مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الخميس، 26 نوفمبر 2009

مازالت جالسة امام البحر ....!!!




جالسه امام البحر تحدق فيه لاتراه !!!
يلفح نسيمه البارد وجهها الاحمر من شده البروده ترتجف بلاضيق !!!
في عز الشتا وحيده علي الشاطيء هي والرمال والامواج العالية والبطانيه والوحده !!!
علي هذا الشط فوق تلك الرمال وهي جالسه علي ذلك المقعد دخل حبيبها للبحر يلوح مودعا ولم تراه ثانيه !!!
ابتلعه البحر ........ انتظرته طيله اليوم فلم يخرج ...
دخل عليها الليل وسطع القمر ورحل وبزغت الشمس وهي تحدق في البحر وهو لم يخرج !!!

صرخت نادت الغرباء تسالهم عن حبيبها الذي دخل البحر ولم يعود ...
لم ينطقوا ويطمئنوها ومر يوم واثنين وهو لم يخرج .... دخل الغواصين يبحثوا عنه فلم يجدوه وهي مازالت تنتظره ولم يخرج ... رسموا علي وجوههم ملامح الحزن واكدوا لها غرقه !!!

لم تفهم مقصدهم تجرؤا وقالوا لها انه مات ولن يعود !!
لم تصدقهم ... فمن يموت له جثمان وجنازه ومشيعين ومقبره !!!
هو لم يموت لانه جثمانه لم يخرج لها وجنازته لم تسير فيها فالنعش فارغ والمشيعين بكوا انفسهم ولم يبكوه لانه معظمهم ذهبوا للجنازه اداء لواجبات اجتماعيه واسريه ومصالح وهو ليس له مقبره تجلس عليها وتبكي !!!
اذن كيف مات ؟؟؟؟
بقيت علي مقعدها تنتظر خروجه من البحر!!
مازالت ترتدي ملابسها الملونه فالحداد للموتي وهو لم يموت!!!

بقيت علي مقعدها تنتظره طيله الصيف ، لاتبرح مقعدها عله يخرج في تلك الثانيه بالذات يحتاجها!!!
في الليل تترك الشاطيء توصي القمر عليه توصي النجوم عليه توصي الامواج عليه توصي النوارس عليه يراعوه ان خرج من وسط الليل يحتاجها فقط نادوني وساهرع اليه واشكركم !!!
ليالي طويله نصف نائمه تنتظر نداءاتهم لكنه لاينطقوا تهرع مع ضوء الفجر لمقعدها تنتظره!!

وحين طال انتظارها صامته قررت تناديه تكلمه تشكو له همها ترجوه ياتي ولايتركها تنتظر اكثر من هذا!!!
لكنه لم يرد عليها لم يسمعها لم يخرج من البحر سالما يبدد مخاوفها !!!

انتهي الصيف وخلفه مائه صيف هكذا احستهم وهو لم يخرج من البحر!!!

لاتصدقهم حين يقولوا لها ابتلعه البحر!!!

تسال البحر وجنياته واسماكه واصدافه وطحالبه ورماله وذرات ملحه عن حبيبها الذي دخل ولم يخرج فلا يجيبوها فتبتسم وتنتظره سيعود لها حيا ، لو كان مات لاخبروها لو كان ابتلعه البحر لقالوا لها ، لكنهم صامتين صمت العجز عن التفسير!!!

دخل فصل الشتاء البارد فالقت علي جسدها بطانيه وبقيت تحدق في الامواج تعلو وتنتفض ، رماديه تاره وسوداء تاره اخري ، تقذف للشط كل ما في جوف البحر الا حبيبها ، تبتسم سيعود لها حيا ، هو لم ينام علي رمال القاع والا القته الامواج الغاضبه تحت قدميها ، هو لم يمت ولا اخرجت لها الامواج الثائره بقاياه والسلسله الفضيه التي علقتها في رقتبه ، هو سيعود ، حين يهدأ البحر وتهدأ امواجه سيعود !!!
مر شتاء والف شتاء وهي تنتظر !!!
احتفلوا بعيد ميلادها مرات ومرات دون وجودها ترفض اطفاء شموعها حتي يطفئها معها !!!
تسللت الشعيرات البيضاء وسط شعرها الفاحم فلم تكترث ، فحين يعود سيحب مظهرها علي ماهي عليه !!!
مازالت جالسه امام البحر !!!
في الشتاء تضع البطانيه وفي الصيف تعري كتفاها والبحر هو البحر لايخرجه حيا ولايلفظ بدنه ميتا ولا يرحمها من الانتظار الموجع !!!
اكدت لنفسها هو يعيش علي جزيره بعيده ، وحيدا فاقد الذاكره ، ستساعده ليعود لنفسه ولها .. كل يوم تكتب له رساله ، تضع له صوره ، تذكره بحياته معها وتلقيها في البحر ... ولايعود فتحسه يحتاج عونا اكبر !!!
اشترت دفاتر خطابات ملونه واقلام خشبيه وصورا ملونه ، طبعت من صورهما معا الاف الصور ، كل يوم تكتب لها خطاب تحكي له عن نفسه عنها عن حياتهما معا وترفق معها بضعه صور وبعض تعليقات وتلقيها بالبحر !!
والبحر يبلع الخطابات والصور والذكريات وهو لايخرج !!!
كلمته وقصت عليه حياتها وذكرياتهما فلم يخرج !!!
كتبت له الخطابات وارسلت له الصور فلم يعد !!!
مرت سنوات وهي جالسه علي البحر لاتصدق موته !!!

تسال عنه النوارس تبكيه للاسماك الملونه التي يسطع وهجها تحت الماء تسبه للامواج ترجوها احضاره تشفق عليه من البروده فلتقي بطانيتها في البحر وتتمني عثوره عليه فيدفأ جسده ويقوي علي السباحه فيعود اليها لكن البحر يسحب البطانيه بعيدا عن بصرها ويغرقها ولايعود .....
توارت الشعيرات السوداء وسط جبال الثلج التي علت راسها ، تكاثرت التجاعيد علي وجهها ورقبتها واصابعها ، وهن جسدها واحتاجت في الشتاء بطانيتين وثلاثه وهو مازال في البحر لم يخرج !!!

لم تيأس ابدا من عودته اليها !!!

لم تفقد الامل ابدا في خروجه من البحر !!!
مرت ايام حياتها الكثيره وهي تنتظر الذي لم يعد !!!
وهنت اكثر واكثر وضعف جسدها وارتعش من نسيم الربيع ولم يتحمل ريح الشتاء !!!
اجبروها علي ترك مقعدها امام البحر فادركت انها ستموت وايامها انتهت وابتسمت وارتاحت !!!
وهنت ووهنت في الفراش ، تهذي بكلمات لا يفهمها احد ، تناديه ، تعده باللحاق به ، تبتسم كانها تراه وتدخل حضنه كان انتظارها الطويل انتهي !!!
حين ماتت وجدوا في رقبتها سلسلته الفضيه التي انتظرتها دليلا علي موته ، وجودها معلقه في رقبتها !!!
حين ماتت وجدوا قصاصات ورق في خزانتها المغلقه ، قصاصات تبكيه فيها وتتاسي لموته وتلعنه لانه عذبها برحيله!!! لم يفهموا سبب بقاءها امام البحر مادامت واثقه من موته ، لم يفهموا سر تبديد ايام حياتها في انتظار من لن ياتي ، لم يفهموا لماذا لم تغادر مقعد الانتظار وتعيش حياتها من اول جديد !!!!
لم يفهموا ثم نسوا الموضوع كله ونسوها وباعوا المقعد وتبرعوا بالبطانيه لعجوز فقيره تنام تحت الكوبري !!!

كانت روحها تجلس علي شباك غرفتها امام البحر مع روحه !!!

كانا يضحكا سعداء !!!
سالها لماذا انتظرته وهي تعرف بموته !!! لم تصدق سؤاله ولم تجبه !!!
وكادت تعاتبه لولا ان الارواح السعيده لاتتعاتب !!!
الحت روحه علي روحها تنتظر الاجابه !!!
بهدوء وسكينه شرحت له ان حياتها انتهت يوم موته ، وقلبها مات يوم رحيله ، والحزن حاصرها وخنقها واسودت ايام حياتها ، قررت تهرب من الم فقده لحضنه ، عاشت حياتها معه تفكر فيه وتخاطبه وتحكي له وتحلم بعودته وتنتظره ...
ومر العمر الموجع في انتظاره فانسها وجوده وهون عليها غيابه وعاشت له حيا وميتا !!!
فالحياة بدونه موت والموت معه اجمل حياة ... ابتسمت وسالته ؟؟؟ اليس هذا هو الحب ياحبيبي ؟؟؟
ابتسمت روحه واحتضنها وبقيا معا يجلسا علي شباك غرفتها حتي انتهي الوجود يحدقا في البحر روحين محبين سعداء!!!




ليست هناك تعليقات: