مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الخميس، 1 سبتمبر 2016

تعويذة العشق والدموع ... الفصل التاسع

الفصل التاسع

وكل شيء إلى زوال ويبقى الحب ( 8 )


( 50 )
"مِن أين بدأت الحكاية ؟؟"
كنتُ ساكنًا هادئًا على مكتبي بعد يوم عملٍ طويل ، طرقتْ كريمة البابَ وسألتني هل أرغب شيئًا منها قبلما تنزل؟ هززت رأٍسي صامتًا بحركة تفهمها جيدًا فتراجعتْ خطواتٍ للخلف وأغلقت عليّ الباب، وسرعان ما سمعت صوت ارتطام الباب الخارجي قويًا، وصارت العيادة لي وحدي محرَّرةً من صخب وضجيج وإزعاج الآخرين ..
أفكار كثيرة تدور في رأسي، وإرهاق يحاصر روحي بعد يوم طويل من العمل والعمليات ورنين التليفون الذي  أخرِسه ولا أجيب على مكالماته ، أرفع صوت "ماريا كالاس" عاليًا في الغرفة يحتويني ويلفني ، هذه قوقعتي التي أختبيء فيها من العالم كله ، هذه الغرفة، وهذه الموسيقى، وصوت "ماريا كالاس" وهذه الإضاءة الشاحبة ، هنا في هذه القوقعة أنا حَسن ولا شيء غيره، حَسن وفقط ، لست زوجَ مايسة، ولا عشيق شيري، ولا حبيب بشرى، ولا الصياد الذي يلقي شِبَاكه على كل الضحايا اللاتي يقذفن بأنفسهن في طريقي يتمنين الصيدَ والغواية ..
أنا هنا حَسن ولا شيء غيره ، هنا أخلع كل الأقنعة والوجوه وأسترد نفسي ، هنا أُصارح نفسي بكل ما أحِب أن أُصارحها به، وأتكلم معها وتسمعني ، هنا أعالج نفسي وأوجاعها، وأُطهر روحي من شرور العالم الظالم الذي يحيط بي!!
نَعم ، العالم المحيط بي ظالم ، يرسم لي أُطُرًا يجبرني أن أعيش فيها، ويحتجزني بداخلها، ويعتبر محاولاتي لإنقاذ نفسي ظلمًا للآخرين، وكأن وجودي هدفه الوحيد إسعاد الآخرين وإتعاس نفسي ، هذا ما ينتظره العالم مني وما أفر منه فأُتّهّم بالظلم والقسوة والجبروت والافتراء ...!
رنين التليفون يخترق قوقعتي، يأتيها بشرور العالم ، شيرين تتصل وتتصل ، مكالمات متلاحقة كثيرة تفصح عن حالتها النفسية العصبية وجنونها ، ثلاثة أيام لم أتصل بها ، أتمنى أن أقطع علاقتي بها وأختفي من حياتها وتختفي من حياتي ، هي تلاحقني وتطاردني وتلِح وتلِح ، ما الذي ترغبين فيه يا شيرين؟ أن أرد عليكِ وأتشاجر معك، وأسبّك وألعن أباكِ فتبكين وتبكين لأني ظالم لا أشعر بك وبمشاعرك ؟ ما الذي ترغبين فيه مني الآن؟  لا أرد على اتصالاتك إذن لا أرغب  ولا أقوى ولا أستطيع!!  
أُغِمض عينَي وكأني سأغفو  ، أرى شرائط سينمائية تتلاحق أمام نظري ، شرائط سينمائية فرضت علىّ دور البطولة وما كنت أرغب فيه ، نَعم هذه لحظة الصراحة التي أعيشها مع نفسي ، كنت أرغب في أن أعيش حياة هادئة هانئة ، لكني أُجبِرت أن أسير في طرُقي المتشابكة بكل صعوباتها ، مِن أين بدأت الحكاية؟؟
مَن الذي رسمَ الخطوط المتشابكة على الصفحة البيضاء التي كنتُها صغيرًا؟! مَن الذي رسمَ الخطوط ومعانيها وقادني في طرُقِها مجبَرًا لا أملك رجوعًا ولا فرارًا؟؟
الابن الوحيد لسليمان الوهيب وحامِل لقب العائلة ، فخر أبي وحبيب جَدتي الحاجّة منصفة ، وماذا عن أُمي رقية هانم الكشميري؟ لماذا لا تحبني؟؟ أنتفِضُ منزعجًا من اكتشافي الغريب، لماذا لا تحبيبني يا رقية هانم؟؟ لماذا تَرينني صورة مصغرة من أبي الذي تمقتينه؟؟ وما دمتِ تمقتينه لماذا عشتِ معه كل تلك السنوات ومنحتِه كل حياتك وكل دموعها؟؟ لماذا يا رقية هانم لا تحبينني؟ لا تنتبهين لوجودي؟ لاتكترثين لحالي؟؟؟ سؤال أرّقني وأتعبني ، كثيرًا أفكر بعد العمر الذي مَر أن أزورها وأسألها ، لماذا يا رقية هانم لا تحبينني ؟؟
لو سألتها ستجيبني أنت ابن أبيك وسِره ، مثله وصورته ، خياله وظله ، قليل الأدب مثله ، نَعم رقية هانم الكشميري ابنة الأصول ترى أبي قليلَ الأدب، منفلِتًا، خائنًا، وتراني مثله قليلَ الأدب ، أغازل النساء، وألاحِق الجميلات وأطاردهن مثلي مثل أبي ، تسبّني وهي لا تقوَى أن تسُبّ أبي ، وتَكرهني مثل كراهيتها لأبي وأكثر ..
أنتِ السبب يا رقية هانم !! أنتِ التي أجبرتِني أن أسير في طريق أبي وسِكّته ..أانتِ التي دفعتِني أن أحذوَ حذوَه وأتبع خياله وظله، أنتِ التي أوصدتِ حضنك في وجهي ولم تتركي لي إلا ساعِدَه أتكيء عليه وأتبعه .....
الحكاية قديمة يا رقية هانم ، قديمة بدأت منذ سنواتٍ بعيدة ، لا تقولي لي إني " َلاتي .. بتاع ستات" ، لا تقولي لي هذا القول لأنه يضحكني ويبكيني في آنٍ واحد ، كل الرجال يا رقية هانم "بتوع ستات" هي الفطرة والغريزة والطبيعة ، كل الرجال يا رقية هانم "بتوع ستات" بما فيهم أبوكِ الشيخ الوقور، وأخوكِ الذي تقسِمين بحياته ليلَ نهار ، كل الرجال "بتوع ستات"  لا تقولي لي إني "فلاتي .. بتاع ستات" فأبدًا لم يكن العيب مِني ، العيب أني لم أجد حضنكِ دافئًا يشبعني، ولم أجد حبيبةً تحتويني وتسرقني من كل العالم إلا حضنها ، تضحكين؟؟ لا تضحكي وافهمي ما أقوله ، نعَم يا رقية هانم ، كنت أتمناك أن تاخذيني في حضنك وتربتِ على روحي وقلبي، وأن تنصتي لي وأن تتحملي هفواتي، وأن تعلّميني وتطمئنيني ، لكنكِ انتقمتِ من أبي بصدِّي، وعبَّرتي عن غضبكِ منه بجفائي، وتشاجرتِ معي لأنكِ لم تقوِ أن تتشاجري معه ، ومنحتِه ومنحتِني دموعكِ، ودموعك فقط !!
أنتِ السبب يا رقية هانم في أني  لا أجد الطمأنينة في أي حضن، ولا أسكن لأي قلب، ولا ترضيني واحدة ولا تكفيني ، أنت السبب.  
ألم أقُل لكِ إن الحكاية بدأت منذ زمن بعيد، وأنك أنتِ مَن كَتب بدايتها وتركتِ لي النهاية أعيث فسادًا في الأرض لأصل لها ...
ما يزال صوت "ماريا كالاس" عاليًا يصدح بين جنبات الغرفة، وما زلت تعِبًا مرهَقًا، ضائعًا حائرًا تائهًا، وما يزال التليفون لا يكف عن الرنين تارة مايسة لتخنقني، وتارة شيرين لِتوترني، وما زلت لم أرُد ولن أرُد!!
مِن أين بدأت الحكاية يا رقية هانم؟؟ احكي يا رقية هانم مِن أين بدأت الحكاية. تقتحِم أُمي الغرفةَ ، تأتيني هي وهلاوسها وعقلها المبعثر ودموعها المتحجرة ، تقتحم الغرفة وتصرخ في وجهي ، انت كداب، يا حسن بتضحك على نفسك ، كلنا غلطانين إلا انت ، أنا وابوك وجَدك ومايسة ، كلنا غلطانين إلا انت !!! تصرخ بصوت أعلى ، طيب كلنا غلطانين وأفسدنا حياتك ، طيب وبشرى؟؟ الست الجميلة الطيبه اللي بتحبك بجد ، بشرى يا حسن، هل أفسدت حياتك أيضًا؟؟ على أي شيء ستلومها يا حسن؟؟
وأفيق من غفوتي وصوت "ماريا كالاس" ما يزال يصدح عاليًا في الحجرة المغلَقة، وأبتسِم رغم كل شيء ، رقية هانم الكشميري تحاكمني!! أفيق من غفوتي وصوتها الغاضب يدوّي في أُذُني ، وماذا عن بشرى؟؟
هامش -  كريمة
النهاية تأخرت يا كريمة، ويبدو أنها لن تأتي كما تتوقعينها!!  الدكتور حاله تبدّل ولو أنه لا يدري ، أرملة الدكتور رحيم بَدلت حاله وغيّرته ولو أنها لا تدري ، ليست مجرد فريسةٍ وقعت في شِبَاكه، ولا عابرة  في طريقِه ، ربما هو الذي وقع في شِبَاكها وتشبّث بها في دربِه رفيقةً وليست لعبة!! ربما هي الصياد وهو تحوّل لفريسةٍ مقهورة مثلنا كلنا ، فريسة مقهورة ليس بسبب عبثها بقلبه بل بسبب عشقِه لها وعشقِها له...
حاله تبدّل يا كريمة وأنتِ تعرفينه جيدًا ، منذ دخلتْ حياته وحاله تبدل ، لم يعد زاهيًا مثلما كان ، متعجرفًا طاغيًا مثلما كان ، ملامحه الوسيمة لوّنت ببعض الرقة والطيبة ، روحه الطاغية تلونت ببعض الحنان ، لم يعد مثلما كان مجرد صيادٍ لاهٍ يعبث بأرواح الأخريات وقلوبِهن ، قلبه الذي كان صخرًا دبّت فيه الحياة وتمزق بالعشق ، نَعم الدكتور حسن عاشق لهذه السيدة ، يا لِحَظِّها السعيد أنه عشِقها، ويا لِحَظِّه التعيس أنه عشِقها ولا يقوَى على  فكاكٍ منها ولا فرار ..!!
أعرفه جيدًا، وأعرف كيف يكون صيادًا يلهو بفرائسه وأولهن أنا، كيف يمنح ويمنع ، كيف يقترب ويبعد ، كيف يهدهِد ويقسو ، كيف يتحول حبيبًا أو هكذا نتصوره  ثم يعود غريبًا مستبِدًا كما نفهم حقيقته ، شاهدتُ بعيني تلك اللعبة كثيرًا ، لعبة الصياد والفريسة ، شاهدته يأتي بفريسته للعيادة ويمنحها اهتمامًا وقربًا، تنصَّتُ عليه وهو يكلمها في التليفون ويلقي على أسماعها معسولَ كلامِه ورقَّته ، ويلعب ويلهو ويضحك ويتألق ، وشاهدته يلفظ فريسته ويضيق بوجودها ويزيحها، ويعبس في وجهها ويفر منها، ويطردها لو تجرأتْ وألحّت ، سمعته يقول لها إن اللعبة انتهت، وإنه مَلّ وضجر!!
أعرفه جيدًا وهو يلعب ويلهو ويعبث ، واليوم أعرفه بوجهٍ مختلف ، وجه العاشق المتيم المعذب !!! هل أشعر بشماتة فيه لعذابه؟ نَعم .. ولا ، نعم أشمت فيه قليلا، لكني فرِحة له رغم عذابه ، فرِحة أنه أخيرًا تحوّل لإنسانٍ بقلب، وفرِحة لها لأنها أفلحت فيما فشلنا فيه جميعًا!! كيف ستكون النهاية هذه المرة يا كريمة ؟؟ كيف ستكون النهاية هذه المرة يا دكتور حسن ؟؟
 ( 51 )
"ما تيجي نتجوز !!"
ما تيجي نتجوز!! همستْ والخمر يتلاعب برأسها، والكلمات تتساقط من لسانها مبعثرة كحبات عقد تمزق خيطه ، لم أسمعها جيدا في البداية ، صوت الموسيقى الصاخبه ورأسي المشغول بافكاره لم يلتقطا ما قالته بوضوح ، إيه؟؟ ما تيجي نتجوز؟ بنبرات واضحة وتحدٍ همست شيرين ، ما تيجي نتجوز ، ضحكتُ ضحكات متلاحقة ، بطِّلي شُرب يا شيرين، كفايه عليكي كده النهارده ، زامت كالكلبة المسعورة ، أنا باتكلم بجد جدا ، ضحكتُ وضحكت أستفزها متعمدًا ، وأنا كمان باتكلم جد جدا  ، بطِّلي شُرب وكفايه !!
أخفت وجهها بين كفيها ، يرتج جسدها نحيبًا مكتومًا أعرف ذبذباته ، ربتُّ على كتفها مودعًا ، أنا ماشي يا شيرين ، لم ترفع وجهها من بين كفيها وتساقطت دموعها من بين أصابعها مبعثرة على الكأس الذي تكاد تحطمه وهي تقبض عليه بكل غضب ، سلام ..
خرجتُ من المكان أبحث عن نسمه هواء نقي أستنشقها ، رائحة الخمر وعبق الدموع وعطرها الرخيص ، كل هذا خنقني ، خنقني أكثر حديثها الأحمق ، ما تيجي نتجوز؟؟ لو أنها كانت في وعيها لضربتها ضربًا مبرحًا يعيدها للواقع الذي تهرب منه ، مَن أنتِ أيتها الساقطة ليتزوجك حسن الوهيب؟ مَن أنتٍ؟؟ عاهرة وساقطة التقطَكِ من ملهى ليلي ليقضي معكِ بعض الوقت ، ليحسِّس على ساقيك الملفوفتين كسرًا للملل والرتابة ، ليأخذكِ لفراشه آخر الليل، ليمارس معكِ فُحشَه المكبوت ، ما تيجي نتجوز ؟؟ هل جُنِنتِ يا امرأة؟ هل تتصورينني فقدت وعيي ورأسي؟ هل تتصورين أن ساقيك الملفوفتين سَلبتَا لُبّي وعقلي حد أن أمنحكِ اسمي واسمَ عائلتي ؟؟
