مدونة "حكي وحواديت" للكاتبة والروائية أميرة بهي الدين



السبت، 13 يوليو 2013

حلم مستحيل .... لن تعيشه ( الجزء الاول ) ....

الجزء الاول



يوسف ....
استفت قلبك فى معشوقتك ..
المعشوقة
تعي ان لقلبك بصيرة لا يحدها شيء
وقلبك لا ينيره الا اسمها

منال فاروق


( 1 )
الحُجة

قرآن ماقبل الفجر يلف المكان بخشوعه وبعض الضياء يحارب الليل ليغمر الدنيا بسناءه وصوت العصافير مازال خافتا تغالب النعاس والنوم وبرد يناير يجمد الاطراف ويلف المشهد بضباب كثيف والانفاس تخرج من الانوف كثيفة ترسم بزفيرها غموضا فوق غموض المشهد الذي نراه ونعيشه مع يوسف الحفيد ، نلمحه يجلس بعيدا خارج الدائرة الواسعة !!
ينصت يوسف وكل الحاضرين باهتمام لصوت الجد الذي يخرج من اعماق روحه صوتا قويا صارما ..يوسف الحفيد يصغي للكلمات بكل اهتمام وانتباه رغم ان الجد لايكلمه هو شخصيا لكن مايقال ومايسمعه يخصه مثلما يخص كل الحضور وكيف لا وهو من آل اليوسف وواحد من حملة المفتاح الذي ستتناقله رقاب كثيرة حتي يصل لرقبته وعد وعهد ودين وندر وشرف وواجب ، كلمات الجد الاكبر تخاطب الاخرين كلهم وتخاطبه وهو صغير لاتظهر قامته وسط القامات العالية التي تتحلق في دائره واسعه حول الجد الاكبر جد الاجداد ...
وسط الفناء الخلفي للحديقة الواسعة نري دائرة كبيرة يجلس علي رأسها يوسف جد الاجداد ، وحوله كل الفروع التي ولدت من صلبه ودماءه تجري في عروقهم ، هم ابناءه وابناءهم واحفاده واحفادهم ، عشرات ربما مئات ربما الاف جميعهم يجلسوا في الدائرة الكبيرة الواسعه ، جميعهم آل اليوسف !!
يحدقوا جميعا في يوسف جد الاجداد وهو يقص عليهم تاريخ العائلة ، يحمل في يده حبل بالي قوي يتدلي منه مفتاح صدأ ، يعرضه عليهم جميعا ، يمنحه لكل منهم ليراه عن قرب ويلمسه ويتحسسه ويحسه ،المفتاح ده حجه البيت ، اللي يتعلق في رقبته هو مالك البيت وهو اللي يشيل حمله ، اللي يتعلق في رقبته يعرف قيمته ويسلمه اللي يعرف يحافظ عليه ويفهم معناه ، اللي يشيل المفتاح والحمل في رقبته جايز صغير جايز كبير ، مش مهم ، المهم انه يكون قد المسئولية !!!
يهزوا رؤوسهم جميعا بالموافقه ، ده عهدي ليكم كلكم تفهموا كلامي وتحفظوه ، اللي متعلق في رقبته المفتاح هو مالك البيت ولاحد يقدر يقاوحه ولا يعارضه ولا ليه عليه كلمه ، لو اتعلق في رقبه صغير يكبر ويشيل المسئوليه ولو اتعلق في رقبه كبير يرجع له شبابه ويستحمل ، الحبل عمره مايتقطع والمفتاح صاحب صاحبه وفي رقبته عمره مايغدر بيه واللي منكم يغدر بيه وبينا ويخلعه من رقبته ويخوننا كلنا ، مالوش في ذمتنا غير اللعنه والعار يطارده في حياته وفي مماته وتفضل اللعنه  عقاب وعار علي راسه وراس سلساله الزفر ، فهموتني !!!
يهزوا رؤوسهم جميعا بالفهم والموافقه !!!
ويقرأوا الفاتحه علي العهد ويأمنوا علي الوعد ويقسموا يحترموه ويصونوه هو والمفتاح والبيت !!!
و......... يستيقظ يوسف الذي كان في الحلم حفيد وصار في الحياة رجل ناضج ، يستيقظ من نومه حائرا متعبا مرهقا لمن سيسلم المفتاح بعدما مر العمر واوشكت ايامه تنتهي ، الامر يطارده والحيرة ايضا ليل نهار ، لمن سيسلم المفتاح والبيت والعبء والمسئولية !!!!

( 2 )
القضية

وقف يوسف الذي كان حفيد صغير امام القاضي ينفي عن نفسه تهمة الاستيلاء علي بيت العائله ويشرح له ، كنا صغيرين ، جدي نداني وسلمني المفتاح وقالي البيت ده ملكك ، لاماكانش فيه شهود غيري انا واولاد وبناتي اعمامي ، كنا ليله رمضان وندانا ، تصورناه حيدينا عيديه رمضان زي ماهو متعود ، اداني المفتاح وقالي البيت ده ملكك ومات !!!
الشيب يزين راس يوسف والمفتاح الصدأ معلق في رقبته والسنوات الاربعين تثقل كاهله باحداثها الموجعة ، انا مامنعتش حد يروح ولايقعد هناك يوم وعشره ، هو ملكي بمعني محدش يقدر يبيعه ولايهده غير كده هو ملكهم كلهم لكن من يوم ماجدي مات محدش راح غيري ، ابويا غضب من جدي وعمي غضب مني ومحدش راح غيري ، ثلاثين سنه  وانا باروح لوحدي ، بارعي الجنينه واصلح البيت واوضب العفش واستني لما يروحوا لكن محدش راح !!
يحدق فيه القاضي يبحث عن الحقيقه في كلام  يوسف الذي يزين الشيب رأسه يمنحه عمرا فوق عمرا وسنوات فوق سنواته التي عاشها ، يبحث عن الحقيقيه في اقواله التي يتلوها امامه في القضيه المرفوعه من عمه عليه لمطالبه القاضي ببيع البيت او هدمه وقسمه ثمنه عليهم جميعا باعتبارهم اصحاب الحقوق الشرعيه في الميراث !!!
يتمني المفتاح الصدأ يقفز من تحت قميص يوسف ورابطة عنقه لمنصه القاضي ، يتمني يقسم له ان يوسف يقول الحقيقه ولاشيء غير الحقيقه ، يتمني يخبره بوصية الجد التي اوصي بها يوسف فتعذب بها يوسف طيله حياته لكنه لم يقوي يتجاهلها ولا يتناساها ووقف شامخا امام كل محاولات العائلة لبيع البيت الذي اوصي الجده بعدم بيعه وان طال الزمن !!! ومازال يوسف يحكي للقاضي والقاضي ينصت وينصت !!!!  

( 3 )
الوعد

هنا ، ناداها جدها ، هنا ، انتظرها حتي اتته ، اقتربت من فراشه ، ابتسم فرحا واخذها في حضنه ، قبلها وداعبها وجحدها بنظرة عميقة طويله لم تفهمها طبعا ، دخل يوسف عليهما الحجرة ، ابتسم الجد ، جاي لقدرك ياعم يوسف ، يبحث عنها يوسف وحينما اعيته الحيل وارهقته اماكن البيت الكبير التي اعتادت تختبيء منه فيها ، ادرك انها مع جدهما في حجرته ، المكان الوحيد الذي لم يبحث فيه ، دخل الحجره وجدها ساكنه في حضن جدها وهو ينظر له نظرة ذات الف معني ، هنا ، رفعت رأسها من حضن الطمأنينة ببراءة وسألته ، ايوه يايوسف ، سحبه الجد لحضنه معها ، اغلق عليهما ذراعيه الكبيرتين ، منحهما " ارواح " وملبس وصرفهما ، انطلقا خارج غرفته ليلعبها مع بقيه الاحفاد ، لكنهما ليسا كبقية الاحفاد ، همس الجد لنفسه ، سألته زوجته ، ايه ياحاج يوسف ، موعدين لبعض ، هز رأسه نفيا ، الكلام ده مش حيجوز في ايامهم ياام ابراهيم ، زمنهم زمن تاني لايجوز فيه وعد ولا ندر ، امال ايه حكايتهم معاك ، موعودين ، همس واغمض عينيه لينهي حديثه ولايسمح لها تستفسر منه اكثر !!!!


( 4 )
الرحيل

لاحظ الاب والعم ورجال العائله واهل البلدة وقت دفن الحاج يوسف ان يوسف الحفيد، اقترب كثيرا من المقبرة ومن فوهتها المفتوحه يراقب جسد الجد وهو ينزلق بداخلها ، لاحظوا ان دموعه تحجرت بمالايتناسب وسنوات عمره ، لاحظوا انه يصغي لصوت وكأنه يخرج من عمق المقبرة ، اوعي للبيت يايوسف واوعي لنفسك ، لاحظوا كل هذا ولم يفهموه حتي عادوا للبيت ، الاب واخوته يبكوا ابيهم الراحل ، لكنهم يفكروا في الثروة التي تركها ، نعم ثروه عاش يحرمهم منها ، هذا البيت المتهالك ثروة ، سيبيعوه بعدما تنتهي طقوس العزاء وواجبه ، سيقفا في السرادق يتقبلا العزاء وحين تمر ايام الحداد الشرعيه ، الثلاث ايام التي قال عنها الشرع والدين ، سيرسلا للحاج ابو سمير ويسلماه اوراق البيت وحجته ويأخدا منه الثمن الباهظ الذي عرضه علي ابيهم ورفض ، اخيرا سيخرجا من حياتهما الضيقة لوجه الدنيا الناصع ويستمتعا بالثروة التي حرما منها ، اخيرا مات الحاج يوسف الذي اوقف المراكب السائرة وحرمهم علي حياة عينيه من ثراءه فانتظرا موته ليستمتعا بما يستحقا هما واولادهما الاستمتاع به ..
عندما عادوا من الجنازة بعدما واروا جسد الجد التراب وقبلما يستقبلوا المعزين في السرادق الكبير الذي نصب في الشارع الكبير امام البيت احتراما للمتوفي كبير العائلة ، سأل الاب عن مفتاح البيت الذي كان معلق في رقبه الجد ، المفتاح راح فين ، مين اللي قلعه للحاج وقت الغسل وراح فين ، وقبلما يحتارا في البحث عن المفتاح ، تسلل يوسف لمجلسهم وشرح لهما يوسف ان الجد خلع المفتاح وعلقه في رقبته هو ، انتفض الاب والعم الاكبر غاضبين  ، جحده الاب بنظره حنق ، طول عمر جدك مستقل بي ، عمره ماعمل لي اعتبار لاعايش ولا ميت ، وادي الامارة ، يخلع مفتاح البيت من رقبته ويعلقه في رقبتك انت ياعيل ياللي مالكش لزمه ، لم يجاوبه يوسف لانه لايعرف الاجابه ، صرخ فيه العم الاكبر ليخلع المفتاح ويسلمه لابيه ، فهو الابن الاكبر للجد وصاحب الحق في حمل مفتاح البيت في رقبته ، رفض يوسف باصرار و ادب وشرح لهم جميعا ان جده اعطاه هو المفتاح ولو اراده لاعطاه لغيره لفعل ، اما وقد منحه المفتاح في رقبته سيظلفي رقبته وامر الله غالب !!
حدق كامل وابراهيم في يوسف لايصدقا مايسمعاه منه ، من اين اتته تلك القوه ليتحداهما ويرفض طاعه امرهما ، من اين اتته القوه ليجحدهما بتلك النظرة ذات المعاني الكثيرة ويهمس ، وامر الله غالب !!!
نظر كامل لاخوته ، وسألهما ، ايه العمل ، صمت ابراهيم وهمس مصطفي ، العمل عمل ربنا ، دي اراده ابوكم الله يرحمه ومافيش قدامنا غير ننفذها له ويعوض علينا ربنا !!!
حدق كامل وابراهيم في شقيقهم الاصغر مصطفي لايعجبهما كلامه ، اسمع يامصطفي خليك انت بعيد واحنا حنتصرف ولما نبيع البيت نصيبك حيوصلك لحد عندك !!! مش مهم ، همس مصطفي ، سمعه كامل ، طبعا مش مهم ماهو انت مش فارق معاك ربنا فاتح عليك ومعاك قرشين ، طبعا مش مهم وانتهي بين مصطفي  وبينهم الحوار عند ذلك الحد وهو يشعر اشفاقا شديدا علي يوسف الذي اختاره جده لتلك المهمه الصعبه !!!!

( 5 )
المفتاح

تحلق حوله كل احفاده  ....
علي فراشه ينام الجد يوسف بجسد واهن يستعد للرحيل ..
في المنزل الريفي القديم الذي تهاوت جدرانه او كادت كمثل جسده ماتهاوي او كاد ..
تحلقوا حوله ... غدا اول ايام رمضان واليوم ليلة الرؤية ، اعلن الجامع الصغير بجوار سور البيت ان الرؤية ثبتت وغدا اول ايام الصيام ، مرحب شهر الصوم مرحب ، صدح الراديو العتيق بعدما لكمته هنا بقبضته ليغني فطاوعها مجبرا و.. سبحه رمضان لولي ومرجان بتلاته وتلاتين حباية ، تبحث هنا عن فانوسها النحاسي القديم وعلبه الشمع الملون ، يصفق الجد تصفيقة واهنة فتهرع اليه ، يناديها ، اندهي يوسف ياهنا وتعالوا كلكم ، تجري ليوسف وقبلما تقص عليه ما اذهبها اليه يفهمها فينادي كل اولاد العائله ليدخلوا للجد في فراشه ، الجد مسجي الجسد فوق فراشه القديم ، يعتدل بجسده قليلا وكأن طفولتهم البريئه منحته بعض القوة ليتحرك بعد ايام طويلة من الثبات والسبات ..
تقترب هنا من طرف فراشه ، يقبض باصابعه المرتعشه الجافه علي اصابعها الصغيرة الناعمة ، يشير ليوسف ليقترب ، البيت ده ملكك انت يايوسف ، فيه يوم ، حيجي ابوك وعمك يقولوا نبيع البيت ، يقولوا محتاجين فلوسه ، يقولوا مزنوقين ، ينظر لهنا ، يقولوا عايزين نشور البنات اللي العرسان بتدق علي بابهم وايدينا قصيرة ، يعود ليوسف ، اوعي يايوسف تسمح لهم ، البيت ده ملكك انت اوعي يايوسف تخليهم يبيعوه ، يخلع الجد من رقبته حبل عتيق في اخره مفتاح صدأ ، يناوله ليوسف ، انت الكبير من بعد الكبير مايرحل ، المفتاح يفضل معاك ، يبحث يوسف بسنواته العشر عن عباره تليق بجده وحبه له يرد بها عليه يتمني بها له طيله العمر والصحه ، لكن العبارات تفر من ذهن يوسف وذاكرته فيصمت وكلام الجد يخترق روحه وجسده وعقله وقلبه ، المفتاح معاك يايوسف لا تديه لابوك ولا لحد من اعمامك  ، انت اللي تفتح وتقفل وانت اللي تقف لهم لما عقلهم يخف وعينيهم تزغلل علي قرشين مالهمش عازه ، انت اللي تقف لهم ، ده بيتي وبيت ابويا واجدادي وانت ومن بعدك اولادك واحفادك ملاك البيت ، قبل ماترحل عن الدنيا تختار ارجلهم وتسلمه المفتاح وتقوله البيت مش للبيع ، لاالبيت ولاعضم التربه للبيع ، ده بقيه النسب والحسب والهيبة والشرف وانت وكل احفادي تحافظوا عليهم ، مفهوم يايوسف !!
يصغي يوسف لجده بكل انتباه وبقيه الاطفال ايضا يسمعوا جدهم لكن احد لايفهم بحق مالذي يريده الجد من يوسف الا يوسف !!!
مازال الراديو يصدح ، رمضانا جانا وفرحنا به ، وعقل هنا يذهب ويأتي حائر يحاول يتذكر مكان الفانوس ورؤوف يتمني يغادر الغرفه ويعود لكتابه الذي اوشك ينتهي منه ، بقيه الاحفاد يتقافزوا في الغرفه وصوت اغاني رمضان تسرق اهتمامهم ، فقط يوسف يصغي لجده باهتمام وانتباه ، يأخد من اصابعه المرتعشه الحبل ويعلقه في رقبته ويقبل رأس جده ويشعر ان سنوات عمره تضاعفت وشعره الاسود ابيض وتجاعيد جده ارتسمت علي وجهه وانه صار رأس العائله وكبيرها وقبلما يتأكد مما يشعر اغمض الجد عينيه للابد و......... لم تفرح العائله بهذا الرمضان الذي شهد رحيل رأسها وكبيرها وبقي فانوس هنا ملقي في مخبأه حيث لم تبحث عنه ولم تجده و.............. بكي المفتاح الصدأ وقتما واري التراب جسد الجد لان رفيقه رحل عن الحياه وتركه معلقا في رقبه يوسف ، تمني لو دفن معه في مقبرته المزدحمه بالرقاب التي تنقل بينها ، تمني لو دفن معهم ، لكن عمره اطول من عمرهم وحياته اكبر من حياتهم والبيت مازال شامخا فوق جدرانه والمفتاح مازال معلق في رقبه يوسف!!!!

( 6 )
آل اليوسف

في المقبرة التي استعدت لاستقبال يوسف الجد فرحة وبهجة وسعاده تتناقض والنحيب الذي يحيطها في قلوب المعزين حول المقبرة وشاهدها العالي  ، ابيه وجده فرحين بلقاءه الذي تمنوه طويلا ، سيقص عليهم كل ماحدث في حياته ولم يعيشاه ، سيخبرهم بمصير المفتاح العتيق الذي ااتمنوه عليه فصانه وااتمن عليه من يقوي علي حمل امانته وقت رحيله ليصونه ، ابتسم الاب والجد وجسد يوسف ينزلق بفرحه لجوف روضة الجنة التي يعيشا فيها تحت الارض ، وفوق رأسهم شاهد مكتوب عليه باحرف عربية واضحه ، مقبرة آل اليوسف ، نعم هذه هي مقبرة آل اليوسف وهذه الارض المحيطه بالمقبرة ارضهم والبيت العتيق الشامخ وسط القريه هو بيتهم ، بناه جدهم الاكبر الذي استقر في تلك الارض منذ سنوات بعيده لايعرف احد تاريخها ، تزينت مقبرة آل اليوسف تنتظر يوسفها الجديد وهو يهجع للراحه بعد طول شقاء وكبد في الحياة الزائلة وحان وقت راحته في هناء الحياة الابدية ، همس الجد الاكبر صاحب الارض والاسم والمقبرة والبيت وهو ينتظر حفيد حفيده ، سيأتي يوسف مرفوع الرأس لانه افلح يختار من صلبه اصلب الاحفاد ليصون الامانه ، وافقه ابو يوسف ، نعم ياجدي ، هو اصلب احفاده وحامل اسمه واسمنا ومن سيمنح البيت بحياته عمرا مديدا في نهايته يسلم الامانه لاصحابها !!!!
تمنت الجدة في العين الملاصقه لدوار الرجال في المقبرة العتيقة لو استقبلت يوسف واحتفت به ، ابنها البكري الذي منحته اسم جده وربته علي القوة والصلابة ، تمنت لو احتفت به لو خلعت اكفانها واخذته في حضنها ، تمنت لو اسرت له بحبها وشوقها ، لكن الوقت لم يحن بعد للقاء الارواح المشتاقه ، مازلنا تحت الارض ننتظر البوق والنداء لننعم بالجنه وخلودها ونعيمها ، تكورت الجدة في كفنها وهي تمتم ليوسف بادعية الرحمه وقت الحساب والثبات وقت السؤال ، ابتسمت ابنتها الصغيرة في كفنها الوردي ، يوسف مؤمن موحد بربه قلبه عامر بالايمان فلاتخافي عليه ، سيجتاز المحنة ويعبر الصعب ويوحد بربه وقت السؤال ويعبر البرزخ بيسر ويلاقي الاجساد المنتظره في عين الرجال بكل فخر وفرحة و..................... مازالت المقبرة ، مقبرة آل اليوسف تنتظر عبور قاطنها الجديد من لحظه حسابه ليسكن في حضنها مع كل الاحباء و............ يدعو له المفتاح الصدأ المعلق في رقبه يوسف امام المقبرة بالثبات وياعبد الله ، ان جاءك الملكين ، قل الله ربي والاسلام ديني ومحمد رسول الله ويبكي المفتاح الصدأ ببعض قطرات مالحه من دمع روحه فيصبغ قميص يوسف ببعض الصدأ الحزين علي رحيل الجد الذي منح يوسف اسمه ومفتاح وعبء حمايه البيت والعيلة والهيبة ... يبكي المفتاح الصدأ وجسد يوسف الجد ينزلق في كوة المقبرة ويلمح الاحضان المهنئه الفرحة التي تنتظره بعدما ثبت وعبر وانضم لهم ينتظر البوق والنداء ولحظة العتق في جنة الخلد ....

( 7 )
صورة تذكارية

ناداهم الجد ، تعالوا ياولاد نتصور ، تقافزوا من السعاده والاثاره ، صرخوا فرحين ، تراصوا علي سور الشرفه البحرية في بيتهم العتيق ، بيت آل اليوسف ، ابتسموا جميعا ، و......... كانت الصورة التذكارية الاخيرة له معهم قبلما يرحل ، الصغيرة ذات الاسنان المعووجه والضفائر الطويلة هنا ، الصغير بالشعر المجعد والابتسامه الطيبة رؤوف ، الصغير الواقف بجوار جده والقابض علي يده الهرمة يوسف ، ياسر ورضوي واشرف وايمن وسماح وسيف جميعهم احفاد الجد الذي منحهم تلك الصورة قبل رحيله ذكري لم تفارق خيالهم ابدا ...

( 8 )
سؤال

الجو حار والرطوبة خانقة ، في غرفتها تجلس هنا ومعها ورضوي شقيقه يوسف وابنة عمها يستعدا لامتحان الثانوية العامة ، يسمعا اذاعه ام كلثوم التي تتأوه وجعا بكلمات تبدو اكبر من عمرهما ، تفقد هنا تركيزها وتتلاعب امامها الكلمات والاحرف وتغيب المعاني ، تسألها رضوي ، انت بتحبيه ياهنا ؟؟ هزت رأسها اعترافا ، رغم كل اللي عمله ، افاقت هنا علي كلماتها ، انت اخته واكتر واحده عارفاه ، وعارفه هو بيعمل كده ليه ، انت مش فاكره جدو لما ادي له المفتاح ، هزت رضوي رأسها نفيا ، لا مش فاكره ، كنت صغيره قوي ، هو قالي اني شفت جدي بيدي له المفتاح لكن انا مش فاكرة ، انا بقي فاكره !! مازالت ام كلثوم تشدو الوجع الحانا ، هو بيحبك ؟؟ ضحكت هنا ، اكيد ، قالك ، لا ومش محتاجاه يقولي ، ماهو كله رايح جاي !! لم تفهم رضوي اجابتها ولم تشرح اكتر ، واخرتها ؟؟ معرفش ، علي الاقل دلوقتي معرفش ، لكن مسيري اعرف !!!
وعادتا للفلسفه والمنطق واسئلة الامتحانات والرطوبه الخانقة ، تراقبهما جدتهما ام ابراهيم في مقبرتها ، هي بتحبه وهو بيحبها وهما الاتنين موعودين !!!!

( 9 )
الشجار

مازالت البلدة كلها تتذكر ذلك اليوم الاغبر الذي طرد فيه الحاج يوسف الكبارة جاره الحاج ابو سمير من المنزل وصوته العالي الهادر الصاخب يدوي في سماء البلدة الصغيرة ، طرده شر طرده ولم يكترث بالعيب اللي حطه الحاج ابو سمير  علي راسه وقتما عايره في البلده بأنه طرده من بيته وهو جاره وحبيبه ومااتعداش عليه ولا عفر دقنه بعيبة تستحق طرده بقله قيمه وفضيحه زي ماحصل ..
انتفضت البلدة الصغيرة بصخب الفضيحه التي لايفهموا مبررها ولا يقبلوها وخصوصا من الحاج يوسف ابن الاكابر الذي يعرف الاصول والواجب وابن العيله الكبيرة اللي عارفه المفروض والواجب ، لامت البلدة الصغيرة الحاج يوسف الذي لم يكن يليق به ابدا ان يطرد الحاج ابو سمير من منزله وهو جاره وقاصد خير ومابين البايع والشاري يفتح الله بالذوق والاصول !!!
الحاج يوسف لم يكترث لا بالبلدة ولا بالاصول ، لم يكترث الا بالبيت الذي اتاه الحاج ابو سمير يساومه علي بيعه ، والبيت هلكان ومامنوش لزمه ، وحنشتريه ونهده ونبني علي ارضه عماره عاليه والقرشين لازمينك في اخرة ايامك ، واللي يفضل لازم ولادك وانت عارف الزمن الصعب ، لم يسمع الحاج يوسف كل ماقاله ابو سمير الرجل العايب الشايب اللي جاي يشتري ويساوم في اللي مش ممكن يتباع ، ده بيت آل اليوسف وحيفضل بيت آل اليوسف عايش او ميت ، واللي يبيع بيته يبيع شرفه والزياره انتهت وماتعتبش عندنا تاني ..
يومها لامه ابناءه الكبار ابراهيم وكامل، لاموه لانه ركب رأسه ومازال يركبها ، ومصمم يحرمهم من خيره علي حياه عينيه ويجبرهم يتمنوا له العقل يعقل او الموت يرحل بعد ماوصل ارزله ، لكنه لم يعقل وهاهو مات واليوم حان تصحيح الخطأ او الجريمه التي ارتكبها ابوهما ، سيرسلا للحاج ابو سمير ويسترضوه ولو لزم الامر يزوروه في بيته ويعتذروا له ووشنا منك في الارض ياحاج بس تقول ايه بقي الشيخوخه وخبلها واحنا مستعدين نبيع وناخد عربون ونقرا الفاتحه ولما المحامي يخلص الورق احنا جاهزين نمضي ، هذا كان مخططهم ، يتصرفوا في ميراثهم بالبيع ، لايعرفا مالذي اضمره ابيهم الحاج يوسف ونفذه ، لايعرفا انه منع بيع البيت حيا وسيمنع بيعه ميتا والبركه في يوسف الذي اختاره لتلك المهمه الشاقه ، يتصدي لاصحاب الحقوق كما يظنوا ويمنعهم التصرف فيما يتصوروه حقهم ، هو حق العائله وواجبها وليس لهم حتي ان رحل الجد ورأس العائله ، ليس لهم ان يهدروا شرف العائله وعرضها ويبيعا البيت الذي توارثته العائله اجيالا خلف اجيال !!!
لكنهما الان عرفا ، عرفا السر الذي خبأه عنهما ابيهما الحاج يوسف وقتما حكم العيل في رقابهم وعلق المفتاح الصدأ في رقبته ليصبح صاحب الكلمه الاخيره والقول الفصل !!!
ادي المفتاح لابوك يايوسف ، صرخ كامل ، لكن يوسف رفض ، سيبه ياكامل ، همس مصطفي ، صرخ فيه كامل ، ماقلنا اطلع منها انت يامصطفي ، انت لا حتحل ولا حتربط وانت عارف ، يصمت مصطفي ، لايعجبه مايقوله اخيه لكنه ليس وقت شجار وكفانا فضائح !!!
ادي المفتاح لابوك يايوسف ، رفض يوسف وصمت ابراهيم ، تشاجر كامل مع اخيه ابراهيم لان ابنه قليل الادب ونهر هنا وزجرها وقتما انحازت ليوسف واقسمت لابيها علي صحه مايحكيه وانها سمعت كل ماقاله جدها وشاهدته يعلق المفتاح في رقبة يوسف وصرخ في مصطفي لان ابنه رؤوق يردد مايقوله المخبول يوسف والصغار خلاص فاعوا وبقي ليهم كلمه واحنا قاعدين طراطير !!! اشار مصطفي لرؤوف ليخرج من الغرفه وبقي الكبار ويوسف عاجزين عن اقناعه يخلع المفتاح ويسلمه لابيه ..
ارغي كامل وازبد وصرخ في ابراهيم يتشاجر معه وكأنه السبب في الكارثة التي يعيشاها وقت علق الجد المفتاح في رقبه يوسف ، صرخ كامل لايكترث بمأتم ابيه ولا سرادق العزاء الذي امتلأ بالمعزين ولملم ملابسه وزوجته واطفاله وكاد يغادر المنزل مغتاظ محروق الدم يفكر مالذي سيفعله ردا وتأديبا لهذا اليوسف الذي تصور ان حمله لاسم جده يمنحه صلاحياته وسلطاته علي رؤوسهم جميعا بما فيها الحق في الاستئثار بمفتاح البيت ، ولما تعرف تأدب ابنك ياابراهيم  وتاخد منه المفتاح كلمني علشان اجي امضي علي المبايعه ونبيع ونخلص !!!! لكن ابراهيم عجز يأدب يوسف الذي تملكته قوه لم يفهم ابدا ابراهيم سرها ، هي قوه الجد وكل العائله ، قوه آل اليوسف الذين قرروا يقفوا جميعا خلف ابنهم يوسف الصغير ليدافع عن بيت العائله ويحميه من البيع والهدم مهما كان الثمن !!!
كاد كامل يغادر البيت والبلدة قبل اخذ عزاء ابيه ، اوقفه مصطفي ، عيب ياكامل مايصحش تسيب عزا ابوك والناس تاكل وشك ، عيب ، ابراهيم ايضا تشاجر معه ، حتركبنا العيبه وتخلي اللي يسوي واللي مايسواي يجيب سيرتنا ، لما اولاد ابو يوسف مايقفوش ياخدوا عزاه ، مين اللي يقف العيال الصغيرين ، ارجع لعقلك ياكامل وكل مشكله وليها الف حل ، نخلص العزا وناخد الواجب ولما الليله تخلص علي اكمل مايكون ونشوف حنعمل ايه ..
افاق كامل من غضبه وادرك مافاته وقت غضبه وتمالك نفسه ووقف بجوار اخوته يستقبلوا المعزين والشيوخ ترتل القرأن يشق سكون القريه الصغيرة التي وقف كل اهلها في طابور المعزين ، اكثر ماحرق دم كامل ، ان يوسف الحفيد وقف مثلهم في السرادق وشد علي ايدي المعزين بقوه مثلهم واكثر وكأنه صار كبيرا مابين يوم وليلة !!!!

 ( 10 )
الخطاب

مازالت في غرفتها تبكي ، سنوات العمر مرت خلف ظهرها ومازالت معذبه بحبه ، وقتما يستبد بها الشوق وياكبدها وجعه ، تخرج الخطاب القديم الذي منحه لها منذ سنوات بعيدة ، تقرأه باهتمام مثلما قرأته في كل مره ، تطيب جروحها بكلماته واحرفه ، تغرق معه في الحب المستحيل الذي اوجعها وعذبها وتمسكت به واستعذبته .....
بحبك وانت عارفه ، وبتحبيني وانا عارف ، لكن عمري ماقدر اوعدك امنحك قلبي ، الحمل تقيل والمسئوليه اكبر وانت تاج راسي وستي وحبيبه قلبي ، ومسئولة مني وانا مسئول عنك وعمري مااتخلي عنك ولاابعد ، جايز مقدرش اقرب لكن عمري مااتخلي عنك ، وقت ماتحتاجيني حتلاقيني قدامك وضهري في ضهرك وروحي تقويك وتسندك ، بحبك وانت عارفه ، يمكن اختي يمكن امي يمكن حبيبتي يمكن كل دول علي بعض ومع بعض ، مقدرش اخرج من حياتك انت واثقه ولاتقدري تبعدي عن حياتي وانا عارف ، حبك وجع ، طبعا وجع ، لكن وجع مامنوش مهرب ولا له نهايه ، كنت اتمني نعيش انا وانتي حياه طبيعيه ونتجوز ونخلف ونجيب صبيان وبنات ، لكن جدك حكم علينا بالصعب وانا قبلت وانت اضطريتي تقبلي ، لو تعبتي من حبي انسيني ، مش حالومك ولا حازعل منك ، لكني عمري مااتعب من حبك ولاانساكي ، ووقت ماتحتاجيني حتلاقيني ، وكله رايح جاي وانت عارفه وانا عارف.................... تنهمر دموعها شلالا وهي تقرأ احرفه وكلماته ، رساله من روحه لروحها ، لااقدر انساك ولااقدر ابعد عنك واللي مكتوب علي الجبين لازم تشوفه العين ، طوت الرساله ودستها في صدرها قرب قلبها وكأنها تستمد منها الحياه والقدره علي التحمل !!! وحشتني قوي يايوسف ، سمعها من مكانه البعيد حيث يجلس في شرفه البيت يراقب العمال الذين يرمموا جدرانه المتهالكه ، يسمعها فيهمس ، انت واحشاني اكتر و..........يتوهج الشوق اكثر واكثر ...

( 11 )
برقية

مات مصطفي ، بمنتهي الهدوء رحل عن الحياة وبسرعة ..
ارسلت نجوي زوجته برقيه لاخوته تخطرهم ان اخيهم الاصغر فارق الحياه فجأ بازمه قلبيه مفاجئه وانها دفنته في الدولة البعيدة التي يعملا فيها وانها ستبقي واولادها هناك و................. انها مش عايزه حاجه في البيت لاهي ولا اولادها كما اوصي زوجها قبل موته ...
بكي كامل وابراهيم شقيقهما الاصغر وغضبا من زوجته التي حرمتهم يحزنا عليه واتصلا بها يتشاجرا معها لانها دفنت اخيهم بعيدا عن مقبرة العائله وطالبوها تعود بالاولاد للوطن ليتربوا وسطهم ، سمعت نجوي كل ماقالوه وتجاهلته تماما وقررت تبتعد باولادها عن الجو العائلي المحموم المنشغل اساسا ببيع البيت الكبير ..
تمني رؤوف لو عاش ابيه ليكمل له قصه البيت الكبير ووصيه الجدود ، لكن مصطفي خذله ومات قبلما يكمل الحكايه والتاريخ !!!

نهاية الجزء الاول ويتبعه الجزء الثاني والثالث


حلم مستحيل ..... لن تعيشه !!! ( الجزء الثاني ) ...

الجزء الثاني




يوسف ....
استفت قلبك فى معشوقتك ..
المعشوقة
تعي ان لقلبك بصيرة لا يحدها شيء
وقلبك لا ينيره الا اسمها

منال فاروق



( 12 )
فانوس

تبحث عن فانوسها لاتجده ، تجلس في الشرفه تبكي ، يقترب منها يوسف بحنان ، يمد لها يده بفانوس جديد ، فانوس نحاسي يسطع بالدفء والعراقة ، كل سنه وانت طيبه ياهنا ، وانت طيب يايوسف ، روحه تنير الفانوس بلا شمعه ، خليه معاكي في الضلمه يونسك ، تبتسم ، ولو ان ابتسامتك تنور الدنيا بحالها ، تبتسم اكثر ، كل سنه وانت طيبه ياهنا ، وكأنها سمعته يقول لها ياحبيبتي ، ابتسمت وبكت في آن واحد ، وانت طيب ياحبيبي واستيقظت من نومها وقرآن الفجر يحتويها في فراشها بورعه وخشوعه وتقواه ، الحلم الذي لايغادرها ، والفانوس الذي يمنحه لها يوسف والحب الذي تراه في عينيه ولايصارحها به ، همست كل سنه وانت طيب يايوسف ، اليوم ليله رمضان ، كمثل تلك الليله البعيده التي بحثت فيها عن فانوسها ولم تجده ، كمثل تلك الليله البعيده التي ناداهم فيها الجد ومنح يوسف المفتاح علقه في رقبته ، يومها فرحت بيوسف وبكت لرحيل الجد ولم تفهم ابدا ان ذلك المفتاح سيباعد بينها وبين يوسف مثلما باعد بينهما طيله الحياة ، لو تعرف لترجت جدها يمنحه لغيره ، يمنحه لرؤوف مثلا ، لكنها لو فعلت مااستجاب لها الجد ، فالمفتاح قدر صاحبه ويوسف هو من وقع عليه المقدر والمكتوب !!! ومازال صوت القرأن يخترق جدران غرفتها في المدينه البعيدة عن يوسف وعن البلدة الصغيرة وعن الوطن ، قرأن الفجر يأتي من قلبها وروحها في الغربة المقيته التي سافرت اليها فرارا من يوسف وجفاه بحثا عن الدرجه العلميه التي شغلت ايام حياتها بالحصول عليها ، بعيدا خلف جبال الثلج تنام والليله ليله رمضان وغدا صيام وغرفتها بلا فانوس وبلا يوسف ، لكنه يأتيها في الحلم ولايبارحها ، كانه يوصل حبه لقلبها ويقويها تنتظر انزياح الغمة وهمها وانت ليا وانا ليكي و......... كل سنه وانت طيبه ياهنا ياحبيبتي ، سمعتها الان بلا مواراه ، انا حبيبة قلبه وهو حبيبي والبعد قدرنا حتي تنزاح الغمه ، يارب زيح الغمه وهون علينا ، وتنام تبكي والبكاء في الحلم فرج وفي الحياه فك قهرة و......... قرأن الفجر يعلو صوته ويعلو يغطي علي نحيبها وحيده في بلاد الغربه وحبيبها اسير مسئوليته وقدره وعهده ووعده ووصية الجد !!!

( 13 )
ليلة الرحيل

غادر العم كامل واسرته البيت وسط الليل غاضبا من ابيه المستبد واخيه ابراهيم الضعيف ومصطفي الصامت  ويوسف افندي اللي عمل نفسه كبير وبيتحكم ويتشرط !!!
كدس اولاده في السيارة بسرعه وخرج من البيت في منتصف الليل وجنونه يشعل راسه ويكاد يشعل البلدة كلها حريقا وفضيحه وشجار مروع بين اولاد الحاج يوسف والعيل الصغير يوسف !!!
غادرت هنا البلدة وهي تبكي ، تتمني البقاء مع اولاد عمومتها ليلعبوا ببراءه وفرحه ، تتمني البقاء مع يوسف ليقص عليها حواديته ويرعاها مثلما اعتاد يفعل ، لكن ابيها جذب يدها من قبضه يوسف وحذرها بصرامه لاتستوعب معناها سنوات عمرها الستة انه عليها تنسي يوسف تماما وتنسي هذا البيت وساعة الحساب جايه اكيد ، تبكي هنا طيله الطريق لانها لاتقوي تنسي يوسف ولا البيت ولان جدها منح يوسف المفتاح الصدأ لكن ابيها لايصدقها ولن يصدقها وسيباعد بينها وبين يوسف كلما امكنه وقدر مايقوي!!! هل كانت تقرأ الغيب وقت بكاءها وتعرف ان ابيها سيبذل كل مايقوي عليه لافساد حياتها ، لاتعرف الغيب ولا نحن ايضا !!!
لحظة الرحيل ، تبكي هنا ويبكي كل الاطفال ويبكي يوسف ويبكي المفتاح الصدأ الشاهد علي وصيه الجد وعلي كل شيء فيه هذا البيت !!!
يحاول مصطفي يثني كامل عن عناده وجنونه لكنه يفشل ، يحاول ابراهيم يهدء من روع كامل وان كل شيء له حل لكنه يفشل ايضا ، يصرخ فيهما كامل ، اللي حصل ده عيب ومايصحش وتكبير للعيل الصغير علي حسابنا وكسر رقابينا قدامه ، ولا حاقبل ولا حاسكت !!!
يحاول مصطفي يذكره بحوارات ابيه عن البيت والمفتاح والاصول والتقاليد ، لكن كامل ينهره ولايستمع له ، ماقلنا خليك انت في حالك ، اصلك مش محتاج ولافارق معاك ولاعايش معانا اساسا ، ده كلام فاضي مايلزمنيش !! يصمت مصطفي ويصمت ابراهيم وينسي الجميع رحيل الجد وموته ويغرقوا في حوارات صاخبه حول مفتاح البيت الصدأ وخطأ الجد الكبير الذي اعطاه لاصغر عيل في العيله وكأن العيله مافيهاش رجاله !!!! انا عمري مااحط رجلي في البيت ده طول مالحال مايل كده !!! كلمة قالها كامل وهو في منتهي الغضب ولم يحيد طيله حياته عنها ، وخلي سي يوسف ينفعكم لما رجاله باشناب كده يتحكم في رقابيكم حته عيل لاراح ولا جه ، عمري مااحط رجلي في البيت ده تاني ، كلمه قالها كامل يوم موت ابيه بقيت معلقه في رقبته و حسمت ضده القضيه التي رفعها علي يوسف  قال العم امام القاضي انه لم يدخل البيت منذ وفاه ابيه من ثلاثين عاما ولن يدخله حتي يعود له حقه ، استمع القاضي له جيدا ، استمع لقوله ان يوسف استأُثر بالبيت دون بقيه الاسره ، وخسر كامل القضيه بقوله وحكم القاضي ضده ، وقال ان يوسف هو الحائز للبيت ولايجوز للعم واولاده منازعته في الحيازة ولو ارادوا لرفعوا قضيه جديده بشأن ملكيتهم للبيت والقاضي ليس مختص بذلك الامر ، ازداد غضب العم كامل ورفض يرفع قضايا جديده ومحامين جدد وهم ووجع قلب و............ كسب يوسف الجولة الاولي دفاعا عن البيت الذي حمله جده عبء الدفاع عنه امام اطماع العائلة واحلامها في الثراء السهل !!
ومازالت هنا تبكي ويوسف ايضا والمفتاح الصدأ !!!

( 14 )
جرح

يدخل ابراهيم علي يوسف حجرته وهو منشغل بالمذاكره ، يجلس بجواره علي المكتب ، يناشده ، اخلع المفتاح يايوسف وهاته ، حابيع البيت واشتري لك شقه كبيرة واجوز اختك واسيبك لكم قرشين للزمن الاسود ، حأدي اولاد عمك مصطفي اليتامي حقهم ونصالح عمك كامل ونحل المصيبه اللي احنا فيها دي بقالنا سنين ، همس ابراهيم ليوسف وهو حانق عليه وعلي ابيه الذي اختصه بالمفتاح ، اعطي المفتاح لابنه كي يذله ويقهره ، من صار الاب ومن صار الابن ، كده برضه ياحاج يوسف ماكنش العشم تقوي ابني علي وتساعده علي عصياني وكسر اوامري ..
يشرح ابراهيم لابنه ياابني الحاج ابو سمير خلقه ضاق وانتظاره طال وفلوسه جاهزه ، والعيله مش بالبيوت واحنا كنا وحنفضل عيله كبيرة ، اقولك ، هات المفتاح ، نبيع البيت ونشتري بيت تاني كبير نسميه برضه بيت ال اليوسف ، حارفع اسم العيله عليه ، حارفع اسم العيله علي بيت كبير جديد يشرف مش زي البيت اللي الزمن كله وحيطانه مالت وسقف قرب يقع ، سنتين تلاته ومش حنلاقيه ، حاشتري بيت جديد يايوسف ، هات المفتاح وبطل عند وتكبر ...
يرفع يوسف رأسه من وسط كتبه ، وينظر لابيه نظره يعرفها الاب جيدا ، هي ليست نظره يوسف ، هي نظره ابيه الجد الاكبر ، منح يوسف المفتاح ونظرة الغضب ، ترتعد اوصاله طيله حياته وقت يلمح تلك النظره في عين ابيه وهاهو الاب يورثها لابنه مع المفتاح ، ماتبصليش كده يايوسف عيب انا ابوك واحترامي واجب ، مازالت نظره الغضب تطل من مقلتي يوسف ، لايقصد يغضبه ولا يجن جنونه ولا يفقده صوابه ، لكنها روح الجد التي تلبسته حمايه للبيت والمفتاح ، لايملك فيها شيئا ، انها رساله أل اليوسف من مقبرتهم ، رساله للابناء حافظوا علي البيت الذي حمل اسمنا وفخرنا ، حافظوا علي البيت ولاتفرطوا فيه ولاتنكسوا راياتنا ولا ترفعوا اسمنا من عليه ، انت عارف يابابا حضرتك اني مقدرش اديك المفتاح ، ده مش بتاعي ولا بتاعك ده بتاع العيله اللي البيت بيتها والعيله مش عايزه تبيعه ، يرغي ابراهيم ويزبد ، من انت لتعلمني مالذي ترغب فيه العائله ، سنوات سبع مرت علي موت الجد وابراهيم يحايل ابنه ، يغويه ليمنحه المفتاح ، حاعلمك بره ، حاشتري لك عربيه ، حازود مصروفك ، هات المفتاح ، لكن يوسف محصن بدعوات ال يوسف وادعيتهم ، محصن بارادتهم الحديديه التي سيجت البيت بحمايتهم فلن يقوي يوسف الحفيد ولاغيره علي بيع البيت !!!
انت مين علشان تتحكم في اللي مالكش فيه ، انا اللي شايل المفتاح بتاع صاحب البيت والملك ، اللي اوصاني ماابيعش البيت مهما حصل ، خليه يقولي ابيع البيت وانا ابيعه ، اقوله ازاي ماانت عارف انه مات ، خلاص اوصاني ومات اكسر وصيته ازاي ، يقذف ابراهيم ابنه بكوب زجاجي تطيش عن عينه مسافه صغيره ويخرج من حجرته غاضب مجنون ، العيله دي فيها فرع مجانين وابني ورث جنانهم بيكلم الاموات ويتكلم باسمهم ، الدم يتدفق من جبين يوسف نافوره قانيه ، كأن كل الغضب والقهره يخرجا من وريده ونثيرات الزجاج فوق جبهته وجع مؤلم ، تدخل الام بسرعه لغرفه يوسف ، تكتم جرحه بالبن وتصرخ في زوجها يلعن ابو البيت اللي حيخليك تقتل ابنك ، تبكي وتاخد يوسف في حضنها وهي مشفقه عليه من حمله الثقيل !!! ماتديه المفتاح ياابني ، مقدرش ياماما وانت عارفه هو عارف ، يهمس المفتاح تحت ملابسه مايقدرش ياحاجه ، تهز رأسها كانها تسمع صوت المفتاح ، عارفه والله بس الراجل حيموت ابنه ، يهمس يوسف بصوت جده ، ماتخافيش عليه ، لاحيموته ولا حيقدر عليه ، هوني علي قلبك ، تهمس في اذن يوسف والدماء تلون صدر فستانها من جرحه ، ربنا يهون عليك حمولك يايوسف ويقدرك علي اللي مقدر ليك !!!
ومازال ابراهيم يصرخ يحلم بالثراء ومازال يوسف يحاربه ويحارب العائله كلها وينقذهم دون يدروا ويحافظ لهم علي شرفهم وبيت عائلتهم ، بيت آل اليوسف !!!

( 15 )
هنا

ينتظرها في صاله المنزل قلقا متوترا ، عادت من عملها بالجامعه متعبه بعد يوم طويل القت فيه ثلاث محاضرات  ، القت حقيبتها علي منضده السفرة ،خير يابابا فيه حاجه ، احسته مرتبك ينتظرها ، همس مكسورا ، يابنتي انتي يوسف بيحبك وبيثق فيكي ، امك عيانه ومصاريفها كتير ، البيت زي المقبرة مالوش عازه ولا حد بيستفيد منه ، كلمي انت يوسف يلين راسه ، الراجل المشتري جاهز بفلوسه والبيت طلع علي الطريق ودخل كردون المدينه وسعره ارتفع ، كلميه انت ياهنا!!!
تركته في الصالة ودخلت غرفتها ، متعبه مرهقه ، جلست علي مكتبها تقلب في الاوراق وكأنها مشغوله ، اقترب منها كامل حزين مقهور ، همس كلمي يوسف ياهنا ومش حيرد لك كلمه ، انتفض قلبها غاضبا من يوسف ومن ابيها ، الان بيحبك وبيثق فيكي ، الان بعد مامر كل العمر خلفها ومازالت تنتظره ، واثقه انه يحبها لكنه لايعترف ولن ، الان يوسف بيثق فيكي وبيحبك ، اكلمه اقوله بيع البيت ، بتصدرني في خناقه يابابا وانت عارف موقف يوسف ، بتبتزني بامي ومرضها ، هو انت عايز تبيع البيت علشان تعالج ماما يابابا ، حوار طويل احتبسته هنا في قلبها وهزت رأسها المدفونه وسط الكتب والاوراق ، حاضر يابابا حابقي اكلمه ، يقترب منها باستضعاف مقيت ، نصيبنا في البيت يعالج امك ويسيب لك قرشين ينفعوكي وانت لوحدك لاعيل ولاتيل ، هاهو يبدأ ، يذكرها بحياته ، برفضها لكل العرسان الذين لاتحبهم ولن ، وكيف تحب احدا غير يوسف ، تحبه وتعرف انها لن تتزوجه ولن يتزوجها وكيف يفعل ويكسر جدران القطيعه التي بناها ابيها سنوات خلف سنوات يتشاجر معه ويقاضيه ويشهر به ، دخلت لابيها يوما وطالبته يكف عن مشاجره يوسف ، هو ينفذ وصيه جدي وانا شاهده عليها ، كفايه خناق ومشاكل ، لكن الاب لايسمع نصيحتها ولا رجاها ، نهرها وصمم يكمل طريق الحرب ، تعرف ان يوسف لن يتهزم ولن يصمت ، تعرف ان يوسف سينتصر وابيها وكل من يفكر يقترب من البيت سيهزم ، تعرف كل هذا لكنها تعرف ايضا انها الضحيه الاولي تلك الحرب ، مازالت تذكر قبضه يديه وهو يحوطها برعايته وحبه ، تعرف انه يحبها مثلما تحبه ، كانت تعرف واكد لها حبه في خطابه القديم الذي مازالت تحتفظ به ، تعرف كل هذا لكنها تعرف ايضا انه ابدا لن يضعف نفسه بحبها ولن يقترب منها ، تعرف ان سنوات عمرها تجري وسط الحروب الضروس الفاشله التي يخوضها ابيها لبيع البيت ، قتلها باصراره يبيع البيت وقت اخذته العزه بالاثم ورفض وصيه الجد وتكبر عليها وايه الواد يوسف ده اللي يتحكم فينا ، انتظر موت اخيه ابراهيم ليقاضيه ويشهر بيه وسط بطون العائله وفروعها ، انتظر موت اخيه حتي ينفرد بابنه ويهزمه ويكسره علي ركبته مثل عود القصب الشايخ ، لكن يوسف سنديانه قويه ، لايهزمها تشهير ولا شجار ولا تكسرها ركبه ولا ضربه مطرقه ، هي التي دفعت ثمن تلك الحرب !!!
كلميه ياهنا ، انت عارفه انه بيحبك وبيحترمك !!!
تكاد تنفجر في الضحك والبكاء معا ، دلوقتي بس عرفت يابابا انه بيحبني ، طب ماانا قلت لك انه بيحبني واني بحبه وقلت لك كفايه حرب علشان نعرف نعيش ، وقلت لك سيب البيت في حاله لانه مش حيتباع ولان وصيه جدي ليوسف بقت طوق في رقبته حيموت ولا يكسرها ، قلت لك كل ده واكتر ، وانت عملت ودن من طين ودن من عجين ، تتذكر هنا يوم رجت ابيها الا يرفع قضايا علي يوسف واخوته ، يابابا انسي البيت وبلاش ترفع قضايا ، يابابا انت بتقف في طريقي وطريق سعادتي ، يابابا انت عارف اني بحب يوسف وهو بيحبني لكن عمره ماحيقرب مني وانت مولع الدنيا نار بينا وبينه ، يومها لطمها ابيها بكفه السميك علي وجهها اوقع ضرسها الضعيف ، لطمها وصرخ فيها ، لو اخر راجل عمرك ماحتتجوزيه ، حاكسب القضيه وحبيع البيت وبرضه عمرك ماتتجوزيه ، هي الدنيا فضيت مافضلش غير يوسف عدوي !!!
يومها اوجعتها الكلمه اكثر من القلم الساخن الذي لوح رقبتها ، يوسف عدوك ياابي ، يوسف حبيبي وحبيبي لايمكن يكون عدوك ، يوسف الذي اختاره جدي ليحمل الامانه والعبء عدوك ، هو الذي يحافظ علي شرف العائله وكبرياءها لصالحك وصالح ابناءك واحفادك عدوك ، اوجعتها الكلمه والمعني وصمتت وتركت ابيها ليوسف ليمزقه بمنتهي الشراسه وكيف لايفعل والمفتاح في رقبته عهد ووعد وشرف وواجب ووصيه الجد لايملك يخالفها والا طارده العار في سلساله الزفر طيله الحياة !!! وبقيت هنا معذبه بحب يوسف العازف عن حبها لانه لن يمنحها قلبه لتقتله وتضيع العائله وشرفها ، بعدك ثمنا لشرف آل اليوسف ياحبيبتي وكأن قدري عذابك وقدرك فراقي والثمن غالي والمسئولية اغلي !!!
كلميه ياهنا يابنتي لعل وعسي يرجع عن اللي في راسه ويفك ضيقتنا ، بيأس واسي وحسرة توافقه ، حاضر يابابا !!
سنوات خمس قضتها بعدما عادت من البعثه غارقه في عملها وابحاثها وتفاصيلها الصغيرة ، نست يوسف او هكذا قررت ، تقترب من الاربعين ومازالت عانس تنتظر قدرا يفك الطلاسم ويحررها من قدرها المضني ويقترب بها من حضن يوسف الذي اوصده ابيها في وجهه ، نسيت يوسف او هكذا قررت واليوم ، اليوم بعد كل مامررنا فيه ، تأتيني وتقولي كلمي يوسف ، يوسف بيحبك ، حاضر يابابا ، ستكلمه لكنها تعرف نتيجه الحديث مسبقا ، قدره لايملك منه فكاكا ولاهي ايضا ، حاضر يابابا ، حاضر !!!

( 16 )
البكاء

الليل يوشك يصبغ الافق بظلمته ووحشته ، يقترب يوسف بسيارته الفارهه من سور البيت ، البيت خاوي الا من اشباح الوحدة وذكريات الزمن البعيد الذي كان ورحل وبقيت فقط حواديته تؤنس الجدران المتهالكه وتقويها لتبقي وتصمد ، يقترب يوسف من البيت وعواصف الاتربة تتبعثر تحت عجلات سيارته تذكره بطفولته البعيدة ، وقتما كان يلهو مع ابناء عمومته علي الممرات الترابيه فتثير اقدامهم المرحه عواصف ترابيه تردم عيونهم وشفاهم بطعم الارض التي اشتراها الاجداد وحافظ عليها الاباء فبقيت للاحفاد ثروة وعز وهيبة ، المفتاح الصدأ يتأرجح شوقا تحت قميص يوسف ويكاد يقفز من خلف رابطه عنقه للفتحة الصغيرة في الباب العتيق ، يكاد يقفز وبسرعه من رقبة يوسف للباب يفتح قفله القديم ومزلاجه الثقيل ويدفع الباب ليفتح ، لكن المفتاح لايجروء يقفز من رقبه يوسف ويغادره ادبا واحتراما ، يهمس له ، يالا يايوسف ، يبتسم يوسف وهو يغلق باب سيارته ، هانت !!!
يترحم يوسف علي جده وكل العائلة التي رحلت ويدفع المفتاح الصدأ في الكالون وتك .. تك .. تك .. ويدفع الباب الكبير ويدخل لصاله المنزل التي يكاد المفتاح يقسم انها اضاءت فرحه بلقاء يوسف قبلما يمد يوسف اصابعه علي مفتاح الكهرباء ، يكاد المفتاح الصدأ يقسم ان البيت فرح بلقاء يوسف مثلما فرح يوسف بلقاءه وان ذكريات البيت العالقه علي جدرانه وفوق اثاثه وضحكات العائله وايام فرحهم اضاءت الظلمه وبددت الوحشه ، يكاد المفتاح الصدأ يقسم بما رآه لكن احد لن يصدقه ، فمن يصدق المفتاح ويصدق ان له عينين يرا وقلب ينبض وروح حية لاتموت ولن تموت الا ان خذله هذا اليوسف او اي يوسف وفرط في البيت والشرف والعائلة !!!
يسير يوسف بخطوات بطيئه صوب قلب البيت ، صالته الواسعه ، تلاحقه ذكريات طفولته وكأنه فيلم سينمائي يعاد عرضه ، يسمع سعال جده وصرخات جدته ويسمع صوت شرار المنقد المتقافز وسط القوالح المشتعله يدفيء الصاله الواسعة في لسع البرد وصوت صراصير الغيط وتراتيل القرأن قبل الفجر وصوت العجين الذي تضربه جدته بذراعيها في الماعون الكبير ، وكأن الفيلم تدور احداثه امام ناظريه ، يلمح المفتاح معلق في رقبه جده قبلما يصدأ والجد جالس في الشرفه البحريه ، يحتضن جده ويسأله مفتاح ايه دي ياجدي ، يهمس الجد بصوت يسمعه يوسف ، مفتاح البيت ده يايوسف ، هل فهم الان يوسف نظرة الجد الغريبه التي جحده بها وقتها ، كان صغيرا ، طردته امه من الحجره لتنضفها ، هرع للشرفه يبحث عما يبدد وحدته ، لمح جده جالسا علي مقعده الكبير يراقب الفلاحين في الحقول البعيده ، اقترب منه ، جذبه لجد لحضنه ، كان المفتاح يخدش خده الناعم ، سأل الجد عن المفتاح فاجابه اجابه بسيطه سهله يقوي مخه الصغير علي فهمها وجحده بنظره لم يفهمها يوسف وقتها ، اليوم فهم تلك النظره كأن يقول له هذا المفتاح لك ، هذا الحمل والشرف واجبك وحقك فانت الاصلح من ابناء جيلك لتحمل العبء الثقيل الذي اخترتك له ، فهم الان يوسف نظره الجد ، بعد كل ماخاضه من معارك وحروب مع ابيه وعمه وابناء العمومه دفاعا عن البيت الذي قرروا جميعهم في لحظه انه لايساوي شيء وان بيعه ابرك من تركه كشاهد القبر لافائده منه وان الناموس يطفش الزائرين والتعابين تسكن الشقوق واصحابه ماتوا والحي ابقي من الميت واللي يحتاجه البيت يحرم علي الجامع ، تواطئوا عليه جميعهم ليبيعوا البيت ويشتروا بثمنه مايسعد قلوبهم المشتاقه للثراء البعيد ، تواطئوا عليه جميعهم ليبيعوا البيت ويشتروا اكواخا علي البحر وفساتين للبنات وسيارات للابناء ، تواطئوا عليه وتشاجروا معه ، ابيه لعنه لانه عنيد مثل جده يتشبث بمالاقيمه له ، لانه اخرق مثل جده الذي عاش في ضنك وتحت يديه ثروه رفض يمتعهم باموالها ، تشاجر معه عمه لانه يتحكم فيهم بلا صفه ولاسند ، لان البيت ملكهم هم وليس ملكه ، وانهم احرار في قرارهم وانهم انتهوا لبيع البيت ولاسبيل امامه لمنعهم ، يومها بكي بحرقه ، وتذكره رعشه يد جده وهو يخلع المفتاح الصدأ من رقبته ويعلقه في رقبته هو ، تذكر كلماته وهو يوصيه ويحذره الا يسمح لهم ، وصيه جده واجبه النفاذ لكن الاب والاعمام لايعترفوا بالوصيه والقانون ايضا ، كان صبيا صغيرا منحه الجد المفتاح ولم يشهد علي وصيته مايضمن تنفيذها جبرا علي اصحاب الحقوق الشرعيه ، بكي يوسف بحرقه لكنه لم ييأس وقرر يحاربهم جميعا ، وليقضي الله امرا كان مفعولا ...
مازال يوسف في صاله المنزل ، تحرك صوب حجرة نوم جده ، جلس علي فراشه العتيق ، احس روح الجد تلبسته وتسللت لمسامه وروحه ، احس الجد يحتضنه ويواسيه علي المحنة التي اختاره ليتحملها ، احس الجد يهنئه لانه انتصر علي الفروع المائله من الشجره العملاقه وافلح رغم كل الصعوبات يوقف بيع البيت وهدمه ، سمع الجد في مرقده في مقبرة آل اليوسف يهمس في اذنه براوه يايوسف وانفجرت دموع القهر من عينيه ، تلك الدموع التي طالما خبأها ووارها وانكرها وانكر ضعفه ، انفجر باكيا وكأن صغيرا يوم تصور ان شبحا يطارده في الحديقه ، يومها هرع لحضن جده مرتاعا ، يومها نهره الجد لان آل اليوسف لايخافون من اشباح ولان الاشباح تطارد الضعفاء ولست ضعيف ، ونصحه ، وقت تطاردك الاشباح طاردها ولا تفر منها ستخافك ، هي تخيف الضعفاء الجبناء وانت لست ضعيف ولاجبان ، يومها صدق يوسف جده واطمئن ، بكي في حضنه واطمئن ، اليوم فوق فراش جده يبكي وكأن جده يحضتنه ليطمئنه ، المعارك كتيره والحيل لسه شديد يايوسف ، لاتخاف ولاتضعف ولو الاشباح طاردتك ماتجريش منها اجري عليها وطفشها ، انت الاقوي وهي تخاف من الاقويا ................ ومازال يوسف يبكي وسنوات عمره الخمسين خلف ظهره ينوء بحملها واحداثها لايعرف مالذي تخبئه له بقيه السنوات حتي يرتاح ويعيش مع بقيه آل اليوسف منتظرا جنة الخلد التي وعد بها الكريم عباده الصالحين !!!

( 17 )
مكالمة

رفعت سماعه التليفون بعدما رن جرسه طويلا وتجاهلته امها منشغله في المطبخ وتجاهله ابيها غارقا في صلاته ، رفعت سماعه التليفون فسمعت صوته ، كل سنه وانت طيبه ياهنا ، ارتبكت وكادت تصرخ من الفرحه ، وانت طيب يايوسف ، قلت ماينفعش الليله تعدي من غير مااعيد عليكي ، تتساقط دموعها تخبره انه يوحشها وتفتقده ، يزفر انفاسا دافئه تتسلل عبر اسلاك التليفون وتخبرها انه يحبها ومعذب بحبها ، تيجي اعزمك علي السحور بكره ، يسألها وجلا ، يخاف رفضها ، تبعد عنه بالقصد والعمد ، ابيها يكرهه وهو يعرف ولن يوافق ابدا تتزوجه وهي تعرفه وهي لاتقوي تخالف ابيها وهو يعرف ومابينهما شائك ومعقد ، موافقه ، يهمس بصوت فرح علشان كمان اديكي الفانوس بتاعك ، تتسع ابتسامتها اكثر واكثر ، كل سنه وانت طيب يايوسف وانت طيبه ياهنا ، الساعه 9 حامر عليكي تحت البيت اخدك ، ترتعش ، سيعرف ابيها ، تصمت ، خايفه من عمي ، يقوي قلبها ، ماتخافيش ، ماهو اصلي عمري ماحاخرج معاكي من وراه ، انا مش صغير ولا اقبل اتصرف زي الصغيرين ، اتفقنا ، 9 بالضبط حاكون تحت البيت ، تغلق الخط وتحلم بالغد والتاسعه مساءا حين يمر عليها ، لم تقابله منذ سنتين ، اتصل بها وقت حصلت علي الثانويه العامه وهنئها بمجموعها الكبير وطلب منها تقابله عند مكتب التنسيق ليسلمها هديه نجاحها ، مازالت تحتفظ بالقلم الذي احضره لها ، مازالت تتذكر كلماته وفرحته بها ، ومر عامين ، تشاجر ابيها معها لانها تفكر في يوسف الواد المجنون واوضح لها ضروره ان تبتعد عنه لان لو وقف علي راسه ورجله عمري ماحاجوزك له ، ده مجنون وبيتحدانا انا وابوه والعيله كلها ، اوعديني عمرك ماتشوفيه ، لم تعده طبعا لكنها صمتت احتراما له ، عامين لن تري يوسف والايام ثقيله وزرقاء وسخيفه وموجعه ، تسال نفسها كثيرا ، ليه ياربي خلتني احبه ويكاد المفتاح الصدأ المعلق في رقبته يجيبها قدرك ياهنا ، وكل واحد متعلق في رقبته قدره ممانوش مفر!!!
ولانه قدرها ابتعدت عنه لكنها تحبه ولانه قدرها ابتعد عنها ومازال يحبها ، ربما لن يتزوجها وربما لن تكون نصيبه وحياته لكنها حبيبة قلبه كانت وستظل وتبتسم ابتسامه واسعه لاينساها ابدا ، وفانوس رمضان يأتيها منيرا بروحه فتضعه علي الرف بجوار كل فوانيسه التي حملت ابتسامته وروحه ويقينها بحبه الذي يتواري بسبب البيت والمفتاح والوعد لكنه موجود يؤنس وحشتها ووحشه لياليها البارده و.......... كل سنه وانت طيب ياحبيبي !!!!

( 18 )
بعد الموت

اقترب كامل من يوسف في سرادق اخيه ابراهيم  ، اقترب منه وهو يبكي رحيل شقيقه الاكبر ، البقيه في حياتك يايوسف ، احتضنه يوسف بمنتهي الحب ، سنوات طويله لم يراه ، منذ غضب منه يوم موت جده ورحل عن البيت وقاطعه ، هل نحتاج الموت لنتجمع ياعمي، لا نحتاج العقل ياابن اخي وكفاك جنون ، ادرك يوسف مايخبئه له العم وعرف مالذي سيواجهه ، ربت علي ظهره بحنان وحب وتمني لو نسي البيت وبيعه وفتح له بيته وحضنه وزوجه ابنته التي لايحب غيرها ، لكن كامل لايفكر الا في البيت وبيعه وزواجه بهنا كوم وبيع البيت كوم ثاني ، رفع كامل رأسه والتجاعيد تزركش وجهه وهمس ليوسف ، ماعدش في العمر بقيه يايوسف ، كفايه عند ، حياتك ضاعت وحياه هنا ، البيت ده نكد علينا كلنا ، كفايه نكد !! ارتعش يوسف ، هاهو عمه يذكره بمصيبته وفقده ، يذكره بالحبيبه التي لم يمنحها له راضيا وابت هي تتزوجه رغما عن ابيها فاحترم ارادتها ومرت السنوات عجاف بائسه ، هاهو عمه يذكره بحبه لهنا وحرمانه منها وكأنه يقايضه ، تخلي عن العائله وبيتها والمفتاح الصدأ واساطيره وعش وتزوج وانجب اطفالا سعداء ، سعداء ، من قال هذا ، انجب اطفال تعساء يلاحقهم العار طيله الحياه هم وسلسالهم الزفر ، كفايه يايوسف ، يربت عليه حاضر ياعمي نتكلم اخر الليل ، ياريت ياابني نتكلم العمر عدي ومعدش فيه وقت علشان نتصالح ماتعبتش من الحرب ، سؤال لايقوي يوسف يجاوبه ، لم يتعب من الحرب احد في الدنيا مثله ، دفع ثمن الحرب باهظا ، ابيه خاصمه في اخر  حياته حتي مات وعمه يحاربه ويشهر بيه وحبيبة القلب بعيده لايملك يقترب منها ولايقوي ينساها ، تصور يوسف واهما ان الحرب اوشكت تنتهي لم يعرف مالذي يخبئه له العم لكنه سرعان مااكتشف ، ابوك مات وقبله عمك مات ، يعني انت واخواتك ليكم تلت البيت وانا واولادي لينا تلت واولاد مصطفي ليهم التلت  ، نبيعه ونلم زيتنا علي دقيقنا وتتجوز هنا ونعيش كلنا في تبات ونبات ، او تركب راسك فلا تتجوز ولا تتهبب وبينا وبين بعض المحاكم و.................عرف يوسف مصيره ، انها المحاكم والقضايا والحرمان من حبيبه القلب التي لايسكن ولن يسكن قلبه غيرها هنا و....... امر الله غالب ياعمي !!!

( 19 )
خطاب

ده فانوس رمضان ، ودي علبه شمع ، وده جواب كتبته لك علشان تخليه معاكي مهما الزمن مر !!!
تجلس امامه علي منضده منخفضه في المطعم العريق الذي اختاره ليتسحرا معا ، مر عليها في التاسعه امام بيتها واصطحبها للسحور ، عرف من وجهها انها تشاجرت مع ابيها وانها خرجت بغير اذنه مصحوبه بلعناته لانها تكسر ضهره وتساند عدوه وخصمه وتساعده علي التكبر والافترا وحرمانه من ميراثه الشرعي ، صممت تخرج مع يوسف للسحور وهي تعد ابيها ، ربما تكون المره الاخيره التي اقابله ، لااقويه عليك لانه لايحتاج قوتي ولا اسانده لان عائله ال اليوسف التي نحمل لقبها تسانده ، مهما تشاجرت معه وحاربته لن يرضخ لك والمفتاح في رقبته لن يخلعه ولن يبع البيت ، انت تقوي تحاربني انا وتحرمني من فرحتي ، ساخضع لك لاني ابنتك وحسن الادب وواجبي تجاهك يفرضا عليك طاعتك مهما كان ثمن تلك الطاعه ، احبه وانت تعرف واتعذب ببعده وانت تعرف لكن لن اعصيك ولن اخالف ارادتك ، هذه المره ساخرج معه وربما تكون المره الاخيره ، ربما لكني لست واثقه ، الذي اثق منه تماما اني لن اخالفك ولن اعارضك ولن اتزوجه الا برضاك ، صرخ فيها وهي تخرج من باب البيت ، لن ارضي ولن اوافق ولن اسمح لكي ، بكت وهي تنزل السلم ، اذن حكمت علي بالشقاء !!!
استقبلها يوسف مهللا فرحا ، لمح بقايا الدموع في عينيها ، عرف قصتها وكل ماحدث ، لم يسألها ، قبض علي اصابعها وسار صوب المطعم الذي سيتسحرا فيه ، الشوارع مزدحمه وقرأن التراويح يلف المدينه بالتقوي ، صامته هي وصامت هو ، ينصتا لتلاوة القرآن بخشوع ورهبه ، انه كمثل اليوم الذي رحل فيه جدهما عن الحياه ، صوت القران وقتها امتلك روحيهما ، صامتين عشاق يسيرا في المدينه المزدحمه صوب المطعم العتيق الذي اختاره يوسف ليتقابلا فيه ، المفتاح الصدأ معلق في رقبته قدره وحبه معلق في رقبتها قدرها و............... يرجوا في رحمه ربهما وكرمه ، يتمنيا لو تلاشت كل العوائق بينهما ليتلاقيا بما يستحقاه كل منهما عند الاخر ، لكن رحمه ربنا لم يأتي ميعادها وكرمه لم يفض عليهما بعد ومازالا صامتين !!!
منحها الفانوس النحاسي الذي اعتاد يمنحها له كل عام ، علبه الشمعه ملونه مبهجه ، وقبلما تشكره ناولها الخطاب ، فيه ايه ، ااقريه ، لا قولي فيه ايه ، لا ماينفعش ، لازم تقريه حرف حرف ، ليه ، لاني قلت فيه كل اللي عايز اقوله ، ولاني عايزك تحتفظي بيه طول مااحنا بعاد ، بحزن سألته واحنا حنفضل بعاد كتير ، هز رأسه ، للاسف ايوه ، مقدرش اوعدك بحاجه لان مهرك غالي قوي ، لمعت الدموع في مقلتيها ، بس انا حاوعدك اني ، قاطعها وكتم صوتها براحة كفه ، اوعي توعديني باللي ماتقدريش عليه ، ازاحت كفه ، انا بوعدك بالحاجه الوحيده اللي اقدر عليها ، حاستناك مهما طال الزمن ، سقطت دمعه في كف يده ، وانت حبيبتي وحتفضلي حبيبتي وان طال الزمن !!!
دس الخطاب في حقيبه يدها وهو يرجوها ، ااقريه ياهنا مع نفسك وصدقي كل حرف فيه ، وطلب السحور !!!!

( 20 )
آل اليوسف

اسمع يايوسف ، همس الجد للحفيد ، كلنا حاربنا علشان البيت ده ، اخواتي واخواتك وابويا واعمامك وجدي واجدادك ، كلنا حاربنا علشان البيت ده ، لاانت اول واحد بتحارب ولااخر واحد ، البيت ده بيت العيله اللي بناه الجد الاكبر ، وصل علي الارض لما كانت بور ، زرعها بعرق جبينه وسهر لياليه ، شال الشوك من ارضها ورواها بدمه اللي سال والشوك بيقطع ايده ورجله وقلبه ، زرع الارض وخضرها وكل من خيرها وبني البيت ده طوبه طوبه وحجر حجر ، سنين بيبني فيه ولما اتجوز ستنا الكبيرة ، ساعدته وبنت معاه ، اوضه ورا اوضه وحيطه ورا حيطه ، زرع جنينته نخل وشجر وورد وياسمين ، نعناع اخضر ولوف وعنب وشجر جوافه ، كتب علي البوابة ، آل اليوسف ، وقرر واتعازم يعمل عيله كبيرة خلف كتير ، ولاد وبنات ، الولاد اتجوزت من عائلات غريبه والبنات دخل عليها رجاله من عائلات تانيه ، خاف جدنا الاكبر علي بيته ، جاب عراف من اللي بيهيموا في الصحرا علي وشهم مالهمش محط ولا هدف، قاله اتعزم علي البيت واحرسه ببركه سيدنا النبي وكل الانبيا واولياء الله الصالحين ، اتعزم علي البيت واحرسه وصونه ، العراف قرا القرأن ورش من ميه زمزم علي الحيطان والسور ورمي مفتاح الباب في البحر وقال ان رجع لي يبقي البيت حيفضل لكم كلكم وان طال الزمن ، السمكه بلعت المفتاح ونطت في شبكه العراف بعد سنين ، رجع العراف للجد الاكبر اللي كان قرب يياس ويحس قله حيلته ويتمكن من قلبه الخوف يحمي البيت ويحرسه ويصونه لكل سلساله ، العراف قاله مفتاحكم رجع في جوف مياسة اختارت شبكتي علشان تموت فيها ، مفتاحكم رجع محروس ببركه ربنا وسيدنا النبي ، جدنا الاكبر عيط من الفرحه ، العراف قاله المفتاح هو حجه البيت ، اللي متعلق في رقبته هو مالك البيت ، انتم بقي عليكم تعرفوا تختاروا يتعلق في رقبة مين ، عليكم تعرفوا تختاروا مين اللي حيحافظ عليه ويصونه هو والبيت ، جدنا الاكبر كتب حجه بخط ايده وقال البيت ده بره الميراث ، ده وقف للعيله واسمها ، قال تقدروا تبيعوا كل حاجه وتشتروها وتقسموا الارض وتقبضوا تمنها ، للورثه الشرعيين كل الحقوق علي كل حاجه الا البيت ، البيت لصاحب المفتاح وصاحب المفتاح عليه وعد وعهد يصونه واللي يخون العهد غدار تطارده لعنتنا هو وسلساله الزفر عايش وميت ، يشرح الجد يوسف للحفيد يوسف ، لاانت اول واحد حتحارب ولا اخر واحد ، البيت مطمع ، ارضه طاميه وخيرها وفير وهواه بحري وشمسه دافيه واللي رايح واللي جاي يشتهيه ويتمناه ، واللي يقف قدامه يتخطف يتمني يملكه وهو مالوش سعر ولاثمن ولامعروض للبيع ، لكن تقول لمين بقي ، ياما اولاد طمعت تبيعه وتشتري اللي مالوش لزمه وياما حريم طعمت في نصيبها في الميراث وقالوا حجه الجد ماتلزمناش وياما محاكم حكمت وقالت ده بره الميراث وماينطبقش عليه قواعده والوصيه واجبه ونافذه والحجه عهد علي الجميع ، ياما حاربنا علشان البيت ، بيت آل اليوسف ، زي كل البيوت شبههم ، لكن مش كل البيوت جدرانها مبنيه بالشرف ورجالتها حافظوا عليها زي ماحافظنا احنا عليها ، لما الدنيا تقسي عليك ، افتكر انه واحد من ضمن كتير ، صانوا البيت ولسه حيصونوه ، وانك بتدفع ثمن غالي للشرف والعهد اللي مايتقدرش بتمن ، وانك شايل المفتاح تحافظ عليه وعلي البيت للي جاي من بعدك ، وانك حتتشكر زي كل اللي اتشكروا وتتحمد زي كل اللي اتحمد تعبهم وانك اخترت تكتب اسمك في صفحه الفرحه وقفلت صفحات العار في وش اصحابها ، لاانت اول واحد ولااخر واحد تتعذب بالبيت ، والبيت ده مش حيطان وجنينه ، البيت ده تاريخ وقصه طويله وعرق ودم ورجاله وستات دافعوا عنه واتعذبوا بيه وفرحوا برضه ، اللي مش فاهم يقول حيطان تتهد واللي فاهم يقول تاريخ ممتد والحيطان رخيصه زي اللي عايز يبيعها والتاريخ مالوش ثمن زي اللي بيحافظ عليه ، وانت اختار ، تتكسر ولا تحارب !! يستيقظ يوسف من حلمه وهو يهمس لجده ، حاحارب ياجدي حاحارب ويبكي لان هنا لم تأتيه في الحلم مثل كل ليله ، ابتسم جده في مكانه العالي يواسيه غياب هنا ، ماهو ياابني ياكنت انا اجي ياكانت هي ، والبنت الحق كانت عايزه تيجي لكنها فسحت لي علشان اقوي قلبك ، الحق البنت قلقانه عليك لكن مابيدها حيله ، همس يوسف ، كلنا مابيدنا حيله ياجدي ، لا انت قادر يايوسف ماتخيبش ظني فيك ، همس المفتاح الصدأ المعلق في رقبه يوسف وسط الحلم الذي يخبو ويتواري ويقفز ويستلب عقله ويقظته ونومه ، عمره مايخيب ظنك ياحاج ده راجل ابن راجل من ضهر راجل!!!
يهمس يوسف وهو نائم وكأنه يناديها لتأتيه كأنه يرجوها تسمعه ، ياهنا ، ياهنا ، باحبك ياهنا ، يبتسم الجد يشفق علي يوسف من قلبه الممزق بحبها ، لاهي نصيبك ولاانت نصيبها ، لا ياجدي ، هي نصيبي وانا نصيبها واللقا كمان نصيب وكل حي مسيره يشوف اللي مكتوب علي جبينه !! لاهي نصيبك ولا انت نصيبها ، انتم موعودين والوعد دين والحر يوفي الدين ومايهربش منه ، انتم موعودين !!!
ويستيقظ يوسف من نومه يمد اصابعه مرتاعا يتأكد ان المفتاح ماال معلقا في رقبته ، يربت عليه بحنان وهو قابع في حضنه مستكينا لحمايته ويتمناه هنا ويتمني لو دخل في حضنها لكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه ومازال النصيب ماجاش وقته !!!!

( 21 )
الصورة

جلس يوسف علي مكتبه ، يبعثر في اوراقه يبحث عن خطاب مهم ارسله له مكتبه ، يبعثر في الاوراق المكدسه في الادراج ، فواتير نور وخطابات من البنك وقصاصات من صحف وجرائد اراد الاحتفاظ بها ، يبعثر في الاوراق اكثر واكثر ، انزلقت من بين الاوراق صورة قديمة ، امسكها وحدق فيها طويلا ، هاهو جده قبل رحيله ، وهاهي هنا باسنانها المعووجه وهاهو البيت الذي منحه كل حياته طائعا راضيا سعيدا و............. رؤوف !!!!
حدق في الصورة طويلا واحسها رساله من جده الذي لم يكف عن التواصل معه منذ رحيله تاره في الاحلام وتاره بالافكار وتاره بترتيب الصدف المستحيله لتفتح امامه الابواب المغلقه ... يحدق في الصورة ، نعم هذا رؤوف !!!
ابتسم بحزن ، وقرر يبحث عن طريق يتواصل به مع ابن عمه الغائب خارج الوطن سنوات طويله وترحم علي عمه مصطفي وجده وعلي كل موتي ال اليوسف !!!

( 22 )
السفر

انا حاسافر يابابا ، اوضحت هنا لكامل قراراها الصعب ، عندي منحه من الكليه علشان الدكتوراه ومش حافوتها ، حتسافري وتسبيني ياهنا ، حاسافر اه لكن اسيبك لا ، عمري مااسيبك ، هربانه من يوسف ، هو مافيش غيره في الدنيا ، ياتتجوزيه وتكسريني ياتسافري وتكسريني ، انتفض كامل غاضبا من ابنته ، دخلتي علي التلاتين ولسه عانس ، يهينها ويوجعها مثلما يوجعه سفرها ، تتجاهل المعاني السخيفه لكلماته ، تحملها علي معناها الطيب الذي يواريه ، عايز يتطمن عليها وهي حالها لايسر عدو ولا حبيب ، ياعالم ترجعي تلاقيني عايش ولاميت ، ربنا يديك طوله العمر ، مش كنتي قعدتي معانا انا وامك واخواتك ، ليه تحكمي علي نفسك بالغربه ، كادت تضحك ، غربه اكثر مما تعيشها ، بعد يوسف عنها غربة وحياتها مع ابيها الذي لايكف يضمر شرا لحبيبها غربه والبيت المغلق المسكون باشباحه غربه وسنوات العمر التي تمر عجاف قاحله غربه و............. دول اربع سنين اجيب الدكتوراه وارجع علي طول !!!
غاضب منها ابيها وحانق عليها ، يتمناها لو افلحت تقنع يوسف يبيع البيت ، لكنها تسانده بصمتها ، تسانده بانتظاره الطويل ، لاتتزوج وهو ايضا لايتزوج ، وكأنها ينتظرا موته ، عايز اجوزك قبل مااموت ، تضحك ، يرغب الانتقام من يوسف حيا وميتا ، النصيب لسه ماجاش ، لا انت اللي عنيده وراكبه راسك وميت عريس اتقدم لك وكلهم احسن من بعض ، القلب ومايريد ياحاج كامل ، تسخر منه ، تفهمه بطريقه متواريه ان قلبها مع يوسف وانه لن يقوي يقهرها تتزوج بمن لاتحبه ، انت فاهماه بيحبك ، لو بيحبك كان سمع كلامي وقدم لك مهرك واتجوزتوا من زمان ، لاتجادله ، مابحبنيش ولا حاجه ومسيره يتجوز علشان يريحك ، انا ماليش دعوه بيه انا عايزك انتي اللي تريحيني وتتجوزي !! تصمت ، حاسافر اعمل الدكتوراه ولما يجي النصيب حاتجوز !!!
كلماتها اوجعتها ، هل فعلا سيتجوز يوسف ويتركها تتلظي بغرامه وتحترق بالشوق اليه ، هل فعلا سيتجوز يوسف وينساها ، وينجب يوسف جديد يسلمه المفتاح ويسخره للحفاظ علي البيت ، هل ستنساني يايوسف ، كلماتها اوجعتها وكادت تبكي ، كادت تصدق كلامها الكاذب الذي قررت تسكت به ابيها ، كادت تصدقه ، وقتها انتفض يوسف غاضبا وزجرها ، فوقي ، صرخ فيها لتفيق ، لاتصدقي نفسك وانت تكذبي علي ابيكي ، تعرفي اني احبك ولن احبك غيرك واني لن اتزوج غيرك ولو بقيت العمر كله انتظرك ، كفي عن الكذب ، سمعت وابتسمت ، ربما تستفزه لينطق ، عاتبها لانه حبه ظاهر لايحتاج استفزاز ، حتسافري ، اه ، بالسلامه همس فاطمئنت ، حتزورني ، لا ، لا باستنكار سالته ، لا لاني دايما معاكي والزياره بين الغرباء وبين البعاد ولست غريبا ولست بعيدا فانا معكي دائما تحت جلدك وفي مسامك واسكن روحك وقلبك وانتي ايضا !!!
خلي بالك من نفسك ، همس يوسف وهو يودعها في المطار ، تواري بعيدا عن ابيها وهو يحتضنها وعن امها وهي تدعو لها وعن اشقاءها وهم يذكروها بالهدايا التي ستشتريها لهم ، تواري بعيدا ، وحين خرجوا من صاله السفر اقترب من السياج الذي تقف خلفه ، ولوح لها وهمس خلي بالك من نفسك ، سمعت صوته ولوحت له فاحتضنها بعينيه واوصاها ، تخلي بالك من نفسك وتطميني عليك دايما وسافرت وتركته يحمل مفتاح البيت معلقا في رقبته عهد ووعد ودين ومسئولية !!!ا

نهاية الجزء الثاني ويتبعه الجزء الثالث