مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



الجمعة، 30 يناير 2015

يوميات ميت .... الجزء الرابع


الحياة
ايام وبنعيشها




( 22 )
المنضدة الخشبية

يوم وفاته ، مر الاستاذ حسين امامي في نعشه فلوحت له وودعته ببعض دموع حزينه ، فابتسم ولوح لي وودعني واوصاني احفظ ذكراه فحفظتها ولم انساه ابدا ... انا المنضده التي اتكأ عليها هو يكتب يومياته ، انا المنضده الخشبيه المركونه في جانب صامت من القهوة ، سنوات طويله و أحد لايعبرني ولايكترث بحالي وانا خاوية اعاني اهمالا مقيتا ، صاحب القهوة نظم المناضد والكراسي وانتقي لي ركنا بعيدا مظلم صامت بعيد عن الشارع ، الزبائن لايعجبها مكاني ولاتحبني ، لو جلسوا حولي لمارأوا الشارع ولا حسنواته الجميلات ، ماسمعوا اخبار الحي وحفلات النميمه ماادركوا حال سكان الحي والتغيرات التي تطرأ علي ملابسهم واجسادهم وسيارتهم وشكل غسيلهم ، زبائن القهوه لايحبوا مكاني ولا يحبوني ، متعتهم الجلوس خارج القهوة ومتابعه الشارع ومايحدث فيه ، هذا مايقتل وقتهم الطويل ويبدد مللهم ، يرتادوا كل المناضد ويجلسوا عليها وحولها ويتعالي ضحكهم وصخبهم وسخريتهم ومشاجراتهم الا انا ، انا المهجورة في الركن الموحش ، حولني صبيان القهوة لمخزن للاكواب الفارغه قبل غسليها والصواني المبلله قبل تجفيفها ، لااحد يكترث بي ولا بنظافتي ، لااحد يمسح وجهي كل يوم بفوطته الناعمه ولا ينظف حوافي بالمطهرات ولا يكترث بالمقاعد المحطمه المحيطه بي ، كنت ائن ليل نهار غاضبه من حظي الاغبر ومكاني الموحش ووحدتي حتي اتاني الاستاذ حسين ، دخل القهوه ودار بين مناضدها واشار للقهوجي ، نضف الترابيزة دي ، لم اصدقه في البدايه ، ام اصدق انه يشير عليا وانه في تلك اللحظه سيؤنسني ويجلس بجواري ، تصورتها هلاوس الوحده التي سرعان ماستتبدد وقت رحيله السريع لمنضده اخري ، لكن القهوجي نضف رخامتي بفوطه ناعمة ورشني بالماء المثلج وجففني مره واثنين وبدل الكراسي المحطمه باخري سليم وجديده واشار له ، اتفضل يااستاذ حسين هنا ، مكان لوز ولااي حد يزعجك ولا يضايقك وجلس حسين صامتا يتأملني والحق انا ايضا كنت اتأمله وابحث عن سبب حمقه الذي دعاه للانزواء بجواري ، تصورته مكتئب يبحث عن مكان يبكي فيه ولايعايره الاخرين بضعفه وحزنه ، لكن تصرفاته كذبت احساسي ، الرجل فرح سعيد ، فتح دفتره فوق رخامتي واخرج قلمه الحبر من جيب الجاكته وانهمك في الكتابه ، حاولت اتلصص علي مايكتبه واعرف ايه الحكايه لكني لم اعرف ، ساعتين ثلاث ربما وهو يكتب وفي النهايه اغلق الدفتر سعيدا ، دفع الحساب وغادر القهوة ، تصورته ابدا لن يعود وان جلوسه بجواري عارض لن يستمر وانه سرعان ماسيعود للمناضد الامامية ليتفرج علي الشارع ومايحدث فيه ، لكن اليوم الثاني والعاشر والسنه الاولي والرابعة والاستاذ حسين لايغادرني ، يأتي يوميا ، يجلس ويحتسي قهوته ، يفتح دفتره وينهمك في الكتابه وحين يفرغ يغلق الدفتر ويشرب شاي ويلملم اشياءه ويرحل ....
في البدايه لم اكن اعرف مالذي يكتبه وسرعان ماسمعت صوت الكلمات وهي تتراص بجوار بعضها علي الاسطر  سمعت صوت الكلمات تحكي حكايات الاستاذ حسين ، كثيرا احسست بالخجل واحيانا بعض الارتباك وضحكت كثيرا وبكيت كثيرا ، شاركته حكاياته ومشاعره ، كثيرا كان يضحك وهو يكتب وذات مره شاهدت دمعه فاره تنهمر فوق سطره وجعا ، مالذي تكتبه يااستاذ ، ترد الاسطر علي ، يكتب يومياته ، ايه ، يكتب حكايات من حياته عن ابنه وابنته وزوجته والحكومه وام ندي ، مين ، ام ندي جارته ، وبعدين ، ولا قبلين ، بيكتب وبس ..... سنوات كثيرة والاستاذ حسين يكتب يومياته في دفتره ، يوما يكتب صفحتين واسبوعين يفكر ولايكتب سطر ، يضحك ويبكي ، يسب ويشكر ، ويشرب القهوة ويعيش معي في مكاني الذي كان موحشا ولم يعد .....
وحين مات تركني للوحدة مره ثانيه ، عدت مخزن للكوبيات والصواني المبللة وسرعان مااحاطت بي المقاعد المحطمة وانزويت اكثر واكثر ....
لماذا تركتني ورحلت يااستاذ حسين ، واتذكره وقلمه وكتاباته ومشاعره وضحكه ودموعه واطلب له الرحمه والمغفرة علي كل ماكتبه ومادونه وعموما ، الله يرحمك يااستاذ حسين ..

( 23 )
ام ندي

هي ياتري البت بوسي قصدها ايه ، تجلس ام ندي علي الكنبه تشعل سيجاره من اخري والاوراق المطويه امامها ، تحدق فيها ولاتمد يدها عليها ولا تفتحها ، هي البت قصدها ايه من الورق ده ، البت جت وسط الليل سابت الورق وطلعت ، الورق ده يخصك ياخالتي ، كان لازم اقول لها مايخصنيش ، ليكون ملعوب من امها وناويه تكمل حفله الفضايح وتلم الجيران وتقول لهم اهو الورق عندها واللي مكتوب فيه صحيح ، الافكار تأتي وتذهب في رأسها محتاره ، البت هي اللي جابت الورق مش امها العقربة ، لو ملعوب من امها كانت جابته وجت وقفت تطبل قدام الباب زي المره اللي فاتت ، البت واضح قرت كلام كده ولا كده كاتبه المخفي فقالت تجيبه ليا اتصرف انا فيه بمعرفتي ، حاحرقه طبعا ، هو فيه تصريف تاني غير اني احرقه ، احرقه وادعي علي المخفي ربنا يحرقه بنار جهنم ، حاحرقه طبعا ، تصمت طويلا والاوراق ملقاه امامها علي المنضده ، تشعل سيجاره من سيجاره وتتأمل الورق ، طبقا حاحرقه ، لكن الفضول يلتهمها والغيظ يحرقها ، حاقراه الاول وبعدين احرقه ، اشوف المخفي قال ايه وكتب ايه وخلي الوليه تولع نار كده وتيجي تردح لي علي واحده ونصف ....
********************
ص 50
مازلت اقف مكاني خلف باب الشقة مرتبكا ، اتفضل يااستاذ ، همست ام ندي ، ابتسمت مرتبكا ، سألتني قهوتك ايه ، لا مش لدرجه القهوه ياستي ، اؤمريني ، و.......... وهاتك ياكلام ، الحق وشها جميل قوي خلاني ماركزتش في كلامها ، ماليش راجل يااستاذ ، متيهالي قالت كده ، بتحكي عن عم البت وورثها اللي خده ، وعيطت بسرعه لانها وحدانيه ومالهاش حد ولا دراع تسند عليه ولا كتف تركن عليه و..........ماتقوليش كده ياست ام ندي كلنا تحت امرك ، الله الله الله ، ايه النظره دي ، الست عينيها حلوه قوي ونظرتها شقيه ، ايوه طبعا شقيه ، سيبك من الدمعتين اللي نزلوا وشويه المسكنه ، الست عينيها حلوه قوي ولسه موزه وفي عز شبابها و............ مش عايزه اتعبك معايا يااستاذ ، تعبك راحه ، ده اللي قلته ومن غير مااحس ، وقهوتك ايه ، مالوش لزمه التعب ، اخص عليك يااستاذ ، والحق بنها متحوج وغير بن الحكومه اللي باشربه من غير مزاج ولاباستجري اقول ، بن الست ام ندي بن بن ، محوج ومتحمص وريحته حلوه ، الست كمان ريحتها حلوه ، لا ماهو انا نسوانجي قديم وافهم في ريحه النسوان ، المرة النضيفه تلاقيها بتشف وترف والمره اللي ولامؤاخذه تشم ريحه ماتفهمهاش لكن لما تبعد عنها تشم هوا ، الحق الحكومه فله وريحتها فل وياسمين لكن كبرت بقي وبقت ام العيال ، الست ام ندي موزه ، ست في عز شبابها ومايصحش يعني تعيش راهبه كده ، لازم راجل يضلل عليكي ياست ام ندي ، لازم علشان يحميكي من عم البت ويحافظ علي حقوقكم ، يانهار اسود ، هو اللي باسمعه ده صحيح ، الست بتقولي ماانا علشان كده ناديتك ، والجواز ستره ومش حاكلفك لاابيض ولااسود ، بس تاخد بحسي وتونسي وانا تحت رجليك ، يانهار اسود ، النسوان بقي وشها مكشوف ، ، الوليه بتخطبني !!! اتكسفت جدا ، والله ، الحق اتكسفت جدا ، اصل يعني ولامؤاخذه دي حاجه غريبه الوليه ام ندي نادهاني تخطبني ، وده يصح برضه ، ابقي راجل ودكر ازاي ومره ولامؤاخذه بتعيط وتخطبني و......ياسنه سوده لو الحكومه عرفت ، لو عرفت تاكل ام ندي بسنانها ، هو انا عبيط برضه احكي لها عن الكلام الفاضي ده ، الست ام ندي لا ونيس ولا جليس وحالتها صعبه ، علشان كده بتخطرف !!! المصييبه اني ماقلتلهاش لا مش انا ياستي والعنوان غلط وانا بحب مراتي ، ماقلتش كده ، قلت لها زي البنات لما يروح لها عريس يزور بيت ابوها ، قلت حافكر !!! ههههههههههههههه الوليه ردت الدمويه في وشها وابتسمت ، ياسلام قد كده دايبه في ، قد كده مش قادره ، ههههههههههههه الخطير خطير برضه ، والريحه الفايحه واصله لغايه عندها وجرأتها ، ومراتك كبرت وانت شباب ، ياكدابه انا شباب برضه ؟؟؟؟
********************
لطمت ام ندي علي وجهها ، الله يخرب بيتك يابعيد ، ربنا يجحمك مطرح ماانت مرزي ، ايه الفضايح اللي انت كاتبها دي ، وكاتبها ليه يابعيد ، كاتبها ليه ، دنجوان عصرك وزمانك وخلاص حاموت عليك وبتعلم عليا وتدي روحك النشيان ، الله يخرب بيتك يابعيد مطرح ماانت مرزي ، منتقم عادل جبار يارب ...
اتاري البت جابت لي الورق ، البت قالت تداري فضيحه ابوها وتسترني بدل مالورق الزفت ده يقع في ايد حد تبقي الفضيحه بجلاجل وشخاليل ، ربنا يسترك يابوسي دنيا واخرة وتكمل قراءة ودموعها تنهمر غضبا وخجلا ... والقت الاوراق بعيدا وهي تبكي وتبكي ....

 ( 24 )
مصطفي

اخيرا انهي مصطفي قراءة الدفتر كله بل وعاد وقرأ بعض صفحاته وعباراته مره واثنين وعشره ، فرغ من قراءه الدفتر وتخشب مكانه ، ظل صامتا في مكانه عدة ساعات ، ضحك وبكي، استفز وتعاطف ، غضب وفرح ، لكنه لم يصدق ما كتبه ابيه ، وكأنه في لحظه قرر يخلع كل اعباء حياته واثقال كتفيه واحمال روحه ويليقها فوق الورق ، خلع ملابسه وتعري ، جسدا وروحا ، كتب عن نفسه وعن الاخرين وعن الحياه ، كتابه صادمه غريبه موجعه ، لكنها ثمينه قيمه تستحق القراءة ، مااشق ان نتعري ونواجه انفسنا وعيوبنا وخطايانا ، مااشق ان ندون قصصنا الصغيرة بانحرافاتها بجموحها بجنونها ، لكنه فعل كل هذا واكثر ، الغريب انه لم يفضفض وفقط ، لو كان ، لمزق الدفتر او اخفاه فلا يقع تحت ايدينا وتبقي اسراره ملكا له لايشاركه فيها احد ، الغريب انه تعمد يترك الدفتر في طريقنا وظلت روحه تطاردني اياما كثيرة تؤكد علي ضرورة قراءه الدفتر وحواديته باعتبارها الرساله الاخيره لكم ، لم يقل لك يامصطفي ولم يقل لكما ياابنائي ، بل قال لكم ، انتم جميعا الام والابن والابنة ، الرساله للجميع ، مالذي ترغبه مني ياحاج حسين ، مالذي تدفعنا له ، مالذي تحرضنا عليه ، نكتب مثلك ، نواجه انفسنا مثلك ، نتعري مثلك ، مالذي ترغب فيه ياحاج حسين ؟؟
فكر مصطفي كثيرا يخفي الدفتر ولايعطيه لامه ولا اخته ، سيجرحهما الحواديت والكلام والقصص والجموح والبوح المندفع ، سيجرحهما يريا الرجل الذي كان يتصوراه عظيما عاريا من ملابسه ومن وقاره ، سيجرحهما ماسيقرآه عنه ، فكر مصطفي يخفي الدفتر ويتعلل لامه باي سبب ، يعرف انها ستنفجر من الغضب وتتشاجر معه وربما تخاصمه ، لكن كل هذا اهون مما ستراه وتقرأه في دفتر زوجها المرحوم ، فكر يخفي الدفتر عن بسمة ، لماذا يصدمها بحقيقه ابيها وقبح العالم ، لماذا يصدمها باعترافاته وفضفضته ، لماذا يصدمها ببعض حقيقته التي عاش معهم ومات ولم يعرفاها ، فكر طويلا ، وسرعان ما قرر يمنح كل منهما فرصه الاطلاع علي الدفتر ، من حقهما يقرآ ماهو مدون ، ربما من حقهما يضحكا ويبكيا مثله ، ربما حقهما يكتشفا الرجل الذي كان زوج الاولي وابو الثانيه ، ربما حقهما يتعرفا علي نظرته للحياة ، الاكيد الاكيد انه من حقهما يتسلما رسالته الاخيره لهما ، ليس من حقك يامصطفي تلقي الرساله من النافذه تتقاذفها الرياح العاصفه ، ابيك امنك امانه واوصاك وصيه لاتملك منها فرارا ولا انكارا ، اوصاك توصل رسالته الاخيره لاصحابها ، زارك في الحلم ليله وعشره واوصاك بوضوح ، هذه رسالتي الاخيره لكم ، وعليك تنفذ وصيته وتسلمهما الدفتر ليطالعا ماهو مدون فيه ، ربما الصدمه الكبيرة التي ستحدث لكل منهما هي غرض الحاج حسين وهدفه ، لاتسكنوا للحياه ولا تسمحوا لها تخادعكم فصدماتها كثيرة ووجعها اكثر ، ربما يفتح لهما الطريق لرؤيه الدنيا بطريقه مختلفه والتعامل معها بطريقه جديده ، علي اي حال ، مهما كان ماسيحدث لهما لاتملك يامصطفي الا توصل رساله ابيك لهما ......
يدوي في اذنه صوت ابيه ، هذه رسالتي الاخيره لكم ، يهز رأسه مثلما اعتاد يفعل امام ابيه وفي حضرتك ، حاضر يابابا ، يهز رأسه ويبلغه انه سيطيع امره وينفذ وصيته ويسلم كل منهما الدفتر و......... اللي رايده ربنا يكون ....

( 25 )
القلم الحبر

منذ احتجزني في درج الكومودينو قبل رحيله بايام قليله وانا قابع مكاني لم اتحرك ، ظللت في الظلام انتظر يفرج عني ويفتح الدرج ويخرجني ، يهدهدني مثلما اعتاد ، يغسل بدني ويملئني بالحبر الباركر الداكن ، انتظره لكن انتظاري طال وطال ، مات الرجل الذي امتلكني هديه من ابيه ، مات الذي كتب بي كلماته الاخيرة ورسالته الاخيرة للحياه ، مات وتركني اتلظي باهمال وجفاف ونسيان في ظلام الدرج الذي لم يفتح بعد وفاته ....
اتابع من مخبئي مايحدث في البيت بعدما اكتشفت حكومه قلبه الدفتر وحكاياته ..
منذ تلك الليله ، تبدل حاله الاسرة والبيت ، تغيرت حياتهم ، لم تعد كما كانت ، السيده نجاة مازالت تبكي ، لكنها كانت تبكي موته فصارت تبكي حياتها ، كانت تبكيه شوقا وافتقادا فصارت تبكي غاضبه منه ساخطه علي حياتها التي قضتها منه ، اسمعها تنتحب طيله الليل ، اسمعها تردد علي اسماعها بعض عباراته وكلماته التي احفظها جيدا وكيف لا وانا التي كتبتها حرف حرف ، اسمعها تخاطب نفسها وتسألها اين الخطأ الذي ارتكبته في حياتها حتي لايترك زوجها الذي منحتها حياتها خلفه عنها الا تلك الكلمات الموحشه ، كنت الزوجه التي تعلمت اكونها ، تهمس لنفسها ، لم يعلموني شيئا اخر لاكونه لك ومعك ، حتي انت لم تعلمني شيئا ، مادمت غضبت مني كل هذا الغضب الاحمق لماذا لم تنبهني لم تعلمني لم تلفت نظري ، لماذا لم تحاول تغيرني لاكون لك مثلما تتمني ، السيدة نجاة تنتحب وهي نائمه وحين تستيقظ من نومها ، اسمعها تكلم نفسها وهي في الفراش قبلما تقوم وفي الحمام وعلي درجات السلم وحتي يغيب عني صوتها وسط زحمه الشارع وهي ذاهبه لعملها ، تسأل نفسها مرات كثيرة مالذي كنت تنتظره مني ، كنت ربة منزل كما علمتني امي واوصتني امك ، دبرت نقودك القليله واشتريت الستر علي حساب امنياتي واحلامي ، لم اثقل عليك بطلباتي لاني اعلم ان يدك قصيرة وجيبك خاوي ، حاولت بعض الوقت احفزك لتغير حياتي وظيفتك لتسافر للعمل بالخارج لكنك تشاجرت معي ورفضت ، كنت ابحث فيك دون اجرحك عن الشاب الوسيم الذي عرضت علي الخاطبه صورته فاعجبت به وبالحيوية التي تتقافز من عينيه ، كنت ابحث فيك عن ذلك الشاب الذي وأدته الايام ووأده كسلك تحت ركام المسئولية والبيت والوظيفة والغلب والهم ، حاولت لكني فشلت فاستسلمت لفشلي وعشت اربي اولادك واخدمك واقوم بعملي ، دون سعاده ودون استمتاع طبعا ، لكني لم اتذمر ولم اشكو ، هل هذا ماتلومني عليه ، هل هذا ماتدينني عليه ، هل كنت ترغب احطم الحياه فوق رؤوسنا جميعا ، اهدمها فوق رأسك واولادك ، اخبرك اني لست سعيده وغاضبه من كسلك ومن رتابه الحياه ومن اهمالك لي ومن روتينيه مشاعرك ، هل كنت تريدني اهدم الحياه ياحسين ؟؟؟ كل يوم اسمعها تكلم نفسها وتسأل نفسها نفس الاسئلة ولاتجد لها اجابات فتبكي غاضبه تحس انه ظلمها في حياته وظلمها اكثر بعد موته ، في بعض الاوقات تمنيت لو تسللت من الدرج وربت علي كتفها وربما اخذتها في حضني اواسيها في وجعها ، تمنيت كثيرا اخطرها اني كنت اراه وهو يكتب ، والمح قطرات عرقه تتبعثر فوق جبينه انفعالا ، وكنت اري اختلاجات وجهه وهو يخرج من مخابئه السريه قصصه وحواديته وانفعالاته ، كثيرا كدت اسأله ، هل كنت تحب الزتون واللمون الذي تخللهم الست نجاه ، كنت واثق من الاجابه ، كان يحب كل ماتفعليه وماتصنعيه وماتقدميه له ، كنت الومه ، ومادمت تحب ماتقدمه لك لماذا لم تمتن لها ولم تشكرها ولماذا تسخر منها وتلومها ، كان يتجاهلني ويكتب مايكتبه وكأنه يحرضك تكفي عن تخليل اللمون والزيتون ، كأنه يحرضك تفعلي شيئا اخر في حياتك ربما لايسعده ولكنه يسعدك انتي ، نعم ياسيدتي ، هذا هو السر الغريب الذي فطنت اليه وهو يكتب ، انتي قدمتي له ولاولادك حياتك وحاولتي تسعديهم لكنك نسيتي نفسك ، نسيتي سعادتك واحلامك الشخصيه وحياتك ، ربما سخر هو من كل ماقدمتيه ، سخر منه ولامك عليه لانك في الحقيقه لم تنتبهي لحياتك انتي ، هل تتصوري ان كلماته الموجعه كانت رساله حب ياسيدتي ، كان يحبك ويتمني حياتك اسعد بصرف النظر عنه وعن اولاده ، كان يحبك لكنه يرتبك من مشاعره وتعود عليك مثل امه يلومك علي كل مايعيشه ذنبك كان او ليس ذنبك ، تعود يلومك ويلوم امه ويلوم الحياه علي كل مااقترفته يديه ، هذه هي طريقته للتعامل مع الحياه والتي لم يتعلم غيرها سبيلا ، لذا وقتما جلس علي المنضده الخشبيه يكتب عنك وعنه وعن الحياه ، كان مرتبك كعادته ، مرتبك من مشاعره ومن حياته وازداد ارتباكا وقتما اكتشف نفسه واكتشف انه يحبك رغم كل شيء انتقده ، يحبك لكنه حانق عليك ، ربما تمناكي اقوي منه تقوي تغييري حياتك وربما حياته ، بل هو يراكي اقوي منه وكنت تملكي لو اردتي تغيير حياتك تستمعي بها اكثر وتسعدي بها فتسعديه هو الاخر بحياته ، ياسيدتي ، كان يحبك بطريقته الغريبه كحبه لامه ، ويتمناكي تسعديه كما اسعدته امه وحين غرقتي في تفاصيل الحياه ونسيت نفسك والسعاده ، لامك طويلا لانه تمناكي تنتبهي لنفسك وتسعديها فتنشري السعاده في البيت والحياه فينوله من بعضها جانب ، هذا مااتمني اقوله للسيده نجاه الغرقي في حزنها وشفقتها علي نفسها ، اساليني ياسيدتي اقول لكي ، احكي لكي حقيقه مقصده من كل الحواديت الغريبه التي كتبها ، اساليني انا اقسم لك انه احبك بطريقته العاجزه عن التواصل معكي كعجزه عن التواصل مع كل اوجه الحياه ، والقي عليكي لومه لانك استسلمت لعجزه وتعاسته فلم تسعدي نفسك ولم تسعديه ، اساليني اؤكد لكي حقيقه مقصده ، لكنك لم تساليني ولم تدركي وجودي اساسا ولم تفكي اسري ولم تخرجيني من الدرج ، وتبكي وتبكي حزينه علي الذي مضي مرتبكه حائرة في التعامل مع كل ماهو قادم ، كأن كلماته فكت حبلك المربوط بالمرسي فتاهت مركبك في البحر العاتي لاتجدي مجداف ولاشراع ولا بوصله..
لو تسمعيني ياسيدتي ، لو تدركي وجودي ، لو تمنحيني فرصه اشرح لك ماوراء الكتابة والدفتر ... لكنك ياسيدتي لاتعلمي عن وجودي شيئا ولن تتيحي لنفسك فرصه تسمعيني وتعرفي الحقيقة وتكتشفي حقيقه مشاعره وانفعالاته ...
صمت القلم فجأ وانتبه لما يقوله ويحكيه ، ابتسم ، ستصلي ياسيدتي لحقيقه مقصده بعد عذابات طويلة ، ستصلي للحقيقه التي اراد يوصلها لكي وسط كل الوجع العظيم الذي تركه لكي ، كلي ثقه ان رسالته الاخيره ستصلك وتدركيها بعد الم كبير ، اشفق عليكي ياسيدتي مماتعيشيه لكني واثق انك ستدركي وتفهمي رسالته الاخيره لكي ، انها رساله الحب الصادق في حياته....
ويصمت القلم وينام في ظلمة الدرج المغلق وينتظر عتقا لايظنه سيأتي ابدا.....


نهاية الجزء الرابع 

ويتبع بالجزء الخامس  

هناك تعليقان (2):

manoola يقول...

أميره

جميله هي الحاله ...او... دعيني اسميها العلاقه
بين الطاوله... و .. حسين
فكرت كثيرا في هذا الحوار الصامت
في هذه العلاقه المترابطه بين الطاوله وحسين
وجدت ان هناك الكثير من الاشياء التي نرتبط بها فعلا في حياتنا
كأن تشربي في فنجان قهوه معين.... ليس لانه غالي الثمن او لانه جميل الشكل... بل لانه يمثل حاله نفسيه وعاطفيه ذات خصوصيه
كوبايه مضلعه لونها مخضر من قزاز زمان لقيتيها في المطبخ عند والدتك وكنتي بتحبي تشربي فيها....
حاجات كتير قوي قد يراها البعض اشياء باليه
ولكنها تـُشكل عمق وارتباط نفسي عميق

وتكملي الحكايه...بين اوراق متناثره
لطم السيده الارمله الطروب...
وحزن الابنه...
وحيرة الابن....
لكن
بالنسبه لي تبقى تلك العلاقه بين الطاوله هو ما شدني كثيرا في هذا الجزء....
واكمل معك " يوميات ميت"
صادقه...معبره جدا... يا اميره

منال أبوزيد

Unknown يقول...

وكأنه في لحظه قرر يخلع كل اعباء حياته واثقال كتفيه واحمال روحه ويليقها فوق الورق ، خلع ملابسه وتعري ، جسدا وروحا ، كتب عن نفسه وعن الاخرين وعن الحياه ، كتابه صادمه غريبه موجعه ، لكنها ثمينه قيمه تستحق القراءة ، مااشق ان نتعري ونواجه انفسنا وعيوبنا وخطايانا ، مااشق ان ندون قصصنا الصغيرة بانحرافاتها بجموحها بجنونها ، لكنه فعل كل هذا واكثر ، الغريب انه لم يفضفض وفقط ، لو كان ، لمزق الدفتر او اخفاه فلا يقع تحت ايدينا وتبقي اسراره ملكا له لايشاركه فيها احد ، الغريب انه تعمد يترك الدفتر في طريقنا وظلت روحه تطاردني اياما كثيرة تؤكد علي ضرورة قراءه الدفتر وحواديته باعتبارها الرساله الاخيره لكم ،

الرط بين ذه الجمله وبين

صمت القلم فجأ وانتبه لما يقوله ويحكيه ، ابتسم ، ستصلي ياسيدتي لحقيقه مقصده بعد عذابات طويلة ، ستصلي للحقيقه التي اراد يوصلها لكي وسط كل الوجع العظيم الذي تركه لكي ، كلي ثقه ان رسالته الاخيره ستصلك وتدركيها بعد الم كبير ، اشفق عليكي ياسيدتي مماتعيشيه لكني واثق انك ستدركي وتفهمي رسالته الاخيره لكي ، انها رساله الحب الصادق في حياته....

هو الحدوته الغير تقليديه
لكني اثق ان كلنا هذا
رجال ونساء

"ضحيت هنايا فداه""