أسيرُ على الرصيف صوبَ سيارتي بخطوات متقاطعة ، يخايلني وجهها الباكي كمثل الليلة الأولى التي شاهدتها فيها ، تجلس وسط مجموعة من الرجال أعرف بعضهم معرفة سطحية ، مِن على منضدتي لاحظت دموعها وارتجاج جسدِها ، جميلة بضة مثيرة باكية ، نظراتها المثيرة تتناقض ودموعها المكسورة ، سأذهب إليها وأدعوها للرقص ، لا أعرفها ولم أرها قبل ذلك اليوم ، لا أعرفها وهذا ليس مهمًا ، هي ستسأل عني سيخبرونها عن الدكتور حسن الوهيب ونجاحه وشهرته ، ستلتصق بي كالقراضة في جلد الكلب الأجرب ، امرأة مثيرة شهية لا بأس من التهامها على سبيل تغيير المذاق والمزاج ، تحبي ترقصي ؟؟ اقتربتُ منها وهمست في أذنها ، عيناها الباكيتان التي رفعتها صوبي لم تستفزني كعينَي أمي الباكيتين، دموعها لم تفسد مزاجي مثلما تفعل دموع أمي ، رحب بي أحدهم على منضدتها ودعاني للجلوس معهم ، أعرفه معرفة سطحية ولا أتذكر اسمه ، هو ليس مهمًا وليس بطلا في المشهد الذي أعيشه وقتها ، أشرت لها أدعوها للرقص وشكرته ووعدته أن أعود بعد الرقص على منضدتهم ، قامت معي وهي تمسح دموعها والكحل يرسم ملامح انكسار مهين على وجهها الجميل ، فيه واحدة جميلة زيك كده تبوظ جمالها بالعياط ، بدأت الرحلة معها بكلمات أعرف وقعها وأثرها عليها ، قلة البخت يا... اسم حضرتك إيه؟ حسن الوهيب ، قلة البخت يا حسن بيه ، فستانها الأنيق المثير ، وحذاؤها الإيطالي لم يُخفيا وضاعة أصلِها، ولا طريقتها في الكلام، ولا مفردات لغتها، كانا يفصحان عن بيئةٍ  فقيرة تمردت عليها ، حَسن بس ، أعرف وقْع كل كلمة سأقولها ، ابتلعتْ دموعها وضحكت ، اوكي !! أجذبها من خصرها الرفيع لصدري ، ألتصِق بها ، أُلقي برأسي على كتفيها العاريين ، أنفاسي الساخنة تلفح وجنتيها ورقبتها ، في البداية كانت ترقص وقبل أن أعود بها للمنضدة توتر جسدها، وتفتحت مسام رغبتها ، أعرف كل هذا وأكثر ، أعرف أنها سيدة ساخنة، أنوثتها على طرف جلدها ، أعرف أن أنفاسي الساخنة ستثيرها ، وأعرف أيضًا أني سأتركها ليلة واثنتين وعشرًا ظمأى تحترق بأنفاسي حتى أمنحها أكثر منها ، شيرين ، اسمك حلو قوي ، ضحكتْ ، كدت أسألها اسمك الأصلي ايه يا بت ؟؟ لكني ابتلعت السؤال مؤقتًا ، سأعرف اسمكِ الأصلي، وفصْلَكِ، ومَن أبوكِ، واسمَ زوج أُمك، وأين كنتِ قبلما تظهرين في ساحة نِزالي ، رقصنا رقصة واثنتين وقبل أن ترتخي عضلات جسدها وتلقي بثقلها في حضني، وقبل أن يسيل عرق رغبتها فياضًا ، قبل أن تتابع أنفاسها بنغمات أعرف معناها ، قبل هذا كله شكرتها بأدب وأعدتها للمنضدة، وشكرت مَن حيّاني واعتذرت عن الجلوس معهم لانشغالي بعملي مبكرًا، وأعطيتها ظهري وخرجت من المكان ، لم أمنحها فرصة سؤالي عن رقم تليفوني ولا ميعاد لقائنا الآخر ، ألقيت شَبَكتي عليها ولم أُحكِمها بعد ، كالسمكة الفضية تتراقص وسط الشَبَك المغلق وهي لا تعلم نهايتها التي أعلمها ، هذا كان لقائي الأول بها، وهو الذي رسم ملامح طريقي معها ، الولد يقُش !!
أنتِ يا مَن تُسمِّين نفسكِ شيرين امرأة رخيصة، كنتِ فقيرة ورفعك جسدك الجميل ووجهك الأجمل بعض درجات في السلم الاجتماعي، ربما تزوجتِ ثريًا عربيًا منحكِ على منضدة القمار لأصدقائه، وربما عاشرتِ معلِّمًا ثريًا اشترى لكِ بعض الأساور الذهبية، وربما سرَّحكِ قوّاد لعلية القوم وأغنيائهم فادّخرتِ من عرق مجهودك بعض النقود اشتريتِ بها شقة بعيدًا عن الحي الفقير الذي ولِدتِ فيه ، كل هذا لا يعنيني ولا أكترث به ، يعجبني إصراركِ على الارتقاء بنفسك، وتغيير شكل زبائنك ونوعيتهم ، لن أكون زبونًا عابرًا يا شيرين،  و لن أقضي معك ليلة وأختفي ، أبحث منذ زمن عن صاحبةٍ سافلة مثلك تمنحني ما عجزتْ زوجتي الوقورة الغبية عن منحِه لي ، والحق أنكِ أسفلُ مَن صادفتُ ، أسفلُ منهن جميعًا، وأكثرهن جمالا، والحق يقال ، سأُحِممكِ وأُعطركِ، وأُغدق عليك من مالي وثروتي، وأَفيض عليك من رجولتي وشهوتي، وأشتريكِ لي وحدي ، أنا الزبون الأوحد الذي سأكون حتى أَمَلّ منكِ، وقتَها سأمنحك مكأفاة سخية تعوّضك رحيلي ، هذه قواعدي، وقواعد اللعبة التي سنلعبها معًا ، لن أُخطِركِ بشروطي، لكنك ذكية، وابنة سوق، وخبرة، وستفهمين دون إفصاح أو شرْح ، كنتُ أظنكِ ذكية لكنكِ اليوم فاجأتِني مفاجأة مخيفة ، تيجي نتجوز ؟؟ يا بنت الحرام يا مجنونة ، مين يتجوز مين يا بت ؟؟ لقد نسيتِ نفسك وأصلك وفصلك ، العطور الفرنسية التي اشتريتُها لكِ خدَّرتك وأفقدتك وعيك فتصورتِ أنكِ سليلة الحسب والنسب، وتصورتِ أني أُحِبك وسأقع في شِباككِ، وأمنحكِ اسمي وخاتمي في إصبعك ، فوقي يا شوقيه، نَعم شوقيه ، أليس هذا اسمَك الذي اختاره لكِ أبوكِ قبلما يختفي من حياتك ويترك أُمك تربيكِ بعرق جسدها من زيجات فاشلة لرجال يضربونها ويغازلوكِ؟ ثم يدفعون لكِ مصاريف المدرسة وثمن الطعام؟؟ أنا؟ حسن الوهيب اتجوزك انتي يا شوقيه ؟؟؟ عليكِ أن تعترفي بأني رجُل رحيم رؤوف ، عندما فاجأتِني مفاجأتك المخيفة الغبية تمالكتُ نفسي ولم ألكمكِ في صدرك، ولم تنزل كفي على صدغك، ولم أجذبك من شَعرك وأُلقيكِ أرضًا تحت قدمي، بمنتهى الأدب قلت لك كُفِّي عن الشراب لأن الخمر أفسدت عقلك ، عليكِ أن تعترفي بأني رجُل رحيم رؤوف لأني لم أفضحكِ وسط المكان ولم أسخر منك، ولم أُشهِد الحاضرين عليكِ، كيف فقدتِ عقلكِ حد أن تصورتِ أني يمكن أن أتزوجك؟ أو حتى أفكر في الأمر؟!!
وصلت سيارتي، وجلست على مقعدي الوثير، وأشعلت سيجاري الفاخر، ورفعت صوت الموسيقى وأخذت أضحك، وأضحك، وأضحك ، الله يخرب بيتك يا شوقيه!! بجد بجد الله يخرب بيتك!!
هامش - شيرين
ألقيتُ جسدي المتعَبَ على الفراش، وجدران الغرفة تدور وتدور كأُرجوحة العيد التي طالما تابعتها في المولد أتمنى أن أركبها وأطير في السماء ولا أعود للأرض أبدا ، كيف خرجتُ من الملهى الليلي؟ وكيف قدت سيارتي؟ وكيف فتحت باب شقتي؟ وكيف خلعت حذائي وألقيت جسدي على الفراش؟ كل هذا لا أعرفه ولا أتذكره ، كل ما أتذكره النظرة الغريبة التي حدّجني بها حسن وهو يلوّح لي مودّعًا ، خرج من الملهى الليلي وتركني على المنضدة وحيدةً كمِمسحَة بلاط تدوسها الأقدام ، كيف لملمتُ نفسي ومسحت دموعي وخرجت لسيارتي؟ لا أتذكر ، كل ما أتذكره نظرة الاحتقار والتعالي التي منحها لي وغادرني ورحل ، ليلة مُمِلة من أولِها ، لا يتحدث ولا يرقص ، لا يأكل ولا يشرب ، ينظر لي نظراتٍ غريبةً وكأنه يسألني مَن أنتِ لتجلسي معي؟ ما لك؟؟ سألته مراتٍ عديدة ، مرهَق ، يكذب وأنا أعرف، لكني لا أملك أن أجبره على الصدق معي ، اوعي تكون شفت لك شوفه تانيه ؟؟ رعب يجتاحني ، سيتركني ويرحل ، سيعرف امرأة أخرى ويهجرني ، ستمنحه شيئًا لا أعرفه لكنه يفتقِده معي ، ما بتردش ليه ؟؟ يبتسم ويبقى صامتًا ، انت بتلعب بديلك يا حسن ؟؟ يضحك ويضحك فأشاركه الضحك وأنا لا أعرف سببه ، كفايه شرب يا شيرين !! آهٍ لو تعرف ما الذي تفعله فيّ تلك الجملة الآمِرة بما تحمله من احتقارٍ وتَعَالٍ ، هي طريقتك المفضلة لإخراسي ، كفايه شرب يا شيرين ، يعني اخرسي ، الاحتقار والتعالي الذان تنطق بهما كلمات الجملة يهينانني يا حسن ، أتمنى أن أقول لك هذا ، لكني لا أقول ، أعرف إجابتك ، وايه يعني عادي!! نعم عادي، إهانتي عادية، واحتقاري عادي!! ما تيجي نتجوز ، ببساطة همست له ما تيجي نتجوز ، بمنتهى الجدية أقصد كلماتي، وبمنتهى الاهتمام أنتظِر رده ، كفايه شُرب يا شيرين !!
سمعتُ جملته والخمر تتلاعب برأسي على حقيقتها وبمعناها المقصود ، اخرسي يا شوقيه ، تمنيتُ لو أصرخ فيه ، مش حاخرس ، لم يترك لي وقتًا للانفعال ولا للغضب ، لوَّحَ لي وودعني وخرج من المكان، وتركني كممسحة البلاط تعتصرني يد عملاقة فتنهمر دموعي سُمًا ، لم أبقَ بعدَه كثيرًا ، غادرت المكان وعدت لبيتي ، ألقيت بدني على الفراش والخمر والغضب والإحساس بالقهر والإهانة .. كل ذلك يعصف بي  ، أهذي وأهذي، أراه أمامي فأُمزق وجهه بأظافري ، أَعضه وأَشد شَعره ، أُشوّه ملامحه الوسيمة الجميلة ، يا ابن الكلب !! ايوه هو فعلا ابن كلب ، ابن كلب ومفتري وسافل ودون ، ابن كلب وكان لازم انزل على راسه بالشبشب اعرّفه أن الله حق ، اعلّمه الادب ، اعلمه ازاي يتعامل معايا ، انت فاكر نفسك ايه؟ ابن باشاوات؟ وايه يعني ، طُظ يا ابن الباشاوات ، ماكلنا ولاد تسعه ، فاكر نفسك ايه؟ بتبُص لي من فوق كده ليه؟ على راسك ريشه؟ الريش طار من زمان وكل الرووس اتساوت ، ابن كلب واطي دون ، اسالني انا عنك ، محدش في الدنيا يعرفك غيري  وزيّي ، انا اللي شفتك وانت "بتهوهو" وسترت عليك ، مالك اتخضيت كده ليه لما قلت لك نتجوز؟ ماانت بتنام تحت رِجلي تعيّط لما اديك ضهري ، ماانت "بتهوهو" بصوت بيسمعه كل الجيران لما بتقوم على وتبقى مش عارف تلِم نفسك ، تضرب وتعض وتخربش و"تهوهو" و"تنونو" ، وآخرتها تنام زي فحل الجاموس تشخر وتكسر الحيطان ، مالك ؟؟ فرحان بنفسك كده ليه ؟؟ منفوخ على ايه ؟؟ ابن باشوات؟ وايه يعني ؟؟ غني وقرشك حاضر؟ وايه يعني ، اللي اعطاك يعطينا وسبحانه الرزاق ، دكتور ومشهور متصيت؟ وايه يعني ؟؟ بس في الاخر علاجك وفرحتك عندي ، انا شوقيه اللي جايه من سوق السلاح، وتراب الشارع لسه في كعبي، مش كعبي ده اللي كنت بتبوسه مره وعشره ؟؟ مالك بقي؟  فيها ايه يعني لما اقولك نتجوز؟ مبسوط بالحرام اللي احنا عايشين فيه ؟؟ مبسوط اننا عمالين نلملم ذنوب ورا ذنوب؟ نتجوز ، ورقه عرفي تسترنا ، لا حد يخبط علينا الباب ولا حد يقول مين الراجل ده، ولا يقرب لك ايه وانت داخل خارج في اي وقت ولا فارق معاك لا جيران ولا بواب!! نتجوز .. عادي ما كل راجل وست بيحبوا بعض بيتجوزوا ، يا سيدي بلاش يحبوا بعض، كل راجل وست بينبسطوا مع بعض بيتجوزوا ، اياك تكدب وتقولي انك مابتنبسطش معايا ، محدش في الدنيا كلها بيبسطك قدي ، نتجوز وتستر عليا ، وابقي خدامتك وتحت رجليك ، ومالوش لزمه ننزل الشوارع، ونقعد على ترابيزات، وتدفع في فلوس، وتفتح في ويسكي، وتجامل وتعزم، أعمِل لك عشا في البيت واتحزم وارقص لك لوحدك، ومحدش ياكُلني بعينه قدامك وانت لوح بارد عامل مش شايف ولا فارق معاك ، ابن كلب ، انت ابن كلب يا دكتور حسن ، ابن ستين كلب كمان ، لا ليك في الحلال ولا عندك نخوه، ولا فارق معاك ان الناس تاكُلني بعينهم، ولا يحاولوا يعلّقوني منك ، عادي ، انت سبور ، ولاد الناس اللي زيك سبور ولا يفرق معاهم حاجه ، انت مابتحبنيش !! يا نهار اسود ، انت فعلا ما بتحبنيش ، عمرك ما قلت لي بحبك ، انا اللي على طول باقول باحبك واحبك واحبك، وانت البعيد اخرس واطرش لا تسمعني ولاترد عليا ، طيب لما مابتحبنيش لازِق فيا ليه؟ مافيش ليلة والتانيه الا وتخبّط على بابي ، ما فيش ساعه الا تكلمني وتمِّم عليا وانا فين ورحت فين وجيت منين ، عبدتك انا ، اللي اشتراها لك ابوك وقالك تبسطك وتتعسها ، الحق انت عملت معايا كتير ، مابقاش ناكره الجميل واكدب واقول ماعملتش ، الحق انت عملت معايا كتير ، اشتريت لي شقه كبيره وفساتين كتير  ودهب والماظ، وعلمتني السواقه وجبت لي عربيه، الحق انت عملت معايا كتير وسخي وايدك فِرطه، ومافيش حاجه اقول نفسي فيها الا وتشتريها لي ، لكن لا حبّتني ولا احترمتني ، انا بالنسبه لك زي الكلب الاسود اللي دايما تحكي ليه عليه ، يشمشِم فيك وانت قاعد، ويلزق في رِجلك، ولما تحب تهشه يتهش ، انت معتبرني زي الكلب الاسود تهشني اتهش ، ماتتجوزنيش ليه ؟؟ وتتجوزني ليه ؟؟ علشان انا بحبك ، ايوه بحبك ، باحبك وباموت فيك ، باحبك لدرجه اني مش عارفه الم نفسي معاك ولاعايزه المها ، باحبك وعايزه اشيل اسمك، ويمكن خيالي يسرح  واقول واخلِّف عيالك غير البت الحيله اللي استكفيت بيها من الهانم مراتك بنت الاصول ، بنات الاصول أرضهم صحرا ما يطرحش فيها شجر ، باردين زي لوح التلج ، يهدوا الجبال ولا يتحرك فيه روح ، اخلّف لك دسته عيال ، كل ليلة حُب نقضيها سوا بعيّل ، اتجننت ، تلاقيك بتقول عليا اتجننت ، وتلاقيك بتقولي مالكيش دعوه بالهانم مراتي، ماليش دعوه بيها ان شالله تولَع ولا تموت ماليش دعوه بيها ، دي خايبه مطفشاك وانا اللي محاجيه عليك وشارياك ، سيبنا من الهانم مراتك خلاص ، ماغلطتش في البخاري ، نرجع مرجوعنا ، نتجوز ليه؟ نتجوز علشان باحبك وعايزه ابقي محترمه علشانك ، مش واحده استلقطتها من بار وبتاخد منها كيفك ووقت الجد ترميها ، باحبك وعايزه ابقي محترمه علشانك ، علشان ألِيق بيك ، باحبك يا ابن الكلب وانت البعيد جبل ولا دريان ولا فارق معاك لا حبي ولا سعادتك ، انت يا دكتور حسن ابن ستين كلب ، تتجوز هانم تهرب منها وتلزق في شوقيه بنت سوق السلاح وترفض تتجوزها، ومِمشي امورك بكيفك، ويلعن ابونا كلنا انا والهانم مراتك ، مش بقولك انت ابن كلب ، ابن كلب وابن ستين كلب كمان !!
( 52 )
" ما بترديش ليه يا بشرى ؟؟"
أيوه يا بشرى ، اتصلت بيكي كذا مره مابترديش!! عصبي، مجنون، غاضب ، أتصل بها منذ الصباح ولا ترد على ، منذ لقائنا الأخير وهي ليست التي أعرفها ، أحوالها غريبة وصوتها غريب، يومان ثلاثة لم أرها ، أتصل بها لأطمئن عليها فيأتيني صوتها غريبًا، وفي المرة اللاحقة أغرب ، قررت أن أمر عليها اليوم وأعرف ما بها ، تصورت أي شيء إلا ما حدث وما يحدث ، تصورت أي شيء إلا ما عشته في تلك الدقائق الموجِعة !
أتصل بها منذ الصباح ، لا ترد على مكالماتي ، التمستُ لها أي عذر فارغ  في المكالمة الأولى والثانية ، في المكالمة الرابعة والخامسة فقدتُ رشدي وعقلي ، أطلبها وأطلبها وهي لا ترد ولا تجيب!! بعد ساعتين من المكالمات التي لم أعُد أعرف عددها ، ترد علىّ بصوتٍ أسودَ ثقيل ، أصرخ ، ما بترديش ليه يا بشرى؟؟؟ كلمات قليلة تلقيها في وجهي ، أُرهِقت وتعبت، لم أعد قادرة على ما نعيشه ، أُنصِت لها صامتًا وأكاد أنفجر من الغضب، أصرخ ، ايوه يعني انتي عايزه ايه ؟؟ بصوت أكثر سوادًا تهمس وكأنها في نفَسِها الأخير ، نفترق !!
لم أصرخ، ولم أنفجر فيها، ولم أسبّها، ولم أَقُل لها ما أحسست به، انتابَني صمتٌ حيرني ، صمت طويل ، الخط مفتوح وهي صامتة وأنا صامِت ، لا أنطق ، ما لي أرتعش وكأني محموم؟ ما لي أشعر بغثيان وكأني مسموم؟ ما لي أقبض على دموعي وكأنها ستفيض حزنًا؟ أصمِت وأصمِت والخط ما يزال مفتوحًا ، وبعد وقت لا أعرف قدْره ، أهمس ، حاكلمك بعدين يا بشرى ، وأُنهي المكالمة ، وأقبض على رأسي الساخن الذي يكاد ينفجر ، لست غاضبًا منها لأنها تجرأت وطلبت مني فراقًا بيننا ، لست حانقًا عليها، ولا فكرت في أن أسبّها أو أضربها تأديبا وغِلا ، ليس هذا ما أشعر به وما أحِسه ، أشعر وكأنها غرزت خنجرًا في قلبي ، أشعر ألمًا عنيفًا ، أحسها بعثرتني في فضاءٍ أسودَ، عاجز عن تمالُكِ نفسي ومشاعري ، أشعر بها ذبحتني وسحبت روحي من جسدي وأطفأت الأنوار وقرص الشمس ولون السماء، وألقتني تائهًا في ظلامٍ بارد !!
نفترق؟؟ يا لها من كلمة مجنونة قاسية حمقاء!! نفترق؟؟ ببساطه كده يا بشرى ، بسهوله كده ، نفترق ؟؟؟ وترتفع حرارتي أكثر وأكثر ، والألم في رأسي يطغى ويطغى، والدموع اللعينة تفيض وتفيض، وتنهمر وتنهمر، كل ما يحدث يدهشني، يوجعني، يثيرني، يؤلمني ، كل ما يحدث لا أعرفني فيه وكأني غريب عن نفسي ، نفترق ؟!! لا أصدقكِ يا بشرى ، لا أصدقك، قررت أن تذبحيني هكذا ببساطة ، لا أصدقكِ وغاضب منك ، غاضب جدًا ، ما بيننا ليس بسيطًا ولاعاديًا ولا سهلا حتى نفترق ، ما بيننا روح سكنت لروح، ما بيننا دفء منحتِه لقلبي فتوهج، ما بيننا لم أعرفه قَبلك ولا أرغب فيه إلا منك، أنا أحِبكِ يا بشرى، أُحِبك !!
نفترق ؟؟ لا أصدقك يا بشرى ، لا أصدقك !! وأرفع صوت "ماريا كالاس" عاليًا صاخبًا وأنتحِب براحتي، وأطرد كريمة من الغرفة وقت أن دخلتْ تسألني مرتاعة ، خير يا دكتور ؟؟
هامش - الحاجّة منصفة
ما هي معذورة برضه يا حسن !! همست جَدتي ، فتحتُ عيني لا أصدق أن جَدتي أتت لعيادتي وهي لا تعرف عنوانها ، أسمع صوتها حانيًا ، فتحت عيني وصوت "ماريا كالاس" صاخب عالٍ وأنا على مقعدي أمام المكتب وجَدتي تجلس بجواري ورأسها قريب من رأسي ، سامعني يا حبيبي ؟؟ أهز رأسي نعم ، بشرى معذورة يا حبيبي !!! هل تعرفين بشرى يا جَدتي ؟؟ هل تعرفينها وتعرفين أني أعشقها؟ هل تعرفينها وتعرفين أنها تحبني؟ هل تعرفينها يا جَدتي وتعرفين السعادة التي عشناها معًا وقتما عثرتُ عليها وقلبي نوّر بحبها وروحي أيضًا؟ هل تعرفين بشرى يا جَدتي؟ لا أسألها وأنصت صامتًا لِما تقوله ، الله يكون في عونها يا حبيبي معذورة والله !! أحدق فيها لا أصدق ما تقوله ، انتي ضدي يا جدتي ؟؟ همست بطيبة ورِقة ، لا يا حبيبي، معاك ودايما، بس برضه ما هي معذورة يا حسن ، فكر شويه يا حبيبي فيها وانت تفهم كل حاجه ، ربنا ينور بصيرتك يا حبيبي !!
تخفض صوتها أكثر وأكثر ، وتهمس في أُذُني وكأنها حريصة على بشرى لا تفضح حبي لها ولا تكشف علاقتنا ، الست محترمه ولا هي من الستات إياهم، ولا من اللي بتلعب معاهم ، صح ؟؟ أنصت لها ، والست المحترمه عشقتك وانت وقعت في غرامها ، صح؟؟ وبعدين طيب يا حسن ، آخرتها ايه ؟؟
آخرتها ايه يا جدتي ؟؟ انت اللي تقول يا حسن ، محدش يقدر يقول غيرك ، عايز ايه وتقدر على ايه ؟؟ الست فاض بيها ، عشق صعب وظروف اصعب ، وانت لساك بتلعب يا حسن ، لساك بتلعب وتهزر وضامن انها قاعده مستنياك. أُقاطعها غاضبًا ، أبدًا يا جَدتي لم ألعب معها، ولم أعبث بمشاعرها أبدًا، وأحبها وأحترمها، وسعيد بها وأسعدها ، تبتسم جَدتي ، ايوه يا حبيبي لكنك لسه بتلعب والطبع غلاب ، لسه ما ضحيتش عشانها ولا شكلك ناوي ، أطلق مايسة قصدك ؟؟ هي مش عايزه كده والله يا جدتي ؟؟
اسمعني يا حسن ، المشكله مش في مايسة ، المشكله فيك انت ، انت لا عايز تطلق مايسة ولا عايز تسيب الستات اللي بتلعب بيهم ولا عايز تسلمها روحك وتضحي علشانها ، ان كانت تستاهل ضحِّي ، وان ما كانتش براحتك وما تلومهاش !!
انا باحبها يا جدتي باحبها ، اعمل ايه ؟؟ تبتسم جدتي ، امشي ورا قلبك والمفروض اعمله ، وكفاياك هزار !! اسمع صوت قلبك وامشي وراه ، قلبك دليلك ياحسن ، قلبك دليلك ولا احن عليك منه ابدا ، ربنا ينور بصيرتك يا حسن ويهون عليك الصعب !!
ويصدح صوت "ماريا كالاس" عاليًا مختلطًا بنحيبي، وأنا لا أصدق ما قالته بشرى ولا أقبَله ، أُغمِض عينيّ محاولا الإنصات لصوت قلبي علّه يقودني لِمَا يسعدني، كما قالت جَدتي منصفة !! 



نهاية الفصل التاسع
ويتبع بالفصل العاشر والأخير



ليست هناك تعليقات: