل شوكولاته وهي لا ، الست الصغيره بتنام الضهر وتستريح وهي لا ، الست الصغيره تشتري هدوم جديده في العيد وهي لا !!! ويارب ليه ماخلقتنيش ست صغيره ، ويبقي عندي خدامه ، لا ساعتها حاعاملها كويس ، وحاديها لعبي وعرايسي وشرزاتي ، ساعتها مش حاشتمها عمال علي بطال ، ساعتها حاديها ارواح ، تضحك وتعجبها اللعبه ، لا لو كنت خلقتني ست صغيره وعندي خدامه كنت حاشتمها طول الوقت اشمعني انا ، ولا عمري اعبرها ولااديها ارواحه اشمعني انا ، وكنت حاتريق علي شعرها المحلوق وجلابيتها الهبله وكعبها المقشف اشمعني انا ، كنت حانيمها تحت الترابيزه في المطبخ اشمعني انا ، لو كنت خلقتني ست صغيره وعندي خدامه ، كنت حافش غلي فيها واوريها اشمعني انا ..... وتبكي لان الله لم يخلقها ست صغيره ولانها هي الخدامه التي ينتقم منها الجميع علي ذنوب لم ترتكبها !!! وهل صحيح لي ام مثل كل الامهات ، بتحبني ؟؟؟؟

وتمر سنوات ، كبرت وتعلمت كيف تكون خادمه ، تعلمت الاتضرب ، تعلمت تاكل الموزه وترمي القشر بعيدا عن صفيحه القمامه التي تفتشها السيده الكبيره ، تعلمت تاخد ارواحه من العلبه وتبعثر بقيه الارواح فلا يلحظ احد ان واحده قد نقصت ، تعلمت ان تدخل الحمام وتنام وحين يخبطوا عليها تتوجع وتخرج تقبض علي بطنها وتوحي لهم بمغص حاد ، يرحمها من العمل ويمنحها راحه نسبيه مع كوبايه نعناع ، تعلمت تنافق الست الصغيره وفي نفس الوقت تضايقها ، تخفي مجلتها ، تفتن عليها لانها بتحط روج وبتتكلم كتير في التليفون ، تعلمت تنافق الست الكبيره وتتقي شرها ، وايه الحلاوه دي ياستي وقمر والله وشيك اوكي الفستان ده ، كانت بارعه في النفاق وتعلمت البراعه في الكذب لكنها مازالت ناقمه علي امها التي القت بها في ذلك الطريق الشاق ولم تبقيها بجوارها ، مازالت حانقه علي ابيها الذي يعاملها معامله الجاموسه يحلبها ويسيبها ، هي اقل من الجاموسه لانه يحب الجاموسه ويخاف عليها ، اما هي فلااحد يحبها ولااحد يخاف عليها ومازالت تسال هل صحيح لي ام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ..

وبعد سنوات طويله قضتها في بيت الخدمه ، تخدم وتتضرب وتتشتم وتكذب وتنافق احضر ابيها شقيقتها الصغري للمنزل واخذها معه وعاد للبلد لانها كبرت وفارت ولازم تتجوز لاتجيب العار !!!

ليس مهما ماحدث لها بعد ذلك في حياتها ، ليس مهما انها تزوجت ، ليس مهما انها انجبت اربعه بنات ، ليس مهما انها صممت تعلم بناتها ، ليس مهم ان كل ذكريات طفولتها القاسيه لم تغيب من راسها ومن احلامها ومن كوابيسها مازالت تبكيها وتوجعها ، ليس مهم ان زوجها اعتاد معايرتها حتي امام بناتها بانها " حيالله حتت خدامه " كل هذا ليس مهما !!
المهم عندنا ان امها اسرت لها ذات ليله وقت عاتبتها علي حياتها الشقيه و" ظلمتيني يااما ولاكاني بتك " اسرت لها انها لم توافق ابدا علي ارسالها للخدمه في البيوت وان ابيها الذي صمم علي ذلك " اصله كان صاحب كيف وعمره مامسك في شغلانه " وانه ضربها وقت اعترضت علي ارساله بناته للخدمه في البيوت ، ضربها ولعن ابيها وهددها " بناتي وانا حر فيهم ان شالله ازئلقهم في المصرف " وانها لم تملك شيئا امام جبروته وانه شرح لها " هناك بتك حتاكل وتلبس وتعيش عيشه محدش من اهلك يحلم بيها " ورغم هذا اكدت لها انها لم توافقه ولم تقتنع بحديثه لكنها صمتت " ماكنش في ايدي حاجه خايبه وقليله الحيله " وانها قضت كل لياليها تبكي غيابها و " يابت كتي بتصعبي علي ، ااقول ياتري ياضنايا عامله ايه " وقتها بكت طويلا وصالحت امها وشرحت لها " انت كنت بتعيطي هنا ياامه وانا كنت بعيط هناك " وياحبيبتي يااما كنت ظالماكي و" حقك علي يااما " وتصورت وقتها وهما انها نسيت كل شيء!!!!!!!!!!!

وهاهي السنوات مرت واقتربت من الستين ومازالت الذكريات السوداء تطاردها لانها لم تنسي اي شيء!!!!!!!!!!


ليست هناك تعليقات: